العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة النساء

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12 ربيع الثاني 1434هـ/22-02-2013م, 01:00 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير سورة النساء [ من الآية (122) إلى الآية (124) ]

تفسير سورة النساء
[ من الآية (122) إلى الآية (124) ]


بسم الله الرحمن الرحيم
{وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً (122) لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا (123) وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 07:36 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({قيلًا} [النساء: 122]:«وقولًا واحدٌ»). [صحيح البخاري: 6/47] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله قيلا وقولًا واحدٌ قال أبو عبيدة في قوله تعالى ومن أصدق من اللّه قيلا وقيلًا وقولًا واحدٌ). [فتح الباري: 8/257]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (قيلاً وقولاً واحدٌ
أشار به إلى قوله تعالى: {ومن أصدق من الله قيلاً} (النّساء: 122) قوله: (قيلا وقولاً واحد) ، يعني: كلاهما مصدران بمعنى واحد، وأصل قيلاً قولا قلبت الواو ياء لوقوعها بعد الكسرة). [عمدة القاري: 18/181]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({قيلًا}) يريد قوله تعالى: {ومن أصدق من الله قيلًا} [النساء: 122] والنصب على التمييز وقيلًا (وقولًا واحد) وقالًا الثلاثة مصادر بمعنى). [إرشاد الساري: 7/89]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات سندخلهم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا وعد اللّه حقًّا ومن أصدق من اللّه قيلاً}
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات} والّذين صدّقوا اللّه ورسوله، وأقرّوا له بالوحدانيّة ولرسوله صلّى اللّه عليه وسلّم بالنّبوّة وعملوا الصّالحات، يقول: وأدّوا فرائض اللّه الّتي فرضها عليهم {سندخلهم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار} يقوله: سوف ندخلهم يوم القيامة إذا صاروا إلى اللّه جزاءً بما عملوا في الدّنيا من الصّالحات جنّاتٍ: يعني بساتين تجري من تحتها الأنهار {خالدين فيها أبدًا} يقول: باقين في هذه الجنّات الّتي وصفها أبدًا دائمًا. وقوله {وعد اللّه حقًّا} يعني: عدةٌ من اللّه لهم ذلك في الدّنيا حقًّا، يقينًا صادقًا، لا كعدة الشّيطان الكاذبة الّتي هي غرورٌ من وعدها من أوليائه، ولكن عدةٌ ممّن لا يكذب ولا يكون منه الكذب ولا يخلف وعده.
وإنّما وصف جلّ ثناؤه وعده بالصّدق والحقّ في هذه لما سبق من خبره جلّ ثناؤه، عن قول الشّيطان الّذي قصّه في قوله، وقال: {لأتّخذنّ من عبادك نصيبًا مفروضًا ولأضلنّهم ولأمنّينّهم ولآمرنّهم فليبتّكنّ آذان الأنعام} ثمّ قال جلّ ثناؤه: {يعدهم ويمنّيهم وما يعدهم الشّيطان إلاّ غرورًا} ولكنّ اللّه يعد الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات أنّه سيدخلهم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا، وعدًا منه حقًّا، لا كوعد الشّيطان الّذي وصف صفته. فوصف جلّ ثناؤه الوعدين والواعدين وأخبر بحكم أهل كلّ وعدٍ منهما تنبيهًا منه جلّ ثناؤه خلقه على ما فيه مصلحتهم وخلاصهم من الهلكة والعطب، لينزجروا عن معصيته ويعملوا بطاعته، فيفوزوا بما أعدّ لهم في جنانه من ثوابه.
ثمّ قال لهم جلّ ثناؤه: {ومن أصدق من اللّه قيلاً} يقول: ومن أصدق أيّها النّاس من اللّه قيلاً: أي لا أحد أصدق منه قيلاً، فكيف تتركون العمل بما وعدكم على العمل به ربّكم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا، وتكفرون به، وتخالفون أمره، وأنتم تعلمون أن لا أحد أصدق منه قيلا، وتعملون بما يأمركم به الشّيطان، رجاءً لإدراك ما يعدكم من عداته الكاذبة وأمانيّه الباطلة، وقد علمتم أنّ عداته غرورٌ لا صحّة لها ولا حقيقة، وتتّخذونه وليًّا من دون اللّه وتتركون أن تطيعوا اللّه فيما يأمركم به وينهاكم عنه، فتكونوا له أولياء؟ ومعنى القيل والقول واحدٌ). [جامع البيان: 7/505-506]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال: إن أصدق الحديث كلام الله.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود قال: كل ما هو آت قريب إلا أن البعيد ما ليس بآت ألا لا يعجل الله لعجلة أحد ولا يجد لأمر الناس ما شاء الله لا ما شاء الناس يريد الله أمرا ويريد الناس أمرا ما شاء الله كان ولو كره الناس لا مقرب لما باعد الله ولا مباعد لما قرب الله ولا يكون شيء إلا بإذن الله أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وخير ما ألقي في القلب اليقين وخير الغنى غنى النفس وخير العلم ما نفع وخير الهدي ما اتبع وما قل وكفى خير مما كثر وألهى وإنما يصير أحدكم إلى موضع أربعة أذرع ألا لا تملوا الناس ولا تسئموهم فإن لكل نفس نشاطا وإقبالا وإن لها سآمة وإدبارا ألا وشر الروايا روايا الكذب والكذب يقود إلى الفجور وإن الفجور يقود إلى النار ألا وعليكم بالصدق فإن الصدق يقود إلى البر وإن البر يقود إلى الجنة واعتبروا في ذلك أيهما الفئتان التقا يقال للصادق صدق وبر ويقال للكاذب كذب وفجر وقد سمعنا نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: لا يزال العبد يصدق حتى يكتب صديقا ولا يزال يكذب حتى يكتب كذابا.
ألا وإن الكذب لا يصلح في جد ولا هزل ولا أن يعد الرجل منكم صبيه ثم لا ينجز له ألا ولا تسالوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم قد طال عليهم الأمد فقست قلوبهم وابتدعوا في دينهم فإن كنتم لا محالة سائليهم فما وافق كتابكم فخذوه وما خالفه فأمسكوا عنه واستكوا ألا وإن أصفر البيوت البيت الذي ليس فيه من كتاب الله شيء ألا وإن البيت الذي ليس فيه من كتاب الله خرب كخراب البيت الذي لا عامر له ألا وإن الشيطان يخرج من البيت الذي يسمع سورة البقرة تقرأ فيه.
وأخرج البيهقي في الدلائل عن عقبة بن عامر قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فأشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كان منها على ليلة فلم يستيقظ حتى كانت الشمس قيد رمح قال: ألم اقل لك يا بلال أكلئنا الليلة فقال: يا رسول الله ذهب بي النوم فذهب بي الذي ذهب بك فانتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك المنزل غير بعيد ثم صلى ثم هدر بقية يومه وليلته فأصبح بتبوك فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله وأوثق العرا كلمة التقوى وخير الملل ملة إبراهيم وخير السنن سنة محمد صلى الله عليه وسلم وأشرف الحديث ذكر الله وأحسن القصص هذا القرآن وخير الأمور عوازمها وشر الأمور محدثاتها وأحسن الهدي هدي الأنبياء وأشرف الموت قتل الشهداء وأعمى العمى الضلالة بعد الهدي وخير العلم ما نفع وخير الهدى ما اتبع وشر العمى عمى القلب واليد العليا خير من اليد السفلى وما قل وكفى خير مما كثر وألهى وشر المعذرة حين يحضر الموت وشر الندامة يوم القيامة ومن الناس من لا يأتي الصلاة إلا دبرا ومنهم من لا يذكر الله إلا هجرا وأعظم الخطايا اللسان الكذوب وخير الغنى غنى النفس وخير الزاد التقوى ورأس الحكمة مخافة الله عز وجل وخير ما وقر في القلوب اليقين والإرتياب من الكفر والنياحة من عمل الجاهلية والغلول من جثاء جهنم والكنز كي من النار والشعر من مزامير إبليس والخمر جماع الإثم والنساء حبالة الشيطان والشباب شعبة من الجنون وشر المكاسب كسب الربا وشر المآكل مال اليتيم والسعيد من وعظ بغيره والشقي من شقي في بطن أمه وإنما يصير أحدكم إلى موضع أربع أذرع والأمر بآخره وملاك العمل خواتمه وشر الروايا روايا الكذب وكل ما هو آت قريب وسباب المؤمن فسوق وقتال المؤمن كفر وأكل لحمه من معصية الله وحرمة ماله كحرمة دمه ومن يتأول على الله يكذبه ومن يغفر يغفر له ومن يغضب يغضب الله عنه ومن يكظم الغيظ يأجره الله ومن يصبر على الرزية يعوضه الله ومن يتبع السمعة يسمع الله به ومن يصبر يضعف الله له ومن يعص الله يعذبه الله اللهم اغفر لي ولأمتي قالها ثلاثا: استغفر الله لي ولكم.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود أنه كان يقول في خطبته: أصدق الحديث كلام الله فذكر مثله سواء). [الدر المنثور: 5/29-32]

تفسير قوله تعالى: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني ابن لهيعة وحيوة بن شريحٍ، عن ابن الهاد، عن محمد ابن إبراهيم التّيميّ أنّه لمّا أنزلت هذه الآية: {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب من يعمل سوءً يجز به}، قال أبو بكرٍ: يا رسول اللّه، إنّا لمجزون بأعمالنا، فقال رسول اللّه: أمّا المؤمن فيزجى بها في الدّنيا، وأمّا الكافر فيجزى بها يوم القيامة). [الجامع في علوم القرآن: 1/114]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن جابر الجعفي قال معمر وأخبرني أيضا رجل أصدقه عن إسماعيل بن أبي خالد عن رجل من فقهاء أهل الكوفة عن أبي بكر الصديق أنه قال يا نبي الله كيف الصلاح مع هذه الآية من يعمل سوءا يجز به فقال يا أبا بكر ألست تحزن ألست تمرض ألست تنصب ألست تصيبك اللأواء قال بلى قال فذلك فما تجزون به). [تفسير عبد الرزاق: 1/174]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي بكر بن أبي زهيرٍ قال: قال أبو بكرٍ كيف الإصلاح بعد هذه الآية يا رسول اللّه {من يعمل سوءا يجز به} فإن عملنا سوءًا نجز به؟ فقال: ((غفر اللّه لك يا أبا بكر)) ثلاث مرّاتٍ ((ألست تمرض ألست تنصب ألست تصيبك اللّاواء؟ فإنّ ذلك ممّا تجزون به في الدّنيا)) [الآية: 123]). [تفسير الثوري: 97]

قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب من يعمل سوءًا يجز به ولا يجد له من دون الله وليًّا ولا نصيرًا (123) ومن يعمل من الصّالحات من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ فأولئك يدخلون الجنّة ولا يظلمون نقيرًا} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ، قال: قالت العرب: لا نبعث ولا نحاسب، وقالت النّصارى: لن تمسّنا النّار إلّا أيّامًا معدودةً، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب من يعمل سوءًا يجز به}.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مسروق - في قوله عزّ وجلّ: {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب} - قال: احتجّ المسلمون وأهل الكتاب، فقال المسلمون: نحن أهدى منكم، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب}، فأفلج عليهم المسلمون بهذه الآية: {ومن يعمل من الصّالحات من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ...} إلى آخر الآية.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن (عمر بن) عبد الرّحمن بن محيصن، سمع محمّد بن قيس بن مخرمة يخبر عن أبي هريرة قال: لمّا نزلت: {من يعمل سوءًا يجز به}، شقّ ذلك على المسلمين، فقال لهم رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: ((قاربوا وسدّدوا، فإنّ كلّ ما يصاب به المسلم كفّارة، حتّى الشّوكة يشاكها، والنّكبة ينكبها)).
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن أبي بكر بن عمارة بن رويبة الثّقفي، قال: لمّا نزلت: {من يعمل سوءًا يجز به}، فقال أبو بكرٍ: كيف الصّلاح بعد هذا؟، فقال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: ((يرحمك اللّه يا أبا بكرٍ! ألست تمرض؟ ألست تصيبك اللأواء ؟)) قال: ((فذاك بذاك)).
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا خلف بن خليفة، قال: نا إسماعيل بن أبي خالدٍ، قال: نا أبو بكرٍ - في زمن الحجّاج -، عن أبي بكرٍ الصّدّيق رضي اللّه عنه: {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب من يعمل سوءًا يجز به}، قلت: يا رسول اللّه كيف الصّلاح بعد هذا؟ فقال: ((يا أبا بكرٍ، أما تهتمّ؟ أما تحزن؟ أما تصيبك الّلأواء؟)). قلت: بلى يا رسول اللّه، قال: ((فهذا بهذا)).
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو معاوية الضّرير، قال: نا إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن أبي بكر بن أبي زهير قال: قال أبو بكرٍ الصّدّيق رضي اللّه عنه: كيف الصّلاح بعد هذه الآية: {من يعمل سوءًا يجز به} ؟ قال: ((يا أبا بكرٍ، ألست تمرض؟ ألست تصيبك اللأواء؟ قال: بلى، قال: فإنّ ذلك ممّا تجزون به)).
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو معاوية، عن عاصمٍ الأحول، عن الحسن - في قوله عزّ وجلّ: {من يعمل سوءًا يجز به} -، قال الحسن: إنّما ذاك لمن أراد اللّه عزّ وجلّ هوانه، فأمّا من أراد اللّه كرامته، فإنّه يتجاوز عن سيّئاته، وعد الصدق الذي كانوا يوعدون.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عبد اللّه بن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، أنّ بكر بن سوادة حدّثه، أنّ يزيد بن أبي يزيد حدّثه، عن عبيد بن عمير، عن عائشة رضي اللّه عنها أنّ رجلًا تلى هذه الآية: {ن يعمل سوءًا يجز به}، فقال: إنّا لنجزى بكلّ عملٍ عملناه؟ هلكنا! فبلغ ذلك رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، فقال: ((نعم، يجزى به المؤمن في الدّنيا، في نفسه، في جسده، فيما يؤذيه)).
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مسلم بن صبيح قال: قال أبو بكرٍ: يا رسول اللّه، ما أشدّ هذه الآية {من يعمل سوءًا يجز به} ! فقال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: ((يا أبا بكرٍ، إنّ المصيبة في الدّنيا جزاءٌ)) ). [سنن سعيد بن منصور: 4/1376-1396]

قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا أبو معاوية، عن عاصمٍ، عن الحسن؛ في قول الله تعالى: {من يعمل سوءًا يجز به} قال: قال الحسن: ذاك لمن أراد اللّه هوانه، فأمّا من أراد اللّه كرامته فإنّه يتجاوز عن سيّئاته في أصحاب الجنّة {وعد الصّدق الّذي كانوا يوعدون}). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 485]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا محمّد بن يحيى بن أبي عمر، وعبد الله بن أبي زيادٍ المعنى واحدٌ، قالا: حدّثنا سفيان بن عيينة، عن ابن محيصنٍ، عن محمّد بن قيس بن مخرمة، عن أبي هريرة، قال: لمّا نزل: {من يعمل سوءًا يجز به} شقّ ذلك على المسلمين، فشكوا ذلك إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: قاربوا وسدّدوا، وفي كلّ ما يصيب المؤمن كفّارةٌ حتّى الشّوكة يشاكها والنّكبة ينكبها ابن محيصنٍ هو: عمر بن عبد الرّحمن بن محيصنٍ.
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ). [سنن الترمذي: 5/97]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا يحيى بن موسى وعبد بن حميدٍ قالا حدّثنا روح بن عبادة عن موسى بن عبيدة أخبرني مولى ابن سباعٍ قال سمعت عبد الله بن عمر يحدّث عن أبي بكرٍ الصّدّيق قال: كنت عند رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم فأنزلت عليه هذه الآية {من يعمل سوءًا يجز به ولا يجد له من دون الله وليًّا ولا نصيرًا} , فقال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم يا أبا بكرٍ ألا أقرئك آيةً أنزلت عليّ قلت بلى يا رسول الله قال فأقرأنيها فلا أعلم إلاّ أنّي قد كنت وجدت انقصامًا في ظهري فتمطّأت لها فقال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم ما شأنك يا أبا بكرٍ قلت يا رسول الله بأبي أنت وأمّي وأيّنا لم يعمل سوءًا وإنّا لمجزون بما عملنا فقال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم أمّا أنت يا أبا بكرٍ والمؤمنون فتجزون بذلك في الدّنيا حتّى تلقوا اللّه وليس لكم ذنوبٌ وأمّا الآخرون فيجمع ذلك لهم حتّى يجزوا به يوم القيامة
قال أبو عيسى هذا حديثٌ غريبٌ وفي إسناده مقالٌ وموسى بن عبيدة يضعّف في الحديث ضعّفه يحيى بن سعيدٍ وأحمد بن حنبلٍ ومولى ابن سباعٍ مجهولٌ وقد روي هذا الحديث من غير هذا الوجه عن أبي بكرٍ وليس له إسنادٌ صحيحٌ أيضًا وفي الباب عن عائشة). [سنن الترمذي: 5/98]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب}
- أخبرنا أبو بكر بن عليٍّ، حدّثنا يحيى بن معينٍ، حدّثنا ابن عيينة، عن ابن محيصنٍ، عن محمّد بن قيس بن مخرمة، عن أبي هريرة: لمّا نزلت {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب من يعمل سوءًا يجز به} [النساء: 123] شقّ ذلك على المسلمين، فأتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسألوه فقال: «قاربوا وسدّدوا، ففي كلّ ما يصاب به العبد كفّارةٌ، حتّى النّكبة ينكبها، والشّوكة يشاكها»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/72]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب من يعمل سوءًا يجز به ولا يجد له من دون اللّه وليًّا ولا نصيرًا}
اختلف أهل التّأويل في الّذين عنوا بقوله: {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب} فقال بعضهم: عني بقوله {ليس بأمانيّكم} أهل الإسلام.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن منصورٍ، عن أبي الضّحى، عن مسروقٍ، قال: تفاخر النّصارى وأهل الإسلام، فقال هؤلاء: نحن أفضل منكم، وقال هؤلاء: نحن أفضل منكم؛ قال: فأنزل اللّه: {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب}.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي الضّحى، عن مسروقٍ، قال: لمّا نزلت: {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب} قال أهل الكتاب: نحن وأنتم سواءٌ، فنزلت هذه الآية: {ومن يعمل من الصّالحات من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ}.
- حدّثني أبو السّائب وابن وكيعٍ قالا: حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مسلمٍ، عن مسروقٍ في قوله: {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب} قال: احتجّ المسلمون وأهل الكتاب، فقال المسلمون: نحن أهدى منكم، وقال أهل الكتاب: نحن أهدى منكم، فأنزل اللّه: {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب} قال: ففلج عليهم المسلمون بهذه الآية: {ومن يعمل من الصّالحات من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ} إلى آخر الآيتين.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: ذكر لنا أنّ المسلمين، وأهل الكتاب افتخروا، فقال أهل الكتاب: نبيّنا قبل نبيّكم، وكتابنا قبل كتابكم، ونحن أولى باللّه منكم. وقال المسلمون: نحن أولى باللّه منكم، نبيّنا خاتم النّبيّين، وكتابنا يقضي على الكتب الّتي كانت قبله. فأنزل اللّه: {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب، من يعمل سوءًا يجز به} إلى قوله: {ومن أحسن دينًا ممّن أسلم وجهه للّه وهو محسنٌ واتّبع ملّة إبراهيم حنيفًا} فأفلج اللّه حجّة المسلمين على من ناوأهم من أهل الأديان.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب من يعمل سوءًا يجز به} قال: التقى ناسٌ من اليهود والنّصارى، فقالت اليهود للمسلمين: نحن خيرٌ منكم، ديننا قبل دينكم، وكتابنا قبل كتابكم، ونبيّنا قبل نبيّكم، ونحن على دين إبراهيم، ولن يدخل الجنّة إلاّ من كان هودًا. وقالت النّصارى مثل ذلك. فقال المسلمون: كتابنا بعد كتابكم، ونبيّنا بعد نبيّكم، وقد أمرتم أن تتّبعونا وتتركوا أمركم، فنحن خيرٌ منكم، نحن على دين إبراهيم وإسماعيل وإسحاق، ولن يدخل الجنّة إلاّ من كان على ديننا. فردّ اللّه عليهم قولهم، فقال: {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب من يعمل سوءًا يجز به} ثمّ فضّل اللّه المؤمنين عليهم، فقال: {ومن أحسن دينًا ممّن أسلم وجهه للّه وهو محسنٌ واتّبع ملّة إبراهيم حنيفًا}.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيد بن سلمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب من يعمل سوءًا يجز به} تخاصم أهل الأديان، فقال أهل التّوراة: كتابنا أوّل كتابٍ وخيرها، ونبيّنا خير الأنبياء. وقال أهل الإنجيل نحوًا من ذلك. وقال أهل الإسلام: لا دين إلاّ دين الإسلام، وكتابنا نسخ كلّ كتابٍ، ونبيّنا خاتم النّبيّين، وأمرنا أن نعمل بكتابنا ونؤمن بكتابكم. فقضى اللّه بينهم، فقال: {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب من يعمل سوءًا يجز به} ثمّ خيّر بين أهل الأديان، ففضّل أهل الفضل، فقال: {ومن أحسن دينًا ممّن أسلم وجهه للّه وهو محسنٌ} إلى قوله: {واتّخذ اللّه إبراهيم خليلا}.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب} إلى: {ولا نصيرًا} تخاصم أهل الأديان، فقال أهل التّوراة: كتابنا خيرٌ من الكتب، أنزل قبل كتابكم، ونبيّنا خير الأنبياء. وقال أهل الإنجيل مثل ذلك. وقال أهل الإسلام: لا دين إلاّ الإسلام، كتابنا نسخ كلّ كتابٍ، ونبيّنا خاتم النّبيّين، وأمرتم وأمرنا أن نؤمن بكتابكم، ونعمل بكتابنا. فقضى اللّه بينهم فقال: {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب من يعمل سوءًا يجز} به وخيّر بين أهل الأديان فقال: {ومن أحسن دينًا ممّن أسلم وجهه للّه وهو محسنٌ واتّبع ملّة إبراهيم حنيفًا واتّخذ اللّه إبراهيم خليلا}.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا يعلى بن عبيدٍ، وأبو زهيرٍ، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن أبي صالحٍ، قال: جلس ناسٌ من أهل التّوراة وأهل الإنجيل وأهل الإيمان، فقال هؤلاء: نحن أفضل، وقال هؤلاء: نحن أفضل. فأنزل اللّه: {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب من يعمل سوءًا يجز به}، ثمّ خصّ اللّه أهل الإيمان فقال: {ومن يعمل من الصّالحات من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو أسامة، عن إسماعيل، عن أبي صالحٍ، قال: جلس أهل التّوراة وأهل الإنجيل وأهل الزّبور وأهل الإيمان، فتفاخروا، فقال هؤلاء: نحن أفضل، وهؤلاء: نحن أفضل. فأنزل اللّه: {ومن يعمل من الصّالحات من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ فأولئك يدخلون الجنّة ولا يظلمون نقيرًا}.
- حدّثنا يحيى بن أبي طالبٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: أخبرنا جويبرٌ، عن الضّحّاك، في قوله: {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب} قال: افتخر أهل الأديان، فقالت اليهود: كتابنا خير الكتب وأكرمها على اللّه، ونبيّنا أكرم الأنبياء على اللّه موسى، كلّمه اللّه قبلا، وخلا به نجيًّا، وديننا خير الأديان. وقالت النّصارى: عيسى ابن مريم خاتم الرّسل، وآتاه اللّه التّوراة والإنجيل، ولو أدركه موسى لاتّبعه، وديننا خير الأديان. وقالت المجوس وكفّار العرب: ديننا أقدم الأديان وخيرها. وقال المسلمون: محمّدٌ نبيّنا خاتم النّبيّين، وسيّد الأنبياء، والفرقان آخر ما أنزل من الكتب من عند اللّه، وهو أمينٌ على كلّ كتابٍ، والإسلام خير الأديان. فخيّر اللّه بينهم، فقال: {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب}.
وقال آخرون: بل عنى اللّه بقوله: {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب} أهل الشّرك به من عبدة الأوثان.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب} قال: قريشٌ قالت: لن نبعث ولن نعذّب.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ليس بأمانيّكم} قال: قالت قريشٌ: لن نبعث ولن نعذّب، فأنزل اللّه: {من يعمل سوءًا يجز} به.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: حدّثنا ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {ليس بأمانيّكم. ولا أمانيّ أهل الكتاب من يعمل سوءًا يجز به} قال: قالت العرب: لن نبعث ولن نعذّب؛ وقالت اليهود والنّصارى: {لن يدخل الجنّة إلاّ من كان هودًا أو نصارى}، أو قالوا {لن تمسّنا النّار إلاّ أيّامًا معدودةً} شكّ أبو بشرٍ.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب} قال: قريشٌ وكعب بن الأشرف وحده {من يعمل سوءًا يجز به}.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: سمعت ابن زيدٍ، يقول في قوله: {ألم تر إلى الّذين أوتوا نصيبًا من الكتاب} إلى آخر الآية، قال: جاء حييّ بن أخطب إلى المشركين، فقالوا له: يا حييّ، إنّكم أصحاب كتبٍ، فنحن خيرٌ أم محمّدٌ وأصحابه؟ فقال: نحن خير وأنتم خيرٌ منهم. فذلك قوله: {ألم تر إلى الّذين أوتوا نصيبًا من الكتاب} إلى قوله: {ومن يلعن اللّه فلن تجد له نصيرًا} ثمّ قال للمشركين: {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب} فقرأ حتّى بلغ: {ومن يعمل من الصّالحات من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ} رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه {فأولئك يدخلون الجنّة ولا يظلمون نقيرًا} قال: ووعد اللّه المؤمنين أن يكفّر عنهم سيّئاتهم، ولم يعد أولئك، وقرأ: {والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات لنكفّرنّ عنهم سيّئاتهم ولنجزينّهم أحسن الّذي كانوا يعملون}.
- حدّثنا ابن حميد، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن محمّد بن عبد الرّحمن، عن القاسم بن أبي بزّة، عن مجاهدٍ، في قوله: {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب من يعمل سوءًا يجز} به قال: قالت قريشٌ: لن نبعث ولن نعذّب.
وقال آخرون: عني به أهل الكتاب خاصّةً.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن أبي أسيدٍان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول: {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب} الآية، قال: نزلت في أهل الكتاب حين خالفوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
قال أبو جعفرٍ: وأولى التّأويلين بالصّواب في ذلك، ما قال مجاهدٌ من أنّه عنى بقوله: {ليس بأمانيّكم} مشركي قريشٍ. وإنّما قلنا ذلك أولى بالصّواب، لأنّ المسلمين لم يجر لأمانيّهم ذكرٌ فيما مضى من الآي قبل قوله: {ليس بأمانيّكم} وإنّما جرى ذكر أمانيّ نصيب الشّيطان المفروض، وذلك في قوله: {ولأمنّينّهم ولآمرنّهم فليبتّكنّ آذان الأنعام} وقوله: {يعدهم ويمنّيهم} فإلحاق معنى قوله: {ليس بأمانيّكم} بما قد جرى ذكره قبل أحقّ وأولى من ادّعاء تأويلٍ فيه، لا دلالة عليه من ظاهر التّنزيل، ولا أثر عن الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم، ولا إجماعٍ من أهل التّأويل.
وإذ كان ذلك كذلك، فتأويل الآية إذن: ليس الأمر بأمانيّكم يا معشر أولياء الشّيطان وحزبه الّتي يمنّيكموها وليّكم عدوّ اللّه من إنقاذكم ممّن أرادكم بسوءٍ، ونصرتكم عليه، وإظفاركم به، ولا أمانيّ أهل الكتاب الّذين قالوا اغترارًا باللّه وبحلمه عنهم: لن تمسّنا النّار إلاّ أيّامًا معدودةً، ولن يدخل الجنّة إلاّ من كان هودًا أو نصارى، فإنّ اللّه مجازي كلّ عاملٍ منكم جزاء عمله، من يعمل منكم سوءًا، أو من غيركم يجز به، ولا يجد له من دون اللّه وليًّا ولا نصيرًا، ومن يعمل من الصّالحات من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ فأولئك يدخلون الجنّة.
وممّا يدلّ أيضًا على صحّة ما قلنا في تأويل ذلك، وأنّه عني بقوله: {ليس بأمانيّكم} مشركو العرب كما قال مجاهدٌ: إنّ اللّه وصف وعد الشّيطان ما وعد أولياءه، وأخبر بحال وعده الصّادق بقوله: {والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات سندخلهم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا وعد اللّه حقًّا} وقد ذكر جلّ ثناؤه مع وصفه وعد الشّيطان أولياءه، وتمنيته إيّاهم الأمانيّ بقوله: {يعدهم ويمنّيهم} كما ذكر وعده إيّاهم، فالّذي هو أشبه أن يتبع تمنيته إيّاهم من الصّفة، بمثل الّذي أتبع عدته إيّاهم به من الصّفة. وإذ كان ذلك كذلك صحّ أنّ قوله: {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب} {من يعمل سوءًا يجز به} الآية، إنّما هو خبرٌ من اللّه عن أمانيّ أولياء الشّيطان وما إليه صائرةٌ أمانيّهم مع سيّئ أعمالهم من سوء الجزاء، وما إليه صائرةٌ أعمال أولياء اللّه من حسن الجزاء. وإنّما ضمّ جلّ ثناؤه أهل الكتاب إلى المشركين في قوله: {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب} لأنّ أمانيّ الفريقين من تمنية الشّيطان إيّاهم الّتي وعدهم أن يمنّيهموها بقوله: {ولأضلنّهم ولأمنّينّهم ولآمرنّهم}). [جامع البيان: 7/507-515]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {من يعمل سوءًا يجز به}
اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: عنى بالسّوء كلّ معصيةٍ للّه، وقالوا: معنى الآية: من يرتكب صغيرةً أو كبيرةً من مؤمنٍ أو كافرٍ من معاصي اللّه، يجازه اللّه بها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: أنّ بن الرّبيع زياد، سأل أبيّ بن كعبٍ عن هذه الآية: {من يعمل سوءًا يجز به} فقال: ما كنت أراك إلاّ أفقه ممّا أرى. النّكبة والعود والخدش.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا غندرٌ، عن هشامٍ الدّستوائيّ، قال: حدّثنا قتادة، عن الرّبيع بن زيادٍ، قال: قلت لأبيّ بن كعبٍ، قول اللّه تبارك وتعالى: {من يعمل سوءًا يجز به} واللّه إن كان كلّ ما عملنا جزينا به هلكنا. قال: واللّه إن كنت لأراك أفقه ممّا أرى، لا يصيب رجلاً خدشٌ ولا عثرةٌ إلاّ بذنبٍ، وما يعفو اللّه عنه أكثر، حتّى اللّدغة والنّفحة.
- حدّثنا القاسم بن بشر بن معروفٍ، قال: حدّثنا سليمان بن حربٍ، قال: حدّثنا حمّاد بن زيدٍ، عن حجّاجٍ الصّوّاف، عن أيّوب، عن أبي قلابة، عن أبي المهلّب، قال: دخلت على عائشة عن هذه الآية: {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب من يعمل سوءًا يجز به} قالت: ذاك ما يصيبكم في الدّنيا.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: أخبرني خالدٌ، أنّه سمع مجاهدًا، يقول في قوله: {من يعمل سوءًا يجز به} قال: يجز به في الدّنيا، قال: قلت: وما تبلغ المصيبات؟ قال: ما تكره.
وقال آخرون: معنى ذلك: من يعمل سوءًا من أهل الكفر يجز به.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا يزيد بن هارون، عن حمّاد بن سلمة، عن حميدٍ، عن الحسن: {من يعمل سوءًا يجز به} قال: الكافر. ثمّ قرأ: {وهل نجازي إلاّ الكفور} قال: من الكفّار.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا سهلٌ، عن حميدٍ، عن الحسن، مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا أبو همّامٍ الأهوازيّ، عن يونس بن عبيدٍ، عن الحسن، أنّه كان يقول: {من يعمل سوءًا يجز به} و{وهل نجازي إلاّ الكفور} يعني بذلك: الكفّار، لا يعني بذلك أهل الصّلاة.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا مباركٌ، عن الحسن، في قوله: {من يعمل سوءًا يجز به} قال: واللّه ما جازى اللّه عبدًا بالخير والشّرّ إلاّ عذّبه، قال: {ليجزي الّذين أساءوا بما عملوا ويجزي الّذين أحسنوا بالحسنى} قال: أما واللّه لقد كانت لهم ذنوبٌ، ولكنّه غفرها لهم، ولم يجازهم بها، إنّ اللّه لا يجازي عبده المؤمن بذنبٍ، إذًا توبقه ذنوبه.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: سمعت ابن زيدٍ، يقول في قوله: {من يعمل سوءًا يجز به} قال: وعد اللّه المؤمنين أن يكفّر عنهم سيّئاتهم، ولم يعد أولئك، يعني المشركين.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن عاصمٍ، عن الحسن: {من يعمل سوءًا يجز به} قال: إنّما ذلك لمن أراد اللّه هوانه؛ فأمّا من أراد كرامته فإنّه من أهل الجنّة {وعد الصّدق الّذي كانوا يوعدون}.
- حدّثني يحيى بن أبي طالبٍ، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا جويبرٌ، عن الضّحّاك: {من يعمل سوءًا يجز به} يعني بذلك: اليهود والنّصارى والمجوس وكفّار العرب، ولا يجدون لهم من دون اللّه وليًّا ولا نصيرًا.
وقال آخرون: معنى السّوء في هذا الموضع: الشّرك. قالوا: وتأويل قوله: {من يعمل سوءًا يجز به} من يشرك باللّه يجز بشركه ولا يجد له من دون اللّه وليًّا ولا نصيرًا..
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {من يعمل سوءًا يجز به} يقول: من يشرك يجز به، وهو السّوء {ولا يجد له من دون اللّه وليًّا ولا نصيرًا} إلاّ أن يتوب قبل موته، فيتوب اللّه عليه.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن ابن أبي ليلى، عن المنهال بن عمرٍو، عن سعيد بن جبيرٍ: {من يعمل سوءًا يجز به} قال: الشّرك.
قال أبو جعفرٍ: وأولى التّأويلات الّتي ذكرناها بتأويل الآية، التّأويل الّذي ذكرناه عن أبيّ بن كعبٍ وعائشة، وهو أنّ كلّ من عمل سوءًا صغيرًا أو كبيرًا من مؤمنٍ أو كافرٍ، جوزي به
وإنّما قلنا ذلك أولى بتأويل الآية، لعموم الآية كلّ عامل سوءٍ، من غير أن يخصّ أو يستثنى منهم أحدٌ، فهي على عمومها إذ لم يكن في الآية دلالةٌ على خصوصها ولا قامت حجّةٌ بذلك من خبرٍ عن الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم.
فإن قال قائلٌ: وأين ذلك من قول اللّه: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيّئاتكم} وكيف يجوز أن يجازي على ما قد وعد تكفيره؟ قيل: إنّه لم يعد بقوله: {نكفّر عنكم سيّئاتكم} ترك المجازاة عليها، وإنّما وعد التّكفير بترك الفضيحة منه لأهلها في معادهم، كما فضح أهل الشّرك والنّفاق. فأمّا إذا جازاهم في الدّنيا عليها بالمصائب ليكفّرها عنهم بها ليوافوه ولا ذنب لهم يستحقّون المجازاة عليه، فإنّما وفى لهم بما وعدهم بقوله: {نكفّر عنكم سيّئاتكم} وأنجز لهم ما ضمن لهم بقوله: {والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات سندخلهم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار}.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك، تظاهرت الأخبار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
ذكر الأخبار الواردة بذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، وسفيان بن وكيعٍ، ونصر بن عليٍّ، وعبد اللّه بن أبي زيادٍ القطوانيّ، قالوا: حدّثنا سفيان بن عيينة، عن ابن محيصنٍ، عن محمّد بن قيس بن مخرمة، عن أبي هريرة، قال: لمّا نزلت هذه الآية: {من يعمل سوءًا يجز به} شقّت على المسلمين، وبلغت منهم ما شاء اللّه أن تبلغ، فشكوا ذلك إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: قاربوا وسدّدوا، ففي كلّ ما يصاب به المسلم كفّارةٌ، حتّى النّكبة ينكبها، أو الشّوكة يشاكها.
- حدثني يونس قال حدثنا سفيان عن ابن محيصن سمع محمد بن قيس بن مخرمة قال أظنه عن أبى هريرة قال لما نزلت هذه الآية ثم ذكر مثله.
- حدّثني عبد اللّه بن أبي زيادٍ، وأحمد بن منصورٍ الرّماديّ، قالا: حدّثنا يزيد بن حيّان قالا: حدّثنا عبد الملك بن الحسن الحارثيّ، قال: حدّثنا محمّد بن زيد بن قنفذٍ، عن عائشة، عن أبي بكرٍ، قال: لمّا نزلت: {من يعمل سوءًا يجز به} قال أبو بكرٍ: يا رسول اللّه، كلّ ما نعمل نؤاخذ به؟ فقال: يا أبا بكرٍ، أليس يصيبك كذا وكذا؟ فهو كفّارته.
- حدّثني إبراهيم بن سعيدٍ الجوهريّ، قال: حدّثنا عبد الوهّاب بن عطاءٍ، عن زيادٍ الجصّاص، عن عليّ بن زيدٍ، عن مجاهدٍ، قال: حدّثني عبد اللّه بن عمر، أنّه سمع أبا بكرٍ، يقول: سمعت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول من يعمل سوءًا يجز به في الدّنيا.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن إسماعيل، عن أبي بكر بن أبي زهيرٍ، عن أبي بكرٍ الصّدّيق، أنّه قال: يا نبيّ اللّه كيف الصّلاح بعد هذه الآية؟ فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: أيّة آيةٍ؟ قال: يقول اللّه: {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب من يعمل سوءًا يجز به} فما عملناه جزينا به؟ فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: غفر اللّه لك يا أبا بكرٍ، ألست تمرض، ألست تحزن، ألست تصيبك اللّأواء؟ قال: فهو ما تجزون به.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: حدّثنا إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن أبي بكر بن أبي زهيرٍ، أنّ أبا بكرٍ قال للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: كيف الصّلاح؟ فذكر نحوه
- حدّثنا يونس، قال: حدّثنا سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، قال: أظنّه عن أبي بكرٍ الثّقفيّ، قال: لمّا نزلت هذه الآية: {من يعمل سوءًا يجز به} قال أبو بكرٍ: كيف الصّلاح؟ ثمّ ذكر نحوه، إلاّ أنّه زاد فيه ألست تنكب؟
- حدّثني محمّد بن عبيدٍ المحاربيّ، قال: حدّثنا أبو الجنبيّ، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن أبي بكر بن أبي زهيرٍ الثّقفيّ، قال: قال أبو بكرٍ: يا رسول اللّه، فذكر نحوه، إلاّ أنّه قال: فكلّ سوءٍ عملناه جزينا به؟ وقال أيضًا: ألست تمرض، ألست تنصب، ألست تحزن، أليس تصيبك اللّأواء؟ قال: بلى. قال: هو ما تجزون به.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن ابن أبي خالدٍ، عن أبي بكر بن أبي زهيرٍ الثّقفيّ، قال: لمّا نزلت هذه الآية: {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب من يعمل سوءًا يجز به} قال: قال أبو بكرٍ: يا رسول اللّه، وإنّا لنجزى بكلّ شيءٍ نعمله؟ قال: يا أبا بكرٍ، ألست تنصب، ألست تحزن، ألست تصيبك اللّأواء؟ فهذا ممّا تجزون به.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، قال: حدّثنا ابن أبي خالدٍ، قال: حدّثني أبو بكر بن أبي زهيرٍ الثّقفيّ، عن أبي بكرٍ، فذكر مثل ذلك.
- حدّثنا أبو السّائب، وسفيان بن وكيعٍ، قالا: حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مسلمٍ، قال: قال أبو بكرٍ: يا رسول اللّه، ما أشدّ هذه الآية: {من يعمل سوءًا يجز به} قال: يا أبا بكرٍ، إنّ المصيبة في الدّنيا جزاءٌ.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا روح بن عبادة، قال: حدّثنا أبو عامرٍ الخزّاز، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، قالت: قلت: إنّي لأعلم أيّ آيةٍ في كتاب اللّه أشدّ. فقال لي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: أيّ آيةٍ؟ فقلت: {من يعمل سوءًا يجز} به قال: إنّ المؤمن ليجازى بأسوأ عمله في الدّنيا ثمّ ذكر أشياء منهنّ المرض والنّصب، فكان آخره أن ذكر النّكبة، فقال: كلّ ذي عملٍ يجزى به بعمله يا عائشة، إنّه ليس أحدٌ يحاسب يوم القيامة إلا يعذّب فقلت: أليس يقول اللّه: {فسوف يحاسب حسابًا يسيرًا} فقال: ذاك عند العرض، إنّه من نوقش الحساب عذّب وقال بيده على أصبعه كأنّه ينكت.
- حدّثني القاسم بن بشر بن معرورٍ، قال: حدّثنا سليمان بن حربٍ، قال: حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن عليّ بن زيدٍ، عن أميّة، قالت: سألت عائشة عن هذه الآية: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه} و{ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب من يعمل سوءًا يجز} به قالت: ما سألني عنها أحدٌ منذ سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عنها، فقال: يا عائشة، ذاك مثابة اللّه العبد بما يصيبه من الحمّى والكبر، والبضاعة يضعها في كمّه فيفقدها، فيفزع لها فيجدها في كمّه، حتّى إنّ المؤمن ليخرج من ذنوبه كما يخرج التّبر الأحمر من الكير.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا أبو عامرٍ الخزّاز، قال: حدّثنا ابن أبي مليكة عن عائشة، قالت: قلت: يا رسول اللّه، إنّي لأعلم أشدّ آيةٍ في القرآن. فقال: ما هي يا عائشة؟ قلت: هي هذه الآية يا رسول اللّه: {من يعمل سوءًا يجز به} فقال: هو ما يصيب العبد المؤمن، حتّى النّكبة ينكبها.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن الرّبيع بن صبيحٍ، عن عطاءٍ، قال: لمّا نزلت {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب من يعمل سوءًا يجز به} قال أبو بكرٍ: يا رسول اللّه، ما أشدّ هذه الآية. قال: يا أبا بكرٍ، إنّك تمرض، وإنّك تحزن، وإنّك يصيبك أذًى، فذاك بذاك.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: أخبرني عطاء بن أبي رباحٍ، قال: لمّا نزلت، قال أبو بكرٍ: جاءت قاصمة الظّهر، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّما هي المصيبات في الدّنيا.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، عن بكر بن سوادة، عن يزيد بن أبي يزيد، عن عبيد بن عميرٍ، عن عائشة، " أنّ رجلا تلا هذه الآية: {من يعمل سوءًا يجز به}، قال: إنّا لنجزى بكلّ ما عملناه، هلكنا إذن، فبلغ ذلك النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: نعم، يجزى به المؤمن في الدّنيا في مصيبةٍ في جسده، فيما يؤذيه). [جامع البيان: 7/515-525]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا يجد له من دون اللّه وليًّا ولا نصيرًا}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: {ولا يجد} الّذي يعمل سوءًا من معاصي اللّه وخلاف ما أمره به {من دون اللّه} يعني: من بعد اللّه وسواه {وليًّا} يلي أمره، ويحمي عنه ما ينزل به من عقوبة اللّه {ولا نصيرًا} يعني: ولا ناصرًا ينصره ممّا يحلّ به من عقوبة اللّه وأليم نكاله). [جامع البيان: 7/525]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب من يعمل سوءًا يجز به ولا يجد له من دون اللّه وليًّا ولا نصيرًا (123)
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا ابن عليّة، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب}
قالت العرب: لن نعذّب ولن نبعث، وقالت اليهود والنّصارى: لن يدخل الجنّة إلا من كان هودًا أو نصارى، وقالوا: لن تمسّنا النّار إلا أيّامًا معدوداتٍ.
قوله تعالى: من يعمل سوءًا.
- حدّثني محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ، أنبأ حفص بن عمر، ثنا الحكم بن أبان، عكرمة، عن ابن عبّاسٍ في قوله: من يعمل سوءًا قال: الشّرك. وروي عن الضّحّاك مثله.
قوله تعالى: من يعمل سوءًا يجز به.
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، حدّثني عقبة بن خالدٍ، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ عن أبي بكر بن أبي زبيرٍ الثّقفيّ قال: قال أبو بكرٍ الصّدّيق: يا رسول اللّه، كيف الصّلاح بعد هذه الآية؟ قال: أيّ آيةٍ؟ قال: ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب من يعمل سوءًا يجز به أفكلّ ما عملنا في الجاهليّة نؤخذ به؟
فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: غفر اللّه لك يا أبا بكرٍ، رحمك يا أبا بكرٍ، ألست تحزن؟ ألست تنصب؟ ألست تصيبك الأواء؟ قال: بلى. قال: فذاك الّذي تجزون به.
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا عبد الوهّاب بن عطاءٍ عن زيادٍ الجصّاص، عن عليّ بن زيدٍ، عن مجاهدٍ قال: قال ابن عمر: حدّثني أبو بكرٍ الصّدّيق أن رسول الله صلى عليه وسلّم قال: من يعمل سوءًا يجز به في الدّنيا
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ الواسطيّ، ثنا روح بن عبادة، ثنا موسى بن عبيدة، أخبرني مولى ابن سباعٍ قال: سمعت عبد اللّه بن عمر يحدّث عن أبي بكرٍ يعني الصّدّيق، قال: كنت عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأنزلت عليه هذه الآية: من يعمل سوءًا يجز به ولا يجد له من دون اللّه وليًّا ولا نصيرًا فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: يا أبا بكرٍ، ألا أقرئك آيةً نزلت عليّ؟ قلت: بلى يا رسول الله. قال: فأقرأنيها، قال: فلا أعلم إلا أنّي وجدت إنقصامًا في ظهري حتّى تمطّأت لها، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ما لك يا أبا بكرٍ؟ فقلت:
يا رسول اللّه، بأبي وأمّي وأين لم يعمل سوءًا وإنّا لمجزون بما عملنا، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أمّا أنت يا أبا بكرٍ وأصحابك المؤمنون فستجزون بذلك في الدّنيا حتّى تلقوا اللّه وليس لكم ذنوبٌ، وأمّا الآخرون فيجمع ذلك لهم حتّى يجزوا به يوم القيامة.
- حدّثنا يونس بن عبد الأعلى، أنبأ ابن وهبٍ، أخبرني عمرو بن الحرث، عن بكر بن سوادة عن يزيد بن أبي يزيد، عن عبيد بن عميرٍ، عن عائشة، أنّ رجلا تلا هذه الآية: من يعمل سوءًا يجز به فقال: إنّا لنجزى بكلّ ما عملنا هلكنا إذًا، فبلغ ذلك النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: نعم يجزى به المؤمن في الدنيا في مصيبته في جسده، فيما يؤذيه.
- حدّثنا أبي، ثنا سلمة بن شير، ثنا هشيمٌ، عن أبي عامرٍ، عن ابن أبي ملكية، عن عائشة قالت: قلت: يا رسول اللّه، إنّي لأعلم أشدّ آيةٍ في القرآن، فقال: ما هي يا عائشة؟ قلت: من يعمل سوءًا يجز به قال: هو ما يصيب العبد المؤمن حتّى النّكبة ينكبها.
الوجه الثّاني
- حدّثنا أبي، ثنا أبو سلمة وعبيد اللّه بن محمّد بن حفصٍ القرشيّ قال: ثنا حمّادٌ، عن حميدٍ، عن الحسن في قوله: من يعمل سوءًا يجز به قال: هو الكافر، ثمّ قرأ وهل نجازي إلا الكفور.
قوله تعالى: ولا يجد له من دون اللّه وليًّا ولا نصيراً.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرًا إلا أن يتوب قبل موته فيتوب اللّه عليه). [تفسير القرآن العظيم: 3/1070-1072]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو عبد الرّحمن محمّد بن عبد اللّه الأصبهانيّ الزّاهد، ثنا إسماعيل بن إسحاق، ثنا سليمان بن حربٍ، ثنا حمّاد بن أيّوب، عن الحجّاج الصّوّاف، عن أيّوب، عن أبي قلابة، عن أبي المهلّب، قال: رحلت إلى عائشة رضي اللّه عنها، في هذه الآية " {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب من يعمل سوءًا يجز به} [النساء: 123] قالت: هو ما يصيبكم في الدّنيا "). [المستدرك: 2/337]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (م ت) أبو هريرة - رضي الله عنه -: قال: لما نزلت: {من يعمل سوءاً يجز به} [النساء: 123] بلغت من المسلمين مبلغاً شديداً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قاربوا وسددوا ففي كلّ ما يصاب به المسلم كفارةٌ، حتّى النّكبة ينكبها، والشّوكة يشاكها». أخرجه مسلم.
وفي رواية الترمذي مثله، وفيه: شقّ ذلك على المسلمين، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم... الحديث.
[شرح الغريب]
(قاربوا) المقاربة: الاقتصاد في العمل.
(سددوا) السداد: الصواب). [جامع الأصول: 2/110]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت) أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل {من يعمل سوءاً يجز به ولا يجد له من دون الله وليّاً ولا نصيراً} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا بكر، ألا أقرئك آية أنزلت عليّ؟» قلت: بلى يا رسول الله، قال: «فأقرأنيها»، فلا أعلم إلا أنّي وجدت في ظهري انفصاماً، فتمطّيت لها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما شأنك يا أبا بكر؟» قلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي، وأيّنا لم يعمل سوءاً؟ وإنّا لمجزيّون بما عملنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما أنت يا أبا بكر والمؤمنون فتجزون بذلك في الدنيا، حتى تلقوا الله وليس لكم ذنوبٌ، وأما الآخرون: فيجتمع ذلك لهم حتى يجزوا به يوم القيامة». أخرجه الترمذي، وقال: في إسناده مقالٌ وتضعيفٌ.
[شرح الغريب]
(انفصاماً) الفاصمة: الكاسرة، والانفصام: الانقطاع). [جامع الأصول: 2/110-111]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت) علي بن زيد - رحمه الله - عن أمية، أنها سألت عائشة عن قول الله تبارك وتعالى: {إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} [البقرة: 284] وعن قوله تعالى: {من يعمل سوءاً يجز به} فقالت: ما سألني أحدٌ منذ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «هذه معاتبة الله العبد فيما يصيبه من الحمّى والنّكبة، حتى البضاعة يضعها في كمّ قميصه، فيفقدها، فيفزع لها، حتى إن العبد ليخرج من ذنوبه، كما يخرج التّبر الأحمر من الكير». أخرجه الترمذي). [جامع الأصول: 2/111]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (د) عائشة - رضي الله عنها - قالت: قلت: يا رسول الله إنّي لأعلم أشدّ آيةٍ في كتاب الله- عز وجل-قول الله تعالى: {من يعمل سوءاً يجز به} فقال: «أما علمت يا عائشة، أنّ المسلم تصيبه النّكبة أو الشّوكة، فيحاسب، أو يكافأ، بأسوأ أعماله، ومن حوسب عذّب؟» قالت: أليس يقول الله عز وجل {فسوف يحاسب حساباً يسيراً} [الانشقاق: 8] قال: «ذاكم العرض يا عائشة، ومن نوقش الحساب عذّب».أخرجه أبو داود.
وقد أخرج أيضا قصة الحساب البخاريّ، ومسلم وهي مذكورة في كتاب القيامة من حرف القاف). [جامع الأصول: 2/112]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {من يعمل سوءًا يجز به} [النساء: 123]
- عن آمنة أنّها «سألت عائشة زوج رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - عن قوله: {من يعمل سوءًا يجز به} [النساء: 123] قلت: ما سألني عنها أحدٌ منذ سألت رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - عنها فقال: " يا عائشة، هذه مبايعة اللّه العبد لما يصيبه من الحمّى والنّكبة والشّوكة، حتّى البضاعة يضعها في كمّه فيفقدها فيفزع لها فيجدها في ضبنه، حتّى إنّ المؤمن ليخرج من ذنوبه كما يخرج التّبر الأحمر من الكير».
رواه أحمد، وأمينة لم أعرفها.
- وعن عائشة زوج النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - «أنّ رجلًا تلا هذه الآية: {من يعمل سوءًا يجز به} [النساء: 123] قال: إنّا لنجزى بكلّ ما عملنا؟ هلكنا إذًا. فبلغ ذلك رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - فقال: " نعم، يجزى به المؤمن في الدّنيا من مصيبته في جسده فيما يؤذيه». قلت: لها في الصّحيح حديثٌ غير هذا.
رواه أحمد وأبو يعلى، ورجالهما رجال الصّحيح.
- وعن حيّان بن بسطامٍ قال: كنت مع ابن عمر، فمرّ بعبد اللّه بن الزّبير وهو مصلوبٌ فقال: رحمك اللّه أبا خبيبٍ، سمعت أباك - يعني الزّبير - يقول: قال رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم -: «من يعمل سوءًا يجز به في الدّنيا».
رواه البزّار، وفيه عبد الرّحمن بن سليم بن حيّان ولم أعرفه، وبقيّة رجاله ثقاتٌ). [مجمع الزوائد: 7/12]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (أخبرنا عمران بن موسى بن مجاشعٍ حدّثنا وهب بن بقيّة حدّثنا خالدٌ عن إسماعيل بن أبي خالدٍ عن أبي بكر بن أبي زهيرٍ الثّقفيّ عن أبي بكرٍ الصّديق رضوان الله عليه أنّه قال يا رسول اللّه كيف الصّلاح بعد هذه الآية: {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب من يعمل سوءاً يجز به} الآية وكلّ شيءٍ عملنا جزينا به فقال: "غفر اللّه لك يا أبا بكرٍ ألست تمرض ألست تصيبك اللأواء" قال قلت بلى قال: "هو ما تجزون به".
أخبرنا أبو يعلى حدّثنا أبو خيثمة حدّثنا يحيى بن سعيد حدثني إسماعيل بن أبي خالد.. فذكر بإسناده نحوه). [موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان: 1/429]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (أخبرنا عبد اللّه بن محمّد بن سلمٍ حدّثنا حرملة بن يحيى حدّثنا ابن وهبٍ أخبرني عمرو بن الحارث أنّ بكر بن سوادة حدّثه أنّ يزيد بن أبي يزيد حدّثه عن عبيد بن عميرٍ عن عائشة أنّ رجلا تلا هذه الآية {من يعمل سوءاً يجز به} فقال إنّا لنجزى بكل ما عملنا هلكنا إذا فبلغ ذلك رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فقال: "نعم يجزى به في الدّنيا من مصيبةٍ في جسده ممّا يؤذيه"). [موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان: 1/429]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (حدّثنا إبراهيم بن المستمرّ العروقيّ، ثنا عبد الرّحمن بن سليم بن حيّان، حدّثني أبي، عن جدّي حيّان بن بسطامٍ، قال: كنت مع ابن عمر، فمرّ بعبد اللّه بن الزّبير وهو مصلوبٌ، فقال: رحمك اللّه أبا خبيبٍ! سمعت أباك - يعني: الزّبير - يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " {من يعمل سوءًا يجز به} [النساء: 123] في الدّنيا والآخرة ".
قال البزّار: لا نعلمه يروى عن الزّبير إلا بهذا الإسناد، ولا روى ابن عمر عنه إلا هذا). [كشف الأستار عن زوائد البزار: 3/46-47]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال إسحاق بن راهويه: ثنا سليمان بن حربٍ، ثنا حمّاد بن زيدٍ، عن الحجّاج الصّوّاف، عن أيّوب، عن أبي قلابة، عن أبي المهلّب قال: "دخلت، على عائشة في هذه الآية (ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب، من يعمل سوءاً يجز به) قالت: هو ما يصيبكم من الدّنيا"). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/198]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (قال إسحاق بن راهويه: وثنا أبو عامرٍ العقديّ، ثنا عبد الجليل - وهو ابن عطيّة- عن محمّد بن المنتشر قال: "قال رجلٌ لعمر بن الخطّاب- رضي اللّه عنه: إنّي لأعرف أشدّ آيةٍ في كتاب اللّه. فأهوى عمر فضربه بالدّرّة وقال: مالك نقّبت عنها حتّى علمتها. فانصرف حتّى إذا كان الغد قال له عمر: الآية الّتي ذكرت بالأمس. قال: وهل تركتني أخبرك عنها؟ فقال له عمر: ما نمت البارحة. فقال: يا أمير المؤمنين، قال اللّه- عزّ وجلّ-: (من يعمل سوءاً يجز به) ما من أحدٌ يعمل سوءًا إلّا جزي به. فقال عمر: إنا حين نزلت ما نفعنا طعامٌ ولا شرابٌ حتّى أنزل اللّه- تبارك وتعالى- بعد ذلك
ورخّص قال: (ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثمّ يستغفر اللّه يجد اللّه غفورًا رحيماً" هذا إسنادٌ صحيحٌ). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/198-199]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال أبو يعلى الموصليّ: ثنا محمّد بن إبراهيم، ثنا مبشّرٌ، ثنا تمّام بن نجيحٍ، عن كعب بن ذهلٍ الإياديّ قال: "كنت أختلف مع أبي إلى أبي الدّرداء- رضي اللّه عنه- فسمعته يحدّث يومًا عن نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا جلس وجلسنا حوله فأراد أن يقوم ترك نعليه، وإنّه قام وترك نعليه، فأخذت ركوةً من ماءٍ فتبعته فرجع ولم يقض حاجةً، قلت: يا رسول اللّه، ألم تكن لك حاجةٌ؟ قال: بلى، ولكن أتاني آت من ربي فقال: (من يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثمّ يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً) وقد كانت شقّت عليهم الآية الّتي قبلها (من يعمل سوءاً يجز به) فأردت أن أبشّر أصحابي. قال: قلت: يا رسول اللّه، وإن زنى وإن سرق ثمّ استغفر غفر له؟! قال: نعم. قلت: يا رسول اللّه، وإن زنى وإن سرق ثمّ استغفر غفر له؟! قال: نعم. ثمّ ثلّثت، قال: نعم على رغم أنف عويمرٍ. ثمّ قال كعب بن ذهلٍ: وأنا رأيت أبا الدّرداء يضرب أنف نفسه بأصبعه". قلت: هذا إسناد ضعيف؟ لجهالة كعب بن ذهل وضعف تمام بن نجيح.
رواه أبو داود في سننه من طريق كعبٍ به دون قوله: "ولكن أتاني آتٍ من ربي ... " إلخ). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/199]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال أبو داود الطّيالسيّ: ثنا حمّاد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أمية، بنت عبد اللّه قالت: "سألت عائشة- رضي اللّه عنها- عن قوله عزّ وجلّ: (من يعمل سوءاً يجز به) فقالت: لقد سألتني عن شيءٍ ما سألني عنه أحدٌ منذ سألت عنه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: هذه معاتبة الله- عز وجل- للعبد في ما يصيبه من الحمّى، والحزن، والنّكبة، حتّى البضاعة يضعها في كمه فيفقدها فيفزع لها، فيجدها في جيبه، حتّى أنّ العبد ليخرج من ذنوبه كما يخرج التّبر الأحمر من الكير".
- رواه أبو يعلى الموصليّ: ثنا هارون بن معروفٍ، ثنا عبد الله بن وهب، أخبرني عمرو، أن بكر بن سوادة حدّثه، أنّ يزيد بن أبي يزيد حدّثه، عن عبيد بن عميرٍ، عن عائشة زوج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم "أنّ رجلًا تلا هذه الآية: (من يعمل سوءاً يجز به) فقال: إنا لنجزى بكلّ ما عملنا، هلكنا إذًا. فبلغ ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: نعم لمجزى به المؤمن في الدّنيا من مصيبةٍ في جسده فيما يؤذيه".
وله شاهدٌ من حديث أنس بن مالكٍ، وتقدّم في الأدب في باب إماطة الأذى عن الطريق). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/199-200]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال أبو بكر بن أبي شيبة: ثنا يزيد بن هارون، أبنا إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن أبي بكر بن أبي زهيرٍ الثّقفيّ قال: قال أبو بكرٍ- رضي اللّه عنه-: "يا رسول اللّه، كيف الصّلاح بعد هذه الآية: (من يعمل سوءاً يجز به) ؟! فقال: غفر اللّه لك يا أبا بكرٍ، ألست تنصب؟ ألست تمرض؟ ألست تصيبك اللأواء؟ قال: بلى. قال: فكذلك ما تجزون به".
- رواه الحارث بن محمّد بن أبي أسامة: أبنا عبد العزيز بن أبانٍ، ثنا الثّوريّ، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ ... فذكره.
- ورواه أبو يعلى الموصليّ: ثنا أبو خيثمة، ثنا يحيى بن سعيدٍ، حدّثني إسماعيل بن أبي خالدٍ ... فذكره.
- ورواه ابن حبّان في صحيحه: من طريق خالدٍ، عن إسماعيل بن أبي خالد ... فذكره.
قلت: رواه التّرمذيّ في الجامع بغير هذا اللّفظ من طريق عبد اللّه بن عمر، عن أبي بكرٍ الصّدّيق). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/200-201]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قال إسحاق: أخبرنا سليمان بن حربٍ، ثنا حمّاد بن زيدٍ، عن الحجّاج الصّوّاف، عن أيّوب، عن أبي قلابة، عن أبي المهلّب قال: (رحلت إلى) عائشة رضي الله عنها في هذه الآية: {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب من يعمل سوءًا يجز به} قالت: هو ما يصيبكم في الدّنيا). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/562]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال إسحاق: أخبرنا أبو عامرٍ العقديّ، ثنا عبد الجليل - وهو ابن عطيّة - عن محمّد بن (المنتشر) قال: قال رجلٌ لعمر بن الخطّاب رضي الله عنه، إنّي لأعرف أشدّ آيةٍ في كتاب اللّه (تعالى)، فأهوى عمر رضي الله عنه، فضربه بالدّرّة، وقال: ما لك (نقّبت) عنها حتّى علمتها، فانصرف حتّى إذا كان الغد، قال (له) عمر رضي الله عنه: الآية الّتي ذكرت أمس، قال: وهل تركتني أخبرك عنها، فقال له عمر رضي الله عنه: ما نمت البارحة، فقال: يا أمير المؤمنين، قال اللّه عزّ وجلّ: {من يعمل سوءًا يجز به} الآية، ما منّا أحدٍ يعمل سوء إلّا جزي به، فقال له عمر رضي الله عنه: إنّا حين نزلت، ما نفعنا طعامٌ ولا شرابٌ حتّى أنزل اللّه (تبارك و) تعالى بعد ذلك، ورخّص قال: {ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثمّ يستغفر اللّه يجد اللّه غفورًا رحيمًا (110)}). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/577]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (حدثنا محمّد بن إبراهيم، ثنا مبشّرٌ هو ابن إسماعيل عن تمام بن (نجيحٍ)، عن كعب بن ذهلٍ الإياديّ، قال: كنت أختلف إلى أبي الدّرداء رضي الله عنه فسمعته يحدّث عن نبي اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: أتاني آتٍ من ربّي عز وجل، فقال: من يعمل سوءًا أو يظلم نفسه، ثمّ يستغفر اللّه يجد اللّه غفورًا رحيمًا، وقد كانت شقّت (عليهم) الآية الّتي قبلها {من يعمل سوءًا يجز به} فأردت أن أبشّر أصحابي (قلت: يا رسول اللّه، وإن زنى وإن سرق، ثمّ استغفر اللّه، غفر له؟ قال صلّى اللّه عليه وسلّم نعم) ثمّ قلت [يا رسول اللّه وإن زنى وإن سرق ثمّ استغفر غفر له؟ قال: " نعم ". ثمّ ثلّثت،]: فقال: (رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم): نعم على رغم أنف عويمرٍ، ثمّ قال كعب بن ذهلٍ (رضي الله عنه) رأيت أبا الدّرداء رضي الله عنه يضرب أنف نفسه بأصبعه). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/598]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: قالت العرب: لا نبعث ولا نحاسب وقالت اليهود والنصارى (لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى) (البقرة الآية 111)، وقالوا (لن تمسنا النار إلا أياما معدوة) (البقرة الآية 80) فأنزل الله {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به}
وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر عن مسروق قال: احتج المسلمون وأهل الكتاب فقال المسلمون: نحن أهدى منكم، وقال أهل الكتاب نحن أهدى منكم، فأنزل الله {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب} فانفلج عليهم المسلمون بهذه الآية (ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن) (ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن) (النساء الآية 124) الآية.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مسروق قال: تفاخر النصارى وأهل الإسلام فقال هؤلاء: نحن أفضل منكم، وقال هؤلاء: نحن أفضل منكم، فأنزل الله {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب}.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة قال: ذكر لنا أن المسلمين وأهل الكتاب افتخروا فقال أهل الكتاب: نبينا قبل نبيكم وكتابنا قبل كتابكم ونحن أولى بالله منكم، وقال المسلمون: نحن أولى بالله منكم ونبينا خاتم النبيين وكتابنا يقضي على الكتب التي كانت قبله، فأنزل الله {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب} إلى قوله {ومن أحسن دينا} الآية، فأفلج الله حجة المسلمين على من ناوأهم من أهل الأديان
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي قال: التقى ناس من المسلمين واليهود والنصارى فقالت اليهود للمسلمين: نحن خير منكم ديننا قبل دينكم وكتابنا قبل كتابكم ونبينا قبل نبيكم ونحن على دين إبراهيم ولن يدخل الجنة إلا من كان يهوديا، وقالت النصارى مثل ذلك، فقال المسلمون: كتابنا بعد كتابكم ونبينا بعد نبيكم وديننا بعد دينكم وقد أمرتم أن تتبعونا وتتركوا أمركم فنحن خير منكم نحن على دين إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ولن يدخل الجنة إلا من كان على ديننا، فرد الله عليهم قولهم فقال {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به} ثم فضل الله المؤمنين عليهم فقال (ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا) (النساء الآية 125).
وأخرج ابن جرير من طريق عبيد بن سليمان عن الضحاك قال: تخاصم أهل الأديان فقال أهل التوراة: كتابنا أول كتاب وخيرها ونبينا خير الأنبياء، وقال أهل الإنجيل نحوا من ذلك وقال أهل الإسلام: لا دين إلا الإسلام وكتابنا نسخ كل كتاب ونبينا خاتم النبيين وأمرنا أن نعمل بكتابنا ونؤمن بكتابكم فقضى الله بينهم فقال {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به} ثم خير بين أهل الأديان ففضل أهل الفضل فقال (ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن) (النساء الآية 125) الآية
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر من طريق جويبر عن الضحاك قال: افتخر أهل الأديان فقالت اليهود: كتابنا خير الكتب وأكرمها على الله ونبينا أكرم الأنبياء على الله موسى خلا به وكلمه نجيا وديننا خير الأديان، وقالت النصارى: عيسى خاتم النبيين آتاه الله التوراة والإنجيل ولو أدركه محمد تبعه وديننا خير الدين، وقالت المجوس وكفار العرب: ديننا أقدم الأديان وخيرها، وقال المسلمون: محمد رسول الله وخاتم الأنبياء وسيد الرسل والقرآن آخر ما نزل من عند الله من الكتب وهو أمير على كل كتاب والإسلام خير الأديان فخير الله بينهم فقال {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به} يعني بذلك اليهود والنصارى والمجوس وكفار العرب ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا ثم فضل الإسلام على كل دين فقال: (ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله) (النساء الآية 125) الآية.
وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس قال: قال أهل التوراة: كتابنا خير الكتب أنزل قبل كتابكم ونبينا خير الأنبياء، وقال أهل الإنجيل مثل ذلك وقال أهل الإسلام: كتابنا نسخ كل كتاب ونبينا خاتم النبيين وأمرتم وأمرنا أن نؤمن بكتابكم ونعمل بكتابنا فقضى الله بينهم فقال {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به} وخير بين أهل الأديان فقال (ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه) (النساء الآية 125) الآية.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أبي صالح قال: جلس أناس من أهل التوراة وأهل الإنجيل وأهل الإيمان فقال هؤلاء: نحن أفضل منكم، وقال هؤلاء: نحن أفضل، فقال الله {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به} ثم خص الله أهل الأديان فقال (ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى) (النساء الآية 124).
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد في قوله {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب} قال: قريش وكعب بن الأشرف.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن قال: إن الإيمان ليس بالتحلي ولا بالتمني إن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: قالت اليهود والنصارى: لا يدخل الجنة غيرنا، وقالت قريش: لا نبعث، فأنزل الله {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به}
والسوء: الشرك
وأخرج أحمد وهناد، وعبد بن حميد والحكيم الترمذي، وابن جرير وأبو يعلى، وابن المنذر، وابن حبان، وابن السني في عمل اليوم والليلة والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان والضياء في المختارة عن أبي بكر الصديق أنه قال: يا رسول الله كيف الصلاح بعد هذه الآية {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به} فكل سوء جزينا به فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: غفر الله لك يا أبا بكر ألست تنصب ألست تمرض ألست تحزن ألست تصيبك اللأواء قال: بلى، قال: فهو ما تجزون به.
وأخرج أحمد والبزار، وابن جرير، وابن مردويه والخطيب في المتفق والمفترق عن ابن عمر قال: سمعت أبا بكر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يعمل سوءا يجز به في الدنيا
وأخرج ابن سعيد والترمذي الحكيم والبزار، وابن المنذر والحاكم عن ابن عمر أنه مر بعبد الله بن الزبير وهو مصلوب فقال: رحمك الله يا أبا خبيب سمعت أباك الزبير يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من يعمل سوءا يجز به في الدنيا.
وأخرج عبد بن حميد والترمذي، وابن المنذر عن أبي بكر الصديق قال: كنت عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية {من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر ألا أقرئك آية نزلت علي قلت: بلى يا رسول الله فاقرأنيها فلا أعلم إلا أني وجدت انقصاما في ظهري حتى تمطيت لها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مالك يا أبا بكر قلت: بأبي وأمي يا رسول الله وأينا لم يعمل السوء وإنا لمجزيون بكل سوء عملناه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أنت وأصحابك يا أبا بكر المؤمنون فتجزون بذلك في الدنيا حتى تلقوا الله ليس لكم ذنوب وأما الآخرون فيجمع لهم ذلك حتى يجزوا به يوم القيامة
وأخرج ابن جرير عن عائشة عن أبي بكر قال: لما نزلت {من يعمل سوءا يجز به} قال أبو بكر: يا رسول الله كل ما نعمل نؤاخذ به فقال: يا أبا بكر أليس يصيبك كذا وكذا، فهو كفارة.
وأخرج سعيد بن منصور وهناد، وابن جرير وأبو نعيم في الحلية، وابن مردويه عن مسروق قال: قال أبو بكر: يا رسول الله ما أشد هذه الآية {من يعمل سوءا يجز به}
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المصائب والأمراض والأحزان في الدنيا جزاء.
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد والبخاري في تاريخه وأبو يعلى، وابن جرير والبيهقي في شعب الإيمان بسند صحيح عن عائشة أن رجلا تلا هذه الآية {من يعمل سوءا يجز به} قال: إنا لنجزى بكل ما عملناه هلكنا إذن فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم يجزى به المؤمن في الدنيا في نفسه في جسده فيما يؤذيه.
وأخرج أبو داود، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي عن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله إني لأعلم أشد آية في القرآن قال: ما هي يا عائشة قلت: {من يعمل سوءا يجز به} فقال: هو ما يصيب العبد من السوء حتى النكبة ينكبها يا عائشة من نوقش هلك ومن حوسب عذب، فقلت: يا رسول الله أليس الله يقول (فسوف يحاسب حسابا يسيرا) قال: ذاك العرض يا عائشة من نوقش الحساب عن هذه الآية {من يعمل سوءا يجز به} قال: إن المؤمن يؤجر في كل شيء حتى في الغط عند الموت.
وأخرج أحمد عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كثرت ذنوب العبد ولم يكن له ما يكفرها ابتلاه الله بالحزن ليكفرها.
وأخرج ابن راهويه في مسنده، وعبد بن حميد، وابن جرير والحاكم وصححه عن أبي المهلب قال: رحلت إلى عائشة في هذه الآية {من يعمل سوءا يجز به} قالت: هو ما يصيبكم في الدنيا.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة ومسلم والترمذي والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه والبيهقي في "سننه" عن أبي هريرة قال: لما نزلت {من يعمل سوءا يجز به} شق ذلك على المسلمين وبلغت منهم ما شاء الله فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: سددوا وقاربوا فإن في كل ما أصاب المسلم كفارة حتى الشوكة يشاكها والنكبة ينكبها، وفي لفظ عند ابن مردويه: بكينا وحزنا وقلنا: يا رسول الله ما أبقت هذه الآية من شيء قال: أما والذي نفسي بيده إنها لكما نزلت ولكن أبشروا وقاربوا وسددوا إنه لا يصيب أحد منكم من مصيبة في الدنيا إلا كفر الله بها خطيئته حتى الشوكة يشاكها أحدكم في قدمه.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم عن أبي هريرة وأبي سعيد أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر الله به من سيئاته
وأخرج أحمد ومسدد، وابن أبي الدنيا في الكفارات وأبو يعلى، وابن حبان والطبراني في الأوسط والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي سعيد قال: قال رجل: يا رسول الله أرأيت هذه الأمراض التي تصيبنا ما لنا بها قال: كفارات، قال أبي: وإن قلت قال: وإن شوكة فما فوقها.
وأخرج ابن راهويه في مسنده عن محمد بن المنتشر قال: قال رجل لعمر ابن الخطاب: إني لا أعرف أشد آية في كتاب الله، فأهوى عمر فضربه بالدرة وقال: مالك نقبت عنها فانصرف حتى كان الغد قال له عمر: الآية التي ذكرت بالأمس فقال {من يعمل سوءا يجز به} فما منا أحد يعمل سوءا إلا جزي به، فقال عمر: لبثنا حين نزلت ما ينفعنا طعام ولا شراب حتى أنزل الله بعد ذلك ورخص وقال: (ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما) (النساء الآية 110).
وأخرج الطيالسي وأحمد والترمذي وحسنه والبيهقي عن أمية بنت عبد الله قالت: سألت عائشة عن هذه الآية {من يعمل سوءا يجز به} فقالت: لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد بعد أن سألت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا عائشة هذه مبايعة الله العبد بما يصيبه من الحمى والحزن والنكبة حتى البضاعة يضعها في كمه فيفقدها فيفزع لها فيجدها تحت ضبنه حتى إن العبد ليخرج من ذنوبه كما يخرج التبر الأحمر من الكير.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي الدنيا، وابن جرير والبيهقي عن زياد بن الربيع قال: قلت لأبي بن كعب: آية في كتاب الله قد أحزنتني قال: ما هي قلت {من يعمل سوءا يجز به} قال: ما كنت أراك إلا أفقه مما أرى إن المؤمن لا تصيبه مصيبة عثرة قدم ولا اختلاج عرق ولا نحبة نملة إلا بذنب وما يعفوه الله عنه أكثر حتى اللدغة والنفحة.
وأخرج هناد وأبو نعيم في الحلية عن إبراهيم بن مرة قال: جاء رجل إلى أبي فقال: يا أبا المنذر آية في كتاب الله قد غمتني قال: أي آية قال {من يعمل سوءا يجز به} قال: ذاك العبد المؤمن ما أصابته من نكبة مصيبة فيصبر فليقى الله عز وجل ولا ذنب له.
وأخرج ابن جرير عن عطاء بن أبي رباح قال: لما نزلت {من يعمل سوءا يجز به} قال أبو بكر: جاءت قاصمة الظهر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما هي المصيبات في الدنيا.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس أن ابن عمر لقيه حزينا فسأله عن هذه الآية {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به} فقال: ما لكم ولهذه إنما هذه للمشركين قريش وأهل الكتاب.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس {من يعمل سوءا يجز به} يقول من يشرك يجز به وهو السوء {ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا} إلا أن يتوب قبل موته فيتوب الله عليه.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة وهناد والحكيم الترمذي والبيهقي عن الحسن في قوله {من يعمل سوءا يجز به} قال: إنما ذاك لمن أراد الله هوانه فأما من أراد الله كرامته فإنه يتجاوز عن سيئاته في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون
وأخرج البيهقي عن أنس قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم شجرة فهزها حتى تساقط من ورقها ما شاء الله أن يتساقط ثم قال: الأوجاع والمصيبات أسرع في ذنوب بني آدم مني في هذه الشجرة.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وفي ولده وماله حتى يلقى الله وما عليه من خطيئة.
وأخرج أحمد عن السائب بن خلاد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من شيء يصيب المؤمن حتى الشوكة تصيبه إلا كتب الله له بها حسنة وحط عنه بها خطيئة.
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم عن عائشة قالت: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم والحكيم الترمذي عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يصيب المؤمن شوكة فما فوقها إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه بها خطيئة.
وأخرج أحمد عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرقه وجع فجعل يشتكي ويتقلب على فراشه فقالت عائشة: لو صنع هذا بعضنا لوجدت عليه فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: إن الصالحين يشدد عليهم وأنه لا يصيب مؤمنا نكبة من شوكة فما فوق ذلك إلا حطت به عنه خطيئة ورفع له بها درجة.
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله من خطاياه.
وأخرج أحمد وهناد في الزهد معا عن أبي بكر الصديق قال: إن المسلم ليؤجر في كل شيء حتى في النكبة وانقطاع شسعه والبضاعة تكون في كمه فيفقدها فيفزع لها فيجدها في ضبنه.
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعد بن أبي وقاص قال: قلت: يا رسول الله أي الناس أشد بلاء قال: النبيون ثم الأمثل من الناس فما يزال بالعبد البلاء حتى يلقى الله وما عليه من خطيئة.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبيهقي عن معاوية: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من شيء يصيب المؤمن في جسده يؤذيه إلا كفر الله عنه به من سيئاته.
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صداع المؤمن أو شوكة يشاكها أو شيء يؤذيه يرفعه الله بها يوم القيامة درجة ويكفر عنه بها ذنوبه.
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن بريدة الأسلمي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما أصاب رجلا من المسلمين نكبة فما فوقها - حتى ذكر الشوكة - إلا لإحدى خصلتين: إلا ليغفر الله من الذنوب ذنبا لم يكن ليغفر الله له إلا بمثل ذلك أو يبلغ به من الكرامة كرامة لم يكن يبلغها إلا بمثل ذلك.
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن ابن مسعود قال: إن الوجع لا يكتب به الأجر إنما الأجر في العمل ولكن يكفر الله به الخطايا.
وأخرج ابن سعد والبيهقي عن عبد الله بن أياس بن أبي فاطمة عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أيكم يحب أن يصح فلا يسقم قالوا: كلنا يا رسول الله قال: أتحبون أن تكونوا كالحمير الضالة، وفي لفظ: الصيالة ألا تحبون أن تكونوا أصحاب بلاء وأصحاب كفارات والذي نفسي بيده إن الله ليبتلي المؤمن وما يبتليه إلا لكرامته عليه وإن العبد لتكون له الدرجة في الجنة لا يبلغها بشيء من عمله حتى يبتليه بالبلاء ليبلغ به تلك الدرجة.
وأخرج أحمد، وابن أبي الدنيا والبيهقي عن محمد بن خالد السلمي عن أبيه عن جده وكانت له صحبة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا سبقت للعبد من الله منزلة لم يبلغها بعمله ابتلاه الله في جسده أو في ماله أو في ولده ثم صبره حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له من الله.
وأخرج البيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الرجل لتكون له المنزلة عند الله فما يبلغها بعمل فما يزال يبتليه بما يكره حتى يبلغه ذلك.
وأخرج البيهقي من طريق أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان يقول: مر موسى عليه السلام على رجل في متعبد له ثم مر به بعد ذلك وقد مزقت السباع لحمه فرأس ملقى وفخذ ملقى وكبد ملقى فقال موسى: يا رب عبدك كان يطيعك فابتليه بهذا فأوحى الله إليه: يا موسى إنه سألني درجة لم يبلغها بعمله فابتليه بهذا لأبلغه بذلك الدرجة.
وأخرج البيهقي عن عائشة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما ضرب من مؤمن عرق إلا حط الله به عنه خطيئة وكتب له به حسنة ورفع له به درجة.
وأخرج البيهقي عن أبي هريرة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله ليبتلي عبده بالسقم حتى يكفر كل ذنب.
وأخرج البيهقي عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صدع في سبيل الله ثم احتسب غفر الله له ما كان قبل ذلك من ذنب.
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن يزيد بن أبي حبيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزال الصداع والمليلة بالمرء المسلم حتى يدعه مثل الفضة البيضاء.
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن عامر أخي الخضر قال: إني لبأرض محارب إذا رايات وألوية فقلت: ما هذا قالوا: رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلست إليه وهو في ظل شجرة قد بسط له كساء وحوله أصحابه فذكروا الأسقام فقال: إن العبد
المؤمن إذا أصابه سقم ثم عافاه الله كان كفارة لما مضى من ذنوبه وموعظة له فيما يستقبل من عمره وإن المنافق إذا مرض وعوفي كان كالبعير عقله أهله ثم أطلقوه لا يدري فيما عقلوه ولا فيما أطلقوه، فقال رجل: يا رسول الله ما الأسقام قال: أو ما سقمت قط قال: لا، قال: فقم عنا فلست منا.
وأخرج البيهقي عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من عبد يصرع صرعة من مرض إلا بعثه منه طاهرا.
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن العبد إذا مرض أوحى الله إلى ملائكته: يا ملائكتي إذا قيدت عبدي بقيد من قيودي فإن أقبضه أغفر له وإن أعافه فجسده مغفور لا ذنب له، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله ليجرب أحدكم بالبلاء - وهو أعلم - كما يجرب أحدكم ذهبه بالنار فمنهم من يخرج كالذهب الإبريز فذلك الذي نجاه الله من السيئات ومنهم من يخرج كالذهب دون ذلك فذلك الذي يشك بعض الشك ومنهم من يخرج كالذهب الأسود فذلك الذي قد افتتن.
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي من طريق بشير بن عبد الله بن أبي أيوب الأنصاري عن أبيه عن جده قال: عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من الأنصار فأكب عليه فسأله فقال: يا نبي الله ما غمضت منذ سبع ليال ولا أحد يحضرني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي أخي اصبر أي أخي اصبر تخرج من ذنوبك كما دخلت فيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ساعات الأمراض يذهبن ساعات الخطايا.
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ساعات الأذى يذهبن ساعات الخطايا.
وأخرج البيهقي عن الحكم بن عتبة رفعه قال: إذا كثرت ذنوب العبد ولم يكن له من العمل ما يكفر ذنوبه ابتلاه الله بالهم يكفر به ذنوبه.
وأخرج ابن عدي والبيهقي وضعفه عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله ليبتلي عبده بالبلاء والألم حتى يتركه من ذنبه كالفضة المصفاة
وأخرج البيهقي عن المسيب بن رافع أن أبا بكر الصديق قال: إن المرء المسلم يمشي في الناس وما عليه خطيئة، قيل: ولم ذلك يا أبا بكر قال: بالمصائب والحجر والشوكة والسشع ينقطع.
وأخرج أحمد عن ابي الدرداء سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الصداع والمليلة لا يزال بالمؤمن وإن ذنبه مثل أحد فما يتركه وعليه من ذلك مثقال حبة من خردل.
وأخرج أحمد عن خالد بن عبد الله القسري عن جده يزيد بن أسد أنه سمع النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: المريض تحات خطاياه كما يتحات ورق الشجر.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي الدرداء قال: ما يسرني بليلة أمرضها حمر النعم.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عياض بن غضيف قال: دخلنا على أبي عبيدة بن الجراح نعوده فإذا وجهه مما يلي الجدار وامرأته قاعدة عند رأسه قلت: كيف بات أبو عبيدة قالت: بات بأجر، فأقبل علينا بوجهه فقال: إني لم أبت بأجر ومن ابتلاه الله ببلاء في جسده فهو له حطة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن سلمان قال: إن المؤمن يصيبه الله بالبلاء ثم يعافيه فيكون كفارة لسيئاته ومستعتبا فيما بقي وإن الفاجر يصيبه الله بالبلاء ثم يعافيه فيكون كالبعير عقله أهله لا يدري لم عقلوه ثم أرسلوه فلا يدري لم أرسلوه.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عمار أنه كان عنده أعرابي فذكروا الوجع فقال عمار: ما اشتكيت قط قال: لا، فقال عمار: لست منا ما من عبد يبتلى إلا حط عنه خطاياه كما تحط الشجرة ورقها وإن الكافر يبتلى فمثله مثل البعير عقل فلم يدر لم عقل وأطلق فلم يدر لم أطلق.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {من يعمل سوءا يجز به} قال: الشرك.
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير، مثله
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله {من يعمل سوءا يجز به} قال: الكافر ثم قرأ (وهل يجازى إلا الكفور) (سبأ الآية 17) ). [الدر المنثور: 5/32-54]

تفسير قوله تعالى: (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى ولا يظلمون نقيرا قال النقير الذي في وسط النواة من ظهرها). [تفسير عبد الرزاق: 1/165]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ومن يعمل من الصّالحات من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ فأولئك يدخلون الجنّة ولا يظلمون نقيرًا}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: الّذين قال لهم: {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب} يقول اللّه لهم: إنّما يدخل الجنّة وينعم فيها في الآخرة، من يعمل من الصّالحات من ذكوركم وإناثكم، وذكور عبادي وإناثهم وهو مؤمنٌ بي وبرسولي محمّدٍ، مصدّقٌ بوحدانيّتي، ونبوّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وبما جاء به من عندي، لا أنتم أيّها المشركون بي المكذّبون رسولي، فلا تطمعوا أن تحلّوا وأنتم كفّارٌ محلّ المؤمنين بي وتدخلوا مداخلهم في القيامة وأنتم مكذّبون برسولي. كما:.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: {ومن يعمل من الصّالحات من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ} قال: أبى أن يقبل الإيمان إلاّ بالعمل الصّالح، وأبى أن يقبل الإسلام إلاّ بالإحسان.
وأمّا قوله: {ولا يظلمون نقيرًا} فإنّه يعني: ولا يظلم اللّه هؤلاء الّذين يعملون الصّالحات من ثواب عملهم مقدار النّقرة الّتي تكون في ظهر النّواة في القلّة، فيكفّ بما هو أعظم من ذلك وأكثر. وإنّما يخبر بذلك جلّ ثناؤه عباده أنّه لا يبخسهم من جزاء أعمالهم قليلاً ولا كثيرًا، ولكن يوفّيهم ذلك كما وعدهم.
وبنحو الّذي قلنا في معنى النّقير قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ: {ولا يظلمون نقيرًا} قال: النّقير: الّذي يكون في ظهر النّواة.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا أبو عامرٍ، قال: حدّثنا قرّة، عن عطيّة، قال: النّقير: الّذي في وسط النّواة.
فإن قال لنا قائلٌ: وما وجه دخول من في قوله: {ومن يعمل من الصّالحات} ولم يقل: ومن يعمل الصّالحات؟ قيل: لدخولها وجهان: أحدهما أن يكون اللّه قد علم أنّ عباده المؤمنين لن يطيقوا أن يعملوا جميع الأعمال الصّالحات، فأوجب وعده لمن عمل ما أطاق منها ولم يحرمه من فضله بسبب ما عجزت عن عمله منها قواه.
والآخر منهما أن يكون تعالى ذكره أوجب وعده لمن اجتنب الكبائر وأدّى الفرائض، وإن قصّر في بعض الواجب له عليه، تفضّلاً منه على عباده المؤمنين، إذ كان الفضل به أولى، والصّفح عن أهل الإيمان به أحرى. وقد تقول قومٌ من أهل العربيّة أنّها أدخلت في هذا الموضع بمعنى الحذف، ويتأوّله: ومن يعمل الصّالحات من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ. وذلك عندي غير جائزٍ؛ لأنّ دخولها لمعنًى، فغير جائزٍ أن يكون معناها الحذف). [جامع البيان: 7/526-527]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ومن يعمل من الصّالحات من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ فأولئك يدخلون الجنّة ولا يظلمون نقيرًا (124)
قوله تعالى: ومن يعمل من الصّالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن
- حدّثنا أبي، ثنا إبراهيم بن موسى. أنبأ هشامٌ يعني ابن يوسف عن ابن جريجٍ، قال: بلغني عن عكرمة مولى ابن عبّاسٍ، عن ابن عبّاسٍ، أنّ ابن عمر لقيه حزينًا سأله عن هذه الآية ومن يعمل من الصّالحات قال: الفرائض.
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ الواسطيّ، ثنا يحيى بن حمّادٍ، ثنا أبو عوانة، عن سليمان يعني الأعمش، عن مسلمٍ يعني أبا صخرٍ عن مسروقٍ قال: لمّا نزلت هذه الآية: ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به قالت اليهود: نحن وأنتم سواءٌ حتّى أنزل اللّه تعالى: ومن يعمل من الصّالحات من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ قال: ففلجوا عليهم.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو أسامة ويعلى، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ عن أبي صالحٍ قال: جلس ناسٌ من أهل الإيمان وأهل التّوراة وأهل الإنجيل، فقال هؤلاء: نحن أفضل، وقال هؤلاء: نحن أفضل، فأنزل اللّه تعالى: ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب من يعمل سوءًا يجز به ثمّ خصّ اللّه أهل الإيمان، فأنزل: ومن يعمل من الصّالحات من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمن.
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن الحكم، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: ومن يعمل من الصّالحات من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ فأبى أن يقبل الإيمان إلا بالعمل الصّالح وأبى أن يقبل الإسلام إلا بالإحسان.
قوله تعالى: فأولئك يدخلون الجنّة.
- حدّثنا عمرو بن عبد اللّه الأوديّ، ثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن علقمة عن عبد اللّه: قال: الجنّة سجسجٌ: لا حرّ فيها ولا بردٌ). [تفسير القرآن العظيم: 3/1072-1073]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مسروق قال: لما نزلت (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب) (النساء الآية 123) الآية، قال أهل الكتاب: نحن وأنتم سواء، فنزلت هذه الآية {ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن} ففجلوا عليهم.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن السدي في قوله {ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن} قال: أبى أن يقبل الإيمان إلا بالعمل الصالح.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس أن ابن عمر لقيه فسأله عن هذه الآية {ومن يعمل من الصالحات} قال: الفرائض.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله {ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن} قال: قد يعمل اليهودي والنصراني والمشرك الخير فلا ينفعهم في الدنيا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن} قال: إنما يتقبل الله من العمل ما كان في الإيمان.
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد قال: النقير هي النكتة التي تكون في ظهر النواة.
وأخرج عبد بن حميد عن الكلبي قال: القطمير القشرة التي تكون على النواة والفتيل الذي يكون في بطنها والنقير النقطة البيضاء التي في وسط النواة). [الدر المنثور: 5/54-55]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 09:39 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122)}

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (ومن أصدق من الله قيلاً) أو (قولا) واحد). [مجاز القرآن: 1/140]

تفسير قوله تعالى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون اللّه وليّا ولا نصيرا (123)
اسم ليس مضمر، المعنى ليس ثواب الله بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب، وقد جرى ما يدل على إضمار الثواب، وهو قوله: (والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات سندخلهم جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا وعد اللّه حقّا).
أي إنما يدخل الجنة من آمن وعمل صالحا. ليس كما يتمنى أهل الكتاب، لأنهم كانوا يزعمون أنهم أبناء الله وأحباؤه.
وقالوا: (لن تمسّنا النّار إلّا أيّاما معدودة)، فأعلم اللّه عزّ وجلّ أن دخول الجنة وثواب الله على الحسنات والسيئات ليس بالأماني ولكنه بالأعمال.
ثم ذكر بعض ذلك فقال عزّ وجلّ: (من يعمل سوءا يجز به).
أي لا ينفعه تمنيه.
(ولا يجد له من دون اللّه وليّا ولا نصيرا (123) ومن يعمل من الصّالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنّة ولا يظلمون نقيرا (124)
فأعلم الله أن عامل السوء لا ينفعه تمنيه، ولا يتولاه فتول ولا ينصره ناصر.
وقد احتج قوم من أصحاب الوعيد بقوله: (ولا يجد له من دون اللّه وليّا ولا نصيرا).
فزعموا أن هذا يدل على أن من عمل السوء جزي به). [معاني القرآن: 2/111-112]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب} المعنى ليس الثواب بأمانيكم ودل على أن هذا هو المعنى قوله جل وعز: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار}).[معاني القرآن: 2/197]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {من يعمل سوءا يجز به} روي عن أبي هريرة أنه قال لما نزلت من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا بكينا وحزنا وقلنا يا رسول الله ما أبقت هذه الآية من شيء قال أما والذي نفسي بيده إنها لكما أنزلت ولكن أبشروا وقاربوا وسددوا فإنه لا تصيب أحدا منكم مصيبة إلا كفر الله عنه بها خطيئة حتى الشوكة يشاكها أحدكم في قدمه وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس من يعمل سوء يجز به يقول من يشرك به وهو السوء إلا أن يتوب قبل موته فيتوب الله عليه حدثنا عبد السلام بن سهل السكري قال حدثنا عبيد الله قال حدثنا عبد الواحد بن زياد قال حدثنا عاصم عن الحسن من يعمل سوء يجز به قال ذلك لمن أراد الله جل وعز هو أنه فأما من أراد كرامته فلا قد ذكر الله قوما وقال {أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون} والحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أنه عام روى عنه أبو هريرة أنه قال لما نزلت هذه الآية كل ما يصاب به العبد كفارة
ولفظ الآية عام لكل من عمل سوءا من مؤمن وكافر كان الذنب صغيرا أو كبيرا وهذا موافق لـ «نكفر» لأن معنى نكفر نغطي عليها في القيامة فلا نفضحكم بها). [معاني القرآن: 2/198-200]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه قول الله عز وجل: {وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا}،{وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا}، والفتيل: ما يكون في شقّ النّواة. والنّقير: النّقرة في ظهرها.
ولم يرد أنهم لا يظلمون ذلك بعينه، وإنما أراد أنهم إذا حوسبوا لم يظلموا في الحساب شيئا ولا مقدار هذين التّافهين الحقيرين.
والعرب تقول: ما رزأتُه زِبَالاً. (وَالزِّبَالُ) ما تحمله النَّمْلَةُ بفَمِهَا، يريدون ما رزأته شيئاً.
وقال النابغة الذّبياني:
يجمعُ الجيش ذا الألوفِ ويغزو = ثم لا يرزأُ العدوَّ فَتيلا). [تأويل مشكل القرآن: 138] (م)

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقد أعلم اللّه عزّ وجلّ أنّه يغفر ما دون الشرك لمن يشاء، فعامل السوء - ما لم يكن كافرا - مرجو له العفو والرحمة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - شافع لأمته يشفع فيهم.
ومعنى: (ولا يظلمون نقيرا).
النقير النقطة في ظهر النواة، وهي منبت النخلة، والمعنى: ولا يظلمون مقدار ذلك). [معاني القرآن: 2/112]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ولا يظلمون نقيرا} المعنى لا يظلمون مقدار نقير والنقير النقطة التي تكون في النواة يقال إن النخلة تنبت منها). [معاني القرآن: 2/200]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 28 ربيع الثاني 1434هـ/10-03-2013م, 12:14 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي المجموع

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (قال الله عز وجل: {واسأل القرية التي كنا فيها} إنما هو: أهل القرية كما قال الشاعر:
ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت = فإنما هـي إقـبـالٌ وإدبـار
أي: ذات إقبال وإدبار، ويكون على أنه جعلها الإقبال والإدبار لكثرة ذاك منها. وكذلك قوله عز وجل: {ولكن البر من آمن بالله}. والوجه: ولكن البر بر من آمن بالله. ويجوز أن يوضع البر في موضع البار على ما ذكرت لك. فإذا قلت: ما أنت إلا شرب الإبل فالتقدير: ما أنت إلا تشرب شرب الإبل، والرفع في هذا أبعد؛ لأنه إذا قال: ما أنت إلا سيرٌ. فالمعنى: ما أنت إلا صاحب سيرٍ؛ لأن السير له. فإذا قال: ما أنت إلا شرب الإبل ففيه فعل؛ لأن الشرب ليس له. وإنما التقدير: إلا تشرب شرباً مثل شرب الإبل، فإذا أراد الضمير في الرفع كثر، فصار المعنى: ما أنت إلا صاحب شربٍ كشرب الإبل، فهذا ضعيفٌ خبيث. ومثل الأول قوله:
وكيف تواصل من أصبحت = خلالته كأبـي مـرحـب
يريد: كخلالة أبي مرحب. فهذا كقوله عز وجل: {ولكن البر من آمن بالله}. ومن ذلك قول الشاعر:
وقد خفت حتى ما تزيد مخافتي = على وعلٍ في ذي الفقارة عاقل
واعلم أن المصادر لا تمتنع من إضمار أفعالها إذا ذكرت ما يدل عليها، أو كان بالحضرة ما يدل على ذلك. وقياسها قياس سائر الأسماء في رفعها ونصبها وخفضها، إلا أنها تبدل من أفعالها. ألا ترى قوله عز وجل: {في أربعةٍ أيامٍ سواءً للسائلين} وأن قوله {أربعة} قد دل على أنها قد تمت. فكأنه قال: استوت استواءً. ومثله: {الذي أحسن كل شيءٍ خلقه}؛ لأن فعله خلق فقوله: {أحسن}؛ أي خلق حسنا خلق، ثم أضافه. ومثل ذلك: {وعد الله}؛ لأنه لما قال: {ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله} علم أن ذلك وعدٌ منه، فصار بمنزلة: وعدهم وعداً، ثم أضافه. وكذلك: {كتاب الله عليكم}. لما قال: {حرمت عليكم أمهاتكم} أعلمهم أن ذلك مكتوب عليهم، فكأنه قال: كتب الله ذلك. ومن زعم أن قوله: {كتاب الله عليكم} نصب بقوله: عليكم كتاب الله، فليس يدري ما العربية؛ لأن السماء الموضوعة موضع الأفعال لا تتصرف تصرف الأفعال، فتنصب ما قبلها. فمن ذلك قوله:
ما إن يمس الأرض إلا منكـبٌ = منه وحرف الساق طي المحمل
وذلك أنه دل بهذا الوصف على انه منطوٍ فأراد: طوي طي المحمل. فهذه أوصاف تبدل من الفعل لدلالتها عليه). [المقتضب: 3/230-232] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وإن قلت: سقياً قلت بعده: لفلان؛ لتبين ما تعني، وإن علم من تعني. فإن شئت أن تحذفه حذفته. ومن ذلك قول عز وجل: {فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب} إنما هو: فاضربوا الرقاب ضرباً، ثم أضاف. وكذلك قوله، تبارك وتعالى: {فإما مناً بعد وإما فداءً} إنما تقديره: فإما مننتم مناً، وإما فاديتم فداءً. وكذلك {وعد الله حقاً} و{صنع الله} ). [المقتضب: 3/267-268] (م)

تفسير قوله تعالى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123) }

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 16 جمادى الآخرة 1435هـ/16-04-2014م, 12:00 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 16 جمادى الآخرة 1435هـ/16-04-2014م, 12:00 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 16 جمادى الآخرة 1435هـ/16-04-2014م, 12:00 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 16 جمادى الآخرة 1435هـ/16-04-2014م, 12:00 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ولما أخبر تعالى عن الكفار الذين يتخذون الشيطان وليا، وأعلم بغرور وعد الشيطان لهم، وأعلم بصيور أمرهم وأنه إلى جهنم، فاقتضى ذلك كله التحذير، أعقب ذلك- عز وجل- بالترغيب في ذكره حالة المؤمنين، وأعلم بصيور أمرهم وأنه إلى النعيم المقيم، وأعلم بصحة وعده تعالى لهم، ثم قرر ذلك بالتوقيف عليه في قوله ومن أصدق من اللّه قيلًا والقيل والقول واحد، ونصبه على التمييز، وقرأت فرقة «سندخلهم» بالنون وقرأت فرقة «سيدخلهم» بالياء، ووعد اللّه نصب على المصدر. وحقًّا مصدر أيضا مؤكد لما قبله). [المحرر الوجيز: 3/27-28]

تفسير قوله تعالى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب من يعمل سوءاً يجز به ولا يجد له من دون اللّه وليًّا ولا نصيراً (123) ومن يعمل من الصّالحات من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ فأولئك يدخلون الجنّة ولا يظلمون نقيراً (124) ومن أحسن ديناً ممّن أسلم وجهه للّه وهو محسنٌ واتّبع ملّة إبراهيم حنيفاً واتّخذ اللّه إبراهيم خليلاً (125)
اسم ليس مضمر، و «الأماني»: جمع أمنوية، وزنها أفعولة، وهي: ما يتمناه المرء ويطيع نفسه فيه، وتجمع على أفاعيل، فتجتمع ياءان فلذلك تدغم إحداهما في الأخرى فتجيء مشددة وهي قراءة الجمهور، وقرأ الحسن بن أبي الحسن وأبو جعفر بن القعقاع وشيبة بن نصاح والحكم والأعرج، «ليس بأمانيكم» ساكنة الياء، وكذلك في الثانية، قال الفراء: هذا جمع على أفاعل، كما يقال قراقير وقراقر إلى غير ذلك. واختلف الناس فيمن المخاطب بهذه الآية؟ فقال ابن عباس والضحاك وأبو صالح ومسروق وقتادة والسدي وغيرهم: الخطاب لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: وسبب الآية أن المؤمنين اختلفوا مع قوم من أهل الكتاب، فقال أهل الكتاب: ديننا أقدم من دينكم وأفضل، ونبينا قبل نبيكم، فنحن أفضل منكم، وقال المؤمنون: كتابنا يقضي على الكتب، ونبينا خاتم النبيين، أو نحو هذا من المحاورة، فنزلت الآية، وقال مجاهد وابن زيد: بل الخطاب لكفار قريش، وذلك أنهم قالوا: لن نبعث ولا نعذب، وإنما هي حياتنا الدنيا لنا فيها النعيم ثم لا عذاب، وقالت اليهود نحن أبناء اللّه وأحبّاؤه [المائدة: 18]، إلى نحو هذا من الأقوال، كقولهم: لن يدخل الجنّة إلّا من كان هوداً أو نصارى [البقرة: 111]، وغيره، فرد الله تعالى على الفريقين بقوله ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب ثم ابتدأ الخبر الصادق من قبله بقوله من يعمل سوءاً يجز به وجاء هذا اللفظ عاما في كل سوء فاندرج تحت عمومه الفريقان المذكوران، واختلف المتأولون في تعميم لفظ هذا الخبر، فقال الحسن بن أبي الحسن: هذه الآية في الكافر، وقرأ وهل يجازى إلا الكفور [سبأ: 17] قال: والآية يعني بها الكفار، ولا يعني بها أهل الصلاة، وقال: والله ما جازى الله أحدا بالخير والشر إلا عذبه، ولكنه يغفر ذنوب المؤمنين، وقال ابن زيد: في قوله تعالى من يعمل سوءاً يجز به [وعد الله المؤمنين أن يكفر عنهم سيئاتهم، ولم يعد أولئك يعني المشركين، وقال الضحاك من يعمل سوءاً يجز به يعني بذلك اليهود والنصارى والمجوس وكفار العرب.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق: فهذا تخصيص للفظ الآية، ورأى هؤلاء أن الكافر يجزى على كل سوء يعمله وأن المؤمن قد وعده الله تكفير سيئاته، وقال ابن عباس وسعيد بن جبير: قوله تعالى: من يعمل سوءاً معناه، من يك مشركا والسوء هنا الشرك فهو تخصيص لعموم اللفظ من جهة أخرى، لأن أولئك خصصوا لفظ من، وهذان خصصا لفظ السوء، وقال جمهور الناس: لفظ الآية عام، والكافر والمؤمن مجازى بالسوء يعمله، فأما مجازاة الكافر فالنار، لأن كفره أوبقه، وأما المؤمن فبنكبات الدنيا، قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: لما نزلت من يعمل سوءاً يجز به قلت يا رسول الله ما أشد هذه الآية، فقال: يا أبا بكر أما تحزن أما تمرض أما تصيبك اللأواء؟. فهذا بذلك، وقال عطاء بن أبي رباح: لما نزلت هذه الآية، قال أبو بكر: جاءت قاصمة الظهر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما هي المصيبات في الدنيا، وقالت بمثل هذا التأويل عائشة رضي الله عنها، وقال أبيّ بن كعب، وسأله الربيع بن زياد عن معنى الآية وكأنه خافها، فقال له أبيّ: ما كنت أظنك إلا أفقه مما أرى، ما يصيب الرجل خدش ولا غيره إلا بذنب، وما يعفو الله عنه أكثر.
قال القاضي أبو محمد- رحمه الله-: فالعقيدة في هذا: أن الكافر مجازى والمؤمن يجازى في الدنيا غالبا، فمن بقي له سوء إلى الآخرة فهو في المشيئة، يغفر الله لمن يشاء، ويجازي من يشاء، وقرأ الجمهور «ولا يجد» بالجزم عطفا على يجز، وروى ابن بكار عن ابن عامر: «ولا يجد» بالرفع على القطع، وقوله من دون لفظة تقتضي عدم المذكور بعدها من النازلة، ويفسرها بعض المفسرين بغير، وهو تفسير لا يطرد). [المحرر الوجيز: 3/28-30]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: ومن يعمل من الصّالحات دخلت من للتبعيض إذ، الصّالحات على الكمال مما لا يطيقه البشر، ففي هذا رفق بالعباد، لكن في هذا البعض الفرائض وما أمكن من المندوب إليه، ثم قيد الأمر بالإيمان إذ لا ينفع عمل دونه، وحكى الطبري عن قوم: أن من زائدة، وضعفه كما هو ضعيف، وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي «يدخلون الجنة» بفتح الياء وضم الخاء، وكذلك حيث جاء من القرآن، وروي مثل هذا عن عاصم، وقرأ أبو عمرو في هذه الآية وفي مريم والملائكة وفي المؤمن «يدخلون» بضم الياء وفتح الخاء، وقرأ بفتح الياء من سيدخلون جهنّم داخرين [غافر: 60] و «النقير» النكتة التي في ظهر نواة التمرة ومنه تنبت، وروي عن عاصم «النقير» ما تنقره بأصبعك، وهذا كله مثال للحقير اليسير.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فهنا كمل الرد على أهل الأماني والإخبار بحقيقة الأمر). [المحرر الوجيز: 3/30-31]

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 16 جمادى الآخرة 1435هـ/16-04-2014م, 12:00 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 16 جمادى الآخرة 1435هـ/16-04-2014م, 12:01 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ ذكر حال السّعداء الأتقياء وما لهم في مآلهم من الكرامة التّامّة، فقال: {والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات} أي: صدّقت قلوبهم وعملت جوارحهم بما أمروا به من الخيّرات، وتركوا ما نهوا عنه من المنكرات {سندخلهم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار} أي: يصرفونها حيث شاءوا وأين شاءوا {خالدين فيها أبدًا} أي: بلا زوالٍ ولا انتقالٍ {وعد اللّه حقًّا} أي: هذا وعدٌ من اللّه ووعد اللّه معلومٌ حقيقةً أنّه واقعٌ لا محالة، ولهذا أكّده بالمصدر الدّالّ على تحقيق الخبر، وهو قوله: {حقًّا} ثمّ قال {ومن أصدق من اللّه قيلا} أي: لا أحد أصدق منه قولًا وخبرًا، لا إله إلّا هو، ولا ربّ سواه. وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول في خطبته: "إنّ أصدق الحديث كلام اللّه، وخير الهدي هدي محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ محدثة بدعةٌ وكلّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلّ ضلالةٍ في النّار"). [تفسير القرآن العظيم: 2/416]
تفسير قوله تعالى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب من يعمل سوءًا يجز به ولا يجد له من دون اللّه وليًّا ولا نصيرًا (123) ومن يعمل من الصّالحات من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ فأولئك يدخلون الجنّة ولا يظلمون نقيرًا (124) ومن أحسن دينًا ممّن أسلم وجهه للّه وهو محسنٌ واتّبع ملّة إبراهيم حنيفًا واتّخذ اللّه إبراهيم خليلا (125) وللّه ما في السّماوات وما في الأرض وكان اللّه بكلّ شيءٍ محيطًا (126)}
قال قتادة: ذكر لنا أنّ المسلمين وأهل الكتاب افتخروا، فقال أهل الكتاب: نبيّنا قبل نبيّكم، وكتابنا قبل كتابكم، فنحن أولى باللّه منكم. وقال المسلمون: نحن أولى باللّه منكم نبيّنا خاتم النّبيّين، وكتابنا يقضي على الكتب الّتي كانت قبله فأنزل اللّه: {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب من يعمل سوءًا يجز به} {ومن أحسن دينًا ممّن أسلم وجهه للّه وهو محسنٌ [واتّبع ملّة إبراهيم حنيفًا]} الآية. فأفلج اللّه حجّة المسلمين على من ناوأهم من أهل الأديان.
وكذا روي عن السّدّيّ، ومسروقٍ، والضّحّاك وأبي صالحٍ، وغيرهم وكذا روى العوفيّ عن ابن عبّاسٍ أنّه قال في هذه الآية: تخاصم أهل الأديان فقال أهل التّوراة: كتابنا خير الكتب، ونبيّنا خير الأنبياء. وقال أهل الإنجيل مثل ذلك. وقال أهل الإسلام: لا دين إلّا الإسلام. وكتابنا نسخ كلّ كتابٍ، ونبيّنا خاتم النّبيّين، وأمرتم وأمرنا أن نؤمن بكتابكم ونعمل بكتابنا. فقضى اللّه بينهم فقال: {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب من يعمل سوءًا يجز به} وخيّر بين الأديان فقال: {ومن أحسن دينًا ممّن أسلم وجهه للّه وهو محسنٌ [واتّبع ملّة إبراهيم حنيفًا]} إلى قوله: {واتّخذ اللّه إبراهيم خليلا}
وقال مجاهدٌ: قالت العرب: لن نبعث ولن نعذّب. وقالت اليهود والنّصارى: {لن يدخل الجنّة إلا من كان هودًا أو نصارى} [البقرة: 111] وقالوا {لن تمسّنا النّار إلا أيّامًا معدودةً} [البقرة: 80].
والمعنى في هذه الآية: أنّ الدّين ليس بالتّحلّي ولا بالتّمنّي، وليس كلّ من ادّعى شيئًا حصل له بمجرّد دعواه، ولا كلّ من قال: "إنّه هو المحق" سمع قوله بمجرّد ذلك، حتّى يكون له من اللّه برهانٌ؛ ولهذا قال تعالى: {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب} أي: ليس لكم ولا لهم النّجاة بمجرّد التّمنّي، بل العبرة بطاعة اللّه، واتّباع ما شرعه على ألسنة رسله الكرام؛ ولهذا قال بعده: {من يعمل سوءًا يجز به} كقوله {فمن يعمل مثقال ذرّةٍ خيرًا يره. ومن يعمل مثقال ذرّةٍ شرًّا يره} [الزّلزلة: 7، 8].
وقد روي أنّ هذه الآية لمّا نزلت شقّ ذلك على كثيرٍ من الصّحابة. قال الإمام أحمد: حدّثنا عبد اللّه بن نمير، حدّثنا إسماعيل، عن أبي بكر بن أبي زهيرٍ قال: أخبرت أنّ أبا بكرٍ قال: يا رسول اللّه، كيف الصّلاح بعد هذه الآية: {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب من يعمل سوءًا يجز به} فكل سوءٍ عملناه جزينا به؟ فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "غفر اللّه لك يا أبا بكرٍ، ألست تمرض؟ ألست تنصب؟ ألست تحزن؟ ألست تصيبك اللّأواء ؟ " قال: بلى. قال: "فهو ما تجزون به".
ورواه سعيد بن منصورٍ، عن خلف بن خليفة، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، به. ورواه ابن حبّان في صحيحه، عن أبي يعلى، عن أبي خيثمة، عن يحيى بن سعيدٍ، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، به. ورواه الحاكم من طريق سفيان الثّوريّ، عن إسماعيل به.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الوهّاب بن عطاءٍ، عن زيادٍ الجصّاص، عن عليّ بن زيدٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عمر قال: سمعت أبا بكرٍ يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: "من يعمل سوءًا يجز به في الدّنيا".
وقال أبو بكر بن مردويه: حدّثنا أحمد بن هشيم بن جهيمة، حدّثنا يحيى بن أبي طالبٍ، حدّثنا عبد الوهّاب بن عطاءٍ، حدّثنا زياد الجصاص، عن علي بن زيد، عن مجاهدٍ قال: قال عبد اللّه بن عمر: انظروا المكان الّذي به عبد اللّه بن الزّبير مصلوبًا ولا تمرّنّ عليه. قال: فسها الغلام، فإذا ابن عمر ينظر إلى ابن الزّبير فقال: يغفر اللّه لك ثلاثًا، أما واللّه ما علمتك إلّا صوّامًا قوّامًا وصّالًا للرّحم، أما واللّه إنّي لأرجو مع متساوي ما أصبت ألّا يعذّبك اللّه بعدها. قال: ثمّ التفت إليّ فقال: سمعت أبا بكرٍ الصّدّيق يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "من يعمل سوءًا في الدّنيا يجز به".
ورواه أبو بكرٍ البزّار في مسنده، عن الفضل بن سهلٍ، عن عبد الوهّاب بن عطاءٍ، به مختصرًا. وقد قال في مسند ابن الزّبير: حدّثنا إبراهيم بن المستمرّ العروفي حدّثنا عبد الرّحمن بن سليم بن حيّان، حدّثني أبي، عن جدّي حيّان بن بسطامٍ، قال: كنت مع ابن عمر، فمرّ بعبد اللّه بن الزّبير وهو مصلوبٌ، فقال: رحمك اللّه أبا خبيب، سمعت أباك -يعني الزّبير-يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "من يعمل سوءًا يجز به في الدّنيا والأخرى" ثمّ قال: لا نعلمه يروى عن الزّبير إلّا من هذا الوجه.
وقال أبو بكر بن مردويه: حدّثنا أحمد بن كاملٍ، حدّثنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ، حدّثنا روح بن عبادة، حدّثنا موسى بن عبيدة، حدثني مولى بن سباع قال: سمعت ابن عمر يحدّث، عن أبي بكرٍ الصّدّيق قال: كنت عند النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فنزلت هذه الآية: {من يعمل سوءًا يجز به ولا يجد له من دون اللّه وليًّا ولا نصيرًا} فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "يا أبا بكرٍ، هل أقرئك آيةً نزلت عليّ؟ " قال: قلت: بلى يا رسول اللّه. فأقرأنيها فلا أعلم إلّا أنّي وجدت انقصامًا في ظهري حتّى تمطّأت فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "مالك يا أبا بكرٍ؟ " قلت: بأبي أنت وأمّي يا رسول اللّه، وأيّنا لم يعمل السّوء، وإنّا لمجزيّون بكلّ سوءٍ عملناه؟! فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أمّا أنت وأصحابك يا أبا بكرٍ المؤمنون فتجزون بذلك في الدّنيا حتّى تلقوا اللّه، وليس لكم ذنوبٌ، وأمّا الآخرون فيجمع لهم ذلك حتّى يجزوا به يوم القيامة".
وهكذا رواه التّرمذيّ عن يحيى بن موسى، وعبد بن حميدٍ، عن روح بن عبادة، به. ثمّ قال: وموسى بن عبيدة يضعف، ومولى بن سباعٍ مجهولٌ.
[وقال ابن جريرٍ: حدّثنا الغلام، حدّثنا الحسين، حدّثنا الحجّاج، عن ابن جريجٍ، أخبرني عطاء بن أبي رباحٍ قال: لمّا نزلت قال أبو بكرٍ: يا رسول اللّه، جاءت قاصمة الظّهر، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّما هي المصائب في الدّنيا"].
طريقٌ أخرى عن الصّدّيق: قال ابن مردويه: حدّثنا محمّد بن أحمد بن إسحاق العسكريّ، حدّثنا محمّد بن عامرٍ السّعديّ، حدّثنا يحيى بن يحيى، حدّثنا فضيل بن عياضٍ، عن سليمان بن مهران، عن مسلم بن صبيح، عن مسروقٍ قال: قال أبو بكرٍ [الصّدّيق] يا رسول اللّه، ما أشدّ هذه الآية: {من يعمل سوءًا يجز به} ! فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "المصائب والأمراض والأحزان في الدّنيا جزاءٌ".
طريقٌ أخرى: قال ابن جريرٍ: حدّثني عبد اللّه بن أبي زيادٍ وأحمد بن منصورٍ قالا حدّثنا زيد بن الحباب، حدّثنا عبد الملك بن الحسن الحارثيّ، حدّثنا محمّد بن زيد بن قنفذ عن عائشة، عن أبي بكرٍ قال: لمّا نزلت: {من يعمل سوءًا يجز به} قال أبو بكرٍ: يا رسول اللّه، كلّ ما نعمل نؤاخذ به؟ فقال: "يا أبا بكرٍ، أليس يصيبك كذا وكذا؟ فهو كفّارةٌ".
حديثٌ آخر: قال سعيد بن منصورٍ: أنبأنا عبد اللّه بن وهبٍ، أخبرني عمرو بن الحارث، أنّ بكر بن سوادة حدّثه، أنّ يزيد بن أبي يزيد حدّثه، عن عبيد بن عميرٍ، عن عائشة: أنّ رجلًا تلا هذه الآية: {من يعمل سوءًا يجز به} فقال: إنّا لنجزى بكلّ عمل ؟ هلكنا إذًا. فبلغ ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: "نعم، يجزى به المؤمن في الدّنيا، في نفسه، في جسده، فيما يؤذيه".
طريقٌ أخرى: قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا سلمة بن بشيرٍ، حدّثنا هشيم، عن أبي عامرٍ، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة قالت: قلت: يا رسول اللّه، إنّي لأعلم أشدّ آيةٍ في القرآن. فقال: "ما هي يا عائشة؟ " قلت: {من يعمل سوءًا يجز به} فقال: "هو ما يصيب العبد المؤمن حتى النّكبة ينكبها".
رواه ابن جريرٍ من حديث هشيمٍ، به. ورواه أبو داود، من حديث أبي عامرٍ صالح بن رستم الخزّاز به.
طريقٌ أخرى: قال أبو داود الطّيالسيّ: حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن عليّ بن زيدٍ، عن أميّة أنّها سألت عائشة عن هذه الآية: {من يعمل سوءًا يجز به} فقالت: ما سألني عن هذه الآية أحدٌ منذ سألت عنها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: "يا عائشة، هذه مبايعة اللّه للعبد، ممّا يصيبه من الحمّى والنّكبة والشّوكة، حتّى البضاعة فيضعها في كمّه فيفزع لها، فيجدها في جيبه، حتّى إنّ المؤمن ليخرج من ذنوبه كما يخرج التّبر الأحمر من الكير".
طريقٌ أخرى: قال ابن مردويه: حدّثنا محمّد بن أحمد بن إبراهيم، حدّثنا أبو القاسم، حدّثنا سريج بن يونس، حدّثنا أبو معاوية، عن محمّد بن إسماعيل، عن محمّد بن زيد بن المهاجر، عن عائشة قالت: سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن هذه الآية: {من يعمل سوءًا يجز به} قال: "إنّ المؤمن يؤجر في كلّ شيءٍ حتّى في الفيظ عند الموت".
وقال الإمام أحمد: حدّثنا حسينٌ، عن زائدة، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، عن عائشة قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إذا كثرت ذنوب العبد، ولم يكن له ما يكفّرها، ابتلاه اللّه بالحزن ليكفّرها عنه".
حديثٌ آخر: قال سعيد بن منصورٍ، عن سفيان بن عيينة، عن عمر بن عبد الرّحمن بن محيصن، سمع محمّد بن قيس بن مخرمة، يخبر أنّ أبا هريرة، رضي اللّه عنه، قال: لمّا نزلت: {من يعمل سوءًا يجز به} شقّ ذلك على المسلمين، فقال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "سدّدوا وقاربوا، فإنّ في كلّ ما يصاب به المسلم كفّارةٌ حتّى الشّوكة يشاكها، والنّكبة ينكبها".
وهكذا رواه أحمد، عن سفيان بن عيينة، ومسلمٍ والتّرمذيّ والنّسائيّ، من حديث سفيان بن عيينة، به ورواه ابن مردويه من حديث روحٍ ومعتمرٍ كلاهما، عن إبراهيم بن يزيد عن عبد اللّه بن إبراهيم، سمعت أبا هريرة يقول: لمّا نزلت هذه الآية: {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب من يعمل سوءًا يجز به} بكينا وحزنّا وقلنا: يا رسول اللّه، ما أبقت هذه الآية من شيءٍ. قال: "أما والّذي نفسي بيده إنّها لكما نزلت، ولكن أبشروا وقاربوا وسدّدوا؛ فإنّه لا يصيب أحدًا منكم في الدّنيا إلّا كفّر اللّه بها خطيئته، حتّى الشّوكة يشاكها أحدكم في قدمه".
وقال عطاء بن يسارٍ، عن أبي سعيدٍ وأبي هريرة: أنّهما سمعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا سقم ولا حزن، حتّى الهمّ يهمّه، إلّا كفّر به من سيّئاته" أخرجاه.
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا يحيى، عن سعد بن إسحاق، حدّثتني زينب بنت كعب بن عجرة، عن أبي سعيدٍ الخدريّ قال: قال رجلٌ لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أرأيت هذه الأمراض الّتي تصيبنا؟ ما لنا بها؟ قال: "كفّاراتٌ". قال أبيٌّ: وإن قلّت؟ قال: "وإن شوكةً فما فوقها" قال: فدعا أبيٌّ على نفسه أنّه لا يفارقه الوعك حتّى يموت، في ألّا يشغله عن حجٍّ ولا عمرةٍ، ولا جهادٍ في سبيل اللّه، ولا صلاةٍ مكتوبةٍ في جماعةٍ، فما مسّه إنسانٌ إلّا وجد حرّه، حتّى مات، رضي اللّه عنه. تفرّد به أحمد.
حديثٌ آخر: روى ابن مردويه من طريق حسين بن واقدٍ، عن الكلبيّ، عن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: قيل: يا رسول اللّه: {من يعمل سوءًا يجز به}؟ قال: "نعم، ومن يعمل حسنةً يجز بها عشرًا. فهلك من غلب واحدته عشرًا".
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن وكيع، حدّثنا يزيد بن هارون، حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن حميدٍ، عن الحسن: {من يعمل سوءًا يجز به} قال: الكافر، ثمّ قرأ: {وهل نجازي إلا الكفور} [سبأٍ: 17].
وهكذا روي عن ابن عبّاسٍ، وسعيد بن جبيرٍ: أنّهما فسّرا السّوء هاهنا بالشّرك أيضًا.
وقوله: {ولا يجد له من دون اللّه وليًّا ولا نصيرًا} قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: إلّا أن يتوب فيتوب اللّه عليه. رواه ابن أبي حاتمٍ.
والصّحيح أنّ ذلك عامٌّ في جميع الأعمال، لما تقدّم من الأحاديث، وهذا اختيار ابن جريرٍ، واللّه أعلم). [تفسير القرآن العظيم: 2/417-420]
تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ومن يعمل من الصّالحات من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ [فأولئك يدخلون الجنّة ولا يظلمون نقيرًا]} لمّا ذكر الجزاء على السّيّئات، وأنّه لا بدّ أن يأخذ مستحقّها من العبد إمّا في الدّنيا -وهو الأجود له -وإمّا في الآخرة -والعياذ باللّه من ذلك، ونسأله العافية في الدّنيا والآخرة، والصّفح والعفو والمسامحة -شرع في بيان إحسانه وكرمه ورحمته في قبول الأعمال الصّالحة من عباده ذكرانهم وإناثهم، بشرط الإيمان، وأنّه سيدخلهم الجنّة ولا يظلمهم من حسناتهم ولا مقدار النّقير، وهو: النّقرة الّتي في ظهر نواة التّمرة، وقد تقدّم الكلام على الفتيل، وهو الخيط الّذي في شقّ النّواة، وهذا النّقير وهما في نواة التّمرة، وكذا القطمير وهو اللّفافة الّتي على نواة التّمرة، الثّلاثة في القرآن). [تفسير القرآن العظيم: 2/421]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:30 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة