العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة آل عمران

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 ربيع الثاني 1434هـ/28-02-2013م, 09:03 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي تفسير سورة آل عمران[من الآية (113) إلى الآية (115) ]

تفسير سورة آل عمران
[من الآية (113) إلى الآية (115) ]

{لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 25 ربيع الثاني 1434هـ/7-03-2013م, 11:13 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف


جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا سفيان، عن منصور، في قوله {يتلون آيات الله آناء الليل}[سورة آل عمران: 113] قال: سمعت أنه بين المغرب والعشاء). [الزهد لابن المبارك: 2/ 626-627]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني حفص بن ميسرة عن أبي الحسن أنه قال في قول الله: {ليسوا سواء من أهل الكتاب أمةٌ قائمةٌ يتلون آيات الله أناء الليل وهم يسجدون (113) يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف}، الآية كلها، قال: ما بين المغرب والعشاء). [الجامع في علوم القرآن: 1/35]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني يحيى بن أيّوب عن عبيد اللّه بن
[الجامع في علوم القرآن: 2/6]
زحرٍ عن سليمان عن زرّ بن حبيشٍ عن عبد [اللّه بن مسعودٍ] قال: احتبس علينا رسول اللّه ذات ليلةٍ عند بعض أهله أو نسائه [فلم يأتنا لصلاة العشاء] حتّى ذهب ليلٌ، فجاء، ومنّا المصلّي ومنّا المضطجع، فبشّرنا وقال: إنّه لا [يصلّي هذه الصّلاة أحدٌ من أهل الكتاب]، فأنزلت: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمةٌ قائمةٌ [يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون]}). [الجامع في علوم القرآن: 2/7]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وسمعت مالكا يقول في قول الله: {ليسوا سواء من أهل
[الجامع في علوم القرآن: 2/133]
الكتاب أمةٌ قائمةٌ}، قال: قائمة بالحق). [الجامع في علوم القرآن: 2/134]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا الثوري عن منصور قال بلغني أنها نزلت ليسوا سواء من أهل الكتب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون فيما بين المغرب والعشاء). [تفسير عبد الرزاق: 1/131]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر أن النبي لعن في صلاة الفجر بعد الركوع الآخرة فقال اللهم العن فلانا وفلانا ناسا من المنافقين فأنزل الله تعالى ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم الآية). [تفسير عبد الرزاق: 1/132]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن ابن جريجٍ عن عطاءٍ أنّ ابن عباس قال: بلغني إن هذه الآية نزلت {ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ يتلون آيات الله آناء الليل} ما بين المغرب والعشاء [الآية: 113].
سفيان [الثوري] عن جابرٍ عن عبد الرّحمن بن الأسود عن أبيه عن عبد اللّه قال: هي كصلاة الغفلة). [تفسير الثوري: 80]

قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا جريرٌ، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ {آناء اللّيل} قال: جوف اللّيل). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 242]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب}

- أخبرنا محمّد بن رافعٍ، حدّثنا أبو النّضر، حدّثنا أبو معاوية، عن عاصمٍ، عن زرٍّ، عن ابن مسعودٍ، قال: أخّر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلةً صلاة العشاء، ثمّ خرج إلى المسجد فإذا النّاس ينتظرون الصّلاة، فقال: أما إنّه ليس من هذه الأديان أحدٌ يذكر الله هذه السّاعة غيركم " قال: وأنزلت هذه الآية {ليسوا سواءً من أهل الكتاب} [آل عمران: 113] حتّى بلغ {والله عليمٌ بالمتّقين} [آل عمران: 115]). [السنن الكبرى للنسائي: 10/49]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ يتلون آيات اللّه آناء اللّيل وهم يسجدون}.
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {ليسوا سواءً} ليس فريقا أهل الكتاب، أهل الإيمان منهم والكفر سواءً، يعني بذلك: أنّهم غير متساوين، يقول: ليسوا متعادلين، ولكنّهم متفاوتون في الصّلاح والفساد والخير والشّرّ.
وإنّما قيل: ليسوا سواءً؛ لأنّ فيه ذكر الفريقين من أهل الكتاب اللّذين ذكرهما اللّه في قوله: {ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرًا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون}، ثمّ أخبر جلّ ثناؤه عن حال الفريقين، عنده، المؤمنة منهما والكافرة، فقال: {ليسوا سواءً} أي ليس هؤلاء سواءً، المؤمنون منهم والكافرون، ثمّ ابتدأ الخبر جلّ ثناؤه عن صفة الفرقة المؤمنة من أهل الكتاب ومدحهم وأثنى عليهم بعدما وصف الفرقة الفاسقة منهم بما وصفها به من الهلع ونخب الجنان، ومحالفة الذّلّ والصّغار، وملازمة الفاقة والمسكنة، وتحمّل خزي الدّنيا وفضيحة الآخرة، فقال: {من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ يتلون آيات اللّه آناء اللّيل وهم يسجدون} الآيات الثّلاث، إلى قوله: {واللّه عليمٌ بالمتّقين}.
فقوله: {أمّةٌ قائمةٌ} مرفوعةٌ بقوله: {من أهل الكتاب}
وقد توهّم جماعةٌ من نحويّي الكوفة والبصرة والمقدّمين منهم في صناعتهم أنّ ما بعد سواءٍ في هذا الموضع من قوله: {أمّةٌ قائمةٌ} ترجمةٌ عن سواءٍ، وتفسيرٌ عنه بمعنى: لا يستوي من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ يتلون آيات اللّه آناء اللّيل، وأخرى كافرةٌ، وزعموا أنّ ذكر الفرقة الأخرى ترك اكتفاءً بذكر إحدى الفرقتين، وهي الأمّة القائمة، ومثّلوه بقول أبي ذؤيبٍ:
عصيت إليها القلب إنّي لأمرها = سميعٌ فما أدري أرشدٌ طلابها.
ولم يقل: أم غير رشدٍ اكتفاءً بقوله: أرشدٌ من ذكر أم غير رشدٍ وبقول الآخر:
أزاك فلا أدري أهمٌّ هممته = وذو الهمّ قدمًا خاشعٌ متضائل
وهو مع ذلك عندهم خطأٌ قول القائل المريد أن يقول: سواءٌ أقمت أم قعدت، سواءٌ أقمت حتّى يقول أم قعدت، وإنّما يجيزون حذف الثّاني فيما كان من الكلام مكتفيًا بواحدٍ دون ما كان ناقصًا عن ذلك،
وذلك نحو ما أبالي أو ما أدري، فأجازوا في ذلك ما أبالي أقمت، وهم يريدون: ما أبالي أقمت أم قعدت، لاكتفاء ما أبالي بواحدٍ، وكذلك في ما أدري، وأبوا الإجازة في سواءٍ من أجل نقصانه، وأنّه غير مكتفٍ بواحدٍ، فأغفلوا في توجيههم قوله: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ} على ما حكينا عنهم إلى ما وجّهوه إليه مذاهبهم في العربيّة، إذ أجازوا فيه من الحذف ما هو غير جائزٍ عندهم في الكلام مع سواءٍ، وأخطئوا تأويل الآية، فسواءٌ في هذا الموضع بمعنى التّمام والاكتفاء، لا بالمعنى الّذي تأوّله من حكينا قوله.
وقد ذكر أنّ قوله: {من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ} الآيات الثّلاث، نزلت في جماعةٍ من اليهود أسلموا، فحسن إسلامهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن محمّدٍ، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا أسلم عبد اللّه بن سلامٍ، وثعلبة بن سعية، وأسيد بن سعية، وأسد بن عبيدٍ، ومن أسلم من يهود معهم، فآمنوا وصدّقوا ورغبوا في الإسلام وتنحوا فيه، قالت أحبار يهود وأهل الكفر منهم: ما آمن بمحمّدٍ ولا تبعه إلاّ أشرارنا، ولو كانوا من خيارنا ما تركوا دين آبائهم، وذهبوا إلى غيره، فأنزل اللّه عزّ وجلّ في ذلك من قولهم: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ يتلون آيات اللّه} إلى قوله: {وأولئك من الصّالحين}
- حدّثنا أبو كريبٍ قال: حدّثنا يونس بن بكيرٍ، عن محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ مولى زيد بن ثابتٍ، قال: حدّثني سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، بنحوه.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ} الآية، يقول: ليس كلّ القوم هلك، قد كان للّه فيهم بقيّةٌ.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌّ، قال: قال ابن جريجٍ: {أمّةٌ قائمةٌ} عبد اللّه بن سلامٍ، وثعلبة بن سلامٍ أخوه، وسعية، ومبشّرٌ، وأسيدٌ وأسدٌ ابنا كعبٍ
وقال آخرون: معنى ذلك: ليس أهل الكتاب وأمة محمّدٍ القائمة بحقّ اللّه سواءً عند اللّه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ عن الحسن بن يزيد العجليّ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، أنّه كان يقول في قوله: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ} قال: لا يستوي أهل الكتاب، وأمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ} الآية، يقول: ليس هؤلاء اليهود كمثل هذه الأمّة الّتي هي قائمةٌ
وقد بيّنّا أنّ أولى القولين بالصّواب في ذلك قول من قال: قد تمّت القصّة عند قوله: {ليسوا سواءً} عن إخبار اللّه بأمر مؤمني أهل الكتاب، وأهل الكفر منهم، وأنّ قوله: {من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ} خبرٌ مبتدأٌ عن مدح مؤمنيهم، ووصفهم بصفتهم، على ما قاله ابن عبّاسٍ، وقتادة، وابن جريجٍ.
ويعني جلّ ثناؤه بقوله: {أمّةٌ قائمةٌ} جماعةٌ ثابتةٌ على الحقّ.
وقد دلّلنا على معنى الأمّة فيما مضى بما أغنى عن إعادته.
وأمّا القائمة، فإنّ أهل التّأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: معناها: العادلة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ: {أمّةٌ قائمةٌ} من قال: عادلةٌ.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنّها قائمةٌ على كتاب اللّه وما أمر به فيه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، في قوله: {أمّةٌ قائمةٌ} يقول: قائمةٌ على كتاب اللّه وفرائضه وحدوده.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قوله: {أمّةٌ قائمةٌ} يقول: قائمةٌ على كتاب اللّه وحدوده وفرائضه.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: ثنّى أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه عن ابن عبّاسٍ: {من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ} يقول: أمّةٌ مهتديةٌ قائمةٌ على أمر اللّه، لم تنزع عنه وتتركه كما تركه الآخرون وضيّعوه
وقال آخرون. بل معنى قائمةٍ: مطيعةٌ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {أمّةٌ قائمةٌ} الآية، يقول: ليس هؤلاء اليهود، كمثل هذه الأمّة الّتي هي قانتةٌ للّه، والقائمة المطيعة.
وأولى هذه الأقوال بالصّواب في تأويل ذلك ما قاله ابن عبّاسٍ، وقتادة، ومن قال بقولهما على ما روينا عنهم، وإن كان سائر الأقوال الأخر متقاربة المعنى من معنى ما قاله ابن عبّاسٍ وقتادة في ذلك، وذلك أنّ معنى قوله: {قائمةٌ} مستقيمةٌ على الهدى، وكتاب اللّه وفرائضه، وشرائع دينه، بالعدل والطّاعة، وغير ذلك من أسباب الخير من صفة أهل الاستقامة على كتاب اللّه وسنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ونظير ذلك الخبر الّذي رواه النّعمان بن بشيرٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: مثل القائم على حدود اللّه والواقع فيها، كمثل قومٍ ركبوا سفينةً، ثمّ ضرب لهم مثلاً فالقائم على حدود اللّه هو الثّابت على التّمسّك بما أمر اللّه به واجتناب ما نهاه اللّه عنه
فتأويل الكلام: من أهل الكتاب جماعةٌ معتصمةٌ بكتاب اللّه، متمسّكةٌ به، ثابتةٌ على العمل بما فيه، وبما سنّ له رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم). [جامع البيان: 5/689-695]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يتلون آيات اللّه آناء اللّيل وهم يسجدون}
يعني بقوله: {يتلون آيات اللّه} يقرءون كتاب اللّه آناء اللّيل، ويعني بقوله: {آيات اللّه} ما أنزل في كتابه من العبر والمواعظ، يقول: يتلون ذلك آناء اللّيل، يقول: في ساعات اللّيل، فيتدبّرونه ويتفكّرون فيه، وأمّا {آناء اللّيل} فساعات اللّيل، واحدها: إني، كما قال الشّاعر:
حلوٌ ومرٌّ كعطف القدح مرّته = في كلّ إنيٍ قضاه اللّيل ينتعل
وقد قيل إنّ واحد الآناء: إني مقصورٌ، كما واحد الأمعاء: معًى.
واختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: تأويله: ساعات اللّيل، كما قلنا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {يتلون آيات اللّه آناء اللّيل} أي ساعات اللّيل.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قال: {آناء اللّيل} ساعات اللّيل.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثنّى حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ، قال عبد اللّه بن كثيرٍ: سمعنا العرب تقول: {آناء اللّيل} ساعات اللّيل.
وقال آخرون {آناء اللّيل} جوف اللّيل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {يتلون آياتٍ اللّه آناء اللّيل} أمّا آناء اللّيل: فجوف اللّيل
وقال آخرون: بل عنى بذلك قومًا كانوا يصلّون العشاء الأخيرة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى عن ابن أبي نجيحٍ، عن الحسن بن يزيد العجليّ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، في قوله: {يتلون آيات اللّه آناء اللّيل} صلاة العتمة، هم يصلّونها، ومن سواهم من أهل الكتاب لا يصلّيها.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: حدّثني يحيى بن أيّوب، عن عبيد اللّه بن زحرٍ، عن سليمان، عن زرّ بن حبيشٍ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، قال: احتبس علينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ذات ليلةٍ كان عند بعض أهله ونسائه، فلم يأتنا لصلاة العشاء حتّى ذهب ليلٌ، فجاء ومنّا المصلّي ومنّا المضطجع، فبشّرنا وقال: إنّه لا يصلّي هذه الصّلاة أحدٌ من أهل الكتاب، فأنزل اللّه: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ يتلون آيات اللّه آناء اللّيل وهم يسجدون}.
- حدّثني يونس، قال: حدّثنا عليّ بن معبدٍ، عن أبي يحيى الخراسانيّ، عن نصر بن طريفٍ، عن عاصمٍ، عن زرّ بن حبيشٍ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، قال: خرج علينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ونحن ننتظر العشاء يريد العتمة فقال لنا: ما على الأرض أحدٌ من أهل الأديان ينتظر هذه الصّلاة في هذا الوقت غيركم قال: فنزلت: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ يتلون آيات اللّه آناء اللّيل وهم يسجدون}.
وقال آخرون: بل عني بذلك قومٌ كانوا يصلّون فيما بين المغرب والعشاء.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن منصورٍ، قال: بلغني أنّها نزلت: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ يتلون آيات اللّه آناء اللّيل وهم يسجدون} فيما بين المغرب والعشاء
وهذه الأقوال الّتي ذكرتها على اختلافها متقاربة المعاني، وذلك أنّ اللّه تعالى ذكره، وصف هؤلاء القوم، بأنّهم يتلون آيات اللّه في ساعات اللّيل، وهي آناؤه، وقد يكون تاليها في صلاة العشاء تاليًا لها آناء اللّيل، وكذلك من تلاها فيما بين المغرب والعشاء، ومن تلاها جوف اللّيل، فكلّ تالٍ له ساعات اللّيل غير أنّ أولى الأقوال بتأويل الآية قول من قال: عني بذلك تلاوة القرآن في صلاة العشاء؛ لأنّها صلاةٌ لا يصلّيها أحدٌ من أهل الكتاب، فوصف اللّه أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم بأنّهم يصلّونها دون أهل الكتاب الّذين كفروا باللّه ورسوله.
وأمّا قوله: {وهم يسجدون} فإنّ بعض أهل العربيّة زعم أنّ معنى السّجود في هذا الموضع اسم الصّلاة لا السّجود؛ لأنّ التّلاوة لا تكون في السّجود ولا في الرّكوع، فكان معنى الكلام عنده: يتلون آيات اللّه آناء اللّيل وهم يصلّون.
وليس المعنى على ما ذهب إليه، وإنّما معنى الكلام: من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ، يتلون آيات اللّه آناء اللّيل في صلاتهم، وهم مع ذلك يسجدون فيها، فالسّجود هو السّجود المعروف في الصّلاة). [جامع البيان: 5/695-699]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ يتلون آيات اللّه آناء اللّيل وهم يسجدون (113)
قوله تعالى: ليسوا سواء
[الوجه الأول]
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن بن أبي نجيحٍ، زعم الحسن بن أبي يزيد العجليّ عن ابن مسعودٍ في قوله: ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ يقول: لا يستوي أهل الكتاب وأمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ، ثنا أحمد بن المفضّل، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ: ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمة قائمة يقول هؤلاء اليهود ليسوا كمثل هذه الأمّة الّتي هي قانتةٌ للّه.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا سعيد بن سليمان النّشيطيّ، ثنا أبو الأشهب قال: ليس كلّ القوم هلك.
على الحسن: ليسوا سواءً من أهل الكتاب قال: هؤلاء أهل الهدى.
قوله تعالى: من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة قال: قال محمّدٌ: ثنا إسحاق، وحدّثني محمّدٌ، عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: لمّا أسلم عبد اللّه بن سلامٍ، وثعلبة بن سعية، وأسيد بن سعية، وأسيد بن عبيدٍ ومن أسلم من يهود معهم فآمنوا وصدّقوا ورغبوا في الإسلام ومنحوا فيه قالت أحبار يهود وأهل الكفر منهم: ما آمن بمحمّدٍ وتبعه إلا شرارنا، ولو كانوا خيارنا ما تركوا دين آبائهم وذهبوا إلى غيره، فأنزل اللّه عزّ وجلّ في ذلك: ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ
قوله تعالى: أمّةٌ
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ فيما كتب إليّ حدّثني أبي، ثنا عمّي الحسين، عن أبيه، عن جدّه عن ابن عبّاسٍ قوله: ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمة يقول أمّةٌ مهتديةٌ.
قوله تعالى: قائمةٌ
- وبه عن ابن عبّاسٍ قوله: أمّةٌ قائمةٌ يقول: قائمةٌ على أمر اللّه لم تنزع عنه وتتركه كما تركه الآخرون وضيّعوه.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه عن الرّبيع قوله: أمّةٌ قائمةٌ يقول: قائمةٌ على كتاب اللّه وحدوده وفرائضه.
قوله تعالى: يتلون آيات اللّه
- وبه عن الرّبيع قوله: يتلون آيات اللّه آناء اللّيل قال: قال بعضهم:
صلاة العتمة تصلّيها أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم ولا يصلّيها غيرهم من أهل الكتاب.
قوله تعالى: آناء اللّيل وهم يسجدون
[الوجه الأول]
- حدّثنا يحيى بن عبدك القزوينيّ، ثنا الحسن بن موسى الأشيب، ثنا شيبان بن عبد الرّحمن، عن عاصم بن أبي النّجود عن زرّ بن حبيشٍ عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: أخّر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم صلاة العشاء، ثمّ خرج إلى المسجد فإذا النّاس ينتظرون الصّلاة، فقال: أما أنّه ليس من أهل هذه الأديان أحدٌ يذكر اللّه في هذه السّاعة غيركم. قال: وأنزلت هذه الآية: ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ يتلون آيات اللّه آناء اللّيل وهم يسجدون إلى قوله: عليمٌ بالمتّقين.
- حدّثنا محمّد بن عمّارٍ، ثنا عبيد اللّه بن موسى، ثنا شيبان بإسناده نحوه.
- حدّثنا أبي، ثنا يحيى بن المغيرة ثنا جريرٌ، عن قابوس، عن أبيه عن ابن عبّاسٍ في قوله: آناء اللّيل قال: هو جوف اللّيل. وروي عن السّدّيّ نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن المثنّى، ثنا موسى بن مسعودٍ ثنا سفيان ، عن جابرٍ عن عبد الرّحمن بن الأسود، عن أبيه، عن ابن مسعودٍ في قوله: أمّةٌ قائمةٌ يتلون آيات اللّه آناء اللّيل قال: هي صلاة الغفلة.
- حدّثنا أحمد بن منصورٍ الرّماديّ، ثنا يزيد بن أبي حكيمٍ، قال سألت سفيان يعني الثّوريّ عن قول اللّه عزّ وجلّ: ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ يتلون آيات اللّه آناء اللّيل وهم يسجدون فحدّثني عن منصورٍ قال: بلغني أنّهم كانوا يصلّون بين المغرب والعشاء.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا الحسين بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ، ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، ثنا عبّاد بن منصورٍ قال: سألت الحسن قوله: آناء اللّيل قال: ساعاتٌ من أوّله وآخره
- وروي عن الرّبيع بن أنسٍ. وقتادة قالا: ساعات اللّيل.
قوله تعالى: وهم يسجدون
- حدّثنا أبي، ثنا موسى بن مسعودٍ أنبأ شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن الحسن بن أبي يزيد العجلي، عن ابن مسعودٍ: يتلون آيات اللّه آناء اللّيل وهم يسجدون صلاة العتمة يصلّونها). [تفسير القرآن العظيم: 2/737-739]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله أمة قائمة قال عادلة). [تفسير مجاهد: 133]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {ليسوا سواءً} [آل عمران: 113].
- عن ابن عبّاسٍ قال: لمّا أسلم عبد اللّه بن سلامٍ، وثعلبة بن شعبة، وأسد بن عبيدٍ، ومن أسلم من يهود، فآمنوا وصدّقوا ورغبوا في الإسلام، قالت أحبار يهود أهل الكفر: ما آمن بمحمّدٍ ولا تبعه إلّا شرارنا، ولو كانوا من خيارنا ما تركوا دين آبائهم.
فأنزل اللّه عزّ وجلّ في ذلك من قوله: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب} [آل عمران: 113]، إلى قوله تعالى: {من الصّالحين} [آل عمران: 114].
رواه الطّبرانيّ، ورجاله ثقاتٌ). [مجمع الزوائد: 6/327]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 113 - 116.
أخرج ابن إسحاق، وابن المنذر، وابن جرير، وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في الدلائل، وابن عساكر عن ابن عباس قال: لما أسلم عبد الله بن سلام وثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية وأسد بن عبيد ومن أسلم من يهود معهم، فآمنوا وصدقوا ورغبوا في الإسلام قالت أحبار يهود وأهل الكفر منهم: ما آمن بمحمد وتبعه إلا شرارنا ولو كانوا خيارنا ما تركوا دين آبائهم وذهبوا إلى غيره، فأنزل الله في ذلك {ليسوا سواء} إلى قوله {وأولئك من الصالحين}.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة في قوله {ليسوا سواء} الآية، يقول: ليس كل القوم هلك قد كان لله فيهم بقية.
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج في قوله {أمة قائمة} قال: عبد الله بن سلام وثعلبة بن سلام أخوه وسعية ومبشر وأسيد وأسد ابنا كعب
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي في الآية يقول: هؤلاء اليهود ليسوا كمثل هذه الآمة التي هي قانتة لله.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس {أمة قائمة} يقول: مهتدية قائمة على أمر الله لم تنزع عنه وتتركه كما تركه الآخرون وضيعوه
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد {أمة قائمة} قال: عادلة.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن الربيع {أمة قائمة} يقول: قائمة على كتاب الله وحدوده وفرائضه.
وأخرج ابن جرير عن الربيع {آناء الليل} قال: ساعات الليل.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد، وابن نصر، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {آناء الليل} قال: جوف الليل.
وأخرج الفريابي والبخاري في تاريخه، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله {ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة} قال: لا يستوي أهل الكتاب وأمة محمد {يتلون آيات الله آناء الليل} قال: صلاة العتمة هم يصلونها ومن سواهم من أهل الكتاب لا يصلونها
وأخرج أحمد والنسائي والبزار وأبو يعلى، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني بسند حسن عن ابن مسعود قال: أخر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة صلاة العشاء ثم خرج إلى المسجد فإذا الناس ينتظرون الصلاة فقال: أما أنه ليس من أهل هذه الأديان أحد يذكر الله هذه الساعة غيركم، ولفظ ابن جرير والطبراني وقال: إنه لا يصلي هذه الصلاة أحد من أهل الكتاب، قال: وأنزلت هذه الآية {ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة} حتى بلغ {والله عليم بالمتقين}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع في قوله {يتلون آيات الله آناء الليل} قال: قال بعضهم: صلاة العتمة يصليها أمة محمد ولا يصليها غيرهم من أهل الكتاب.
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والبيهقي في "سننه" عن معاذ بن جبل قال: أخر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العتمة ليلة حتى ظن الظان أن قد صلى ثم خرج فقال: أعتموا بهذه الصلاة فإنكم فضلتم بها على سائر الأمم ولم تصلها أمة قبلكم
وأخرج الطبراني بسند حسن عن المنكدر عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنه خرج ذات ليلة
وقد أخر صلاة العشاء حتى ذهب من اليل هنيهة أو ساعة والناس ينتظرون في المسجد فقال: أما إنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتموها ثم قال: أما إنها صلاة لم يصلها أحد ممن كان قبلم من الأمم.
وأخرج ابن أبي شيبة والبزار بسند حسن عن ابن عمر أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أعتم ليلة بالعشاء، فناداه عمر: نام النساء والصبيان فقال: ما ينتظر هذه الصلاة أحد من أهل الأرض غيركم.
وأخرج الطبراني بسند حسن عن ابن عباس أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أخر صلاة العشاء ثم خرج فقال: ما يحبسكم هذه الساعة قالوا: يا نبي الله انتظرناك لنشهد الصلاة معك فقال لهم: ما صلى صلاتكم هذه أمة قط قبلكم وما زلتم في صلاة بعد.
وأخرج الطبراني بسند حسن عن عبد الله بن المستورد قال: احتبس النّبيّ صلى الله عليه وسلم ليلة حتى لم يبق في المسجد إلا بضعة عشر رجلا فخرج إليهم فقال: ما أمسى أحد ينتظر الصلاة غيركم.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن منصور قال: بلغني أنها نزلت {يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون} فيما بين المغرب والعشاء.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله {يتلون آيات الله آناء الليل} قال: هي صلاة الغفلة). [الدر المنثور: 3/730-735]

تفسير قوله تعالى: (يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يؤمنون باللّه واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصّالحين}
يعني بقوله جلّ وعزّ: {يؤمنون باللّه واليوم الآخر} يصدّقون باللّه، وبالبعث بعد الممات ويعلمون أنّ اللّه مجازيهم بأعمالهم؛ وليسوا كالمشركين الّذين يجحدون وحدانيّة اللّه، ويعبدون معه غيره، ويكذّبون بالبعث بعد الممات، وينكرون المجازاة على الأعمال والثّواب والعقاب.
وقوله: {ويأمرون بالمعروف} يقول: يأمرون النّاس بالإيمان باللّه ورسوله، وتصديق محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، وما جاءهم به. {وينهون عن المنكر} يقول: وينهون النّاس عن الكفر باللّه، وتكذيب محمّدٍ، وما جاءهم به من عند اللّه: يعني بذلك: أنّهم ليسوا كاليهود والنّصارى، الّذين يأمرون النّاس بالكفر، وتكذيب محمّدٍ فيما جاءهم به، وينهونهم عن المعروف من الأعمال، وهو تصديق محمّدٍ فيما أتاهم به من عند اللّه {ويسارعون في الخيرات} يقول: ويبتدرون فعل الخيرات خشية أن يفوتهم ذلك قبل معاجلتهم مناياهم.
ثمّ أخبر جلّ ثناؤه أنّ هؤلاء الّذين هذه صفتهم من أهل الكتاب هم من عداد الصّالحين؛ لأنّ من كان منهم فاسقًا قد باء بغضبٍ من اللّه، لكفره باللّه وآياته، وقتلهم الأنبياء بغير حقٍّ، وعصيانه ربّه، واعتدائه في حدوده). [جامع البيان: 5/699-700]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (يؤمنون باللّه واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصّالحين (114) وما يفعلوا من خيرٍ فلن يكفروه واللّه عليمٌ بالمتّقين (115)
قوله تعالى: يؤمنون باللّه واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر
قد تقدّم تفسيره.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه، ثنا ابن لهيعة، حدّثني عطاءٌ عن سعيد بن جبيرٍ في قوله: يؤمنون باللّه قال: يصدّقون بتوحيد اللّه واليوم الآخر، ويصدّقون بالغيب الّذي فيه جزاء الأعمال.
قوله تعالى: ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصّالحين
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا شيبان، ثنا أبو الأشهب، ثنا الحسن: ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصّالحين قال: فرغوا إلى بعضهم حين تفرّقت الأمم). [تفسير القرآن العظيم: 2/739-741]

تفسير قوله تعالى: (وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وما يفعلوا من خيرٍ فلن يكفروه واللّه عليمٌ بالمتّقين}
اختلف القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء الكوفة: {وما يفعلوا من خيرٍ فلن يكفروه} بالياء جميعًا، ردًّا على صفة القوم الّذين وصفهم جلّ ثناؤه بأنّهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
وقرأته عامّة قرّاء المدينة والحجاز وبعض قرّاء الكوفة بالتّاء في الحرفين جميعًا: (وما تفعلوا من خيرٍ فلن تكفروه) بمعنى: وما تفعلوا أنتم أيّها المؤمنون من خيرٍ فلن يكفركموه ربّكم
وكان بعض قرّاء البصرة يرى القراءتين في ذلك جائزًا بالياء والتّاء في الحرفين.
والصّواب من القراءة في ذلك عندنا: {وما يفعلوا من خيرٍ فلن يكفروه} بالياء في الحرفين كليهما، يعني بذلك الخبر عن الأمّة القائمة التّالية آيات اللّه. وإنّما اخترنا ذلك؛ لأنّ ما قبل هذه الآية من الآيات خبرٌ عنهم، فإلحاق هذه الآية إذ كان لا دلالة فيها تدلّ على الانصراف عن صفتهم بمعاني الآيات قبلها أولى من صرفها عن معاني ما قبلها.
وبالّذي اخترنا من القراءة كان ابن عبّاسٍ يقرأ.
- حدّثني أحمد بن يوسف، قال: حدّثنا القاسم بن سلامٍ، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن هارون، عن أبي عمرو بن العلاء، قال: بلغني عن ابن عبّاسٍ أنّه كان يقرؤهما جميعًا بالياء.
فتأويل الآية إذًا على ما اخترنا من القراءة: وما تفعل هذه الأمّة من خيرٍ، وتعمل من عملٍ للّه فيه رضًا فلن يكفرهم اللّه ذلك؛ يعني بذلك: فلن يبطل اللّه ثواب عملهم ذلك، ولا يدعهم بغير جزاءٍ منه لهم عليه، ولكنّه يجزل لهم الثّواب عليه، ويسني لهم الكرامة والجزاء.
وقد دلّلنا على معنى الكفر فيما مضى قبل بشواهده، وأنّ أصله تغطية الشّيء فكذلك ذلك في قوله: {فلن يكفروه} فلن يغطّى على ما فعلوا من خيرٍ، فيتركوا بغير مجازاةٍ، ولكنّهم يشكرون على ما فعلوا من ذلك، فيجزل لهم الثّواب منه.
وبنحو ما قلنا في ذلك من التّأويل تأوّل ذلك من أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: (وما تفعلوا من خيرٍ فلن تكفروه) يقول: لن يضلّ عنكم.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، مثله
وأمّا قوله: {واللّه عليمٌ بالمتّقين} فإنّه يقول تعالى ذكره: واللّه ذو علمٍ بمن اتّقاه بطاعته، واجتناب معاصيه، وحافظٌ أعمالهم الصّالحة حتّى يثيبهم عليها، ويجازيهم بها تبشيرًا منه لهم جلّ ذكره في عاجل الدّنيا، وحضًّا لهم على التّمسّك بالّذي هم عليه من صالح الأخلاق الّتي ارتضاها لهم). [جامع البيان: 5/700-702]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: وما يفعلوا من خيرٍ
- حدّثنا الحسين بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ، ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ ثنا عبّاد بن منصورٍ قال: سألت الحسن عن قوله: وما يفعلوا من خيرٍ قال: ما فعل ابن آدم من خيرٍ.
- ذكر عبد اللّه بن أحمد الدّشتكيّ، ثنا أبي، ثنا عطّاف بن غزوان، ثنا محمّد بن مسعرٍ قال: سألت سفيان بن عيينة عن قول اللّه: وما يفعلوا من خيرٍ فلن يكفروه فوسّع اللّه عليهم في التّطوّع في اليهود والأعراب.
قوله تعالى: فلن يكفروه
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، ثنا عبّاد بن منصورٍ قال: سألت الحسن عن قوله: فلن يكفروه فلن يظلموه.
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه عن الرّبيع بن أنسٍ قوله: وما يفعلوا من خيرٍ فلن يكفروه يقول: لن يضلّ عنكم.
قوله تعالى: واللّه عليم بالمتقين
[الوجه الأول]
- حدثنا أبي، ثنا إسحاق بن أحمد الخزار، ثنا إسحاق بن سليمان يعني الرّازيّ، عن المغيرة بن مسلمٍ، عن ميمونٍ أبي حمزة قال: كنت جالسًا عند أبي وائلٍ، فدخل عليها رجلٌ يقال له: أبو عفيفٍ من أصحاب معاذٍ، فقال له شقيق بن سلمة: يا أبا عفيفٍ، ألا تحدّثنا عن معاذ بن جبلٍ؟ قال: بلى سمعته يقول: يحبس النّاس يوم القيامة في بقيعٍ واحدٍ فينادي منادٍ: أين المتّقون؟ فيقومون في كنف الرّحمن لا يحتجب اللّه منهم ولا يستتر، قلت: من المتّقون؟ قال: قومٌ اتّقوا الشّرك وعبادة الأوثان، وأخلصوا للّه العبادة فيمرّون إلى الجنّة.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق فيما حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ المتّقين أي الّذين يحذرون من اللّه عقوبته في ترك ما يعرفون من الهدى، ويرجون رحمته بالتّصديق بما جاء منه.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّاد بن طلحة، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ المتّقين هم المؤمنون). [تفسير القرآن العظيم: 2/739-741]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن أبي عمرو بن العلاء في قوله {وما يفعلوا من خير فلن يكفروه} قال: بلغني عن ابن عباس أنه كان يقرؤهما جميعا بالتاء.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة {فلن يكفروه} قال: لن يضل عنكم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن {فلن يكفروه} قال: لن تظلموه). [الدر المنثور: 3/730-735]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 6 جمادى الآخرة 1434هـ/16-04-2013م, 06:13 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ليسوا سواء مّن أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ...}
ذكر أمّه ولم يذكر بعدها أخرى، والكلام مبنيّ على أخرى يراد؛ لأن سواء لا بدّ لها من اثنين فما زاد.
ورفع الأمة على وجهين:
أحدهما: أنك تكرّه على سواء كأنك قلت: لا تستوي أمة صالحة وأخرى كافرة منها أمّة كذا وأمّة كذا، وقد تستجيز العرب إضمار أحد الشيئين إذا كان في الكلام دليل عليه، قال الشاعر:

عصيت إليها القلب إني لأمرها * سميع فما أدري أرشد طلابها
ولم يقل: أم غيّ، ولا: أم لا؛ لأن الكلام معروف والمعنى. وقال الآخر:
أراك فلا أدري أهمّ هممته * وذو الهمّ قدماً خاشع متضائل
وقال الآخر:
وما أدري إذا يمّمت وجها * أريد الخير أيّهما يليني
أألخير الذي أنا أبتغيه * أم الشرّ الذي لا يأتليني
ومنه قول الله تبارك وتعالى: {أمّن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما} ولم يذكر الذي هو ضدّه؛ لأنّ قوله: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} دليل على ما أضمر من ذلك.
وقوله: {يتلون آيات اللّه آناء اللّيل وهم يسجدون} السجود في هذا الموضع اسم للصلاة لا للسجود؛ لأن التلاوة لا تكون في السجود ولا في الركوع). [معاني القرآن: 1/230-231]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ليسوا سوءاً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ}: العرب تجوّز في كلامهم مثل هذا أن يقولوا: أكلوني البراغيث، قال أبو عبيدة: سمعتها من أبي عمرو والهذلي في منطقه، وكان وجه الكلام أن يقول: أكلني البراغيث.
وفي القرآن: {عموا وصمّوا كثيرٌ منهم}: وقد يجوز أن يجعله كلامين، فكأنك قلت: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب}، ثم قلت: {أمّةٌ قائمةٌ}، ومعنى {قائمة}: مستقيمة.
{آناء اللّيل}: ساعات الليل، واحدها (إنيٌ)، تقديرها: (جثىٌ)، والجميع (أجثاء)، قال أبو أثيلة:
حلوٌ ومرٌّ كعطف القدح مرّته... في كل إنيٍ قضاه الليل ينتعل). [مجاز القرآن: 1/101-102]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ليسوا سواء مّن أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ يتلون آيات اللّه آناء اللّيل وهم يسجدون}
قال: {ليسوا سواء مّن أهل الكتاب} لأنه قد ذكرهم ثم فسره فقال: {مّن أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ يتلون آيات اللّه} ولم يقل "وأمّةٌ على خلاف هذه الأمّة" لأنه قد ذكر كل هذا قبل. وقال تعالى: {مّن أهل الكتاب} فهذا قد دل على أمة خلاف هذه.
قال تعالى: {آناء اللّيل} وواحد "الآناء" مقصور "إنى" فاعلم وقال بعضهم: "إني" كما ترى و"إنوٌ" وهو ساعات الليل. قال الشاعر:
السّالك الثّغر مخشيّاً موارده = في كلّ إنيٍ قضاه اللّيل ينتعل
قال: وسمعته "يختعل"). [معاني القرآن: 1/180-181]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({آناء الليل}: ساعاته واحدها أنى وأني). [غريب القرآن وتفسيره: 109]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({أمّةٌ قائمةٌ} أي: مواظبة على أمر اللّه). [تفسير غريب القرآن: 108]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (وقال: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ} أي: عاملةٌ غيرُ تاركة). [تأويل مشكل القرآن: 182]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (وقال الله عز وجلّ: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ}. فذكر أمّة واحدة ولم يذكر بعدها أخرى.
وسواء تأتي للمعادلة بين اثنين فما زاد). [تأويل مشكل القرآن: 215]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ( {ليسوا سواء من أهل الكتاب أمّة قائمة يتلون آيات اللّه آناء اللّيل وهم يسجدون}
{ليسوا سواء}
وهذا وقف التمام، أي: ليس الذين ذكرنا من أهل الكتاب سواء.
قال أبو عبيدة: {ليسوا سواء} جمع ليس، وهو متقدم كما قال القائل: أكلوني البراغيث وكما قال: عموا وصمّوا كثير منهم.
وهذا ليس كما قال لأن ذكر أهل الكتاب قد جرى، فأخبر اللّه أنهم غير متساوين فقال {ليسوا سواء}.
ثم أنبأ بافتراقهم فقال: {من أهل الكتاب أمّة قائمة}.
قال أهل اللغة: معنى قائمة: مستقيمة، ولم يبينوا حقيقة هذا وذكر الأخفش المعنى أمة قائمة، أي: ذو أمة قائمة والأمة الطريقة من أممت الشيء إذا قصدته.
فالمعنى واللّه أعلم: من أهل الكتاب أمّة قائمة، أي: ذوو طريقة قائمة.
قال النابغة الذبياني:
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة... وهل يأتمن ذو أمة وهو طائع
أي: هل يأتمن ذو طريقة من طرائق الدين وهو طائع.
فإنما المعنى إنّه لا يستوي الذين قتلوا الأنبياء بغير حق والذين يتلون آيات اللّه آناء الليل وهم ذوو طريقة مستقيمة.
ومعنى {آناء الليل}: ساعات الليل، قال أهل اللغة واحد آناء الليل إني وآناء مثل، نحى وأنحاء وأنشد أهل اللغة في ذلك قول الشاعر:
حلو ومرّ كطعم القدح مرته... بكل إني حداه الليل ينتعل
قالوا واحدها إني مثل معي وأمعاء، وحكى الأخفش (إنو).
وقوله عزّ وجلّ: {وهم يسجدون}معناه: وهم يصلون لأن التلاوة ليست في السجود، وإنما ذكرت الصلاة بالسجود لأن السجود نهاية ما فيها من التواضع والخشوع والتضرع.
ومعنى {يتلون} في اللغة: يتبعون بعض الشيء بعضا، وقد استتلاك الشيء إذا جعلك تتبعه قال الشاعر:
قد جعلت دلوى تستليني... ولا أحب تبع القرين
إن لم يرد سماحتي وليني
وقال بعض أهل اللغة: المعنى منهم أمة قائمة وامة على غير ذلك، وأنشد في ذلك قول الشاعر:
عصائي إليها القلب أني لأمره... سميع فيما أدري أرشد طلابها
ولم يقل أم هو في غي لأن في الكلام دليلا عليه، قال: والعرب تضمر هذا إذا عرفت مثل هذا - عرفت المعنى.
وهذا الذي قال خطأ فاحش في مثل هذا المكان، لأن ذكر أهل الكتاب قد جرى في هذه القصة بأنهم كانوا يكفرون بآيات اللّه، ويقتلون الأنبياء بغير حق، فأعلم اللّه جلّ وعزّ أن منهم المؤمنين الذين هم أمّة قائمة، فما الحاجة إلى أن يقال غير قائمة وإنما المبدوء به ههنا ما كان من فعل أكثرهم من الكفر والمشاقة للنبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر من كان مباينا هؤلاء وذكر في التفسير أن هذا يعني به عبد اللّه بن سلام وأصحابه:
{يؤمنون باللّه واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصّالحين}). [معاني القرآن: 1/458-460]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم أخبر عز وجل أنهم ليسوا مستوين وأن منهم من قد آمن فقال سبحانه: {ليسوا سواء} أي: ليس يستوي منهم من آمن ومن كفر.
ثم قال عز وجل: {من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل} قائمة: قال مجاهد: أي عادلة.
{يتلون آيات الله آناء الليل} قال الحسن والضحاك: ساعاته
والواحد إني ويقال إنو ويقال إنى). [معاني القرآن: 1/462-463]

تفسير قوله تعالى: {يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ({يؤمنون باللّه واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصّالحين}
ومعنى {ويأمرون بالمعروف} ههنا أي: يأمرون باتباع النبي - صلى الله عليه وسلم -
{وينهون عن المنكر}: عن الإقامة على مشاقته - صلى الله عليه وسلم -). [معاني القرآن: 1/460]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} الأمر بالمعروف ههنا الأمر باتباع النبي صلى الله عليه وسلم
{وينهون عن المنكر} أي: ينهون عن مخالفته صلى الله عليه وسلم). [معاني القرآن: 1/463]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وما يفعلوا من خير فلن يكفروه واللّه عليم بالمتّقين}
قرئت بالياء والتاء وكلاهما صواب - كما قال اللّه عزّ وجلّ: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره} - فالخطاب لسائر الخلق ومن قال {فلن تكفروه} فهو لهؤلاء المذكورين وسائر الخلق داخل معهم في ذلك.
وموضع {يفعلوا} جزم بالشرط، وهو {ما} والجواب {فلن يكفروه} ). [معاني القرآن: 1/460]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين}
من قرأ {وما يفعلوا من خير فلن يكفروه} فهو عنده لهؤلاء المذكورين ويكون من فعل الخير بمنزلتهم
ومن قرأ {وما تفعلوا من خير فلن تكفروه} بالتاء فهو عام). [معاني القرآن: 1/463-464]

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 9 جمادى الآخرة 1434هـ/19-04-2013م, 09:01 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]



تفسير قوله تعالى: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) }
قال محمد بن المستنير البصري (قطرب) (ت: 206هـ): (وقالوا في واحد الآناء من قول الله عزّ وجلّ: {آناء الليل}: مضى إنيٌ، منقوصٌ، وإنىً، مقصورٌ، وإنوٌ وإنىءٌ. وقال الهذليّ:




حـلـوٌ ومــرٌّ كـعـطـف الـقــدح مـرّتــهفي كلّ إنيٍ قضاه الليل ينتعل ).


[الأزمنة: 51]
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224هـ) : (في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أن حكيم بن حزام قال: بايعت النبي صلى الله عليه وسلم ألا أخر إلا قائما....
...
وقوله: إلا قائما، إلا ثابتا على الإسلام وكل من ثبت على شيء وتمسك به فهو قائم عليه، قال الله تبارك وتعالى: {ليسوا سواء من أهل الكتب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون} وإنما هذا من المواظبة على الدين والقيام به.
وقال الله عز وجل: {ومن أهل الكتب من إن تأمنه بقنطار لا يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما}.
حدثنا حجاج عن ابن جريج عن مجاهد في
قوله: إلا ما دمت عليه قائما، قال مواكظا، أي مداوما.
ومنه قيل -في الكلام- للخليفة: هو القائم بالأمر، وكذلك فلان قائم بكذا وكذا إذا كان حافظا له متمسكا به وفي بعض الحديث أنه لما قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أبايعك على ألا أخر إلا قائما، فقال: أما من قبلنا فلن تخر إلا قائما أي: لسنا ندعوك ولا نبايعك إلا قائما أي على الحق). [غريب الحديث: 4/92-94]

تفسير قوله تعالى: {يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114)}
[لا يوجد]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115)}
[لا يوجد]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 10:04 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 10:05 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 10:05 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 10:05 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ يتلون آيات اللّه آناء اللّيل وهم يسجدون (113) يؤمنون باللّه واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصّالحين (114)
لما مضت الضمائر في الكفر والقتل والعصيان والاعتداء عامة في جميع أهل الكتاب، عقب ذلك بتخصيص الذين هم على خير وإيمان، وذلك أن أهل الكتاب لم يزل فيهم من هو على استقامة، فمنهم من مات قبل أن يدرك الشرائع فذلك من الصالحين، ومنهم من أدرك الإسلام فدخل فيه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويعترض هذا النظر أن جميع اليهود على عوج من وقت عيسى، وتجيء الآية إشارة إلى من أسلم فقط، أو يكون اليهود في معنى الأمة القائمة إلى وقت عيسى، ثم ينتقل الحكم في النصارى، ولفظ أهل الكتاب يعم الجميع، والضمير في ليسوا لمن تقدم ذكره في قوله منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون [آل عمران: 110] وما قال أبو عبيدة من أن الآية نظيرة قول العرب أكلوني البراغيث خطأ مردود، وكذلك أيضا ما حكي عن الفراء أن أمّةٌ مرتفعة ب سواءً على أنها فاعلة كأنه قال: لا تستوي أمة كذا وإن في آخر الكلام محذوفا معادلا تقديره وأمة كافرة، فأغنى القسم الأول عن ذكرها ودل عليه كما قال أبو ذؤيب:
عصيت إليها القلب إنّي لأمرها = سميع فما أدري أرشد طلابها؟
المعنى أم غيّ، فاقتصر لدلالة ما ذكر عليه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وإنما الوجه أن الضمير في ليسوا يراد به من تقدم ذكره، وسواءً خبر ليس، ومن أهل الكتاب مجرور فيه خبر مقدم، وأمّةٌ رفع بالابتداء قال ابن عباس رضي الله عنهما: لما أسلم عبد الله بن سلام وثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية وأسد بن عبيد ومن أسلم من اليهود، معهم، قال الكفار من أحبار اليهود ما آمن بمحمد إلا شرارنا ولو كانوا خيارا ما تركوا دين آبائهم، فأنزل الله تعالى في ذلك ليسوا سواءً الآية، وقال مثله قتادة وابن جريج.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهو أصح التأويلات، وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: معنى الآية:
ليس اليهود وأمة محمد سواء، وقاله السدي.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فمن حيث تقدم ذكر هذه الأمة في قوله كنتم خير أمّةٍ [آل عمران: 110] وذكر أيضا اليهود قال الله لنبيه ليسوا سواءً والكتاب على هذا جنس كتب الله وليس بالمعهود من التوراة والإنجيل فقط، والمعنى: من أهل الكتاب وهم أهل القرآن أمة قائمة، واختلف عبارة المفسرين في قوله قائمةٌ فقال مجاهد: معناه عادلة، وقال قتادة والربيع وابن عباس: معناه قائمة على كتاب الله وحدوده مهتدية، وقال السدي: القائمة القانتة المطيعة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا كله يرجع إلى معنى واحد من الاعتدال على أمر الله، ومنه قيل للدنانير أو الدراهم الوازنة قائمة وهذه الآية تحتمل هذا المعنى وأن لا تنظر اللفظة إلى هيئة الأشخاص وقت تلاوة آيات الله، ويحتمل أن يراد ب قائمةٌ وصف حال التالين في آناء اللّيل، ومن كانت هذه حاله فلا محالة أنه معتدل على أمر الله، وهذه الآية في هذين الاحتمالين مثل ما تقدم في قوله إلّا ما دمت عليه قائماً [آل عمران: 75] ويتلون معناه: يسردون، وآيات اللّه في هذه الآية هي كتبه، و «الآناء»:
الساعات واحدها «إني» بكسر الهمزة وسكون النون، ويقال فيه «أني» بفتح الهمزة، ويقال «إنى» بكسر الهمزة وفتح النون والقصر، ويقال فيه «أنى» بفتح الهمزة ويقال «إنو» بكسر الهمزة وسكون النون وبواو مضمومة ومنه قول الهذيلي: [البسيط]
حلو ومرّ كعطف القدح مرّته = في كلّ إني قضاه الليل ينتعل
وحكم هذه الآية لا يتفق في شخص بأن يكون كل واحد يصلي جميع ساعات الليل وإنما يقوم هذا الحكم من جماعة الأمة، إذ بعض الناس يقوم أول الليل، وبعضهم آخره، وبعضهم بعد هجعة ثم يعود إلى نومه، فيأتي من مجموع ذلك في المدن والجماعات عبارة آناء اللّيل بالقيام، وهكذا كان صدر هذه الأمة، وعرف الناس القيام في أول الثلث الآخر من الليل أو قبله بشيء، وحينئذ كان يقوم الأكثر، والقيام طول الليل قليل وقد كان في الصالحين من يلتزمه، وقد ذكر الله تعالى القصد من ذلك في سورة المزمل، وقيام الليل لقراءة العلم المبتغى به وجه الله داخل في هذه الآية، وهو أفضل من التنفل لمن يرجى انتفاع المسلمين بعلمه، وأما عبارة المفسرين في آناء اللّيل، فقال الربيع وقتادة وغيرهما: آناء اللّيل ساعات الليل، وقال عبد الله بن كثير: سمعنا العرب تقول آناء اللّيل ساعات الليل، وقال السدي: آناء اللّيل جوف الليل.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا قلق، أما ان جوف الليل جزء من الآناء، وقال ابن مسعود: نزلت هذه الآية بسبب أن النبي صلى الله عليه وسلم احتبس عنا ليلة عن صلاة العشاء وكان عند بعض نسائه فلم يأت حتى مضى ليل، فجاء ومنا المصلي ومنا المضطجع، فقال: أبشروا فإنه ليس أحد من أهل الكتاب يصلي هذه الصلاة، فأنزل الله تعالى: ليسوا سواءً الآية، فالمراد بقوله: يتلون آيات اللّه آناء اللّيل صلاة العشاء، وروى سفيان الثوري عن منصور أنه قال: بلغني أن هذه الآية نزلت في المصلين بين العشاءين وقوله تعالى: وهم يسجدون ذهب بعض الناس إلى أن السجود هنا عبارة عن الصلاة، سماها بجزء شريف منها كما تسمى في كثير من المواضع ركوعا، فهي على هذا جملة في موضع الحال، كأنه قال: يتلون آيات الله آناء الليل مصلين، وذهب الطبري وغيره إلى أنها جملة مقطوعة من الكلام الأول، أخبر عنهم أنهم أيضا أهل سجود.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويحسن هذا من جهة أن التلاوة آناء الليل قد يعتقد السامع أن ذلك في غير الصلاة، وأيضا فالقيام في قراءة العلم يخرج من الآية على التأويل الأول، ويثبت فيها على هذا الثاني ف هم يسجدون على هذا نعت عدد بواو العطف، كما تقول: جاءني زيد الكريم والعاقل). [المحرر الوجيز: 2/322-326]

تفسير قوله تعالى: {يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ويؤمنون معناه: يصدقون، وفي الإيمان باليوم الآخر إيمان بالأنبياء، لأنه من جائزات العقل التي أثبتها السمع من الأنبياء، وقوله تعالى: ويسارعون في الخيرات وصف بأنهم متى دعوا إلى خير من نصر مظلوم وإغاثة مكروب وجبر مهيض وعبادة الله أجابوا، ومنه فعل مالك رضي الله عنه في ركعتي المسجد، وقال: دعوتني إلى خير فأجبت إليه، ومما يدخل في ضمن قوله تعالى: ويسارعون في الخيرات أن يكون المرء مغتنما للخمس، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: اغتنم خمسا قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل مماتك، وغناك قبل فقرك، فيكون متى أراد أن يصنع خيرا بادر إليه ولم يسوف نفسه بالأمل، فهذه أيضا مسارعة في الخيرات، وذكر بعض الناس قال: دخلت مع بعض الصالحين في مركب فقلت له: ما تقول أصلحك الله في الصوم في السفر؟ فقال لي: إنها المبادرة يا ابن أخي، قال المحدث: فجاءني والله بجواب ليس من أجوبة الفقهاء، ثم وصف الله تعالى من تحصلت له هذه الصفات، بأنه من جملة الصالحين، ومن يحسن أن تكون للتبعيض، ويحسن أن تكون لبيان الجنس). [المحرر الوجيز: 2/326-327]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: وما يفعلوا من خيرٍ فلن يكفروه واللّه عليمٌ بالمتّقين (115) إنّ الّذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من اللّه شيئاً وأولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون (116) مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدّنيا كمثل ريحٍ فيها صرٌّ أصابت حرث قومٍ ظلموا أنفسهم فأهلكته وما ظلمهم اللّه ولكن أنفسهم يظلمون (117)
قرأ ابن كثير ونافع وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر «تفعلوا وتكفروه» بالتاء على مخاطبة هذه الأمة، وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم بالياء فيهما، على مشابهة ما تقدم من «يتلون ويؤمنون» وما بعدهما، وكان أبو عمرو يقرأ بالوجهين، وتكفروه معناه: يعطى دونكم فلا تثابون عليه، ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: من أزلت إليه نعمة فليذكرها فإن ذكرها فقد شكرها، فإن لم يفعل فقد كفرها، ومنه قول الشاعر: [الكامل]:
[المحرر الوجيز: 2/327]
... ... ... ... = (والكفر مخبثة لنفس المنعم)
وفي قوله تعالى: واللّه عليمٌ بالمتّقين وعد ووعيد). [المحرر الوجيز: 2/328]

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 10:05 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 10:05 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ يتلون آيات اللّه آناء اللّيل وهم يسجدون (113) يؤمنون باللّه واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصّالحين (114) وما يفعلوا من خيرٍ فلن يكفروه واللّه عليمٌ بالمتّقين (115) إنّ الّذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من اللّه شيئًا وأولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون (116) مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدّنيا كمثل ريحٍ فيها صرٌّ أصابت حرث قومٍ ظلموا أنفسهم فأهلكته وما ظلمهم اللّه ولكن أنفسهم يظلمون (117)}
قال ابن أبي نجيح: زعم الحسن بن يزيد العجليّ، عن ابن مسعودٍ في قوله تعالى: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ} قال لا يستوي أهل الكتاب وأمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
وهكذا قال السّدّي، ويؤيّد هذا القول الحديث الّذي رواه الإمام أحمد بن حنبلٍ في مسنده.
حدّثنا أبو النّضر وحسن بن موسى قالا حدّثنا شيبان، عن عاصمٍ، عن زرٍّ، عن ابن مسعودٍ قال: أخّر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صلاة العشاء، ثمّ خرج إلى المسجد، فإذا النّاس ينتظرون الصّلاة: فقال: "أما إنّه ليس من أهل هذه الأديان أحدٌ يذكر الله هذه السّاعة غيركم". قال: وأنزلت هذه الآيات: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب [أمّةٌ قائمةٌ]} إلى قوله {واللّه عليمٌ بالمتّقين}.
والمشهور عن كثيرٍ من المفسّرين -كما ذكره محمّد بن إسحاق وغيره، ورواه العوفيّ عن ابن عبّاسٍ-أنّ هذه الآيات نزلت فيمن آمن من أحبار أهل الكتاب، كعبد اللّه بن سلام وأسد بن عبيد وثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية وغيرهم، أي: لا يستوي من تقدّم ذكرهم بالذّمّ من أهل الكتاب [وهؤلاء الّذين أسلموا، ولهذا قال تعالى: {ليسوا سواءً} أي: ليسوا كلّهم على حدّ سواءٍ، بل منهم المؤمن ومنهم المجرم، ولهذا قال تعالى: {من أهل الكتاب] أمّةٌ قائمةٌ} أي: قائمةٌ بأمر اللّه، مطيعةٌ لشرعه متّبعة نبيّ اللّه، [فهي] {قائمةٌ} يعني مستقيمةً {يتلون آيات اللّه آناء اللّيل وهم يسجدون} أي: يقومون اللّيل، ويكثرون التّهجّد، ويتلون القرآن في صلواتهم). [تفسير القرآن العظيم: 2/104-105]

تفسير قوله تعالى: {يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {يؤمنون باللّه واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصّالحين} وهؤلاء هم المذكورون في آخر السّورة: {وإنّ من أهل الكتاب لمن يؤمن باللّه وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين للّه [لا يشترون بآيات اللّه ثمنًا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربّهم إنّ اللّه سريع الحساب]} [الآية199] وهكذا قال هاهنا: {وما يفعلوا من خيرٍ فلن يكفروه} ). [تفسير القرآن العظيم: 2/105]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وما يفعلوا من خيرٍ فلن يكفروه} أي: لا يضيع عند اللّه بل يجزيكم به أوفر الجزاء. {واللّه عليمٌ بالمتّقين} أي: لا يخفى عليه عمل عاملٍ، ولا يضيع لديه أجر من أحسن عملًا). [تفسير القرآن العظيم: 2/105]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:01 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة