العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة آل عمران

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 ربيع الثاني 1434هـ/28-02-2013م, 09:41 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي تفسير سورة آل عمران[من الآية (172) إلى الآية (175) ]

تفسير سورة آل عمران
[من الآية (172) إلى الآية (175) ]

{الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 25 ربيع الثاني 1434هـ/7-03-2013م, 11:23 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف

جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) )
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {الّذين استجابوا لله والرّسول من بعد ما أصابهم القرح} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا مغيرة، عن إبراهيم، عن ابن مسعودٍ، " أنّه كان يقرأ: {من بعد ما أصابهم القرح}.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا عبّاد بن راشدٍ، عن الحسن، وأبو الأشهب، عن أبي رجاء، أنّهما كانا يقرآن: {من بعد ما أصابهم القرح} ). ). [سنن سعيد بن منصور: 3/1115-1116]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا خلف بن خليفة، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، أنّ الحسن كان يقول: "اتّقوا" فيما حرّم اللّه عليهم و"أحسنوا" فيما رزقهم). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 397]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب قوله: {الّذين استجابوا للّه والرّسول من بعد ما أصابهم القرح للّذين أحسنوا منهم واتّقوا أجرٌ عظيمٌ} [آل عمران: 172]

{القرح} [آل عمران: 172] : «الجراح» ، {استجابوا} [آل عمران: 172] : «أجابوا» ، {يستجيب} [الأنعام: 36] : «يجيب»). [صحيح البخاري: 6/38-39]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب قوله تعالى الّذين استجابوا للّه والرّسول من بعد ما أصابهم القرح)
ساق الآية إلى عظيمٌ قوله القرح الجراح هو تفسير أبي عبيدة وكذا أخرجه بن جريرٍ من طريق سعيد بن جبيرٍ مثله وروى سعيد بن منصورٍ بإسنادٍ جيّدٍ عن بن مسعودٍ أنّه قرأ القرح بالضّمّ قلت وهي قراءة أهل الكوفة وذكر أبو عبيدٍ عن عائشة أنّها قالت أقرأها بالفتح لا بالضّمّ قال الأخفش القرح بالضّمّ وبالفتح المصدر فالضّمّ لغة أهل الحجاز والفتح لغة غيرهم كالضّعف والضّعف وحكى الفرّاء أنّه بالضّمّ الجرح وبالفتح ألمه وقال الرّاغب القرح بالفتح أثر الجراحة وبالضّمّ أثرها من داخلٍ قوله استجابوا أجابوا ويستجيب يجيب هو قول أبي عبيدة قال في قوله تعالى فاستجاب لهم أي أجابهم تقول العرب استجبتك أي أجبتك قال كعب الغنويّ وداعٍ دعا يا من يجيب إلى النّدى فلم يستجبه عند ذاك مجيب وقال في قوله تعالى ويستجيب الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات أي يجيب الّذين آمنوا وهذه في سورة الشّورى وإنّما أوردها المصنّف استشهادًا للآية الأخرى تنبيهٌ لم يسق البخاريّ في هذا الباب حديثًا وكأنّه بيّض له واللّائق به حديث عائشة أنّها قالت لعروة في هذه الآية يا بن أختي كان أبواك منهم الزّبير وأبو بكرٍ وقد تقدّم في المغازي مع شرحه وروى بن عيينة عن عمرو بن دينارٍ عن عكرمة عن بن عبّاسٍ قال لمّا رجع المشركون عن أحدٍ قالوا لا محمّدًا قتلتم ولا الكواعب ردفتم بئسما صنعتم فرجعوا فندب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم النّاس فانتدبوا حتّى بلغ حمراء الأسد فبلغ المشركين فقالوا نرجع من قابلٍ فأنزل اللّه تعالى الّذين استجابوا للّه والرّسول الآية أخرجه النّسائيّ وبن مردويه ورجاله رجال الصّحيح إلّا أنّ المحفوظ إرساله عن عكرمة ليس فيه ابن عبّاس ومن الطّريق المرسلة أخرجه ابن أبي حاتمٍ وغيره). [فتح الباري: 8/228-229]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (12 - (باب قوله: {الّذين استجابوا لله والرّسول من بعد ما أصابهم القرح للّذين أحسنوا منهم واتّقوا أجرٌ عظيمٌ} (آل عمران: 172)
أي: هذا باب في قوله تعالى: {الّذين استجابوا لله والرّسول} الآية. قوله: (الّذين استجابوا) مبتدأ وخبره قوله: (للّذين أحسنوا منهم) واستجابوا بمعنى أجابوا، كما في قول الشّاعر:
(وداع دعايا من يجيب إلى الندافل يستجبه عند ذاك مجيب)

وتقول العرب: استجبتك، بمعنى: أجبتك، فإن قلت: ما فائدة هذه السّين هنا؟ قلت: فائدتها أنّها تدل على أن الفعل الّذي تدخل عليه هذه السّين واقع لا محالة، وسواء كان في فعل محبوب أو مكروه، وسبب نزول هذه الآية الكريمة ما رواه أبي حاتم: حدثنا محمّد بن عبد الله بن يزيد حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو عن عكرمة. قال: لما رجع المشركون من أحد قالوا: لا محمّدًا قتلتم ولا الكواعب أردفتم بئس ما صنعتم ارجعوا فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، بذلك فندب المسلمين فانتدبوا حتّى بلغ حمراء الأسد أو بئر أبي عتبة الشّك من سفيان، فقال المشركون: نرجع من قليل، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكانت تعد غزوة، وأنزل الله عز وجل: {الّذين استجابوا لله والرّسول} الآية. ورواه ابن مردويه أيضا من حديث محمّد بن منصور عن سفيان بن عيينة عن عمرو عن عكرمة عن ابن عبّاس، فذكره وقال: محمّد بن إسحاق، حدثني عبد الله بن خارجة ابن زيد بن ثابت عن أبي السّائب مولى عائشة بنت عثمان أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، من بني عبد الأشهل كان شهد أحدا قال: شهدت أحدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنا وأخ لي فرجعنا جريحين، فلمّا أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالخروج في طلب العدو. قلت لأخي وقال لي: أتفوتنا غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ والله ما لنا من دابّة نركبها وما منا إلاّ جريح ثقيل، فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنت أيسر جرحات، فكان إذا غلب حملته عقبة حتّى انتهينا إلى ما انتهى إليه المسلمون (فإن قلت) : لم لم يسبق في هذا الباب حديثا؟ قلت: كأنّه لم يظفر بحديث يطابقه فبيض له ثمّ لم يدرك تسويده، والّذي ذكرناه الآن عن ابن أبي حاتم مطابق للباب لأن رجاله رجال الصّحيح، ولكنه مرسل عن عكرمة. فإن قلت: فيه عن ابن عبّاس في رواية كما في رواية ابن مردويه. قلت: المحفوظ عن عكرمة ليس فيه ابن عبّاس، كذا قيل: وفيه موضع التّأمّل.
القرح الجراح. استجابوا أجابوا يستجيب يجيب
أشار بقوله: القرح إلى ما في قوله تعالى: {أن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله} قال الزّمخشريّ: القرح، بفتح القاف وضمّها لغتان كالضغف والضعف، وقيل هو بالفتح: الجراح وبالضم المها وروى سعيد بن منصور بإسناد جيد عن ابن مسعود أنه قرأ القرح، بالضّمّ وهي قراءة أهل الكوفة، وذكر أبو عبيد عن عائشة أنّها قالت: اقرؤها بالفتح لا بالضّمّ، وقرأ أبو السمال: قرح، بفتحتين والمعنى: إن نالوا منكم يوم أحد فقد نلتم مثله يوم بدر. قوله: (استجابوا أجابوا) أشار بهذا إلى أن الاستفعال بمعنى الأفعال، وقد ذكرنا الآن فائدة السّين. قوله: (يستجيب: يجيب) ، أراد أن يستجيب الّذي في قوله تعالى: {ويستجيب الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات} (الشورى: 26) أي: يجيب الّذين آمنوا، وإنّما ذكر هذا هنا وهو في سورة الشورى استشهاد للآية المتقدّمة). [عمدة القاري: 18/151-152]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (12 - باب قوله: {الّذين استجابوا للّه والرّسول من بعد ما أصابهم القرح للّذين أحسنوا منهم واتّقوا أجرٌ عظيمٌ} القرح: الجراح. استجابوا: أجابوا يستجيب: يجيب
(باب قوله) تعالى: ({الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح}) يوم أحد ولموصول مجرور صفة للمؤمنين في قوله تعالى: و ({إن الله لا يضيع أجر المؤمنين}) أو منصوب بأعني أو مبتدأ خبره ({للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم}) [آل عمران: 172] من في قوله منهم للتبيين مثل: {وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة} [الفتح: 29] لأنه لو حمل على التبعيض لزم أن لا يكون كلهم محسنين. قال في فتوح الغيب: فالكلام فيه تجريد جرد من الذين استجابوا لله والرسول المحسن المتقي، وسبب نزول هذه الآية أن المشركين لما أصابوا ما أصابوا من المسلمين كروا راجعين إلى بلادهم، فلما بلغوا الروحاء ندموا لم لا تمموا على أهل المدينة وجعلوها الفيصلة وهموا بالرجوع، فبلغ ذلك النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فندب أصحابه إلى الخروج في طلبهم ليرعبهم ويريهم أن فيهم قوة وجلدًا، وقال: لا يخرجن معنا إلا من حضر الوقعة يوم أحد سوى جابر بن عبد الله فإنه أذن له فخرج صلّى اللّه عليه وسلّم مع جماعة حتى بلغوا حمراء الأسد وهي على ثمانية أميال من المدينة وكان بأصحابه القرح فتحاملوا على أنفسهم حتى لا يفوتهم الأجر وألقى الله الرعب في قلوب المشركين فذهبوا فنزلت. وقال البخاري كأبي عبيدة: (القرح) بفتح القاف أي (الجراح) جمع جراحة بالكسر فيهما.
(استجابوا) أي (أجابوا) تقول العرب: استجيبك أي أجبتك و (يستجيب) أي (يجيب) وهذا وإن كان في سورة الشورى فأورده هنا استشهادًا لسابقه، ولم يذكر المؤلّف هنا حديثًا ولعله بيّض له، واللائق بالسياق هنا حديث عائشة عند المؤلّف في المغازي الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح إلى آخر الآية. قالت لعروة: يا ابن أختي كان أبواك منهم الزبير وأبو بكر -رضي الله عنهما-، فلما أصاب نبي الله صلّى اللّه عليه وسلّم ما أصاب يوم أحد وانصرف عنه المشركون خاف أن يرجعوا فقال: من يرجع في أثرهم فانتدب منهم سبعون رجلًا فيهم أبو بكر والزبير -رضي الله عنهما-.
وأما حديث ابن مردويه عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: إن كان أبواك من الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح أبو بكر والزبير -رضي الله عنهما- فرفعه خطأ محض لمخالفته رواية الثقات من وقفه على عائشة كما سبق، ولأن الزبير ليس هو من آباء عائشة، وإنما قالت لعروة بن الزبير ذلك لأنه ابن أختها أسماء بنت أبي بكر). [إرشاد الساري: 7/65-66]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {فانقلبوا بنعمةٍ من الله وفضلٍ}
- أخبرنا محمّد بن منصورٍ، عن سفيان، عن عمرٍو، عن عكرمة، قال: قال ابن عبّاسٍ: لمّا انصرف المشركون عن أحدٍ وبلغوا الرّوحاء، قالوا: لا محمّدًا قتلتموه، ولا الكواعب أردفتم، وبئس ما صنعتم ارجعوا، فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فندب النّاس فانتدبوا حتّى بلغوا حمراء الأسد وبئر أبي عنبة، فأنزل الله تعالى: {الّذين استجابوا للّه والرّسول من بعد ما أصابهم القرح} [آل عمران: 172] وقد كان أبو سفيان قال للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: موعدك موسم بدرٍ حيث قتلتم أصحابنا، فأمّا الجبان فرجع، وأمّا الشّجاع فأخذ أهبّة القتال والتّجارة، فلم يجدوا به أحدًا وتسوّقوا، فأنزل الله تعالى {فانقلبوا بنعمةٍ من الله وفضلٍ لم يمسسهم سوءٌ} [آل عمران: 174]). [السنن الكبرى للنسائي: 10/55] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {الّذين استجابوا للّه والرّسول من بعد ما أصابهم القرح للّذين أحسنوا منهم واتّقوا أجرٌ عظيمٌ}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: وأنّ اللّه لا يضيع أجر المؤمنين، المستجيبين للّه والرّسول، من بعد ما أصابهم الجرح والكلوم، وإنّما عنى اللّه تعالى ذكره بذلك الّذين اتّبعوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى حمراء الأسد في طلب العدوّ أبي سفيان، ومن كان معه من مشركي قريشٍ منصرفهم عن أحدٍ؛ وذلك أنّ أبا سفيان لمّا انصرف عن أحدٍ خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في أثره حتّى بلغ حمراء الأسد وهي على ثمانية أميالٍ من المدينة، ليري النّاس أنّ به وأصحابه قوّةً على عدوّهم.
- كالّذي حدّثنا ابن حميدٍ، قال حدّثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني حسّين بن عبد اللّه، عن عكرمة، قال: كان يوم أحدٍ السّبت للنّصف من شوّالٍ؛ فلمّا كان الغد من يوم أحدٍ، يوم الأحد لست عشرة ليلةً مضت من شوّالٍ أذّن مؤذّن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في النّاس بطلب العدوّ، وأذّن مؤذّنه أن لا يخرجنّ معنا أحدٌ إلاّ من حضر يومنا بالأمس، فكلّمه جابر بن عبد اللّه بن عمرو بن حرامٍ، فقال: يا رسول اللّه إنّ أبي كان خلّفني على أخواتٍ لي سبعٍ وقال لي: يا بنيّ إنّه لا ينبغي لي ولا لك أن نترك هؤلاء النّسوة لا رجل فيهنّ، ولست بالّذي أوثرك بالجهاد مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على نفسي، فتخلّف على أخواتك، فتخلّفت عليهنّ، فأذن له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فخرج معه. وإنّما خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مرهبًا للعدوٍّ، ليبلّغهم أنّه خرج في طلبهم ليظنّوا به قوّةً، وأنّ الّذي أصابهم لم يوهّهم عن عدوّهم.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق، قال: فحدّثني عبد اللّه بن خارجة بن زيد بن ثابتٍ، عن أبي السّائب، مولى عائشة بنت عثمان أنّ رجلاً، من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من بني عبد الأشهل كان شهد أحدًا، قال: شهدت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أحدًا أنا وأخٌ لي، فرجعنا جريحين؛ فلمّا أذّن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالخروج في طلب العدوّ، قلت لأخي، أو قال لي: أتفوتنا غزوةٌ مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ واللّه ما لنا من دابّةٍ نركبها وما منّا إلاّ جريحٌ ثقيلٌ، فخرجنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وكنت أيسر جرحًا منه، فكنت إذا غلب حملته عقبةً ومشى عقبةً، حتّى انتهينا إلى ما انتهى إليه المسلمون، فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى انتهى إلى حمراء الأسد، وهي من المدينة على ثمانية أميالٍ، فأقام بها ثلاثًا: الاثنين والثّلاثاء والأربعاء، ثمّ رجع إلى المدينة.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: فقال اللّه تبارك وتعالى: {الّذين استجابوا للّه والرّسول من بعد ما أصابهم القرح} أي الجراح، وهم الّذين ساروا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الغد من يوم أحدٍ إلى حمراء الأسد على ما بهم من ألم الجراح {للّذين أحسنوا منهم واتّقوا أجرٌ عظيمٌ}.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {الّذين استجابوا للّه والرّسول من بعد ما أصابهم القرح} الآية، وذلك يوم أحدٍ بعد القتل والجراح، وبعد ما انصرف المشركون أبو سفيان وأصحابه، فقال صلّى اللّه عليه وسلّم: ألا عصابةٌ تنتدّ لأمر اللّه تطلب عدوّها؟ فإنّه أنكى للعدوّ، وأبعد للسّمع فانطلق عصابةٌ منهم على ما يعلم اللّه تعالى من الجهد.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: انطلق أبو سفيان منصرفًا من أحدٍ حتّى بلغ بعض الطّريق، ثمّ إنّهم ندموا، وقالوا: بئسما صنعتم إنّكم قتلتموهم، حتّى إذا لم يبق إلاّ الشّريد تركتموهم، ارجعوا واستأصلوهم، فقذف اللّه في قلوبهم الرّعب، فهزموا. فأخبر اللّه رسوله، فطلبهم حتّى بلغ حمراء الأسد، ثمّ رجعوا من حمراء الأسد، فأنزل اللّه جلّ ثناؤه فيهم: {الّذين استجابوا للّه والرّسول من بعد ما أصابهم القرح}.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه عن ابن عبّاسٍ، قال: إنّ اللّه جلّ وعزّ قذف في قلب أبي سفيان الرّعب يعني: يوم أحدٍ بعد ما كان منه ما كان، فرجع إلى مكّة، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ أبا سفيان قد أصاب منكم طرفًا وقد رجع وقذف اللّه في قلبه الرّعب. وكانت وقعة أحدٍ في شوّالٍ، وكان التّجّار يقدمون المدينة في ذي القعدة، فينزلون ببدرٍ الصّغرى في كلّ سنةٍ مرّةً، وإنّهم قدموا بعد وقعة أحدٍ، وكان أصاب المؤمنين القرح، واشتكوا ذلك إلى نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، واشتدّ عليهم الّذي أصابهم، وإنّ رسول اللّه ندب النّاس لينطلقوا معه، ويتّبعوا ما كانوا متّبعين، وقال: إنّما يرتجلون الآن فيأتون الحجّ ولا يقدرون على مثلها حتّى عامٍ مقبلٍ فجاء الشّيطان فخوّف أولياءه فقال: إنّ النّاس قد جمعوا لكم، فأبى عليه النّاس أن يتّبعوه، فقال: إنّي ذاهبٌ وإن لم يتبعني أحدٌ لأحضّض النّاس فانتدب معه أبو بكرٍ الصّدّيق، وعمر، وعثمان، وعليٌّ، والزّبير وسعدٌ، وطلحة وعبد الرّحمن بن عوفٍ، وعبد اللّه بن مسعودٍ، وحذيفة بن اليمان، وأبو عبيدة بن الجرّاح في سبعين رجلاً، فساروا في طلب أبي سفيان، فطلبوه حتّى بلغوا الصّفراء، فأنزل اللّه تعالى: {الّذين استجابوا للّه والرّسول من بعد ما أصابهم القرح للّذين أحسنوا منهم واتّقوا أجرٌ عظيمٌ}.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هاشم بن القاسم، قال: حدّثنا أبو سعيدٍ، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أنّها قالت لعبد اللّه بن الزّبير: يا ابن أختي، أما واللّه إنّ أباك وجدّك تعني: أبا بكرٍ والزّبير ممّن قال اللّه تعالى فيهم: {الّذين استجابوا للّه والرّسول من بعد ما أصابهم القرح}.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: أخبرت أنّ أبا سفيان بن حربٍ لمّا راح هو وأصحابه يوم أحدٍ قال المسلمون للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّهم عامدون إلى المدينة، فقال: إن ركبوا الخيل وتركوا الأثقال فإنّهم عامدون إلى المدينة، وإن جلسوا على الأثقال وتركوا الخيل فقد أرعبهم اللّه وليسوا بعامديها، فركّبوا الأثقال، فرعبهم اللّه، ثمّ ندب ناسًا يتبعونهم ليروا أنّ بهم قوّةً، فاتّبعوهم ليلتين أو ثلاثًا، فنزلت: {الّذين استجابوا للّه والرّسول من بعد ما أصابهم القرح}.
- حدّثني سعيد بن الرّبيع، قال: حدّثنا سفيان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: قالت لي عائشة: إن كان أبواك لمن الّذين استجابوا للّه والرّسول من بعد ما أصابهم القرح، تعني: أبا بكرٍ والزّبير.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: كان عبد اللّه من الّذين استجابوا للّه والرّسول
قال ابو جعفر فوعد تعالى ذكره من ذكرنا أمره من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {الّذين استجابوا للّه والرّسول من بعد ما أصابهم القرح} إذا اتّقى اللّه فخافه، فأدّى فرائضه وأطاعه في أمره ونهيه فيما يستقبل من عمره أجرًا عظيمًا، وذلك الثّواب الجزيل، والجزاء العظيم، على ما قدّم من صالح أعماله في الدّنيا). [جامع البيان: 6/239-244]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: الّذين استجابوا للّه والرّسول
- حدّثنا هارون بن إسحاق الهمدانيّ، ثنا عبدة، عن هشامٍ، عن أبيه، عن عائشة قالت: إنّ أبويك من الّذين استجابوا للّه والرّسول من بعد ما أصابهم القرح يعني: أبا بكرٍ والزّبير.
- حدّثنا أحمد بن عبد الرّحيم البرقيّ، ثنا عمرو بن أبي سلمة، عن عبد العزيز، عن محمّدٍ يعني ابن أخي الزّهريّ، عن عمّه، عن عروة بن الزّبير إن عبيد الله بن عديٍّ الخيار أخبره قال: دخلت على عثمان، فتشهّدت، ثمّ قلت: إنّ اللّه بعث محمّداً بالحقّ، وأنزل عليه الكتاب فكنت ممّن استجاب للّه ورسوله.
- حدّثنا سليمان بن داود القزّاز، ثنا أبو داود، ثنا المسعوديّ، عن عليّ بن عليٍّ السّائب، عن إبراهيم النّخعيّ قال: قال عبد اللّه: نزلت هذه الآية فينا ثمانية عشر قوله: الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن يزيد المقرئ، ثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو ابن دينارٍ، عن عكرمة قال: لمّا رجع المشركون من أحدٍ قالوا: لا محمّداً قتلتم، ولا الكواعب أردفتم، بئس ما صنعتم، ارجعوا فسمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بذلك، فندب المسلمين فانتدبوا حتّى بلغ حمراء الأسد أو بئر أبي عتبة- الشّكّ من سفيان فقال المشركون: نرجع قابل، فرجع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فكانت تعدّ غزوةً، وأنزل اللّه تعالى: الّذين استجابوا للّه والرّسول من بعد ما أصابهم القرح للّذين أحسنوا منهم واتّقوا أجرٌ عظيمٌ.
- حدّثنا محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ، ثنا حفص بن عمر، ثنا الحكم يعني ابن أبان، قال عكرمة: ثمّ خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى بدرٍ الصّغرى، وبهم الكلوم، خرجوا لموعد أبي سفيان فمرّ بهم أعرابيٌّ، ثمّ مرّ بأبي سفيان وأصحابه وهو يقول:
ونفرت ناقتي محمد من رفقتي... وعجوة منثورة كالعنجد.
فتلقّاه أبو سفيان فقال: ويلك، ما تقول؟ فقال: محمّدٌ وأصحابه تركتهم ببدرٍ الصّغرى، فقال أبو سفيان: يقولون ويصدقون، ونقول ولا نصدق، وأصابت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم شيئاً من الأعراب وانقلبوا، قال عكرمة: ففيهم أنزلت هذه الآية: الّذين استجابوا للّه والرّسول من بعد ما أصابهم القرح إلى قوله: فانقلبوا بنعمةٍ من اللّه وفضلٍ الآية.
- حدّثنا أبي، ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا مباركٌ، عن الحسن: قوله:
الّذين استجابوا للّه والرّسول من بعد ما أصابهم القرح أنّ أبا سفيان وأصحابه أصابوا من المسلمين ما أصابوا، ورجعوا فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ أبا سفيان قد رجع، وقد قذف اللّه في قلبه الرّعب، فمن ينتدب في طلبه؟ فقام النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأبو بكرٍ وعمر وعثمان وعليًّ وناسٌ من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فتبعوهم، فبلغ أبا سفيان أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يطلبه، فلقي عيراً من التّجّار فقال: ردوا محمدا ولكم من وكذا، وأخبروهم أنّي قد جمعت لهم جموعاً، وأنّي راجعٌ إليهم، فجاء التّجّار فأخبروا بذلك النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: حسبنا اللّه فأنزل اللّه تعالى:
الّذين استجابوا للّه والرّسول من بعد ما أصابهم القرح.
قوله تعالى: من بعد ما أصابهم القرح
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: للّذين أحسنوا منهم واتّقوا أجرٌ عظيمٌ فذلك يوم أحدٍ بعد القتل والجراحة، وبعد ما انصرف المشركون وأبو سفيان وأصحابه، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: ألا عصابةٌ تنتدب لأمر اللّه فتطلب عدوّها؟
قوله تعالى: للّذين أحسنوا منهم واتّقوا
- حدّثنا أبي، ثنا ابن عمر العدنيّ قال سفيان: قال عمرٌو: قال ابن عبّاسٍ:
افصلوا بينهما قوله: للّذين أحسنوا منهم واتّقوا أجرٌ عظيمٌ، الّذين قال لهم النّاس.
قوله تعالى: أجرٌ عظيمٌ
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عبد اللّه بن نميرٍ، ثنا أبو خالدٍ الأحمر، عن داود ابن أبي هند، عن عليّ بن زيدٍ، عن أبي عثمان، عن أبي هريرة أجرٌ عظيمٌ قال:
الجنّة- وروي عن الحسن، وسعيد بن جبيرٍ، وعكرمة والضّحّاك وقتادة نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 2/815-817]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، ثنا العبّاس بن محمّدٍ الدّوريّ، ثنا هشام بن القاسم، ثنا أبو سعيدٍ المؤدّب، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي اللّه عنها، أنّها قالت لعبد اللّه بن الزّبير رضي اللّه عنهما: يا ابن أختي أما واللّه " أنّ أباك وجدّك يعني أبا بكرٍ والزّبير لمن الّذين قال اللّه عزّ وجلّ {الّذين استجابوا للّه والرّسول من بعد ما أصابهم القرح} [آل عمران: 172] «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرجاه» ). [المستدرك: 2/326]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 172 - 175.
أخرج ابن إسحاق، وابن جرير والبيهقي في الدلائل عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لحمراء الأسد وقد أجمع أبو سفيان بالرجعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقالوا: رجعنا قبل أن نستأصلهم لنكرن على بقيتهم، فبلغه أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم خرج في أصحابه يطلبهم فثنى ذلك أبا سفيان وأصحابه ومر ركب من عبد القيس فقال لهم أبو سفيان: بلغوا محمدا أنا قد أجمعنا الرجعة إلى أصحابه لنستأصلهم، فلما مر الركب برسول الله صلى الله عليه وسلم بحمراء الأسد أخبروه بالذي قال أبو سفيان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون معه {حسبنا الله ونعم الوكيل} فأنزل الله في ذلك {الذين استجابوا لله والرسول} الآيات
وأخرج موسى بن عقبة في مغازيه والبيهقي في الدلائل عن ابن شهاب قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم استنفر المسلمين لموعد أبي سفيان بدرا فاحتمل الشيطان أولياءه من الناس فمشوا في الناس يخوفونهم وقالوا: قد أخبرنا أن قد جمعوا لكم من الناس
مثل الليل يرجون أن يواقعوكم فينتهبوكم فالحذر الحذر،، فعصم الله المسلمين من تخويف الشيطان فاستجابوا لله ورسوله وخرجوا ببضائع لهم وقالوا: إن لقينا أبا سفيان فهو الذي خرجنا له وإن لم نلقه ابتعنا بضائعنا، فكان بدرا متحجرا يوافي كل عام فانطلقوا حتى أتوا موسم بدر فقضوا منه حاجتهم وأخلف أبو سفيان الموعد فلم يخرج هو ولا أصحابه ومر عليهم ابن حمام فقال: من هؤلاء قالوا: رسول الله وأصحابه ينتظرون أبا سفيان ومن معه من قريش، فقدم على قريش فأخبرهم فأرعب أبو سفيان ورجع إلى مكة وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بنعمة من الله وفضل فكانت تلك الغزوة تدعى غزوة جيش السويق وكانت في شعبان سنة ثلاث.
وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس قال إن الله قذف في قلب أبي سفيان الرعب يوم أحد بعد الذي كان منه فرجع إلى مكة فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: إن أبا سفيان قد أصاب منكم طرفا وقد رجع وقذف الله في قلبه الرعب وكانت وقعة أحد في شوال وكان التجار يقدمون المدينة في ذي القعدة فينزلون ببدر الصغرى في كل سنة مرة وإنهم قدموا بعد وقعة أحد وكان أصاب المؤمنين القرح واشتكوا ذلك إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم واشتد عليهم الذي أصابهم وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ندب الناس لينطلقوا معه وقال: إنما ترتحلون الآن فتأتون الحج ولا تقدرون على مثلها حتى عام مقبل، فجاء الشيطان فخوف أولياءه فقال {إن الناس قد جمعوا لكم} فأبى الناس أن يتبعوه فقال: إني ذاهب وإن لم يتبعني أحد، فانتدب معه أبو بكر وعمر وعلي وعثمان والزبير وسعد وطلحة وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن مسعود وحذيفة بن اليمان وأبو عبيدة بن الجراح، في سبعين رجلا فساروا في طلب أبي سفيان فطلبوه حتى بلغوا الصفراء فأنزل الله {الذين استجابوا لله والرسول} الآية.
وأخرج النسائي، وابن أبي حاتم والطبراني بسند صحيح من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: لما رجع المشركون عن أحد قالوا: لا محمدا قتلتم ولا الكواعب أردفتم، بئسما صنعتم ارجعوا، فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فندب المسلمين فانتدبوا حتى بلغ حمراء الأسد، أو بئر أبي عنبة شك سفيان فقال المشركون: نرجع قابل، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت تعد غزوة، فأنزل الله {الذين استجابوا لله والرسول}
الآية، وقد كان أبو سفيان قال للنبي صلى الله عليه وسلم: موعدكم موسم بدر حيث قتلتم أصحابنا فأما الجبان فرجع وأما الشجاع فأخذ أهبة القتال والتجارة، فأتوه فلم يجدوا به أحدا وتسوقوا، فأنزل الله {فانقلبوا بنعمة من الله وفضل} الآية.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن عكرمة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر الصغرى وبهم الكلوم خرجوا لموعد أبي سفيان فمر بهم أعرابي ثم مر بأبي سفيان وأصحابه وهو يقول: ونفرت من رفقتي محمد * وعجوة منثورة كالعنجد فتلقاه أبو سفيان فقال: ويلك ما تقول،، فقال: محمد وأصحابه تركتهم ببدر الصغرى فقال أبو سفيان: يقولون ويصدقون ونقول ولا نصدق وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من الأعراب وانقلبوا قال عكرمة: ففيهم أنزلت هذه الآية {الذين استجابوا لله والرسول} إلى قوله {فانقلبوا بنعمة من الله وفضل}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال إن أبا سفيان وأصحابه أصابوا من المسلمين ما أصابوا ورجعوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أبا سفيان قد رجع وقد قذف الله في قلبه الرعب فمن ينتدب في طلبه فقام النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وأناس من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فتبعوهم فبلغ أبا سفيان أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم يطلبه فلقي عيرا من التجار فقال: ردوا محمدا ولكم من الجعل كذا وكذا، وأخبروهم أني قد جمعت لهم جموعا وأني راجع إليهم، فجاء التجار فأخبروا بذلك النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: حسبنا الله، فأنزل الله {الذين استجابوا لله والرسول} الآية.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن جريج قال أخبرت أن أبا سفيان لما راح هو وأصحابه يوم أحد منقلبين قال المسلمون للنبي صلى الله عليه وسلم: إنهم عامدون إلى المدينة يا رسول الله، فقال: إن ركبوا الخيل وتركوا الأثقال فهم عامدوها وإن جلسوا على الأثقال وتركوا الخيل فقد أرعبهم الله فليسوا بعامديها، فركبوا الأثقال، ثم ندب أناسا يتبعونهم ليروا أن بهم قوة فاتبعوهم ليلتين أو ثلاثا فنزلت {الذين استجابوا لله والرسول} الآية.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم، وابن ماجة وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن عائشة في قوله {الذين استجابوا لله والرسول} الآية، قالت لعروة: يا ابن أختي كان أبواك منهم: الزبير وأبو بكر لما أصاب نبي الله صلى الله عليه وسلم ما أصاب يوم أحد انصرف عنه المشركون خاف أن يرجعوا فقال: من يرجع في أثرهم فانتدب منهم سبعون رجلا، فيهم أبو بكر والزبير فخرجوا في آثار القوم فسمعوا بهم فانصرفوا بنعمة من الله وفضل، قال: لم يلقوا عدوا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال: نزلت هذه الآية فينا ثمانية عشر رجلا {الذين استجابوا لله والرسول} الأية.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة قال: كان يوم أحد السبت للنصف من شوال فلما كان الغد من يوم الأحد لست عشرة ليلة مضت من شوال أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس بطلب العدو وأذن مؤذنه أن لا يخرجن معنا أحدا إلا من حضر يومنا بالأمس فكلمه جابر عن عبد الله فقال: يا رسول الله إن أبي كان خلفني على أخوات لي سبع وقال: يا بني إنه لا ينبغي لي ولا لك أن نترك هؤلاء النسوة لا رجل فيهن ولست بالذي أوثرك بالجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسي فتخلف على أخواتك فتخلفت عليهن، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج معه، وإنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ترعيبا للعدو ليبلغهم أنه خرج في طلبهم ليظنوا به قوة وأن الذي أصابهم لم يوهنهم من عدوهم.
وأخرج ابن إسحاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن أبي السائب مولى عائشة بنت عثمان أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني عبد الأشهل كان شهد أحدا قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا أنا وأخ لي فرجعنا جريحين فلما أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج في طلب العدو قلت لأخي أو قال لي: تفوتنا غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لنا من دابة نركبها وما منا إلا جريح ثقيل، فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت أيسر جرحا منه فكنت إذا غلب حملته عقبة ومشى عقبة حتى انتهينا إلى ما انتهى إليه المسلمون فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى إلى حمراء الأسد، وهي من المدينة على ثمانية أميال فأقام بها ثلاثا، الإثنين والثلاثاء والأربعاء ثم رجع إلى المدينة، فنزل {الذين استجابوا لله والرسول} الآية.
وأخرج ابن جرير عن إبراهيم قال: كان عبد الله من {الذين استجابوا لله والرسول}.
وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير في قوله {من بعد ما أصابهم القرح} قال: الجراحات.
وأخرج سعيد بن منصور عن ابن مسعود أنه كان يقرأ {من بعد ما أصابهم القرح}). [الدر المنثور: 4/137-151]

تفسير قوله تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا ابن عيينة عن عمرو عن عكرمة قال كانت بدر متجرا في الجاهلية فخرج ناس من المسلمين يريدونه فلقيهم ناس من المشركين فقالوا لهم إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فأما الجبان فرجع وأما الشجاع فأخذ أهبة القتال وأهبة التجارة وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل قال وأتوهم فلم يلقوا أحدا فأنزل الله تعالى فيهم الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم). [تفسير عبد الرزاق: 1/140]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا ابن عيينة وأخبرني زكريا عن الشعبي عن عبد الله ابن عمرو قال هي كلمة إبراهيم حين ألقي فيه البنيان يعني النار حسبنا الله
[تفسير عبد الرزاق: 1/140]
ونعم الوكيل). [تفسير عبد الرزاق: 1/141]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن رجلٍ عن مجاهدٍ في قول اللّه: {فزادهم إيمانًا} قال: الإيمان يزيد وينقص [الآية: 173]). [تفسير الثوري: 82]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {الّذين قال لهم النّاس إنّ النّاس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا اللّه ونعم الوكيل (173) فانقلبوا بنعمةٍ من اللّه وفضلٍ لم يمسسهم سوءٌ} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، عن عكرمة قال: " كانت بدرٌ متجرًا في الجاهليّة، وكان رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم واعد أبا سفيان أن يلقاه بها، ولقيهم رجلٌ، فقال لهم: إنّ بها (جمعًا عظيمًا) من المشركين، فندب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم النّاس، فأتوا بدرًا، فلم يلقوا أحدًا، فرجع الجبان، ومضى الجريء، فتسوّقوا بها، ولم يلقوا أحدًا، فنزلت: {الّذين قال لهم النّاس إنّ النّاس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا اللّه ونعم الوكيل * فانقلبوا بنعمةٍ من اللّه وفضلٍ}.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن مطرّف، عن عطيّة العوفي، عن أبي سعيدٍ الخدري قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: ((كيف أنعم، وقد التقم صاحب القرن القرن، وحنى جبهته، وأصغى سمعه متى يؤمر، فينفخ في الصّور؟)) قالوا: فما تأمرنا يا رسول اللّه؟ قال: ((قولوا: حسبنا اللّه ونعم الوكيل، توكلنا على الله)).
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: قالت عائشة رضي اللّه عنها: إن كان أبواك من: {الّذين استجابوا لله والرّسول} ). [سنن سعيد بن منصور: 3/1116-1125]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب {إنّ النّاس قد جمعوا لكم فاخشوهم} [آل عمران: 173] الآية
- حدّثنا أحمد بن يونس، أراه قال: حدّثنا أبو بكرٍ، عن أبي حصينٍ، عن أبي الضّحى، عن ابن عبّاسٍ، حسبنا اللّه ونعم الوكيل، «قالها إبراهيم عليه السّلام حين ألقي في النّار، وقالها محمّدٌ صلّى الله عليه وسلّم» حين قالوا: {إنّ النّاس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانًا، وقالوا: حسبنا اللّه ونعم الوكيل} [آل عمران: 173]
- حدّثنا مالك بن إسماعيل، حدّثنا إسرائيل، عن أبي حصينٍ، عن أبي الضّحى، عن ابن عبّاسٍ، قال: " كان آخر قول إبراهيم حين ألقي في النّار: حسبي اللّه ونعم الوكيل). [صحيح البخاري: 6/39]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب قوله الّذين قال لهم النّاس إنّ النّاس قد جمعوا لكم فاخشوهم)
في رواية أبي ذر باب إنّ النّاس قد جمعوا لكم فاخشوهم وزاد غيره الآية
- قوله حدّثنا أحمد بن يونس أراه قال حدّثنا أبو بكرٍ كذا وقع القائل أراه هو البخاريّ وهو بضمّ الهمزة بمعنى أظنّه وكأنّه عرض له شكٌّ في اسم شيخ شيخه وقد أخرجه الحاكم من طريق أحمد بن إسحاق عن أحمد بن يونس حدّثنا أبو بكر بن عيّاشٍ بإسناده المذكور بغير شكٍّ لكن وهم الحاكم في استدراكه قوله عن أبي حصينٍ بفتح المهملة واسمه عثمان بن عاصمٍ ولأبي بكر بن عيّاشٍ في هذا الحديث إسنادٌ آخر أخرجه بن مردويه من وجهٍ آخر عنه عن أنسٍ أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قيل له إنّ النّاس قد جمعوا لكم فاخشوهم فنزلت هذه الآية قوله عن أبي الضّحى اسمه مسلم بن صبيحٍ بالتّصغير قوله قالها إبراهيم عليه السّلام حين ألقي في النّار في الرّواية الّتي بعدها إنّ ذلك آخر ما قال وكذا وقع في رواية الحاكم المذكورة ووقع عند النّسائيّ من طريق يحيى بن أبي بكيرٍ عن أبي بكرٍ كذلك وعند أبي نعيمٍ في المستخرج من طريق عبيد اللّه بن موسى عن إسرائيل بهذا الإسناد أنّها أوّل ما قال فيمكن أن يكون أول شيء قال وآخر شيءٍ قال واللّه أعلم قوله حين قالوا إنّ النّاس قد جمعوا لكم فيه إشارة إلى ما أخرجه بن إسحاق مطوّلًا في هذه القصّة وأنّ أبا سفيان رجع بقريشٍ بعد أن توجّه من أحدٍ فلقيه معبدٌ الخزاعيّ فأخبره أنّه رأى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في جمعٍ كثيرٍ وقد اجتمع معه من كان تخلّف عن أحدٍ وندموا فثنى ذلك أبا سفيان وأصحابه فرجعوا وأرسل أبو سفيان ناسًا فأخبروا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّ أبا سفيان وأصحابه يقصدونهم فقال حسبنا اللّه ونعم الوكيل ورواه الطّبريّ من طريق السّدّيّ نحوه ولم يسمّ معبدًا قال أعرابيًّا ومن طريق بن عبّاسٍ موصولًا لكن بإسنادٍ ليّنٍ قال استقبل أبو سفيان عيرًا واردةً المدينة ومن طريق مجاهدٍ أنّ ذلك كان من أبي سفيان في العام المقبل بعد أحدٍ وهي غزوة بدرٍ الموعد ورجّح الطّبريّ الأوّل ويقال إنّ الرّسول بذلك كان نعيم بن مسعودٍ الأشجعيّ ثمّ أسلم نعيمٌ فحسن إسلامه قيل إطلاق النّاس على الواحد لكونه من جنسهم كما يقال فلانٌ يركب الخيل وليس له إذ ذاك إلّا فرسٌ واحدٌ قلت وفي صحّة هذا المثال نظر). [فتح الباري: 8/229]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (13 - (بابٌ: {إنّ النّاس قد جمعوا لكم} (آل عمران: 173) الآية)

أي: هذا باب في قوله تعالى: {إن النّاس قد جمعوا لكم وأوله والّذين قال لهم النّاس إن النّاس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانًا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل} وفي رواية أبي ذر: باب: {إن النّاس قد جمعوا لكم فاخشوهم} وزاد غيره لفظ: الآية، والمراد بالنّاس الأول نعيم بن مسعود الأشجعيّ، وقيل: المنافقون والمراد بالنّاس الثّاني: أبو سفيان وأصحابه، وأبو نعيم أسلم بعد ذلك. فإن قلت: ما وجه إطلاق الجمع على الواحد في قول من قال إن المراد بالنّاس الأول هو أبو نعيم؟ قلت: قال الزّمخشريّ: لأنّه من جنس النّاس كما يقال: فلان يركب الخيل ويلبس البرود وماله إلاّ فرس واحد وبرد واحد. قوله: (فزادهم) الفاعل فيه هو الضّمير الّذي يرجع إلى ما دلّ عليه قوله: (فاخشوهم) أي: ذلك التخويف زادهم إيمانًا أي: تصديقًا وثبوتا وإقامة على نصرة نبيّهم. قوله: (حسبنا الله) أي: كافينا قوله: (ونعم الوكيل) أي: نعم الموكول إليه.

- حدّثنا أحمد بن يونس أراه قال حدّثنا أبو بكرٍ عن أبي حصينٍ عن أبي الضّحى عن ابن عبّاس حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم عليه السّلام ألقي في النّار وقالها محمّدٌ صلى الله عليه وسلم حين قالوا: {إنّ النّاس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانًا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل} .

مطابقته للتّرجمة ظاهرة، وأحمد بن يونس هو: أحمد بن عبد الله بن يونس التّميمي اليربوعي الكوفي، وأبو بكر هو ابن عيّاش، بتشديد الياء آخر الحروف. وبالشين المعجمة المقرئ المحدث، قيل: اسمه شعبة وأبو حصين، بفتح الحاء المهملة واسمه عثمان بن عاصم، وأبو الضّحى اسمه مسلم بن صبيح.
والحديث أخرجه النّسائيّ في التّفسير أيضا عن محمّد بن إسماعيل، وفيه وفي اليوم واللّيلة عن هارون بن عبد الله.
قوله: (أراه) بضم الهمزة. أي: أظنه، والقائل بهذه اللّفظة البخاريّ فكأنّه شكّ في شيخ شيخه وفي كون مثل هذه الرّواية حجّة خلاف. قوله: (وقالها محمّد صلى الله عليه وسلم) ذكر القاضي إسحاق البستي في (تفسيره) عن قتيبة: حدثنا حجاج عن ابن جريج عن مجاهد في قوله: (الّذين قال لهم النّاس) قال أبو سفيان: يوم أحد موعدكم بدر حيث قتلتم أصحابنا فانطلق النّبي صلى الله عليه وسلم، لموعده حتّى نزل بدرًا وزعم بعضهم، أنه قال ذلك في غزوة حمراء الأسد، وفي (تفسير الطّبريّ) ، مر بأبي سفيان ركب من عبد القيس، فقال: إذا جئتم محمّدًا فأخبروه. أنا قد أجمعنا السّير إليه، فلمّا أخبر النّبي صلى الله عليه وسلم، قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، ذكره عن ابن إسحاق وعن ابن عبّاس ومجاهد وقتادة وعكرمة نحو.

- حدّثنا مالك بن إسماعيل حدّثنا إسرائيل عن أبي حصينٍ عن أبي الضّحى عن ابن عبّاسٍ قال كان آخر قول إبراهيم حين ألقي حين ألقي في النّار {حسبي الله ونعم الوكيل} .

هذا طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه عن مالك بن إسماعيل بن زياد، أبو غسّان النّهديّ الكوفي، وإسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي، وروى النّسائيّ كما في رواية البخاريّ. كان آخر قول إبراهيم، عليه السّلام، ووقع عند أبي نعيم في (المستخرج) من طريق عبيد الله بن موسى عن إسرائيل بهذا الإسناد أنّها أول ما قال، والتوفيق بينهما أنه يحمل على أنه يكون أول شيء قال، وآخر شيء قال). [عمدة القاري: 18/152-153]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (13 - باب {إنّ النّاس قد جمعوا لكم} الآية
هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({إن الناس قد جمعوا لكم}) [آل عمران: 173] (الآية). بالنصب بتقدير فعل وسقط لفظ الآية لأبي ذر، وزاد: {فاخشوهم} وزاد أيضًا كما في الفتح: {الذين قال لهم الناس}.
- حدّثنا أحمد بن يونس أراه قال: حدّثنا أبو بكرٍ عن أبي حصينٍ، عن أبي الضّحى، عن ابن عبّاسٍ {حسبنا اللّه ونعم الوكيل} قالها: إبراهيم عليه السّلام حين ألقي في النّار وقالها محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم حين قالوا: {إنّ النّاس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانًا وقالوا حسبنا اللّه ونعم الوكيل} [آل عمران: 173]. [الحديث 4563 - طرفه في: 4564].
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) نسبه لجده واسم أبيه عبد الله التميمي اليربوعي الكوفي قال البخاري: (أراه) بضم الهمزة أي أظنه (قال: حدّثنا أبو بكر) هو شعبة بن عياش بالشين المعجمة القاري. فكأن البخاري شك في شيخ شيخه، وقد رواه الحاكم في مستدركه من طريق أحمد بن يونس عن أبي بكر بن عياش بالجزم من غير تردد (عن أبي حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين عثمان بن عاصم (عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح مصغرًا (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه قال: في قوله تعالى: ({حسبنا الله ونعم الوكيل} قالها إبراهيم) الخليل (عليه السلام حين ألقي في النار، وقالها محمد صلّى اللّه عليه وسلّم حين قالوا) له عليه الصلاة والسلام {إن الناس} أبا سفيان وأصحابه وقال الحافظ أبو ذر كما في هامش اليونينية هو عروة بن مسعود الثقفي {قد جمعوا لكم} يقصدون غزوكم. وكان أبو سفيان نادى عند انصرافه من أحد يا محمد موعدنا موسم بدر لقابل إن شئت فقال عليه الصلاة والسلام: إن شاء الله فلما كان القابل خرج في أهل مكة حتى نزل مرّ الظهران فأنزل الله الرعب في قلبه، وبدا له أن يرجع فمرّ به ركب من عبد قيس ويريدون المدينة للميرة فشرط لهم حمل بعير من زبيب إن ثبطوا المسلمين وقيل لقي نعيم بن مسعود وقد قدم معتمرًا فسأله عن ذلك والتزم له عشرًا من الإبل فخرج نعيم فوجد المسلمين يتجهزون فقال لهم: إن أتوكم في دياركم فلم يفلت أحد منكم إلا شريد أفترون أن تخرجوا وقد جمعوا لكم {فاخشوهم} ولا تخرجوا إليهم {فزادهم} أي المقول {إيمانًا} فلم يلتفتوا إليه ولم يضعفوا بل ثبت به يقينهم بالله وأخلصوا النية في الجهاد وفي ذلك دليل على أن الإيمان يزيد وينقص {وقالوا حسبنا الله} عطف على فزادهم والجملة بعد هذا القول نصب به وحسب بمعنى اسم الفاعل أي محسبنا بمعنى كافينا {ونعم الوكيل} ونعم الموكول إليه والمخصوص بالمدح محذوف أي الله.
وهذا الحديث أخرجه النسائي في التفسير.
- حدّثنا مالك بن إسماعيل، حدّثنا إسرائيل، عن أبي حصينٍ، عن أبي الضّحى، عن ابن عبّاسٍ قال: كان آخر قول إبراهيم حين ألقي في النّار {حسبي اللّه ونعم الوكيل}.
وبه قال: (حدّثنا مالك بن إسماعيل) أبو غسان النهدي الكوفي قال: (حدّثنا إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الهمداني الكوفي (عن أبي حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين عثمان بن عاصم (عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح بضم الصاد وفتح الموحدة (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: كان آخر قول إبراهيم) الخليل (حين ألقي في النار {حسبي الله ونعم الوكيل}) فلما أخلص قلبه لله قال الله تعالى: {يا نار كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم} [الأنبياء: 62] وفي حديث أبي هريرة عند ابن مردويه مرفوعًا: إذا وقعتم في الأمر العظيم فقولوا: {حسبنا الله ونعم الوكيل}). [إرشاد الساري: 7/66]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {الّذين قال لهم النّاس إنّ النّاس قد جمعوا لكم}
- أخبرنا محمّد بن إسماعيل بن إبراهيم، وهارون بن عبد الله، قالا: حدّثنا يحيى بن أبي بكيرٍ، حدّثنا أبو بكر بن عيّاشٍ، عن أبي حصينٍ، عن أبي الضّحى، عن ابن عبّاسٍ، قال: " كان آخر كلام إبراهيم عليه السّلام حين ألقي في النّار: حسبي الله ونعم الوكيل، قال: وقال نبيّكم صلّى الله عليه وسلّم مثلها {الّذين قال لهم النّاس إنّ النّاس قد جمعوا لكم، فاخشوهم فزادهم إيمانًا وقالوا حسبنا} [آل عمران: 173] الله ونعم الوكيل
[السنن الكبرى للنسائي: 10/54]
11016 - أخبرنا إسماعيل بن يعقوب بن إسماعيل، حدّثنا ابن موسى، حدّثنا أبي، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة وذكر إسنادًا آخر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كيف أنعم، وصاحب الصّور قد التقم القرن وأصغى بسمعه وحنا بجبهته ينتظر متى يؤمر فينفخ؟» قالوا: يا رسول اللهٍ، كيف نقول؟ قال: " قولوا: {حسبنا الله ونعم الوكيل} [آل عمران: 173] على الله توكّلنا "). [السنن الكبرى للنسائي: 10/54]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {الّذين قال لهم النّاس إنّ النّاس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانًا وقالوا حسبنا اللّه ونعم الوكيل}
يعني تعالى ذكره: وأنّ اللّه لا يضيع أجر المؤمنين الّذين قال لهم النّاس: إنّ النّاس قد جمعوا لكم، والّذين في موضع خفضٍ مردودٍ على المؤمنين، وهذه الصّفّة من صفة الّذين استجابوا للّه والرّسول والنّاس الأوّل هم قومٌ فيما ذكر لنا، كان أبو سفيان سألهم أن يثبّطوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه الّذين خرجوا في طلبه بعد منصرفه عن أحدٍ إلى حمراء الأسد؛ والنّاس الثّاني: هم أبو سفيان وأصحابه من قريشٍ الّذين كانوا معه بأحدٍ.
يعني بقوله: {قد جمعوا لكم} قد جمعوا الرّجال للقائكم، والكرّة إليكم لحربكم {فاخشوهم} يقول: فاحذروهم، واتّقوا لقاءهم، فإنّه لا طاقة لكم بهم، {فزادهم إيمانًا} يقول: فزادهم ذلك من تخويف من خوّفهم أمر أبي سفيان وأصحابه من المشركين يقينًا إلى يقينهم، وتصديقًا للّه ولوعده ووعد رسوله إلى تصديقهم، ولم يثنهم ذلك عن وجههم الّذي أمرهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالسّير فيه، ولكن ساروا حتّى بلغوا رضوان اللّه منه، وقالوا ثقةً باللّه، وتوكّلاً عليه، إذ خوّفهم من خوّفهم أبا سفيان وأصحابه من المشركين {حسبنا اللّه ونعم الوكيل} يعني بقوله: حسبنا اللّه: كفانا اللّه، يعني: يكفينا اللّه؛ ونعم الوكيل، يقول: ونعم المولى لمن وليه وكفله.
وإنّما وصف تعالى نفسه بذلك؛ لأنّ الوكيل في كلام العرب: هو المسند إليه القيام بأمر من أسند إليه القيام بأمره؛ فلمّا كان القوم الّذين وصفهم اللّه بما وصفهم به في هذه الآيات قد كانوا فوّضوا أمرهم إلى اللّه، ووثقوا به، وأسندوا ذلك إليه وصف نفسه بقيامه لهم بذلك، وتفويضهم أمرهم إليه بالوكالة، فقال: ونعم الوكيل اللّه تعالى لهم.
واختلف أهل التّأويل في الوقت الّذي قال من قال لأصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {إنّ النّاس قد جمعوا لكم} فقال بعضهم: قيل ذلك لهم في وجههم الّذي خرجوا فيه مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من أحدٍ إلى حمراء الأسد في طلب أبي سفيان ومن معه من المشركين.
ذكر من قال ذلك، وذكر السّبب الّذي من أجله قيل ذلك، ومن قائله:
- حدّثنا محمّد بن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق، عن عبد اللّه بن أبي بكر بن محمّد بن عمرو بن حزمٍ، قال: مرّ به، يعني برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم معبدٌ الخزاعيّ بحمراء الأسد، وكانت خزاعة مسلمهم ومشركهم عيبة نصحٍ لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بتهامة صفقتهم معه، لا يخفون عليه شيئًا كان بها، ومعبدٌ يومئذٍ مشركٌ، فقال: واللّه يا محمّد، أما واللّه لقد عزّ علينا ما أصابك في أصحابك، ولوددنا أنّ اللّه كان أعفاك فيهم ثمّ خرج من عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من حمراء الأسد، حتّى لقي أبا سفيان بن حربٍ ومن معه بالرّوحاء، قد أجمعوا الرّجعة إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه، وقالوا: أصبنا في حدٍ أصحابه وقادتهم وأشرافهم، ثمّ نرجع قبل أن نستأصلهم لنكرّنّ على بقيّتهم فلنفرغنّ منهم، فلمّا رأى أبو سفيان معبدًا، قال: ما وراءك يا معبد؟ قال: محمّدٌ قد خرج في أصحابه يطلبكم في جمعٍ لم أر مثله قطّ، يتحرّقون عليكم تحرّقًا، قد اجتمع معه من كان تخلّف عنه في يومكم، وندموا على ما صنعوا، فهم من الحنق عليكم بشيءٍ لم أر مثله قطّ. قال: ويلك ما تقول؟ قال: واللّه ما أراك ترتحل حتّى ترى نواصي الخيل، قال: فواللّه لقد أجمعنا الكرّة عليهم لنستأصل بقيّتهم، قال: فإنّي أنهاك عن ذلك، فواللّه لقد حملني ما رأيت على أن قلت فيه أبياتًا من شعرٍ، قال: وما قلت؟ قال، قلت.
كادت تهدّ من الأصوات راحلتي = إذ سالت الأرض بالجرد الأبابيل.
تردي بأسدٍ كرامٍ لا تنابلةٍ = عند اللّقاء ولا ميلٍ معازيل.
فظلت عدوًا أظنّ الأرض مائلةً = لمّا سموا برئيسٍ غير مخذول.
فقلت ويل ابن حربٍ من لقائكم = إذا تغطمطت البطحاء بالجيل.
إنّي نذيرٌ لأهل البسل ضاحيةً = لكلّ ذي إربةٍ منهم ومعقول.
من جيش أحمد لا وخشٍ تنابلةٍ = وليس يوصف ما أنذرت بالقيل.
قال: فثنى ذلك أبا سفيان ومن معه، ومرّ به ركبٌ من عبد القيس، فقال، أين تريدون؟ قالوا: نريد المدينة، قال: ولم؟ قالوا: نريد الميرة، قال: فهل أنتم مبلّغون عني محمّدًا رسالةً أرسلكم بها اليه وأحمّل لكم إبلكم هذه غدًا زبيبًا بعكاظٍ إذا وافيتموها؟ قالوا: نعم، قال: فإذا جئتموه، فأخبروه أنّا قد أجمعنا السّير إليه وإلى أصحابه لنستأصل بقيّتهم، فمرّ الرّكب برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو بحمراء الأسد، فأخبروه بالّذي قال أبو سفيان، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: حسبنا اللّه ونعم الوكيل.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: فقال اللّه: {الّذين قال لهم النّاس إنّ النّاس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانًا وقالوا حسبنا اللّه ونعم الوكيل} والنّاس الّذين قال لهم ما قالوا: النّفر من عبد القيس، الّذين قال لهم أبو سفيان ما قال، إنّ أبا سفيان ومن معه راجعون إليكم، يقول اللّه تبارك وتعالى: {فانقلبوا بنعمةٍ من اللّه وفضلٍ لم يمسسهم سوءٌ} الآية.
- حدّثنا محمّدٌ، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: لمّا ندموا يعني: أبا سفيان وأصحابه على الرّجوع عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه وقالوا: ارجعوا فاستأصلوهم، فقذف اللّه في قلوبهم الرّعب، فهزموا، فلقوا أعرابيًّا، فجعلوا له جعلاً: إن لقيت محمّدًا وأصحابه، فأخبرهم أنّا قد جمعنا لهم، فأخبر اللّه جلّ ثناؤه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فطلبهم حتّى بلغ حمراء الأسد، فلقوا الأعرابيّ في الطّريق، فأخبرهم الخبر، فقالوا: {حسبنا اللّه ونعم الوكيل} ثمّ رجعوا من حمراء الأسد، فأنزل اللّه تعالى فيهم وفي الأعرابيّ الّذي لقيهم: {الّذين قال لهم النّاس إنّ النّاس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانًا وقالوا حسبنا اللّه ونعم الوكيل}.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه عن ابن عبّاسٍ، قال: استقبل أبو سفيان في منصرفه من أحدٍ عيرًا واردةً المدينة ببضاعةٍ لهم وبينهم وبين النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم حبالٌ، فقال: إنّ لكم عليّ رضاكم إن أنتم رددتم عني محمّدًا ومن معه إن أنتم وجدتموه في طلبي وأخبرتموه أنّي قد جمعت له جموعًا كثيرةً فاستقبلت العير رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قالوا له: يا محمّد إنّا نخبرك أنّ أبا سفيان قد جمع لك جموعًا كثيرةً، وأنّه مقبلٌ إلى المدينة، وإن شئت أن ترجع فافعل، ولم يزده ذلك ومن معه إلاّ يقينًا، وقالوا {حسبنا اللّه ونعم الوكيل}، فأنزل اللّه تبارك وتعالى: {الّذين قال لهم النّاس إنّ النّاس قد جمعوا لكم} الآية.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: انطلق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وعصابةٌ من أصحابه بعدما انصرف أبو سفيان وأصحابه من أحدٍ خلفهم، حتّى كانوا بذي الحليفة، فجعل الأعراب والنّاس يأتون عليهم، فيقولون لهم: هذا أبو سفيان مائلٌ عليكم بالنّاس، فقالوا: {حسبنا اللّه ونعم الوكيل}، فأنزل اللّه تعالى فيهم: {الّذين قال لهم النّاس إنّ النّاس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانًا وقالوا حسبنا اللّه ونعم الوكيل}.
وقال آخرون: بل قال ذلك لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه من قال ذلك له في غزوة بدرٍ الصّغرى وذلك في مسير النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عام قابلٍ من وقعة أحدٍ للقاء عدوّه أبي سفيان وأصحابه للموعد الّذي كان واعده الالتقاء بها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {الّذين قال لهم النّاس إنّ النّاس قد جمعوا لكم} قال: هذا أبو سفيان، قال لمحمّدٍ: موعدكم بدرٌ حيث قتلتم أصحابنا فقال محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم: عسى فانطلق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لموعده حتّى نزل بدرًا، فوافقوا السّوق فيها، وابتاعوا؛ فذلك قوله تبارك وتعالى: {فانقلبوا بنعمةٍ من اللّه وفضلٍ لم يمسسهم سوءٌ} وهي غزوة بدرٍ الصّغرى
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، بنحوه، وزاد فيه: وهي بدرٌ الصّغرى. قال ابن جريجٍ: لمّا عمد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لموعد أبي سفيان، فجعلوا يلقون المشركين، ويسألونهم عن قريشٍ، فيقولون: {قد جمعوا لكم} يكيدونهم بذلك، يريدون أن يرعبوهم، فيقول المؤمنون: {حسبنا اللّه ونعم الوكيل} حتّى قدموا بدرًا، فوجدوا أسواقها عافيةً لم ينازعهم فيها أحدٌ، قال: وقدم رجلٌ من المشركين وأخبر أهل مكّة بخيل محمّدٍ عليه الصّلاة والسّلام وقال في ذلك:
نفرت قلوصي عن خيول محمّدٍ = وعجوةٍ منثورةٍ كالعنجد.
واتّخذت ماء قديدٍ موعدي
قال أبو جعفرٍ: هكذا أنشدنا القاسم، وهو خطأٌ، وإنّما هو:.
قد نفرت من رفقتي محمّدٍ = وعجوةٍ من يثرب كالعنجد.
تهوي على دين أبيها الأتلد = قد جعلت ماء قديدٍ موعدي.
وماء ضجنان لها ضحى الغد.
- حدّثني الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عمرٍو، عن عكرمة، قال: كانت بدرٌ متجرًا في الجاهليّة، فخرج ناسٌ من المسلمين يريدونه، ولقيهم ناسٌ من المشركين فقالوا لهم: {إنّ النّاس قد جمعوا لكم فاخشوهم}، فأمّا الجبان فرجع، وأمّا الشّجاع فأخذ الأهبة للقتال وأهبةً التّجارة {وقالوا حسبنا} اللّه ونعم الوكيل، فأتوهم فلم يلقوا أحدًا، فأنزل اللّه عزّ وجلّ فيهم: {إنّ النّاس قد جمعوا لكم فاخشوهم}.
- حدثنا الحسن ابن يحيى، قال عبد الرّزّاق، قال ابن عيينة: وأخبرني زكريّا عن الشّعبيّ، عن عبد اللّه بن عمرٍو قال: هي كلمة إبراهيم صلّى اللّه عليه وسلّم حين ألقي في النّار فقال: {حسبنا اللّه ونعم الوكيل}
وأولى القولين في ذلك بالصّواب قول من قال: إنّ الّذي قيل لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه من أنّ النّاس قد جمعوا لكم فاخشوهم، كان في حال خروج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وخروج من خرج معه في أثر أبي سفيان، ومن كان معه من مشركي قريشٍ منصرفهم عن أحدٍ إلى حمراء الأسد؛ لأنّ اللّه تعالى ذكره إنّما مدح الّذين وصفهم بقيلهم: {حسبنا اللّه ونعم الوكيل} لمّا قيل لهم: إنّ النّاس قد جمعوا لكم فاخشوهم، بعد الّذي قد كان نالهم من القروح والكلوم، بقوله: {الّذين استجابوا للّه والرّسول من بعد ما أصابهم القرح} ولم تكن هذه الصّفّة إلاّ صفة من تبع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من جرحى أصحابه بأحدٍ إلى حمراء الأسد.
فأمّا قول الّذين خرجوا معه إلى غزوة بدرٍ الصّغرى، فإنّه لم يكن فيهم جريحٌ، إلاّ جريحٌ قد تقادم اندمال جرحه، وبرأ كلمه، وذلك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إنّما خرج إلى بدرٍ الخرجة الثّانية إليها لموعد أبي سفيان الّذي كان واعده اللّقاء بها بعد سنةٍ من غزوة أحدٍ في قول شعبان سنة أربعٍ من الهجرة، وذلك أنّ وقعة أحدٍ كانت في النّصف من شوّالٍ من سنة ثلاثٍ، وخروج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لغزوة بدرٍ الصّغرى من احد في شعبان من سنة أربعٍ، ولم يكن للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بين ذلك وقعةٌ مع المشركين كانت بينهم فيها حربٌ جرح فيها أصحابه، ولكن قد كان قتل في وقعة الرّجيع من أصحابه جماعةٌ لم يشهد أحدٌ منهم غزوة بدرٍ الصّغرى، وكانت وقعة الرّجيع فيما بين وقعة أحدٍ وغزوة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بدرٍ الصّغرى). [جامع البيان: 6/244-252]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (الّذين قال لهم النّاس إنّ النّاس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانًا وقالوا حسبنا اللّه ونعم الوكيل (173)
قوله تعالى: الّذين قال لهم النّاس
- حدّثنا أبي، ثنا أبو سلمة، ثنا مباركٌ، ثنا الحسن قوله: الّذين قال لهم النّاس قال الحسن: التجار.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ، ثنا زنيجٌ، ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق: الّذين قال لهم النّاس والنّاس الّذين قالوا لهم ما قالوا: النّفر من عبد قيسٍ الّذين قال لهم أبو سفيان ما قال: إنّ أبا سفيان ومن معه راجعون إليكم.
قوله تعالى: إنّ النّاس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن كثيرٍ العبديّ، أنبأ سليمان بن كثيرٍ عن حصينٍ، عن أبي مالكٍ في قوله: الّذين قال لهم النّاس إنّ النّاس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا قال: إنّ أبا سفيان كان أرسل يوم أحدٍ أو يوم الأحزاب إلى قريشٍ وغطفان وهوازن يستجيشهم على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فبلغ ذلك نبيّ اللّه ومن معه، فقيل: لو ذهب نفرٌ من المسلمين، فأتوكم بالخبر. قال: فذهب نفرٌ حتّى إذا كانوا بالمكان الّذي ذكر لهم أنّهم فيه لم يروا أحداً فرجعوا.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو سلمة، ثنا مباركٌ، ثنا الحسن قوله: إنّ النّاس قد جمعوا لكم قال: أبو سفيان وأصحابه قد جمعوا لكم.
قوله تعالى: فزادهم إيماناً
- حدّثنا أبي ثنا عبيد اللّه بن موسى، أنبأ سفيان، عن من سمع مجاهداً يقول: في قوله: فزادهم إيماناً قال: الإيمان يزيد وينقص.
قوله تعالى: وقالوا حسبنا اللّه ونعم الوكيل
- حدّثنا يونس بن حبيبٍ، ثنا أبو داود، ثنا قيسٌ، عن أبي حصينٍ عن أبي الضّحى، عن ابن عبّاسٍ قال: لمّا ألقي إبراهيم في النّار، وأخذ ليلقى في النّار قال:
حسبنا اللّه ونعم الوكيل قال: فقال محمّدٌ: مثلها: الّذين قال لهم النّاس إنّ النّاس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانًا وقالوا حسبنا اللّه ونعم الوكيل.
- حدّثنا أبي، ثنا ابن أبي عمر، ثنا سفيان، عن عمرٍو، عن عكرمة قال:
كانت بدرٌ متجراً في الجاهليّة فلمّا كان يوم أحدٍ قال أبو سفيان للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: موعدك عامٌ قابلٌ بدرٍ، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: هو موعدك فلمّا خرج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لموعد أبي سفيان لقيهم رجلٌ فقال: إنّ بها جموعا من المشركين، فأمّا الجبان فرجع، وأمّا الشّجاع فأخذ أهبة التّجارة، وأهبة القتال، وقالوا: حسبنا اللّه ونعم الوكيل، ثمّ خرجوا حتّى جاءوا فتسوّقوا بها فلم يجدوا بها أحداً، فأنزل اللّه تعالى: الّذين قال لهم النّاس إنّ النّاس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانًا وقالوا حسبنا اللّه ونعم الوكيل). [تفسير القرآن العظيم: 2/817-819]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو بكر بن أبي دارمٍ الحافظ، بالكوفة، ثنا أحمد بن إسحاق التّميميّ، ثنا أحمد بن يونس، ثنا أبو بكر بن عيّاشٍ، عن أبي حصينٍ، عن أبي الضّحى، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، قال: " كان آخر كلام إبراهيم حين ألقي في النّار حسبي اللّه ونعم الوكيل، وقال نبيّكم صلّى الله عليه وسلّم مثلها {الّذين قال لهم النّاس إنّ النّاس قد جمعوا لكم فاخشوهم، فزادهم إيمانًا، وقالوا حسبنا} [آل عمران: 173] اللّه ونعم الوكيل «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرجاه» ). [المستدرك: 2/326]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ) ابن عباس- رضي الله عنه - قال: في قوله تعالى: {إنّ النّاس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا اللّه ونعم الوكيل} قالها إبراهيم حين ألقي في النّار، وقالها محمدٌ حين قال لهم الناس: {إنّ النّاس قد جمعوا لكم} [آل عمران: 173]. أخرجه البخاري). [جامع الأصول: 2/72]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: افصلوا بينهما قوله {للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم (172) الذين قال لهم الناس}.
وأخرج ابن جرير عن السدي قال: لما ندم أبو سفيان وأصحابه على الرجوع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقالوا: ارجعوا فاستأصلوهم، فقذف الله في قلوبهم الرعب فهزموا فلقوا أعرابيا فجعلوا له جعلا فقالوا له: إن لقيت محمدا وأصحابه فأخبرهم أنا قد جمعنا لهم، فأخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم فطلبهم حتى بلغ حمراء الأسد فلقوا الأعرابي في الطريق فأخبرهم الخبر فقالوا: {حسبنا الله ونعم الوكيل} ثم رجعوا من حمراء الأسد، فأنزل الله فيهم وفي الأعرابي الذي لقيهم {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم} الآية.
وأخرج ابن سعد عن ابن أبزى {الذين قال لهم الناس} قال: أبو سفيان، قال لقوم: إن لقيتم أصحاب محمد فأخبروهم أنا قد جمعنا لهم جموعا، فأخبروهم فقالوا {حسبنا الله ونعم الوكيل}.
وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس قال: استقبل أبو سفيان في منصرفه من أحد عيرا واردة المدينة ببضاعة لهم وبينهم وبين النّبيّ صلى الله عليه وسلم جبال فقال: إن لكم علي رضاكم إن أنتم رددتم عني محمدا ومن معه إن أنتم وجدتموه في طلبي أخبرتموه أني قد جمعت له جموعا كثيرة فاستقبلت العير رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا له: يا محمد إنا نخبرك أن أبا سفيان قد جمع لك جموعا كثيرة وأنه مقبل إلى المدينة وإن شئت أن ترجع فافعل، فلم يزده ذلك ومن معه إلا يقينا {وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل} فأنزل الله {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا} الآية.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة قال انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وعصابة
من أصحابه بعدما انصرف أبو سفيان وأصحابه من أحد خلفهم حتى إذا كانوا بذي الحليفة فجعل الأعراب والناس يأتون عليهم فيقولون لهم: هذا أبو سفيان مائل عليكم بالناس فقالوا {حسبنا الله ونعم الوكيل} فأنزل الله {الذين قال لهم الناس} الآية.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله {الذين قال لهم الناس} الآية، قال: إن أبا سفيان كان أرسل يوم أحد أو يوم الأحزاب إلى قريش وغطفان وهوازن يستجيشهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه فقيل: لو ذهب نفر من المسلمين فأتوكم بالخبر فذهب نفر حتى إذا كانوا بالمكان الذي ذكر لهم أنهم فيه لم يروا أحدا فرجعوا.
وأخرج ابن مردويه والخطيب عن أنس أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أتى يوم أحد فقيل له: يا رسول الله {إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم} فقال {حسبنا الله ونعم الوكيل} فأنزل الله {الذين قال لهم الناس} الآية.
وأخرج ابن مردويه عن أبي رافع أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم وجه عليا في نفر معه في طلب أبي سفيان فلقيهم أعرابي من خزاعة فقال: إن القوم قد جمعوا لكم {وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل} فنزلت فيهم هذه الآية،.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم} قال: هذا أبو سفيان قال لمحمد يوم أحد: موعدكم بدر حيث قتلتم أصحابنا فقال محمد صلى الله عليه وسلم: عسى، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم لموعده حتى نزل بدرا فوافوا السوق فابتاعوا فذلك قوله {فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء} وهي غزوة بدر الصغرى.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عكرمة قال: كانت بدرا متجرا في الجاهلية وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم واعد أبا سفيان أن يلقاه بها فلقيهم رجل فقال له: إن بهما جمعا عظيما من المشركين، فأما الجبان فرجع.
وأمّا الشجاع فأخذ أهبة التجارة وأهبة القتال، {وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل} ثم خرجوا حتى جاؤوها فتسوقوا بها ولم يلقوا أحدا فنزلت {الذين قال لهم الناس} إلى قوله {بنعمة من الله وفضل}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {فزادهم إيمانا} قال: الإيمان يزيد وينقص.
وأخرج البخاري والنسائي، وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال {حسبنا الله ونعم الوكيل} قالها إبراهيم حين ألقي في النار وقالها محمد حين قالوا {إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل}.
وأخرج البخاري، وابن المنذر والحاكم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس قال: كان آخر قول إبراهيم حين ألقي في النار {حسبنا الله ونعم الوكيل} وقال نبيكم مثلها {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل}.
وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر عن ابن عمرو قال: هي الكلمة التي قالها إبراهيم حين ألقي في النار {حسبنا الله ونعم الوكيل} وهي الكلمة التي قالها نبيكم وأصحابه إذ قيل لهم {إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم}.
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا وقعتم في الأمر العظيم فقولوا {حسبنا الله ونعم الوكيل}.
وأخرج ابن أبي الدنيا في الذكر عن عائشة أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتد غمه مسح بيده على رأسه ولحيته ثم تنفس الصعداء وقال: حسبي الله ونعم الوكيل.
وأخرج أبو نعيم عن شداد بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حسبي الله ونعم الوكيل أمان كل خائف.
وأخرج الحكيم الترمذي عن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال عشر كلمات عند كل صلاة غداة وجد الله عندهن مكفيا مجزيا: خمس للدنيا وخمس للآخرة: حسبي الله لديني حسبي الله لما أهمني حسبي الله لمن بغى علي حسبي الله لمن حسدني حسبي الله لمن كادني بسوء حسبي الله عند الموت حسبي الله عند المسألة في القبر حسبي الله عند الميزان حسبي الله عند الصراط حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه أنيب). [الدر المنثور: 4/137-151]

تفسير قوله تعالى: (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) )
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {فانقلبوا بنعمةٍ من الله وفضلٍ}
- أخبرنا محمّد بن منصورٍ، عن سفيان، عن عمرٍو، عن عكرمة، قال: قال ابن عبّاسٍ: لمّا انصرف المشركون عن أحدٍ وبلغوا الرّوحاء، قالوا: لا محمّدًا قتلتموه، ولا الكواعب أردفتم، وبئس ما صنعتم ارجعوا، فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فندب النّاس فانتدبوا حتّى بلغوا حمراء الأسد وبئر أبي عنبة، فأنزل الله تعالى: {الّذين استجابوا للّه والرّسول من بعد ما أصابهم القرح} [آل عمران: 172] وقد كان أبو سفيان قال للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: موعدك موسم بدرٍ حيث قتلتم أصحابنا، فأمّا الجبان فرجع، وأمّا الشّجاع فأخذ أهبّة القتال والتّجارة، فلم يجدوا به أحدًا وتسوّقوا، فأنزل الله تعالى {فانقلبوا بنعمةٍ من الله وفضلٍ لم يمسسهم سوءٌ} [آل عمران: 174]). [السنن الكبرى للنسائي: 10/55]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فانقلبوا بنعمةٍ من اللّه وفضلٍ لم يمسسهم سوءٌ واتّبعوا رضوان اللّه واللّه ذو فضلٍ عظيمٍ}
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {فانقلبوا بنعمةٍ من اللّه} فانصرف الّذين استجابوا للّه والرّسول من بعد ما أصابهم القرح من وجههم الّذي توجّهوا فيه، وهو سيرهم في أثر عدوّهم إلى حمراء الأسد {بنعمةٍ من اللّه} يعني: بعافيةٍ من ربّهم لم يلقوا بها عدوًّا {وفضلٍ} يعني: ماأصابوا فيها من الأرباح بتجارتهم الّتي اتّجروا بها، والأجر الّذي اكتسبوه {لم يمسسهم سوءٌ} يعني: لم ينلهم بها مكروهٌ من عدوّهم ولا أذًى {واتّبعوا رضوان اللّه} يعني بذلك أنّهم أرضوا اللّه بفعلهم ذلك واتّباعهم رسوله إلى ما دعاهم إليه من اتّباع أثر العدوّ وطاعتهم. {واللّه ذو فضلٍ عظيمٍ} يعني: واللّه ذو إحسانٍ وطولٍ عليهم بصرف عدوّهم الّذي كانوا قد همّوا بالكرّة إليهم، وغير ذلك من أياديه عندهم، وعلى غيرهم بنعمةٍ، عظيمٌ عند من أنعم به عليه من خلقه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال جماعةٌ من أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {فانقلبوا بنعمةٍ من اللّه وفضلٍ} قال: والفضل: ما أصابوا من التّجارة والأجر.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قال: وافقوا السّوق فابتاعوا، وذلك قوله: {فانقلبوا بنعمةٍ من اللّه وفضلٍ} قال: الفضل ما أصابوا من التّجارة والأجر.قال ابن جريجٍ: ما أصابوا من البيع نعمةٌ من اللّه وفضلٌ، أصابوا عفوه وعزّته، لا ينازعهم فيه أحدٌ. قال: وقوله: {لم يمسسهم سوءٌ} قال: قتلٌ {واتّبعوا رضوان اللّه} قال: طاعة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {واللّه ذو فضلٍ عظيمٍ} لما صرف عنهم من لقاء عدوّهم.
- حدّثنا محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه عن ابن عبّاسٍ، قال: أطاعوا اللّه، وابتغوا حاجتهم، ولم يؤذهم أحدٌ {فانقلبوا بنعمةٍ من اللّه وفضلٍ لم يمسسهم سوءٌ واتّبعوا رضوان اللّه واللّه ذو فضلٍ عظيمٍ}.
- حدّثنا محمّدٌ، قال: حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: أعطي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم اصحابه يعني: حين خرج إلى غزوة بدرٍ الصّغرى ببدرٍ دراهم ابتاعوا بها من موسم بدرٍ، فأصابوا تجارةً؛ فذلك قول اللّه: {فانقلبوا بنعمةٍ من اللّه وفضلٍ لم يمسسهم سوءٌ واتّبعوا رضوان اللّه} أمّا النّعمة: فهي العافية، وأمّا الفضل: فالتّجارة، والسّوء: القتل). [جامع البيان: 6/253-254]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (فانقلبوا بنعمةٍ من اللّه وفضلٍ لم يمسسهم سوءٌ واتّبعوا رضوان اللّه واللّه ذو فضلٍ عظيمٍ (174)
قوله تعالى: فانقلبوا بنعمةٍ من اللّه
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: فذهب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لموعد أبي سفيان، حتّى نزلوا بدراً، فوافقوا السّوق، فابتاعوا، وذلك قول اللّه تعالى: فانقلبوا بنعمة من الله
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن كثيرٍ، أنبأ سليمان بن كثيرٍ، عن حصينٍ، عن أبي مالكٍ قوله: فانقلبوا بنعمةٍ من اللّه قال: لم يلقوا أحداً.
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: فانقلبوا بنعمةٍ من اللّه أمّا النّعمة فهي: العافية.
قوله تعالى: وفضلٍ
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: وفضلٍ لم يمسسهم والفضل: ما أصابوا من التّجارة والأجر، وروي عن السّدّيّ نحو ذلك.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا عبد الأعلى، ثنا يعقوب، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه تعالى: فانقلبوا بنعمةٍ من اللّه وفضلٍ قال: بفضلٍ أصابوه من سوق عكاظ.
قوله تعالى: لم يمسسهم سوءٌ
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن كثيرٍ، أنبأ سليمان بن كثيرٍ، عن حصينٍ، عن أبي مالكٍ: قوله: لم يمسسهم سوءٌ قال: لم يصبهم إلا خيرٌ.
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، ثنا عمّي الحسين، عن أبيه، عن جدّه، عن ابن عبّاسٍ قوله: وفضلٍ لم يمسسهم سوءٌ قال:
لم يؤذهم أحدٌ.
- حدّثنا أحمد بن عثمان، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ:
وفضلٍ لم يمسسهم سوءٌ قال: السّوء: القتل.
قوله تعالى: واتّبعوا رضوان اللّه
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثنا أبي، ثنا عمّي الحسين، عن أبيه، عن جدّه، عن ابن عبّاسٍ قوله: واتّبعوا رضوان اللّه فأطاعوا اللّه ورسوله، واتّبعوا حاجتهم.
قوله تعالى: واللّه ذو فضلٍ عظيمٍ
- حدّثنا أبي ثنا الحسن بن الرّبيع، ثنا ابن إدريس، قال محمّد بن إسحاق:
قوله: واللّه ذو فضلٍ عظيمٍ لما صرف عنهم من لقاء عدوّهم). [تفسير القرآن العظيم: 2/819-820]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله {فانقلبوا بنعمة من الله وفضل} قال {النعمة} أنهم سلموا و{الفضل} أن عيرا مرت وكان في أيام الموسم فاشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم فربح مالا فقسمه بين أصحابه.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية قال الفضل ما أصابوا من التجارة والأجر
وأخرج ابن جرير عن السدي قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج إلى غزوة بدر الصغرى ببدر دراهم ابتاعوا بها من موسم بدر فأصابوا تجارة فذلك قول الله {فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء} قال: أما النعمة فهي العافية وأما الفضل فالتجارة والسوء القتل.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله {لم يمسسهم سوء} قال: لم يؤذهم أحد {واتبعوا رضوان الله} قال: أطاعوا الله ورسوله). [الدر المنثور: 4/137-151]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وحدّثني أيضًا عن عطاءٍ أنّه سمع ابن عباس يقرأ: {إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه}: إنّما ذلكم الشّيطان يخوّفكم أولياءه). [الجامع في علوم القرآن: 3/47]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّما ذلكم الشّيطان يخوّف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين}
يعني بذلك تعالى ذكره: إنّما الّذي قال لكم أيّها المؤمنون: إنّ النّاس قد جمعوا لكم، فخوّفوكم بجموع عدوّكم، ومسيرهم إليكم، من فعل الشّيطان، ألقاه على أفواه من قال ذلك لكم، يخوّفكم بأوليائه من المشركين أبي سفيان وأصحابه من قريشٍ، لترهبوهم، وتجبنوا عنهم.
- كما: حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {إنّما ذلكم الشّيطان يخوّف أولياءه} يخوّف واللّه المؤمن بالكافر، ويرهب المؤمن بالكافر.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال مجاهدٌ: {إنّما ذلكم الشّيطان يخوّف أولياءه} قال: يخوّف المؤمنين بالكفّار.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه عن ابن عبّاسٍ: {إنّما ذلكم الشّيطان يخوّف أولياءه} يقول: الشّيطان يخوّف المؤمنين بأوليائه.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {إنّما ذلكم الشّيطان يخوّف أولياءه}: أي أولئك الرّهط، يعني النّفر من عبد القيس الّذين قالوا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ما قالوا، وما ألقى الشّيطان على أفواههم {يخوّف أولياءه} أي يرهبكم بأوليائه.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا عليّ بن معبدٍ، عن عتّاب بن بشيرٍ، مولى قريشٍ، عن سالمٍ الأفطس، في قوله: {إنّما ذلكم الشّيطان يخوّف أولياءه} قال: يخوّفكم بأوليائه.
وقال آخرون: معنى ذلك: إنّما ذلكم الشّيطان يعظّم أمر المشركين أيّها المنافقون في أنفسكم لتخافونه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّدٌ، قال: حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: ذكر أمر المشركين وعظمهم في أعين المنافقين فقال: {إنّما ذلكم الشّيطان يخوّف أولياءه} يعظّم أولياءه في صدوركم فتخافونهم
فإن قال قائلٌ: وكيف قيل: {يخوّف أولياءه} وهل يخوّف الشّيطان أولياءه؟ وكيف قيل: إن كان معناه يخوّفكم بأوليائه يخوّف أولياءه.
قيل ذلك نظير قوله: {لينذر بأسًا شديدًا}، بمعنى: لينذركم بأسه الشّديد، وذلك أنّ البأس لا ينذر، وإنّما ينذر به.
وقد كان بعض أهل العربيّة من أهل البصرة يقول: معنى ذلك: يخوّف النّاس أولياءه، كقول القائل: هو يعطي الدّراهم، ويكسو الثّياب، بمعنى: هو يعطي النّاس الدّراهم، ويكسوهم الثّياب، فحذف ذلك للاستغناء عنه، وليس الّذي شبّه ذلك بمشبّهٍ، لأنّ الدّراهم في قول القائل: هو يعطي الدّراهم معلومٌ أنّ المعطى هي الدّراهم، وليس كذلك الأولياء في قوله: {يخوّف أولياءه} مخوّفين، بل التّخويف من الأولياء لغيرهم، فلذلك افترقا). [جامع البيان: 6/255-257]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين}
يقول: فلا تخافوا أيّها المؤمنون المشركين، ولا يعظمنّ عليكم أمرهم، ولا ترهبوا جمعهم مع طاعتكم إيّاي، ما أطعتموني، واتّبعتم أمري، وإنّي متكفّلٌ لكم بالنّصر والظّفر، ولكن خافون، واتّقوا أن تعصوني وتخالفوا أمري، فتهلكوا إن كنتم مؤمنين، يقول: ولكن خافوني دون المشركين، ودون جميع خلقي أن تخالفوا أمري إن كنتم مصدّقي رسولي وما جاءكم به من عندي). [جامع البيان: 6/257]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إنّما ذلكم الشّيطان يخوّف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين (175)
قوله تعالى: إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه
[الوجه الأول]
- حدّثنا محمّد بن عبد الرّحمن الهرويّ، ثنا أبو داود الحفريّ، عن سفيان، عن طلحة بن عمرٍو، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ أنّه كان يقرأ: إنما ذلك الشيطان يخوفكم أولياءه قال أبو محمّدٍ: في تفسير ابن عبّاسٍ من رواية عطيّة العوفيّ قال: فجاء الشّيطان يخوّف أولياءه فقال: إنّ النّاس قد جمعوا لكم.
وروي عن مجاهدٍ وعكرمة وإبراهيم النّخعيّ.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن كثيرٍ العبديّ، أنبأ سليمان بن كثيرٍ، عن حصينٍ، عن أبي مالكٍ قوله: إنّما ذلكم الشّيطان يخوّف أولياءه قال: يعظّم أولياءه في أعينكم.
- حدّثنا أحمد بن عثمان، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ:
ثمّ ذكر المشركين وعظمهم في أعين المنافقين، فقال: إنّما ذلكم الشّيطان يخوّف أولياءه قال: يعظم أولياءه في صدوركم فتخافونهم.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا محمّد بن عمّارٍ، ثنا الوليد بن صالحٍ، ثنا شريكٌ، عن عطاءٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قوله: إنّما ذلكم الشّيطان يخوّف أولياءه يعني: المشركين يخوّفهم المسلمين، وذلك يوم بدرٍ.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس، ثنا يزيد، ثنا سعيدٌ، عن قتادة:
قوله: إنّما ذلكم الشّيطان يخوّف أولياءه قال: يخوّف- واللّه- المؤمن بالكافر، ويرهب بالمؤمن الكافر.
قوله تعالى: أولياءه
- حدّثنا حجّاجٌ، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله:
يخوّف أولياءه قال: أولياءه الشّياطين.
قوله تعالى: فلا تخافوهم وخافون
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ، ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، ثنا عبّاد بن منصورٍ قال: سألت الحسن عن قوله: فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين قال: إنّما كان ذلك تخويف الشّيطان، ولا يخاف الشّيطان إلا وليّ الشّيطان
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا محمّد بن عمرٍو، ثنا سلمة، قال محمد ابن إسحاق: إنّما ذلكم الشّيطان يخوّف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين أي: لأولئك الرّهط وما ألقى الشّيطان على أفواههم- يخوّف أولياءه أي: يرهبكم بأوليائه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين
- أخبرنا محمود بن آدم المرّوذيّ كتب إليّ قال: سمعت النّضر بن شميلٍ يقول: تفسير المؤمن: إنّه آمنٌ من عذاب اللّه). [تفسير القرآن العظيم: 2/820-821]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه يقول يخوفكم بأوليائه أو أولياؤه الشياطين يخوفونكم بالفقر). [تفسير مجاهد: 139]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري في المصاحف من طريق عطاء عن ابن عباس أنه كان يقرأ إنما ذلكم الشيطان يخوفكم أولياءه.
وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس {إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه} يقول: الشيطان يخوف المؤمنين بأوليائه.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد {إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه} قال: يخوف المؤمنين بالكفار
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن أبي مالك {يخوف أولياءه} قال: يعظم أولياءه في أعينكم.
وأخرج ابن المنذر عن عكرمة في الآية قال: تفسيرها يخوفكم بأوليائه.
وأخرج ابن المنذر عن إبراهيم في الآية قال: يخوف الناس أولياءه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال: إنما كان ذلك تخويف الشيطان ولا يخاف الشيطان إلا ولي الشيطان). [الدر المنثور: 4/137-151]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 8 جمادى الآخرة 1434هـ/18-04-2013م, 07:09 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي


تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله - جلّ وعزّ -: {الّذين استجابوا للّه والرّسول من بعد ما أصابهم القرح للّذين أحسنوا منهم واتّقوا أجر عظيم} أي من بعد ما أصابهم الجرح، ومن قرأ القرح، فمعناه: ألم الجرح.
{الذين}جائز أن يكون: في موضع خفض على النعت للمؤمنين، والأحسن أن يكون: في موضع رفع بالابتداء ويكون خبر الابتداء {للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم}). [معاني القرآن: 1/489]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {الذين استجابوا لله ورسوله من بعد ما أصابهم القرح}
روى عكرمة عن ابن عباس أن المشركين يوم أحد لما انصرفوا فبلغوا إلى الروحاء حرض بعضهم بعضا على الرجوع لمقاتلة المسلمين فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فندب أصحابه للخروج فانتدبوا حتى وفوا يعني حمراء الأسد وهي على ثمانية أميال من المدينة فأنزل الله عز وجل: {الذين استجابوا لله ورسوله من بعد ما أصابهم القرح}). [معاني القرآن: 1/509-510]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {الّذين قال لهم النّاس...}
و{الناس} في هذا الموضع واحد، وهو نعيم بن مسعود الأشجعيّ. بعثه أبو سفيان وأصحابه فقالوا: ثبّط محمدا - صلى الله عليه وسلم - أو خوّفه حتى لا يلقانا ببدر الصغرى، وكانت ميعادا بينهم يوم أحد. فأتاهم نعيم فقال: قد أتوكم في بلدتكم فصنعوا بكم ما صنعوا، فكيف بكم إذا وردتم عليهم في بلدتهم وهم أكثر وأنتم أقلّ؟ فأنزل الله تبارك وتعالى: {إنّما ذالكم الشّيطان يخوّف أولياءه}). [معاني القرآن: 1/247-248]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {الّذين قال لهم النّاس إنّ النّاس قد جمعوا لكم}: وقع المعنى على رجل واحد، والعرب تفعل ذلك، فيقول الرجل: فعلنا كذا وفعلنا، وإنما يعنى نفسه، وفي القرآن: {إنّا كلّ شيءٍ خلقناه بقدرٍ} والله هو الخالق). [مجاز القرآن: 1/108]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({الّذين قال لهم النّاس إنّ النّاس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا اللّه ونعم الوكيل}
قال تعالى: {فزادهم إيماناً} يقول: "فزادهم قولهم إيمانا"). [معاني القرآن: 1/188]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (ومنه عام يراد به خاص:
كقوله سبحانه حكاية عن النبي، صلّى الله عليه وسلم: {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}، وحكاية عن موسى: {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} ولم يرد كل المسلمين والمؤمنين، لأن الأنبياء قبلهما كانوا مؤمنين ومسلمين، وإنما أراد مؤمني زمانه ومسلميه.
وكقوله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ}، ولم يصطفهم على محمد صلّى الله عليه وسلم ولا أممهم على أمّته، ألا تراه يقول: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}، وإنما أراد عالمي أزمنتهم.
وكقوله سبحانه: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا}، وإنما قاله فريق من الأعراب.
وقوله: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} ولم يرد كل الشعراء.
ومنه قوله سبحانه: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ}، وإنما قاله نعيم بن مسعود لأصحاب محمد، صلّى الله عليه وسلم إنّ النّاس قد جمعوا لكم، يعني: أبا سفيان، وعيينة بن حصن، ومالك بن عوف). [تأويل مشكل القرآن:281-282] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {الّذين قال لهم النّاس إنّ النّاس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا اللّه ونعم الوكيل}
يقال في التفسير: إن قائل هذا نعيم بن مسعود الأشجعي بعثه أبو سفيان وأصحابه يثبطون النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه عن لقيّهم، وكان بين المسلمين وبين المشركين في يوم أحد موعد للقاء ببدر الصغرى، فلم يلتفت المسلمون إلى تخويف نعيم وعزموا على لقاء القوم وأجابوه بأن قالوا: {حسبنا اللّه ونعم الوكيل}
وتأويل {حسبنا اللّه} أي: الذي يكفينا أمرهم اللّه.
وقوله جلّ وعزّ: {فزادهم إيمانا} أي: زادهم ذلك التخويف ثبوتا في دينهم وإقامة على نصرة نبيهم.
وصاروا إلى بدر الصغرى، وألقى اللّه في قلوب المشركين الرعب فلم تغفلوهم). [معاني القرآن: 1/489-490]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم}
قيل إنه يعني بالناس نعيم بن مسعود وجهه أبو سفيان يثبط أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومجازة في اللغة أن يراد به نعيم وأصحابه.
وقال ابن إسحاق: الذين قال لهم الناس هم نفر من عبد القيس قالوا أبا سفيان ومن معه راجعون إليكم.
ثم قال تعالى: {فزادهم إيمانا} أي: فزادهم التخويف إيمانا {وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل} أي: كافينا الله يقال أحسبه إذا كفاه). [معاني القرآن: 1/510-511]

تفسير قوله تعالى: {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {فانقلبوا بنعمة من اللّه وفضل لم يمسسهم سوء واتّبعوا رضوان اللّه واللّه ذو فضل عظيم} المعنى: فلم يخافوا ما خافوا، وصاروا إلى الموعد الذي وعدوا فيه.
{فانقلبوا بنعمة} أي: انقلبوا مؤمنين قد هرب منهم عدوهم.
وقيل في التفسير: إنهم أقاموا ثلاثا واشتروا أدما وزبيبا ربحوا فيه.
وكل ذلك جائز، إلا أن انقلابهم بالنعمة هي نعمة الإيمان والنصر على عدوهم). [معاني القرآن: 1/490]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء}
قال عكرمة عن ابن عباس لما وافدوا بدرا وكان أبو سفيان قد قال لهم موعدكم بدرا موضع قتلتم أصحابنا فوافى النبي وأصحابه بدرا واشترى المسلمون بها أشياء ربحوا فيها
فالمعنى على هذا: فانقلبوا بنعمة من الله وفضل من انصراف عدوهم وفضل في تجارتهم). [معاني القرآن: 1/511-512]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (أما قوله: {إنّما ذالكم الشّيطان يخوّف أولياءه...}
يقول: يخوّفكم بأوليائه "فلا تخافوهم" ومثل ذلك قوله: {لينذر يوم التلاق} معناه: لينذركم يوم التلاق.
وقوله: {لينذر بأسا شديدا} المعنى: لينذركم بأسا شديدا؛ البأس لا ينذر، وإنما ينذر به). [معاني القرآن: 1/248]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({إنّما ذالكم الشّيطان يخوّف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مّؤمنين}
قال: {إنّما ذالكم الشّيطان يخوّف أولياءه} يقول: "يرهب النّاس أولياءه" أي: بأوّليائه"). [معاني القرآن: 1/188]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({إنّما ذلكم الشّيطان يخوّف أولياءه} أي: يخوفكم بأوليائه كما قال: {لينذر بأساً شديداً} أي: لينذركم ببأس [شديد] ). [تفسير غريب القرآن: 116]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (ومنه قوله: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} أي: يخوّفكم بأوليائه، كما قال سبحانه: {لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ}أي: لينذركم ببأس شديد). [تأويل مشكل القرآن: 222]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {إنّما ذلكم الشّيطان يخوّف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين} أي: ذلك التخويف الذي كان فعل الشيطان ،أي: هو قوله للمخوفين، يخوف أولياءه.
قال أهل العربية، معناه: يخوفكم أولياءه، أي من أوليائه.
والدليل على ذلك قوله جلّ وعزّ: {فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين} أي: كنتم مصدقين فقد أعلمتكم أني أنصركم عليهم فقد سقط عنكم الخوف، وقال بعضهم يخوف أولياءه، أي: إنما يخاف المنافقون، ومن لا حقيقة لإيمانه.
{فلا تخافوهم} أي: لا تخافوا المشركين). [معاني القرآن: 1/490]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه}
يقال كيف يخوف من تولاه؟ فروي عن إبراهيم النخعي يخوفكم أولياءه قيل: هذا حسن في العربية كما تقول فلان يعطي الدنانير، أي: يعطي الناس الدنانير، والتقدير على هذا يخوف المؤمنون بأوليائه ثم حذفت الباء وأحد المفعولين ونظيره قوله عز وجل: {لينذر بأسا شديدا} وأنشد سيبويه فيما حذفت منه الباء:
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به = فقد تركتك ذا مال وذا نشب
وأولياؤه ههنا الشياطين وقد قيل إن معنى {يخوف أولياءه} يخوف المنافقين الفقر حتى لا ينفقوا لأنهم أشد خوفا). [معاني القرآن: 1/512-513]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( {يخوف أولياءه} أي: يخوفكم بأوليائه). [ياقوتة الصراط: 194]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ} أي: يخوفكم بأوليائه، مثل {لِّيُنذِرَ بَأْساً شَدِيداً}، أي: ببأس شديد). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 54]

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 9 جمادى الآخرة 1434هـ/19-04-2013م, 09:26 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) }
[لا يوجد]


تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) }

[لا يوجد]

تفسير قوله تعالى: {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) }
[لا يوجد]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (ونذكر آيات من القرآن ربما غلط في مجازها النحويون. قال الله عز وجل: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ}، مجاز الآية أن المفعول الأول محذوف، ومعناه: يخوفكم من أوليائه.
وفي القرآن: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}، والشهر لا يغيب عنه أحد، ومجاز الآية: فمن كان منكم شاهدًا بلده في الشهر فليصمه، والتقدير {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ} أي فمن كان شاهدًا في شهر رمضان فليصمه، نصب الظروف لا نصب المفعول به.
وفي القرآن في مخاطبة فرعون: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً}، فليس معنى ننجيك نخلصك، لكن نلقيك على نجوة من الأرض، ببدنك: بدرعك، يدل على ذلك لتكون لمن خلفك آية.
وفي القرآن: {يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ}، فالوقف {يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ} أي ويخرجونكم لأن تؤمنوا بالله ربكم). [الكامل: 3/1503-1504]
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): ( {يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} قال يخوفهم بأوليائه. يقال: اخافك كخوف الأسد، أي كخوفي من الأسد. وأنشد:



وقد جفت حتى ما نزيـد مخافتـيعلى علٍ في ذي الماطرة عاقل).

[مجالس ثعلب: 550]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 02:36 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 02:36 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 02:36 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 02:36 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: الّذين استجابوا يحتمل أن تكون الّذين صفة للمؤمنين على قراءة من كسر الألف من «إن»، والأظهر أن الّذين ابتداء وخبره في قوله تعالى: للّذين أحسنوا الآية، فهذه الجملة هي خبر الابتداء الأول، والمستجيبون لله والرسول هم الذين خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى حمراء الأسد في طلب قريش وانتظارهم لهم وذلك أنه لما كان في يوم الأحد وهو الثاني من يوم أحد نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس باتباع المشركين، وقال: لا يخرجن معنا إلا من شاهدنا بالأمس، وكانت بالناس جراحة وقرح عظيم، ولكن تجلدوا ونهض معه مائتا رجل من المؤمنين حتى بلغ حمراء الأسد، وهي على ثمانية أميال من المدينة، وأقام بها ثلاثة أيام، وجرت قصة معبد بن أبي معبد التي ذكرناها، ومرت قريش وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فأنزل الله تعالى في شأن أولئك المستجيبين هذه الآية، ومدحهم لصبرهم، وروي أنه خرج في الناس أخوان وبهما جراحة شديدة وكان أحدهما قد ضعف، فكان أخوه يحمله عقبة ويمشي هو عقبة، ورغب جابر بن عبد الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم في الخروج معه فأذن له، وأخبرهم تعالى أن الأجر العظيم قد تحصل لهم بهذه الفعلة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها غزوة). [المحرر الوجيز: 2/421-422]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: الّذين قال لهم النّاس إنّ النّاس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا اللّه ونعم الوكيل (173) فانقلبوا بنعمةٍ من اللّه وفضلٍ لم يمسسهم سوءٌ واتّبعوا رضوان اللّه واللّه ذو فضلٍ عظيمٍ (174)
الّذين صفة للمحسنين المذكورين، وهذا القول هو الذي قاله الركب من عبد القيس لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، حين حملهم أبو سفيان ذلك، وقد ذكرته قبل، ف النّاس الأول ركب عبد القيس والنّاس الثاني عسكر قريش، وقوله تعالى: فزادهم إيماناً، أي ثبوتا واستعدادا، فزيادة الإيمان في هذا هي في الأعمال، وأطلق العلماء عبارة: أن الإيمان يزيد وينقص، والعقيدة في هذا أن نفس الإيمان الذي هو تصديق واحد بشيء ما، إنما هو معنى فرد لا تدخله زيادة إذا حصل، ولا يبقى منه شيء إذا زال، فلم يبق إلا أن تكون الزيادة والنقص في متعلقاته دون ذاته، فذهب بعض العلماء إلى أنه يقال: يزيد وينقص من حيث تزيد الأعمال الصادرة عنه وتنقص، لا سيما أن كثيرا من العلماء يوقعون اسم الإيمان على الطاعات، وذهب قوم: إلى أن الزيادة في الإيمان إنما هي بنزول الفروض والإخبار في مدة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي المعرفة بها بعد الجهل غابر الدهر وهذا إنما زيادة إيمان إلى إيمان، فالقول فيه إن الإيمان يزيد وينقص قول مجازي ولا يتصور النقص فيه على هذا الحد وإنما يتصور الأنقص بالإضافة إلى الأعلم، وذهب قوم من العلماء: إلى أن زيادة الإيمان ونقصه إنما هي من طريق الأدلة، فتزيد الأدلة عند واحد، فيقال في ذلك: إنها زيادة في الإيمان، وهذا كما يقال في الكسوة، إنها زيادة في الإيمان، وذهب أبو المعالي في الإرشاد: إلى أن زيادة الإيمان ونقصانه إنما هو بثبوت المعتقد وتعاوره دائبا، قال: وذلك أن الإيمان عرض وهو لا يثبت زمانين فهو للنبي صلى الله عليه وسلم وللصلحاء متعاقب متوال، وللفاسق والغافل غير متوال، يصحبه حينا ويفارقه حينا في الفترة، فذلك الآخر أكثر إيمانا، فهذه هي الزيادة والنقص وفي هذا القول نظر، وقوله تعالى: فزادهم إيماناً لا يتصور أن يكون من جهة الأدلة، ويتصور في الآية الجهات الأخر الثلاث، وروي أنه لما أخبر الوفد من عبد القيس رسول الله صلى الله عليه وسلم بما حملهم أبو سفيان، وأنه ينصرف إليهم بالناس ليستأصلهم، وأخبر بذلك أيضا أعرابي، شق ذلك على المسلمين فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: قولوا حسبنا اللّه ونعم الوكيل فقالوا واستمرت عزائمهم على الصبر ودفع الله عنهم كل سوء، وألقى الرعب في قلوب الكفار فمروا). [المحرر الوجيز: 2/422-423]

تفسير قوله تعالى: {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: فانقلبوا بنعمةٍ من اللّه وفضلٍ يريد في السلامة والظهور في اتباع العدو وحماية الحوزة، وبفضل في الأجر الذي حازوه والفضل الذي تجللوه، وباقي الآية بين قد مضت نظائره، هذا هو تفسير الجمهور لهذه الآية، وأنها غزوة- أحد- في الخرجة إلى حمراء الأسد وشذ مجاهد رحمه الله فقال:
إن هذه الآية من قوله: الّذين قال لهم النّاس إلى قوله: فضلٍ عظيمٍ إنما نزلت في خروج النبي عليه السلام إلى بدر الصغرى، وذلك أنه خرج لميعاد أبي سفيان في- أحد- إذ قال: موعدنا بدر من العام المقبل، فقال النبي عليه السلام: قولوا نعم: فخرج رسول الله قبل بدر وكان بها سوق عظيم، فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه دراهم وقرب من بدر فجاءه نعيم بن مسعود الأشجعي فأخبره أن قريشا قد اجتمعت وأقبلت لحربه هي ومن انضاف إليها، فأشفق المسلمون من ذلك لكنهم قالوا: حسبنا اللّه ونعم الوكيل، وصمموا حتى أتوا بدرا فلم يجدوا عدوا ووجدوا السوق فاشتروا بدراهمهم أدما وتجارة وانقلبوا ولم يلقوا كيدا وربحوا في تجارتهم، فذلك قوله تعالى: بنعمةٍ من اللّه وفضلٍ أي فضل في تلك التجارة، والصواب ما قاله الجمهور: إن هذه الآية نزلت في غزوة حمراء الأسد، وما قال ابن قتيبة وغيره:
من أن لفظة النّاس على رجل واحد من هذه الآية، فقول ضعيف). [المحرر الوجيز: 2/424]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: إنّما ذلكم الشّيطان يخوّف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين (175) ولا يحزنك الّذين يسارعون في الكفر إنّهم لن يضرّوا اللّه شيئاً يريد اللّه ألاّ يجعل لهم حظًّا في الآخرة ولهم عذابٌ عظيمٌ (176) إنّ الّذين اشتروا الكفر بالإيمان لن يضرّوا اللّه شيئاً ولهم عذابٌ أليمٌ (177)
مقتضى إنّما في اللغة الحصر، هذا منزع المتكلم بها من العرب، ثم إذا نظر مقتضاها- عقلا- وهذا هو نظر الأصوليين- فهي تصلح للحصر وللتأكيد الذي يستعار له لفظ الحصر، وهي في هذه الآية حاصرة، والإشارة ب ذلكم إلى جميع ما جرى من أخبار الركب العبديين، عن رسالة أبي سفيان ومن تحميل أبي سفيان ذلك الكلام، ومن جزع من ذلك الخبر من مؤمن أو متردد، وذلكم في الإعراب ابتداء، والشّيطان مبتدأ آخر، ويخوّف أولياءه خبر عن الشيطان، والجملة خبر الابتداء الأول، وهذا الإعراب خير في تناسق المعنى من أن يكون الشّيطان خبر ذلكم لأنه يجيء في المعنى استعارة بعيدة، ويخوّف فعل يتعدى إلى مفعولين، لكن يجوز الاقتصار على أحدهما إذ الآخر مفهوم من بنية هذا الفعل، لأنك إذا قلت: خوفت زيدا، فمعلوم ضرورة أنك خوفته شيئا حقه أن يخاف، وقرأ جمهور الناس يخوّف أولياءه فقال قوم المعنى: يخوفكم أيها المؤمنون أولياءه الذين هم كفار قريش، فحذف المفعول الأول وقال قوم: المعنى يخوف المنافقين ومن في قلبه مرض وهم أولياؤه، فإذا لا يعمل فيكم أيها المؤمنون تخويفه، إذ لستم بأوليائه، والمعنى: يخوفهم كفار قريش، فحذف هنا المفعول الثاني واقتصر على الأول، وقرأ ابن عباس فيما حكى أبو عمرو الداني «يخوفكم أولياءه» المعنى يخوفكم قريش ومن معهم، وذلك بإضلال الشيطان لهم وذلك كله مضمحل، وبذلك قرأ النخعي وحكى أبو الفتح بن جني عن ابن عباس أنه قرأ «يخوفكم أولياءه» فهذه قراءة ظهر فيها المفعولان، وفسرت قراءة الجماعة «يخوف أولياءه» قراءة أبي بن كعب «يخوفكم بأوليائه» والضمير في قوله فلا تخافوهم لكفار قريش وغيرهم من أولياء الشيطان، حقر الله شأنه وقوى نفوس المؤمنين عليهم، وأمرهم بخوفه هو تعالى وامتثال أمره، من الصبر والجلد، ثم قرر بقوله تعالى إن كنتم مؤمنين كما تقول: إن كنت رجلا فافعل كذا). [المحرر الوجيز: 2/424-425]

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 02:36 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 02:36 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {الّذين استجابوا للّه والرّسول من بعد ما أصابهم القرح} هذا كان يوم "حمراء الأسد"، وذلك أنّ المشركين لمّا أصابوا ما أصابوا من المسلمين كرّوا راجعين إلى بلادهم، فلمّا استمرّوا في سيرهم تندّموا لم لا تمّموا على أهل المدينة وجعلوها الفيصلة. فلمّا بلغ ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ندب المسلمين إلى الذّهاب وراءهم ليرعبهم ويريهم أنّ بهم قوّةً وجلدًا، ولم يأذن لأحدٍ سوى من حضر الوقعة يوم أحدٍ، سوى جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنه -لما سنذكره-فانتدب المسلمون على ما بهم من الجراح والإثخان طاعةً للّه [عزّ وجل] ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن يزيد، حدّثنا سفيان بن عيينة، عن عمرٍو، عن عكرمة قال: لمّا رجع المشركون عن أحدٍ قالوا: لا محمّدًا قتلتم، ولا الكواعب أردفتم، بئسما صنعتم، ارجعوا. فسمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فندب المسلمين فانتدبوا حتّى بلغ حمراء الأسد -أو: بئر أبي عيينة -الشّكّ من سفيان-فقال المشركون: نرجع من قابلٍ. فرجع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فكانت تعدّ غزوةً، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {الّذين استجابوا للّه والرّسول من بعد ما أصابهم القرح للّذين أحسنوا منهم واتّقوا أجرٌ عظيمٌ}
ورواه ابن مردويه من حديث محمّد بن منصورٍ، عن سفيان بن عيينة، عن عمرٍو، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ فذكره.
وقال محمّد بن إسحاق: كان يوم أحدٍ يوم السّبت النصف من شوّالٍ، فلمّا كان الغد من يوم الأحد لستّ عشرة ليلةً مضت من شوّالٍ، أذّن مؤذّن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في النّاس بطلب العدوّ، وأذّن مؤذّنه ألّا يخرج معنا أحدٌ إلّا أحدٌ حضر يومنا بالأمس. فكلّمه جابر بن عبد اللّه بن عمرو بن حرامٍ فقال: يا رسول اللّه، إنّ أبي كان خلّفني على أخواتٍ لي سبع وقال: يا بنيّ، إنّه لا ينبغي لي ولا لك أن نترك هؤلاء النّسوة لا رجل فيهنّ، ولست بالّذي أوثرك بالجهاد مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على نفسي، فتخلّف على أخواتك، فتخلّفت عليهنّ، فأذن له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فخرج معه. وإنّما خرج رسول اللّه مرهبا للعدوّ، وليبلغهم أنّه خرج في طلبهم ليظنّوا به قوّةً، وأنّ الّذي أصابهم لم يوهنهم عن عدوّهم.
قال ابن إسحاق: حدّثني عبد اللّه بن خارجة بن زيد بن ثابتٍ، عن أبي السّائب مولى عائشة بنت عثمان؛ أنّ رجلًا من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من بني عبد الأشهل، كان شهد أحدًا قال: شهدت أحدًا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنا وأخي فرجعنا جريحين، فلمّا أذّن مؤذّن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالخروج في طلب العدوّ، قلت لأخي -أو قال لي-: أتفوّتنا غزوةً مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ واللّه ما لنا من دابّة نركبها، وما منّا إلّا جريحٌ ثقيل، فخرجنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وكنت أيسر جراحًا منه، فكان إذا غلب حملته عقبة ومشى عقبة حتّى انتهينا إلى ما انتهى إليه المسلمون.
وقال البخاريّ: حدّثنا محمّد بن سلامٍ، حدّثنا أبو معاوية، عن هشامٍ، عن أبيه، عن عائشة رضي اللّه عنها: {الّذين استجابوا للّه والرّسول [من بعد ما أصابهم القرح للّذين أحسنوا منهم واتّقوا أجرٌ عظيمٌ]} قالت لعروة: يا ابن أختي، كان أبواك منهم الزّبير وأبو بكرٍ، رضي اللّه عنهما، لمّا أصاب نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ما أصابه يوم أحدٍ، وانصرف عنه المشركون، خاف أن يرجعوا فقال: "من يرجع في إثرهم؟ " فانتدب منهم سبعون رجلًا فيهم أبو بكرٍ والزّبير، رضي الله عنهما.
هكذا رواه البخاريّ منفردًا به، بهذا السّياق. وهكذا رواه الحاكم في مستدركه عن الأصم، عن العبّاس الدّوريّ، عن أبي النّضر، عن أبي سعيدٍ المؤدّب، عن هشام بن عروة، به، ثمّ قال: صحيحٌ ولم يخرّجاه. كذا قال.
ورواه أيضًا من حديث إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن البهيّ، عن عروة قال: قالت لي عائشة: يا بني، إنّ أباك من الّذين استجابوا للّه والرّسول من بعد ما أصابهم القرح. ثمّ قال: صحيحٌ على شرط الشّيخين، ولم يخرّجاه.
وروى ابن ماجه، عن هشام بن عمّارٍ، وهدبة بن عبد الوهّاب عن سفيان بن عيينة، عن هشام بن عروة به وهكذا رواه سعيد بن منصورٍ وأبو بكرٍ الحميديّ في مسنده عن سفيان، به.
وقال أبو بكر بن مردويه. حدّثنا عبد اللّه بن جعفرٍ من أصل كتابه، أنبأنا سمويه، أنبأنا عبد اللّه بن الزّبير، أنبأنا سفيان، أنبأنا هشامٌ، عن أبيه، عن عائشة قالت: قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إن كان أبواك لمن الّذين استجابوا لله والرّسول من بعد ما أصابهم القرح: أبو بكرٍ والزّبير، رضي اللّه عنهما".
ورفع هذا الحديث خطأٌ محضٌ من جهة إسناده، لمخالفته رواية الثّقات من وقفه على عائشة كما قدّمناه، ومن جهة معناه، فإنّ الزّبير ليس هو من آباء عائشة، وإنّما قالت عائشة لعروة بن الزّبير ذلك لأنّه ابن أختها أسماء بنت أبي بكرٍ الصّدّيق، رضي اللّه عنهم.
وقال ابن جريرٍ: حدّثني محمّد بن سعدٍ، حدّثني أبي، [حدّثني] عمي، حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ قال: إنّ اللّه قذف في قلب أبي سفيان الرّعب يوم أحدٍ بعد ما كان منه ما كان، فرجع إلى مكّة، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ أبا سفيان قد أصاب منكم طرفًا، وقد رجع، وقذف الله في قلبه الرّعب". وكانت وقعة أحدٍ في شوّالٍ، وكان التّجّار يقدمون المدينة في ذي القعدة، فينزلون ببدرٍ الصّغرى في كلّ سنةٍ مرة، وإنّهم قدموا بعد وقعة أحدٍ وكان أصاب المؤمنين القرح، واشتكوا ذلك إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، واشتدّ عليهم الّذي أصابهم. وإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ندب النّاس لينطلقوا معه، ويتّبعوا ما كانوا متّبعين، وقال: "إنّما يرتحلون الآن فيأتون الحجّ ولا يقدرون على مثلها حتّى عامٍ مقبلٍ". فجاء الشّيطان فخوّف أولياءه فقال: إنّ النّاس قد جمعوا لكم فأبى عليه النّاس أن يتبعوه، فقال: "إنّي ذاهبٌ وإن لم يتبعني أحدٌ". لأحضض النّاس، فانتدب معه أبو بكرٍ الصّدّيق، وعمر، وعثمان، وعليٌّ، والزّبير، وسعدٌ، وطلحة، وعبد الرّحمن بن عوفٍ، وعبد اللّه بن مسعودٍ، وحذيفة بن اليمان، وأبو عبيدة بن الجّرّاح في سبعين رجلًا فساروا في طلب أبي سفيان، فطلبوا حتّى بلغوا الصّفراء، فأنزل اللّه [عزّ وجلّ] {الّذين استجابوا للّه والرّسول من بعد ما أصابهم [القرح للّذين أحسنوا منهم واتّقوا أجرٌ عظيمٌ]} .
ثمّ قال ابن إسحاق: فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتى انتهى إلى حمراء الأسد، وهي من المدينة على ثمانية أميالٍ.
قال ابن هشامٍ: واستعمل على المدينة ابن أمّ مكتوم فأقام بها الاثنين والثّلاثاء والأربعاء، ثمّ رجع إلى المدينة. وقد مر به -كما حدّثني عبد اللّه بن أبي بكرٍ-معبد بن أبي معبد الخزاعيّ، وكانت خزاعة -مسلمهم ومشركهم-عيبة نصح لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بتهامة، صفقتهم معه، لا يخفون عنه شيئًا كان بها، ومعبدٌ يومئذٍ مشركٌ فقال: يا محمّد، أما واللّه لقد عزّ علينا ما أصابك في أصحابك، ولوددنا أنّ اللّه عافاك فيهم. ثمّ خرج ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بحمراء الأسد، حتّى لقي أبا سفيان بن حربٍ ومن معه بالرّوحاء، وقد أجمعوا الرّجعة إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه وقالوا: أصبنا حد أصحابه وقادتهم وأشرافهم، ثمّ نرجع قبل أن نستأصلهم.. لنكرّنّ على بقيّتهم فلنفرغنّ منهم. فلمّا رأى أبو سفيان معبدًا قال: ما وراءك يا معبد؟ قال: محمّدٌ قد خرج في أصحابه يطلبكم في جمع لم أر مثله قطّ، يتحرّقون عليكم تحرّقا، قد اجتمع معه من كان تخلّف عنه في يومكم، وندموا على ما صنعوا، فيهم من الحنق عليكم شيءٌ لم أر مثله قطّ. قال: ويلك. ما تقول؟ قال: واللّه ما أرى أن ترتحل حتّى ترى نواصي الخيل -قال: فواللّه لقد أجمعنا الكرّة عليهم لنستأصل بقيّتهم. قال: فإنّي أنهاك عن ذلك. وواللّه لقد حملني ما رأيت على أن قلت فيهم أبياتًا من شعرٍ، قال: وما قلت؟ قال: قلت:
كادت تهدّ من الأصوات راحلتي = إذ سالت الأرض بالجرد الأبابيل
تردى بأسدٍ كرامٍ لا تنابلة = عند اللّقاء ولا ميلٍ معازيل
فظلت عدوا أظنّ الأرض مائلةً = لمّا سموا برئيسٍ غير مخذول
فقلت: ويل ابن حرب من لقائكم = إذا تغطمطت البطحاء بالجيل
إنّي نذيرٌ لأهل البسل ضاحيةً = لكلّ ذي إربة منهم ومعقول
من جيش أحمد لا وخشٍ تنابلة = وليس يوصف ما أنذرت بالقيل
قال: فثنى ذلك أبا سفيان ومن معه.
ومرّ به ركبٌ من بني عبد القيس، فقال: أين تريدون؟ قالوا: نريد المدينة. قال: ولم؟ قالوا: بعكاظٍ إذ وافيتمونا قالوا: نعم. قال: فإذا وافيتموه فأخبروه أنّا قد أجمعنا المسير إليه وإلى أصحابه لنستأصل بقيّتهم، فمرّ الرّكب برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو بحمراء الأسد، فأخبروه بالّذي قال أبو سفيان وأصحابه، فقالوا: حسبنا اللّه ونعم الوكيل.
وذكر ابن هشامٍ عن أبي عبيدة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين بلغه رجوعهم: "والّذي نفسي بيده لقد سوّمت لهم حجارةٌ لو صبّحوا بها لكانوا كأمس الذّاهب".
وقال الحسن البصريّ [في قوله] {الّذين استجابوا للّه والرّسول من بعد ما أصابهم القرح} إنّ أبا سفيان وأصحابه أصابوا من المسلمين ما أصابوا ورجعوا، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ أبا سفيان قد رجع وقد قذف الله في قلبه [الرّعب] فمن ينتدب في طلبه؟ " فقام النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وأبو بكرٍ وعمر، وعثمان، وعليٌّ، وناسٌ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فاتّبعوهم، فبلغ أبا سفيان أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، يطلبه فلقي عيرًا من التّجّار فقال: ردّوا محمّدًا ولكم من الجعل كذا وكذا، وأخبروهم أنّي قد جمعت لهم جموعًا، وأنّني راجعٌ إليهم. فجاء التّجّار فأخبروا بذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {حسبنا اللّه ونعم الوكيل} فأنزل اللّه هذه الآية.
وهكذا قال عكرمة، وقتادة وغير واحدٍ: إنّ هذا السّياق نزل في شأن [غزوة] حمراء الأسد"، وقيل: نزلت في بدر الموعد، والصّحيح الأوّل). [تفسير القرآن العظيم: 2/165-168]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {الّذين قال لهم النّاس إنّ النّاس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانًا [وقالوا حسبنا اللّه ونعم الوكيل]} أي: الّذين توعّدهم النّاس [بالجموع] وخوّفوهم بكثرة الأعداء، فما اكترثوا لذلك، بل توكّلوا على اللّه واستعانوا به {وقالوا حسبنا اللّه ونعم الوكيل}
قال البخاريّ: حدّثنا أحمد بن يونس، أراه قال: حدّثنا أبو بكرٍ، عن أبي حصين، عن أبي الضّحى، عن ابن عبّاسٍ: {حسبنا اللّه ونعم الوكيل} قالها إبراهيم عليه السّلام حين ألقي في النّار وقالها محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم حين قالوا: {إنّ النّاس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانًا وقالوا حسبنا اللّه ونعم الوكيل}
وقد رواه النّسائيّ، عن محمّد بن إسماعيل بن إبراهيم وهارون بن عبد اللّه، كلاهما عن يحيى بن أبي بكير، عن أبي بكرٍ -وهو ابن عيّاشٍ-به. والعجب أنّ الحاكم [أبا عبد اللّه] رواه من حديث أحمد بن يونس، به، ثمّ قال: صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرّجاه.
ثمّ رواه البخاريّ عن أبي غسّان مالك بن إسماعيل، عن إسرائيل، عن أبي حصين، عن أبي الضّحى، عن ابن عبّاسٍ قال: كان آخر قول إبراهيم، عليه السّلام، حين ألقي في النّار: {حسبنا اللّه ونعم الوكيل}.
وقال عبد الرّزّاق: قال ابن عيينة: وأخبرني زكريّا، عن الشّعبي، عن عبد اللّه بن عمرٍو قال: هي كلمة إبراهيم عليه السّلام حين ألقي في البنيان. رواه ابن جريرٍ.
وقال أبو بكر بن مردويه: حدّثنا محمّد بن معمر، حدّثنا إبراهيم بن موسى الثّوريّ أخبرنا عبد الرّحيم بن محمّد بن زيادٍ السّكّريّ، أنبأنا أبو بكر بن عيّاشٍ، عن حميدٍ الطّويل، عن أنس بن مالكٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قيل له يوم أحدٍ: إنّ النّاس قد جمعوا لكم فاخشوهم. فأنزل اللّه هذه الآية.
وروى أيضًا بسنده عن محمّد بن عبيد اللّه الرّافعيّ، عن أبيه، عن جدّه أبي رافعٍ أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وجّه عليًّا في نفرٍ معه في طلب أبي سفيان، فلقيهم أعرابيٌّ من خزاعة فقال: إنّ القوم قد جمعوا لكم قالوا: حسبنا اللّه ونعم الوكيل. فنزلت فيهم هذه الآية.
ثمّ قال ابن مردويه: حدّثنا دعلج بن أحمد، أخبرنا الحسن بن سفيان، أنبأنا أبو خيثمة مصعب بن سعيدٍ، أنبأنا موسى بن أعين، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إذا وقعتم في الأمر العظيم فقولوا: حسبنا اللّه ونعم الوكيل".
هذا حديثٌ غريبٌ من هذا الوجه.
وقد قال الإمام أحمد: حدّثنا حيوة بن شريح وإبراهيم بن أبي العبّاس قالا حدّثنا بقيّة، حدّثنا بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن سيفٍ، عن عوف بن مالكٍ أنّه حدّثهم: أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قضى بين رجلين فقال المقضيّ عليه لما أدبر: حسبي اللّه ونعم الوكيل. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ردّوا عليّ الرّجل". فقال: "ما قلت؟ ". قال: قلت: حسبي الله ونعم الوكيل. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ اللّه يلوم على العجز، ولكن عليك بالكيس، فإذا غلبك أمرٌ فقل: حسبي اللّه ونعم الوكيل".
وكذا رواه أبو داود والنّسائيّ من حديث بقيّة عن بحير، عن خالدٍ، عن سيف -وهو الشّاميّ، ولم ينسب -عن عوف بن مالكٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، بنحوه.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا أسباطٌ، حدّثنا مطرّف، عن عطية، عن ابن عبّاسٍ [في قوله: {فإذا نقر في النّاقور} [المدّثّر: 8] قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته، يسمع متى يؤمر فينفخ". فقال أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: فما نقول ؟ قال: "قولوا: حسبنا اللّه ونعم الوكيل على اللّه توكّلنا".
وقد روي هذا من غير وجهٍ، وهو حديثٌ جيّدٌ وروّينا عن أمّ المؤمنين عائشة وزينب [بنت جحشٍ] رضي اللّه عنهما، أنّهما تفاخرتا فقالت زينب: زوجني اللّه وزوجكن أهاليكنّ وقالت عائشة: نزلت براءتي من السّماء في القرآن. فسلّمت لها زينب، ثمّ قالت: كيف قلت حين ركبت راحلة صفوان بن المعطّل؟ فقالت: قلت: حسبي اللّه ونعم الوكيل، فقالت زينب: قلت كلمة المؤمنين.
ولهذا قال تعالى: {فانقلبوا بنعمةٍ من اللّه وفضلٍ لم يمسسهم سوءٌ} ). [تفسير القرآن العظيم: 2/169-171]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقال ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ في قوله: {الّذين قال لهم النّاس إنّ النّاس قد جمعوا لكم فاخشوهم} قال: [هذا] أبو سفيان، قال لمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: موعدكم بدرٌ، حيث قتلتم أصحابنا. فقال محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم: "عسى". فانطلق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لموعده حتّى نزل بدرًا، فوافقوا السّوق فيها وابتاعوا فذلك قول اللّه عزّ وجلّ: {فانقلبوا بنعمةٍ من اللّه وفضلٍ لم يمسسهم سوءٌ [واتّبعوا رضوان اللّه واللّه ذو فضلٍ عظيمٍ]} قال: وهي غزوة بدرٍ الصّغرى.
رواه ابن جريرٍ. وروى [أيضًا] عن القاسم، عن الحسين، عن حجّاجٍ، عن ابن جريج قال: لمّا عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لموعد أبي سفيان، فجعلوا يلقون المشركين ويسألونهم عن قريشٍ، فيقولون قد جمعوا لكم يكيدونهم بذلك، يريدون أن يرعبوهم فيقول المؤمنون: {حسبنا اللّه ونعم الوكيل} حتّى قدموا بدرًا، فوجدوا أسواقها عافيةً لم ينازعهم فيها أحدٌ، قال: رجل من المشركين فأخبر أهل مكّة بخيل محمد، وقال في ذلك:
نفرت قلوصي من خيول محمّدٍ = وعجوةٍ منثورةٍ كالعنجد
واتّخذت ماء قديدٍ موعدي
ثمّ قال ابن جريرٍ: هكذا أنشدنا القاسم، وهو خطأٌ، وإنّما هو:
قد نفرت من رفقتي محمّدٍ = وعجوة من يثربٍ كالعنجد
تهوى على دين أبيها الأتلد = قد جعلت ماء قديدٍ موعدي
وماء ضجنان لها ضحى الغد). [تفسير القرآن العظيم: 2/171-173]

تفسير قوله تعالى: {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (قال تعالى: {فانقلبوا بنعمةٍ من اللّه وفضلٍ لم يمسسهم سوءٌ} أي: لمّا توكّلوا على اللّه كفاهم ما أهمّهم ورد عنهم بأس من أراد كيدهم، فرجعوا إلى بلدهم {بنعمةٍ من اللّه وفضلٍ لم يمسسهم سوءٌ} ممّا أضمر لهم عدوّهم {واتّبعوا رضوان اللّه واللّه ذو فضلٍ عظيمٍ}
قال البيهقيّ: أخبرنا أبو عبد اللّه الحافظ، حدّثنا أبو بكر بن داود الزّاهد، حدّثنا محمّد بن نعيم، حدّثنا بشر بن الحكم، حدّثنا مبشّر بن عبد اللّه بن رزين، حدّثنا سفيان بن حسينٍ، عن يعلى بن مسلمٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ في قول اللّه تعالى {فانقلبوا بنعمةٍ من اللّه وفضلٍ} قال: النّعمة أنّهم سلموا، والفضل أنّ عيرًا مرّت، وكان في أيّام الموسم، فاشتراها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فربح فيها مالًا فقسّمه بين أصحابه). [تفسير القرآن العظيم: 2/171]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى: {إنّما ذلكم الشّيطان يخوّف أولياءه} أي: يخوّفكم أولياءه، ويوهمكم أنّهم ذوو بأسٍ وذوو شدّةٍ، قال اللّه تعالى: {فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين} [أي: ف] إذا سوّل لكم وأوهمكم فتوكلوا علي والجؤوا إليّ، فأنا كافيكم وناصركم عليهم، كما قال تعالى: {أليس اللّه بكافٍ عبده ويخوّفونك بالّذين من دونه} إلى قوله: {قل حسبي اللّه عليه يتوكّل المتوكّلون} [الزّمر:36-38] وقال تعالى: {فقاتلوا أولياء الشّيطان إنّ كيد الشّيطان كان ضعيفًا} [النّساء:76] وقال تعالى: {أولئك حزب الشّيطان ألا إنّ حزب الشّيطان هم الخاسرون} [المجادلة:19] وقال تعالى: {كتب اللّه لأغلبنّ أنا ورسلي إنّ اللّه قويٌّ عزيزٌ} [المجادلة:21] وقال [تعالى] {ولينصرنّ اللّه من ينصره} [الحجّ:40] وقال تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا إن تنصروا اللّه ينصركم [ويثبّت أقدامكم]} [محمّدٍ:7] وقال تعالى: {إنّا لننصر رسلنا والّذين آمنوا في الحياة الدّنيا ويوم يقوم الأشهاد. يوم لا ينفع الظّالمين معذرتهم ولهم اللّعنة ولهم سوء الدّار} [غافر:51، 52] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/173]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:31 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة