عرض مشاركة واحدة
  #44  
قديم 6 صفر 1439هـ/26-10-2017م, 11:46 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

حجيّة تفسير التابعين
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (حجيّة تفسير التابعين
تفسير التابعين على مراتب فمنه ما يعدّ حجّة قاطعة للنزاع، ومنه ما هو مرجّح قويّ، ومنه ما هو محلّ اعتبار ونظر.

فأمّا حجيّة تفسير التابعين فهي في حال اتّفاقهم وعدم اختلافهم في التفسير.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (إذا اجتمعوا على شيء فلا يرتاب في كونه حجة).
والإجماع يُعرف بشهرة الأقوال وعدم المخالف.
وأمّا المرجّح القويّ فهو إذا تعددت الروايات عن جماعة منهم على قول واحد، أو عُلم بقرائن الأحوال أن التابعيّ أخذ هذا التفسير عن أحد الصحابة وليس اجتهاداً منه ولا مما أخذ من أخبار بني إسرائيل فإنّه من المرجحات التي يستفاد بها ترجيح هذا القول على غيره ما لم تكن له علّة أخرى.
وأما ما يكون محلّ اعتبار ونظر فهو القول الذي يصحّ عن التابعي ودلالته محتملة، ولا نقف على ما يوجب ردّه.
ومن أقوال التابعين ما يُتوقّف فيها وتجعل عهدتها على قائلها لخفاء الدليل الذي استند عليه أو يكون مما لا يقال بالرأي ولم يأخذه من الإسرائيليات وليس فيه نكارة فهذا القول تجعل عهدته على قائله ولا نقابله بالإنكار من غير دليل.
ومن ذلك ما رواه ابن أبي شيبة وابن جرير من طريق محمد بن فضيل عن ليث، عن مجاهد، في قوله تعالى: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} قال: يجلسه معه على عرشه).
فهذا الأثر تفرّد به ليث عن مجاهد ، وليث ضعيف الحديث، ولو صحّ عن مجاهد فهو في حكم المرسل؛ لأنه مما لا يقال بالرأي.
وقد أنكر الأئمة على من أنكر هذا الأثر من الجهمية لأن منشأ إنكارهم ليس ضعف الإسناد وإنما استنكروا المتن، وتوهّموا فيه ما توّهموه في صفة العلو لله تعالى واستوائه على العرش، ومن المعلوم أن جلوسه - إن صحّ - ليس كجلوس النظير مع نظيره تعالى الله عما يظنّون، وليس لأحد دون الله نصيب من الملك، وإنما هو إجلاس تكريم وتشريف ، وعرش الله عظيم، بل ذكر أنه أعظم المخلوقات؛ فمن غير المستنكر أن يكرمه الله تعالى بموضع يجلس فيه على العرش.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (يجوز أن يكون مقامًا مخصوصًا لمقعد النبي صلى الله عليه وسلم)
واستدلّ بحديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما قضى الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش إن رحمتي غلبت غضبي»
وهذا حديث صحيح متّفق عليه، وفيه أن لهذا كتاب موضعاً كريماً على العرش.
وقال ابن جرير: (ما قاله مجاهد من أن الله يقعد محمدا صلى الله عليه وسلم على عرشه قول غير مدفوع صحته، لا من جهة خبر ولا نظر، وذلك لأنه لا خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحابه، ولا عن التابعين بإحالة ذلك..)
ثم أطال في بيان عدم استحالة ذلك من جهة النظر.
وأنكر الأئمة على من أنكر هذا الحديث من باب التجهّم، وقد غلا بعض من كتب في السنة حتى كفّر من أنكر هذا الأثر، وهو خطأ بيّن؛ فإنّه لم يثبت بدليل صحيح، لكننا نصون أنفسنا عن القول بنفيه لأنه قول بغير علم في أمر غيبيّ، الله أعلم به.
وقد جرت محنة عظيمة بسبب هذا الأثر في القرن الثالث الهجري، وأوذي فيها بعض الأئمة،
وقد روي عن الدارقطني أنه أنشد:
حديث الشفاعة في أحمد ... إلى أحمد المصطفى نسندُهْ
فأما حديثٌ بإقعاده ... على العرش أيضاً فلا نجحدُهْ
أمرّوا الحديث على وجهه ... ولا تدخلوا فيه ما يفسدُهْ
ولا تنكروا أنه قاعد ... ولا تجحدوا أنه يقعدُهْ
ورويت هذه الأبيات عن ابن العلاف الضرير ولعلّ الدارقطني تمثّل بها.
والمقصود أن مثل هذا القول تُجعل عهدته على قائله ولا ننكره من غير دليل.
وأما الأقوال التي فيها نكارة بمخالفتها لنصّ أو إجماع فتردّ.
وإذا اختلف التابعون على أقوالٍ لا يمكن الجمع بينها فلا يعدّ قول كل واحد منهما حجة على الآخر، وإنما يطلب الترجيح بين أقوالهم بطرق الترجيح المعروفة عند أهل العلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (متى اختلف التابعون لم يكن بعض أقوالهم حجة على بعض)). [طرق التفسير:105 -108]


رد مع اقتباس