العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة إبراهيم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10 جمادى الأولى 1434هـ/21-03-2013م, 11:22 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي

{فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47) يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (51) هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52)}


تفسير قوله تعالى: {فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47)}

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فلا تحسبنّ اللّه مخلف وعده رسله...}
أضفت (مخلف) إلى الوعد ونصبت الرسل على التأويل. وإذا كان الفعل يقع على شيئين مختلفين مثل كسوتك الثوب وأدخلتك الدار فابدأ بإضافة الفعل إلى الرجل
فتقول: هو كاسي عبد الله ثوباً، ومدخله الدار. ويجوز: هو كاسي الثوب عبد الله ومدخل الدار زيداً، جاز ذلك لأن الفعل قد يأخذ الدار كأخذه عبد الله
فتقول: أدخلت الدار وكسوت الثوب.
ومثله قول الشاعر:
ترى الثور فيها مدخل الظلّ رأسه = وسائره بادٍ إلى الشمس أجمع
فأضاف (مدخل) إلى (الظل) وكان الوجه أن يضيف (مدخل) إلى (الرأس)
ومثله:
ربّ ابن عمّ لسليمى مشمعلّ = طبّاخ ساعات الكرى زاد الكسل
ومثله:
فرشني بخير لا أكونن ومدحتي = كناحت يوم صخرةً بعسيل
وقال آخر:
* يا سارق الليلة أهل الدار *
فأضاف سارقا إلى الليلة ونصب (أهل الدار) وكان بعض النحويّين ينصب (الليلة) ويخفض (أهل) فيقول: يا سارق الليلة أهل الدار.
* وكناحت يوماً صخرةٍ *
وليس ذلك حسناً في الفعل ولو كان اسماً لكان الذي قالوا أجوز. كقولك: أنت صاحب اليوم ألف دينار، لأن الصّاحب إنما يأخذ واحداً ولا يأخذ الشيئين، والفعل قد ينصب الشيئين، ولكن إذا اعترضت صفة بين خافض وما خفض جاز إضافته؛ مثل قولك: هذا ضارب في الدار أخيه، ولا يجوز إلاّ في الشعر،
مثل قوله:

تروّح في عمّيّةٍ وأغاثه = على الماء قوم بالهراوات هوج
مؤخّر عن أنيابه جلد رأسه = لهنّ كأشباه الزّجاج خروج
وقال الآخر:
وكرّار دون المجحرين جواده = إذا لم يحام دون أنثى حليلها
وزعم الكسائي أنهم يؤثرون النصب إذا حالوا بين الفعل المضاف بصفة فيقولون: هو ضارب في غير شيء أخاه، يتوهّمون إذا حالوا بينهما أنهم نوّنوا.
وليس قول من قال {مخلف وعده رسله} ولا {زيّن لكثيرٍ من المشركين قتل أولادهم شركائهم} بشيء، وقد فسّر ذلك.
ونحويّو أهل المدينة ينشدون قوله:
فزججتها متمكّناً = زجّ القلوص أبي مزاده
... باطل والصواب:
* زجّ القلوص أبو مزاده *). [معاني القرآن: 2/82-79]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {فلا تحسبنّ اللّه مخلف وعده رسله إنّ اللّه عزيزٌ ذو انتقامٍ}
وقال: {مخلف وعده رسله} فأضاف إلى الأول ونصب الآخر على الفعل، ولا يحسن أن نضيف إلى الآخر لأنه يفرق بين المضاف والمضاف إليه وهذا لا يحسن.
ولا بد من إضافته لأنه قد ألقى الألف ولو كانت "مخلفا" نصبهما جميعا وذلك جائز في الكلام. ومثله "هذا معطي زيدٍ درهما" و"معطٍ زيداً درهما"). [معاني القرآن: 2/61]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله} المعنى: مخلف رسله وعده؛ ولكن قدم فصيره مضافًا إلى الوعد؛ لو كان منونًا "مخلفًا وعده رسله" لكان حسنا، ولكن في ذلك مخالفة الكتاب؛ وإن قال: مخلف وعده رسله، على: كان مخلف رسله وعده؛ فوجه فيه بعض البعد؛ لأنه يفرق بين المضاف والمضاف إليه؛ وقد قالوا: هذا صوت علم الله أمرها، ففرق.
وقال الشاعر على مثل القراءة:
ترى الثور فيها مدخل الظل رأسه = وسائره باد إلى الشمس أجمع
فصير الظل هو المدخل في الرأس في اللفظ، والمعنى مدخل الرأس في الظل.
وقال الراجز:
رب ابن عم لسليمي مشمعل = طباخ ساعات الكرى زاد الكسل
فأضاف إلى الساعات؛ والمعنى: طباخ زاد الكسل في ساعات الكرى.
وقريب منه مما قلب قول زياد الأعجم:
إن السماحة والمروة ضمنا = قبرا بمرو على الطريق الواضح
وإنما المعنى: ضمنهما القبر.
[معاني القرآن لقطرب: 783]
ومثله قول ابن الرقيات:
أسلموها في دمشق كما = أسلمت وحشية وهقا
والوهق الذي أسلمها؛ فكأنه لما أسلمها أسلمته؛ وهذا مثل قولك: كسيت الجبة زيدًا، لما كسيها وخالطها جاز أن يقال كسيت هي.
وهذا المضاف الذي ذكرنا شاذ في الكلام قليل، إلا أنه يكثر في الشعر لموضع الاضطرار من الشاعر.
ومثله قول الطرماح:
يطفن بحوزي المراتع لم يرع = بواديه من قرع القسي الكنائن
يريد: من قرع القسي؛ فعلى هذا "مخلف وعده رسله"، وليس بالسهل.
وقال الأعشى مثله:
إلا علالة أو بداهة قارح نهد الجزاره
ففرق بين المضاف والمضاف إليه.
وقال ذو الرمة:
كأن أصوات من إيغالهن بنا = أواخر الميس أصوات الفراريج
يريد: كأن أصوات أواخر الميس.
وقال الآخر:
لما رأت ساتيدما استعبرت = لله در اليوم من لامها
[قال محمد بن صالح: ساتيدما: اسم جبل ناحية الموصل].
وقالوا في كلامهم: قطع الله يد ورجل من قاله، ففرقوا أيضًا). [معاني القرآن لقطرب: 784]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومن المقلوب: أن يُقدَّمَ ما يُوضِّحه التأخير، ويؤخَّرَ ما يوضِّحُه التقديم.
كقول الله تعالى: {فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ}، أي مخلف رسله وعده، لأنّ الإخلاف قد يقع بالوعد كما يقع بالرّسل، فتقول: أخلفت الوعد، وأخلفت الرّسل،
وكذلك قوله سبحانه: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ} أي: فإنّي عدوّ لهم، لأنّ كل من عاديته عاداك). [تأويل مشكل القرآن: 193]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {فلا تحسبنّ اللّه مخلف وعده رسله إنّ اللّه عزيز ذو انتقام}
وقرئت مخلص وعده رسله، وهذه القراءة التي بنصب الوعد وخفض الرسل شاذّة رديئة، لا يجوز أن يفرق بين المضاف والمضاف إليه.
وأنشدوا في مثل هذا:
فزجّجتها بمزجّة= زجّ القلوص أبي مزاده
المعنى فزججتها بمزجّة زجّ أبي مزادة القلوص.
والقراءة: {مخلف وعده رسله}، كما تقول: هذا معطي درهم زيدا). [معاني القرآن: 3/169-168]

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وأما قوله: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ}، فإن للعرب في معنى (الأبد) ألفاظا يستعملونها في كلامهم، يقولون: لا أفعل ذلك ما اختلف الليل والنهار، وما طمى البحر، أي ارتفع، وما أقام الجبل، وما دامت السموات والأرض، في أشباه لهذا كثيرة، يريدون لا أفعله أبدا،
لأن هذه المعاني عندهم لا تتغير عن أحوالها أبدا، فخاطبهم الله بما يستعملونه فقال: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ} أي مقدار دوامهما، وذلك مدة العالم.
وللسماء وللأرض وقت يتغيّران فيه عن هيئتهما، يقول الله تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ}، ويقول: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ}.
أراد أنهم خالدون فيها مدة العالم، سوى ما شاء الله أن يزيدهم من الخلود على مدة العالم. ثم قال: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} أي غير مقطوع.
و(إلّا) في هذا الموضع بمعنى (سوى) ومثله من الكلام: لأسكننّ في هذه الدار حولا إلا ما شئت. تريد سوى ما شئت أن أزيد على الحول.
هذا وجه.
وفيه قول آخر، وهو: أن يجعل دوام السماء والأرض بمعنى الأبد، على ما تعرف العرب وتستعمل، وإن كانتا قد تتغيّران، وتستثنى المشيئة من دوامهما، لأن أهل الجنة وأهل النار قد كانوا في وقت من أوقات دوام السماء والأرض في الدنيا لا في الجنة، فكأنه قال: خالدين في الجنة وخالدين في النار دوام السماء والأرض، إلا ما شاء ربك من تعميرهم في الدنيا قبل ذلك.
وفيه وجه ثالث: وهو أن يكون الاستثناء من الخلود مكث أهل الذنوب من المسلمين في النار حتى تلحقهم رحمة الله، وشفاعة رسوله، فيخرجوا منها إلى الجنة.
فكأنه قال سبحانه: خالدين في النار ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك من إخراج المذنبين من المسلمين إلى الجنة،
وخالدين في الجنة ما دامت السموات والأرض، إلا ما شاء ربك من إدخال المذنبين النار مدة من المدد، ثم يصيرون إلى الجنة). [تأويل مشكل القرآن: 76-77] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {يوم تبدّل الأرض غير الأرض والسّماوات وبرزوا للّه الواحد القهّار}
إن شئت نصبت اليوم على النعت لقوله: يوم يقوم الحساب يوم تبدل الأرض.
وإن شئت أن يكون منصوبا بقوله ذو انتقام، المعنى أن الله عزّ وجل ذو انتقام أي بينهم يوم تبدل الأرض غير الأرض، والأرض مرفوعة على اسم ما لم يسمّ فاعله، وغير منصوبة على مفعول ها لم يسم فاعله، تقول: بدّل الخاتم خاتما آخر إذا كسر وصيغ صيغة أخرى، وقد تقول بدّل زيد إذا تغيرت حاله، فمعنى تبدل الأرض غير الأرض تسيير جبالها وتفجير بحارها وكونها مستوية لا يرى فيها عوج ولا أمت، فهذا - والله أعلم - تبديلها.
{والسّماوات} أي وتبدل السّماوات غير السّماوات، وتبديل السّماوات انتثار كواكبها وانفطارها وانشقاقها وتكوير شمسها وخسوف قمرها.
{وبرزوا للّه الواحد القهّار} أي خرجوا من قبورهم بارزين). [معاني القرآن: 3/169]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار}
روى إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله بن مسعود قال تبدل أرضا بيضاء مثل الفضة لم يسفك عليها دم حرام ولا يفعل فيها خطيئة
وقال جابر سالت أبا جعفر محمد بن علي عن قول الله عز وجل: {يوم تبدل الأرض غير الأرض} قال تبدل خبزة يأكل منها الخلق يوم القيامة ثم قرأ وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام
حدثنا الحسن بن فرج بغزة قال نا يوسف بن عدي قال حدثنا علي بن مسهر عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله جل وعز:
{يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات} فأين يكون الناس يومئذ يا رسول الله قال على الصراط
وقال الحسن تبدل الأرض كما يقول القائل لقد تبدلت يدينا قال تذهب شمسها وقمرها ونجومها وأنهارها وجبالها فذلك هو التبديل). [معاني القرآن: 3/545-544]

تفسير قوله تعالى: {وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {مقرّنين في الأصفاد} أي في الأغلال، وواحدها صفد والصفّد في موضع آخر: العطاء
وقال الأعشى:
تضيفته يوماً فقرّب مقعدي= وأصفدني على الزًّمانة قائدا
وبعضهم يقول: صفدني). [مجاز القرآن: 1/345]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وترى المجرمين يومئذٍ مّقرّنين في الأصفاد}
وواحد {الأصفاد} صفد). [معاني القرآن: 2/61]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله عز وجل {مقرنين في الأصفاد} قالوا في الفعل: صفده في الصفاد، صفدًا وصفدًا؛ والصفاد: القيد؛ وقالوا أيضًا: صفد وأصفاد للوثاق؛ وقالوا في العطاء: أصفده وصفده لغتان، إصفادًا وصفدًا؛ وقال النابغة:
هذا الثناء لئن بلغت معتبة = ولم أعرض أبيت اللعن بالصفد
وقال عمرو في معنى الوثاق:
فآبوا بالنهاب وبالسبايا = وأبنا بالملوك مصفدينا). [معاني القرآن لقطرب: 782]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {الأصفاد}: واحدها صفد وهي الأغلال). [غريب القرآن وتفسيره: 198]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وترى المجرمين يومئذٍ مقرّنين في الأصفاد} أي قد قرن بعضهم إلى بعض في الأغلال واحدها: صفد).
[تفسير غريب القرآن: 234]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وترى المجرمين يومئذ مقرّنين في الأصفاد}
والأصفاد الأغلال، واحدها صفد، يقال صفدته بالحديد، وأصفدته.
وصفدت في الحديد أكثر، وأصفدته إذا أعطيته، وصفدته إذا أعطيته أيضا إلا أن الاختيار في العطية أصفدته وفي الحديد صفدته.
قال الشاعر:
وإن جئته يوما فقرّب مجلسي= وأصفدني على الزّمانة قائدا
معناه أعطاني قائدا). [معاني القرآن: 3/1701-69]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد}
قال قتادة في الأغلال والأقياد). [معاني القرآن: 3/546]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مقرنين في الأصفاد} أي قرن بعضهم إلى بعض في الأغلال. والأصفاد واحدها صفد). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 123]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الأَصْفَاد}: الأغلال). [العمدة في غريب القرآن: 171]

تفسير قوله تعالى: {سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (قوله: {سرابيلهم مّن قطرانٍ...}
عامّة القراء مجمعون على أن القطران حرف واحد مثل الظّربان. ... وحدثني حبّان عن الكلبيّ عن أبي صالح أن ابن عباس فسّرها {من قطرانٍ}: قد انتهى حرّه، قرأها ابن عبّاس كذلك.
قال أبو زكريّا، وهو من قوله: {قال آتوني أفرغ عليه قطراً} ). [معاني القرآن: 2/82]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {سرابيلهم من قطرانٍ} أي قمصهم، وواحدها سربال). [مجاز القرآن: 1/345]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن {سرابيلهم من قطران} وقطران جميعًا؛ وهي لغة.
وقراءة عيسى بن عمر "من قطران" بإسكان الطاء.
[معاني القرآن لقطرب: 776]
ولغة أخرى قطران، وعليها قال أبو النجم:
كأن قطرانا إذا تلاها = ترمي به الريح إلى مجراها)
وكان الحسن يقول: القطران الخضخاض، هناء الإبل.
وقراءة عكرمة وابن سيرين "من قطر آن" ينون قطرًا؛ والقطر الصفر؛ وهو النحاس والصاد والفلز.
وقال أمية:
وسليمان إذ يسيل له القطر على ملكه ثلاث ليال
وقالوا في "آن": وهو إدراك الشيء، أنا يأني أنيا، وإني بالقصر.
وقوله {غير ناظرين إناه} أي إدراكه؛ والأناة من ذلك.
وقال النابغة:
وتخضب لحية غدرت وخانت = بأحمر من نجيع الجوف آن
أي مدرك.
[معاني القرآن لقطرب: 777]
وقال الحطيئة فمده:
وآنيت العشاء إلى سهيل = أو الشعرى فطال بي الأناء
فمده.
وقالوا أيضًا: أنيت أناء.
[وروى محمد]:
أنيت إني، على فعلت؛ أي أبطأت.
وقال حاتم:
متى ترق أضغان العشيرة بالأنى = وكف الأذى يحسم لك الداء محسما
ففتح الأنى.
وقالوا في معنى أني الشيء: آن له، يئين له أينا، وأنى له، وأنال له، ونال له نولا، من النوال، مثل لاذ وألاذ). [معاني القرآن لقطرب: 778]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {سرابيلهم من قطران} الواحد سربال، وهو القميص). [معاني القرآن لقطرب: 782]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {سرابيلهم من قطران}: واحدها سربال وهو القميص). [غريب القرآن وتفسيره: 198]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {سرابيلهم} أي قمصهم. واحدها: سربال. {من قطرانٍ}.
ومن قرأ: «من قطر آن» أراد: نحاسا قد بلغ منتهى حرّه. أنى فهو آن). [تفسير غريب القرآن: 234]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النّار}
السربال كل ما لبس.
وجعلت سرابيلهم من قطران - واللّه أعلم - لأن القطران يبالغ في اشتعال النار في الجلود، ولو أراد الله المبالغة في إحراقهم
بغير نار وغير قطران لقدر على ذلك، لكن عذب بما يعقل العباد العذاب من جهته وحذرهم ما يعرفون حقيقته، وقرئت (من قطر آن)، قرأ بها جماعة.
والقطر النحاس، وآن قد انتهى حرّه). [معاني القرآن: 3/170]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار}
قال الحسن هو قطران الإبل
وروي عن جماعة من التابعين أنهم قالوا هو النحاس
والمعروف في اللغة أنه يقال للنحاس قطر قال الله عز وجل: {وأسلنا له عين القطر}
وقرأ ابن عباس وعكرمة سرابيلهم من قطر آن وفسراه بالنحاس
قال أبو جعفر وهذا هو الصحيح ومنه قوله تعالى: {وأسلنا له عين القطر} والسرابيل القمص
وقال عكرمة وآن انتهى حره ويقال إن الهمزة بدل من الحاء
فإن قيل فلعل الحاء بدل الهمزة قيل ذلك أولى لأنه مأخوذ من الحين). [معاني القرآن: 3/547-546]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {سرابيلهم} أي قمصهم {من قطران} ومن قرأ (قطر آن) أي من نحاس قد بلغ في حره). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 123]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {سَرَابيلُهُمْ}: ثيابهم.
{القَطِرانُ}: النحاس). [العمدة في غريب القرآن: 171]

تفسير قوله تعالى: {لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (51)}

تفسير قوله تعالى: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52)}
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قراءة العامة {ولينذروا به}. الجحدري "ولينذروا" يجعلهم الفاعلين؛ من نذر ينذر به نذرًا؛ وقالوا: ما أتاك النذر). [معاني القرآن لقطرب: 778]


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 11 جمادى الأولى 1434هـ/22-03-2013م, 10:52 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47) }

قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (وإن لم ترد بالاسم الذي يتعدّى فعله إلى مفعولين أن يكون الفعل قد وقع أجريته مجرى الفعل الذي يتعدّى إلى مفعولٍ في التنوين وترك التنوين وأنت تريد معناه وفى النصب والجرّ وجميع أحواله. فإذا نوّنت فقلت هذا معطٍ زيداً درهماً لا تبال أيّهما قدّمت لأنّه يعمل عمل الفعل. وإن لم تنون لم يجز هذا معطى درهماً زيدٍ لأنك لا تفصل بين الجارّ والمجرور لأنه داخلٌ في الاسم فإذا نوّنت انفصل كانفصاله في الفعل. فلا يجوز إلاّ في قوله هذا معطى درهمٍ زيداً كما قال تعالى جدّه: {فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله} ). [الكتاب: 1/175]

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) }

تفسير قوله تعالى: {وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقوله: وأصفدني: يقول: أعطاني، وهو الإصفاد، والصفد الاسم، والإصفاد المصدر، قال النابغة:
فلم أعرض أبيت اللعن بالصفد
ويقال: صفدت الرجل فهو مصفود، من القيد، ولا يقال في القيد: أصفدت، ولكن صفدته صفدًا، واسم القيد الصفد، قال الله جل وعز: {مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ}. كقولك: جمل وأجمال، وصنم وأصنام). [الكامل: 2/907]

تفسير قوله تعالى: {سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50) }
قال أبو عبيدةَ مَعمرُ بنُ المثنَّى التيمي (ت:209هـ): (
حلل الملوك لباسنا في أهلنا = والسابغات إلى الوغا نتسربل
...
نتسربل نتقمص والسربال القميص وهو من قول الله عز وجل: {سرابيلهم من قطران} ). [نقائض جرير والفرزدق: 187-188]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (والسربال: القميص ويقال قد تسربل الرجل بالسربال إذا لبسه). [شرح المفضليات: 782]


تفسير قوله تعالى: {لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (51) }

تفسير قوله تعالى: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52) }

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 13 ذو القعدة 1439هـ/25-07-2018م, 12:54 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 13 ذو القعدة 1439هـ/25-07-2018م, 12:55 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 13 ذو القعدة 1439هـ/25-07-2018م, 01:00 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {فلا تحسبن الله} الآية. تثبيت للنبي صلى الله عليه وسلم ولغيره من أمته، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ممن يحسب مثل هذا، ولكن خرجت العبارة هكذا، والمراد بما فيها من الزجر من شارك النبي صلى الله عليه وسلم في أن قصد تثبيته. وقرأ جمهور الناس: "مخلف وعده" بالإضافة "رسله" بالنصب، وأضاف "مخلف" إلى "الوعد" إذ للإخلاف تعلق بالوعيد على تجوز، وإنما حقيقة تعلقه بالرسل، وهذا نحو قول الشاعر:
ترى الثور فيها مدخل الظل رأسه ... وسائره باد إلى الشمس أجمع
وكقولك: "هذا معطي زيد درهما"، وقرأت فرقة: "مخلف وعده رسله" بنصب "الوعد" وخفض "الرسل" على الإضافة، وهذه القراءة ذكرها الزجاج وضعفها، وهي تحول بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول، وهي كقول الشاعر:
فزججتها بمزجة ... زج القلوص أبي مزاده
[المحرر الوجيز: 5/263]
وأما إذا حيل في مثل هذا بالظرف فهو أشهر في الكلام كقوله:
لله در اليوم من لامها
وقال آخر:
كما خط الكتاب بكف يوما ... يهودي يقارب أو يزيل
والمعنى: لا تحسب يا محمد أنت ومن اعتبر بالأمر من أمتك وغيرهم أن الله لا ينجز وعده في نصر رسله وإظهارهم، ومعاقبة من كفر بهم في الدنيا والآخرة، فإن الله عزيز لا يمتنع منه شيء، ذو انتقام من الكفرة، لا سبيل إلى عفوه عنهم). [المحرر الوجيز: 5/264]

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {يوم تبدل الأرض} الآية. "يوم" ظرف للانتقام المذكور قبله، وروي في "تبديل الأرض" أقوال: منها في الصحيح أن الله يبدلها هذه الأرض بأرض عفراء بيضاء كأنها قرصة النقي، وفي الصحيح أن الله يبدلها خبزة يأكل المؤمن منها من تحت قدميه، وروي أنها تبدل أرضا من فضة، وروي أنها أرض كالفضة من بياضها، وروي أنها تبدل
[المحرر الوجيز: 5/264]
من نار وقال بعض المفسرين: تبديل الأرض هو نسف جبالها، وتفجير بحارها، وتغييرها حتى لا يرى فيها عوجا ولا أمتا، فهذه حال غير الأولى، وبهذا وقع التبديل.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وسمعت من أبي رضي الله عنه أنه روي أن التبديل يقع في الأرض، ولكن يبدل لكل فريق بما تقتضيه حاله، فالمؤمن يكون على خبز يأكل منه بحسب حاجته إليه، وفريق يكون على فضة -إن صح السند بها-، وفريق الكفرة يكونون على نار، ويجوز هذا مما كله واقع تحت قدرة الله تعالى. وأكثر المفسرين على أن التبديل يكون بأرض بيضاء عفراء لم يعص الله فيها، ولا سفك فيها دم، وليس فيها معلم لأحد. وروي فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "المؤمنون وقت التبديل في ظل العرش"، وروي عنه أنه قال: "الناس وقت التبديل على الصراط"، وعنه أنه قال: "الناس حينئذ أضياف الله فلا يعجزهم ما لديه".
و"برزوا" مأخوذ من البراز، أي: ظهروا بين يديه لا يواريهم بناء ولا حصن. وقوله: {الواحد القهار} صفتان لائقتان بذكر هذه الحال). [المحرر الوجيز: 5/265]

تفسير قوله تعالى: {وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار ليجزي الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولو الألباب}
المجرمون هم الكفار، و"مقرنين" مربوطين في قرن وهو الحبل الذي يشد به رؤوس الإبل والبقر، ومنه قول الشاعر:
وابن اللبون إذا ما لز في قرن ... لم يستطع صولة البزل القناعيس
و"الأصفاد" الأغلال، واحدها صفد، يقال: صفده وأصفده وصفده إذا غلله، والاسم الصفاد، ومنه قول سلامة بن جندل:
وزيد الخيل قد لاقى صفادا ... يعض بساعد وبعظم ساق
وكذلك يقال في العطاء، ومنه قول النابغة.
فلم أعرض -أبيت اللعن- بالصفد). [المحرر الوجيز: 5/266]

تفسير قوله تعالى: {سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و "السرابيل": القمص، و"القطران" هو الذي تهنأ به الإبل، وللنار فيه اشتعال شديد، فلذلك جعل الله قمص أهل النار منه، ويقال بفتح القاف وكسر الطاء، وبكسر القاف وسكون الطاء، وبفتح القاف وسكون الطاء، وقرأ عمر، وعلي، والحسن بخلاف- وابن عباس، وأبو هريرة، وعلقمة، وسنان بن سلمة، وعكرمة، وابن سيرين، وابن جبير، والكلبي، وقتادة، وعمرو بن عبيد: " قطر آن"، والقطر: القصدير، وقيل: النحاس. وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: ليس بالقطران، ولكنه النحاس يسربلونه، و"آن" صفة، وهو الذائب الحار الذي قد تناهى حره، قال الحسن: قد سعرت عليه جهنم منذ خلقت فتناهى حره. وقرأ جمهور الناس: "وجوههم" بالنصب "النار" بالرفع، وقرأ ابن مسعود بالعكس، فالأول على نحو: والليل إذا يغشى فهي حقيقة الغشيان، والثاني على نحو قول الشاعر:
يغشون حتى ما تهر كلابهم ... لا يسألون عن السواد المقبل
فهي بتجوز في الغشيان، كأن ورود الوجوه على النار غشيان). [المحرر الوجيز: 5/267]

تفسير قوله تعالى: {لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (51)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ليجزي الله} أي: لكي يجزي الله واللام متعلقة بفعل مضمر
[المحرر الوجيز: 5/267]
تقديره: أنفذ على المجرمين هذا العقاب ليكون في ذلك جزاء المسيء على إساءته، وجاء من لفظة الكسب بما يعم المسيء والمحسن لينبه على أن المحسن أيضا يجازى بإحسانه خيرا.
وقوله تعالى: {سريع الحساب} أي: فاصله بين خلقه بالإحاطة التي له بدقيق أمرهم وجليلها، لا إله غيره، وقيل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: كيف يحاسب الله العباد في وقت واحد مع كثرتهم؟ قال: كما يرزقهم في وقت واحد). [المحرر الوجيز: 5/268]

تفسير قوله تعالى: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله: {هذا بلاغ للناس} الآية إشارة إلى القرآن والوعيد الذي تضمنه، ووصفه بالمصدر في قوله: "بلاغ"، والمعنى: هذا ذو بلاغ للناس، وهو لينذروا به. وقرأ الجمهور: "ولينذروا" بضم الياء وفتح الذال على بناء الفعل للمفعول، وقرأ يحيى بن عمارة، وأحمد بن يزيد بن أسيد: "ولينذروا" بفتح الياء والذال، تقول العرب: "نذرت بكذا" إذا أشعرت به، وتحرزت منه، وأعددت له.
وروي أن قوله سبحانه: {وليذكر أولو الألباب} نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه). [المحرر الوجيز: 5/268]

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 27 ذو القعدة 1439هـ/8-08-2018م, 09:11 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 27 ذو القعدة 1439هـ/8-08-2018م, 09:15 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47) يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فلا تحسبنّ اللّه مخلف وعده رسله إنّ اللّه عزيزٌ ذو انتقامٍ (47) يوم تبدّل الأرض غير الأرض والسّماوات وبرزوا للّه الواحد القهّار (48)}
يقول تعالى مقرّرًا لوعده ومؤكّدًا: {فلا تحسبنّ اللّه مخلف وعده رسله} أي: من نصرتهم في الحياة الدّنيا ويوم يقوم الأشهاد.
ثمّ أخبر أنّه ذو عزّةٍ لا يمتنع عليه شيءٌ أراده، ولا يغالب، وذو انتقامٍ ممّن كفر به وجحده {ويلٌ يومئذٍ للمكذّبين} [الطّور: 11]؛ ولهذا قال: {يوم تبدّل الأرض غير الأرض والسّماوات} أي: وعده هذا حاصلٌ يوم تبدّل الأرض غير الأرض، وهي هذه على غير الصّفة المألوفة المعروفة، كما جاء في الصّحيحين، من حديث أبي حازمٍ، عن سهل بن سعدٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "يحشر النّاس يوم القيامة على أرضٍ بيضاء عفراء، كقرصة النّقيّ، ليس فيها معلمٌ لأحدٍ".
وقال الإمام أحمد: حدّثنا محمّد بن أبي عديٍّ، عن داود، عن الشّعبيّ، عن مسروقٍ، عن عائشة أنّها قالت: أنا أوّل النّاس سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن هذه الآية: {يوم تبدّل الأرض غير الأرض والسّماوات وبرزوا للّه الواحد القهّار} قالت: قلت: أين النّاس يومئذٍ يا رسول اللّه؟ قال: "على الصّراط".
رواه مسلمٌ منفردًا به دون البخاريّ، والتّرمذيّ، وابن ماجه، من حديث داود بن أبي هندٍ، به وقال التّرمذيّ: حسنٌ صحيحٌ.
ورواه أحمد أيضًا، عن عفّان، عن وهيبٍ عن داود، عن الشّعبيّ، عنها ولم يذكر مسروقًا.
وقال قتادة، عن حسّان بن بلالٍ المزنيّ، عن عائشة، رضي اللّه عنها، أنّها سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن قول اللّه: {يوم تبدّل الأرض غير الأرض والسّماوات} قال: قالت يا رسول اللّه، فأين النّاس يومئذٍ؟ قال: "لقد سألتني عن شيءٍ ما سألني عنه أحدٌ من أمّتي، ذاك أنّ النّاس على جسر جهنّم .
وروى الإمام أحمد، من حديث حبيب بن أبي عمرة، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، حدّثتني عائشة أنّها سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، عن قوله تعالى: {والأرض جميعًا قبضته يوم القيامة والسّماوات مطويّاتٌ بيمينه} [الزمر: 67]، فأين النّاس يومئذٍ يا رسول اللّه؟ قال: "هم على متن جهنّم".
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا الحسن، حدّثنا عليّ بن الجعد، أخبرني القاسم، سمعت الحسن قال: قالت عائشة: يا رسول اللّه، {يوم تبدّل الأرض غير الأرض} فأين النّاس يومئذٍ؟ قال: "إنّ هذا شيءٌ ما سألني عنه أحدٌ"، قال: "على الصّراط يا عائشة".
ورواه أحمد، عن عفّان عن القاسم بن الفضل، عن الحسن، به.
وقال الإمام مسلم بن الحجّاج في صحيحه: حدّثني الحسن بن عليٍّ الحلوانيّ، حدّثنا أبو توبة الرّبيع بن نافعٍ، حدّثنا معاوية بن سلّامٍ، عن زيدٍ -يعني: أخاه -أنّه سمع أبا سلّامٍ، حدّثني أبو أسماء الرّحبي؛ أنّ ثوبان مولى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حدّثه قال: كنت قائمًا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فجاءه حبر من أحبار اليهود، فقال: السّلام عليك يا محمّد. فدفعته دفعةً كاد يصرع منها، فقال: لم تدفعني؟ فقلت: ألا تقول: يا رسول اللّه؟! فقال اليهوديّ: إنّما ندعوه باسمه الّذي سمّاه به أهله! فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ اسمي محمّدٌ الّذي سمّاني به أهلي". فقال اليهوديّ: جئت أسألك. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أينفعك شيءٌ إن حدّثتك؟ " فقال: أسمع بأذنيّ. فنكت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعودٍ معه، فقال: "سل". فقال اليهوديّ: أين يكون النّاس يوم تبدّل الأرض غير الأرض والسّموات؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "هم في الظّلمة دون الجسر" قال: فمن أوّل النّاس إجازةً؟ قال: فقال: " [فقراء] المهاجرين". قال اليهوديّ: فما تحفتهم حين يدخلون الجنّة؟ قال: "زيادة كبد النّون" قال: فما غذاؤهم في أثرها؟ قال: "ينحر لهم ثور الجنّة الّذي كان يأكل من أطرافها". قال: فما شرابهم عليه؟ قال: "من عينٍ فيها تسمّى سلسبيلًا". قال: صدقت. قال: وجئت أسألك عن شيءٍ لا يعلمه أحدٌ من أهل الأرض إلّا نبيٌّ أو رجلٌ أو رجلان؟ قال: "أينفعك إن حدّثتك؟ " قال: أسمع بأذنيّ. قال: جئت أسألك عن الولد. قال: "ماء الرّجل أبيض وماء المرأة أصفر، فإذا اجتمعا فعلا منيّ الرّجل منيّ المرأة أذكرا بإذن اللّه -تعالى -وإذا علا منيّ المرأة منيّ الرّجل أنّثا بإذن اللّه" قال اليهوديّ: لقد صدقت، وإنّك لنبيٌّ. ثمّ انصرف، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لقد سألني هذا عن الّذي سألني عنه، وما لي علمٌ بشيءٍ منه، حتّى أتاني اللّه به".
[و] قال أبو جعفرٍ بن جريرٍ الطّبريّ: حدّثني ابن عوفٍ، حدّثنا أبو المغيرة، حدّثنا ابن أبي مريم، حدّثنا سعيد بن ثوبان الكلاعي، عن أبي أيّوب الأنصاريّ، قال: أتى النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم حبر من اليهود فقال: أرأيت إذ يقول اللّه في كتابه: {يوم تبدّل الأرض غير الأرض والسّماوات} فأين الخلق عند ذلك؟ فقال: "أضياف اللّه، فلن يعجزهم ما لديه".
ورواه ابن أبي حاتمٍ، من حديث أبي بكر بن عبد اللّه بن أبي مريم، به.
وقال شعبة: أخبرنا أبو إسحاق، سمعت عمرو بن ميمونٍ -وربّما قال: قال عبد اللّه، وربّما لم يقل -فقلت له: عن عبد اللّه؟ فقال: سمعت عمرو بن ميمونٍ يقول: {يوم تبدّل الأرض غير الأرض} قال: أرضٌ كالفضّة البيضاء نقيّةٌ، لم يسفك فيها دمٌ، ولم يعمل عليها خطيئةٌ، ينفذهم البصر، ويسمعهم الدّاعي، حفاةً عراةً كما خلقوا. قال: أراه قال: قيامًا حتّى يلجمهم العرق.
وروي من وجهٍ آخر عن شعبة عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمونٍ، عن ابن مسعودٍ، بنحوه. وكذا رواه عاصمٌ، عن زرٍّ، عن ابن مسعودٍ، به.
وقال سفيان الثّوريّ، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمونٍ، لم يخبر به. أورد ذلك كلّه ابن جريرٍ.
وقد قال الحافظ أبو بكرٍ البزّار: حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن عبيد بن عقيل، حدّثنا سهل بن حمّادٍ أبو عتّابٍ، حدّثنا جرير بن أيّوب، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمونٍ، عن عبد اللّه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في قول اللّه، عزّ وجلّ: {يوم تبدّل الأرض غير الأرض} قال: "أرضٌ بيضاء لم يسقط عليها دمٌ ولم يعمل عليها خطيئةٌ". ثمّ قال: لا نعلم رفعه إلّا جرير بن أيّوب، وليس بالقويّ.
ثمّ قال ابن جريرٍ: حدّثنا أبو كريبٍ، حدثا معاوية بن هشامٍ، عن سنانٍ عن جابرٍ الجعفي، عن أبي جبيرة عن زيدٍ قال: أرسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى اليهود فقال: "هل تدرون لم أرسلت إليهم؟ " قالوا: اللّه ورسوله أعلم. قال: "أرسلت إليهم أسألهم عن قول اللّه: {يوم تبدّل الأرض غير الأرض} إنّها تكون يومئذٍ بيضاء مثل الفضّة". فلمّا جاءوا سألهم فقالوا: تكون بيضاء مثل النّقي.
وهكذا روى عن عليٍّ، وابن عبّاسٍ، وأنس بن مالكٍ، ومجاهد بن جبير: أنّها تبدّل يوم القيامة بأرضٍ من فضّةٍ.
وعن عليٍّ، رضي اللّه عنه، أنّه قال: تصير الأرض فضة، والسموات ذهبا.
وقال الرّبيع: عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعبٍ قال: تصير السّموات جنانًا.
وقال أبو معشر، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ، أو عن محمّد بن قيسٍ في قوله: {يوم تبدّل الأرض غير الأرض} قال: [تبدّل] خبزةً يأكل منها المؤمنون من تحت أقدامهم.
وكذا روى وكيع، عن عمر بن بشيرٍ الهمدانيّ، عن سعيد بن جبيرٍ في قوله: {يوم تبدّل الأرض غير الأرض} قال: تبدّل خبزةً بيضاء، يأكل المؤمن من تحت قدميه.
وقال الأعمش، عن خيثمة قال: قال عبد اللّه -هو ابن مسعودٍ-: الأرض كلّها يوم القيامة نارٌ، والجنّة من ورائها ترى كواعبها وأكوابها، ويلجم النّاس العرق، أو يبلغ منهم العرق، ولم يبلغوا الحساب.
وقال الأعمش أيضًا، عن المنهال بن عمرٍو، عن قيس بن السّكن قال: قال عبد اللّه: الأرض كلّها نارٌ يوم القيامة، [و] الجنّة من ورائها، ترى أكوابها وكواعبها، والّذي نفس عبد اللّه بيده، إنّ الرّجل ليفيض عرقًا حتّى ترسخ في الأرض قدمه، ثمّ يرتفع حتّى يبلغ أنفه، وما مسّه الحساب. قالوا ممّ ذاك يا أبا عبد الرّحمن؟ قال: ممّا يرى النّاس يلقون.
وقال أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن كعبٍ في قوله: {يوم تبدّل الأرض غير الأرض والسّماوات} قال: تصير السّموات جنانًا، ويصير مكان البحر نارًا، وتبدّل الأرض غيرها.
وفي الحديث الّذي رواه أبو داود: "لا يركب البحر إلّا غازٍ أو حاجٌّ أو معتمرٌ، فإنّ تحت البحر نارًا -أو: تحت النّار بحرًا".
وفي حديث الصّور المشهور المرويّ عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "تبدّل الأرض غير الأرض والسّموات، فيبسطها ويمدّها مدّ الأديم العكاظيّ، لا ترى فيها عوجًا ولا أمتًا، ثمّ يزجر اللّه الخلق زجرةً، فإذا هم في هذه المبدلة".
وقوله: {وبرزوا للّه} أي: خرجت الخلائق جميعها من قبورهم لله {الواحد القهّار} أي: الذي قهر كلّ شيءٍ وغلبه، ودانت له الرّقاب، وخضعت له الألباب). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 518-522]

تفسير قوله تعالى: {وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وترى المجرمين يومئذٍ مقرّنين في الأصفاد (49) سرابيلهم من قطرانٍ وتغشى وجوههم النّار (50) ليجزي اللّه كلّ نفسٍ ما كسبت إنّ اللّه سريع الحساب (51)}
يقول تعالى: {يوم تبدّل الأرض غير الأرض والسّماوات} وتبرز الخلائق لديّانها، ترى يا محمّد يومئذٍ المجرمين، وهم الّذين أجرموا بكفرهم وفسادهم، {مقرّنين} أي: بعضهم إلى بعضٍ، قد جمع بين النّظراء أو الأشكال منهم، كلّ صنفٍ إلى صنفٍ، كما قال تعالى: {احشروا الّذين ظلموا وأزواجهم} [الصّافّات: 22]، وقال: {وإذا النّفوس زوّجت} [التّكوير: 7]، وقال: {وإذا ألقوا منها مكانًا ضيّقًا مقرّنين دعوا هنالك ثبورًا} [الفرقان: 13]، وقال: {والشّياطين كلّ بنّاءٍ وغوّاصٍ وآخرين مقرّنين في الأصفاد} [ص: 37، 38].
والأصفاد: هي القيود، قاله ابن عبّاسٍ، وسعيد بن جبيرٍ، والأعمش، وعبد الرّحمن بن زيدٍ. وهو مشهورٌ في اللّغة، قال عمرو بن كلثومٍ:
فآبوا بالثّياب وبالسّبايا وأبنا بالملوك مصفّدينا). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 522]

تفسير قوله تعالى: {سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {سرابيلهم من قطرانٍ} أي: ثيابهم الّتي يلبسونها عليهم من قطرانٍ، وهو الّذي تهنأ به الإبل، أي: تطلى، قاله قتادة. وهو ألصق شيءٍ بالنّار.
ويقال فيه: "قطران"، بفتح القاف وكسر الطّاء، وبفتح القاف وتسكين الطّاء، وبكسر القاف وتسكين الطّاء، ومنه قول أبي النّجم.
كأنّ قطرانًا إذا تلاها = ترمي به الرّيح إلى مجراها
وكان ابن عبّاسٍ يقول: القطران هو: النّحاس المذاب، وربّما قرأها: "سرابيلهم من قطران" أي: من نحاسٍ حارٍّ قد انتهى حرّه. وكذا روي عن مجاهدٍ، وعكرمة، وسعيد بن جبير، والحسن، وقتادة.
وقوله: {وتغشى وجوههم النّار} كقوله: {تلفح وجوههم النّار وهم فيها كالحون} [المؤمنون: 104].
وقال الإمام أحمد، رحمه اللّه: حدّثنا يحيى بن إسحاق، أنبأنا أبان بن يزيد، عن يحيى بن أبي كثيرٍ، عن زيدٍ، عن أبي سلّامٍ، عن أبي مالكٍ الأشعريّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أربعٌ من أمر الجاهليّة لا يتركن الفخر بالأحساب، والطّعن في الأنساب، والاستسقاء بالنّجوم، والنّياحة، والنّائحة إذا لم تتب قبل موتها، تقام يوم القيامة وعليها سربالٌ من قطرانٍ، ودرع من جرب". انفرد بإخراجه مسلمٌ.
وفي حديث القاسم، عن أبي أمامة، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "النّائحة إذا لم تتب، توقف في طريقٍ بين الجنّة والنّار، وسرابيلها من قطرانٍ، وتغشى وجهها النّار"). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 522-523]

تفسير قوله تعالى: {لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (51)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ليجزي اللّه} أي: يوم القيامة، كما قال: {ليجزي الّذين أساءوا بما عملوا ويجزي الّذين أحسنوا بالحسنى} [النّجم: 31].
{إنّ اللّه سريع الحساب} يحتمل أن يكون كقوله تعالى: {اقترب للنّاس حسابهم وهم في غفلةٍ معرضون} ويحتمل أنّه في حال محاسبته لعبده سريع النّجاز؛ لأنّه يعلم كلّ شيءٍ، ولا يخفى عليه خافيةٌ، وإنّ جميع الخلق بالنّسبة إلى قدرته كالواحد منهم، كقوله تعالى: {ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفسٍ واحدةٍ} [لقمان: 28]، وهذا معنى قول مجاهدٍ: {سريع الحساب} [إحصاءً].
ويحتمل أن يكون المعنيان مرادين، واللّه أعلم). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 523]

تفسير قوله تعالى: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({هذا بلاغٌ للنّاس ولينذروا به وليعلموا أنّما هو إلهٌ واحدٌ وليذّكّر أولو الألباب (52)}
يقول تعالى: هذا القرآن بلاغٌ للنّاس، كقوله: {لأنذركم به ومن بلغ} [الأنعام: 19]، أي: هو بلاغٌ لجميع الخلق من إنسٍ وجانٍّ، كما قال في أوّل السّورة: {الر كتابٌ أنزلناه إليك لتخرج النّاس من الظّلمات إلى النّور بإذن ربّهم}
{ولينذروا به} أي: ليتّعظوا به، {وليعلموا أنّما هو إلهٌ واحدٌ} أي: يستدلّوا بما فيه من الحجج والدّلالات على أنّه لا إله إلّا هو {وليذّكّر أولو الألباب} أي: ذوو العقول). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 523]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:47 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة