العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة المائدة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20 ربيع الثاني 1434هـ/2-03-2013م, 11:04 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {لقد كفر الّذين قالوا إنّ اللّه هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا اللّه ربّي وربّكم إنّه من يشرك باللّه فقد حرّم اللّه عليه الجنّة ومأواه النّار وما للظّالمين من أنصارٍ}
وهذا خبرٌ من اللّه تعالى ذكره عن بعض ما فتن به الإسرائيليّين الّذين أخبر عنهم أنّهم حسبوا أن لا تكون فتنةٌ. يقول تعالى ذكره: فكان ممّا ابتليتهم واختبرتهم به فنقضوا فيه ميثاقي وغيّروا عهدي الّذي كنت أخذته عليهم، بأن لا يعبدوا سواي ولا يتّخذوا ربًّا غيري، وأن يوحّدوني، وينتهوا إلى طاعتي؛ عبدي عيسى ابن مريم، فإنّي خلقته وأجريت على يده نحو الّذي أجريت النّصارى، عليهم غضب اللّه.
يقول اللّه تعالى ذكره: فلمّا اختبرتهم وابتليتهم بما ابتليتهم به أشركوا بي قالوا لخلقٍ من خلقي وعبدٍ مثلهم من عبيدي وبشرٍ نحوهم معروفٌ نسبه وأصله مولودٌ من البشر يدعوهم إلى توحيدي ويأمرهم بعبادتي وطاعتي ويقرّ لهم بأنّي ربّه وربّهم وينهاهم عن أن يشركوا بي شيئًا، هو إلههم؛ جهلاً منهم باللّه وكفرًا به، ولا ينبغي للّه أن يكون والدًا ولا مولودًا.
ويعني بقوله: {وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا اللّه ربّي وربّكم} يقول: اجعلوا العبادة والتّذلّل للّذي له يذلّ كلّ شيءٍ وله يخضع كلّ موجودٍ، ربّي وربّكم، يقول: مالكي ومالككم، وسيّدي وسيّدكم، الّذي خلقني وإيّاكم {إنّه من يشرك باللّه فقد حرّم اللّه عليه الجنّة} أن يسكنها في الآخرة. {ومأواه النّار} يقول: ومرجعه ومكانه الّذي يأوي إليه ويصير في معاده، من جعل للّه شريكًا في عبادته نار جهنّم. {وما للظّالمين} يقول: وليس لمن فعل غير ما أباح اللّه له وعبد غير الّذي له عبادة الخلق {من أنصارٍ} ينصرونه يوم القيامة من اللّه، فينقذونه منه إذا أورده جهنّم). [جامع البيان: 8/578-579]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (لقد كفر الّذين قالوا إنّ اللّه هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا اللّه ربّي وربّكم إنّه من يشرك باللّه فقد حرّم اللّه عليه الجنّة ومأواه النّار وما للظّالمين من أنصارٍ (72)
قوله تعالى: لقد كفر الّذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم إلى قولة: وربكم
- حدّثنا محمّد بن يحيى، ثنا أبو غسّان، ثنا سلمة بن الفضل عن محمّد بن إسحاق قال: فيما حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ قوله: اعبدوا أي وحّدوا ربّكم.
قوله تعالى: إنّه من يشرك بالله الآية
- حدّثنا أبي ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا صدقة بن موسى عن أبي عمران الجذي عن يزيد بن قابوس عن عائشة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال:
الدّواوين يوم القيامة ثلاثةٌ: ديوانٌ لا يغفره اللّه، وديوانٌ لا يعبأ اللّه به شيئًا، وديوانٌ لا يدعه اللّه لشيءٍ. فأمّا الدّيوان الذي لا يغفر ف إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به وقال:
إنّه من يشرك باللّه فقد حرّم اللّه عليه الجنّة ومأواه النّار وما للظّالمين من أنصارٍ). [تفسير القرآن العظيم: 4/1178]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار * لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم * أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم * ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون * قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا والله هو السميع العليم}
أخرج ابن المنذر عن محمد بن كعب قال: لما رفع الله عيسى بن مريم اجتمع من علماء بني إسرائيل مائة رجل فقال بعضهم: أنتم كثير نتخوف الفرقة اخرجوا عشرة فاخرجوا عشرة ثم قالوا: أنتم كثير نتخوف الفرقة اخرجوا عشرة فاخرجوا عشرة ثم قالوا: أنتم كثير فاخرجوا عشرة فاخرجوا عشرة ثم قالوا: أنتم كثير فاخرجوا عشرة حتى بقي عشرة فقالوا: أنتم كثير حتى الآن فاخرجوا ستة وبقى أربعة فقال بعضهم: ما تقولون في عيسى فقال رجل منهم: أتعلمون أنه لا يعلم الغيب إلا الله قالوا: لا، فقال الرجل: هو الله كان في الأرض ما بدا له ثم صعد إلى السماء حين بدا له، وقال الآخر: قد عرفنا عيسى وعرفنا أمه هو ولده وقال الآخر: لا أقول كما تقولون قد كان عيسى يخبرنا أنه عبد الله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم فنقول كما قال لنفسه لقد خشيت أن تكونوا قلتم قولا عظيما، قال: فخرجوا على الناس فقالوا لرجل منهم: ماذا قلت قال: قلت هو الله كان في الأرض ما بدا له ثم صعد إلى السماء حين بدا له، قال: فاتبعه عنق من الناس وهؤلاء النسطورية واليعقوبية ثم خرج الرابع فقالوا له: ماذا قلت قال: قلت هو عبد الله روحه وكلمته ألقاها إلى مريم فاتبعه عنق من الناس فقال محمد بن كعب فكل قد ذكره الله في القرآن {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة} الآية، ثم قرأ {وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما} النساء الآية 156 ثم قرأ {ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا} المائدة الآية 65 إلى قوله {منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون} المائدة الآية 66 قال محمد بن كعب: فهؤلاء أمة مقتصدة الذين قالوا: عيسى عبد الله وكلمته وروحه ألقاها إلى مريم). [الدر المنثور: 5/390-392]

تفسير قوله تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {لقد كفر الّذين قالوا إنّ اللّه ثالث ثلاثةٍ وما من إلهٍ إلاّ إلهٌ واحدٌ وإن لم ينتهوا عمّا يقولون ليمسّنّ الّذين كفروا منهم عذابٌ أليمٌ}.
وهذا أيضًا خبرٌ من اللّه تعالى ذكره عن فريقٍ آخر من الإسرائيليّين الّذين وصف صفتهم في الآيات قبل أنّه لمّا ابتلاهم بعد حسبانهم أنّهم لا يبتلون ولا يفتنون، قالوا كفرًا بربّهم وشركًا: اللّه ثالث ثلاثةٍ. وهذا قولٌ كان عليه جماهير النّصارى قبل افتراق اليعقوبيّة والملكيّة والنّسطوريّة، كانوا فيما بلغنا يقولون: الإله القديم جوهرٌ واحدٌ يعمّ ثلاثة أقانيم: أبًا والدًا غير مولودٍ، وابنًا مولودًا غير والدٍ، وزوجًا متتبّعةً بينهما. يقول اللّه تعالى ذكره مكذّبًا لهم فيما قالوا من ذلك: {وما من إلهٍ إلاّ إلهٌ واحدٌ} يقول: ما لكم معبودٌ أيّها النّاس إلاّ معبودٌ واحدٌ، وهو الّذي ليس بوالدٍ لشيءٍ ولا مولودٍ، بل هو خالق كلّ والدٍ ومولودٍ {وإن لم ينتهوا عمّا يقولون} يقول: إن لم ينتهوا قائلو هذه المقالة عمّا يقولون من قولهم: اللّه ثالث ثلاثةٍ {ليمسنّ الّذين كفروا منهم عذابٌ أليمٌ} يقول: ليمسّنّ الّذين يقولون هذه المقالة، والّذين يقولون المقالة الأخرى هو المسيح ابن مريم؛ لأنّ الفريقين كلاهما كفرةٌ مشركون، فلذلك رجع في الوعيد بالعذاب إلى العموم. ولم يقل: ليمسّنّهم عذابٌ أليمٌ، لأنّ ذلك لو قيل كذلك صار الوعيد من اللّه تعالى ذكره خاصًّا لقائل القول الثّاني، وهم القائلون: اللّه ثالث ثلاثةٍ، ولم يدخل فيهم القائلون: المسيح هو اللّه. فعمّ بالوعيد تعالى ذكره كلّ كافرٍ، ليعلم المخاطبون بهذه الآيات أنّ وعيد اللّه قد شمل كلا الفريقين من بني إسرائيل ومن كان من الكفّار على مثل الّذي هم عليه
فإن قال قائلٌ: وإن كان الأمر على ما وصفت فعلى من عادت الهاء والميم اللّتان في قوله: منهم؟ قيل: على بني إسرائيل.
فتأويل الكلام إذ كان الأمر على ما وصفنا: وإن لم ينته هؤلاء الأسرائيليّون عمّا يقولون في اللّه من عظيم القول، ليمسّنّ الّذين يقولون منهم إنّ المسيح هو اللّه والّذين يقولون إنّ اللّه ثالث ثلاثةٍ وكلّ كافرٍ سلك سبيلهم عذابٌ أليمٌ بكفرهم باللّه
وقد قال جماعةٌ من أهل التّأويل نحو قولنا في أنّه عنى بهذه الآيات: النّصارى.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: لقد كفر الّذين قالوا إنّ اللّه ثالث ثلاثةٍ قال: قالت النّصارى: هو المسيح وأمّه، فذلك قول اللّه تعالى: أأنت قلت للنّاس اتّخذوني وأمّي إلهين من دون اللّه.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال مجاهدٌ: لقد كفر الّذين قالوا إنّ اللّه ثالث ثلاثةٍ نحوه). [جامع البيان: 8/579-581]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (لقد كفر الّذين قالوا إنّ اللّه ثالث ثلاثةٍ وما من إلهٍ إلّا إلهٌ واحدٌ وإن لم ينتهوا عمّا يقولون ليمسّنّ الّذين كفروا منهم عذابٌ أليمٌ (73)
قوله تعالى: لقد كفر الّذين قالوا إنّ الله ثالث ثلاثة
[الوجه الأول]
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ
قوله: لقد كفر الّذين قالوا إنّ اللّه ثالث ثلاثةٍ قال: النّصارى يقولون إنّ اللّه ثالث ثلاثةٍ، وكذبوا.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو حذيفة، ثنا شبلٌ، عن عبد اللّه بن كثيرٍ سمع مجاهدًا يقول: تفرقت بنوا إسرائيل ثلاث فرقٍ في عيسى فقالت فرقةٌ: هو اللّه، وقالت فرقةٌ هو ابن اللّه وقالت فرقةٌ: هو عبد اللّه، ورسوله وروحه، وهي المقتصدة، ومن مسلمة أهل الكتاب.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن المفضّل، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ لقد كفر الّذين قالوا إنّ اللّه ثالث ثلاثةٍ قالت:
النّصارى إنّ اللّه هو المسيح وأمّه فذلك قوله: أأنت قلت للنّاس اتّخذوني وأمّي إلهين من دون اللّه
الوجه الثّاني:
- حدّثنا عليّ بن الحسن الهسنجانيّ، ثنا سعيد بن الحكم بن أبي مريم، ثنا المفضّل حدّثني أبو صخرٍ في قول اللّه: لقد كفر الّذين قالوا إنّ اللّه ثالث ثلاثةٍ قال هو قول اليهود عزيرٌ ابن اللّه وقول النّصارى المسيح ابن الله فجعلوا لله تبارك وتعالى ثالث ثلاثةٍ.
- حدّثنا عبد اللّه بن جلالٍ الدّمشقيّ الرّوميّ، ثنا أحمد بن أبي الحواريّ قال أبو سليمان الدّارانيّ: يا أحمد واللّه ما حرّك ألسنتهم بقولهم ثالث ثلاثةٍ إلا هو ولو شاء لأخذ من ألسنتهم.
قوله تعالى: ليمسّنّ الّذين كفروا منهم عذابٌ أليمٌ
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم عن أبيه جعفرٍ عن الرّبيع عن أبي العالية قوله: عذابٌ أليمٌ قال: موجعٌ.
- حدّثنا أبي، ثنا عمران بن موسى الطّرسوسيّ، ثنا عبد الصّمد بن يزيد قال: سمعت الفضيل يقول: قول العبد أستغفر اللّه قال تفسيرها: اقبلني.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو بكر بن بشّارٍ، ثنا يحيى بن سعيدٍ، ثنا سفيان عن منصورٍ عن إبراهيم قال: المسيح الصديق). [تفسير القرآن العظيم: 4/1178-1179]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة قال هم النصارى). [تفسير مجاهد: 201]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة} قال: النصارى يقولون: {إن الله ثالث ثلاثة} وكذبوا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال: تفرق بنو إسرائيل ثلاث فرق في عيسى فقالت فرقة هو الله، وقالت فرقة: هو ابن الله، وقالت فرقة: هو عبد الله وروحه وهي المقتصدة وهي مسلمة أهل الكتاب.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي في قوله {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة} قال: قالت النصارى: أن الله هو المسيح وأمه فذلك قوله {أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله} المائدة الآية 116، قال ابن أبي حاتم: حدثنا عبد الله بن هلال الدمشقي حدثنا أحمد بن أبي الحوارى قال: قال أبو سليمان الداراني: يا أحمد - والله - ما حرك السنتهم بقولهم ثالث ثلاثة إلا هو ولو شاء الله لأخرس ألسنتهم). [الدر المنثور: 5/392-393]

تفسير قوله تعالى: (أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أفلا يتوبون إلى اللّه ويستغفرونه واللّه غفورٌ رحيمٌ}
يقول تعالى ذكره: أفلا يرجع هذان الفريقان الكافران، القائل أحدهما: إنّ اللّه هو المسيح ابن مريم؛ والآخر القائل: إنّ اللّه ثالث ثلاثةٍ، عمّا قالا من ذلك، وينيبان بما قالا ونطقا به من كفرهما، ويسألان ربّهما المغفرة ممّا قالا. واللّه غفورٌ لذنوب التّائبين من خلقه، المنيبين إلى طاعته بعد معصيتهم، رحيمٌ بهم في قبوله توبتهم ومراجعتهم إلى ما يحبّ ممّا يكره، فيصفح بذلك من فعلهم عمّا سلف من إجرامهم قبل ذلك). [جامع البيان: 8/581]

تفسير قوله تعالى: (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ما المسيح ابن مريم إلاّ رسولٌ قد خلت من قبله الرّسل وأمّه صدّيقةٌ كانا يأكلان الطّعام انظر كيف نبيّن لهم الآيات ثمّ انظر أنّى يؤفكون}
وهذا خبرٌ من اللّه تعالى ذكره احتجاجً لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم على فرق النّصارى في قولهم في المسيح. يقول مكذّبًا لليعقوبيّة في قيلهم: هو اللّه، والآخرين في قيلهم: هو ابن اللّه: ليس القول كما قال هؤلاء الكفرة في المسيح، ولكنّه ابن مريم ولدته ولادة الأمّهات أبناءهنّ، وذلك من صفة البشر لا من صفة خالق البشر، وإنّما هو للّه رسولٌ كسائر رسله الّذين كانوا قبله فمضوا وخلوا، أجرى على يده ما شاء أن يجريه عليها من الآيات والعبر حجّةً له على صدقه وعلى أنّه للّه رسولٌ إلى من أرسله إليه من خلقه، كما أجرى على أيدي من قبله من الرّسل من الآيات والعبر حجّةً لهم على حقيقة صدقهم في أنّهم للّه رسلٌ.
{وأمّه صدّيقةٌ} يقول تعالى ذكره: وأمّ المسيح صدّيقةٌ، والصّدّيقة: الفعيلة من الصّدق، وكذلك قولهم فلانٌ صدّيقٌ: فعيلٌ من الصّدق، ومنه قوله تعالى ذكره: {والصّدّيقين والشّهداء} وقد قيل: إنّ أبا بكرٍ الصّدّيق رضي اللّه عنه إنّما قيل له الصّدّيق لصدقه، وقد قيل: إنّما سمّي صدّيقًا لتصديقه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في مسيره في ليلةٍ واحدةٍ إلى بيت المقدس من مكّة وعوده إليها.
وقوله: {كانا يأكلان الطّعام} خبرٌ من اللّه تعالى ذكره عن المسيح وأمّه أنّهما كانا أهل حاجةٍ إلى ما يغذوهما وتقوم به أبدانهما من المطاعم والمشارب كسائر البشر من بني آدم. فإنّ من كان كذلك، فغير كائنٍ إلهًا؛ لأنّ المحتاج إلى الغذاء قوامه بغيره، وفي قوامه بغيره وحاجته إلى ما يقيمه دليلٌ واضحٌ على عجزه، والعاجز لا يكون إلاّ مربوبًا لا ربًّا). [جامع البيان: 8/582]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {انظر كيف نبيّن لهم الآيات ثمّ انظر أنّى يؤفكون}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ: صلّى اللّه عليه وسلّم انظر يا محمّد كيف نبيّن لهؤلاء الكفرة من اليهود والنّصارى الآيات، وهي الأدلّة والإعلام والحجج على بطول ما يقولون في أنبياء اللّه، وفي فريتهم على اللّه، وادّعائهم له ولدًا، وشهادتهم لبعض خلقه بأنّه لهم ربٌّ وإلهٌ، ثمّ لا يرتدعون عن كذبهم وباطل قيلهم، ولا ينزجرون عن فريتهم على ربّهم وعظيم جهلهم، مع ورود الحجج القاطعة عذرهم عليهم. يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: ثمّ انظر يا محمّد أنّى يؤفكون؟ يقول: ثمّ انظر مع تبييننا لهم آياتنا على بطول قولهم: أيّ وجهٍ يصرفون عن بياننا الّذي نبيّنه لهم، وكيف عن الهدى الّذي نهديهم إليه من الحقّ يضلّون؟
والعرب تقول لكلّ مصروفٍ عن شيءٍ: هو مأفوكٌ عنه، يقال: قد أفكت فلانًا عن كذا: أي صرفته عنه، فأنا آفكه إفكًا، وهو مأفوكٌ، وقد أفكت الأرض: إذا صرف عنها المطر). [جامع البيان: 8/583]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ما المسيح ابن مريم إلّا رسولٌ قد خلت من قبله الرّسل وأمّه صدّيقةٌ كانا يأكلان الطّعام انظر كيف نبيّن لهم الآيات ثمّ انظر أنّى يؤفكون (75)
قوله تعالى: أنّى يؤفكون
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث، ثنا بشر بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ قوله: أنّى يؤفكون قال: كيف يؤفكون؟ وروي عن أبي مالكٍ مثل ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 4/1180]

تفسير قوله تعالى: (قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (76) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل أتعبدون من دون اللّه ما لا يملك لكم ضرًّا ولا نفعًا واللّه هو السّميع العليم}.
وهذا أيضًا احتجاجٌ من اللّه تعالى ذكره لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم على النّصارى القائلين في المسيح ما وصف من قيلهم فيه قبل. يقول تعالى ذكره لمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل يا محمّد لهؤلاء الكفرة من النّصارى الزّاعمين أنّ المسيح ربّهم القائلين إنّ اللّه ثالث ثلاثةٍ: أتعبدون سوى اللّه الّذي يملك ضرّكم ونفعكم وهو الّذي خلقكم ورزقكم وهو يحييكم ويميتكم، شيئًا لا يملك لكم شرًّا ولا نفعًا؟ يخبرهم تعالى ذكره أنّ المسيح الّذي زعم من زعم من النّصارى أنّه إلهٌ، والّذي زعم من زعم منهم أنّه للّه ابنٌ، لا يملك لهم ضرًّا يدفعه عنهم إن أحلّه اللّه بهم، ولا نفعًا يجلبه إليهم إن لم يقضه اللّه لهم. يقول تعالى ذكره: فكيف يكون ربًّا وإلهًا من كانت هذه صفته؟ بل الرّبّ المعبود الّذي بيده كلّ شيءٍ والقادر على كلّ شيءٍ، فإيّاه فاعبدوا وأخلصوا له العبادة دون غيره من العجزة الّذين لا ينفعونكم ولا يضرّون.
وأمّا قوله: {واللّه هو السّميع العليم} فإنّه يعني تعالى ذكره بذلك: واللّه هو السّميع لاستغفارهم لو استغفروه من قيلهم ما أخبر عنهم أنّهم يقولونه في المسيح، ولغير ذلك من منطقهم ومنطق خلقه، العليم بتوبتهم لو تابوا منه، وبغير ذلك من أمورهم). [جامع البيان: 8/583-584]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قل أتعبدون من دون اللّه ما لا يملك لكم ضرًّا ولا نفعًا واللّه هو السّميع العليم (76)
قوله تعالى: ما لا يملك لكم ضرًّا ولا نفعًا
- حدّثنا أبي، ثنا أبو حذيفة، ثنا شبلٌ عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ ضرًّا ولا نفعًا قال: ضرًّا ضلالةً.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا محمّد بن عمرٍو، ثنا سلمة عن محمّد بن إسحاق السّميع أي سميعٌ ما يقولون.
- وبه عن محمّد بن إسحاق العليم أي عليمٌ بما يخفون). [تفسير القرآن العظيم: 4/1180]


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 20 ربيع الثاني 1434هـ/2-03-2013م, 11:04 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72) )

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله عز وجل: {لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم}
قال إبراهيم النخعي: المسيح الصديق.
قال أبو جعفر: ووجدنا للعلماء في تفسير معناه ستة أقوال سوى هذا.
روي عن ابن عباس: سمي مسيحا؛ لأنه كان أمسح الرجل لا أخمص له.
وروى غيره عنه: إنما سمي مسيحا؛ لأنه كان لا يمسح بيده ذا عاهة إلا برأ ولا يضع يده على شيء إلا أعطي فيه مراده.
وقال ثعلب: لأنه كان يمسح الأرض أي يقطعها.
وقيل: لسياحته في الأرض.
وقيل: لأنه خرج من بطن أمه ممسوحا بالدهن.
وقال أبو عبيد: أحسب أصله بالعبرانية مشيحا، قال: وأما قولهم المسيح الدجال فإنما سمي مسيحا لأنه ممسوح إحدى العينين فهو مسيح بمعنى ممسوح،كما يقال: قتيل بمعنى مقتول). [معاني القرآن: 2/342-343]

تفسير قوله تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لّقد كفر الّذين قالوا إنّ اللّه ثالث ثلاثةٍ...}
يكون مضافا. ولا يجوز التنوين في (ثالث) فتنصب الثلاثة. وكذلك قلت: واحد من اثنين، وواحد من ثلاثة؛ ألا ترى أنه لا يكون ثانيا لنفسه ولا ثالثا لنفسه.
فلو قلت: أنت ثالث اثنين لجاز أن تقول: أنت ثالث اثنين، بالإضافة، وبالتنوين ونصب الاثنين؛ وكذلك لو قلت: أنت رابع ثلاثة جاز ذلك؛ لأنه فعل واقع.
وقوله: {وما من اله إلاّ اله واحدٌ} لا يكون قوله (إله واحد) إلا رفعا؛ لأن المعنى: ليس إله إلا إله واحد، فرددت ما بعد (إلا) إلى المعنى؛ ألا ترى أن (من) إذا فقدت من أوّل الكلام رفعت.
وقد قال بعض الشعراء:
ما من حوي بين بدرٍ وصاحةٍ=ولا شعبةٍ إلا شباعٌ نسورها
فرأيت الكسائي قد أجاز خفضه وهو بعد إلا، وأنزل (إلا) مع الجحود بمنزلة غير، وليس ذلك بشيء؛ لأنه أنزله بمنزلة قول الشاعر:
أبني لبيني لستم بيدٍ=إلا يدٍ ليست لها عضد
وهذا جائز؛ لأن الباء قد تكون واقعة في الجحد كالمعرفة والنكرة، فيقول: ما أنت بقائم، والقائم نكرة، وما أنت بأخينا، والأخ معرفة، ولا يجوز أن تقول: ما قام من أخيك، كما تقول ما قام من رجل). [معاني القرآن: 1/317-318]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({لّقد كفر الّذين قالوا إنّ اللّه ثالث ثلاثةٍ وما من إله إلاّ إله واحدٌ وإن لّم ينتهوا عمّا يقولون ليمسّنّ الّذين كفروا منهم عذابٌ أليمٌ}
[و] قال: {لّقد كفر الّذين قالوا إنّ اللّه ثالث ثلاثةٍ} وذلك أنهم جعلوا معه "عيسى" و"مريم". كذلك يكون في الكلام إذا كان واحد مع اثنين قيل "ثالث ثلاثةٍ" كما قال: {ثاني اثنين} وإنما كان معه واحد.
ومن قال: "ثالث اثنين" دخل عليه أن يقول: "ثاني واحدٍ". وقد يجوز هذا في الشعر وهو في القياس صحيح. قال الشاعر:
ولكن لا أخون الجار حتّى=يزيل الله ثالثة الأثافي
ومن قال: "ثاني اثنين" و"ثالث ثلاثةٍ" قال: حادي أحد عشر" إذا كان رجل مع عشرة.
ومن قال "ثالث اثنين" قال: "حادي عشرة".
فأمّا قول العرب: "حادي عشر" و"ثاني عشر" فهذا في العدد إذا كنت تقول: "ثاني" و"ثالث" و"رابع" و"عاشر" من غير أن تقول: عاشر كذا وكذا"، فلما جاوز العشرة أراد أن يقول: "حادي" و"ثاني" فكان ذلك لا يعرف معناه إلا بذكر العشرة فضم إليه شيئا من حروف العشرة). [معاني القرآن: 1/229]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (لقد كفر الّذين قالوا إنّ اللّه ثالث ثلاثة وما من إله إلّا إله واحد وإن لم ينتهوا عمّا يقولون ليمسّنّ الّذين كفروا منهم عذاب أليم (73)
معناه أنهم قالوا الله أحد ثلاثة آلهة، أو واحد من ثلاثة آلهة، ولا يجوز في ثلاثة إلا الجر؛ لأن المعنى أحد ثلاثة، فإن قلت زيد ثالث اثنين أو رابع ثلاثة جاز الجر والنّصب، فأما النصب فعلى قولك كان القوم ثلاثة فربعهم.
وأنا رابعهم غدا، أو رابع الثلاثة غدا، ومن جر فعلى حذف التنوين، كما قال عزّ وجلّ: (هديا بالغ الكعبة).
وقوله: (وما من إله إلّا إله واحد).
دخلت " من " مؤكدة، والمعنى ما إله إلا إله واحد.
وقوله: (وإن لم ينتهوا عمّا يقولون ليمسّنّ الّذين كفروا منهم عذاب أليم).
معنى الذين كفروا منهم. الذين أقاموا على هذا الدين وهذا القول). [معاني القرآن: 2/196]

تفسير قوله تعالى: (أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) )

تفسير قوله تعالى: (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وأمّه صدّيقةٌ...}
وقع عليها التصديق كما وقع على الأنبياء. وذلك لقول الله تبارك وتعالى: {فأرسلنا إليها روحنا فتمثّل لها} فلما كلّمها جبريل صلى الله عليه وسلم وصدّقته وقع عليها اسم الرسالة، فكانت كالنبيّ). [معاني القرآن: 1/318]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (أنّي يؤفكون) (75) أي كيف يحدّون ويصدّون عن الخير والدين والحق
ويقال: أفكت أرض كذا أي لم يصبها مطر وصرف عنها ولا نبات فيها ولا خير). [مجاز القرآن: 1/174-175]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله {وأمه صديقة} فقالوا: الصديقون: المصدقون بالشيء، وأبو بكر الصديق رحمه الله؛ وكان الحسن يقول: الصديق: المؤمن، وهو واحد، وهو من ذلك، من التصديق؛ وقالوا في كلامهم: رجل صديق؛ أي رجل صالح.
وقال ذو تبع الحميري:
تبارك امصديق حقا = كان من كل عتيقا
خالق الخلق جميعا = ويعود الخلق صيقا
الريح المنتنة؛ تقول: ما أشد صيقه؛ أي ما أنتن رائحته.
فأما قوله {أنى يؤفكون} فإنهم يقولون: أفكه عن وجهه؛ أي صرفه عنه {والمؤتفكة أهوى} هي من ذلك؛ المنقلبة بأهلها؛ وكذلك حكى بعض أهل الفقه؛ ويقولون: أفك الرجل، يأفك إفكا وأفكا؛ أي كذب؛ وقد قالوا: {والمؤتفكة}:
[معاني القرآن لقطرب: 498]
الكذبة؛ من معنى الكذب؛ والكذب قلب الشيء عن وجهه، وهو قريب المعنى، بعضه من بعض). [معاني القرآن لقطرب: 499]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({أنى يؤفكون}: كيف يصدون عن الحق، يقال أرض مأفوكة أي ليس فيها مطر ولا نبات). [غريب القرآن وتفسيره: 131]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({ما المسيح ابن مريم إلّا رسولٌ قد خلت من قبله الرّسل} أي: تقدمت قبله الرسل. يريد أنه لم يكن أول رسول أرسل فيعجب منه.
وقوله: {كانا يأكلان الطّعام} هذا من الاختصار والكناية، وإنما نبّة بأكل الطعام على عاقبته وعلى ما يصير إليه وهو الحدث، لأن من أكل الطعام فلا بد له من أن يحدث.
{انظر كيف نبيّن لهم الآيات} وهذا من ألطف ما يكون من الكناية.
{أنّى يؤفكون} مثل قوله: {أنّى يصرفون} أي يصرفون عن الحق.
ويعدلون. يقال: أفك الرجل عن كذا: إذا عدل عنه. وأرض مأفوكة: أي محرومة المطر والنبات. كأن ذلك عدل عنها وصرف). [تفسير غريب القرآن: 145]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (ما المسيح ابن مريم إلّا رسول قد خلت من قبله الرّسل وأمّه صدّيقة كانا يأكلان الطّعام انظر كيف نبيّن لهم الآيات ثمّ انظر أنّى يؤفكون (75)
أي إبراؤه الأكمه والأبرص وإتيانه بالآيات المعجزات ليس بأنه إله، إنما أتى بالآيات كما أتى موسى بالآيات، وكما أتى إبراهيم بالآيات.
(وأمّه صدّيقة).
أي مبالغة في الصدق والتصديق، وإنما وقع عليها صدّيقة لأنه أرسل إليها جبريل، فقال الله عزّ وجلّ: (وصدّقت بكلمات ربّها وكتبه)،
وصدّيق فعيل من أبنية المبالغة كما تقول فلان سكيت أي مبالغ في السكوت.
وقوله: (كانا يأكلان الطّعام).
هذا احتجاج بين، أي إنما يعيشان بالغذاء كما يعيش سائر الآدميين.
فكيف يكون إلها من لا يقيمه إلا أكل الطعام.
وقوله: (انظر كيف نبيّن لهم الآيات).
أي العلامات الواضحة.
(ثمّ انظر) أي انظر بعد البيان.
(أنّى يؤفكون).
أي من أين يصرفون عن الحق الواضح.
وكل شيء صرفته عن شيء وقلبته عنه، تقول أفكته آفكه إفكا، والإفك الكذب إنما سمّي لأنه صرف عن الحق، والمؤتفكات الرياح التي تأتي من جهات على غير قصد واحد). [معاني القرآن: 2/196-197]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام} من الصدق وفعيل في كلام العرب للتكثير كما، يقال: سكيت وقال جل وعز: {وصدقت بكلمات ربها وكتبه}
ومن هذا قيل: لأبي بكر رضي الله عنه صديق
ويروى أنه إنما قيل له: صديق؛ لأنه لما أخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم أسري به إلى بيت المقدس، فقال: إن كان قال فقد صدق). [معاني القرآن: 2/343-344]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {كانا يأكلان الطعام}
في معناه قولان:
أحدهما: كناية عن إتيان الحاجة كما يكنى عن الجماع بالغشيان وما أشبهه.
وقيل: كانا يتغذيان كما يتغذى سائر الناس فكيف يكون إلها من لا يعيش إلا بأكل الطعام). [معاني القرآن: 2/344]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز ذكره: {انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون} أي قد بينا لهم العلامات وأوضحنا الأمر فمن أين يصرفون
يقال: أفكه، يأفكه إذا صرفه). [معاني القرآن: 2/344-345]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({أَنَّى يُؤْفَكُونَ} أي من أين ينصرفون عن الحق ويعدلون.
ويقال: أرض مأفوكة: إذا حُرمت المطر والنبات). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 70]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يُؤْفَكُونَ}: يصدون عن الحق). [العمدة في غريب القرآن: 122]

تفسير قوله تعالى: (قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (76) )


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:19 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة