العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة البقرة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 9 ربيع الثاني 1434هـ/19-02-2013م, 03:12 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي تفسير سورة البقرة [من الآية (35) إلى الآية (39) ]

تفسير سورة البقرة
[من الآية (35) إلى الآية (39) ]



{وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36) فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 17 ربيع الثاني 1434هـ/27-02-2013م, 08:43 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: {وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35)}
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (أخبرني الليث بن سعد، عن أبي معشر، عن محمد بن قيس، أنه قال: «بلغني أن الشجرة التي أكل منها آدم هي حبلة العنب»). [الجامع في علوم القرآن: 2/ 119]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر، قال: أخبرني شيخ، أن ابن عباس في قوله: {يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة} قال:
«خلق الله آدم من أديم الأرض يوم الجمعة بعد العصر فسماه آدم، ثم عهد الله فنسي فسماه الإنسان»، قال ابن عباس فلله يقول:«فبالله ما غابت الشمس حتى أهبط من الجنة»). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 43]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر، قال: أخبرنا عوف الأعرابي، عن قسامة بن زهير، عن أبي موسى الأشعري أن النبي قال:
«خلق الله آدم من أديم الأرض كلها فجاء بنو آدم على قدر الأرض، جاء منهم الأبيض والأسود والأحمر وبين ذلك، والسهل والحزن والخبيث والطيب»). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 43]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر، وأخبرني عوف أيضا عن قسامة، عن أبي موسى:
«أن الله حين أهبط آدم من الجنة إلى الأرض علمه صنعة كل شيء، وزوده من ثمار الجنة، فثماركم هذه من ثمار الجنة غير أن هذه تتغير وتلك لا تتغير»، عن أبيه قال:«لما خلق الله آدم أراد أن ......»). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 43-44]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ([قوله تعالى: {وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنّة وكلا منها رغدًا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشّجرة فتكونا من الظّالمين * فأزلّهما الشّيطان عنها فأخرجهما ممّا كانا فيه}]
- نا خالد بن عبد اللّه، عن بيان، عن عامرٍ الشّعبيّ، عن جعدة بن هبيرة، قال:
«الشّجرة الّتي افتتن بها آدم: شجرة الكرم، وجعلت فتنةً لولده بعده»). [سنن سعيد بن منصور: 2/ 557]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله جلّ ثناؤه: {اسكن أنت وزوجك الجنّة وكلا منها رغدًا حيث شئتما}
- أخبرنا قتيبة بن سعيدٍ، حدّثنا يعقوب، عن عمرٍو، عن الأعرج، عن أبي هريرة: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:
«احتجّ آدم وموسى عليهما السّلام، فقال له موسى: يا آدم، خلقك الله بيده، ثمّ نفخ فيك من روحه، ثمّ قال لك: كن فكنت، ثمّ أمر الملائكة فسجدوا لك، ثمّ قال: {اسكن أنت وزوجك الجنّة وكلا منها رغدًا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشّجرة فتكونا من الظّالمين} فنهاك عن شجرةٍ واحدةٍ فعصيت ربّك، فقال آدم: يا موسى، ألم تعلم أنّ الله قدّر هذا عليّ قبل أن يخلقني؟»،

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لقد حجّ آدم موسى، لقد حجّ آدم موسى، لقد حجّ آدم موسى».
- أخبرنا عيسى بن حمّادٍ، أخبرنا اللّيث، عن محمّد بن عجلان، عن القعقاع بن حكيمٍ، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:
«لقي آدم موسى، فقال له موسى: أنت الّذي فعلت بنا الفعل، كنت في الجنّة، فأهبطتنا إلى الأرض؟ فقال له آدم عليه السّلام: أنت موسى الّذي آتاك الله التّوراة؟ قال: نعم، قال: في كم تجد التّوراة كتبت قبل خلقي؟ قال موسى عليه السّلام: بكذا وكذا، قال آدم: فلم تجد فيها خطيئتي؟ قال: بلى، قال: فتلومني في شيءٍ كتبه الله عليّ قبل خلقي؟
»،
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فحجّ آدم موسى، فحجّ آدم موسى»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/ 8-9]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنّة وكلا منها رغدًا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشّجرة فتكونا من الظّالمين}.
قال أبو جعفرٍ: وفي هذه الآية دلالةٌ واضحةٌ على صحّة قول من قال: إنّ إبليس أخرج من الجنّة بعد الاستكبار عن السّجود لآدم، وأسكنها آدم قبل أن يهبط إبليس إلى الأرض؛ ألا تسمعون اللّه جلّ ثناؤه يقول: {وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنّة وكلا منها رغدًا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشّجرة فتكونا من الظّالمين فأزلّهما الشّيطان عنها فأخرجهما ممّا كانا فيه} فقد تبيّن أنّ إبليس إنّما أزلّهما عن طاعة اللّه، بعد أن لعن وأظهر التّكبّر؛ لأنّ سجود الملائكة لآدم كان بعد أن نفخ فيه الرّوح، وحينئذٍ كان امتناع إبليس من السّجود له، وعند الامتناع من ذلك حلّت عليه اللّعنة.
- كما حدّثني به موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، في خبرٍ ذكره، عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة، عن ابن مسعودٍ، وعن ناسٍ، من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم:
«أنّ عدوّ اللّه إبليس أقسم بعزّة اللّه ليغوينّ آدم وذرّيّته وزوجته، إلاّ عباد الله المخلصين منهم، بعد أن لعنه اللّه، وبعد أن أخرج من الجنّة، وقبل أن يهبط إلى الأرض، وعلّم اللّه آدم الأسماء كلّها».
- وحدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: «لمّا فرغ اللّه من إبليس ومعاتبته، وأبى إلاّ المعصية، وأوقع عليه اللّعنة، ثمّ أخرجه من الجنّة؛ أقبل على آدم وقد علّمه الأسماء كلّها، فقال: {يا آدم أنبئهم بأسمائهم} إلى قوله: {إنّك أنت العليم الحكيم}».
ثمّ اختلف أهل التّأويل في الحال الّتي خلقت لآدم زوجته والوقت الّذي جعلت له سكنًا.
- فقال ابن عبّاسٍ بما حدّثني به موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، في خبرٍ ذكره عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة، عن ابن مسعودٍ، وعن ناسٍ، من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم:
«فأخرج إبليس من الجنّة حين لعن، وأسكن آدم الجنّة، فكان يمشي فيها وحشًا ليس له زوجٌ يسكن إليها. فنام نومةً فاستيقظ، وإذا عند رأسه امرأةٌ قاعدةٌ خلقها اللّه من ضلعه، فسألها: من أنت؟ فقالت: امرأةٌ، قال: ولم خلقت؟ قالت: تسكن إليّ. قالت له الملائكة ينظرون ما بلغ علمه: ما اسمها يا آدم؟ قال: حوّاء، قالوا: ولم سمّيت حوّاء؟ قال: لأنّها خلقت من شيءٍ حيٍّ. فقال اللّه له: {يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنّة وكلا منها رغدًا حيث شئتما}».
فهذا الخبر ينبئ عن أنّ حوّاء خلقت بعد أن سكن آدم الجنّة فجعلت له سكنًا.
وقال آخرون: بل خلقت قبل أن يسكن آدم الجنّة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال:
«لمّا فرغ اللّه من معاتبة إبليس أقبل على آدم وقد علّمه الأسماء كلّها، فقال: {يا آدم أنبئهم بأسمائهم} إلى قوله: {إنّك أنت العليم الحكيم}».

قال: «ثمّ ألقى السّنة على آدم، فيما بلغنا عن أهل الكتاب من أهل التّوراة وغيرهم من أهل العلم، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ وغيره، ثمّ أخذ ضلعًا من أضلاعه من شقّه الأيسر ولأم مكانه لحمًا وآدم نائمٌ لم يهبّ من نومته حتّى خلق اللّه من ضلعه تلك زوجته حوّاء، فسوّاها امرأةً ليسكن إليها. فلمّا كشف عنه السّنة وهبّ من نومته رآها إلى جنبه فقال فيما يزعمون واللّه أعلم: لحمي ودمي وزوجتي. فسكن إليها. فلمّا زوّجه اللّه تبارك وتعالى وجعل له سكنًا من نفسه، قال له قبلا: {يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنّة وكلا منها رغدًا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشّجرة فتكونا من الظّالمين}».
قال أبو جعفرٍ: ويقال لامرأة الرّجل زوجه وزوجته، والزّوجة بالهاء أكثر في كلام العرب منها بغير الهاء، والزّوج بغير الهاء يقال إنّه لغةٌ لأزد شنوءة. فأمّا الزّوج الّذي لا اختلاف فيه بين العرب فهو زوج المرأة). [جامع البيان: 1/ 547-549]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وكلا منها رغدًا حيث شئتما}.
قال أبو جعفرٍ: أمّا الرّغد، فإنّه الواسع من العيش، الهنيء الّذي لا يعنّي صاحبه، يقال: أرغد فلانٌ: إذا أصاب واسعًا من العيش الهنيء، كما قال امرؤ القيس بن حجرٍ:

بينما المرؤ تراه ناعمًا ....... يأمن الأحداث في عيشٍ رغد
- وحدّثني به موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، في خبرٍ ذكره، عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة، عن ابن مسعودٍ، وعن ناسٍ، من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {وكلا منها رغدًا} قال: «الرّغد: الهنيء».
- وحدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: في قوله: {رغدًا} قال:«لا حساب عليهم».
- وحدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ، مثله.
- وحدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن محمّد بن عبد الرّحمن، عن القاسم بن أبي بزّة، عن مجاهدٍ: {وكلا منها رغدًا}:
«أي: لا حساب عليهم».
- وحدّثت عن المنجاب بن الحارث، قال: حدّثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: {وكلا منها رغدًا حيث شئتما} قال: «الرّغد: سعة المعيشة».
فمعنى الآية: وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنّة، وكلا من الجنّة رزقًا واسعًا هنيئًا من العيش حيث شئتما.
- كما حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة:
«قوله: {يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنّة وكلا منها رغدًا حيث شئتما} ثمّ أتى البلاء الّذي كتب على الخلق كتب على آدم كما ابتلي الخلق قبله أنّ اللّه جلّ ثناؤه أحلّ له ما في الجنّة أن يأكل منها رغدًا حيث شاء غير شجرةٍ واحدةٍ نهي عنها، وقدّم إليه فيها، فما زال به البلاء حتّى وقع بالّذي نهي عنه»). [جامع البيان: 1/ 549-551]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا تقربا هذه الشّجرة}.
قال أبو جعفرٍ: والشّجر في كلام العرب: كلّ ما قام على ساقٍ، ومنه قول اللّه جلّ ثناؤه: {والنّجم والشّجر يسجدان} يعني بالنّجم: ما نجم من الأرض من نبتٍ. وبالشّجر: ما استقلّ على ساقٍ.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في عين الشّجرة الّتي نهي عن أكل ثمرها آدم؛

فقال بعضهم: هي السّنبلة، ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن إسماعيل الأحمسيّ، قال: حدّثنا عبد الحميد الحمّانيّ، عن النّضر، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال:
«الشّجرة الّتي نهي آدم عنها: السّنبلة».
- وحدّثني يعقوب بن إبراهيم، حدّثنا هشيمٌ، وحدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عمران بن عيينة، جميعًا، عن حصينٍ، عن أبي مالكٍ: في قوله: {ولا تقربا هذه الشّجرة} قال: «هي السّنبلة».
- وحدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا ابن مهديٍّ، وحدّثنا أحمد بن إسحاق الأهوازيّ، قال: حدّثنا أبو أحمد الزّبيريّ، قالا جميعًا: حدّثنا سفيان، عن حصينٍ، عن أبي مالكٍ، مثله.
- وحدّثنا أبو كريبٍ، وابن وكيعٍ، قالا: حدّثنا ابن إدريس، قال: سمعت أبي، عن عطيّة: في قوله: {ولا تقربا هذه الشّجرة} قال:
«السّنبلة».
- وحدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، عن سعيدٍ، عن قتادة قال: «الشّجرة الّتي نهي عنها آدم هي السّنبلة».
- وحدّثني المثنّى بن إبراهيم، قال: حدّثنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدّثنا القاسم، قال: حدّثني رجلٌ من بني تميمٍ أنّ ابن عبّاسٍ كتب إلى أبي الجلد يسأله عن الشّجرة الّتي أكل منها آدم والشّجرة الّتي تاب عندها، فكتب إليه أبو الجلد: «سألتني عن الشّجرة الّتي نهي عنها آدم، وهي السّنبلة. وسألتني عن الشّجرة الّتي تاب عندها آدم، وهي الزّيتونة».
- وحدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن رجلٍ من أهل العلم، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ: أنّه كان يقول: «الشّجرة الّتي نهي عنها آدم: البرّ».
- وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا ابن عيينة وابن المبارك، عن الحسن بن عمارة، عن المنهال بن عمرٍو، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: «كانت الشّجرة الّتي نهى اللّه عنها آدم وزوجته السّنبلة».
- وحدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن بعض أهل اليمن، عن وهب بن منبّهٍ اليمانيّ: أنّه كان يقول: «هي البرّ؛ ولكنّ الحبّة منها في الجنّة ككلى البقر ألين من الزّبد وأحلى من العسل. وأهل التّوراة يقولون: هي البرّ».
- وحدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني محمّد بن إسحاق، عن يعقوب بن عتبة: أنّه حدّث أنّها الشّجرة الّتي تحنكّ بها الملائكة للخلدة.
- وحدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن يمانٍ، عن جابر بن يزيد بن رفاعة، عن محارب بن دثارٍ، قال:
«هي السّنبلة».
- وحدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو أسامة، عن يزيد بن إبراهيم، عن الحسن، قال: «هي السّنبلة الّتي جعلها اللّه رزقًا لولده في الدّنيا».
وقال آخرون: هي الكرمة، ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبيد اللّه، عن إسرائيل، عن السّدّيّ، عمّن حدّثه عن ابن عبّاسٍ، قال:
«هي الكرمة».
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، في خبرٍ ذكره عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة، عن ابن مسعودٍ، وعن ناسٍ، من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {ولا تقربا هذه الشّجرة} قال: «هي الكرمة. وتزعم اليهود أنّها الحنطة».
- وحدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: «الشّجرة هي الكرم».
- وحدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن مغيرة، عن الشّعبيّ، عن جعدة بن هبيرة، قال: «هو العنب في قوله: {ولا تقربا هذه الشّجرة}».
- وحدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثني أبي، عن خلاّدٍ الصّفّار، عن بيانٍ، عن الشّعبيّ، عن جعدة بن هبيرة: {ولا تقربا هذه الشّجرة} قال:
«الكرم».
- وحدّثنا ابن حميدٍ، وابن وكيعٍ، قالا: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن الشّعبيّ، عن جعدة بن هبيرة، قال: «الشّجرة الّتي نهي عنها آدم: شجرة الخمر».
- وحدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد الزّبيريّ، قال: حدّثنا عبّاد بن العوّام، قال: حدّثنا سفيان بن حسينٍ، عن يعلى بن مسلمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ: قوله {ولا تقربا هذه الشّجرة} قال: «الكرم».
- وحدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، عن السّدّيّ، قال:«العنب».
- وحدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن أبي معشرٍ، عن محمّد بن قيسٍ، قال: «عنبٌ».
- وحدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثني الحسين، قال: حدّثنا خالدٌ الواسطيّ، عن بيانٍ، عن الشّعبيّ، عن جعدة بن هبيرة: {ولا تقربا هذه الشّجرة} قال: «الكرم».
وقال آخرون: هي التّينة، ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن بعض أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال:
«تينةٌ».
قال أبو جعفرٍ: والقول في ذلك عندنا أنّ اللّه جلّ ثناؤه أخبر عباده أنّ آدم وزوجته أكلا من الشّجرة الّتي نهاهما ربّهما عن الأكل منها، فأتيا الخطيئة الّتي نهاهما عن إتيانها بأكلهما ما أكلا منها، بعد أن بيّن اللّه جلّ ثناؤه لهما عين الشّجرة الّتي نهاهما عن الأكل منها وأشار لهما إليها بقوله: {ولا تقربا هذه الشّجرة} ولم يضع اللّه جلّ ثناؤه لعباده المخاطبين بالقرآن دلالةً على أيّ أشجار الجنّة كان نهيه آدم أن يقربها بنصٍّ عليها باسمها ولا بدلالةٍ عليها. ولو كان للّه في العلم بأيّ ذلك من أيّ رضًا لم يخل عباده من نصب دلالةٍ لهم عليها يصلون بها إلى معرفة عينها، ليطيعوه بعلمهم بها، كما فعل ذلك في كلّ ما بالعلم به له رضًا.
فالصّواب في ذلك أن يقال: إنّ اللّه جلّ ثناؤه نهى آدم وزوجته عن أكل شجرةٍ بعينها من أشجار الجنّة دون سائر أشجارها، فخالفا إلى ما نهاهما اللّه عنه، فأكلا منها كما وصفهما اللّه جلّ ثناؤه به. ولا علم عندنا بأيّ ذلك من أى؟
وقد قيل: كانت شجرة البرّ.

وقيل: كانت شجرة العنب.
وقيل: كانت شجرة التّين.
وجائزٌ أن تكون واحدةً منها، وذلك علم إذا علم لم ينفع العالم به علمه، وإن جهله جاهلٌ لم يضرّه جهله به). [جامع البيان: 1/ 551-557]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا تقربا هذه الشّجرة فتكونا من الظّالمين}.
قال أبو جعفرٍ: اختلف أهل العربيّة في تأويل قوله: {ولا تقربا هذه الشّجرة فتكونا من الظّالمين}

- فقال بعض نحويّي الكوفيّين: تأويل ذلك: {ولا تقربا هذه الشّجرة} فإنّكما إن قربتماها كنتما من الظّالمين. فصار الثّاني في موضع جواب الجزاء، وجواب الجزاء يعمل فيه أوّله كقولك: إن تقم أقم، فتجزم الثّاني بجزم الأوّل. فكذلك قوله: {فتكونا} لمّا وقعت الفاء في موضع شرط الأوّل نصب بها، وصيّرت بمنزلة كي في نصبها الأفعال المستقبلة للزومها الاستقبال، إذ كان أصل الجزاء الاستقبال.
- وقال بعض نحويّي أهل البصرة: تأويل ذلك: لا يكن منكما قرب هذه الشّجرة فإن تكونا من الظّالمين. غير أنّه زعم أنّ أن غير جائزٍ إظهارها مع لا، ولكنّها مضمرةٌ لابدّ منها ليصحّ الكلام بعطف اسمٍ وهي أن على الاسم، كما غير جائزٍ في قولهم عسى أن يفعل: عسى الفعل، ولا في قولك: ما كان ليفعل: ما كان لأن يفعل.
- وهذا القول الثّاني يفسده إجماع جميعهم على تخطئة قول القائل: سرّني تقوم يا هذا، وهو يريد: سرّني قيامك.
فكذلك الواجب أن يكون خطأً على هذا المذهب قول القائل: لا تقم، إذا كان المعنى: لا يكن منك قيامٌ.

- وفي إجماع جميعهم على صحّة قول القائل: لا تقم، وفساد قول القائل: سرّني تقوم بمعنى سرّني قيامك، الدّليل الواضح على فساد دعوى المدّعي أنّ مع لا الّتي في قوله: {ولا تقربا هذه الشّجرة} ضمير أن، وصحّة القول الآخر.
وفي قوله: {فتكونا من الظّالمين} وجهان من التّأويل:

أحدهما: أن يكون {فتكونا} في نيّة العطف على قوله: {ولا تقربا} فيكون تأويله حينئذٍ: ولا تقربا هذه الشّجرة، ولا تكونا من الظّالمين. فيكون {فتكونا} حينئذٍ في معنى الجزم مجزومٌ بما جزم به {ولا تقربا}، كما يقول القائل: لا تكلّم عمرًا ولا تؤذه، وكما قال امرؤ القيس:
فقلت له صوّب ولا تجهدنّه ....... فيذرك من أخرى القطاة فتزلق
فجزم (فيذرك) بما جزم به (لا تجهدنّه)، كأنّه كرّر النّهي.
والثّاني: أن يكون: {فتكونا من الظّالمين} بمعنى جواب النّهي، فيكون تأويله حينئذٍ: لا تقربا هذه الشّجرة، فإنّكما إن قربتماها كنتما من الظّالمين؛ كما تقول: لا تشتم عمرًا فيشتمك مجازاةً. فيكون {فتكونا} حينئذٍ في موضع نصبٍ إذ كان حرف عطفٍ على غير شكله لمّا كان في {ولا تقربا} حرفٌ عاملٌ فيه، لا يصلح إعادته في {فتكونا} فنصب على ما قد بيّنت في أوّل هذه المسألة.
وأمّا تأويل قوله: {فتكونا من الظّالمين} فإنّه يعني به فتكونا من المتعدّين إلى غير ما أذن لهم وأبيح لهم فيه. وإنّما عنى بذلك أنّكما إن قربتما هذه الشّجرة كنتما على منهاج من تعدّى حدودي وعصى أمري واستحلّ محارمي؛ لأنّ الظّالمين بعضهم أولياء بعضٍ، واللّه وليّ المتّقين.
وأصل الظّلم في كلام العرب: وضع الشّيء في غير موضعه، ومنه قول نابغة بني ذبيان:

إلاّ الأواريّ لأيًا ما أبيّنها ........ والنّؤي كالحوض بالمظلومة الجلد
فجعل الأرض مظلومةً، لأنّ الّذي حفر فيها النّوى حفر في غير موضع الحفر، فجعلها مظلومةً لوضع الحفرة منها في غير موضعها. ومن ذلك قول ابن قميئة في صفة غيثٍ:
ظلم البطاح به انهلال حريصةٍ........ فصفا النّطاف له بعيد المقلع
وظلمه إيّاه: مجيئه في غير أوانه، وانصبابه في غير مصبّه. ومنه: ظلم الرّجل جزوره، وهو نحره إيّاه لغير علّةٍ؛ وذلك عند العرب: وضع النّحر في غير موضعه.
وقد يتفرّع الظّلم في معانٍ يطول بإحصائها الكتاب، وسنبيّنها في أماكنها إذا أتينا عليها إن شاء اللّه تعالى وأصل ذلك كلّه ما وصفنا من وضع الشّيء في غير موضعه). [جامع البيان: 1/ 557-560]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنّة وكلا منها رغدًا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشّجرة فتكونا من الظّالمين (35)}
قوله:
{وقلنا يا آدم}
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عبدة بن سليمان، عن الأعمش، عن أبي الضّحى، عن ابن عبّاسٍ قال:
«وإنّما سمّي آدم لأنّه خلق من أديم الأرض»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 85]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنّة}
- حدّثنا عصام بن روّادٍ العسقلانيّ، ثنا آدم ابن أبي إياسٍ، ثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع، عن أبي العالية قال:
«قال اللّه تبارك وتعالى: {يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنّة}»، قال: «خلق اللّه آدم يوم الجمعة، وأدخله الجنّة يوم الجمعة، فجعله في جنّات الفردوس».
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قال:
«أخرج إبليس من الجنّة، وأسكن آدم الجنّة، فكان يمشي فيها وحشًا ليس له زوجٌ يسكن إليها، فنام نومةً فاستيقظ وعند رأسه امرأةٌ قاعدةٌ خلقها اللّه من ضلعه، فسألها: ما أنت؟ فقالت: امرأةٌ. قال: ولم خلقت؟ قالت: تسكن إليّ، قالت له الملائكة ينظرون ما بلغ من علمه: ما اسمها يا آدم؟ قال: حوّاء. قالوا: ولم حوّاء؟ قال: إنّها خلقت من شيءٍ حيٍّ فقال اللّه: {يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنّة}»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 85]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله:
{وكلا منها رغدا حيث شئتما}
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجابٌ، أنبأ بشرٌ، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {وكلا منها رغدًا} قال:
«الرّغد: سعة المعيشة».
الوجه الثّاني:
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: {رغدًا} قال:
«لا حساب عليهم».
الوجه الثّالث:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّاد بن طلحة، عن السّدّيّ: {وكلا منها رغدًا حيث شئتما}:
«والرّغد: الهنيء»).
[تفسير القرآن العظيم: 1/ 85-86]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله:
{ولا تقربا هذه الشّجرة فتكونا من الظالمين}
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عبيد اللّه، عن إسرائيل، عن السّدّيّ، عمّن حدّثه، عن ابن عبّاسٍ قال:
«الشّجرة الّتي نهي آدم عنها الكرم». وكذلك فسّره سعيد بن جبيرٍ والشّعبيّ وجعدة بن هبيرة والسّدّيّ ومحمّد بن قيسٍ.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا محمّد بن إسماعيل بن سمرة الأحمس، ثنا أبو يحيى الحمّانيّ، حدثنا النظر أبو عمر الخزّاز، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال:
«الشّجرة الّتي نهى اللّه عنها آدم السّنبلة». وكذلك فسّره الحسن البصريّ، ووهب بن منبّهٍ، وعطيّة العوفيّ وأبو مالكٍ ومحارب بن دثارٍ، وعبد الرّحمن بن أبي ليلى.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن عيسى، ثنا سلمة بن الفضل، حدّثني محمّد بن إسحاق، عن بعض أهل اليمن، عن وهب بن منبّهٍ أنّه كان يقول:
«هي البرّ ولكنّ الحبّة منها في الجنّة ككلى البقر، ألين من الزّبد، وأحلى من العسل».
الوجه الثّالث:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا إبراهيم بن موسى، أنبأ أبو زايدة، قال ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {ولا تقربا هذه الشّجرة} قال:
«تينةٌ». وكذلك فسّره قتادة وابن جريجٍ.
الوجه الرّابع:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو أحمد، عن سفيان، عن حصينٍ، عن أبي مالكٍ: {ولا تقربا هذه الشّجرة} قال:
«النخلة».
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع، عن أبي العالية قال:«كانت الشّجرة من أكل منها أحدث، ولا ينبغي أن يكون في الجنّة حدثٌ».
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق، أنبأ عمر بن عبد الرّحمن بن مهربٍ، قال: سمعت وهب بن منبّهٍ يقول: «لمّا أسكن اللّه آدم وزوجه الجنّة نهاه عن الشّجرة، وكانت شجرةً غصونها متشعّبٌ بعضها في بعضٍ، وكان لها ثمرٌ يأكله الملائكة لخلدهم، وهي الثّمرة الّتي نهى اللّه عنها آدم وزوجته»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 86-87]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال أحمد بن منيعٍ: ثنا عبّاد بن العوام، ثنا سفيان بن حسين، عن يعلى بن مسلمٍ، عن سعيدٍ، عن ابن عبّاسٍ -رضي اللّه عنهما- قال:
«قال اللّه -تعالى- لآدم -عليه السّلام-: ما حملك على أن أكلت من الشّجرة الّتي نهيتك عنها؟ فاعتلّ آدم فقال: يا ربّ، زيّنته لي حوّاء. قال: فإنّي عاقبتها أن لا تحمل، إلّا كرهًا، ولا تضع إلّا كرهًا، ودميتها في كلّ شهرٍ مرّتين. فرنّت حوّاء عند ذلك فقيل لها: عليك الرّنّة وعلى بناتك».
هذا إسنادٌ فيه مقالٌ؟ معلّى بن مسلمٍ لم أقف على ترجمته وباقي رواته ثقاتٌ).
[إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/ 176]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى:
{وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين}
- أخرج الطبراني وأبو الشيخ في العظمة، وابن مردويه عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله أرأيت آدم نبيا كان؟ قال:
«نعم، كان نبيا رسولا كلمه الله قبلا قال له: {يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة}».
- وأخرج ابن أبي شيبة والطبراني عن أبي ذر: قلت: يا رسول الله من أول الأنبياء؟ قال:
«آدم»، قلت: نبي كان؟ قال: «نعم، مكلم»، قلت: ثم من؟ قال: «نوح وبينهما عشرة آباء».
- وأخرج أحمد والبخاري في تاريخه والبزار والبيهقي في الشعب عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله أي الأنبياء كان أول؟ قال:
«آدم»، قلت: يا رسول الله ونبي كان؟ قال:«نعم، نبي مكلم»، قلت: كم كان المرسلون يا رسول الله؟ قال: «ثلاثمائة وخمسة عشر، جما غفيرا».
- وأخرج عبد بن حميد والآجري في الأربعين عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول من كان أولهم -يعني الرسل-؟ قال: «آدم»، قلت: يا رسول الله أنبي مرسل؟ قال: «نعم، خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه وسواه قبلا».
- وأخرج ابن أبي حاتم، وابن حبان والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي أمامة الباهلي أن رجلا قال: يا رسول الله أنبي كان آدم؟ قال:
«نعم، مكلم»، قال: كم بينه وبين نوح؟ قال: «عشرة قرون»، قال: كم بين نوح وبين إبراهيم؟ قال:«عشرة قرون»، قال: يا رسول الله كم الأنبياء؟ قال:«مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا»، قال: يا رسول الله كم كانت الرسل من ذلك؟ قال: «ثلاثمائة وخمسة عشر، جما غفيرا».
- وأخرج أحمد، وابن المنذر والطبراني، وابن مردويه عن أبي أمامة أن أبا ذر قال: يا نبي الله أي الأنبياء كان أول؟ قال: «آدم»، قال: أو نبي كان آدم؟ قال: «نعم، نبي مكلم خلقه الله بيده ثم نفخ فيه من روحه ثم قال له: يا آدم قبلا»، قلت: يا رسول الله كم وفى عدة الأنبياء؟ قال:«مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا، الرسل من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر، جما غفيرا».
- وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الشكر والحكيم الترمذي في نوادر الأصول والبيهقي في الشعب، وابن عساكر في تاريخه عن الحسن قال: «قال موسى: يا رب كيف يستطيع آدم أن يؤدي شكر ما صنعت إليه؟ خلقته بيدك ونفخت فيه من روحك
وأسكنته جنتك وأمرت الملائكة فسجدوا له، فقال: يا موسى علم أن ذلك مني فحمدني عليه فكان ذلك شكرا لما صنعت إليه
»
.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية قال:
«خلق الله آدم يوم الجمعة، وأدخله الجنة يوم الجمعة، فجعله في جنات الفردوس».
- وأخرج عبد بن حميد والحاكم وصححه عن ابن عباس قال:
«ما سكن آدم الجنة إلا ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس».
- وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات، وابن عساكر عن ابن عباس قال:
«خلق الله آدم من أديم الأرض يوم الجمعة بعد العصر فسماه آدم، ثم عهد إليه فنسي فسماه الإنسان»، قال ابن عباس: «فتالله ما غابت الشمس من ذلك اليوم حتى أهبط من الجنة إلى الأرض».
- وأخرج الفريابي وأحمد في الزهد، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن الحسن قال: «لبث آدم في الجنة ساعة من نهار، تلك الساعة مائة وثلاثون سنة من أيام الدنيا».
- وأخرج أحمد في الزهد عن سعيد بن جبير قال: «ما كان آدم عليه السلام في الجنة إلا مقدار ما بين الظهر والعصر».
- وأخرج عبد الله في زوائده عن موسى بن عقبة قال:«مكث آدم في الجنة ربع النهار، وذلك ساعتان ونصف وذلك مائتان سنة وخمسون سنة، فبكى على الجنة مائة سنة»). [الدر المنثور: 1/ 274-278]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أما قوله تعالى: {وزوجك}.
- أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات، وابن عساكر من طريق السدي بن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن ابن مسعود وناس من الصحابة قالوا:
«لما سكن آدم الجنة كان يمشي فيها وحشا ليس له زوج يسكن إليها، فنام نومة، فاستيقظ فإذا عند رأسه امرأة قاعدة خلقها الله من ضلعه، فسألها: ما أنت؟ قالت: امرأة، قال: ولم خلقت؟ قالت: لتسكن إلي، قالت له الملائكة ينظرون ما يبلغ علمه: ما اسمها يا آدم؟ قال: حواء، قالوا: لم سميت حواء؟ قال: لأنها خلقت من حي، فقال الله: {يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة}».- وأخرج سفيان بن عيينة عن مجاهد قال: «نام آدم فخلقت حواء من قصيراه، فاستيقظ فرآها فقال: من أنت؟ فقالت: أنا أثا، يعني امرأة بالسريانية».
- وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استوصوا بالنساء خيرا فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء من الضلع رأسه، وإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته تركته وفيه عوج، فاستوصوا بالنساء خيرا».
- وأخرج ابن سعد، وابن عساكر عن ابن عباس قال: «إنما سميت حواء لأنها أم كل حي».
وأخرج أبو الشيخ، وابن عساكر من وجه آخر عن ابن عباس قال:
«إنما سميت المرأة مرأة لأنها خلقت من المرء، وسميت حواء لأنها أم كل حي».
- وأخرج إسحاق بن بشر، وابن عساكر عن عطاء قال: «لما سجدت الملائكة لآدم نفر إبليس نفرة ثم ولى هاربا وهو يلتفت أحيانا ينظر هل عصى ربه أحد غيره، فعصمهم الله، ثم قال الله لآدم: قم يا آدم فسلم عليهم، فقام فسلم عليهم وردوا عليه، ثم عرض الأسماء على الملائكة فقال الله لملائكته: زعمتم أنكم أعلم منه، أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين، قالوا: سبحانك إن العلم منك ولك ولا علم لنا إلا ما علمتنا، فلما أقروا بذلك، قال: يا آدم أنبئهم بأسمائهم، فقال آدم: هذه ناقة، جمل، بقرة، نعجة، شاة، فرس، وهو من خلق ربي، فكل شيء سمى آدم فهو اسمه إلى يوم القيامة، وجعل يدعو كل شيء باسمه حين يمر بين يديه حتى بقي الحمار وهو آخر شيء مر عليه، فجاء الحمار من وراء ظهره فدعا آدم: أقبل يا حمار، فعلمت الملائكة أنه أكرم على الله وأعلم منهم، ثم قال له ربه: يا آدم ادخل الجنة تحيا وتكرم، فدخل الجنة فنهاه عن الشجرة قبل أن يخلق حواء،
فكان آدم لا يستأنس إلى خلق في الجنة ولا يسكن إليه، ولم يكن في الجنة شيء يشبهه، فألقى الله عليه النوم وهو أول نوم كان، فانتزعت من ضلعه الصغرى من جانبه الأيسر فخلقت حواء منه، فلما استيقظ آدم جلس فنظر إلى حواء تشبهه من أحسن البشر، ولكل امرأة فضل على الرجل بضلع، وكان الله علم آدم اسم كل شيء، فجاءته الملائكة فهنوه وسلموا عليه، فقالوا: يا آدم ما هذه؟ قال: هذه امرأة، قيل له: فما اسمها؟ قال: حواء، فقيل له: لم سميتها حواء؟ قال: لأنها خلقت من حي، فنفخ بينهما من روح الله فما كان من شيء يتراحم الناس به فهو من فضل رحمتها».
- وأخرج ابن أبي حاتم عن أشعث الحداني قال: «كانت حواء من نساء الجنة، وكان الولد يرى في بطنها إذا حملت ذكر أم أنثى من صفاتها».
- وأخرج ابن عدي، وابن عساكر عن إبراهيم النخعي قال: «لما خلق الله آدم وخلق له زوجته، بعث إليه ملكا وأمره بالجماع ففعل، فلما فرغ قالت له حواء: يا آدم هذه طيب زدنا منه»). [الدر المنثور: 1/ 278-282]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أما قوله تعالى {وكلا منها رغدا}.
- أخرج ابن جرير، وابن عساكر عن ابن مسعود وناس من الصحابة قال:
«الرغد: الهني».
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: «الرغد: سعة العيشة».
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {وكلا منها رغدا حيث شئتما} قال: «لا حساب عليكم»). [الدر المنثور: 1/ 282]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أما قوله تعالى: {ولا تقربا هذه الشجرة}.
- أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن عساكر من طرق عن ابن عباس قال:
«الشجرة التي نهى الله عنها آدم السنبلة»، وفي لفظ: «البر».
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن وهب بن منبه قال: «الشجرة التي نهى الله عنها آدم البر، ولكن الحبة منها في الجنة كمكلي البقر، ألين من الزبد وأحلى من العسل».
- وأخرج وكيع، وعبد بن حميد، وابن جرير وأبو الشيخ عن أبي مالك الغفاري في قوله: {ولا تقربا هذه الشجرة} قال:«هي السنبلة».
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من وجه آخر عن ابن عباس قال:«الشجرة التي نهى عنها آدم، الكرم».
- وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود، مثله.
- وأخرج وكيع، وابن سعد، وابن جرير وأبو الشيخ عن جعدة بن هبيرة قال:
«الشجرة التي افتتن بها آدم الكرم، وجعلت فتنة لولده من بعده، والتي أكل منها آدم العنب».
- وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: «هي اللوز»، قلت: كذا في النسخة وهي قديمة وعندي إنها تصحفت من الكرم.
- وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {ولا تقربا هذه الشجرة} قال:
«بلغني أنها التينة».
- وأخرج ابن جرير عن بعض الصحابة قال: «هي تينة».
- وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال: «هي التين».
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي مالك في قوله: {ولا تقربا هذه الشجرة} قال: «هي النخلة».
- وأخرج أبو الشيخ عن يزيد بن عبد الله بن قسيط قال: «هي الأترج».
- وأخرج أحمد في الزهد عن شعيب الحيائي قال: «كانت الشجرة التي نهى الله عنها آدم وزوجته شبه البر، تسمى الرعة وكان لباسهم النور».
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي العالية قال: «كانت الشجرة من أكل منها أحدث، ولا ينبغي أن يكون في الجنة حدث».
- وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {ولا تقربا هذه الشجرة} قال:
«ابتلى الله آدم كما ابتلى الملائكة قبله، وكل شيء خلق مبتلى، ولم يدع الله شيئا من خلقه إلا ابتلاه بالطاعة، فما زال البلاء بآدم حتى وقع فيما نهي عنه».
- وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال: «ابتلى الله آدم فأسكنه الجنة يأكل منها رغدا حيث شاء، ونهاه عن شجرة واحدة أن يأكل منها وقدم إليه فيها، فما زال به البلاء حتى وقع بما نهي عنه، فبدت له سوءته عند ذلك وكان لا يراها فأهبط من الجنة»).
[الدر المنثور: 1/ 282-285]

تفسير قوله تعالى: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36)}
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (قال سفيان [الثوري]: كان أصحاب عبد اللّه يقرءونها (فأزلهما الشياطين) ). [تفسير الثوري: 44]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى:
{فأزلّهما الشّيطان عنها}
قال أبو جعفرٍ: اختلف القرّاء في قراءة ذلك؛

- فقرأته عامّتهم: {فأزلّهما} بتشديد اللاّم، بمعنى استزلّهما؛ من قولك: زلّ الرّجل في دينه: إذا هفا فيه وأخطأ فأتى ما ليس له إتيانه فيه، وأزلّه غيره: إذا سبّب له ما يزلّ من أجله في دينه أو دنياه. ولذلك أضاف اللّه تعالى ذكره إلى إبليس خروج آدم وزوجته من الجنّة فقال: {فأخرجهما} يعني إبليس أخرجهما {ممّا كانا فيه} لأنّه كان الّذي سبّب لهما الخطيئة الّتي عاقبهما اللّه عليها بإخراجهما من الجنّة.
- وقرأه آخرون: (فأزالهما) بمعنى إزالة الشّيء عن الشّيء، وذلك تنحيته عنه.
- وقد روي عن ابن عبّاسٍ في تأويل قوله {فأزلّهما} ما حدّثناه القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: قال: قال ابن عبّاسٍ: في تأويل قوله تعالى: {فأزلّهما الشّيطان} قال:
«أغواهما».
- وأولى القراءتين بالصّواب قراءة من قرأ: {فأزلّهما} لأنّ اللّه جلّ ثناؤه قد أخبر في الحرف الّذي يتلوه بأنّ إبليس أخرجهما ممّا كانا فيه، وذلك هو معنى قوله: فأزالهما، فلا وجه إذ كان معنى الإزالة معنى التّنحية والإخراج أن يقال: فأزالهما الشّيطان عنها فأخرجهما ممّا كانا فيه، فيكون كقوله: فأزالهما الشّيطان عنها فأزالهما ممّا كانا فيه، ولكنّ المعنى المفهوم أن يقال: فاستزلّهما إبليس عن طاعة اللّه، كما قال جلّ ثناؤه: {فأزلّهما الشّيطان} وقرأت به القرّاء، فأخرجهما باستزلاله إيّاهما عن الجنّة.
فإن قال لنا قائلٌ: وكيف كان استزلال إبليس آدم وزوجته حتّى أضيف إليه إخراجهما من الجنّة؟
قيل: قد قالت العلماء في ذلك أقوالاً سنذكر بعضها.
- فحكي عن وهب بن منبّهٍ في ذلك ما حدّثنا به الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا عمر بن عبد الرّحمن بن مهرّبٍ، قال: سمعت وهب بن منبّهٍ: يقول:
«لمّا أسكن اللّه آدم وذرّيّته، أو زوجته -الشّكّ من أبي جعفرٍ، وهو في أصل كتابه: وذرّيّته- ونهاه عن الشّجرة، وكانت شجرةً غصونها متشعّبٌ بعضها في بعضٍ، وكان لها ثمرٌ تأكله الملائكة لخلدهم، وهي الثّمرة الّتي نهى اللّه آدم عنها وزوجته. فلمّا أراد إبليس أن يستزلّهما دخل في جوف الحيّة، وكانت للحيّة أربعة قوائم كأنّها بختيّةٌ من أحسن دابّةٍ خلقها اللّه. فلمّا دخلت الحيّة الجنّة، خرج من جوفها إبليس، فأخذ من الشّجرة الّتي نهى اللّه عنها آدم وزوجته، فجاء بها إلى حوّاء، فقال: انظري إلى هذه الشّجرة، ما أطيب ريحها، وأطيب طعمها، وأحسن لونها. فأخذت حوّاء فأكلت منها، ثمّ ذهبت بها إلى آدم، فقالت: انظر إلى هذه الشّجرة، ما أطيب ريحها، وأطيب طعمها، وأحسن لونها. فأكل منها آدم، فبدت لهما سوآتهما، فدخل آدم في جوف الشّجرة، فناداه ربّه: يا آدم أين أنت؟ قال: أنا هذا يا ربّ، قال: ألا تخرج؟ قال: أستحيي منك يا ربّ، قال: ملعونةٌ الأرض الّتي خلقت منها لعنةً تتحوّل ثمرها شوكًا».

قال: «ولم يكن في الجنّة ولا في الأرض شجرةٌ كان أفضل من الطّلح والسّدر؛ ثمّ قال: يا حوّاء أنت الّتي غرّرت عبدي، فإنّك لا تحملين حملاً إلاّ حملته كرهًا، فإذا أردت أن تضعي ما في بطنك أشرفت على الموت مرارًا. وقال للحيّة: أنت الّتي دخل الملعون في جوفك حتّى غرّ عبدي، ملعونةٌ أنت لعنةً تتحوّل قوائمك في بطنك، ولا يكون لك رزقٌ إلاّ التّراب، أنت عدوّة بني آدم وهم أعداؤك، حيث لقيت أحدًا منهم أخذت بعقبه وحيث لقيك شدخ رأسك».
قال عمر: قيل لوهبٍ: وما كانت الملائكة تأكل؟ قال: «يفعل اللّه ما يشاء».
- وقد وروي عن ابن عبّاسٍ نحو هذه القصّة.
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، في خبرٍ ذكره عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة، عن ابن مسعودٍ، وعن ناسٍ، من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم:
«لمّا قال اللّه لآدم: {اسكن أنت وزوجك الجنّة وكلا منها رغدًا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشّجرة فتكونا من الظّالمين}، أراد إبليس أن يدخل عليهما الجنّة فمنعته الخزنة، فأتى الحيّة وهي دابّةٌ لها أربع قوائم كأنّها البعير، وهي كأحسن الدّوابّ، فكلّمها أن تدخله في فقمها حتّى تدخل به إلى آدم، فأدخلته في فقمها
-قال أبو جعفرٍ: والفقم: جانب الشدق- فمرّت الحيّة على الخزنة فدخلت ولا يعلمون؛ لما أراد اللّه من الأمر، فكلّمه من فقمها فلم يبال كلامه، فخرج إليه فقال: {يا آدم هل أدلّك على شجرة الخلد وملكٍ لا يبلى}، يقول: هل أدلّك على شجرةٍ إن أكلت منها كنت ملكًا مثل اللّه عزّ وجلّ، أو تكونا من الخالدين فلا تموتان أبدًا. وحلف لهما باللّه: إنّي لكما لمن النّاصحين، وإنّما أراد بذلك ليبدي لهما ما توارى عنهما من سوآتهما بهتك لباسهما. وكان قد علم أنّ لهما سوأةً لما كان يقرأ من كتب الملائكة، ولم يكن آدم يعلم ذلك، وكان لباسهما الظّفر. فأبى آدم أن يأكل منها، فتقدّمت حوّاء فأكلت ثمّ قالت: يا آدم كل؛ فإنّي قد أكلت فلم يضرّني. فلمّا أكل آدم {بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنّة}».
- وحدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قال:
«حدّثني محدّثٌ أنّ الشّيطان دخل الجنّة في صورة دابّةٍ ذات قوائم، فكان يرى أنّه البعير». قال: «فلعن فسقطت قوائمه، فصار حيّةً».
- وحدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قال: وحدّثني أبو العالية:
«أنّ من الإبل، ما كان أوّلها من الجنّ»،

قال: «فأبيحت له الجنّة كلّها إلاّ الشّجرة، وقيل لهما: {ولا تقربا هذه الشّجرة فتكونا من الظّالمين}»،
قال:«فأتى الشّيطان حوّاء فبدأ بها فقال: أنهيتما عن شيءٍ؟ قالت: نعم، عن هذه الشّجرة. فقال:{ما نهاكما ربّكما عن هذه الشّجرة إلاّ أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين}»،
قال:«فبدأت حوّاء فأكلت منها، ثمّ أمرت آدم فأكل منها».
قال:«وكانت شجرةً من أكل منها أحدث».
قال: «ولا ينبغي أن يكون في الجنّة حدثٌ».
قال: «{فأزلّهما الشّيطان عنها فأخرجهما ممّا كانا فيه}»، قال: «فأخرج آدم من الجنّة».
- وحدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثنا ابن إسحاق، عن بعض أهل العلم: «أنّ آدم، حين دخل الجنّة ورأى ما فيها من الكرامة وما أعطاه اللّه منها، قال: لو أنّ خلدًا كان. فاغتمز فيها منه الشّيطان لمّا سمعها منه، فأتاه من قبل الخلد».
- وحدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مسلمة، عن ابن إسحاق، قال: «حدّثت أنّ أوّل ما ابتدأهما به من كيده إيّاهما أنّه ناح عليهما نياحةً حزنتهما حين سمعاها، فقالا له: ما يبكيك؟ قال: أبكي عليكما تموتان فتفارقان ما أنتما فيه من النّعمة والكرامة. فوقع ذلك في أنفسهما. ثمّ أتاهما فوسوس إليهما، فقال: {يا آدم هل أدلّك على شجرة الخلد وملكٍ لا يبلى}، وقال: {ما نهاكما ربّكما عن هذه الشّجرة إلاّ أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين وقاسمهما إنّي لكما لمن النّاصحين} أي: تكونا ملكين أو تخلّدا إن لم تكونا ملكين في نعمة الجنّة فلا تموتان، يقول اللّه جلّ ثناؤه: {فدلاّهما بغرورٍ}».
- وحدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ:
«وسوس الشّيطان إلى حوّاء في الشّجرة حتّى أتى بها إليها، ثمّ حسّنها في عين آدم».

قال:«فدعاها آدم لحاجته، قالت: لا، إلاّ أن تأتي ههنا. فلمّا أتى قالت: لا، إلاّ أن تأكل من هذه الشّجرة»،
قال: «{فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما}».
قال: «وذهب آدم هاربًا في الجنّة، فناداه ربّه: يا آدم أمنّي تفرّ؟ قال: لا يا ربّ، ولكن حياءً منك. قال: يا آدم أنّى أتيت؟ قال: من قبل حوّاء أي ربّ. فقال اللّه: فإنّ لها عليّ أن آدميها في كلّ شهرٍ مرّةً كما دمت هذه الشّجرة، وأن أجعلها سفيهةً، فقد كنت خلقتها حليمةً، وأن أجعلها تحمل كرهًا وتضع كرهًا، فقد كنت جعلتها تحمل يسرًا وتضع يسرًا».
قال ابن زيدٍ:«ولولا البليّة الّتي أصابت حوّاء لكان نساء الدّنيا لا يحضن، ولكن حليماتٌ، وكنّ يحملن يسرًا ويضعن يسرًا».
- وحدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق، عن يزيد بن عبد اللّه بن قسيطٍ، عن سعيد بن المسيّب، قال -سمعته يحلف باللّه ما يستثني-: «ما أكل آدم من الشّجرة وهو يعقل، ولكنّ حوّاء سقته الخمر حتّى إذا سكر قادته إليها فأكل».
- وحدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن ليث بن أبي سليمٍ، عن طاووسٍ اليمانيّ، عن ابن عبّاسٍ، قال:
«إنّ عدوّ اللّه إبليس عرض نفسه على دوابّ الأرض أنّها تحمله حتّى تدخل به الجنّة حتى يكلّم آدم وزوجته، فكلّ الدّوابّ أبى ذلك عليه، حتّى كلّم الحيّة فقال لها: أمنعك من ابن آدم، فأنت في ذمّتي إن أنت أدخلتني الجنّة. فجعلته بين نابين من أنيابها، ثمّ دخلت به. فكلّمهما من فيها، وكانت كاسيةً تمشي على أربع قوائم، فأعراها اللّه، وجعلها تمشي على بطنها».

قال: يقول ابن عبّاسٍ: «اقتلوها حيث وجدتموها، اخفروا ذمّة عدوّ اللّه فيها».
- وحدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: قال ابن إسحاق:«وأهل التّوراة يدرسون: إنّما كلّم آدم الحيّة، ولم يفسّروا كتفسير ابن عبّاسٍ».
- وحدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن أبي معشرٍ، عن محمّد بن قيسٍ، قال: «نهى اللّه آدم وحوّاء أن يأكلا من شجرةٍ واحدةٍ في الجنّة ويأكلا منها رغدًا حيث شاءا. فجاء الشّيطان فدخل في جوف الحيّة، فكلّم حوّاء، ووسوس إلى آدم، فقال: {ما نهاكما ربّكما عن هذه الشّجرة إلاّ أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين وقاسمهما إنّي لكما لمن النّاصحين}».

قال: «فقطعت حوّاء الشّجرة، فدميت الشّجرة وسقط عنهما رياشهما الّذي كان عليهما {وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنّة وناداهما ربّهما ألم أنهكما عن تلكما الشّجرة وأقل لكما إنّ الشّيطان لكما عدوٌّ مبينٌ} لم أكلتها وقد نهيتك عنها؟ قال: يا ربّ أطعمتني حوّاء. قال لحوّاء: لم أطعمته؟ قالت: أمرتني الحيّة. قال للحيّة: لم أمرتها؟ قالت: أمرني إبليس. قال: ملعونٌ مدحورٌ. أمّا أنت يا حوّاء فكما آدميت الشّجرة تدمين في كلّ هلالٍ. وأمّا أنت يا حيّة فأقطع قوائمك فتمشين جرا على وجهك وسيشدخ رأسك من لقيك بالحجر؛ اهبطوا بعضكم لبعضٍ عدوٌّ».
- فقد رويت هذه الأخبار عمّن روّيناها عنه من الصّحابة والتّابعين وغيرهم في صفة استزلال إبليس عدوّ اللّه آدم وزوجته حتّى أخرجهما من الجنّة.
قال أبو جعفرٍ: وأولى ذلك بالحقّ عندنا، ما كان لكتاب اللّه موافقًا، وقد أخبر اللّه تعالى ذكره عن إبليس أنّه وسوس لآدم وزوجته ليبدي لهما ما روي عنهما من سوآتهما، وأنّه قال لهما: {ما نهاكما ربّكما عن هذه الشّجرة إلاّ أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين} وأنّه قاسمهما إنّي لكما لمن النّاصحين مدلّيًا لهما بغرورٍ. ففي إخباره جلّ ثناؤه عن عدوّ اللّه أنّه قاسم آدم وزوجته بقيله لهما: {إنّي لكما لمن النّاصحين} الدّليل الواضح على أنّه قد باشر خطابهما بنفسه، إمّا ظاهرًا لأعينهما، وإمّا مستجنًّا في غيره. وذلك أنّه غير معقولٍ في كلام العرب أن يقال: قاسم فلانٌ فلانًا في كذا وكذا، إذا سبّب له سببًا وصل به إليه دون أن يحلف له. والحلف لا يكون بتسبّب السّبب، فكذلك قوله: فوسوس إليه الشّيطان، لو كان ذلك كان منه إلى آدم على نحو الّذي منه إلى ذرّيّته من تزيين أكل ما نهى اللّه آدم عن أكله من الشّجرة بغير مباشرة خطابه إيّاه بما استزلّه به من القول والحيل، لمّا قال جلّ ثناؤه: {وقاسمهما إنّي لكما لمن النّاصحين} كما غير جائزٍ أن يقول اليوم قائلٌ ممّن أتى معصيةً: قاسمني إبليس أنّه لي ناصحٌ فيما زيّن لي من المعصية الّتي أتيتها، فكذلك الّذي كان من آدم وزوجته لو كان على النّحو الّذي يكون فيما بين إبليس اليوم وذرّيّة آدم لما قال جلّ ثناؤه: {وقاسمهما إنّي لكما لمن النّاصحين} ولكنّ ذلك كان إن شاء اللّه على نحو ما قال ابن عبّاسٍ ومن قال بقوله.
- فأمّا سبب وصوله إلى الجنّة حتّى كلّم آدم بعد أن أخرجه اللّه منها وطرده عنها، فليس فيما روي عن ابن عبّاسٍ ووهب بن منبّهٍ في ذلك معنى يجوز لذي فهمٍ مدافعته، إذ كان ذلك قولاً لا يدفعه عقلٌ ولا خبرٌ يلزم تصديقه من حجّةٍ بخلافه، وهو من الأمور الممكنة.

- والقول في ذلك أنّه قد وصل إلى خطابهما على ما أخبرنا اللّه جلّ ثناؤه، وممكنٌ أن يكون وصل إلى ذلك بنحو الّذي قاله المتأوّلون؛ بل ذلك إن شاء اللّه كذلك لتتابع أقوال أهل التّأويل على تصحيح ذلك.
- وإن كان ابن إسحاق قد قال في ذلك ما حدّثنا به ابن حميدٌ، قال: حدّثنا سلمة، قال: قال ابن إسحاق في ذلك:
«اللّه أعلم أكما قال ابن عبّاسٍ وأهل التّوراة، أم خلص إلى آدم وزوجته بسلطانه الّذي جعل اللّه له ليبتلى به آدم وذرّيّته، وأنّه يأتي ابن آدم في نومته وفي يقظته، وفي كلّ حالٍ من أحواله، حتّى يخلص إلى ما أراد منه حتّى يدعوه إلى المعصية، ويوقع في نفسه الشّهوة وهو لا يراه، وقد قال اللّه: {فأزلّهما الشّيطان عنها فأخرجهما ممّا كانا فيه}، وقال: {يا بني آدم لا يفتننّكم الشّيطان كما أخرج أبويكم من الجنّة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما إنّه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنّا جعلنا الشّياطين أولياء للّذين لا يؤمنون}، وقد قال اللّه لنبيّه عليه الصّلاة والسّلام: {قل أعوذ بربّ النّاس * ملك النّاس} إلى آخر السّورة».
ثمّ ذكر الأخبار الّتي رويت عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال:
«إنّ الشّيطان يجري من ابن آدم مجرى الدّم»،

ثم قال ابن إسحاق: «وإنّما أمر ابن آدم فيما بينه وبين عدوّ اللّه، كأمره فيما بينه وبين آدم، فقال اللّه: {فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبّر فيها فاخرج إنّك من الصّاغرين} ثمّ خلص إلى آدم وزوجته حتّى كلّمهما، كما قصّ اللّه علينا من خبرهما، قال: {فوسوس إليه الشّيطان قال يا آدم هل أدلّك على شجرة الخلد وملكٍ لا يبلى} فخلص إليهما بما خلص إلى ذرّيّته من حيث لا يريانه، واللّه أعلم أيّ ذلك كان؛ فتابا إلى ربّهما».
قال أبو جعفرٍ: وليس في يقين ابن إسحاق لو كان قد أيقن في نفسه أنّ إبليس لم يخلص إلى آدم وزوجته بالمخاطبة بما أخبر اللّه عنه أنّه قال لهما وخاطبهما به ما يجوز لذي فهمٍ الاعتراض به على ما ورد من القول مستفيضًا من أهل العلم مع دلالة الكتاب على صحّة ما استفاض من ذلك بينهم، فكيف بشكّه؟ واللّه نسأل التّوفيق). [جامع البيان: 1/ 560-570]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فأخرجهما ممّا كانا فيه}.
وأمّا تأويل قوله: {فأخرجهما} فإنّه يعني: فأخرج الشّيطان آدم وزوجته ممّا كانا، يعني ممّا كان فيه آدم وزوجته من رغد العيش في الجنّة، وسعة نعيمها الّذي كانا فيه.
وقد بيّنّا أنّ اللّه -جلّ ثناؤه- إنّما أضاف إخراجهما من الجنّة إلى الشّيطان، وإن كان اللّه هو المخرج لهما؛ لأنّ خروجهما منها كان عن سببٍ من الشّيطان، وأضيف ذلك إليه لتسبيبه إيّاه كما يقول القائل لرجلٍ وصل إليه منه أذًى حتّى تحوّل من أجله عن موضعٍ كان يسكنه: ما حوّلني عن موضعي الّذي كنت فيه إلاّ أنت، ولم يكن منه له تحويلٌ، ولكنّه لمّا كان تحوّله عن سببٍ منه جاز له إضافة تحويله إليه). [جامع البيان: 1/ 570-571]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى:
{وقلنا اهبطوا بعضكم لبعضٍ عدوٌّ}
يقال: هبط فلانٌ أرض كذا ووادي كذا: إذا حلّ ذلك، كما قال الشّاعر:
ما زلت أرمقهم حتّى إذا هبطت ........ أيدي الرّكاب بهم من راكسٍ فلقا
وقد أبان هذا القول من اللّه جلّ ثناؤه عن صحّة ما قلنا من أنّ المخرج آدم من الجنّة هو اللّه جلّ ثناؤه، وأنّ إضافة اللّه إلى إبليس ما أضاف إليه من إخراجهما كان على ما وصفنا. ودلّ بذلك أيضًا على أنّ هبوط آدم وزوجته وعدوّهما إبليس كان في وقتٍ واحدٍ. لجمع اللّه إيّاهم في الخبر عن إهباطهم، بعد الّذي كان من خطيئة آدم وزوجته، وتسبّب إبليس ذلك لهما، على ما وصفه ربّنا جلّ ذكره عنهم.
وقد اختلف أهل التّأويل في المعنيّ بقوله: {اهبطوا} مع إجماعهم على أنّ آدم وزوجته ممّن عني به.
- فحدّثنا سفيان بن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو أسامة، عن أبي عوانة، عن إسماعيل بن سالمٍ، عن أبي صالحٍ: {اهبطوا بعضكم لبعضٍ عدوٌّ} قال:
«آدم، وحوّاء، والحيّة».
- حدّثنا ابن وكيعٍ، وموسى بن هارون، قالا: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {اهبطوا بعضكم لبعضٍ عدوٌّ} قال: «فلعن الحيّة وقطع قوائمها وتركها تمشي على بطنها وجعل رزقها من التّراب، وأهبط إلى الأرض آدم وحوّاء وإبليس والحيّة».
- وحدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى بن ميمونٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: في قول اللّه: {اهبطوا بعضكم لبعضٍ عدوٌّ} قال:
«آدم، وإبليس والحيّة».
- وحدّثني المثنّى بن إبراهيم، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: «{اهبطوا بعضكم لبعضٍ عدوٌّ} آدم، وإبليس، والحيّة، ذرّيّةٌ بعضهم أعداءٌ لبعضٍ».
- وحدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {بعضكم لبعضٍ عدوٌّ} قال:
«آدم وذرّيّته، وإبليس وذرّيّته».
- وحدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا آدم بن أبي إياسٍ، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: في قوله: {بعضكم لبعضٍ عدوٌّ} قال: «يعني، وآدم، إبليس».
- حدّثني المثنّى، قال، حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، عن إسرائيل، عن السّدّيّ، عمّن حدّثه عن ابن عبّاسٍ: في قوله: {اهبطوا بعضكم لبعضٍ عدوٌّ} قال:
«بعضهم لبعض عدوٌّ: آدم، وحوّاء، وإبليس، والحيّة».
- وحدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن وهبٍ، قال: حدّثني عبد الرّحمن بن مهديٍّ، عن إسرائيل، عن إسماعيل السّدّيّ، قال: حدّثني من سمع ابن عبّاسٍ يقول: {اهبطوا بعضكم لبعضٍ عدوٌّ} قال:
«آدم، وحوّاء، وإبليس، والحيّة».
- وحدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: في قوله: {اهبطوا بعضكم لبعضٍ عدوٌّ} قال: «لهما ولذرّيّتهما».
قال أبو جعفرٍ: فإن قال قائلٌ: وما كانت عداوة ما بين آدم وزوجته، وإبليس، والحيّة؟
قيل: أمّا عداوة إبليس آدم وذرّيّته، فحسده إيّاه، واستكباره عن طاعة اللّه في السّجود له حين قال لربّه: {أنا خيرٌ منه خلقتني من نارٍ وخلقته من طينٍ}.
- وأمّا عداوة آدم وذرّيّته إبليس، فعداوة المؤمنين إيّاه لكفره باللّه وعصيانه لربّه في تكبّره عليه ومخالفته أمره؛ وذلك من آدم ومؤمني ذرّيّته إيمانٌ باللّه.
- وأمّا عداوة إبليس آدم، فكفرٌ باللّه.
- وأمّا عداوة ما بين آدم وذرّيّته، والحيّة، فقد ذكرنا ما روي في ذلك عن ابن عبّاسٍ ووهب بن منبّهٍ، وذلك هي العداوة الّتي بيننا وبينها، كما روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال:
«ما سالمناهنّ منذ حاربناهنّ فمن تركهنّ خشية ثأرهنّ فليس منّا».
- حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم، قال: حدّثني حجّاج بن رشدٍين، قال: حدّثنا حيوة بن شريحٍ، عن ابن عجلان، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال:
«ما سالمناهنّ منذ حاربناهنّ، فمن ترك شيئًا منهنّ خيفةً فليس منّا».
- وأحسب أنّ الحرب الّتي بيننا كان أصله ما ذكره علماؤنا الّذين قدّمنا الرّواية عنهم في إدخالها إبليس الجنّة بعد أن أخرجه اللّه منها حتّى استزلّه عن طاعة ربّه في أكل ما نهي عن أكله من الشّجرة.
- وحدّثنا أبو كريبٍ، قال حدّثنا معاوية بن هشامٍ، وحدّثني محمّد بن خلفٍ العسقلانيّ، قال: حدّثنا آدم، جميعًا، عن شيبان، عن جابرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: عن قتل الحيّات، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
«خلقت هي والإنسان كلّ واحدٍ منهما عدوٌّ لصاحبه إن رآها أفزعته، وإن لدغته أوجعته، فاقتلها حيث وجدتها»).
[جامع البيان: 1/ 571-575]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى:
{ولكم في الأرض مستقرٌّ}
اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم بما حدّثني المثنّى بن إبراهيم، قال: حدّثنا آدم العسقلانيّ، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: في قوله: {ولكم في الأرض مستقرٌّ} قال: «هو قوله: {الّذي جعل لكم الأرض فراشًا}».
- وحدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: في قوله: {ولكم في الأرض مستقرٌّ} قال:
«هو قوله:{جعل لكم الأرض قرارًا}».
وقال آخرون: معنى ذلك: ولكم في الأرض قرارٌ في القبور. ذكر من قال ذلك:
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ولكم في الأرض مستقرٌّ} قال:
«القبور».
- وحدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: حدّثني عبد الرّحمن بن مهديٍّ، عن إسرائيل، عن إسماعيل السّدّيّ، قال: حدّثني من، سمع ابن عبّاسٍ، قال: {ولكم في الأرض مستقرٌّ} قال: «القبور».
- وحدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: {ولكم في الأرض مستقرٌّ} قال: «مقامهم فيها».
والمستقرّ في كلام العرب هو موضع الاستقرار فإذا كان ذلك كذلك، فحيث كان من الأرض موجودًا حالًّا، فذلك المكان من الأرض مستقرّه.
وإنّما عنى اللّه جلّ ثناؤه بذلك: أنّ لهم في الأرض مستقرًّا ومنزلاً بأماكنهم ومستقرّهم من الجنّة والسّماء، وكذلك قوله {ومتاعٌ} يعني به أنّ لهم فيها متاعًا بمتاعهم في الجنّة). [جامع البيان: 1/ 575-576]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ومتاعٌ إلى حينٍ}.
اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك؛
فقال بعضهم: ولكم فيها بلاغٌ إلى الموت. ذكر من قال ذلك:
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: في قوله: {ومتاعٌ إلى حينٍ} قال:
«يقول: بلاغٌ إلى الموت».
- حدّثني المثنى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن السّدّيّ عمن حدّثه، عن ابن عبّاسٍ: {ومتاعٌ إلى حينٍ} قال: «الحياة».
وقال آخرون: يعني بقوله: {ومتاعٌ إلى حينٍ} إلى قيام السّاعة، ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى بن إبراهيم، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ومتاعٌ إلى حينٍ} قال:
«إلى يوم القيامة، إلى انقطاع الدّنيا».
وقال آخرون: {إلى حينٍ}: إلى أجلٍ، ذكر من قال ذلك:
- حدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {ومتاعٌ إلى حينٍ} قال:
«إلى أجلٍ».
والمتاع في كلام العرب: كلّ ما استمتع به من شيءٍ فى معاشٍ استمتع به أو رياشٍ أو زينةٍ أو لذّةٍ أو غير ذلك. فإذا كان ذلك كذلك، وكان اللّه جلّ ثناؤه قد جعل حياة كلّ حيٍّ متاعًا له يستمتع بها أيّام حياته، وجعل الأرض للإنسان متاعًا أيّام حياته بقراره عليها، واغتذائه بما أخرج اللّه منها من الأقوات والثّمار، والتذاذه بما خلق فيها من الملاذ وجعلها من بعد وفاته لجثّته كفاتًا، ولجسمه منزلاً وقرارًا، وكان اسم المتاع يشمل جميع ذلك؛ كان أولى التّأويلات بالآية، إذ لم يكن اللّه جلّ ثناؤه وضع دلالةً دالّةً على أنّه قصد بقوله: {ومتاعٌ إلى حينٍ} بعضًا دون بعضٍ، وخاصًّا دون عامٍّ في عقلٍ ولا خبرٍ؛ أن يكون ذلك في معنى العامّ، وأن يكون الخبر أيضًا كذلك إلى وقتٍ بطول استمتاع بني آدم وبني إبليس بها، وذلك إلى أن تبدّل الأرض غير الأرض.
فإذ كان ذلك أولى التّأويلات بالآية لما وصفنا، فالواجب إذًا أن يكون تأويل الآية: ولكن في الأرض منازل ومساكن، تستقرّون فيها استقراركم كان في السّموات، وفي الجنّات في منازلكم منها، واستمتاعٌ منكم بها وبما أخرجت لكم منها، وبما جعلت لكم فيها من المعاش والرّياش والزّين والملاذ، وبما أعطيتكم على ظهرها أيّام حياتكم ومن بعد وفاتكم لأرماسكم وأجداثكم، تدفنون فيها وتبلغون باستمتاعكم بها إلى أن أبدلكم بها غيرها). [جامع البيان: 1/ 577-579]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (
{فأزلّهما الشّيطان عنها فأخرجهما ممّا كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعضٍ عدوٌّ ولكم في الأرض مستقرٌّ ومتاعٌ إلى حينٍ (36)}
قوله:
{فأزلّهما الشّيطان عنها}
[الوجه الأول]
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا عبد الوهّاب يعني ابن عطاءٍ، عن أبان العطّار، عن عاصم بن بهدلة: {فأزلّهما} قال:
«فنحّاهما».
الوجه الثّاني:
- حدّثنا الحسن بن محمّد الصّبّاح، ثنا عبد الوهّاب، عن إسماعيل، عن الحسن: {فأزلّهما} قال:
«من قبل الزّلل».
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا عبد الوهّاب، عن أبان العطّار، عن قتادة- مثل ذلك.
الوجه الثّالث:
- أخبرنا عليّ بن المبارك فيما كتب إليّ، ثنا زيد بن المبارك، ثنا ابن ثورٍ، عن ابن جريجٍ، عن ابن عبّاسٍ: {فأزلّهما الشّيطان} قال:
«فأغواهما»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 87]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {الشيطان}
- حدّثنا أبي، ثنا خالد بن خداشٍ المهلّبيّ، ثنا حمّاد بن زيدٍ، عن الزّبير ابن خرّيتٍ، عن عكرمة قال: «إنّما سمّي الشّيطان لأنّه تشيطن»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 87]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {فأخرجهما ممّا كانا فيه}
- حدّثنا عليّ بن الحسين بن أشكاب، ثنا عليّ بن عاصمٍ، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن أبيّ بن كعبٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
«إنّ اللّه عزّ وجلّ خلق آدم رجلا طوالا كثير شعر الرّأس كأنّه نخلةٌ سحوقٌ، فلمّا ذاق الشّجرة سقط عنه لباسه، فأوّل ما بدا منه عورته، فلمّا نظر إلى عورته جعل يشتدّ في الجنّة فأخذت شعره شجرةٌ فنازعها، فناداه الرّحمن يا آدم منّي تفرّ؟ فلمّا سمع كلام الرّحمن، قال: يا ربّ لا ولكن استحياءً».
- حدّثني جعفر بن أحمد بن الحكم القومسيّ سنة أربعٍ وخمسين ومائتين، ثنا سليم بن منصور بن عمّارٍ، ثنا عليّ بن عاصمٍ، عن سعيدٍ، عن قتادة، عن أبيّ بن كعبٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
«لمّا ذاق آدم من الشّجرة فرّ هاربًا فتعلّقت شجرةٌ بشعره فنودي: يا آدم، أفرارًا منّي؟ قال: بل حياءً منك، قال: يا آدم اخرج من جواري، فبعزّتي لا أساكن فيها من عصاني، ولو خلقت ملء الأرض مثلك خلقًا ثمّ عصوني لأسكنتهم دار العاصين».
- حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم ثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ، قال الرّبيع بن أنسٍ:«فأخرج آدم من الجنّة للسّاعة التّاسعة أو العاشرة، فأخرج آدم معه غصنًا من شجر الجنّة، على رأسه تاجٌ من شجر الجنّة، وهو الإكليل من ورق الجنّة»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 78-88]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله:
{وقلنا اهبطوا}
- حدّثنا أبو هارون محمّد بن خالدٍ الخرّاز، ثنا يحيى بن زيادٍ، حدّثني ابن أبي الخطيب، أخبرني ضمرة، عن رجاء بن أبي سلمة، قال:
«أهبط آدم يديه على ركبتيه مطأطئًا رأسه، وأهبط إبليس مشبّكًا بين أصابعه رافعًا رأسه إلى السّماء».
- حدّثنا محمّد بن عمّار بن الحارث، ثنا محمّد بن سعيد بن سابقٍ، ثنا عمرو بن أبي قيسٍ، عن أبي عديٍّ -يعني الزّبير بن عديٍّ-، عن ابن عمر قال:
«أهبط آدم بالصّفا، وحوّاء بالمروة».
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا المقدّميّ، ثنا عمران بن عيينة، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ:
«إنّ أوّل ما أهبط اللّه آدم إلى الأرض أهبطه بدحنا، أرضٌ بالهند».
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا جريرٌ، عن عطاءٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال:«أهبط آدم -عليه السّلام- إلى أرضٍ يقال لها: دحنا بين مكّة والطّائف».
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا هشام بن عمرٍو الغسّانيّ، ثنا عبّاد بن ميسرة، عن الحسن قال: «أهبط آدم بالهند، وحوّاء بجدّة، وإبليس بدست ميسان من البصرة على أميالٍ، وأهبطت الحيّة بأصبهان».
- أخبرني أبي، حدّثني أيّوب بن محمّدٍ الرّقّيّ، ثنا ضمرة، عن السّريّ -يعني ابن يحيى- قال: «أهبط آدم من الجنّة ومعه البزور فوضع إبليس عليه يده، فما أصاب يده ذهب منفعته».
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قال: «قال اللّه: {اهبطوا منها جميعًا} فهبطوا فنزل آدم بالهند، وأنزل معه الحجر الأسود وقبضةٍ من ورق الجنّة فبثّه بالهند فنبتت شجر الطّيب، فإنّما أصل ما يجاء به من الطّيب من الهند من قبضة الورق الّتي هبط بها آدم، وإنّما قبضها آدم حين أخرج من الجنّة أسفًا على الجنّة حين أخرج منها»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 88-89]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله:
{بعضكم لبعضٍ عدوٌّ}
- أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً، أخبرني ابن وهب، حدثني عبد الرحمن ابن مهديٍّ، عن إسرائيل، عن إسماعيل السّدّيّ، حدّثني من سمع ابن عبّاسٍ يقول: {اهبطوا بعضكم لبعضٍ عدوٌّ} قال:
«آدم وحوّاء وإبليس والحيّة»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 89]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ولكم في الأرض مستقرٌّ}
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عبيد اللّه بن موسى، أنبأ إسرائيل، عن السّدّيّ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {ولكم في الأرض مستقرٌّ} قال:
«المستقرّ: القبور».
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن حاتمٍ الزّمّيّ، ثنا عبيدة بن حميدٍ، عن عمّارٍ الدّهنيّ، عن حميدٍ المدنيّ، عن كريبٍ، عن ابن عبّاسٍ: قوله: {ولكم في الأرض مستقرٌّ} قال: «مستقرٌّ فوق الأرض، ومستقرٌّ تحت الأرض».
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية في قوله: {ولكم في الأرض مستقرٌّ} قال: «هو قوله: {الّذي جعل لكم الأرض فراشًا}»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 89-90]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله:
{ومتاعٌ}
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: {ومتاعٌ إلى حينٍ} يقول:
«بلاغٌ إلى الموت»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 90]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {إلى حينٍ}
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عبيد اللّه، أنبأ إسرائيل، عن السّدّيّ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: {ومتاعٌ إلى حينٍ} قال:
«الحياة».
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن حاتمٍ الزّمّيّ، ثنا عبيدة بن حميدٍ، عن عمّارٍ الدّهنيّ، عن حميدٍ المدنيّ، عن كريبٍ، عن ابن عبّاسٍ: قوله: {ومتاعٌ إلى حينٍ} قال:«حتّى يصير إلى الجنّة أو النّار».
- حدّثني عبد اللّه بن أحمد بن عبد الرّحمن بن عبد اللّه بن سعدٍ، حدّثني أبي -يعني أحمد بن عبد الرّحمن-، عن أبيه، عن إبراهيم -يعني الصّائغ-، عن يزيد النّحويّ، قال: قال عكرمة: {ومتاعٌ إلى حينٍ} قال: «الحين الّذي لا يدرك»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 90]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم، قال: نا آدم، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: {بعضكم لبعض عدو}:
«يعني إبليس وآدم»). [تفسير مجاهد: 73]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى:
{فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين}
أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {فأزلهما} قال:
«فأغواهما».
وأخرج ابن أبي حاتم عن عاصم بن بهدلة {فأزلهما}: «فنحاهما».
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش قال: «في قراءتنا في البقرة مكان {فأزلهما}: فوسوس».
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن مسعود وناس من الصحابة قالوا:
«لما قال الله لآدم {اسكن أنت وزوجك الجنة} أراد إبليس أن يدخل عليهما الجنة، فأتى الحية هي دابة لها أربع قوائم كأنها البعير وهي كأحسن الدوا،ب فكلمها إن تدخله في فمها حتى تدخل به إلى آدم، فأدخلته في فمها فمرت الحية على الخزنة فدخلت، ولا يعلمون لما أراد الله من الأمر، فكلمه من فمها فلم يبال بكلامه، فخرج إليه فقال: {يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى} وحلف لهما بالله: {إني لكما لمن الناصحين}، فأبى آدم أن يأكل منها، فقعدت حواء فأكلت ثم قالت: يا آدم كل فإني قد أكلت فلم يضر بي، فلما أكل {بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة}».وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير عن ابن عباس قال: «إن عدو الله إبليس عرض نفسه على دواب الأرض أنها تحمله حتى يدخل الجنة معها ويكلم آدم، فكل الدواب أبى ذلك عليه، حتى كلم الحية فقال لها: أمنعك من ابن آدم فإنك في ذمتي إن أدخلتني الجنة، فحملته بين نابين حتى دخلت به، فكلمه من فيها وكانت كاسية تمشي على أربع قوائم فأعراها الله وجعلها تمشي على بطنها»،
يقول ابن عباس: «فاقتلوها حيث وجدتموها اخفروا ذمة عدو الله فيها».
وأخرج سفيان بن عيينة وعبد الرزاق، وابن المنذر، وابن عساكر في تاريخه عن ابن عباس قال: «كانت الشجرة التي نهى الله عنها آدم وزوجته السنبلة، فلما أكلا منها بدت لهما سوآتهما، وكان الذي دارى عنهما من سوآتهما أظفارهما، {وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة} ورق التين يلزقان بعضه إلى بعض، فانطلق آدم موليا في الجنة، فأخذت برأسه شجرة من شجر الجنة، فناداه به: يا آدم أمني تفر؟ قال: لا ولكني استحيتك يا رب، قال: أما كان لك فيما منحتك من الجنة وأبحتك منها مندوحة عما حرمت عليك؟ قال: بلى يا رب ولك -وعزتك- ما حسبت أن أحدا يحلف بك كاذبا، قال: فبعزتي لأهبطنك إلى الأرض ثم لا تنال العيش إلا كدا، فأهبطا من الجنة، وكانا يأكلان منها رغدا فأهبط إلى غير رغد من طعام ولا شراب، فعلم صنعة الحديد وأمر بالحرث فحرث فزرع ثم سقى، حتى إذا بلغ حصد درسه ثم ذراه ثم طحنه عجنه ثم خبزه ثم أكله، فلم يبلغه حتى بلغ منه ما شاء الله أن يبلغ، وكان آدم حين أهبط من الجنة بكى بكاء لم يبكه أحد، فلو وضع بكاء داود على خطيئته، وبكاء يعقوب على ابنه، وبكاء ابن آدم على أخيه حين قتله، ثم بكاء أهل الأرض ما عدل ببكاء آدم عليه السلام حين أهبط».
وأخرج ابن عساكر عن عبد العزيز بن عميرة قال: «قال الله لآدم: اخرج من جواري وعزتي، لا يجاورني في داري من عصاني، يا جبريل أخرجه إخراجا غير عنيف، فأخذ بيده يخرجه».
وأخرج ابن إسحاق في المبتدأ، وابن سعد وأحمد، وعبد بن حميد، وابن أبي الدنيا في التوبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه ابن مردويه، والبيهقي في البعث والنشور، عن أبي بن كعب، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال:
«إن آدم كان رجلا طوالا كأنه نخلة سحوق ستين ذراعا كثير شعر الرأس، فلما ركب الخطيئة بدت له عورته وكان لا يراها قبل ذلك، فانطلق هاربا في الجنة فتعلقت به شجرة فأخذت بناصيته، فقال لها: أرسليني، قال: لست بمرسلتك، وناداه ربه: يا آدم أمني تفر؟ قال: يا رب إني استحييتك، قال: يا آدم اخرج من جواري، فبعزتي لا أساكن من عصاني، ولو خلقت ملء الأرض مثلك خلقا ثم عصوني لأسكنتهم دار العاصين، قال: أرأيت إن أنا تبت ورجعت أتتوب علي؟ قال: نعم، يا آدم».
وأخرج ابن عساكر من حديث أنس، مثله.
وأخرج ابن منيع، وابن أبي الدنيا في كتاب البكاء، وابن المنذر وأبو الشيخ في العظمة والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب، وابن عساكر عن ابن عباس قال:
«قال الله لآدم: يا آدم ما حملك على أن أكلت من الشجرة التي نهيتك عنها؟ قال: يا رب زينته لي حواء، قال: فإني عاقبتها بأن لا تحمل إلا كرها ولا تضع إلا كرها، ودميتها في كل شهر مرتين، قال: فرنت حواء عند ذلك، فقيل لها: عليك الرنة وعلى بناتك».
وأخرج الدارقطني في الأفراد، وابن عساكر، عن عمر بن الخطاب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله بعث جبريل إلى حواء حين دميت فنادت ربها جاء مني دم لا أعرفه، فناداها لأدمينك وذريتك ولأجعلنه لك كفارة وطهورا».
وأخرج البخاري والحاكم عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم، ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها».
وأخرج البيهقي في الدلائل والخطيب في التاريخ والديلمي في مسند الفردوس، وابن عساكر بسند واه عن ابن عمر مرفوعا: «فضلت على آدم بخصلتين، كان شيطاني كافرا فأعانني الله عليه حتى أسلم، وكان أزواجي عونا لي، وكان شيطان آدم كافرا وزوجته عونا له على خطيئته».
وأخرج ابن عساكر في حديث أبي هريرة مرفوعا، مثله.
وأخرج ابن عساكر عن عبد الرحمن بن زيد:
«أن آدم ذكر محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: إن أفضل ما فضل به علي ابني صاحب البعير، إن زوجته كانت عونا له على دينه، وكانت زوجتي عونا لي على الخطيئة».
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجه، وابن أبي حاتم والآجري في الشريعة والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«تحاج آدم وموسى فحج آدم موسى، فقال موسى: أنت آدم الذي أغويت الناس وأخرجتهم من الجنة، فقال له آدم: أنت موسى الذي أعطاه الله كل شيء واصطفاه برسالته، قال: نعم، قال: فتلومني على أمر قدر علي قبل أن أخلق».
وأخرج عبد بن حميد في مسنده، وابن مردويه، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «احتج آدم وموسى، فقال موسى: أنت خلقك الله بيده أسكنك جنته وأسند لك ملائكته، فأخرجت ذريتك من الجنة وأشقيتهم، فقال آدم: أنت موسى الذي اصطفاك الله بكلامه ورسالاته، تلومني في شيء وجدته قد قدر علي قبل أن أخلق، فحج آدم موسى».
وأخرج أبو داود والآجري في الشريعة، والبيهقي في الأسماء والصفات، عن عمر بن الخطاب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن موسى قال: «يا رب أرنا آدم الذي أخرجنا ونفسه من الجنة، فأراه الله آدم، فقال: أنت أبونا آدم، فقال له آدم: نعم، قال: أنت الذي نفخ الله فيك من روحه، وعلمك الأسماء كلها، وأمر الملائكة فسجدوا لك، قال: نعم، فقال: ما حملك على أن أخرجتنا من الجنة؟ فقال له آدم: ومن أنت؟ قال: موسى، قال: أنت نبي بني إسرائي الذي كلمك الله من وراء الحجاب لم يجعل بينك وبينه رسولا من خلقه، قال: نعم، قال: فما وجدت إن ذلك كان في كتاب الله قبل أن أخلق، قال: نعم، قال: فلم تلومني في شيء سبق فيه من الله القضاء قبل»،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: «فحج آدم موسى، فحج آدم موسى».
وأخرج النسائي وأبو يعلى والطبراني والآجري عن جندب البجلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «احتج آدم وموسى؛ فقال موسى: يا آدم أنت الذي خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، وأسكنك جنته، وفعلت ما فعلت فأخرجت ولدك من الجنة، فقال آدم: أنت موسى الذي بعثك الله رسالته وكلمك وآتاك التوراة وقربك نجيا، أنا أقدم أم الذكر؟»،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فحج آدم موسى».
وأخرج أبو بكر الشافعي في الغيلانيات عن أبي موسى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «احتج آدم وموسى، فقال موسى: أنت آدم الذي خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وعملت الخطيئة التي أخرجتك من الجنة، قال آدم: أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته، وأنزل عليك التوراة، وكلمك تكليما، فبكم خطيئتي سبقت خلقي؟»،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فحج آدم موسى».
وأخرج ابن النجار عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «التقى آدم وموسى عليهما السلام، فقال له موسى: أنت آدم الذي خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وأدخلك جنته، ثم أخرجتنا منها، فقال له آدم: أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته، وقربك نجيا، وأنزل عليك التوراة، فأسألك بالذي أعطاك ذلك بكم تجده كتب علي قبل أن أخلق؟ قال: أجده كتب عليك بالتوراة بألفي عام، فحج آدم موسى»). [الدر المنثور: 1/ 285-294]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أما قوله تعالى {وقلنا اهبطوا} الآية.
أخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو} قال:
«آدم وحواء وإبليس والحية، {ولكم في الأرض مستقر}»، قال: «القبور»، {ومتاع إلى حين} قال: «الحياة».
وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {اهبطوا بعضكم لبعض عدو} قال: «آدم والحية والشيطان».
وأخرج أبو الشيخ عن قتادة عن أبي صالح قال: {اهبطوا} قال: «آدم وحواء والحية».
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال:
«{اهبطوا} يعني: آدم وحواء وإبليس».
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الحيات، فقال:
«خلقت هي والإنسان كل واحد منهما عدو لصاحبه، إن رآها أفزعته وإن لدغته أوجعته، فاقتلها حيث وجدتها».
وأخرج أبو الشيخ عن ابن مسعود في قوله: {ولكم في الأرض مستقر}: «فوق الأرض ومستقر تحت الأرض»، قال: «{ومتاع إلى حين} حتى يصير إلى الجنة أو إلى النار».
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال:«أهبط آدم إلى أرض يقال لها: دجنا بين مكة والطائف».
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر قال: «أهبط آدم بالصفا، وحواء بالمروة».
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس: «أن أول ما أهبط الله آدم إلى أرض الهند»، وفي لفظ: «بدجناء أرض الهند».
وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه والبيهقي في البعث، وابن عساكر عن ابن عباس قال: قال علي بن أبي طالب: «أطيب ريح الأرض الهند، أهبط بها آدم فعلق ريحها من شجر الجنة».
وأخرج ابن سعد، وابن عساكر عن ابن عباس قال:«أهبط آدم بالهند، وحواء بجدة، فجاء في طلبها، حتى أتى جمعا فازدلفت إليه حواء، فلذلك سميت المزدلفة، واجتمعا بجمع فلذلك سميت جمعا».
وأخرج ابن أبي حاتم عن رجاء بن أبي سلمة قال: «أهبط آدم يديه على ركبتيه مطأطئا رأسه، وأهبط إبليس مشبكا بين أصابعه رافعا رأسه إلى السماء».
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن حميد بن هلال قال: «إنما كره التخصر في الصلاة لأن إبليس أهبط متخصرا».
وأخرج الطبراني وأبو نعيم في الحلية، وابن عساكر عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نزل آدم عليه السلام بالهند فاستوحش، فنزل جبريل بالأذان: الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله مرتين، أشهد أن محمد رسول الله مرتين، فقال: ومن محمد هذا؟ قال: هذا آخر ولدك من الأنبياء».
وأخرج ابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان، وابن المنذر، وابن عساكر، عن جابر بن عبد الله قال: «إن آدم لما أهبط إلى الأرض هبط بالهند، وإن رأسه كان ينال السماء، وإن الأرض شكت إلى ربها ثقل آدم، فوضع الجبار تعالى يده على رأسه ،فانحط منه سبعون ذراعا وهبط معه بالعجوة والأترنج والموز، فلما أهبط قال: رب هذا العبد الذي جعلت بيني وبينه عداوة، إن لم تعني عليه لا أقوى عليه، قال: لا يولد لك ولد إلا وكلت به ملكا، قال: رب زدني، قال: أجازي السيئة بالسيئة وبالحسنة عشرة أمثالها إلى ما أزيد، قال: رب زدني، قال: باب التوبة له مفتوح ما دام الروح في الجسد،
قال إبليس: يا رب هذا العبد الذي أكرمته إن لم تعني عليه لا أقوى عليه، قال: لا يولد له ولد إلا ولد لك ولد، قال: يا رب زدني، قال: تجري منه مجرى الدم، وتتخذ في صدروهم بيوتا، قال: رب زدني، قال: {أجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد} [الإسراء: 64]».
وأخرج ابن سعد عن ابن عباس قال:
«لما خلق الله آدم كان رأسه يمس السماء، فوطاه الله إلى الأرض، حتى صار ستين ذراعا في سبعة أذرع عرضا».
وأخرج الطبراني عن عبد الله بن عمر قال: «لما أهبط الله آدم أهبطه بأرض الهند، ومعه غرس من شجر الجنة، فغرسه بها، وكان رأسه في السماء ورجلاه في الأرض، وكان يسمع كلام الملائكة فكان ذلك يهون عليه وحدته، فغمز غمزة فتطأطأ إلى سبعين ذراعا، فأنزل الله أني منزل عليك بيتا، يطاف حوله كما تطوف الملائكة حول عرشي، ويصلى عنده كما تصلي الملائكة حول عرشي، فأقبل نحو البيت، فكان موضع كل قدم قرية، وما بين قدميه مفازة، حتى قدم مكة فدخل من باب الصفا، وطاف بالبيت وصلى عنده، ثم خرج إلى الشام فمات بها».
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن مجاهد قال: «لما أهبط آدم إلى الأرض فزعت الوحوش ومن في الأرض من طوله، فأطر منه سبعون ذراعا».
وأخرج ابن جرير في تاريخه والبيهقي في شعب الإيمان، وابن عساكر عن ابن عباس قال:«إن آدم حين خرج من الجنة كان لا يمر بشيء إلا عنت به، فقيل للملائكة: دعوه فليتزود منها ما شاء، فنزل حين نزل بالهند، ولقد حج منها أربعين حجة على رجليه».
وأخرج سعيد بن منصور عن عطاء بن أبي رياح قال: «هبط آدم بأرض الهند ومعه أعواد أربعة من أعواد الجنة، وهي هذه التب تتطيب بها الناس، وأنه حج هذا البيت على بقرة».
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس قال: «أخرج آدم من الجنة للساعة التاسعة أو العاشرة، فأخرج معه غصنا من شجر الجنة على رأسه تاج من شجر الجنة».
وأخرج ابن أبي حاتم، وابن عساكر عن الحسن قال: «أهبط آدم بالهند، وهبطت حواء بجدة، وهبط إبليس بدست بيسان البصرة على أميال، وهبطت الحية بأصبهان».
وأخرج ابن جرير في تاريخه عن ابن عمر قال: «إن الله أوحى إلى آدم وهو ببلاد الهند إن حج هذا البيت فحج، فكلما وضع قدميه صار قرية ومابين خطوتيه مفازة حتى انتهى إلى البيت، فطاف به وقضى المناسك كلها، ثم أراد الرجوع فمضى حتى إذا كان بالمازمين تلقته الملائكة، فقالت: بر حجك يا آدم، فدخله من ذلك، فلما رأت ذلك الملائكة منه، قالت: يا آدم إنا قد حججنا هذا قبلك قبل أن تخلق بألفي عام، فتقاصرت إليه نفسه».
وأخرج الشافعي في الأم والبيهقي في الدلائل والأصبهاني في الترغيب عن محمد بن كعب القرظي قال: «حج آدم عليه السلام، فلقيته الملائكة فقالوا: بر نسكك يا آدم، لقد حججنا قبلك بألفي عام».
وأخرج الخطيب في التاريخ بسند فيه من لا يعرف، عن يحيى بن أكثم أنه قال في مجلس الواثق: من حلق رأس آدم حين حج؟ فتعايا الفقهاء عن الجواب، فقال الواثق: أنا أحضر من ينبئكم بالخبر، فبعث إلى علي بن محمد بن جعفر بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحين بن علي بن أبي طالب فسأله، فقال: حدثني أبي، عن جدي، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمر جبريل أن ينزل بياقوتة من الجنة، فهبط بها فمسح بها رأس آدم، فتناثر الشعر منه، فحيث بلغ نورها صار حرما».
وأخرج البزار، وابن أبي حاتم والطبراني عن أبي موسى الأشعري، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله لما أخرج آدم من الجنة زوده من ثمار الجنة، وعلمه صنعة كل شيء، فثماركم من ثمار الجنة، غير أن هذه تتغير وتلك لا تتغير».
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم والحاكم وصحه والبيهقي في البعث عن أبي موسى الأشعري، موقوفا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال:
«أهبط آدم بثلاثين صنفا من فاكهة الجنة، منها ما يؤكل داخله وخارجه، ومنها ما يؤكل داخله ويطرح خارجه، ومنها ما يؤكل خارجه ويطرح داخله».
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب البكاء عن علي بن أبي طلحة قال: «أول شيء أكله آدم حين أهبط إلى الأرض الكمثرى، وأنه لما أراد أن يتغوط أخذه من ذلك كما يأخذ المرأة عند الولادة، فذهب شرقا وغربا لا يدري كيف يصنع، حتى نزل إليه جبريل فأقعى آدم فخرج ذلك منه، فلما وجد ريحه مكث يبكي سبعين سنة».
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: «ثلاثة أشياء أنزلت مع آدم: السندان والكلبتان والمطرقة».
وأخرج ابن عدي، وابن عساكر في التاريخ بسند ضعيف عن سلمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن آدم أهبط إلى الأرض ومعه السندان والكلبتان والمطرقة وأهبطت حواء بجدة».
وأخرج ابن عساكر من طريق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، قال: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم:«إن الله لما خلق الدنيا لم يخلق فيها ذهبا ولا فضة، فلما أن أهبط آدم وحواء أنزل معهما ذهبا وفضة، فسلكه ينابيع الأرض، منفعة لأولادهما من بعدهما، وجعل ذلك صداق آدم لحواء، فلا ينبغي لأحد أن يتزوج إلا بصداق».
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال:«لما أهبط الله آدم أهبطه بأشياء ثمانية: أزواج من الأبل والبقر والضأن والمعز، وأهبطه بباسنة فيها بذر، وتعريشة عنبة، وريحانة». والباسنة: قيل: آلات الصناع، وقيل: هي سكة الحرث، وليس بعربي محض.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن السري بن يحيى قال:
«أهبط آدم من الجنة ومعه البذور، فوضع إبليس عليها يده فما أصاب يده ذهيت منفعته».
وأخرج ابن عساكر بسند ضعيف عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هبط آدم وحواء عريانيين جميعا عليهما ورق الجنة، فأصابه الحر حتى قعد يبكي، ويقول لها: يا حواء قد آذاني الحر، فجاءه جبريل بقطن وأمرها أن تغزل وعلمها، وعلم آدم وأمر آدم بالحياكة وعلمه، وكان لم يجامع إمرائته في الجنة حتى هبط منها، وكان كل منهما ينام على حدة، حتى جاءه جبريل فأمره أن يأتي أهله، وعلمه كيف يأيتها، فلما أتاها جاءه جبريل، فقال: كيف وجدت إمرأتك؟ قال: صالحة».
وأخرج الديلمي في مسند الفردوس عن أنس مرفوعا:
«أول من حاك آدم عليه السلام».
وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال: «كان آدم عليه السلام حراثا، وكان إدريس خياطا، وكان نوح نجارا، وكان هود تاجرا، وكان إبراهيم راعيا، وكان داود زرادا، وكان سليمان خواصا، وكان موسى أجيرا، وكان عيسى سياحا، وكان محمد صلى الله عليه وسلم شجاعا جعل رزقه تحت رمحه».

وأخرج الحاكم عن ابن عباس أنه قال لرجل عنده: «إدن مني أحدثك عن الأنبياء المذكورين في كتاب الله، أحدثك عن آدم كان حراثا، وعن نوح كان نجارا، وعن إدريس كان خياطا، وعن داود كان زرادا، وعن موسى كان راعيا، وعن إبراهيم كان زراعا عظيم الضيافة، وعن شعيب كان راعيا، وعن لوط كان زراعا، وعن صالح كان تاجرا، وعن سليمان كان ولي الملك، ويصوم من الشهر ستة أيام في أوله وثلاثة في وسطه وثلاثة في آخره، وكان له تسعمائة سرية وثلاثمائة مهرية، وأحدثك عن ابن العذراء البتول عيسى، أنه كان لا يخبىء شيئا لغد، ويقول: الذي غداني سوف يعشيني والذي عشاني سوف يغديني، ويعبد الله ليلته كلها وهو بالنهار يسبح ويصوم الدهر، ويقوم الليل كله».
وأخرج أبو الشيخ والبيهقي، وابن عساكر عن ابن عباس قال:
«
نزل آدم بالحجر الأسود من الجنة، يمسح به دموعه، ولم ترق دموع آدم حين خرج من الجنة حتى رجع إليها».
وأخرج أبو الشيخ، عن جابر بن عبد الله قال: «
إن آدم لما أهبط إلى الأرض شكا إلى ربه الوحشة، فأوحى الله إليه: أن أنظر بحيال بيتي الذي رأيت ملائكتي يطوفون به، فاتخذ بيتا فطف به كما رأيت ملائكتي يطوفون به، فكان ما بين يديه مفاوز وما بين قدميه الأنهار والعيون».
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: «
نزل آدم بالهند، فنبتت شجرة الطيب».
وأخرج ابن سعد عن ابن عباس قال: «
خرج آدم من الجنة بين الصلاتين، صلاة الظهر وصلاة العصر، فأنزل إلى الأرض، وكان مكثه في الجنة نصف يوم من أيام الآخرة، وهو خمسمائة سنة من يوم كان مقداره اثنتي عشرة ساعة، واليوم ألف سنة مما يعد أهل الدنيا، فأهبط آدم على جبل بالهند يقال له: نود، وأهبطت حواء بجدة، فنزل آدم معه ريح الجنة، فعلق بشجرها وأوديتها، فامتلأ ما هنالك
طيبا، ثم يؤتى بالطيب من ريح آدم، وقالوا: أنزل عليه من طيب الجنة أيضا، وأنزل معه الحجر الأسود وكان أشد بياضا من الثلج، وعصا موسى وكانت من آس الجنة، طولها عشرة أذرع على طول موسى، ومر ولبان، ثم أنزل عليه بعد السندان والكلبة والمطرقتان، فنظر آدم حين أهبط على الجبل إلى قضيب من حديد نابت على الجبل، فقال: هذا من هذا، فجعل يكسر أشجارا قد عتقت ويبست بالمطرقة، ثم أوقد على ذلك القضيب حتى ذاب، فكان أول شيء ضرب منه مدية، فكان يعمل بها، ثم ضرب التنور وهو الذي ورثه نوح، وهو الذي فار بالهند بالعذاب، فلما حج آدم عليه السلام وضع الحجر الأسود على أبي قبيس، فكان يضيء لأهل مكة في ليالي الظلم كما يضيء القمر، فلما كان قبيل الإسلام بأربع سنين وقد كان الحيض والجنب يعمدون إليه يمسحونه فاسود، فأنزلته قريش من أبي قبيس، وحج آدم من الهند أربعين حجة إلى مكة على رجليه، وكان آدم حين أهبط يمسح رأسه السماء، فمن ثم صلع، وأورث ولده الصلع، ونفرت من طوله دواب البر، فصارت وحشا يومئذ، وكان آدم وهو على ذلك الجبل قائما يسمع أصوات الملائكة ويجد ريح الجنة، فهبط من طوله ذلك إلى ستين ذراعا فكان ذلك طوله حتى مات، ولم يجمع حسن آدم لأحد من ولده إلا ليوسف عليه السلام، وأنشأ آدم يقول: رب كنت جارك في دارك، ليس لي رب غيرك ولا رقيب دونك، آكل فيها رغدا وأسكن حيث أحببت، فأهبطتني إلى هذا الجبل المقدس، فكنت أسمع أصوات الملائكة وأراهم كيف يحفون بعرشك وأجد ريح الجنة وطيبها، ثم أهبطتني إلى الأرض وحططتني إلى ستين ذراعا، فقد انقطع عني الصوت والنظر وذهب عني ريح الجنة، فأجابه الله تبارك وتعالى: لمعصيتك يا آدم فعلت ذلك بك، فلما رأى الله عري آدم وحواء أمره أن يذبح كبشا من الضأن من الثمانية الأزواج التي أنزل الله من الجنة، فأخذ آدم كبشا وذبحه، ثم أخذ صوفه فغزلته حواء ونسجته هو فنسج آدم جبة لنفسه وجعل لحواء درعا وخمارا فلبساه، وقد كانا اجتمعا بجمع فسميت (جمعا، وتعارفا بعرفة فسميت عرفة، وبكيا على ما فاتهما مائة سنة، ولم يأكلا ولم يشربا أربعين يوما، ثم أكلا وشربا وهما يومئذ على نود الجبل الذي أهبط عليه آدم، ولم يقرب حواء مائة سنة
».

وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس: «أن آدم كان لغته في الجنة العربية، فلما عصى سلبه الله العربية فتكلم بالسريانية، فلما تاب رد عليه العربية».

وأخرج أبو نعيم، وابن عساكر عن مجاهد قال: «أوحى الله إلى الملكين: أخرجا آدم وحواء من جواري فإنهما عصياني، فالتفت آدم إلى حواء باكيا، وقال: استعدي للخروج من جوار الله، هذا أول شؤم المعصية، فنزع جبريل التاج عن رأسه، وحل ميكائيل الأكليل عن جبينه، وتعلق به غصن، فظن آدم أنه قد عوجل بالعقوبة، فنكس رأسه يقول: العفو العفو، فقال الله: فرار مني، فقال: بل حياء منك يا سيدي».
وأخرج إسحاق بن بشر، وابن عساكر عن عطاء: «أن آدم لما أهبط من الجنة خر في موضع البيت ساجدا فمكث أربعين سنة لا يرفع رأسه».
وأخرج ابن عساكر عن قتادة قال: «لما أهبط الله آدم إلى الأرض قيل له: لن تأكل الخبز بالزيت حتى تعمل عملا مثل الموت».
وأخرج ابن عساكر عن عبد الملك بن عمير قال:
«لما أهبط آدم وإبليس ناح إبليس حتى بكى آدم ثم حدا ثم ضحك».
وأخرج ابن عساكر عن الحسن قال بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«إن آدم قبل أن يصيب الذنب كان أجله بين عينيه وأمله خلفه، فلما أصاب الذنب جعل الله أمله بين عينيه وأجله خلفه، فلا يزال يؤمل حتى يموت».
وأخرج وكيع وأحمد في الزهد عن الحسن قال:
«كان آدم قبل أن يصيب الخطيئة أجله بين عينيه وأمله وراء ظهره، فلما أصاب الخطيئة حول أمله بين عينيه وأجله وراء ظهره».
وأخرج ابن عساكر عن الحسن قال: «كان عقل آدم مثل عقل جميع ولده».
وأخرج ابن عساكر عن الحسن:
«أن آدم لما أهبط إلى الأرض تحرك بطنه، فأخذ لذلك غم فجعل لا يدري كيف يصنع، فأوحى الله إليه: أن أقعد، فقعد، فلما قضى حاجته فوجد الريح، جزع وبكى وعض على إصبعه، فلم يزل يعض عليها ألف عام».
وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال:
«بكى آدم حين أهبط من الجنة بكاء لم يبكه أحد، فلو أن بكاء جميع بني آدم مع بكاء داود على خطيئته ما عدل بكاء آدم حين أخرج من الجنة، ومكث أربعين سنة لا يرفع رأسه إلى السماء».
وأخرج الطبراني في الأوسط، وابن عدي في الكامل والبيهقي في شعب الإيمان والخطيب، وابن عساكر معا في التاريخ عن بريدة يرفعه قال:
«لو أن بكاء داود وبكاء جميع أهل الأرض يعدل بكاء آدم ما عدله»، ولفظ البيهقي: «لو وزن دموع آدم بجميع دموع ولده لرجحت دموعه على جميع دموع ولده».
وأخرج ابن سعد عن الحسن قال:«بكى آدم على الجنة ثلثمائة سنة».
وأخرج ابن عساكر عن مجاهد قال:
«إن الله لما أهبط آدم وحواء قال: اهبطوا إلى الأرض فلدوا للموت وابنوا للخراب».
وأخرج ابن المبارك في الزهد عن مجاهد قال:
«لما أهبط آدم إلى الأرض قال له ربه عز وجل: ابن للخراب ولد للفناء».
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن سعيد بن جبير قال:
«لما أهبط آدم إلى الأرض كان فيها نسر وحوت في البحر، ولم يكن في الأرض غيرهما، فلما رأى النسر آدم وكان يأوي إلى الحوت ويبيت عنده كل ليلة، قال: يا حوت لقد أهبط اليوم إلى الأرض شيء يمشي على رجليه ويبطش بيده، فقال له الحوت: لئن كنت صادقا مالي في البحر منه منجى، ولا لك في البر»). [الدر المنثور: 1/ 294-313]

تفسير قوله تعالى: {فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)}
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وحدثني عبد الرحمن بن مهدي عن الثوري، عن خصيف الجزري، عن مجاهد وسعيد بن جبير في قول الله: {فتلقى آدم من ربه كلماتٍ فتاب عليه}: {قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين}). [الجامع في علوم القرآن: 1/ 112]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا الثوري، عن عبد العزيز، ثني وعبيد عن عبيد بن عمير، قال:
«قال آدم لربه وذكر خطيئته: رب أرأيت خطيئتي التي عصيتك بها أشيء كتبته علي قبل أن تخلقني أم شيء ابتدعته من نفسي؟ قال: بل شيء كتبته عليك قبل أن أخلقك، قال: فكما كتبته علي فاغفره لي، قال: فذلك قوله: {فتلقى آدم من ربه كلمات}، وهو قوله: {ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين}»). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 44]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: {فتلقى آدم من ربه كلمات}:
«وهو قوله: {ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين}»). [تفسير عبد الرزاق: 1 /44]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ([قوله تعالى: {فتلقّى آدم من ربّه كلماتٍ فتاب عليه إنّه هو التّوّاب الرّحيم}]
- نا الحسن بن يزيد الأصمّ، قال: سمعت السّدّي يقول في قوله عزّ وجلّ: {فتلقّى آدم من ربّه كلماتٍ فتاب عليه إنّه هو التّوّاب الرّحيم} قال:
«ربّ خلقتني بيدك، ونفخت فيّ من روحك، فسبقت رحمتك غضبك، أرأيت إن تبت، وأصلحت، هل أنت رادّني إلى الجنّة؟»، قال: «قيل: نعم»). [سنن سعيد بن منصور: 2/ 552]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فتلقّى آدم من ربّه كلماتٍ}
أمّا تأويل قوله: {فتلقّى آدم} فإنّه: أخذ وقبل، وأصله التّفعّل من اللّقاء كما يتلقّى الرّجل الرّجل يستقبله عند قدومه من غيبةٍ أو سفرٍ، فكذلك ذلك في قوله: {فتلقّى} كأنّه استقبله فتلقّاه بالقبول، حين أوحى إليه، أو أخبر به.
فمعنى ذلك إذًا: فلقّى اللّه آدم كلمات توبةٍ فتلقّاها آدم من ربّه وأخذها عنه تائبًا فتاب اللّه عليه بقيله إيّاها وقبوله إيّاها من ربّه.
- كما حدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: في قوله: {فتلقّى آدم من ربّه كلماتٍ} الآية. قال:
«لقّاهما هذه الآية:{ربّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين}».
وقد قرأ بعضهم: (فتلقّى آدم من ربّه كلماتٌ) فجعل الكلمات هي المتلقيّة آدم. وذلك وإن كان من وجهة العربيّة جائزًا إذ كان كلّ ما تلقّاه الرّجل فهو له متلقٍّ وما لقيه فقد لقيه، فصار للمتكلّم أن يوجّه الفعل إلى أيّهما شاء ويخرج من الفعل أيّهما أحبّ، فغير جائزٍ عندي في القراءة إلاّ رفع آدم على أنّه المتلقّي الكلمات لإجماع الحجّة من القرّاء وأهل التّأويل من علماء السّلف والخلف على توجيه التّلقّي إلى آدم دون الكلمات، وغير جائزٍ الاعتراض عليها فيما كانت عليه مجمعةً بقول من يجوز عليه السّهو والخطأ.
واختلف أهل التّأويل في أعيان الكلمات الّتي تلقّاها آدم من ربّه؛
- فقال بعضهم بما حدّثنا به أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن عطيّة، عن قيسٍ، عن ابن أبي ليلى، عن المنهال بن عمرٍو، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ:
«{فتلقّى آدم من ربّه كلماتٍ فتاب عليه} قال: أي ربّ! ألم تخلقني بيدك؟ قال: بلى، قال: أي ربّ! ألم تنفخ فيّ من روحك؟ قال: بلى، قال: أي ربّ! ألم تسكنّي جنّتك؟ قال: بلى، قال: أي ربّ! ألم تسبق رحمتك غضبك؟ قال: بلى، قال: أرأيت إن تبت وأصلحت أراجعي أنت إلى الجنّة؟ قال: بلى».
قال: «فهو قوله: {فتلقّى آدم من ربّه كلماتٍ}».
- وحدّثني عليّ بن الحسن، قال: حدّثنا مسلمٌ، قال: حدّثنا محمّد بن مصعبٍ، عن قيس بن الرّبيع، عن عاصم بن كليبٍ، عن سعيد بن معبد، عن ابن عبّاسٍ نحوه.
- وحدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: قوله: {فتلقّى آدم من ربّه كلماتٍ فتاب عليه} قال:
«إنّ آدم قال لربّه إذ عصاه: ربّ أرأيت إن أنا تبت وأصلحت؟ فقال له ربّه: إنّي راجعك إلى الجنّة».
- وحدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، عن سعيدٍ، عن قتادة:
«قوله: {فتلقّى آدم من ربّه كلماتٍ} ذكر لنا أنّه قال: يا ربّ أرأيت إن أنا تبت وأصلحت؟ قال: إنّي إذًا راجعك إلى الجنّة».
قال: وقال الحسن: «إنّهما قالا: {ربّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين}».
- وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا آدم العسقلانيّ، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: في قوله: {فتلقّى آدم من ربّه كلماتٍ} قال:
«إنّ آدم لمّا أصاب الخطيئة، قال: يا ربّ أرأيت إن تبت وأصلحت؟ فقال اللّه: إذًا أرجعك إلى الجنّة فهي من الكلمات. ومن الكلمات أيضًا:{ربّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين}».
- وحدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ:
«{فتلقّى آدم من ربّه كلماتٍ} قال: ربّ ألم تخلقني بيدك؟ قيل له: بلى، قال: ونفخت فيّ من روحك؟ قيل له: بلى، قال: وسبقت رحمتك غضبك؟ قيل له: بلى، قال: ربّ هل كتبت هذا عليّ؟ قيل له: نعم، قال: ربّ إن تبت وأصلحت هل أنت راجعي إلى الجنّة؟ قيل له: نعم. قال اللّه تعالى: {ثمّ اجتباه ربّه فتاب عليه وهدى}».
- وقال آخرون بما حدّثنا به، محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، قال: حدّثنا سفيان، عن عبد العزيز بن رفيعٍ، قال: حدّثني من سمع عبيد بن عميرٍ، يقول:
«قال آدم: يا ربّ خطيئتي الّتي أخطأتها أشيءٌ كتبته عليّ قبل أن تخلقني، أو شيءٌ ابتدعته من قبل نفسي؟ قال: بل شيءٌ كتبته عليك قبل أن أخلقك. قال: فكما كتبته عليّ فاغفره لي». قال: «فهو قول اللّه: {فتلقّى آدم من ربّه كلماتٍ}».
- وحدّثنا ابن بشار، قال: حدّثنا مؤمّلٌ، قال: حدّثنا سفيان، عن عبد العزيز بن رفيعٍ، عن مجاهد، عن عبيد بن عميرٍ بمثله.
- وحدّثنا ابن بشار، قال: حدّثنا وكيع بن الجرّاح، قال: حدّثنا سفيان، عن عبد العزيز بن رفيعٍ، عمّن سمع عبيد بن عميرٍ يقول:
«قال آدم»، فذكر نحوه.
- وحدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن عبد العزيز، عن عبيد بن عميرٍ مثله.
- وحدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن عبد العزيز بن رفيعٍ، قال: أخبرني من سمع عبيد اللّه بن عميرٍ بنحوه.
- وقال آخرون بما حدّثني به، أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن شريكٍ، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا حصين بن عبد الرّحمن، عن حميد بن نبهانٍ، عن عبد الرّحمن بن يزيد بن معاوية أنّه قال:
«قوله: {فتلقّى آدم من ربّه كلماتٍ فتاب عليه} قال آدم: اللّهمّ لا إله إلاّ أنت سبحانك وبحمدك، أستغفرك وأتوب إليك، تب عليّ إنّك أنت التّوّاب الرّحيم».
- وحدّثني المثنّى بن إبراهيم، قال: حدّثنا أبو غسّان، قال: حدّثنا زهيرٍ، وحدّثنا أحمد بن إسحاق الأهوازيّ، قال: أخبرنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، وقيسٌ، جميعًا عن خصيفٍ، عن مجاهدٍ: في قوله: {فتلقّى آدم من ربّه كلماتٍ} قال:
«قوله: {ربّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا}»، حتّى فرغ منها.
- وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثني شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ كان يقول في قول اللّه: {فتلقّى آدم من ربّه كلماتٍ}:
«الكلمات: اللّهمّ لا إله إلاّ أنت سبحانك وبحمدك، ربّ إنّي ظلمت نفسي فاغفر لي إنّك خير الغافرين. اللّهمّ لا إله إلاّ أنت سبحانك وبحمدك، ربّي إنّي ظلمت نفسي فارحمني إنّك خير الرّاحمين. اللّهمّ لا إله إلاّ أنت سبحانك وبحمدك، ربّ إنّي ظلمت نفسي فتب عليّ إنّك أنت التّوّاب الرّحيم».
- وحدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن النّضر بن عربيٍّ، عن مجاهدٍ: {فتلقّى آدم من ربّه كلماتٍ} قال:
«هو قوله: {ربّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا} الآية».
- وحدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: «{فتلقّى آدم من ربّه كلماتٍ} قال: أي ربّ أتتوب عليّ إن تبت؟ قال: نعم. فتاب آدم، فتاب عليه ربّه».
- وحدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: في قوله: {فتلقّى آدم من ربّه كلماتٍ} قال:«هو قوله: {ربّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين}».
- حدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ:
«هو قوله: {ربّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين}».

وهذه الأقوال الّتي حكيناها عمّن حكيناها عنه وإن كانت مختلفة الألفاظ، فإنّ معانيها متّفقةٌ في أنّ اللّه جلّ ثناؤه لقّى آدم كلماتٍ، فتلقّاهنّ آدم من ربّه فقبلهنّ وعمل بهنّ وتاب بقيله إيّاهنّ وعمله بهنّ إلى اللّه من خطيئته، معترفًا بذنبه متنصّلاً إلى ربّه من خطيئته، نادما على ما سلف منه من خلاف أمره. فتاب اللّه عليه بقبوله الكلمات الّتي تلقّاهنّ منه وندمه على سالف الذّنب منه.
والّذي يدلّ عليه كتاب اللّه أنّ الكلمات الّتي تلقّاهنّ آدم من ربّه هنّ الكلمات الّتي أخبر اللّه عنه أنّه قالها متنصّلاً بقيلها إلى ربّه معترفًا بذنبه وهو قوله: {ربّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين} وليس ما قاله من خالف قولنا هذا من الأقوال الّتي حكيناها بمدفوعٍ قوله، ولكنّه قولٌ لا شاهد عليه من حجّةٍ يجب التّسليم لها فيجوز لنا إضافته إلى آدم، وأنّه ممّا تلقّاه من ربّه عند إنابته إليه من ذنبه.
وهذا الخبر الّذي أخبر اللّه عن آدم من قيله الّذي لقّاه إيّاه فقاله تائبًا إليه من خطيئته، تعريفٌ منه جلّ ذكره جميع المخاطبين بكتابه كيفيّة التّوبة إليه من الذّنوب، وتنبيهٌ للمخاطبين بقوله: {كيف تكفرون باللّه وكنتم أمواتًا فأحياكم} على موضع التّوبة ممّا هم عليه من الكفر باللّه، وأنّ خلاصهم ممّا هم عليه مقيمون من الضّلالة نظير خلاص أبيهم آدم من خطيئته مع تذكيره إيّاهم من السّالف إليهم من النّعم الّتي خصّ بها أباهم آدم وغيره من آبائهم). [جامع البيان: 1/ 579-587]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فتاب عليه}.
وقوله: {فتاب عليه} يعني على آدم، والهاء الّتي في {عليه} عائدةٌ على آدم، وقوله: {فتاب عليه} يعني رزقه التّوبة من خطيئته. والتّوبة معناها الإنابة إلى اللّه والأوبة إلى طاعته ممّا يكره من معصيته).
[جامع البيان: 1 /587]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّه هو التّوّاب الرّحيم قلنا اهبطوا منها جميعًا}.
وتأويل قوله: {إنّه هو التّوّاب الرّحيم} أنّ اللّه جلّ ثناؤه هو التّوّاب على من تاب إليه من عباده المذنبين من ذنوبه التّارك مجازاته بإنابته إلى طاعته بعد معصيته بما سلف من ذنبه.
وقد ذكرنا أنّ معنى التّوبة من العبد إلى ربّه: إنابته إلى طاعته، وأوبته إلى ما يرضيه بتركه ما يسخطه من الأمور الّتي كان عليها مقيمًا ممّا يكرهه ربّه، فكذلك توبة اللّه على عبده هو أن يرزقه ذلك، ويتوب من غضبه عليه إلى الرّضا عنه، ومن العقوبة إلى العفو والصّفح عنه.
وأمّا قوله: {الرّحيم} فإنّه يعني أنّه المتفضّل عليه مع التّوبة بالرّحمة، ورحمته إيّاه إقالتة عثرته وصفحه عن عقوبة جرمه).
[جامع البيان: 1/ 587]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({فتلقّى آدم من ربّه كلماتٍ فتاب عليه إنّه هو التّوّاب الرّحيم (37)}
قوله: {فتلقّى آدم من ربّه كلماتٍ}
اختلف في تفسيره على ستّة أوجهٍ:
فأحدها: [الوجه الأول]
- حدّثنا عليّ بن الحسين بن أشكاب، ثنا عليّ بن عاصمٍ، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن أبيّ بن كعبٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
«قال آدم عليه السّلام: أرأيت يا ربّ إن تبت ورجعت، أعايدي إلى الجنّة؟ قال: نعم. قال: فذلك قوله: {فتلقّى آدم من ربّه كلماتٍ}».
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عبيد اللّه، ثنا إسرائيل، عن السّدّيّ، عمّن حدّثه، عن ابن عبّاسٍ: {فتلقّى آدم من ربّه كلماتٍ} قال:
«قال آدم: يا ربّ، ألم تخلقني بيدك؟ قيل له: بلى: ونفخت فيّ من روحك؟ قيل له: بلى. وعطست فقلت: يرحمك اللّه، وسبقت رحمتك غضبك؟ قيل: بلى. وكتبت عليّ أن أعمل هذا؟ قيل: بلى، قال: أرأيت إن تبت هل أنت أنت راجعي إلى الجنّة؟ قال: نعم». وكذلك فسّره عطيّة والسّدّيّ.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي، ثنا عبد اللّه بن محمّدٍ النّفيليّ، ثنا زهيرٌ، ثنا أبو إسحاق، عن رجلٍ من بني تميمٍ، قال: أتيت ابن عبّاسٍ فسألته: ما الكلمات الّتي تلقّى آدم من ربّه؟ قال:
«علّم شأن الحجّ، فهي الكلمات».
والوجه الرّابع:
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ، ثنا عبد الرّحمن -يعني ابن مهديٍّ-، عن سفيان، عن عبد العزيز بن رفيعٍ، أخبرني من سمع عبيد بن عميرٍ يقول:
«قال آدم: يا ربّ، خطيئتي الّتي أخطأت شيءٌ كتبت عليّ قبل أن تخلقني، أو شيءٌ ابتدعته من قبل نفسي؟ قال: بل كتبته عليك قبل أن أخلقك. قال: فكما كتبته عليّ فاغفره لي». قال: «فذلك قوله: {فتلقّى آدم من ربّه كلماتٍ}».
والوجه الخامس:
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ، ثنا ابن مهديٍّ، عن سفيان، عن خصيفٍ، عن مجاهدٍ وسعيد بن جبيرٍ: {فتلقّى آدم من ربّه كلماتٍ} قالا:
«قوله:{ربّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين}». وروي عن الحسن وقتادة ومحمّد بن كعبٍ القرظيّ وخالد بن معدان وعطاءٍ الخراسانيّ والرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك.
الوجه السّادس:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو حذيفة، ثنا شبلٌ، حدّثني عبد اللّه بن كثيرٍ، أنّ مجاهدًا كان يقول في قول اللّه: {فتلقّى آدم من ربّه كلماتٍ}:
«الكلمات: اللّهمّ لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، ربّ إنّي ظلمت نفسي فاغفر لي إنّك خير الغافرين. اللّهمّ لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، ب إنّي ظلمت نفسي فتب عليّ إنّك أنت التواب الرحيم»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 90-91]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {فتاب عليه إنّه هو التّوّاب الرّحيم}
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن عيسى، ثنا جريرٌ، عن عمارة -يعني ابن القعقاع-، عن أبي زرعة -يعني ابن عمرو بن جريرٍ-، قال:
«إنّ أوّل شيءٍ كتب: أنا التّوّاب أتوب على من تاب».
- حدّثنا الحسين بن الحسن الرّازيّ، ثنا إبراهيم بن عبد اللّه الهرويّ، ثنا حجاج ابن محمّدٍ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ:
«{فتلقّى آدم من ربّه كلماتٍ} قال: أي ربّ أتتوب عليّ إن تبت؟ قال: نعم. فتاب آدم، فتاب عليه ربّه»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 92]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {التّوّاب الرّحيم}
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا محمّد بن عمرٍو، ثنا سلمة، قال محمّد بن إسحاق في قوله: {الرّحيم} قال:
«يرحم العباد على ما فيهم».
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ: قوله: {الرّحيم} قال:«رحيمٌ بهم بعد التّوبة»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 92]

قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم}.
- أخرج الطبراني في المعجم الصغير والحاكم وأبو نعيم والبيهقي في الدلائل، وابن عساكر عن عمر بن الخطاب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«لما أذنب آدم بالذنب الذي أذنبه، رفع رأسه إلى السماء، فقال: أسألك بحق محمد إلا غفرت لي، فأوحى الله إليه: ومن محمد؟ فقال: تبارك اسمك، لما خلقتني رفعت رأسي إلى عرشك، فإذا فيه مكتوب: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، فعلمت أنه ليس أحد أعظم عندك قدرا ممن جعلت اسمه مع اسمك، فأوحى الله إليه: يا آدم إنه آخر النبيين من ذريتك، ولولا هو ما خلقتك».
- وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن أبي الدنيا في التوبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {فتلقى آدم من ربه كلمات}: «قال: أي رب ألم تخلقني بيدك؟ قال: بلى، قال: أي رب ألم تنفخ في من روحك؟ قال: بلى، قال: أي رب ألم تسبق إلي رحمتك قبل غضبك؟ قال: بلى، قال: أي رب أرأيت إن تبت وأصلحت أراجعي أنت إلى الجنة؟ قال: نعم».
- وأخرج الطبراني في الأوسط، وابن عساكر بسند ضعيف عن عائشة، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال:
«لما أهبط الله آدم إلى الأرض قام وجاء الكعبة فصلى ركعتين، فألهمه الله هذا الدعاء: اللهم إنك تعلم سري وعلانيتي فاقبل معذرتي، وتعلم حاجتي فأعطني سؤلي، وتعلم ما في نفسي فاغفر لي ذنبي، اللهم إني أسألك إيمانا يباشر قلبي، ويقينا صادقا حتى أعلم أنه لا يصيبني إلا ما كتبت لي، وأرضني بما قسمت لي، فأوحى الله إليه: يا آدم قد قبلت توبتك وغفرت ذنبك، ولن يدعوني أحد بهذا الدعاء إلا غفرت له ذنبه، وكفيته المهم من أمره، وزجرت عنه الشيطان، واتجرت له من وراء كل تاجر، وأقبلت إليه الدنيا راغمة وإن لم يردها».
- وأخرج الجندي والطبراني، وابن عساكر في فضائل مكة عن عائشة، قالت:
«لما أراد الله أن يتوب على آدم أذن له فطاف بالبيت سبعا -والبيت يومئذ ربوة حمراء-، فلما صلى ركعتين قام استقبل البيت، وقال: اللهم إنك تعلم سريرتي وعلانيتي فاقبل معذرتي، ؟؟ فأعطني سؤلي، وتعلم ما في نفسي فاغفر لي ذنوبي، اللهم إني أسألك إيمانا يباشر قلبي، ويقينا صادقا حتى أعلم أنه لا يصيبني إلا ما كتبت لي، والرضا بما قسمت لي، فأوحى الله إليه: إني قد غفرت ذنبك، ولن يأتي أحد من ذريتك يدعوني بمثل ما دعوتني إلا غفرت ذنوبه، وكشفت غمومه وهمومه ونزعت الفقر من بين عينيه، واتجرت له من وراء كل تاجر، وجاءته الدنيا وهي راغمة وإن كان لا يريدها».
- وأخرج الأزرقي في تاريخ مكة والطبراني في الأوسط والبيهقي في الدعوات، وابن عساكر بسند لابأس به عن بريدة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما أهبط الله آدم إلى الأرض طاف بالبيت أسبوعا، وصلى حذاء البيت ركعتين، ثم قال: اللهم أنت تعلم سري وعلانيتي فاقبل معذرتي، وتعلم حاجتي فأعطني سؤلي، وتعلم ما عندي فاغفر لي ذنوبي، أسألك إيمانا يباهي قلبي، ويقينا صادقا حتى أعلم أنه لا يصيبني إلا ما كتبت، لي ورضني بقضائك، فأوحى الله إليه: يا آدم إنك دعوتني بدعاء فاستجبت لك فيه، ولن يدعوني به أحد من ذريتك إلا استجبت له وغفرت له ذنبه، وفرجت همه وغمه، واتجرت له من وراء كل تاجر، وأتته الدنيا راغمة وإن كان لا يريدها».
- وأخرج وكيع، وعبد بن حميد وأبو الشيخ في العظمة وأبو نعيم عن عبيد أن عمير اللثي قال: «قال آدم: يا رب أرأيت ما أتيت؛ أشيء كتبته علي قبل أن تخلقني أو شيء ابتدعته علي نفسي؟ قال: بل شيء كتبته عليك قبل أن أخلقك، قال: يا رب فكما كتبته علي فاغفره لي، فذلك قوله: {فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم}».
- وأخرج عبد بن حميد والن المنذر والبيهقي في شعب الإيمان عن قتادة، في قوله: {فتلقى آدم من ربه كلمات} قال:
«ذكر لنا أنه قال: يا رب أرأيت إن تبت وأصلحت، قال: فإني إذن أرجعك إلى الجنة، قالا: ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، فاستغفر آدم ربه وتاب إليه، فتاب عليه. وأمّا عدو الله إبليس فوالله ما تنصل من ذنبه، ولا سأل التوبة حين وقع بما وقع به، ولكنه سأل النظرة إلى يوم الدين، فأعطى الله كل واحد مهما ما سأل».
- وأخرج الثعلبي من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله: {فتلقى آدم من ربه كلمات} قال:«قوله:{ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين}».- وأخرج ابن المنذر من طريق ابن جريج عن ابن عباس في قوله: {فتلقى آدم من ربه كلمات} قال:«هو قوله: {ربنا ظلمنا أنفسنا} الآية».
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي عن محمد بن كعب القرظي في قوله: {فتلقى آدم من ربه كلمات} قال: «هو قوله: {ربنا ظلمنا أنفسنا} الآيه، ولو سكت الله عنها لتفحص رجال حتى يعلموا ما هي».
- وأخرج وكيع، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {فتلقى آدم من ربه كلمات} قال:
«هو قوله {ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين}».- وأخرج عبد بن حميد عن الحسن وعن الضحاك، مثله.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق ابن إسحاق التميمي قال: قلت لإبن عباس: ما الكلمات التي تلقى آدم من ربه؟ قال:
«علم شأن الحج، فهي الكلمات».
- وأخرج عبد بن حميد عن عبد الله بن زيد ي قوله {فتلقى آدم من ربه كلمات} قال:
«لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، رب عملت سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت خير الغافرين، لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك رب عملت سوءا وظلمت نفسي فارحمني إنك أنت أرحم الراحمين، لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، رب عملت سوءا وظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم».
- وأخرج البيهقي في شعب الإيمان، وابن عساكر عن أنس في قوله: {فتلقى آدم من ربه كلمات} قال:
«سبحانك اللهم وبحمدك عملت سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت خير الغافرين، لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك عملت سوءا وظلمت نفسي فارحمني إنك أنت أرحم الراحمين، لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك عملت سوءا وظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم»، وذكر أنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم ولكن شك فيه.
- وأخرج هناد في الزهد عن سعيد بن جبير قال: «لما أصاب آدم الخطيئة فزع إلى كلمة الإخلاص، فقال: لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، رب عملت سوءا وظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم».
- وأخرج ابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس: «إن آدم عليه السلام طلب التوبة مائتي سنة حتى آتاه الله الكلمات ولقنه إياها»،
قال: «بينا آدم عليه السلام جالس يبكي واضع راحته على جبينه، إذا أتاه جبريل فسلم عليه فبكى آدم، وبكى جبريل لبكائه، فقال له: يا آدم ما هذه البلية التي أجحف بك بلاؤها وشقاؤها؟ وما هذا البكاء؟ قال: يا جبريل وكيف لا أبكي وقد حولني ربي من ملكوت السموات إلى هوان الأرض، ومن دار المقام إلى دار الظعن والزوال، ومن دار النعمة إلى دار البؤس والشقاء، ومن دار الخلد إلى دار الفناء، كيف أحصي يا جبريل هذه المصيبة؟ فانطلق جبريل إلى ربه فأخبره بقالة آدم، فقال الله عز وجل: انطلق يا جبريل إلى آدم فقل: يا آدم ألم أخلقك بيدي؟ قال: بلى يا رب، قال: ألم أنفخ فيك من روحي؟ قال: بلى يا رب، قال: ألم أسجد لك ملائكتي؟ قال: بلى يا رب، قال: ألم أسكنك جنتي؟ قال: بلى يا رب، قال: ألم آمرك فعصيتني؟ قال: بلى يا رب، قال: وعزتي وجلالي وارتفاعي في علو مكاني لو أن ملء الأرض رجالا مثلك ثم عصوني لأنزلتهم منازل العاصين، غير أنه يا آدم قد سبقت رحمتي غضبي قد سمعت صوتك وتضرعك ورحمت بكاءك وأقلت عثرتك، فقل: لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك عملت سوءا وظلمت نفسي فارحمني إنك أنت خير الراحمين، لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك عملت سوءا وظلمت نفسي، فتب علي إنك أنت التواب الرحيم، فذلك قوله: {فتلقى آدم من ربه كلمات} الآية».
- وأخرج ابن المنذر عن محمد بن علي بن الحسين بن أبي طالب قال: «لما أصاب آدم الخطيئة عظم كربه واشتد ندمه، فجاءه جبريل، فقال: يا آدم هل أدلك على باب توبتك الذي يتوب الله عليك منه؟ قال: بلى يا جبريل، قال: قم في مقامك الذي تناجي فيه ربك فمجده وامدح، فليس شيء أحب إلى الله من المدح، قال: فأقول ماذا يا جبريل؟ قال: فقل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له
له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو حي لا يموت، بيده الخير كله وهو على كل شيء قدير، ثم تبوء بخطيئتك، فتقول: سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت، رب إني ظلمت نفسي وعملت السوء، فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، اللهم إني أسألك بجاه محمد عبدك وكرامته عليك أن تغفر لي خطيئتي
»،
قال: «ففعل آدم، فقال الله: يا آدم من علمك هذا؟ فقال: يا رب إنك لما نفخت في الروح، فقمت بشرا سويا أسمع وأبصر وأعقل وأنظر، رأيت على ساق عرشك مكتوبا: بسم الله الرحمن الرحيم، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، محمد رسول الله، فلما لم أر أثر اسمك اسم ملك مقرب ولا نبي مرسل غير اسمه علمت أنه أكرم خلقك عليك، قال: صدقت، وقد تبت عليك وغفرت لك خطيئتك»،
قال: «فحمد آدم ربه وشكره وانصرف بأعظم سرور ولم ينصرف به عبد من عند ربه، وكان لباس آدم النور، قال الله: {ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما}، ثياب النور»،
قال: «فجاءته الملائكة أفواجا تهنئه، يقولون: لتهنك توبة الله يا أبا محمد».
- وأخرج أحمد في الزهد عن قتادة قال:
«اليوم الذي تاب الله فيه على آدم يوم عاشوراء».
- وأخرج الديلمي في مسند الفردوس بسند واه، عن علي، قال: سألت النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن قول الله: {فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه} فقال:
«إن الله أهبط آدم بالهند وحواء بجدة وإبليس ببيسان والحية بأصبهان، وكان للحية قوائم كقوائم البعير، ومكث آدم بالهند مائة سنة باكيا على خطيئته، حتى بعث الله إليه جبريل، وقال: يا آدم ألم أخلقك بيدي؟ ألم أنفخ فيك من روحي؟ ألم أسجد لك ملائكتي؟ ألم أزوجك حواء أمتي؟ قال: بلى، قال: فما هذا البكاء؟ قال: وما يمنعني من البكاء وقد أخرجت من جوار الرحمن، قال: فعليك بهؤلاء الكلمات، فإن الله قابل توبتك وغافر ذنبك، قل: اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد، سبحانك لا إله إلا أنت عملت سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد، سبحانك لا إله إلا أنت عملت سوءا وظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم، فهؤلاء الكلمات التي تلقى آدم».
- وأخرج ابن النجار عن ابن عباس قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه، قال:
«سأل بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين ألا تبت علي فتاب عليه».
- وأخرج الخطيب في أماليه، وابن عساكر بسند فيه مجاهيل عن ابن مسعود، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال:
«إن آدم لما أكل من والشجرة أوحى الله إليه: اهبط من جواري، وعزتي لا يجاورني من عصاني، فهبط إلى الأرض مسودا فبكت الأرض وضجت، فأوحى الله: يا آدم صم لي اليوم يوم ثلاثة عشر، فصامه فأصبح ثلثه أبيض، ثم أوحى الله إليه: صم لي هذا اليوم يوم أربعة عشر، فصامه فأصبح ثلثاه أبيض، ثم أوحى الله إليه صم لي هذا اليوم يوم خمسة عشر، فصامه فأصبح كله أبيض، فسميت أيام البيض».
- وأخرج ابن عساكر عن الحسن قال:
«لما أهبط الله آدم من الجنة إلى الأرض، قال له: يا آدم أربع احفظهن، واحدة لي عندك وأخرى لك عندي، وأخرى بيني وبينك، وأخرى بينك وبين الناس، فأما التي لي عندك: فتعبدني لا تشرك بي شيئا، وأما التي لك عندي: فأوفيك عملك لا أظلمك شيئا، وأما التي بيني وبينك: فتدعوني فأستجيب لك، وأما التي بينك وبين الناس: فترضى للناس أن تأتي إليهم بما ترضى أن يؤتوا إليك بمثله».
- وأخرج أحمد في الزهد والبيهقي في الأسماء والصفات، عن سلمان قال: «لما خلق الله آدم، قال: يا آدم واحدة لي وواحدة لك وواحدة بيني وبينك، فأما التي لي: فتعبدني لا تشرك بي شيئا، وأما التي لك: فما عملت من شيء جزيتك به، وأن أغفر فأنا غفور رحيم، وأما التي بيني وبينك: فمنك المسألة والدعاء وعلي الإجابة والعطاء»، وأخرجه البيهقي من وجه آخر عن سلمان رفعه.
- وأخرج الخطيب، وابن عساكر عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«لما أهبط الله آدم إلى الأرض مكث فيها ما شاء الله أن يمكث، ثم قال له بنوه: يا أبانا تكلم، فقام خطيبا في أربعين ألفا من ولده وولد ولده، فقال: إن الله أمرني فقال: يا آدم أقلل كلامك ترجع إلى جواري».
- وأخرج الخطيب، وابن عساكر عن ابن عباس قال: «لما أهبط الله آدم إلى الأرض، أكثر ذريته فنمت، فاجتمع إليه ذات يوم ولده وولد ولده، فجعلوا يتحدثون حوله، وآدم ساكت لا يتكلم، فقالوا: يا أبانا ما لنا نحن نتكلم وأنت ساكت لا تتكلم؟ فقال: يا بني إن الله لما أهبطني من جواره إلى الأرض، عهد إلي فقال: يا آدم أقل الكلام حتى ترجع إلى جواري».
- وأخرج ابن عساكر عن فضالة بن عبيد قال:
«إن آدم كبر حتى تلعب به بنو بنيه، فقيل له: إلا تنهى بني بنيك أن يلعبوا بك؟ قال: إني رأيت ما لم يروا، وسمعت ما لم يسمعوا، وكنت في الجنة وسمعت الكلام، إن ربي وعدني إن أنا أسكت فمي أن يدخلني الجنة».
- وأخرج ابن الصلاح في أماليه عن محمد بن النضر قال:
«قال آدم: يا رب شغلتني بكسب يدي، فعلمني شيئا فيه مجامع الحمد والتسبيح، فأوحى الله إليه: يا آدم إذا أصبحت فقل ثلاثا وإذا أمسيت فقل ثلاثا، الحمد لله رب العالمين حمدا يوافي نعمه ويكافىء مزيده، فذلك مجامع الحمد والتسبيح».
- وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن قتادة قال: «كان آدم عليه السلام يشرب من السحاب».
- وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن كعب قال: «أول من ضرب الدينار والدرهم آدم عليه السلام».
- وأخرج ابن عساكر عن معاوية بن يحيى قال:
«أول من ضرب الدينار والدرهم آدم، ولا تصلح المعيشة إلا بهما».
- وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن قال:«أول من مات آدم عليه السلام».
- وأخرج ابن سعد والحاكم، وابن مردويه عن عن أبي بن كعب، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، قال:«لما حضر آدم قال لبنيه: انطلقوا فاجنوا لي من ثمار الجنة، فخرجوا فاستقبلتهم الملائكة فقالوا: أين تريدون؟ قالوا: بعثنا أبونا لنجني له من ثمار الجنة، فقالوا: ارجعوا فقد كفيتم، فرجعوا معهم حتى دخلوا على آدم، فلما رأتهم حواء ذعرت منهم وجعلت تدنو إلى آدم وتلصق به، فقال: إليك عني، إليك عني، فمن قبلك أتيت، خلي بيني وبين ملائكة ربي، قال: فقبضوا روحه ثم غسلوه وحنطوه وكفنوه، ثم صلوا عليه ثم حفروا له ودفنوه، ثم قالوا: يا بني آدم هذه سنتكم في موتاكم فكذلكم فافعلوا»، وأخرجه ابن أبي شيبة عن أبي، موقوفا.
- وأخرج ابن عساكر عن أبي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«إن آدم لما حضرته الوفاة أرسل الله إليه بكفن وحنوط من الجنة، فلما رأت حواء الملائكة جزعت، فقال: خلي بيني وبين رسل ربي، فما لقيت الذي لقيت إلا منك، ولا أصابني الذي أصابني إلا منك».
- وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال: «كان لآدم بنون، ود سواع ويغوث ويعوق ونسر، فكان أكبرهم يغوث، فقال له: يا بني انطلق، فإن لقيت أحدا من الملائكة فأمره يجيئني بطعام من الجنة وشراب من شرابها، فانطلق فلقي جبريل بالكعبة فسأله عن ذلك، قال: ارجع فإن أباك يموت، فرجع فوجداه يجود بنفسه، فوليه جبريل، فجاءه بكفن وحنوط وسدر، ثم قال: يا بني آدم أترون ما أصنع بأبيكم؟ فاصنعوه بموتاكم، فغسلوه وكفنوه وحنطوه ثم حملوه إلى الكعبة، فكبر عليه أربعا، ووضعوه مما يلي القبلة عند القبور، ودفنوه في مسجد الخيف».
- وأخرج الدارقطني في "سننه" عن ابن عباس قال: «صلى جبريل على آدم وكبر عليه أربعا، صلى جبريل بالملائكة يومئذ في مسجد الخيف، وأخذ من قبل القبلة ولحد له وسنم قبره».
- وأخرج أبو نعيم في الحلية عن ابن عباس: أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أتي بجنازة فصلى عليها وكبر أربعا، وقال: «كبرت الملائكة على آدم أربع تكبيرات».
- وأخرج ابن عساكر عن أبي أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «ألحد آدم وغسل بالماء وترا، فقالت الملائكة: هذه سنة ولد آدم من بعده».
- وأخرج ابن عساكر عن عبد الله بن أبي فراس، قال: «قبر آدم في مغارة فيما بين بيت المقدس ومسجد إبراهيم ورجلاه عند الصخرة ورأسه عند مسجد إبراهيم، وبينهما ثمانية عشر ميلا».
- وأخرج ابن عساكر عن عطاء الخراساني قال: «بكت الخلائق على آدم حين توفي سبعة أيام».
- وأخرج ابن عدي في الكامل وأبو الشيخ في العظمة، وابن عساكر، عن جابر أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال:«ليس أحد من أهل الجنة إلا يدعى باسمه، إلا آدم فإنه يكنى أبا محمد، وليس أحد من أهل الجنة إلا وهم جرد مرد، إلا ما كان من موسى بن عمران فإن لحيته تبلغ سرته».
- وأخرج ابن عدي والبيهقي في الدلائل، وابن عساكر، عن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أهل الجنة ليست لهم كنى إلا آدم، فإنه يكنى أبا محمد تعظيما وتوقيرا.
- وأخرج ابن عساكر عن كعب قال: «ليس أحد في الجنة له لحية إلا آدم عليه السلام، له لحية سوداء إلى سرته، وذلك أنه لم يكن له في الدنيا لحية، وإنما كانت اللحى بعد آدم، وليس أحد يكنى في الجنة غير آدم، يكنى فيها أبا محمد».
- وأخرج أبو الشيخ عن بكر بن عبد الله المزني قال:
«ليس أحد في الجنة له كنية إلا آدم يكنى أبا محمد، أكرم الله بذلك محمدا صلى الله عليه وسلم».
- وأخرج ابن عساكر عن غالب بن عبد الله العقيلي قال: «كنية آدم في الدنيا أبو البشر، وفي الجنة أبو محمد».
- وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن خالد بن معدان قال: «أهبط آدم بالهند، وأنه لما توفي حمله خمسون ومائة رجل من بنيه إلى بيت المقدس، وكان طوله ثلاثين ميلا، ودفنوه بها، وجعلوا رأسه عند الصخرة، ورجليه خارجا من بيت المقدس ثلاثين ميلا».
- وأخرج الطبراني عن أبي برزة الأسلمي قال:
«إن آدم لما طؤطىء منع كلام الملائكة -وكان يستأنس بكلامهم-، بكى على الجنة مائة سنة، فقال الله عز وجل له: يا آدم ما يحزنك؟ قال: كيف لا أحزن وقد أهبطتني من الجنة ولا أدري أعود إليها أم لا؟ فقال الله تعالى: يا آدم قل: اللهم لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك سبحانك وبحمدك، رب إني عملت سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت خير الغافرين، والثانية: اللهم لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك سبحانك وبحمدك، رب إني عملت سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت أرحم الراحمين، والثالثة: اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك لا شريك لك رب عملت سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت التواب الرحيم، فهي الكلمات التي أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم {فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم}».
قال:«وهي لولده من بعده، وقال آدم لابن له يقال هبة الله، ويسميه أهل التوراة وأهل الإنجيل شيث: تعبد لربك واسأله أيردني إلى الجنة أم لا، فتعبد الله وسأل، فأوحى الله إليه: إني راده إلى الجنة، فقال: أي رب إني لست آمن، إن أبي سيسألني العلامة، فألقى الله سوارا من أسورة الحور، فلما أتاه قال: ما وراءك؟ قال: أبشر، قال: أخبرني أنه رادك إلى الجنه، قال: فما سألته العلامة، فأخرج السوار، فرآه فعرفه فخر ساجدا فبكى حتى سال من عينيه نهر من دموع، وآثاره تعرف بالهند، وذكر أن كنز الذهب بالهند مما ينبت من ذلك السوار،
ثم قال: استطعم لي ربك من ثمر الجنة، فلما خرج من عنده مات آدم فجاءه جبريل فقال: إلى أين؟ قال: إن أبي أرسلني أن أطلب إلى ربي أن يطعمه من ثمر الجنة، قال: فإن ربه قضى أن لا يأكل منها شيئا حتى يعود إليها، وأنه قد مات فارجع فواره، فأخذ جبريل عليه السلام فغسله وكفنه وحنطه وصلى عليه، ثم قال جبريل: هكذا فاصنعوا بموتاكم».
- وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد قال: «قبر آدم عليه السلام بني في مسجد الخيف، وقبر حواء بجدة».
- وأخرج ابن أبي حنيفة في تاريخه، وابن عساكر عن الزهري والشعبي قالا: «لما هبط آدم من الجنة وانتشر ولده، أرخ بنوه من هبوط آدم، فكان ذلك التاريخ حتى بعث الله نوحا، فأرخوا ببعث نوح، حتى كان الغرق، فكان التاريخ من الطوفان إلى نار إبراهيم، فأرخ بنو إسحاق من نار إبراهيم إلى بعث يوسف، ومن بعث يوسف إلى مبعث موسى، ومن مبعث موسى إلى ملك سليمان، ومن ملك سليمان إلى ملك عيسى، ومن مبعث عيسى إلى مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأرخ بنو اسماعيل من نار إبراهيم إلى بناء البيت حين بناه إبراهيم وإسماعيل، فكان التاريخ من بناء البيت حتى تفرقت معد، فكان كلما خرج قوم من تهامة أرخوا مخرجهم حتى مات كعب بن لؤي، فأرخوا من موته إلى الفيل، فكان التاريخ من الفيل، حتى أرخ عمر بن الخطاب من الهجرة، وذلك سنة سبع عشرة أو ثمان عشرة».
- وأخرج ابن عساكر عن عبد العزيز بن عمران قال:«لم يزل للناس تاريخ، كانوا يؤرخون في الدهر الأول من هبوط آدم من الجنة، فلم يزل ذلك حتى بعث الله نوحا فأرخوا من دعاء نوح على قومه، ثم أرخوا من الطوفان، ثم أرخوا من نار إبراهيم، ثم أرخ بنو اسماعيل من بنيان الكعبة، ثم أرخوا من موت كعب بن لؤي، ثم أرخوا من عام الفيل، ثم أرخ المسلمون بعد من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم»).
[الدر المنثور: 1/ 313-335]

تفسير قوله تعالى: {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقد ذكرنا القول في تأويل قوله: {قلنا اهبطوا منها جميعًا} فيما مضى فلا حاجة بنا إلى إعادته إذ كان معناه في هذا الموضع هو معناه في ذلك الموضع.
- وقد حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا إسماعيل بن سالمٍ، عن أبي صالحٍ في قوله: {اهبطوا منها جميعًا} قال:
«آدم، وحوّاء، والحيّة، وإبليس»). [جامع البيان: 1/ 588]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فإمّا يأتينّكم منّي هدًى}.
وتأويل قوله: {فإمّا يأتينّكم} فإن يأتكم، و(ما) الّتي مع (إن) توكيدٌ للكلام، ولدخولها مع (إن) أدخلت النّون المشدّدة في (يأتينّكم) تفرقةً بدخولها بين (ما) الّتي تأتي بمعنى توكيد الكلام الّتي تسمّيها أهل العربيّة صلةً وحشوًا، وبين (ما) الّتي تأتي بمعنى الّذي، فتؤذن بدخولها في الفعل، أنّ (ما) الّتي مع (إنّ) الّتي بمعنى الجزاء توكيدٌ، وليست (ما) الّتي بمعنى الّذي.
وقد قال بعض نحويّي أهل البصرة: إنّ (إمّا): (إن) زيدت معها (ما)، وصار الفعل الّذي بعده بالنّون الخفيفة أو الثّقيلة، وقد يكون بغير نونٍ. وإنّما حسنت فيه النّون لمّا دخلته (ما)، لأنّ (ما) نفيٌ، فهي ممّا ليس بواجبٍ، وهي الحرف الّذي ينفي الواجب، فحسنت فيه النّون، نحو قولهم: بعينٍ ما أرينّك. حين أدخلت فيها (ما) حسنت النّون فيما هنا.
وقد أنكر جماعةٌ من أهل العربيّة دعوى قائل هذه المقالة أنّ (ما) الّتي مع: بعينٍ ما أرينّك، بمعنى الجحد، وزعموا أنّ ذلك بمعنى التّوكيد للكلام.
وقال آخرون: بل هو حشوٌ في الكلام، ومعناها الحذف، وإنّما معنى الكلام: بعينٍ أراك، وغير جائزٍ أن يجعل مع الاختلاف فيه أصلاً يقاس عليه غيره). [جامع البيان: 1/ 588-589]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى:
{منّي هدًى فمن تبع هداي فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون}
والهدى في هذا الموضع: البيان والرّشاد.
- كما حدّثنا المثنّى بن إبراهيم، قال: حدّثنا آدم العسقلانيّ، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: في قوله: {فإمّا يأتينّكم منّي هدًى} قال:
«الهدى: الأنبياء والرّسل والبيان».
فإن كان ما قال أبو العالية في ذلك كما قال، فالخطاب بقوله: {اهبطوا} وإن كان لآدم وزوجته، فيجب أن يكون مرادًا به آدم وزوجته وذرّيتهما.
فيكون ذلك حينئذٍ نظير قوله: {فقال لها وللأرض ائتيا طوعًا أو كرهًا قالتا أتينا طائعين} بمعنى: أتينا بما فينا من الخلق طائعين. ونظير قوله في قراءة ابن مسعودٍ: ربّنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذرّيّتنا أمّةً مسلمةً لك وأرهم مناسكهم، فجمع قبل أن تكون ذرّيّةٌ، وهو في قراءتنا: {وأرنا مناسكنا}، وكما يقول القائل لآخر: كأنّك قد تزوّجت وولد لك وكثرتم وعزّزتم. ونحو ذلك من الكلام.
وإنّما قلنا إنّ ذلك هو الواجب على التّأويل الّذي ذكرناه عن أبي العالية؛ لأنّ آدم كان هو النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أيّام حياته بعد أن أهبط إلى الأرض، والرّسول من اللّه جلّ ثناؤه إلى ولده، فغير جائزٍ أن يكون معنيًّا وهو الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم بقوله: {فإمّا يأتينّكم منّي هدًى} خطابًا له ولزوجته: فإمّا يأتينّكم منّي أنبياء ورسلٌ إلاّ على ما وصفت من التّأويل.
وقول أبي العالية في ذلك وإن كان وجهًا من التّأويل تحتمله الآية، فأقرب إلى الصّواب منه عندي وأشبه بظاهر التّلاوة أن يكون تأويلها: فإمّا يأتينّكم منّي يا معشر من أهبط إلى الأرض من سمائي، وهو آدم وزوجته وإبليس، كما قد ذكرنا قبل في تأويل الآية الّتي قبلها: إمّا يأتينّكم منّي بيانٌ من أمري وطاعتي ورشادٌ إلى سبيلي وديني، فمن اتّبعه منكم فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون، وإن كان قد سلف منهم قبل ذلك إليّ معصيةٌ وخلافٌ لأمري وطاعتي. يعرّفهم بذلك جلّ ثناؤه أنّه التّائب على من تاب إليه من ذنوبه والرّحيم بمن أناب إليه كما وصف نفسه بقوله: {إنّه هو التّوّاب الرّحيم}.
وذلك أنّ ظاهر الخطاب بذلك إنّما هو للّذين قال لهم جلّ ثناؤه: {اهبطوا منها جميعًا} والّذين خوطبوا به هم من سمّينا في قول الحجّة من الصّحابة والتّابعين الّذين قد قدّمنا الرّواية عنهم. وذلك وإن كان خطابًا من اللّه جلّ ذكره لمن أهبط حينئذٍ من السّماء إلى الأرض، فهو سنّة اللّه في جميع خلقه، وتعريفٌ منه بذلك للّذين أخبر عنهم في أوّل هذه السّورة بما أخبر عنهم في قوله: {إنّ الّذين كفروا سواءٌ عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون}، وفي قوله: {ومن النّاس من يقول آمنّا باللّه وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين} أنّ حكمه فيهم إن تابوا إليه وأنابوا واتّبعوا ما أتاهم من البيان من عند اللّه، على لسان رسوله محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، أنّهم عنده في الآخرة، ممّن لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون، وأنّهم إن هلكوا على كفرهم وضلالتهم قبل الإنابة والتّوبة، كانوا من أهل النّار المخلّدين فيها.
وقوله: {فمن تبع هداي} يعني: فمن اتّبع بياني الّذي أبيّنه على ألسن رسلي أو مع رسلي.
- كما حدّثنا به المثنّى، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية:
«{فمن تبع هداي}: يعني بياني».
وقوله: {فلا خوفٌ عليهم} يعني: فهم آمنون في أهوال القيامة من عقاب اللّه غير خائفين عذابه، بما أطاعوا اللّه في الدّنيا واتّبعوا أمره وهداه وسبيله، {ولا هم يحزنون} يومئذٍ على ما خلّفوا بعد وفاتهم في الدّنيا.
- كما حدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ:
«{لا خوفٌ عليهم} يقول لا خوفٌ عليكم أمامكم، وليس شيءٌ أعظم في صدر الّذي يموت ممّا بعد الموت، فأمّنهم منه وسلاّهم عن الدّنيا، فقال: {ولا هم يحزنون}»). [جامع البيان: 1/ 589-591]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({قلنا اهبطوا منها جميعًا فإمّا يأتينّكم منّي هدًى فمن تبع هداي فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون (38)}
قوله: {قلنا اهبطوا منها جميعًا}
- حدّثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيدٍ القطّان، ثنا يحيى بن حمّادٍ، ثنا أبو عوانة، عن إسماعيل بن سالمٍ، عن أبي صالحٍ مولى أمّ هانئٍ، في قوله: {اهبطوا منها جميعًا} قال:
«يعني آدم وحوّاء والحيّة».
وروي عن السّدّيّ نحو ذلك، وزاد فيه: «إبليس».
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق، قال: قال معمرٌ وأخبرني عوفٌ، عن قسامة، عن أبي موسى قال: «إنّ اللّه تعالى حين أهبط آدم من الجنّة إلى الأرض علّمه صنعة كلّ شيءٍ، وزوّده من ثمار الجنّة مثل ثمرتكم هذه من ثمار الجنّة، غير أنّ هذه تتغيّر وتلك لا تتغيّر».
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ بن طلحة، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: «{اهبطوا منها جميعًا} فهبطوا فنزل آدم بالهند. وأنزل معه بالحجر الأسود، وأنزل بقبضةٍ من ورق الجنّة فبثّه بالهند فنبت شجر الطّيب. فإنّما أصل ما يجاء به من الهند من الطّيب من قبضة الورق الّتي هبط بها آدم، وإنّما قبضها آدم حين أخرج من الجنّة أسفًا على الجنّة حين أخرج منها»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 92]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {فإما يأتينكم مني هدى}
[الوجه الأوّل]
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع، عن أبي العالية في قوله: {فإمّا يأتينّكم منّي هدًى} قال:
«الهدى: الأنبياء والرّسل، والبيان».
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا صفوان، ثنا الوليد، أخبرني بكير بن معروفٍ، عن مقاتل ابن حيّان، في قول اللّه عزّ وجلّ: {فإمّا يأتينّكم منّي هدًى}:
«يعني بالهدى محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم».
الوجه الثّالث:
- حدّثنا محمود بن الفرج الأصبهانيّ الزّاهد، ثنا محمّد بن يحيى بن فيّاضٍ الزّمّانيّ، ثنا أبو بكرٍ الحنفي البراء بن يزيد، عن الحسن في قوله: {فإمّا يأتينّكم منّي هدًى} قال:
«القرآن»). [تفسير القرآن العظيم: 1 /93]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {فمن تبع هداي}
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية في قوله: {فمن تبع هداي}:
«يعني البيان».
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا صفوان، ثنا الوليد، أخبرني بكير بن معروفٍ، عن مقاتل ابن حيّان، في قول اللّه: {فمن تبع هداي}:«يقول: فمن تبع محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم».
- حدّثنا أبي، ثنا شهاب بن عبّادٍ، ثنا إبراهيم بن حميدٍ، عن أبي خالدٍ:«{فمن تبع هداي}يعني كتابي»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 93]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {فلا خوفٌ عليهم}
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه: {فلا خوفٌ عليهم}:
«يعني في الآخرة»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 93]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله:
{ولا هم يحزنون}
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ في قوله:
{ولا هم يحزنون}: «يعني: لا يحزنون للموت»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 93]

قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا خوف عليهم ولاهم يحزنون * والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}.
- أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله: {قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى} قال:
«الهدى الأنبياء والرسل والبيان».
- وأخرج ابن المنذر عن قتادة في قوله: {فمن اتبع هداي} الآية، قال: «ما زال لله في الأرض أولياء منذ هبط آدم ما أخلى الأرض لإبليس إلا وفيها أولياء له يعملون لله بطاعته».
- وأخرج ابن الأنباري في المصاحف عن أبي الطفيل قال: «قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {فمن اتبع هداي} بتثقيل الياء وفتحها».
- وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {فلا خوف عليهم}:«يعني: في الآخرة»، {ولا هم يحزنون}:«يعني: لا يحزنون للموت».
- وأخرج عبد الرزاق في المصنف والبيهقي في شعب الإيمان، عن قتادة قال: «لما هبط إبليس، قال: أي رب قد لعنته، فما علمه؟ قال: السحر، قال: فما قراءته؟ قال: الشعر، قال: فما كتابه؟ قال: الوشم، قال: فما طعامه؟ قال: كل ميتة وما لم يذكر اسم الله عليه، قال: فما شرابه؟ قال: كل مسكر، قال: فأين مسكنه؟ قال: الحمام، قال: فأين مجلسه؟ قال: الأسواق، قال: فما صوته؟ قال: المزمار، قال: فما مصائده؟ قال: النساء».
- وأخرج أبو نعيم في الحلية عن ابن عباس قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: «قال إبليس لربه تعالى: يا رب قد أهبط آدم، وقد علمت أنه سيكون كتاب ورسل، فما كتابهم ورسلهم؟ قال: رسلهم الملائكة والنبيون، وكتبهم التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، قال: فما كتابي؟ قال: كتابك الوشم، وقراءتك الشعر، ورسلك الكهنة، وطعامك ما لم يذكر اسم الله عليه، وشرابك كل مسكر، وصدقك الكذب، وبيتك الحمام، ومصائدك النساء، ومؤذنك المزمار، ومسجدك الأسواق»). [الدر المنثور: 1/ 335-336]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {والّذين كفروا وكذّبوا بآياتنا أولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون} يعني: والّذين جحدوا آياتي وكذّبوا رسلي، وآيات اللّه: حججه وأدلّته على وحدانيّته وربوبيّته، وما جاءت به الرّسل من الأعلام والشّواهد على ذلك، وعلى صدقها فيما أنبأت عن ربّها. وقد بيّنّا أنّ معنى الكفر: التّغطية على الشّيء.
{أولئك أصحاب النّار} يعني: أهلها الّذين هم أهلها دون غيرهم المخلّدون فيها أبدًا إلى غير أمدٍ ولا نهايةٍ.
- كما حدّثنا به عقبة بن سنانٍ البصريّ، قال: حدّثنا غسّان بن مضر، قال: حدّثنا سعيد بن يزيد، وحدّثنا سوّار بن عبد اللّه العنبريّ، قال: حدّثنا بشر بن المفضّل، قال: حدّثنا أبو مسلمة، وحدّثني يعقوب بن إبراهيم، وأبو بكر بن عونٍ، قالا: حدّثنا إسماعيل ابن عليّة، عن سعيد بن يزيد، عن أبي نضرة، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
«أمّا أهل النّار الّذين هم أهلها فإنّهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكنّ أقوامًا أصابتهم النّار بخطاياهم أو بذنوبهم فأماتتهم إماتةً حتّى إذا صاروا فحمًا أذن في الشّفاعة»). [جامع البيان: 1/ 592]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({والّذين كفروا وكذّبوا بآياتنا أولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون (39) يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي الّتي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإيّاي فارهبون (40)}
قوله: {والّذين كفروا وكذّبوا بآياتنا}
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس بن الوليد النّرسيّ، ثنا يزيد بن سعيدٍ، عن قتادة قوله: {والّذين كفروا} قال:
«المشركون من قريشٍ»). [تفسير القرآن العظيم: 1 /94]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: {بآياتنا}
[الوجه الأول]
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ، ثنا أحمد بن المفضّل، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ:
«أمّا آيات اللّه فمحمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم».
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ:
«قوله: {بآياتنا} يعني القرآن»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 94]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {أولئك أصحاب النّار}
- حدّثنا أبو بكر بن أبي موسى الأنصاريّ، ثنا هارون بن حاتمٍ، ثنا عبد الرّحمن ابن أبي حمّادٍ، ثنا أسباط بن نصرٍ، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ في قوله: {أصحاب النّار}:
«يعذّبون فيها»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 94]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {هم فيها خالدون}
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة بن الفضل، عن محمّد بن إسحاق، قال فيما حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {أولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون}:
«أي: خالدون أبدًا».
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صفوان نصر بن قديد بن نصر بن سيّارٍ اللّيثيّ، ثنا ربعيّ بن عبد اللّه بن الجارود بن أبي سبرة الهذليّ، عن الجارود بن أبي سبرة، عن أنسٍ يرفعه قال: «المخلّدون في النّار في توابيت من حديدٍ مطبقةٍ»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 94]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26 ربيع الثاني 1434هـ/8-03-2013م, 03:13 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ولا تقربا هذه الشّجرة فتكونا...}
إن شئت جعلت {فتكونا} جواباً نصباً، وإن شئت عطفته على أوّل الكلام فكان جزماً، مثل قول امرئ القيس:

فقلت له صوّب ولا تجهدنّه ....... فيذرك من أخرى القطاة فتزلق
فجزم، ومعنى الجزم كأنّه تكرير النهى، كقول القائل: لا تذهب ولا تعرض لأحد، ومعنى الجواب والنّصب: لا تفعل هذا فيفعل بك مجازاةً، فلمّا عطف حرف على غير ما يشاكله -وكان في أوّله حادثٌ لا يصلح في الثاني- نصب، ومثله قوله: {ولا تطغوا فيه فيحلّ عليكم غضبي} و{لا تفتروا على اللّه كذباً فيسحتكم بعذابٍ} و{لا تميلوا كلّ الميل فتذروها كالمعلّقة} وما كان من نفى ففيه ما في هذا، ولا يجوز الرفع في واحد من الوجهين إلا أن تريد الاستئناف؛ بخلاف المعنيين؛ كقولك للرجل: لا تركب إلى فلان فيركب إليك؛ تريد: لا تركب إليه فإنه سيركب إليك، فهذا مخالف للمعنيين؛ لأنه استئناف، وقد قال الشاعر:
ألم تسأل الّربع القديم فينطق ....... وهل تخبرنك اليوم بيداء سملق
أراد: ألم تسأل الربع فإنه يخبرك عن أهله، ثم رجع إلى نفسه فأكذبها، كما قال زهير بن أبى سلمى المزنيّ:
قف بالدّيار التي لم يعفها القدم ....... بلى وغيّرها الأرواح والدّيم
فأكذب نفسه.
وأمّا قوله: {ولا تطرد الّذين يدعون ربّهم بالغداة والعشي} فإنّ جوابه قوله: {فتكون من الظّالمين}، والفاء التي في قوله: {فتطردهم} جواب لقوله: {ما عليك من حسابهم من شيء}، ففي قوله: {فتكون من الظّالمين} الجزم والنصب على ما فسّرت لك، وليس في قوله: {فتطردهم} إلا النصب، لأنّ الفاء فيها مردودة على محلٍّ وهو قوله: {ما عليك من حسابهم}، و{عليك} لا تشاكل الفعل، فإذا كان ما قبل الفاء اسما لا فعل فيه، أو محلاّ مثل قوله: "عندك وعليك وخلفك"، أو كان فعلا ماضيا مثل: " قام وقعد" لم يكن في الجواب بالفاء إلا النصب. وجاز في قوله:

فيذرك من أخرى القطاة فتزلق
لأن الذي قبل الفاء "يفعل" والذي بعدها "يفعل"، وهذا مشاكل بعضه لبعض؛ لأنه فعل مستقبل فيصلح أن يقع على آخره ما يقع على أوّله، وعلى أوّله ما يقع على آخره؛ لأنه فعل مستقبل). [معاني القرآن: 1/ 27-28]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وقلنا يا آدم} هذا شيء تكلمت به العرب، تتكلم بالواحد على لفظ الجميع.
{فكلا منها رغداً} الرغد: الكثير الذي لا يعنّيك من ماء أو عيش أو كلأ أو مال، يقال: قد أرغد فلان، أي: أصاب عيشًا واسعاَ، قال الأعشى:
زبداً بمصرٍ يوم يسقى أهلها ....... رغداً تفجّره النبيط خلالها
). [مجاز القرآن: 1/ 38]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنّة وكلا منها رغداً حيث شئتما ولا تقربا هذه الشّجرة فتكونا من الظّالمين}
باب الدعاء:
قوله: {يا آدم اسكن} و{يا آدم أنبئهم} و{يا فرعون إني رسولٌ} فكل هذا إنما ارتفع لأنه اسم مفرد، والاسم المفرد مضموم في الدعاء، وهو في موضع نصب، ولكنه جعل كالأسماء التي ليست بمتمكنة.
فإذا كان مضافا انتصب؛ لأنه الأصل، وإنما يريد "أعني فلاناً" و"أدعو"، وذلك مثل قوله: {يا أبانا ما لك لا تأمنّا} و{ربّنا ظلمنا أنفسنا} إنما يريد: "يا ربّنا ظلمنا أنفسنا"، وقوله: {ربّنا تقبّل منّا} هذا باب الفاء.
قوله: {ولا تقربا هذه الشّجرة فتكونا من الظّالمين} فهذا الذي يسميه النحويون "جواب الفاء"، وهو ما كان جواباً للأمر والنهي والاستفهام والتمني والنفي والجحود، ونصب ذلك كله على ضمير "أن"، وكذلك الواو وإن لم يكن معناها مثل معنى الفاء.
وإنما نصب هذا؛ لأن الفاء والواو من حروف العطف، فنوى المتكلم أن يكون ما مضى من كلامه اسما ًحتى كأنه قال "لا يكن منكما قرب الشجرة"، ثم أراد أن يعطف الفعل على الاسم فأضمر مع الفعل "أن"؛ لأن "أن" مع الفعل تكون اسماَ فيعطف اسماً على اسم، وهذا تفسير جميع ما انتصب من الواو والفاء، ومثل ذلك قوله: {لا تفتروا على اللّه كذباً فيسحتكم بعذابٍ} هذا جواب النهي، و{لا يقضى عليهم فيموتوا} جواب النفي، والتفسير ما ذكرت لك.
وقد يجوز إذا حسن أن تجري الآخر على الأول أن تجعله مثله نحو قوله: {ودّوا لو تدهن فيدهنون} أي: "ودّوا لو يدهنون"، ونحو قوله: {ودّ الّذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون} جعل الأول فعلا ولم ينو به الاسم، فعطف الفعل على الفعل وهو التمني، كأنه قال: "ودّوا لو تغفلون ولو يميلون"، وقال: {لا يؤذن لهم فيعتذرون} أي: "لا يؤذن لهم ولا يعتذرون" وما كان بعد هذا جواب المجازاة بالفاء والواو، فإن شئت أيضاً نصبته على ضمير "أن" إذا نويت بالأول أن تجعله اسماً، كما قال: {إن يشأ يسكن الرّيح فيظللن رواكد على ظهره}، {أو يوبقهنّ بما كسبوا ويعف عن كثيرٍ * ويعلم الّذين} فنصب، ولو جزمه على العطف كان جائزاً، ولو رفعه على الابتداء جاز أيضاً، وقال: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه فيغفر لمن يشاء} فتجزم {فيغفر} إذا أردت العطف، وتنصب إذا أضمرت "إن" ونويت أن يكون الأول اسماً، وترفع على الابتداء، وكل ذلك من كلام العرب، وقال: {قاتلوهم يعذّبهم اللّه بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم} ثم قال: {ويتوب اللّه على من يشاء} فرفع {ويتوب}؛ لأنه كلام مستأنف ليس على معنى الأول، ولا يريد: قاتلوهم يتب الله عليهم، ولو كان هذا لجاز فيه الجزم لما ذكرت، وقال الشاعر:
فإن يهلك أبو قابوس يهلك ....... ربيع الناس والشهر الحرام
ونمسك بعده بذناب عيشٍ
....... أجبّ الظهر ليس له سنام
فنصب "ونمسك" على ضمير "أن"، ونرى أن يجعل الأول اسماً، ويكون فيه الجزم -أيضاً- على العطف، والرفع على الابتداء، قال الشاعر:
ومن يغترب عن قومه لا يزل يرى ....... مصارع مظلومٍ مجرّا ومسحبا
ومن يغترب عن قومه لا يجد له
....... على من له رهطٌ حواليه مغضبا
وتدفن منه المحسنات وإن يسئ
....... يكن ما أساء النار في رأس كبكبا
فـ"تدفن" يجوز فيه الوجوه كلها، قال الشاعر:
فإن يرجع النعمان نفرح ونبتهج ....... ويأت معدّاً ملكها وربيعها
وإن يهلك النعمان تعر مطيّةٌ
....... وتخبأ في جوف العياب قطوعها
وقال تبارك وتعالى: {ومن عاد فينتقم اللّه منه} فهذا لا يكون إلا رفعا لأنه الجواب الذي لا يستغنى عنه، والفاء إذا كانت جواب المجازاة كان ما بعدها أبداً مبتدأ، وتلك فاء الابتداء لا فاء العطف، ألا ترى أنك تقول: "إن تأتني فأمرك عندي على ما تحبّ"، فلو كانت هذه فاء العطف لم يجز السكوت حتى تجيء لما بعد "إن" بجواب، ومثلها: {ومن كفر فأمتّعه قليلاً} وقال بعضهم: (فأمتّعه ثمّ أضطرّه) فـ(أضطرّه) إذا وصل الألف جعله أمراً، وهذا الوجه إذا أراد به الأمر يجوز فيه الضم والفتح، غير أن الألف ألف وصل وإنما قطعتها "ثمّ" في الوجه الآخر، لأنه كل ما يكون معناه "أفعل" فإنه مقطوع، من الوصل كان أو من القطع، قال: {أنا آتيك به} وهو من "أتى يأتي"، وقال: {آتّخذ من دونه آلهةً} فترك الألف التي بعد ألف الاستفهام؛ لأنها ألف "أفعل"، وقال الله تبارك وتعالى فيما يحكى عن الكفار: {لولا أخّرتني إلى أجلٍ قريبٍ فأصّدّق وأكن مّن الصّالحين}فقوله: {فأصّدّق} جواب للاستفهام، لأنّ {لولا} ههنا بمنزلة "هلا"، وعطف {وأكن} على موضع {فأصّدّق}؛ لأنّ جواب الاستفهام إذا لم يكن فيه فاء جزم -وقد قرأ بعضهم (فأصّدّق وأكون)- عطفها على ما بعد الفاء وذلك خلاف الكتاب، وقد قرئ: (من يضلل اللّه فلا هادي له ويذرهم) فجزم (يذرهم) على أنه عطف على موضع الفاء؛ لأن موضعها يجزم إذا كانت جواب المجازاة، ومن رفعها على أن يعطفها على ما بعد الفاء، فهو أجود، وهي قراءة، وقال: {وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خيرٌ لّكم ويكفّر عنكم} جزم، ورفع على ما فسرت، وقد يجوز في هذا وفي الحرف الذي قبله النصب؛ لأنه قد جاء بعد جواب المجازاة مثل: {ويعلم الّذين يجادلون في آياتنا} و{ولمّا يعلم اللّه الّذين جاهدوا منكم ويعلم الصّابرين} فانتصب الآخر؛ لأن الأوّل نوى أن يكون بمنزلة الاسم وفي الثاني الواو وإن شئت جزمت على العطف، كأنك قلت: {ولمّا يعلم الصابرين} فإن قال قائل: {ولما يعلم الله الصابرين}، {ولمّا يعلم اللّه الّذين جاهدوا منكم} فهو لم يعلمهم؟
قلت: بل قد علم، ولكنّ هذا فيما يذكر أهل التأويل ليبين للناس، كأنه قال: "ليعلمه الناس"، كما قال: {لنعلم أيّ الحزبين أحصى لما لبثوا أمداً} وهو قد علم؛ ولكن ليبين ذلك، وقد قرأ أقوام أشباه هذا في القرآن: (ليعلم أيّ الحزبين) ولا أراهم قرأوه إلاّ لجهلهم بالوجه الآخر.
ومما جاء بالواو: {ولا تلبسوا الحقّ بالباطل وتكتموا الحقّ}؛ إن شئت جعلت {وتكتموا الحقّ} نصباً إذا نويت أن تجعل الأول اسماً فتضمر مع {تكتموا} "أن" حتى تكون اسماً، وإن شئت عطفتها فجعلتها جزماً على الفعل الذي قبلها، قال: {ألم أنهكما عن تلكما الشّجرة وأقل لّكما} فعطف القول على الفعل المجزوم فجزمه، وزعموا أنه في قراءة ابن مسعود: (وأقول لّكما) على ضمير "أن"، ونوى أن يجعل الأوّل اسماً، وقال الشاعر:
لقد كان في حولٍ ثواءٍ ثويته ....... تقضّي لباناتٍ ويسأم سائم
"ثواءٌ" و"ثواءً" أو "ثواءٍ" رفع ونصب وخفض، فنصب على ضمير "أن"؛ لأن التقضي اسم، ومن قال: "فتقضى" رفع: "ويسأم"؛ لأنه قد عطف على فعل، وهذا واجبٌ، وقال الشاعر:
فإن لم أصدّق ظنّكم بتيقّنٍ ....... فلا سقت الأوصال منّي الرّواعد
ويعلم أكفائي من الناس أنّني
....... أنا الفارس الحامي الذمار المذاود
وقال الشاعر:
فإن يقدر عليك أبو قبيسٍ ....... نمطّ بك المنيّة في هوان
وتخضب لحيةٌ غدرت وخانت
....... بأحمر من نجيع الجوف آن
فنصب هذا كله؛ لأنه نوى أن يكون الأوّل اسماً، فأضمر بعد الواو "أن" حتى يكون اسماً مثل الأول فتعطفه عليه، وأما قوله: {لو أنّ لنا كرّةً فنتبرّأ منهم} و{فلو أنّ لنا كرّةً فنكون من المؤمنين} فهذا على جواب التمني، لأنّ معناه "ليت لنّا كرّةً". وقال الشاعر:
فلست بمدركٍ ما فات مني ....... بـ"لهف" ولا بـ"ليت" ولا "لواني"
فأنزل "لواني" بمنزلة "ليت"؛ لأن الرجل إذا قال: "لو أنّي كنت فعلت كذا وكذا "، فإنما تريد: "وددت لو كنت فعلت"، وإنّما جاز ضمير "أن" في غير الواجب، لأن غير الواجب يجيء ما بعده على خلاف ما قبله ناقضاً له. فلما حدث فيه خلاف لأوله جاز هذا الضمير، والواجب يكون آخره على أوله نحو قول الله عز وجل: {ألم تر أنّ اللّه أنزل من السّماء ماءً فتصبح الأرض مخضرّةً} فالمعنى: "اسمعوا أنزل اللّه من السماء ماءً" فهذا خبر واجب، و{ألم تر} تنبيه، وقد تنصب الواجب في الشعر. قال الشاعر:
سأترك منزلي لبني تميمٍ ....... وألحق بالحجاز فأستريحا
وهذا لا يكاد يعرف، وهو في الشعر جائز، وقال طرفة:
لها هضبةٌ لا يدخل الذلّ وسطها ....... ويأوي إليها المستجير فيعصما
واعلم أن إظهار ضمير "أن" في كل موضع أضمر فيه من الفاء لا يجوز، ألا ترى أنك إذا قلت: "لا تأته فيضربك" لم يجز أن تقول: "لا تأته فأن يضربك"، وإنما نصبته على "أن" فلا يحسن إظهاره، كما لا يجوز في قولك: "عسى أن تفعل": "عسى الفعل"، ولا في قولك: "ما كان ليفعل": "ما كان لأن يفعل"، ولا إظهار الاسم الذي في قولك "نعم رجلاً"، فرب ضمير لا يظهر؛ لأن الكلام إنما وضع على أن يضمر، فإذا ظهر كان ذلك على غير ما وضع في اللفظ، فيدخله اللبس). [معاني القرآن: 1 /47-53]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {وكلا منها رغدا}؛ فالرغد: العيش الواسع، وقد رغد القوم يرغدون وأرغدوا؛ وقالوا أيضًا: رغدت معيشته، ففتحوا.
وقال الأعشى:
ربذ بمصر يوم يسقي أهلها = رغدًا تفجره النبيط خلالها.
وقال عدي:
فأنتم مرغد يرعى محبته = ولا يزال بأمن مونقا دارا
فأما قوله {حيث شئتما} فالعرب تقول: من حيث خرجت، فتضم؛ وقال بعضهم: من حيث خرجت، فكسر؛ وقال بعضهم: من حيث خرجت، ففتح؛ وكذلك حوت مثل حيث، في جميع ما ذكرنا.
[معاني القرآن لقطرب: 300]
وبعضهم قال: حيث - بالضم - تعلم، موافق؛ ورأيته حيث تعلم، ومن حيث تعلم؛ فيجري عليه الإعراب، وكذلك حوث.
قال أبو علي قطرب: وسنخبر عن ذلك في الإعراب؛ إن شاء الله.
وقوله {ولا تقربا هذه الشجرة} فكان الزهري يقول: هي السنبلة، والحبة منها مثل كلى البقرة، وقال أيضًا: التين في التفسير؛ وقال ابن عباس رحمه الله: كانت الشجرة التي نهى عنها آدم - صلى الله عليه - شجرة العلم، علم ما بين الطاعة والمعصية، وقال الحسن: ما كانت خير شجر الجنة، وقد كان في الجنة ما هو خير منها). [معاني القرآن لقطرب: 301]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({فكلا منها رغدا}: الرغد: الكثير الذي لا يعينك من ماء أو عيش أو كلأ. يقال: "قد ارغد فلان" أي: أصاب عيشا واسعا). [غريب القرآن وتفسيره: 68]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ)
: ({وكلا منها رغداً} أي: رزقاً واسعاً كثيراً، يقال: أرغد فلان إذا صار في خصب وسعة). [تفسير غريب القرآن: 46]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنّة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشّجرة فتكونا من الظّالمين (35)}
الرغد: الكثير الذي لا يعنيك.
وقوله عزّ وجلّ: {ولا تقربا هذه الشّجرة فتكونا من الظّالمين} أي: إن عملتما بأعمال الظالمين صرتما منهم، ومعنى {لا تقربا} ههنا: لا تأكلا، ودليل ذلك قوله: {وكلا منها رغدا حيث شئتما ولاتقربا هذه الشّجرة} أي: لا تقرباها في الأكل، {ولا تقربا} جزم بالنفي.
وقوله عزّ وجلّ: {فتكونا من الظالمين} نصب، لأن جواب النهي بالفاء نصب، ونصبه عند سيبويه والخليل بإضمار أن، والمعنى: لا يكن منكما قرب لهذه الشجرة فتكونا من الظالمين، ويجوز أن يكون {فتكونا} جزم على العطف، على قوله: ولا تقربا فتكونا). [معاني القرآن: 1/ 114]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({رغدًا}: واسعًا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 26]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({رَغَداً}: كثيرا). [العمدة في غريب القرآن: 73]

تفسير قوله تعالى: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وقلنا اهبطوا بعضكم لبعضٍ عدوٌّ ولكم في الأرض مستقرٌّ ومتاعٌ إلى حينٍ...}
فإنه خاطب آدم وامرأته، ويقال أيضا: آدم وإبليس، وقال: "اهبطوا" يعنيه ويعني ذرّيته، فكأنه خاطبهم، وهو كقوله: {فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين} المعنى -والله أعلم-: أتينا بما فينا من الخلق طائعين، ومثله قول إبراهيم: {ربّنا واجعلنا مسلمين لك} ثم قال: {وأرنا مناسكناً} وفي قراءة عبد الله: (وأرهم مناسكهم) فجمع قبل أن تكون ذرّيته، فهذا ومثله في الكلام مما تتبيّن به المعنى، أن تقول للرجل: قد تزوّجت وولد لك فكثرتم وعززتم). [معاني القرآن: 1/ 31]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({فأزلّهما الّشيطان} أي: استزلهما. {ومتاعٌ إلى حينٍ}: إلى غاية ووقت).
[مجاز القرآن: 1/ 38]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({فأزلّهما الشّيطان عنها فأخرجهما ممّا كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعضٍ عدوٌّ ولكم في الأرض مستقرٌّ ومتاعٌ إلى حينٍ}
أما قوله: {فأزلّهما الشّيطان عنها} فإنما يعني "الزلل"، تقول: "زلّ فلان" و"أزللته" و"زال فلان" و"أزاله فلان"، والتضعيف القراءة الجيدة، وبها نقرأ، وقال بعضهم: (فأزالهما) أخذها من "زال يزول"، تقول: "زال الرجل" و"أزاله فلان".
وقال: {اهبطوا بعضكم لبعضٍ عدوٌّ} فإنما قال: {اهبطوا} -والله أعلم- لأنّ إبليس كان ثالثهم، فلذلك جمع). [معاني القرآن: 1/ 53]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قراءة الحسن وأبي عمرو {فأزلهما}، من أزل، يزل إزلالاً، من الزلل.
[معاني القرآن لقطرب: 243]
الأعمش {فأزالهما}، من أزال يزيل إزالة، من زال عنه، وأزلته أنا). [معاني القرآن لقطرب: 244]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله عز وجل {فأزلهما} يكون من قوله {فإن زللتم} بالبقرة: وأزلكم الشيطان؛ يقال: قد أزللت إليك نعمة، إزلالاً، أي أسديت إليك.
قال كثير:
وإني وإن صدت لمثن وصادق = عليها بما كانت إلينا أزلت
أي أسدت واصطنعت). [معاني القرآن لقطرب: 301]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({فأزلهما الشيطان}: أي استزلهما).[غريب القرآن وتفسيره: 68]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فأزلّهما} من "الزلل"، بمعنى استزلّهما، تقول: زلّ فلان وأزللته، ومن قرأ: (فأزالهما) أراد نحّاهما، من قولك: أزلتك عن موضع كذا، أو أزلتك عن رأيك إلى غيره.
{بعضكم لبعضٍ عدوٌّ} يعني: الإنسان وإبليس، ويقال: والحيّة.
{ولكم في الأرض مستقرٌّ}: موضع استقرار. {ومتاعٌ} أي: متعة. {إلى حينٍ} يريد إلى أجل). [تفسير غريب القرآن: 46]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {فأزلّهما الشّيطان عنها فأخرجهما ممّا كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدوّ ولكم في الأرض مستقرّ ومتاع إلى حين (36)} معناه: أنهما أزلّا بإغواء الشيطان إياهما، فصار كأنّه أزلّهما، كما تقول -للذي يعمل ما يكون وصلة إلى أن يزلك من حال جميلة إلى غيرها-: أنت أزللتني عن هذا، أي: قبولي منك أزلني، فصرت أنت المزيل لي.
ومعنى "الشيطان" في اللغة: الغالي في الكفر المتبعد فيه من الجن والإنس، والشطن في لغة العرب: الخبل، والأرض الشطون: البعيدة، وإنما الشيطان "فيعال" من هذا.
وقد قرئ: (فَأَزالهُمَا الشيطان) من زلت وأزالني غيري، و"أزلهما" من زللت وأزلني غيري، ولـ"زللت" ههنا وجهان:
يصلح أن يكون {فأزلهما الشيطان}: أكسبهما الزلة والخطيئة، ويصلح أن يكون {فأزلهما}: نحّاهما، كلا القراءتين صواب حسن.
وقوله عزّ وجلّ {وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدوّ}: جمع الله للنبي -صلى الله عليه وسلم- قصة هبوطهم، وإنما كان إبليس أُهبِطَ أولاً، والدليل على ذلك قوله عزّ وجل: {اخرج منها فإنّك رجيم}، وأهبط آدم وحواء بعد، فجمع الخبر للنبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنهم قد اجتمعوا في الهبوط، وإن كانت أوقاتهم متفرقة فيه.
وقوله {بعضكم لبعض عدوّ}: إبليس عدو للمؤمنين من ولد آدم، وعداوته لهم: كفر، والمؤمنون أعداء إبليس، وعداوتهم له: إيمان.
وقوله عزّ وجلّ {ولكم في الأرض مستقرّ} أي: مقام وثبوت.
وقوله {إلى حين} قال قوم: معنى الحين ههنا: إلى يوم القيامة، وقال قوم: إلى فناء الآجال، أي: كل مستقر إلى فناء أجله، والحين والزمان في اللغة منزلة واحدة، وبعض الناس يجعل الحين -في غير هذا الموضع-: ستة أشهر، دليله قوله: {تؤتي أكلها كلّ حين بإذن ربّها}، وإنما {كل حين} ههنا جعل لمدة معلومة، والحين يصلح للأوقات كلها إلا أنه -في الاستعمال- في الكثير منها أكثر، يقال: ما رأيتك منذ حين، تريد منذ حين طويل، والأصل على ما أخبرنا به). [معاني القرآن: 1 /115-116]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ("فأزالهما" بالألف من الزوال، أي: نحاهما، وبغير ألف من الزلل، أي: استزلهما).
[تفسير المشكل من غريب القرآن: 26]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فَأَزَلَّهُمَا}: حملهما على الخطأ. (فَأَزَلََهُمَا): عدل بهما. {مُسْتَقَرّ}: ثبات. {وَمَتَاعٌ}: منافع. {إِلَى حِينٍ}: إلى أجل ومدة). [العمدة في غريب القرآن: 73]

تفسير قوله تعالى: {فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فتلقّى آدم من رّبّه كلماتٍ...}
فـ {آدم} مرفوع، و"الكلمات" في موضع نصب، وقد قرأ بعض القرّاء: "فتلقّى آدم من ربّه كلماتٌ" فجعل الفعل للكلمات، والمعنى -والله أعلم- واحد؛ لأن ما لقيك فقد لقيتَه، وما نالك فقد نلته، وفي قراءتنا: {لا ينال عهدي الظّالمين} وفي حرف عبد الله: (لا ينال عهدي الظّالمون) ). [معاني القرآن: 1/ 28]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({فتلقى آدم من ربّه كلماتٍ}: أي: قبلها وأخذها عنه.
قال أبو مهدي، وتلا علينا آية، فقال: تلقيتها من عمّي، تلقّاها عن أبي هريرة، تلقّاها عن النبي عليه السلام.
{إنّه هو التّواب} أي: يتوب على العباد، والتوّاب من الناس: الذي يتوب من الذنب). [مجاز القرآن: 1/ 39]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({فتلقّى آدم من رّبّه كلماتٍ فتاب عليه إنّه هو التّوّاب الرّحيم}
قوله: {فتلقّى آدم من رّبّه كلماتٍ} فجعل "آدم" المتلقي، وقد قرأ بعضهم (آدمَ) نصبًا، ورفع "الكلمات" جعلهن المتلّقيات). [معاني القرآن: 1 /53]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (ابن عباس رحمه الله {فتلقى آدم من ربه كلمات}، يرفع الكلمات يجعلها الفاعلة.
الحسن وأبو عمرو {فتلقى آدم من ربه كلمات}، يوقع الفعل عليها). [معاني القرآن لقطرب: 246]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({فتلقى آدم من ربه كلمات} أي: قبلها، أخذها عنه). [غريب القرآن وتفسيره: 68]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فتلقّى آدم من ربّه كلماتٍ} أي: قبلها وأخذها، كأن اللّه أوحى إليه أن يستغفره ويستقبله بكلام من عنده، ففعل ذلك آدم {فتاب عليه} وفي الحديث: أن رسول اللّه -صلّى اللّه عليه سلم وعلى آله- كان يتلقى الوحي من جبريل، أي: يتقبّله ويأخذه). [تفسير غريب القرآن: 47]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {فتلقّى آدم من ربّه كلمات فتاب عليه إنه هو التّوّاب الرّحيم (37)}
"الكلمات" -واللّه أعلم-: اعتراف آدم عليه السلام وحواء بالذنب؛ لأنهما قالا: {ربّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين (23)} اعترفا بذنبهما وتابا، وفي هذه الآية موعظة لولدهما، وتعريفهم كيف السبيل إلى التنصّل من الذنوب، وأنه لا ينفع إلا الاعتراف والتوبة، لأن ترك الاعتراف بما حرّم اللّه -عزّ وجلّ- حرام وكفر باللّه، فلا بد من الاعتراف مع التوبة، فينبغي أن يفهم هذا المعنى، فإنه من أعظم ما يحتاج إليه من الفوائد.
وقرأ ابن كثير: (فتلقى آدمَ من ربّه كلمات)، والاختيار ما عليه الإجماع، وهو في العربية أقوى، لأن آدم تعلم هذه الكلمات، فقيل: تلقّى هذه الكلمات، والعرب تقول: تلقيت هذا من فلان، المعنى: فهمي قبله من لفظه). [معاني القرآن : 1/ 116-117]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فتلقى آدم من ربه كلمات} أي: قبلها وأخذ بها، ومن رفع (الكلمات) ونصب (آدم) فمعناه: أنقذته والحيّة من الخطيئة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 26]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فَتَلَقَّى}: قبل). [العمدة في غريب القرآن: 73]

تفسير قوله تعالى: {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({قلنا اهبطوا منها جميعاً فإمّا يأتينّكم مّنّي هدًى فمن تبع هداي فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون}
قال: {فإمّا يأتينّكم مّنّي هدًى فمن تبع هداي}، وذلك أن "إمّا" في موضع المجازاة، وهي "إما" لا تكون "أما"، وهي "إن" زيدت معها "ما" وصار الفعل الذي بعدها بالنون الخفيفة أو الثقيلة، وقد يكون بغير نون.
وإنّما حسنت فيه النون لما دخلته "ما"؛ لأنّ "ما" نفي وهو ما ليس بواجب، وهي من الحروف التي تنفي الواجب، فحسنت فيه النون، نحو قولهم: "بعينٍ مّا أرينّك" حين أدخلت فيها "ما" حسنت النون، ومثل "إمّا" ههنا قوله: {فإمّا ترينّ من البشر أحداً} وقوله: {قل رّبّ إمّا ترينّي ما يوعدون ربّ فلا تجعلني زفي القوم الظّالمين} فالجواب في قوله: {فلا تجعلني}، وأشباه هذا في القرآن والكلام كثير.
وأما "إمّا" في غير هذا الموضع الذي يكون للمجازاة؛ فلا تستغني حتى ترد "إمّا" مرتين، نحو قوله: {إنّا هديناه السّبيل إمّا شاكراً وإمّا كفوراً}، ونحو قوله: {حتّى إذا رأوا ما يوعدون إمّا العذاب وإمّا السّاعة} وإنما نصب لأنّ "إمّا" هي بمنزلة "أو" ولا تعمل شيئاً، كأنه قال: "هديناه السبيل شاكراً أو كفورا" فنصبه على الحال، و"حتى رأوا ما يوعدون العذاب أو الساعة" فنصبه على البدل.
وقد يجوز الرفع بعد "إمّا" في كل شيء يجوز فيه الابتداء، ولو قلت: "مررت برجل إمّا قاعدٍ وإمّا قائمٍ" جاز، وهذا الذي في القرآن جائز أيضاً، ويكون رفًعا إلا أنه لم يقرأ.
وأما التي تستغني عن التثنية فتلك تكون مفتوحة الألف أبدًا، نحو قولك "أمّا عبد الله فمنطلق"، وقوله: {فأمّا اليتيم فلا تقهر (9) وأمّا السّائل فلا تنهر}، و{وأمّا ثمود فهديناهم}، فكلّ ما لم يحتج فيه إلى تثنية "أمّا" فألفها مفتوحة إلا تلك التي في المجازاة، و"أمّا" أيضاً لا تعمل شيئا ألا ترى أنك تقول: {وأمّا السّائل فلا تنهر} فتنصبه بـ"تنهر" ولم تغيّر "أمّا" شيئاً منه.
باب الإضافة:
أما قوله: {فمن تبع هداي فلا خوفٌ عليهم} فانفتحت هذه الياء على كل حال؛ لأن الحرف الذي قبلها ساكن، وهي الألف التي في "هدى"، فلما احتجت إلى حركة الياء حركتها بالفتحة؛ لأنها لا تحرك إلا بالفتح، ومثل ذلك قوله: {عصاي أتوكّأ عليها}، ولغة للعرب يقولون: "عصيّ يا فتى"، و(هديّ فلا خوفٌ عليهم)، لما كان قبلها حرف ساكن وكان ألفاً، قلبته إلى الياء حتى تدغمه في الحرف الذي بعده، فيجرونها مجرى واحداً وهو أخف عليهم.
وأما قوله: {هذا ما لديّ عتيدٌ} و{هذا صراطٌ عليّ مستقيمٌ} و{ثمّ إليّ مرجعكم} فإنما حركت بالإضافة لسكون ما قبلها، وجعل الحرف الذي قبلها ياء، ولم يقل: "علاي" ولا "لداي" كما تقول: "على زيد" و"لدى زيد" ليفرقوا بينه وبين الأسماء، لأن هذه ليست بأسماء. و"عصاي" و"هداي" و"قفاي" أسماء. وكذلك {أفتوني في رؤياي} و(يا بشرايا هذا غلامٌ) لأنّ آخر "بشرى" ساكن، وقال بعضهم: (يا بشراي هذا غلام) لا يريد الإضافة، كما تقول "يا بشارة".
فإذا لم يكن الحرف ساكناً؛ كنت في الياء بالخيار، إن شئت أسكنتها، وإن شئت فتحتها، نحو: {إنّي أنا اللّه} و(إنّيَ أنا اللّه)، و{ولمن دخل بيتي مؤمناً} و(بيتيَ)، و{فلم يزدهم دعائي إلاّ فراراً} و(دعائيَ إلاّ).
وكذلك إذا لقيتها ألف ولام زائدتان؛ فإن شئت حذفت الياء لاجتماع الساكنينن وإن شئت فتحتها كيلا يجتمع حرفان ساكنان، إلا أن أحسن ذلك الفتح، نحو قول الله تبارك وتعالى: {جاءني البيّنات من رّبّي} و{نعمتي الّتي} وأشباه ذا، وبها نقرأ.
وإن لقيته أيضاً ألف وصل بغير لام؛ فأنت فيه أيضاً بالخيار، إلاّ أن أحسنه في هذا الحذف، وبها نقرأ، {إنّي اصطفيتك على النّاس} و{هارون أخي اشدد به أزري} فإذا كان شيء من هذا في الدعاء، حذفت منه الياء نحو: {يا عباد فاتّقون} و{ربّ قد آتيتني من الملك} و{رّبّ إمّا ترينّي ما يوعدون}.
ومن العرب من يحذف هذه الياءات في الدعاء وغيره من كل شيء. وذلك قبيح قليل إلا ما في رؤوس الآي، فإنه يحذف في الوقف. كما تحذف العرب في أشعارها من القوافي نحو قوله:
أبا منذرٍ أفنيت فاستبق بعضنا ....... حنانيك بعض الشرّ أهون من بعض
وقوله:
ألا هبّي بصحنك فاصبحينا ....... ولا تبقي خمور الأندرين
إذا وقفوا، فإذا وصلوا قالوا: "من بعضي" و"الأندرينا"، وذلك في رؤوس الآي كثير نحو قوله: {بل لّمّا يذوقوا عذاب} و{وإيّاي فاتّقون}، فإذا وصلوا أثبتوا الياء، وقد حذف قوم الياء في السكوت والوصل، وجعلوه على تلك اللغة القليلة، وهي قراءة العامة، وبها نقرأ؛ لأن الكتاب عليها، وقد سكت قوم بالياء ووصلوا بالياء، وذلك على خلاف الكتاب؛ لأن الكتاب ليست فيه ياء، وهي اللغة الجيدة، وقد سمعنا عربياً فصيحاً ينشد:
فما وجد النّهدي وجداً وجدته ....... ولا وجد العذريّ قبل جميل
يريد "قبلي" فحذف الياء، وقد أعمل بعضهم "قبل" إعمال ما ليس فيه ياء، فقال: "قبل جميل"، وهو يريد: "قبلي"، كما قال بعض العرب: "يا ربّ اغفر لي" فرفع، وهو يريد "يا ربّي".
وأما قوله: {وتظنّون باللّه الظّنونا} و{أضلّونا السّبيلا} فتثبت فيه الألف؛ لأنهما رأس آية؛ لأن قوماً من العرب يجعلون أواخر القوافي إذا سكتوا عليها على مثل حالها إذا وصلوها، وهم أهل الحجاز، وجميع العرب إذا ترنموا في القوافي: أثبتوا في أواخرها الياء والواو والألف، وأما قوله: {يا أبت إنّي أخاف} فأنث هذا الاسم بالهاء كقولك "رجلٌ ربعةٌ" و"غلامٌ يفعةٌ"، أو يكون أدخلها لما نقص من الاسم عوضا، وقد فتح قوم كأنهم أرادوا "يا أبتا" فحذفوا الألف كما يحذفون الياء، كما قال الشاعر:
ولست بمدرك ما فات مني ....... "لهف" ولا بـ"ليت" ولا لوآني"
يريد: "لهفاه". ومما يدلك على أن هذا الاسم أنث بالهاء قول الشاعر:
تقول ابنتي لما رأتني شاحباً ........ كأنّك فينا يا أبات غريب
فرد الألف وزاد عليها الهاء، كما أنث في قوله "يا أمتاه" فهذه ثلاثة أحرف، ومن العرب من يقول: "يا أمّ لا تفعلي" رخّم كما قال: "يا صاح"، ومنهم من يقول: "يا أميّ" و"يا أبي" على لغة الذين قالوا: "يا غلامي"، ومنهم من يقول: "يا أب" و"يا أمّ"، وهي الجيدة في القياس). [معاني القرآن: 1 /53-57]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قراءة الحسن {فمن تبع هداي}، وهي الأحسن.
عبد الله بن أبي إسحاق "فمن تبع هدي"، و"محيي"، وهي لغة فاشية في أهل العالية وبعض هذيل وبعض فزارة - فيما زعم يونس - في كل مقصور نحو: "عصي" وقفي و"يا بشري"؛ ولا يقال في ألف الاثنين؛ لأن ذلك تغيير للإعراب، فيلتبس في الخفض والنصب.
قال أبو ذؤيب الهذلي على هذه اللغة:
تركوا هوي وأعنقوا لهواهم = فتخرموا ولكل جنب مصرع
[معاني القرآن لقطرب: 244]
وقال طلحة: "بايعت واللج على قفي"؛ أراد باللج السيف.
قراءة الحسن وأبي عمرو {فلا خوف عليهم}، على ليس خوف عليهم، وهو أحسن.
ولغة تميم {فلا خوف عليهم} على النفي، وقد حكيت عن الحسن، وهي قراءة عيسى بن عمر.
قال: الرفع حسن إذا كررت "لا" مرتين مثل: لا رجل فيها، ولا امرأة). [معاني القرآن لقطرب: 245]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {فمن تبع هداي} و"هدي" تقدم ذكر ذلك في القراءات، وقال الشاعر - على هدي -:
[معاني القرآن لقطرب: 301]
يطوف بي عكب في معد = ويطعن بالصملة في قفي
فإن لم تثأروا لي من عكب = فلا أرويتما أبدا صديا
وبعض فزارة يقول: هذا مثني ومعلي، في الوقف والوصل؛ يصيرها ياء مفتوحًا ما قبلها؛ ففي هذه الإضافة كأنهم أخذوها من لغة طيء). [معاني القرآن لقطرب: 302]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({قلنا اهبطوا منها} قال ابن عباس -في رواية أبي صالح عنه-: «كما يقال: هبط فلان أرض كذا»). [تفسير غريب القرآن: 47]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {قلنا اهبطوا منها جميعا فإمّا يأتينّكم منّي هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون (38)}
الفائدة في ذكر الآية: أنه عزّ وجلّ أعلمهم أنه يبتليهم بالطاعة وأنه يجازيهم بالجنة عليها وبالنّار على تركها، وأن هذا الابتلاء وقع عند الهبوط على الأرض.
وإعراب (إمّا) في هذا الموضع إعراب حروف الشرط والجزاء، إلا أن الجزاء إذا جاء في الفعل معه النون الثقيلة أو الخفيفة لزمتها "ما"، ومعنى لزومها إياها معنى التوكيد، وكذلك معنى دخول النون في الشرط التوكيد، والأبلغ فيما يؤمر العباد به التوكيد عليهم فيه.
وفتح ما قبل النون في قوله: {يأتينّكم} لسكون الياء وسكون النون الأولى، وجواب الشرط في الفاء مع الشر ط الثاني وجوابه، وهو {فمن تبع هداي}، وجواب {فمن تبع هداي} قوله: {فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون}.
و{هداي}: الأكثر في القراءة والرواية عن العرب {هداي فلا خوف} فالياء في {هداي} فتحت؛ لأنها أتت بعد ساكن وأصلها الحركة التي هي الفتح، فالأصل أن تقول: هذا غلاميَ قد جاء -بفتح الياء-؛ لأنها حرف في موضع اسم مضمر منع الإعراب، فألزم الحركة كما ألزمت "هو" وحذف الحركة جائز؛ لأن الياء من حروف المد واللين، فلما سكن ما قبلها لم يكن بد من تحريكها، فجعل حظها ما كان لها في الأصل من الحركة وهو الفتح، ومن العرب من يقولون: "هدي" و"عصى"، فمن قرأ بهذه القراءة: فإنما قلبت الألف إلى الياء، للياء التي بعدها، إلا أن شأنّ ياء الإضافة أن يكسر ما قبلها، فجعل بدل كسر ما قبلها -إذ كانت الألف لا يكسر ما قبلها، لا يكسر هي- قلبها ياء، وطيء تقول في: "هدى" و"عصا" و"أفعى" وما أشبه هذا -في الوقف-: "هُدَيْ" و"عَصَيْ" و"أفعى" بغير إضافة.
وأنشد أبو الحسن الأخفش وغيره من النحويين:
تبشري بالرفه والماء الروى ....... وفرج منك قريب قد أتى
وبعض العرب يجري ما يجريه في الوقف -في الأصل- مجراه في الوقف وليس هذا الوجه الجيد، وزعم سيبويه أن الذين أبدلوا من الألف الياء؛ أبدلوها في الوقف ليكون أبين لها، وحكى أيضاً أن قوما يقولون في الوقف "حبلو" و"أفعو".
وإنما يحكي أهل اللغة والعلم بها كل ما فيها، ليتميز الجيد المستقيم المطرد من غيره، ويجتنب غير الجيّد، فالباب في هذه الأشياء أن تنطق بها في الوصل والوقف بألف، فليس إليك أن تقلب الشيء لعلة ثم تنطق به على أصله والعلة لم تزل، فالقراءة التي ينبغي أن تلزم هي: {هداي فلا خوف} إلا أن تثبت برواية صحيحة "هديّ" فيقرأ بها. ووجهه من القياس ما وصفنا.
فأمّا قوله: {هذا صراط عليّ مستقيم} وقوله: {إليّ مرجعكم} فلا يجوز أن يقرأ "هذا صراط علاي"، ولا "ثمّ إلاي مرجعكم"، لأن الوصل كان في هذا: "إلاي" و "عَلاَي" ولكن الألف أبدلت منها مع المضمرات الياء، ليفصل بين ما آخره مما يجب أن نعرب ويتمكن، وما آخره مما لا يجب أن يعرب، فقلبت هذه الألف ياء لهذه العلة). [معاني القرآن: 1/ 117-119]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39)}


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 11 جمادى الأولى 1434هـ/22-03-2013م, 02:10 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35)}
قال أبو زكريا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وأهل الحجاز يقولون للمرأة: «زوج»، وسائر العرب يقولون: «زوجة»). [المذكور والمؤنث: 97]


تفسير قوله تعالى: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36)}
[لا يوجد]

تفسير قوله تعالى: {فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)}
[لا يوجد]

تفسير قوله تعالى: {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38)}
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (هذا باب ما لا تغير فيه (لا) الأسماء عن حالها التي كانت عليها قبل أن تدخل (لا)
ولا يجوز ذلك إلا أن تعيد (لا) الثانية من قبل أنه جواب لقوله: أغلام عندك أم جارية، إذا ادعيت أن أحدهما عنده. ولا يحسن إلا أن تعيد (لا) كما أنه لا يحسن إذا أردت المعنى الذي تكون فيه (أم) إلا أن تذكرها مع اسم بعدها.
وإذا قال: لا غلام، فإنما هي جواب لقوله: هل من غلام، وعملت (لا) فيما بعدها وإن كان في موضع ابتداء، كما عملت (من) في الغلام وإن كان في موضع ابتداء.
فمما لا يتغير عن حاله قبل أن تدخل عليه (لا) قول الله عز وجل ذكره: {لا خوف عليهم ولا هم يحزنون}). [الكتاب: 2/ 295]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39)}
[لا يوجد]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 28 جمادى الأولى 1435هـ/29-03-2014م, 06:59 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 28 جمادى الأولى 1435هـ/29-03-2014م, 06:59 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 28 جمادى الأولى 1435هـ/29-03-2014م, 07:00 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 28 جمادى الأولى 1435هـ/29-03-2014م, 07:00 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنّة وكلا منها رغداً حيث شئتما ولا تقربا هذه الشّجرة فتكونا من الظّالمين (35) فأزلّهما الشّيطان عنها فأخرجهما ممّا كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعضٍ عدوٌّ ولكم في الأرض مستقرٌّ ومتاعٌ إلى حينٍ (36)}
{اسكن} معناه لازم الإقامة، ولفظه لفظ الأمر ومعناه الإذن، و{أنت} تأكيد للضمير الذي في اسكن، و{زوجك} عطف عليه والزوج امرأة الرجل وهذا أشهر من زوجة، وقد تقدم، والجنّة البستان عليه حظيرة،
- واختلف في الجنة التي أسكنها آدم، هل هي جنة الخلد أو جنة أعدت لهما؟ وذهب من لم يجعلها جنة الخلد إلى أن من دخل جنة الخلد لا يخرج منها، وهذا لا يمتنع، إلا أن السمع ورد أن من دخلها مثابا لا يخرج منها، وأما من دخلها ابتداء كآدم فغير مستحيل ولا ورد سمع بأنه لا يخرج منها.
- واختلف متى خلقت حواء من ضلع آدم عليه السلام؟
فقال ابن عباس: «حين أنبأ الملائكة بالأسماء واسجدوا له ألقيت عليه السنة وخلقت حواء، فاستيقظ وهي إلى جانبه فقال فيما يزعمون: لحمي ودمي، وسكن إليها، فذهبت الملائكة لتجرب علمه، فقالوا له يا آدم ما اسمها؟ قال: حواء. قالوا: ولم؟».
قال: «لأنها خلقت من شيء حي، ثم قال الله له: اسكن أنت وزوجك الجنّة».
وقال ابن مسعود وابن عباس أيضا: «لما أسكن آدم الجنة مشى فيها مستوحشا، فلما نام خلقت حواء من ضلعه القصيرى، ليسكن إليها ويستأنس بها، فلما انتبه رآها، فقال: من أنت؟ قالت: امرأة خلقت من ضلعك لتسكن إلي»،
وحذفت النون من {كلا} للأمر، والألف الأولى لحركة الكاف حين حذفت الثانية لاجتماع المثلين وهو حذف شاذ، ولفظ هذا الأمر بـ{كلا} معناه الإباحة، بقرينة قوله: {حيث شئتما} والضمير في {منها} عائد على الجنّة.
وقرأ ابن وثاب والنخعي «رغدا» بسكون الغين، والجمهور على فتحها، والرغد العيش الدارّ الهنيّ الذي لا عناء فيه، ومنه قول امرئ القيس:
بينما المرء تراه ناعما ....... يأمن الأحداث في عيش رغد
و{رغداً} منصوب على الصفة لمصدر محذوف،
وقيل: هو نصب على المصدر في موضع الحال،
و{حيث} مبنية على الضم، ومن العرب من يبنيها على الفتح، ومن العرب من يعربها حسب موضعها بالرفع والنصب والخفض، كقوله سبحانه: {سنستدرجهم من حيث لا يعلمون} [الأعراف: 82، القلم: 44] ومن العرب من يقول «حوث»،
و{شئتما} أصله شيأتما حوّل إلى فعلتما تحركت ياؤه وانفتح ما قبلها جاء شائتما، حذفت الألف الساكنة الممدودة للالتقاء وكسرت الشين لتدل على الياء فجاء شئتما.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: هذا تعليل المبرد، فأما سيبويه فالأصل عنده شيئتما بكسر الياء، نقلت حركة الياء إلى الشين، وحذفت الياء بعد.
وقوله تعالى: {ولا تقربا هذه الشّجرة} معناه: لا تقرباها بأكل، لأن الإباحة فيه وقعت.
قال بعض الحذاق: «إن الله لما أراد النهي عن أكل الشجرة نهى عنه بلفظة تقتضي الأكل وما يدعو إليه وهو القرب».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا مثال بين في سد الذرائع.
وقرأ ابن محيصن هذي على الأصل، والهاء في هذه بدل من الياء، وليس في الكلام هاء تأنيث مكسور ما قبلها غير هذه، وتحتمل هذه الإشارة أن تكون إلى شجرة معينة واحدة، أو إلى جنس.
وحكى هارون الأعور عن بعض العلماء قراءة «الشّجرة» بكسر الشين و «الشجر» كل ما قام من النبات على ساق.
- واختلف في هذه الشّجرة التي نهى عنها ما هي؟
- فقال ابن مسعود وابن عباس: «هي الكرم ولذلك حرمت علينا الخمر».
- وقال ابن جريج عن بعض الصحابة: «هي شجرة التين».
- وقال ابن عباس أيضا وأبو مالك وعطية وقتادة: «هي السنبلة وحبها ككلى البقر، أحلى من العسل، وألين من الزبد».
- وروي عن ابن عباس أيضا: «أنها شجرة العلم، فيها ثمر كل شيء». قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا ضعيف لا يصح عن ابن عباس.
- وحكى الطبري عن يعقوب بن عتبة: «أنها الشجرة التي كانت الملائكة تحنك بها للخلد». قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا أيضا ضعيف.
- قال: «واليهود تزعم أنها الحنظلة، وتقول: إنها كانت حلوة ومرّت من حينئذ».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وليس في شيء من هذا التعيين ما يعضده خبر، وإنما الصواب أن يعتقد أن الله تعالى نهى آدم عن شجرة فخالف هو إليها وعصى في الأكل منها، وفي حظره تعالى على آدم الشجرة ما يدل على أن سكناه في الجنة لا يدوم، لأن المخلد لا يحظر عليه شيء، ولا يؤمر ولا ينهى.
وقيل: إن هذه الشجرة كانت خصت بأن تحوج آكلها إلى التبرز، فلذلك نهي عنها فلما أكل منها ولم تكن الجنة موضع تبرز أهبط إلى الأرض.
وقوله: {فتكونا} في موضع جزم على العطف على لا تقربا، ويجوز فيه النصب على الجواب، والناصب عند الخليل وسيبويه: «أن» المضمرة، وعند الجرمي: الفاء،
والظالم في اللغة الذي يضع الشيء غير موضعه، ومنه قولهم: «من أشبه أباه فما ظلم»، ومنه «المظلومة الجلد» لأن المطر لم يأتها في وقته، ومنه قول عمرو بن قمئة:
ظلم البطاح بها انهلال حريصة ....... فصفا النطاف له بعيد المقلع
والظلم في أحكام الشرع على مراتب، أعلاها الشرك، ثم ظلم المعاصي وهي مراتب، وهو في هذه الآية يدل على أن قوله: {ولا تقربا} على جهة الوجوب، لا على الندب، لأن من ترك المندوب لا يسمى ظالما، فاقتضت لفظة الظلم قوة النهي). [المحرر الوجيز: 1/ 181-184]

تفسير قوله تعالى: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (و«أزلهما» مأخوذ من الزلل، وهو في الآية مجاز، لأنه في الرأي والنظر، وإنما حقيقة الزلل في القدم.
قال أبو علي: {فأزلّهما} يحتمل تأويلين: أحدهما: كسبهما الزلة، والآخر: أن يكون من زل إذا عثر.
وقرأ حمزة: «فأزالهما»، مأخوذ من الزوال، كأنه المزيل لما كان إغواؤه مؤديا إلى الزوال. وهي قراءة الحسن وأبي رجاء،
ولا خلاف بين العلماء أن إبليس اللعين هو متولي إغواء آدم. واختلف في الكيفية،
- فقال ابن عباس وابن مسعود وجمهور العلماء: «أغواهما مشافهة»، ودليل ذلك قوله تعالى: {وقاسمهما} والمقاسمة ظاهرها المشافهة.
- وقال بعضهم: إن إبليس لما دخل إلى آدم كلمه في حاله، فقال: يا آدم ما أحسن هذا لو أن خلدا كان، فوجد إبليس السبيل إلى إغوائه، فقال: هل أدلك على شجرة الخلد؟
- وقال بعضهم: دخل الجنة في فم الحية وهي ذات أربع كالبختية، بعد أن عرض نفسه على كثير من الحيوان فلم تدخله إلا الحية، فخرج إلى حواء وأخذ شيئا من الشجرة، وقال: انظري ما أحسن هذا فأغواها حتى أكلت، ثم أغوى آدم، وقالت له حواء: كل فإني قد أكلت فلم يضرني فأكل فبدت لهما سوءاتهما، وحصلا في حكم الذنب، ولعنت الحية وردت قوائمها في جوفها، وجعلت العداوة بينها وبين بني آدم، وقيل لحواء: كما أدميت الشجرة فكذلك يصيبك الدم في كل شهر، وكذلك تحملين كرها، وتضعين كرها، تشرفين به على الموت مرارا. زاد الطبري والنقاش: «وتكونين سفيهة، وقد كنت حليمة».
- وقالت طائفة: إن إبليس لم يدخل الجنة إلى آدم بعد أن أخرج منها، وإنما أغوى آدم بشيطانه وسلطانه ووساوسه التي أعطاه الله تعالى، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم».
والضمير في {عنها} عائد على الشّجرة في قراءة من قرأ «أزلهما»، ويحتمل أن يعود على الجنّة فأما من قرأ «أزالهما» فإنه يعود على الجنّة فقط، وهنا محذوف يدل عليه الظاهر، تقديره فأكلا من الشجرة.
وقال قوم: «أكلا من غير التي أشير إليها فلم يتأولا النهي واقعا على جميع جنسها».
وقال آخرون: «تأولا النهي على الندب».
وقال ابن المسيب: «إنما أكل آدم بعد أن سقته حواء الخمر فكان في غير عقله».
وقوله تعالى: {فأخرجهما ممّا كانا فيه} يحتمل وجوها،
- فقيل: أخرجهما من الطاعة إلى المعصية.
- وقيل: من نعمة الجنة إلى شقاء الدنيا.
- وقيل: من رفعة المنزلة إلى سفل مكانة الذنب.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا كله يتقارب.
وقرأ أبو حيوة: «اهبطوا» بضم الباء. «ويفعل» كثير في غير المتعدي وهبط غير متعدّ. والهبوط: النزول من علو إلى أسفل.
واختلف من المخاطب بالهبوط،
- فقال السدي وغيره: «آدم وحواء وإبليس والحية».
- وقال الحسن: «آدم وحواء والوسوسة».
- قال غيره: «والحية لأن إبليس قد كان أهبط قبل عند معصيته».
و{بعضكم لبعضٍ عدوٌّ} جملة في موضع الحال، وإفراد لفظ عدوٌّ من حيث لفظ بعض، وبعض وكل تجري مجرى الواحد، ومن حيث لفظة عدوٌّ تقع للواحد والجمع، قال الله تعالى: {هم العدوّ فاحذرهم} [المنافقون: 4].
و{لكم في الأرض مستقرٌّ} أي: موضع استقرار قاله أبو العالية وابن زيد.
وقال السدي: «المراد الاستقرار في القبور، والمتاع ما يستمتع به من أكل ولبس وحياة، وحديث، وأنس، وغير ذلك». وأنشد سليمان بن عبد الملك حين وقف على قبر ابنه أيوب إثر دفنه:
وقفت على قبر غريب بقفرة ....... متاع قليل من حبيب مفارق
واختلف المتأولون في الحين هاهنا؛
- فقالت فرقة: إلى الموت، وهذا قول من يقول المستقر هو المقام في الدنيا،
- وقالت فرقة: {إلى حينٍ}: إلى يوم القيامة، وهذا قول من يقول: المستقر هو في القبور.
ويترتب أيضا على أن المستقر في الدنيا أن يراد بقوله: {ولكم} أي: لأنواعكم في الدنيا استقرار ومتاع قرنا بعد قرن إلى يوم القيامة،
والحين المدة الطويلة من الدهر، أقصرها في الأيمان والالتزامات سنة.
قال الله تعالى: {تؤتي أكلها كلّ حينٍ بإذن ربّها} [إبراهيم: 25] وقد قيل: أقصرها ستة أشهر، لأن من النخل ما يثمر في كل ستة أشهر، وقد يستعمل الحين في المحاورات في القليل من الزمن.
وفي قوله تعالى: {إلى حينٍ} فائدة لآدم عليه السلام، ليعلم أنه غير باق فيها ومنتقل إلى الجنة التي وعد بالرجوع إليها، وهي لغير آدم دالة على المعاد.
وروي أن آدم نزل على جبل من جبال سرنديب وأن حواء نزلت بجدة، وأن الحية نزلت بأصبهان، وقيل: بميسان، وأن إبليس نزل على الأبلة). [المحرر الوجيز: 1 /184-188]

تفسير قوله تعالى: {فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {فتلقّى آدم من ربّه كلماتٍ فتاب عليه إنّه هو التّوّاب الرّحيم (37) قلنا اهبطوا منها جميعاً فإمّا يأتينّكم منّي هدىً فمن تبع هداي فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون (38) والّذين كفروا وكذّبوا بآياتنا أولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون (39)}
المعنى: فقال الكلمات فتاب الله عليه عند ذلك، وآدم رفع بـ{تلقى}، {كلماتٍ} نصب بها، والتلقي من آدم هو الإقبال عليها والقبول لها والفهم.
وحكى مكي قولا: أنه ألهمها فانتفع بها.
وقرأ ابن كثير: «آدم» بالنصب. «من ربه كلمات» بالرفع، فالتلقي من الكلمات هو نيل آدم بسببها رحمة الله وتوبته.
واختلف المتأولون في الكلمات،
- فقال الحسن بن أبي الحسن: «هي قوله تعالى: {ربّنا ظلمنا أنفسنا} الآية [الأعراف: 23]».
- وقال مجاهد: «هي أن آدم قال: سبحانك اللهم لا إله إلا أنت ظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت التواب الرحيم».
- وقال ابن عباس: «هي أن آدم قال: أي رب ألم تخلقني بيدك؟ قال: بلى، قال: أي رب ألم تنفخ فيّ من روحك؟ قال بلى، قال: أي رب ألم تسكني جنتك؟ قال: بلى. قال: أرأيت إن تبت وأطعت أراجعي أنت إلى الجنة؟ قال: نعم».
- قال عبيد بن عمير: «إن آدم قال: أي رب أرأيت ما عصيتك فيه أشيء كتبته علي أم شيء ابتدعته؟ قال: بل شيء كتبته عليك. قال: أي رب كما كتبته علي فاغفر لي».
- وقال قتادة: «الكلمات هي أن آدم قال: أي رب أرأيت إن أنا تبت وأصلحت؟ قال: إذا أدخلك الجنة».
- وقالت طائفة: إن المراد بالكلمات ندمه واستغفاره وحزنه، رسول الله فتشفع بذلك، فهي الكلمات.
- وقالت طائفة: إن المراد بالكلمات ندمه واستغفاره وحزنه، وسماها كلمات مجازا لما هي في خلقها صادرة عن كلمات، وهي كن في كل واحدة منهن، وهذا قول يقتضي أن آدم لم يقل شيئا إلا الاستغفار المعهود.
وسئل بعض سلف المسلمين عما ينبغي أن يقوله المذنب، فقال: يقول ما قال أبواه، ربّنا ظلمنا أنفسنا. وما قال موسى: {ربّ إنّي ظلمت نفسي فاغفر لي} [القصص: 16]. وما قال يونس: {لا إله إلّا أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين} [الأنبياء: 87].
و«تاب عليه» معناه رجع به، والتوبة من الله تعالى الرجوع على عبده بالرحمة والتوفيق، والتوبة من العبد: الرجوع عن المعصية والندم على الذنب مع تركه فيما يستأنف وإنما خص الله تعالى آدم بالذكر هنا في التلقي والتوبة، وحواء مشاركة له في ذلك بإجماع لأنه المخاطب في أول القصة بقوله: {اسكن أنت وزوجك الجنّة} فلذلك كملت القصة بذكره وحده، وأيضا فلأن المرأة حرمة ومستورة فأراد الله الستر لها، ولذلك لم يذكرها في المعصية في قوله: {وعصى آدم ربّه فغوى} [طه: 121].
وروي أن الله تعالى تاب على آدم في يوم عاشوراء.
وكنية آدم أبو محمد، وقيل: أبو البشر.
وقرأ الجمهور: «إنه» بكسر الألف على القطع.
وقرأ ابن أبي عقرب: «أنه» بفتح الهمزة على معنى لأنه،
وبنية {التّوّاب} للمبالغة والتكثير، وفي قوله تعالى: {إنّه هو التّوّاب الرّحيم} تأكيد فائدته: أن التوبة على العبد إنما هي نعمة من الله، لا من العبد وحده لئلا يعجب التائب، بل الواجب عليه شكر الله تعالى في توبته عليه). [المحرر الوجيز: 1/ 188-190]

تفسير قوله تعالى: {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وكرر الأمر بالهبوط لما علق بكل أمر منهما حكما غير حكم الآخر، فعلق بالأول العداوة، وعلق بالثاني إتيان الهدى.
وقيل: كرر الأمر بالهبوط على جهة تغليظ الأمر وتأكيده، كما تقول لرجل قم قم.
وحكى النقاش: أن الهبوط الثاني إنما هو من الجنة إلى السماء، والأول في ترتيب الآية إنما هو إلى الأرض، وهو الآخر في الوقوع، فليس في الأمر تكرار على هذا،
و{جميعاً} حال من الضمير في {اهبطوا}، وليس بمصدر ولا اسم فاعل، ولكنه عوض منهما دال عليهما، كأنه قال هبوطا جميعا، أو هابطين جميعا،
واختلف في المقصود بهذا الخطاب؛
- فقيل: آدم وحواء وإبليس وذريتهم،
- وقيل: ظاهره العموم ومعناه الخصوص في آدم وحواء، لأن إبليس لا يأتيه هدى، وخوطبا بلفظ الجمع تشريفا لهما، والأول أصح لأن إبليس مخاطب بالإيمان بإجماع،
و«إن» في قوله: {فإمّا} هي للشرط دخلت ما عليها مؤكدة ليصح دخول النون المشددة، فهي بمثابة لام القسم التي تجيء لتجيء النون، وفي قوله تعالى: {منّي} إشارة إلى أن أفعال العباد خلق الله تعالى.
واختلف في معنى قوله: {هدىً}؛
- فقيل: بيان وإرشاد. قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والصواب أن يقال: بيان ودعاء.
- وقالت فرقة: الهدى الرسل، وهي إلى آدم من الملائكة، وإلى بنيه من البشر: هو فمن بعده.
وقوله تعالى: {فمن تبع هداي} شرط جوابه {فلا خوف عليهم}.
قال سيبويه: الشرط الثاني وجوابه هما جواب الأول في قوله: {فإمّا يأتينّكم}.
وحكي عن الكسائي أن قوله: {فلا خوفٌ عليهم} جواب الشرطين جميعا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: حكي هذا وفيه نظر، ولا يتوجه أن يخالف سيبويه هنا، وإنما الخلاف في نحو قوله تعالى: {فأمّا إن كان من المقرّبين فروحٌ وريحانٌ} [الواقعة: 89].
فيقول سيبويه: جواب الشرطين وأما في هذه الآية فالمعنى يمنع أن يكون فلا خوفٌ جوابا للشرطين.
وقرأ الجحدري وابن أبي إسحاق: هدىً وهي لغة هذيل.
قال أبو ذؤيب يرثي بنيه:
سبقوا هويّ وأعنقوا لهواهم ....... فتخرموا، ولكل جنب مصرع
وكذلك يقولون عصى وما أشبهه، وعلة هذه اللغة أن ياء الإضافة من شأنها أن يكسر ما قبلها، فلما لم يصح في هذا الوزن كسر الألف الساكنة أبدلت ياء وأدغمت.
وقرأ الزهري ويعقوب وعيسى الثقفي: «فلا خوف عليهم» نصب بالتبرية ووجهه أنه أعم وأبلغ في رفع الخوف، ووجه الرفع أنه أعدل في اللفظ لينعطف المرفوع من قولهم يحزنون على مرفوع، «ولا» في قراءة الرفع عاملة عمل ليس.
وقرأ ابن محيصن باختلاف عنه «فلا خوف» بالرفع وترك التنوين وهي على أن تعمل «لا» عمل ليس، لكنه حذف التنوين تخفيفا لكثرة الاستعمال،
- ويحتمل قوله تعالى: {لا خوف عليهم} أي: فيما بين أيديهم من الدنيا، و{لا هم يحزنون} على ما فاتهم منها،
- ويحتمل أن {لا خوف عليهم} يوم القيامة، و{لا هم يحزنون} فيه،
- ويحتمل أن يريد أنه يدخلهم الجنة حيث لا خوف ولا حزن). [المحرر الوجيز: 1/ 190-192]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {والّذين كفروا} الآية، عطف جملة مرفوعة على جملة مرفوعة، وقال: {وكذّبوا} وكان في الكفر كفاية لأن لفظة {كفروا} يشترك فيها كفر النعم وكفر المعاصي، ولا يجب بهذا خلود فبين أن الكفر هنا هو الشرك، بقوله: {وكذّبوا بآياتنا}.
والآية هنا يحتمل أن يريد المتلوة، ويحتمل أن يريد العلامة المنصوبة، وقد تقدم في صدر هذا الكتاب القول على لفظ آية،
و{أولئك} رفع بالابتداء و{أصحاب} خبره،
والصحبة: الاقتران بالشيء في حالة ما، في زمن ما، فإن كانت الملازمة والخلطة فهو كمال الصحبة، وهكذا هي صحبة أهل النار لها، وبهذا القول ينفك الخلاف في تسمية الصحابة رضي الله عنهم إذ مراتبهم متباينة، أقلها الاقتران في الإسلام والزمن، وأكثرها الخلطة والملازمة،
و{هم فيها خالدون} ابتداء وخبر في موضع الحال). [المحرر الوجيز: 1/ 192-193]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 28 جمادى الأولى 1435هـ/29-03-2014م, 07:00 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 28 جمادى الأولى 1435هـ/29-03-2014م, 07:00 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنّة وكلا منها رغدًا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشّجرة فتكونا من الظّالمين (35)}
يقول اللّه تعالى إخبارًا عمّا أكرم به آدم بعد أن أمر الملائكة بالسّجود له، فسجدوا إلّا إبليس: إنّه أباحه الجنّة يسكن منها حيث يشاء، ويأكل منها ما شاء رغدًا، أي: هنيئًا واسعًا طيّبًا.
وروى الحافظ أبو بكر بن مردويه، من حديث محمّد بن عيسى الدّامغانيّ، حدّثنا سلمة بن الفضل، عن ميكائيل، عن ليثٍ، عن إبراهيم التّيميّ، عن أبيه، عن أبي ذرٍ: قال: قلت: يا رسول اللّه؛ أريت آدم، أنبيًّا كان؟ قال:«نعم، نبيًّا رسولًا كلّمه اللّه قبلا فقال: {اسكن أنت وزوجك الجنّة}».
- وقد اختلف في الجنّة الّتي أسكنها آدم، أهي في السّماء أم في الأرض؟ والأكثرون على الأوّل [وحكى القرطبيّ عن المعتزلة والقدريّة القول بأنّها في الأرض]، وسيأتي تقرير ذلك في سورة الأعراف، إن شاء اللّه تعالى،
- وسياق الآية يقتضي أنّ حوّاء خلقت قبل دخول آدم الجنّة، وقد صرّح بذلك محمّد بن إسحاق، حيث قال: «لمّا فرغ اللّه من معاتبة إبليس، أقبل على آدم وقد علّمه الأسماء كلّها، فقال: {يا آدم أنبئهم بأسمائهم} إلى قوله: {إنّك أنت العليم الحكيم}».
قال:«ثمّ ألقيت السّنة على آدم -فيما بلغنا عن أهل الكتاب من أهل التّوراة وغيرهم من أهل العلم، عن ابن عبّاسٍ وغيره- ثمّ أخذ ضلعًا من أضلاعه من شقه الأيسر، ولأم مكانه لحمًا، وآدم نائمٌ لم يهبّ من نومه، حتّى خلق اللّه من ضلعه تلك زوجته حوّاء، فسوّاها امرأةً ليسكن إليها. فلمّا كشف عنه السّنة وهبّ من نومه، رآها إلى جنبه، فقال -فيما يزعمون واللّه أعلم-: لحمي ودمي وروحي. فسكن إليها. فلمّا زوّجه اللّه، وجعل له سكنًا من نفسه، قال له قبلا{يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنّة وكلا منها رغدًا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشّجرة فتكونا من الظّالمين}».
- ويقال: إنّ خلق حوّاء كان بعد دخوله الجنّة، كما قال السّدّيّ في تفسيره، ذكره عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة، عن ابن مسعودٍ، وعن ناسٍ من الصّحابة: «أخرج إبليس من الجنّة، وأسكن آدم الجنّة، فكان يمشي فيها وحشًا ليس له زوجٌ يسكن إليه، فنام نومةً فاستيقظ، وعند رأسه امرأةٌ قاعدةٌ خلقها اللّه من ضلعه، فسألها: ما أنت؟ قالت: امرأةٌ. قال: ولم خلقت؟ قالت: لتسكن إليّ. قالت له الملائكة -ينظرون ما بلغ من علمه-: ما اسمها يا آدم؟ قال: حوّاء. قالوا: ولم سمّيت حوّاء؟ قال: إنّها خلقت من شيءٍ حيٍّ. قال اللّه: {يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنّة وكلا منها رغدًا حيث شئتما}».
وأمّا قوله: {ولا تقربا هذه الشّجرة} فهو اختبارٌ من اللّه تعالى وامتحانٌ لآدم. وقد اختلف في هذه الشّجرة ما هي؟
- فقال السّدّيّ، عمّن حدّثه، عن ابن عبّاسٍ: «الشجرة التي نهي عنها آدم، عليه السلام، هي الكرم». وكذا قال سعيد بن جبيرٍ، والسّدّيّ، والشّعبيّ، وجعدة بن هبيرة، ومحمّد بن قيسٍ.
- وقال السّدّيّ -أيضًا- في خبرٍ ذكره، عن أبي مالكٍ وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ -وعن مرّة، عن ابن مسعودٍ، وعن ناسٍ من الصّحابة: «{ولا تقربا هذه الشّجرة} هي الكرم،
وتزعم يهود أنّها الحنطة».
- وقال ابن جريرٍ وابن أبي حاتمٍ: حدّثنا محمّد بن إسماعيل بن سمرة الأحمسيّ، حدّثنا أبو يحيى الحمّاني، حدّثنا النّضر أبو عمر الخرّاز، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: «الشجرة التي نهي عنها آدم، عليه السلام، هي السّنبلة».
- وقال عبد الرّزّاق: أنبأنا ابن عيينة وابن المبارك، عن الحسن بن عمارة، عن المنهال بن عمرٍو، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: «هي السّنبلة».
- وقال محمّد بن إسحاق، عن رجلٍ من أهل العلم، عن حجّاجٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: «هي البرّ».
- وقال ابن جريرٍ: وحدّثني المثنّى بن إبراهيم، حدّثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا القاسم، حدثني رجلٌ من بني تميمٍ، أنّ ابن عبّاسٍ كتب إلى أبي الجلد يسأله عن الشّجرة الّتي أكل منها آدم، والشّجرة الّتي تاب عندها آدم. فكتب إليه أبو الجلد: «سألتني عن الشّجرة الّتي نهي عنها آدم، عليه السّلام، وهي السّنبلة، وسألتني عن الشّجرة الّتي تاب عندها آدم وهي الزّيتونة».
وكذلك فسّره الحسن البصريّ، ووهب بن منبّه، وعطيّة العوفي، وأبو مالكٍ، ومحارب بن دثار، وعبد الرّحمن بن أبي ليلى.
- وقال محمّد بن إسحاق، عن بعض أهل اليمن، عن وهب بن منبّهٍ: أنّه كان يقول: «هي البر، ولكنّ الحبّة منها في الجنّة ككلى البقر، ألين من الزّبد وأحلى من العسل».
- وقال سفيان الثّوريّ، عن حصينٍ، عن أبي مالكٍ: {ولا تقربا هذه الشّجرة} قال: «النّخلة».
- وقال ابن جريرٍ، عن مجاهدٍ: {ولا تقربا هذه الشّجرة} قال: «تينةٌ». وبه قال قتادة وابن جريجٍ.
- وقال أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية: «كانت الشّجرة من أكل منها أحدث، ولا ينبغي أن يكون في الجنّة حدثٌ»،
- وقال عبد الرّزّاق: حدّثنا عمر بن عبد الرّحمن بن مهرب قال: سمعت وهب بن منبّهٍ يقول: «لمّا أسكن اللّه آدم وزوجته الجنّة، ونهاه عن أكل الشّجرة، وكانت شجرةً غصونها متشعّبٌ بعضها من بعضٍ، وكان لها ثمرٌ تأكله الملائكة لخلدهم، وهي الثّمرة الّتي نهى اللّه عنها آدم وزوجته».
فهذه أقوالٌ ستّةٌ في تفسير هذه الشّجرة.
قال الإمام العلّامة أبو جعفر بن جريرٍ، رحمه اللّه: والصّواب في ذلك أن يقال: إنّ اللّه جلّ ثناؤه نهى آدم وزوجته عن أكل شجرةٍ بعينها من أشجار الجنّة، دون سائر أشجارها، فأكلا منها، ولا علم عندنا بأيّ شجرةٍ كانت على التّعيين؟ لأنّ اللّه لم يضع لعباده دليلًا على ذلك في القرآن ولا من السّنّة الصّحيحة.
وقد قيل: كانت شجرة البرّ.
وقيل: كانت شجرة العنب،
وقيل: كانت شجرة التّين.
وجائزٌ أن تكون واحدةً منها، وذلك علمٌ، إذا علم ينفع العالم به علمه، وإن جهله جاهلٌ لم يضرّه جهله به، واللّه أعلم. [وكذلك رجّح الإمام فخر الدّين الرّازيّ في تفسيره وغيره، وهو الصواب]). [تفسير ابن كثير: 1/ 233-235]

تفسير قوله تعالى: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فأزلّهما الشّيطان عنها فأخرجهما ممّا كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعضٍ عدوٌّ ولكم في الأرض مستقرٌّ ومتاعٌ إلى حينٍ (36)}
وقوله تعالى: {فأزلّهما الشّيطان عنها} يصحّ أن يكون الضّمير في قوله: {عنها} عائدًا إلى الجنّة، فيكون معنى الكلام كما قال [حمزة و] عاصم بن بهدلة، وهو ابن أبي النّجود، فأزالهما، أي: فنجّاهما.
ويصحّ أن يكون عائدًا على أقرب المذكورين، وهو الشّجرة، فيكون معنى الكلام كما قال الحسن وقتادة {فأزلّهما} أي: من قبيل الزّلل، فعلى هذا يكون تقدير الكلام {فأزلّهما الشّيطان عنها} أي: بسببها، كما قال تعالى: {يؤفك عنه من أفك} [الذّاريات: 9] أي: يصرف بسببه من هو مأفوكٌ؛ ولهذا قال تعالى: {فأخرجهما ممّا كانا فيه} أي: من اللّباس والمنزل الرّحب والرّزق الهنيء والرّاحة.
{وقلنا اهبطوا بعضكم لبعضٍ عدوٌّ ولكم في الأرض مستقرٌّ ومتاعٌ إلى حينٍ} أي: قرارٌ وأرزاقٌ وآجالٌ {إلى حينٍ} أي: إلى وقتٍ مؤقّتٍ ومقدارٍ معيّنٍ، ثمّ تقوم القيامة.
وقد ذكر المفسّرون من السّلف كالسّدّي بأسانيده، وأبي العالية، ووهب بن منبّه وغيرهم، هاهنا أخبارًا إسرائيليّةً عن قصّة الحيّة، وإبليس، وكيف جرى من دخول إبليس إلى الجنّة ووسوسته، وسنبسط ذلك إن شاء اللّه، في سورة الأعراف، فهناك القصّة أبسط منها هاهنا، واللّه الموفّق.
وقد قال ابن أبي حاتمٍ هاهنا: حدّثنا عليّ بن الحسن بن إشكاب، حدّثنا عليّ بن عاصمٍ، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن أبيّ بن كعبٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ اللّه خلق آدم رجلًا طوالا كثير شعر الرّأس، كأنّه نخلةٌ سحوق، فلمّا ذاق الشّجرة سقط عنه لباسه، فأوّل ما بدا منه عورته، فلمّا نظر إلى عورته جعل يشتد في الجنّة، فأخذت شعره شجرةٌ، فنازعها، فناداه الرّحمن: يا آدم، منّي تفرّ! فلمّا سمع كلام الرّحمن قال: يا ربّ، لا ولكن استحياءً».
قال: وحدّثني جعفر بن أحمد بن الحكم القومشيّ سنة أربعٍ وخمسين ومائتين، حدّثنا سليم بن منصور بن عمّارٍ، حدّثنا عليّ بن عاصمٍ، عن سعيدٍ، عن قتادة، عن أبيّ بن كعبٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لمّا ذاق آدم من الشّجرة فرّ هاربًا؛ فتعلّقت شجرةٌ بشعره، فنودي: يا آدم، أفرارًا منّي؟ قال: بل حياء منك، قال: يا آدم اخرج من جواري؛ فبعزّتي لا يساكنني فيها من عصاني، ولو خلقت مثلك ملء الأرض خلقًا ثمّ عصوني لأسكنتهم دار العاصين».
هذا حديثٌ غريبٌ، وفيه انقطاعٌ، بل إعضالٌ بين قتادة وأبيّ بن كعبٍ، رضي اللّه عنهما.
وقال الحاكم: حدّثنا أبو بكر بن بالويه، عن محمّد بن أحمد بن النّضر، عن معاوية بن عمرٍو، عن زائدة، عن عمّار بن معاوية البجلي، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: «ما أسكن آدم الجنّة إلّا ما بين صلاة العصر إلى غروب الشّمس». ثمّ قال: صحيحٌ على شرط الشّيخين، ولم يخرجاه.
وقال عبد بن حميدٍ في تفسيره: حدّثنا روح، عن هشامٍ، عن الحسن، قال:«لبث آدم في الجنّة ساعةً من نهارٍ، تلك السّاعة ثلاثون ومائة سنةٍ من أيّام الدّنيا».
وقال أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، قال: «خرج آدم من الجنّة للسّاعة التّاسعة أو العاشرة، فأخرج آدم معه غصنًا من شجر الجنّة، على رأسه تاجٌ من شجر الجنّة وهو الإكليل من ورق الجنّة».
وقال السّدّيّ: «قال اللّه تعالى: {اهبطوا منها جميعًا} فهبطوا فنزل آدم بالهند، ونزل معه الحجر الأسود، وقبضةٌ من ورق الجنّة فبثّه بالهند، فنبتت شجرة الطّيب، فإنّما أصل ما يجاء به من الهند من الطّيب من قبضة الورق الّتي هبط بها آدم، وإنّما قبضها آدم أسفًا على الجنّة حين أخرج منها».
وقال عمران بن عيينة، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: «أهبط آدم من الجنّة بدحنا، أرض الهند».
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو زرعة، حدّثنا عثمان بن أبي شيبة، حدّثنا جريرٌ، عن عطاءٍ، عن سعيدٍ عن ابن عبّاسٍ قال: «أهبط آدم، عليه السّلام، إلى أرضٍ يقال لها: دحنا، بين مكّة والطّائف».
وعن الحسن البصريّ قال: «أهبط آدم بالهند، وحوّاء بجدّة، وإبليس بدستميسان من البصرة على أميالٍ، وأهبطت الحيّة بأصبهان». رواه ابن أبي حاتمٍ.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا محمّد بن عمّار بن الحارث، حدّثنا محمّد بن سعيد بن سابقٍ، حدّثنا عمرو بن أبي قيسٍ، عن ابن عديٍّ، عن ابن عمر، قال:«أهبط آدم بالصّفا، وحوّاء بالمروة».
وقال رجاء بن سلمة: «أهبط آدم، عليه السّلام، يداه على ركبتيه مطأطئًا رأسه، وأهبط إبليس مشبّكًا بين صابعه رافعًا رأسه إلى السّماء».
وقال عبد الرّزّاق: قال معمر: أخبرني عوف عن قسامة بن زهيرٍ، عن أبي موسى، قال: «إنّ اللّه حين أهبط آدم من الجنّة إلى الأرض، علّمه صنعة كلّ شيءٍ، وزوّده من ثمار الجنّة، فثماركم هذه من ثمار الجنّة، غير أنّ هذه تتغيّر وتلك لا تتغيّر».
وقال الزّهريّ عن عبد الرّحمن بن هرمز الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلم: «خير يومٍ طلعت فيه الشّمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنّة، وفيه أخرج منها» رواه مسلمٌ والنّسائيّ.
وقال فخر الدّين: اعلم أنّ في هذه الآيات تهديدًا عظيمًا عن كلّ المعاصي من وجوهٍ:
الأوّل: أنّ من تصوّر ما جرى على آدم بسبب إقدامه على هذه الزّلّة الصّغيرة كان على وجلٍ شديدٍ من المعاصي، قال الشّاعر:
يا ناظرًا يرنو بعيني راقدٍ ....... ومشاهدًا للأمر غير مشاهد
تصل الذّنوب إلى الذّنوب وترتجي ....... درج الجنان ونيل فوز العابد
أنسيت ربّك حين أخرج آدمًا ....... منها إلى الدّنيا بذنبٍ واحد
قال فخر الدّين عن فتحٍ الموصليّ أنّه قال: «كنّا قومًا من أهل الجنّة فسبانا إبليس إلى الدّنيا، فليس لنا إلّا الهمّ والحزن حتّى نردّ إلى الدّار الّتي أخرجنا منها».
فإن قيل: فإذا كانت جنّة آدم الّتي أسكنها في السّماء كما يقوله الجمهور من العلماء، فكيف يمكّن إبليس من دخول الجنّة، وقد طرد من هنالك طردًا قدريًّا، والقدريّ لا يخالف ولا يمانع؟
فالجواب: أنّ هذا بعينه استدلّ به من يقول: إنّ الجنّة الّتي كان فيها آدم في الأرض لا في السّماء، وقد بسطنا هذا في أوّل كتابنا البداية والنّهاية، وأجاب الجمهور بأجوبةٍ، أحدها: أنّه منع من دخول الجنّة مكرّمًا، فأمّا على وجه الرّدع والإهانة، فلا يمتنع؛
- ولهذا قال بعضهم: كما جاء في التّوراة أنّه دخل في فم الحيّة إلى الجنّة،
- وقد قال بعضهم: يحتمل أنّه وسوس لهما وهو خارج باب الجنّة،
- وقال بعضهم: يحتمل أنّه وسوس لهما وهو في الأرض، وهما في السّماء، ذكرها الزّمخشريّ وغيره.
وقد أورد القرطبيّ هاهنا أحاديث في الحيّات وقتلهنّ وبيان حكم ذلك، فأجاد وأفاد). [تفسير ابن كثير: 1/ 235-238]

تفسير قوله تعالى: {فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فتلقّى آدم من ربّه كلماتٍ فتاب عليه إنّه هو التّوّاب الرّحيم (37)}
قيل: إنّ هذه الكلمات مفسّرةٌ بقوله تعالى: {قالا ربّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين} [الأعراف: 23] روي هذا عن مجاهدٍ، وسعيد بن جبيرٍ، وأبي العالية، والرّبيع بن أنسٍ، والحسن، وقتادة، ومحمّد بن كعبٍ القرظي، وخالد بن معدان، وعطاءٍ الخراسانيّ، وعبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، وقال أبو إسحاق السّبيعي، عن رجلٍ من بني تميمٍ، قال: أتيت ابن عبّاسٍ، فسألته: [قلت]: ما الكلمات الّتي تلقّى آدم من ربّه؟ قال: «علم [آدم] شأن الحج».
وقال سفيان الثّوريّ، عن عبد العزيز بن رفيع، أخبرني من سمع عبيد بن عمير، وفي روايةٍ: [قال]: أخبرني مجاهدٌ، عن عبيد بن عميرٍ، أنّه قال: قال آدم: يا ربّ، خطيئتي الّتي أخطأت شيءٌ كتبته عليّ قبل أن تخلقني، أو شيءٌ ابتدعته من قبل نفسي؟ قال: بل شيءٌ كتبته عليك قبل أن أخلقك. قال: فكما كتبته عليّ فاغفر لي. قال: فذلك قوله تعالى: {فتلقّى آدم من ربّه كلماتٍ}.
وقال السّدّيّ، عمّن حدّثه، عن ابن عبّاسٍ: {فتلقّى آدم من ربّه كلماتٍ}، قال: «قال آدم، عليه السّلام: يا ربّ، ألم تخلقني بيدك؟ قيل له: بلى. ونفخت فيّ من روحك؟ قيل له: بلى. وعطست فقلت: يرحمك اللّه، وسبقت رحمتك غضبك؟ قيل له: بلى، وكتبت عليّ أن أعمل هذا؟ قيل له: بلى. قال: أفرأيت إن تبت هل أنت راجعي إلى الجنّة؟ قال: نعم».
وهكذا رواه العوفيّ، وسعيد بن جبيرٍ، وسعيد بن معبد، عن ابن عبّاسٍ، بنحوه. ورواه الحاكم في مستدركه من حديث سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرّجاه وهكذا فسّره السّدّيّ وعطيّة العوفي.
وقد روى ابن أبي حاتمٍ هاهنا حديثًا شبيهًا بهذا فقال: حدّثنا عليّ بن الحسين بن إشكاب، حدّثنا عليّ بن عاصمٍ، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن أبيّ بن كعبٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «قال آدم، عليه السّلام: أرأيت يا ربّ إن تبت ورجعت، أعائدي إلى الجنّة؟ قال: نعم. فذلك قوله: {فتلقّى آدم من ربّه كلماتٍ}».
وهذا حديثٌ غريبٌ من هذا الوجه وفيه انقطاعٌ.
وقال أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية، في قوله تعالى: {فتلقّى آدم من ربّه كلماتٍ} قال: «إنّ آدم لمّا أصاب الخطيئة قال: يا ربّ، أرأيت إن تبت وأصلحت؟ قال اللّه: إذن أرجعك إلى الجنّة فهي من الكلمات. ومن الكلمات أيضًا: {ربّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين} [الأعراف: 23] ».
وقال ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ أنّه كان يقول في قول اللّه تعالى: {فتلقّى آدم من ربّه كلماتٍ} قال: «الكلمات: اللّهمّ لا إله إلّا أنت سبحانك وبحمدك، ربّ إنّي ظلمت نفسي فاغفر لي إنّك خير الغافرين، اللّهمّ لا إله إلّا أنت سبحانك وبحمدك، ربّ إنّي ظلمت نفسي فارحمني، إنّك خير الرّاحمين. اللّهمّ لا إله إلّا أنت سبحانك وبحمدك، ربّ إنّي ظلمت نفسي فتب عليّ، إنّك أنت التّوّاب الرحيم».
وقوله تعالى: {إنّه هو التّوّاب الرّحيم} أي: إنّه يتوب على من تاب إليه وأناب، كقوله: {ألم يعلموا أنّ اللّه هو يقبل التّوبة عن عباده} [التّوبة: 104] وقوله: {ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثمّ يستغفر اللّه يجد اللّه غفورًا رحيمًا} [النّساء: 11]، وقوله: {ومن تاب وعمل صالحًا فإنّه يتوب إلى اللّه متابًا} [الفرقان: 71] وغير ذلك من الآيات الدّالّة على أنّه تعالى يغفر الذّنوب ويتوب على من يتوب وهذا من لطفه بخلقه ورحمته بعبيده، لا إله إلّا هو التّوّاب الرّحيم.
وذكرنا في المسند الكبير من طريق سليمان بن سليمٍ عن ابن بريدة وهو سليمان عن أبيه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «لمّا أهبط اللّه آدم إلى الأرض طاف بالبيت سبعًا، وصلّى خلف المقام ركعتين، ثمّ قال: اللّهمّ إنّك تعلم سرّي وعلانيتي فاقبل معذرتي، وتعلم حاجتي فأعطني سؤلي، وتعلم ما عندي فاغفر ذنوبي، أسألك إيمانًا يباشر قلبي، ويقينًا صادقًا حتّى أعلم أنّه لن يصيبني إلّا ما كتبت لي. قال فأوحى اللّه إليه إنّك قد دعوتني بدعاءٍ أستجيب لك فيه ولمن يدعوني به، وفرّجت همومه وغمومه، ونزعت فقره من بين عينيه، وأجرت له من وراء كلّ تاجر زينة الدّنيا وهي كلمات عهدٍ وإن لم يزدها» رواه الطبراني في معجمه الكبير). [تفسير ابن كثير: 1/ 238-240]

تفسير قوله تعالى: {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قلنا اهبطوا منها جميعًا فإمّا يأتينّكم منّي هدًى فمن تبع هداي فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون (38) والّذين كفروا وكذّبوا بآياتنا أولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون (39)}
يقول تعالى مخبرًا عمّا أنذر به آدم وزوجته وإبليس حتّى أهبطهم من الجنّة، والمراد الذّرّيّة: أنّه سينزل الكتب، ويبعث الأنبياء والرّسل؛ كما قال أبو العالية:«الهدى: الأنبياء والرّسل والبيان»،
وقال مقاتل بن حيّان: «الهدى: محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم».
وقال الحسن:«الهدى: القرآن».
وهذان القولان صحيحان، وقول أبي العالية أعمّ.
{فمن تبع هداي} أي: من أقبل على ما أنزلت به الكتب وأرسلت به الرّسل {فلا خوفٌ عليهم} أي: فيما يستقبلونه من أمر الآخرة {ولا هم يحزنون} على ما فاتهم من أمور الدّنيا، كما قال في سورة طه: {قال اهبطا منها جميعًا بعضكم لبعضٍ عدوٌّ فإمّا يأتينّكم منّي هدًى فمن اتّبع هداي فلا يضلّ ولا يشقى} [طه: 123] قال ابن عبّاسٍ:«فلا يضلّ في الدّنيا ولا يشقى في الآخرة».
{ومن أعرض عن ذكري فإنّ له معيشةً ضنكًا ونحشره يوم القيامة أعمى} [طه: 124] كما قال هاهنا: {والّذين كفروا وكذّبوا بآياتنا أولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون} أي: مخلّدون فيها، لا محيد لهم عنها، ولا محيص.
وقد أورد ابن جريرٍ، رحمه اللّه، هاهنا حديثًا ساقه من طريقين، عن أبي مسلمة سعيد بن يزيد، عن أبي نضرة المنذر بن مالك بن قطعة عن أبي سعيدٍ -واسمه سعد بن مالك بن سنان الخدري- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أمّا أهل النّار الّذين هم أهلها فإنّهم لا يموتون فيها ولا يحيون، لكنّ أقوامًا أصابتهم النّار بخطاياهم، أو بذنوبهم فأماتتهم إماتةً، حتّى إذا صاروا فحمًا أذن في الشّفاعة». وقد رواه مسلمٌ من حديث شعبة عن أبي سلمة به.
[وذكر هذا الإهباط الثّاني لما تعلّق به ما بعده من المعنى المغاير للأوّل، وزعم بعضهم أنّه تأكيدٌ وتكريرٌ، كما تقول: قم قم، وقال آخرون: بل الإهباط الأوّل من الجنّة إلى السّماء الدّنيا، والثّاني من سماء الدّنيا إلى الأرض، والصّحيح الأوّل، واللّه تعالى أعلم بأسرار كتابه]). [تفسير ابن كثير: 1/ 240-241]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:47 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة