العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الأنعام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 ربيع الثاني 1434هـ/26-02-2013م, 12:41 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير سورة الأنعام [ من الآية (31) إلى الآية (34) ]

{قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (31) وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (32) قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 20 ربيع الثاني 1434هـ/2-03-2013م, 11:57 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف


تفسير قوله تعالى: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (31)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قد خسر الّذين كذّبوا بلقاء اللّه حتّى إذا جاءتهم السّاعة بغتةً قالوا يا حسرتنا على ما فرّطنا فيها}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {قد خسر الّذين كذّبوا بلقاء اللّه} قد هلك ووكس في بيعهم الإيمان بالكفر، {الّذين كذّبوا بلقاء اللّه} يعني: الّذين أنكروا البعث بعد الممات والثّواب والعقاب والجنّة والنّار من مشركي قريشٍ ومن سلك سبيلهم في ذلك. {حتّى إذا جاءتهم السّاعة} يقول: {حتّى إذا جاءتهم السّاعة} الّتي يبعث اللّه فيها الموتى من قبورهم.
وإنّما أدخلت الألف واللاّم في (السّاعة)، لأنّها معروفة المعنى عند المخاطبين بها، وأنّها مقصودٌ بها قصد السّاعة الّتي وصفت.
ويعني بقوله: {بغتةً} فجأةً من غير علم من تفجؤه بوقت مفاجأتها إيّاه، يقال منه: بغتّه أبغته بغتةً: إذا أخذته، كذلك.
{قالوا يا حسرتنا على ما فرّطنا فيها} يقول تعالى ذكره: وكس الّذين كذّبوا بلقاء اللّه ببيعهم منازلهم من الجنّة بمنازل من اشتروا منازلهم من أهل الجنّة من النّار، فإذا جاءتهم السّاعة بغتةً قالوا إذا عاينوا ما باعوا وما اشتروا وتبيّنوا خسارة صفقة بيعهم الّتي سلفت منهم في الدّنيا تندّمًا وتلهّفًا على عظيم الغبن الّذي غبنوه أنفسهم، وجليل الخسران الّذي لا خسران أجلّ منه: {يا حسرتنا على ما فرّطنا فيها} يقول: يا ندامتنا على ما ضيّعنا فيها يعني في صفقتهم تلك.
والهاء والألف في قوله: {فيها} من ذكر الصّفقة، ولكن اكتفى بدلالة قوله: {قد خسر الّذين كذّبوا بلقاء اللّه} عليها من ذكرها، إذ كان معلومًا أنّ الخسران لا يكون إلاّ في صفقة بيعٍ قد خسرت.
وإنّما معنى الكلام: قد وكس الّذين كذّبوا بلقاء اللّه ببيعهم الإيمان الّذي يستوجبون به من اللّه رضوانه وجنّته بالكفر الّذي يستوجبون به منه سخطه وعقوبته، ولا يشعرون ما عليهم من الخسران في ذلك حتّى تقوم السّاعة، فإذا جاءتهم السّاعة بغتةً فرأوا ما لحقهم من الخسران في بيعهم قالوا حينئذٍ تندّمًا: {يا حسرتنا على ما فرّطنا فيها}.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {يا حسرتنا على ما فرّطنا} فيها أمّا {يا حسرتنا}: فندامتنا على ما فرّطنا فيها فضيّعنا من عمل الجنّة.
- حدّثنا محمّد بن عمارة الأسديّ، قال: حدّثنا يزيد بن مهران، قال: حدّثنا أبو بكر بن عيّاشٍ، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ، عن النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم-، في قوله: {يا حسرتنا} قال: يرى أهل النّار منازلهم من الجنّة فيقولون: يا حسرتنا). [جامع البيان: 9/ 214-215]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون}.
يقول تعالى ذكره: وهؤلاء الّذين كذّبوا بلقاء اللّه {يحملون أوزارهم على ظهورهم}، وقوله: {وهم} من ذكرهم. {يحملون أوزارهم} يقول: آثامهم وذنوبهم، واحدها وزرٌ، يقال منه: وزر الرّجل يزر: إذا أثم، فإن أريد أنّهم أثموا قيل: قد وزر القوم فهم يوزرون وهم موزورون.
وقد زعم بعضهم أنّ الوزر: الثّقل والحمل. ولست أعرف ذلك كذلك في شاهدٍ ولا من رواية ثقةٍ عن العرب.
وقال تعالى ذكره: {على ظهورهم} لأنّ الحمل قد يكون على الرّأس والمنكب وغير ذلك، فبيّن موضع حملهم ما يحملون من ذلك، وذكر أنّ حملهم أوزارهم يومئذٍ على ظهورهم نحو الّذي:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا الحكم بن بشير بن سلمان، قال: حدّثنا عمرو بن قيسٍ الملائيّ، قال: إنّ المؤمن إذا خرج من قبره استقبله عمله في أحسن صورةٍ وأطيبه ريحًا، فيقول له: هل تعرفني؟ فيقول: لا، إلاّ أنّ اللّه قد طيّب ريحك وحسّن صورتك فيقول: كذلك كنت في الدّنيا، أنا عملك الصّالح، طالما ركبتك في الدّنيا فاركبني أنت اليوم، وتلا: {يوم نحشر المتّقين إلى الرّحمن وفدًا}. وإنّ الكافر يستقبله أقبح شيءٍ صورةً وأنتنه ريحًا، فيقول: هل تعرفني؟ فيقول: لا، إلاّ أنّ اللّه قد قبّح صورتك وأنتن ريحك. فيقول: كذلك كنت في الدّنيا، أنا عملك السّيّئ، طالما ركبتني في الدّنيا فأنا اليوم أركبك، وتلا: {وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون}.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم} قال: ليس من رجلٍ ظالمٍ يموت فيدخل قبره إلاّ جاء رجلٌ قبيح الوجه أسود اللّون منتن الرّيح عليه ثيابٌ دنسةٌ، حتّى يدخل معه قبره، فإذا رآه قال له: ما أقبح وجهك قال: كذلك كان عملك قبيحًا. قال: ما أنتن ريحك قال: كذلك كان عملك منتنًا. قال: ما أدنس ثيابك قال: فيقول: إنّ عملك كان دنسًا. قال: من أنت؟ قال: أنا عملك. قال: فيكون معه في قبره فإذا بعث يوم القيامة قال له: إنّي كنت أحملك في الدّنيا باللّذّات والشّهوات، فأنت اليوم تحملني. قال: فيركب على ظهره فيسوقه حتّى يدخله النّار، فذلك قوله: {يحملون أوزارهم على ظهورهم}.
وأمّا قوله تعالى: {ألا ساء ما يزرون} فإنّه يعني: ألا ساء الوزر الّذي يزرون: أي الإثم الّذي يأثمونه بكفرهم بربّهم.
- كما حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {ألا ساء ما يزرون} قال: ساء ما يعملون). [جامع البيان: 9/ 216-217]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({قد خسر الّذين كذّبوا بلقاء اللّه حتّى إذا جاءتهم السّاعة بغتةً قالوا يا حسرتنا على ما فرّطنا فيها وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون (31)}
قوله: {قد خسر الّذين كذّبوا بلقاء اللّه}
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن يزيد المقرئ، ثنا سفيان، عن سهيل بن أبي صالحٍ، عن أبيه، عن أبي هريرة يبلغ به النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال: يلقى العبد يوم القيامة، فيقول: أي فل. ألم أكرمك وأسوّدك وأزوّجك، وأسخّر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتربع، فظننت أنّك ملاقيّ؟ فيقول: لا. فيقول: فإنّي أنساك كما نسيتني.
قوله: {حتّى إذا جاءتهم السّاعة}.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو عونٍ الزّياديّ، حدّثني إبراهيم بن طهمان، حدّثني محمّد بن زيادٍ،، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «تقوم السّاعة على رجلٍ أكلته في فيه يلوكها ولا يسيغها ولا يلفظها، وعلى رجلين قد نشرا بينهما ثوبًا يتبايعانه، فلا يطويانه ولا يبتاعانه».
- حدّثني أ
بي، ثنا أبو سلمة موسى بن إسماعيل، ثنا حمّادٌ، عن عليّ بن الحكم، عن عكرمة أنّه قال: لا تقوم السّاعة حتّى ينادي منادٍ: يا أيّها النّاس. أتتكم السّاعة، أتتكم السّاعة، أتتكم السّاعة. ثلاثًا.
عن الأعمش،، عن أبي سعيدٍ قال: قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «يا حسرتنا» قال: «الحسرة يرى أهل النّار منازلهم من الجنّة في الجنّة» قال: «فهي الحسرة».
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجابٌ، أنا بشر،، عن أبي روقٍ،، عن الضّحّاك،، عن ابن عبّاسٍ في قوله: يا حسرةً قال: النّدامة.
قوله: {على ما فرّطنا فيها}.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ،، عن السّدّيّ قوله: على ما فرّطنا فيها، أمّا فرّطنا فضيّعنا من عمل الجنّة.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو إبراهيم الأسديّ، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ،، عن مجاهدٍ: يا حسرةً قال: كانت عليهم حسرةً استهزاؤهم بالرّسل.
قوله: {وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون}.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو خالدٍ، عن عمرو بن قيسٍ، عن أبي مرزوقٍ قال: ويستقبل الكافر أو الفاجر عند خروجه من قبره كأقبح صورةٍ رآها، وأنتنها ريحًا، فيقول: من أنت؟ فيقول: أو ما تعرفني؟ فيقول: لا، ألا إنّ اللّه قد قبّح وجهك، ونتّن ريحك. فيقول: أنا عملك الخبيث، هكذا كنت في الدّنيا خبيث العمل منتنه، قال: فطالما ركبتني في الدّنيا هلمّ أركبك. فهو قوله: وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ،، عن السّدّيّ قوله: يحملون أوزارهم على ظهورهم، فإنّه ليس من رجلٍ ظالمٍ يموت، فيدخل قبره إلا جاءه رجلٌ قبيح الوجه أسود اللّون، منتن الرّيح، عليه ثيابٌ دنسةٌ، حتّى يدخل معه قبره، فإذا رآه قال له: ما أقبح وجهك، قال: كذلك كان عملك قبيحًا. قال: ما أنتن ريحك. قال: كذلك كان عملك منتنًا، قال: ما أدنس ثيابك قال: فيقول: إنّ عملك كان دنسًا. قال له: من أنت؟ قال: أنا عملك. قال: فيكون معه في قبره، فإذا بعث يوم القيامة قال له: إنّي كنت أحملك في الدّنيا باللّذّات والشّهوات، وأنت اليوم تحملني. قال فيركب على ظهره، فيسوقه حتّى يدخله النّار. فذلك قوله: يحملون أوزارهم على ظهورهم.
قوله: {ألا ساء ما يزرون}.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنا عبد الرّزّاق،، عن معمرٍ،، عن قتادة، في قوله: ألا ساء ما يزرون قال: ما يعملون). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1280-1281]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: الحسرة الندامة.
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ، وابن مردويه والخطيب بسند صحيح عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قوله: {يا حسرتنا}، قال:« الحسرة أن يرى أهل النار منازلهم من الجنة في الجنة فتلك الحسرة».
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {يا حسرتنا} قال: ندامتنا {على ما فرطنا فيها} قال: ضيعنا من عمل الجنة {وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم} قال: ليس من رجل ظالم يموت فيدخل قبره إلا جاءه رجل قبيح الوجه أسود اللون منتن الريح عليه ثياب دنسة حتى يدخل معه القبر فإذا رآه قال له: ما أقبح وجهك قال: كذلك كان عملك قبيحا، قال: ما أنتن ريحك قال: كذلك كان عملك منتنا، قال: ما أدنس ثيابك فيقول: إن عملك كان دنسا، قال: من أنت قال: أنا عملك، قال: فيكون معه في قبره فإذا بعث يوم القيامة قال له: إني كنت أحملك الدنيا باللذات والشهوات فأنت اليوم تحملني فيركب على ظهره فيسوقه حتى يدخله النار فذلك قوله: {يحملون أوزارهم على ظهورهم}.
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن عمرو بن قيس الملائي قال: إن المؤمن إذا خرج من قبره استقبله عمله في أحسن صورة وأطيب ريحا فيقول له: هل تعرفني فيقول: لا إلا أن الله قد طيب ريحك وحسن صورتك، فيقول: كذلك كنت في الدنيا أنا عملك الصالح طالما ركبتك في الدنيا فاركبني أنت اليوم وتلا {يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا} [مريم: 85]، وإن الكافر يستقبله أقبح شيء صورة وأنتنه ريحا فيقول: هل تعرفني فيقول: لا إلا أن الله قد قبح صورتك ونتن ريحك، فيقول: كذلك كنت في الدنيا أنا عملك السيء طالما ركبتني في الدنيا فأنا اليوم أركبك وتلا {وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون}.
- وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عمرو بن قيس عن أبي مرزوق، مثله.
- وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {ألا ساء ما يزرون} قال: ما يعملون). [الدر المنثور: 6/ 38-39]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (32)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وما الحياة الدّنيا إلاّ لعبٌ ولهوٌ وللدّار الآخرة خيرٌ للّذين يتّقون أفلا تعقلون}.
وهذا تكذيبٌ من اللّه تعالى ذكره هؤلاء الكفّار المنكرين البعث بعد الممات في قولهم: {إن هي إلاّ حياتنا الدّنيا وما نحن بمبعوثين}. يقول تعالى ذكره مكذّبًا لهم في قيلهم ذلك: {ما الحياة الدّنيا} أيّها النّاس، {إلاّ لعبٌ ولهوٌ} يقول: ما باغي لذّات الحياة الّتي أدنيت لكم وقرّبت منكم في داركم هذه ونعيمها وسرورها فيها، والمتلذّذ بها والمنافس عليها، إلاّ في لعبٍ ولهو لأنّها عمّا قليلٍ تزول عن المستمتع بها والمتلذّذ فيها بملاذّها، أو تأتيه الأيّام بفجائعها وصروفها فتمرّ عليه وتكدر كاللاّعب اللاّهي الّذي يسرع اضمحلال لهوه ولعبه عنه، ثمّ يعقبه منه ندمًا ويورثه منه ترحًا. يقول: لا تغترّوا أيّها النّاس بها، فإنّ المغترّ بها عمّا قليلٍ يندم.
{وللدّار الآخرة خيرٌ للّذين يتّقون} يقول: وللعمل بطاعته والاستعداد للدّار الآخرة بالصّالح من الأعمال الّتي تبقى منافعها لأهلها ويدوم سرور أهلها فيها، خيرٌ من الدّار الّتي تفنى فلا يبقى لعمّالها فيها سرورٌ، ولا يدوم لهم فيها نعيمٌ. {للّذين يتّقون} يقول: للّذين يخشون اللّه فيتّقونه بطاعته واجتناب معاصيه والمسارعة إلى رضاه. {أفلا تعقلون} يقول: أفلا يعقل هؤلاء المكذّبون بالبعث حقيقة ما نخبرهم به من أنّ الحياة الدّنيا لعبٌ ولهوٌ، وهم يرون من يخترم منهم، ومن يملك فيموت، ومن تنوبه فيها النّوائب وتصيبه المصائب وتفجعه الفجائع؟ ففي ذلك لمن عقل مدّكرٌ ومزدجرٌ عن الرّكون إليها واستعباد النّفس لها، ودليلٌ واضحٌ على أنّ لها مدبّرًا ومصرّفًا يلزم الخلق إخلاص العبادة له بغير إشراك شيءٍ سواه معه). [جامع البيان: 9/ 218]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وما الحياة الدّنيا إلّا لعبٌ ولهوٌ وللدّار الآخرة خيرٌ للّذين يتّقون أفلا تعقلون (32) }
قوله: {وما الحياة الدّنيا إلا لعبٌ ولهوٌ}،
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا شبابة، ثنا ورقاء قال: زعم عبد اللّه بن أبي نجيحٍ، عن إبراهيم بن أبي بكرٍ، عن مجاهدٍ قال: اللّهو هو: الطّبل.
قوله: {وللدار الآخرة خير ... الآية}.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ،، عن عليّ بن أبي طلحة،، عن ابن عبّاسٍ قوله: {وللدّار الآخرة خيرٌ} يقول: باقيةٌ.
- حدّثنا أبي، ثنا الهيثم بن يمانٍ، ثنا إسماعيل بن زكريّا، حدّثني محمّد بن عونٍ الخراسانيّ،، عن عكرمة قوله: {وللدّار الآخرة}، يقول: الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1282]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال: كل لعب لهو). [الدر المنثور: 6/ 40]

تفسير قوله تعالى: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33)}

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة، في قوله تعالى:{ ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون}، قال: يعلمون أنك رسول ولكنهم يجحدون قال وأما قوله تعالى فإن استطعت أن تبتغى نفقا في الأرض قال سربا أو سلما في السماء يعني الدرج). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 207]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( قوله تعالى: {قد نعلم إنّه ليحزنك الّذي يقولون فإنّهم لا يكذّبونك ولكنّ الظّالمين بآيات الله يجحدون}
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو معشر، عن محمّد بن كعبٍ، أنّه كان يقرأ: {فإنّهم لا يكذّبونك} . قال: قال: (لا يبطلون) ما في يديك.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا أبو محمّدٍ مولى قريشٍ، عن عبّاد بن الرّبيع، عن عليٍّ - رضي اللّه عنه -، قال: كان يقرأ: {فإنّهم لا يكذبونك} خفيفة).[سنن سعيد بن منصور: 5/ 16-17]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا معاوية بن هشامٍ، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن ناجية بن كعبٍ، عن عليٍّ: أنّ أبا جهلٍ، قال للنّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم-: إنّا لا نكذّبك، ولكن نكذّب بما جئت به، فأنزل اللّه: {فإنّهم لا يكذّبونك ولكنّ الظّالمين بآيات الله يجحدون}.
حدّثنا إسحاق بن منصورٍ، قال: أخبرنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن ناجية، أنّ أبا جهلٍ قال للنّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم-، فذكر، نحوه، ولم يذكر فيه عن عليٍّ، وهذا أصحّ). [سنن الترمذي: 5/ 111]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قد نعلم إنّه ليحزنك الّذي يقولون فإنّهم لا يكذّبونك ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ -صلّى اللّه عليه وسلّم-: قد نعلم يا محمّد إنّه ليحزنك الّذي يقول المشركون، وذلك قولهم له: إنّه كذّابٌ، فإنّهم لا يكذّبونك.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته جماعةٌ: (لا يكذبونك) بالتّخفيف، بمعنى: أنّهم لا يكذّبونك فيما أتيتهم به من وحي اللّه، ولا يدفعون أن يكون ذلك صحيحًا بل يعلمون صحّته، ولكنّهم يجحدون حقيقته قولاً فلا يؤمنون به.
وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يحكي عن العرب أنّهم يقولون: أكذبت الرّجل: إذا أخبرت أنّه جاء بالكذب ورواه. قال: ويقولون: كذبته: إذا أخبرت أنّه كاذبٌ.
وقرأته جماعةٌ من قرّاء المدينة والعراقيّين والكوفة والبصرة: {فإنّهم لا يكذّبونك} بمعنى: أنّهم لا يكذّبونك علمًا، بل يعلمون أنّك صادقٌ، ولكنّهم يكذّبونك قولاً، عنادًا وحسدًا.
والصّواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إنّهما قراءتان مشهورتان قد قرأ بكلّ واحدةٍ منهما جماعةٌ من القرّاء، ولكلّ واحدةٍ منهما في الصّحّة مخرجٌ مفهومٌ، وذلك أنّ المشركين لا شكّ أنّه كان منهم قومٌ يكذّبون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ويدفعونه عمّا كان اللّه تعالى خصّه به من النّبوّة، فكان بعضهم يقول: هو شاعرٌ، وبعضهم يقول: هو كاهنٌ، وبعضهم يقول: هو مجنونٌ، وينفي جميعهم أن يكون الّذي أتاهم به من وحي السّماء ومن تنزيل ربّ العالمين قولاً. وكان بعضهم قد تبيّن أمره وعلم صحّة نبوّته، وهو في ذلك يعاند ويجحد نبوّته حسدًا له وبغيًا.
فالقارئ {فإنّهم لا يكذبونك} يعني به: أنّ الّذين كانوا يعرفون حقيقة نبوّتك وصدق قولك فيما تقول، يجحدون أن يكون ما تتلوه عليهم من تنزيل اللّه ومن عند اللّه قولاً، وهم يعلمون أنّ ذلك من عند اللّه علمًا صحيحًا مصيبٌ، لما ذكرنا من أنّه قد كان فيهم من هذه صفته.
وفي قول اللّه تعالى في هذه السّورة: {الّذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} أوضح الدّليل على أنّه قد كان فيهم العناد في جحود نبوّته صلّى اللّه عليه وسلّم، مع علمٍ منهم به وصحّة نبوّته.
وكذلك القارئ {فإنّهم لا يكذّبونك} يعني: أنّهم لا يكذّبون رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- إلاّ عنادًا لا جهلاً بنبوّته وصدق لهجته مصيبٌ، لما ذكرنا من أنّه قد كان فيهم من هذه صفته.
وقد ذهب إلى كلّ واحدٍ من هذين التّأويلين جماعةٌ من أهل التّأويل.
ذكر من قال: معنى ذلك: فإنّهم لا يكذّبونك، ولكنّهم يجحدون الحقّ على علمٍ منهم بأنّك نبيّ للّه صادقٌ.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن أبي صالحٍ، في قوله: {قد نعلم إنّه ليحزنك الّذي يقولون فإنّهم لا يكذّبونك}، قال: جاء جبريل إلى النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- ذات يومٍ وهو جالسٌ حزينٌ، فقال له: ما يحزنك؟ فقال: كذّبني هؤلاء قال: فقال له جبريل: إنّهم لا يكذّبونك، هم يعلمون أنّك صادقٌ، {ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا أبو معاوية، عن إسماعيل، عن أبي صالحٍ قال: جاء جبريل إلى النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- وهو جالسٌ حزينٌ، فقال له: ما يحزنك؟ فقال: كذّبني هؤلاء فقال له جبريل: إنّهم لا يكذّبونك، إنّهم ليعلمون أنّك صادقٌ، {ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون}.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون} قال: يعلمون أنّك رسول اللّه ويجحدون.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، في قوله: {قد نعلم إنّه ليحزنك الّذي يقولون فإنّهم لا يكذّبونك ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون}:
لمّا كان يوم بدرٍ قال الأخنس بن شريقٍ لبني زهرة: يا بني زهرة، إنّ محمّدًا ابن أختكم، فأنتم أحقّ من كفّ عنه، فإنّه إن كان نبيًّا لم تقاتلونه اليوم؟ وإن كان كاذبًا كنتم أحقّ من كفّ عن ابن أخته، قفوا ههنا حتّى ألقى أبا الحكم، فإن غلب محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم رجعتم سالمين، وإن غلب محمّدٌ فإنّ قومكم لا يصنعون بكم شيئًا، فيومئذٍ سمّي الأخنس، وكان اسمه أبيًّا. فالتقى الأخنس وأبو جهلٍ، فخلا الأخنس بأبي جهلٍ، فقال: يا أبا الحكم، أخبرني عن محمّدٍ أصادقٌ هو أم كاذبٌ؟ فإنّه ليس ههنا من قريشٍ أحدٌ غيري وغيرك يسمع كلامنا. فقال أبو جهلٍ: ويحك، واللّه إنّ محمّدًا لصادقٌ، وما كذب محمّدٌ قطّ، ولكن إذا ذهب بنو قصيٍّ باللّواء والحجابة والسّقاية والنّبوّة، فماذا يكون لسائر قريشٍ؟ فذلك قوله: {فإنّهم لا يكذّبونك ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون}، فآيات اللّه محمّدٌ -صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثني الحرث بن محمّدٍ، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا قيسٌ، عن سالمٍ الأفطس، عن سعيد بن جبيرٍ: {فإنّهم لا يكذّبونك} قال: ليس يكذّبون محمّدًا، {ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون}.
ذكر من قال ذلك بمعنى: {فإنّهم لا يكذّبونك}، ولكنّهم يكذّبون ما جئت به.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، قال: حدّثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن ناجية قال: قال أبو جهلٍ للنّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم-: ما نتّهمك، ولكن نتّهم الّذي جئت به. فأنزل اللّه تعالى: {فإنّهم لا يكذّبونك ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا يحيى بن آدم، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن ناجية بن كعبٍ، أنّ أبا جهلٍ قال للنّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم-: إنّا لا نكذّبك، ولكن نكذّب الّذي جئت به فأنزل اللّه تعالى: {فإنّهم لا يكذّبونك ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون}.
وقال آخرون: معنى ذلك: فإنّهم لا يبطلون ما جئتهم به.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا إسحاق بن سليمان، عن أبي معشرٍ، عن محمّد بن كعبٍ: {فإنّهم لا يكذّبونك} قال: لا يبطلون ما في يديك.
وأمّا قوله: {ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون}، فإنّه يقول: ولكنّ المشركين باللّه بحجج اللّه وآي كتابه ورسوله يجحدون، فينكرون صحّة ذلك كلّه.
وكان السّدّيّ يقول: الآيات في هذا الموضع معنيّ بها محمّدٌ -صلّى اللّه عليه وسلّم-، وقد ذكرنا الرّواية بذلك عنه قبل).[جامع البيان: 9/ 219-223]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({قد نعلم إنّه ليحزنك الّذي يقولون فإنّهم لا يكذّبونك ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون (33) }
قوله: {قد نعلم إنّه ليحزنك الذي يقولون}
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن فضيلٍ البزّاز نزيل مكّة، ثنا معاوية بن هشامٍ، ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن ناجية بن كعبٍ، عن عليٍّ: قال أبو جهلٍ للنّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم-: إنّا لا نكذّبك، ولكن نكذّب بما جئت به. فأنزل اللّه تعالى:
{فإنّهم لا يكذّبونك ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون}.
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ، ثنا ابن مهديٍّ، ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن ناجية بن كعبٍ قال: قال أبو جهلٍ: فذكر نحوه، ولم يذكر في الإسناد على.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث أنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {لا يكذبونك} مخفّفٌ. قال: وكذلك كان يقرؤها، قال: لا يقدرون على ألا تكون رسولا، ولا على ألا يكون القرآن قرآنًا. فأمّا أن يكذّبوك بألسنتهم فهم يكذّبونك وذلك الكذاب وهو التّكذيب.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو يحيى الرّازيّ، سمعت أبا معشرٍ، عن محمّد بن كعبٍ أنّه كان يقرؤها: {فإنّهم لا يكذبونك} بالتّخفيف يقول: لا يبطلون ما في يديك.
- حدّثنا أبي، ثنا عليّ بن هاشم بن مرزوقٍ، ثنا ابن عيينة، عن سالم بن أبي حفصةٍ قال: قرأ عليّ بن أبي طالبٍ: {فإنّهم لا يكذّبونك} قال: لا يجيئون بحقٍّ هو أحقّ من حقّك. وقرأ: وكذّب به قومك وهو الحقّ.
- حدّثنا محمّد بن الوزير الواسطيّ بمكّة، ثنا بشر بن المبشّر الواسطيّ، عن سلام بن مسكينٍ، عن أبي يزيد المدنيّ أنّ النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- لقي أبا جهلٍ فصافحه. فقال له رجلٌ: ألا أراك تصافح هذا الصّابئ. فقال: واللّه إنّي لأعلم أنّه لنبيٌّ، ولكن متى كنّا لبني عبد منافٍ تبعًا؟ فتلا أبو يزيد: {فإنّهم لا يكذّبونك ... الآية}.
قوله -عزّ وجلّ: {ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون}.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: {ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون} وآيات اللّه: هو محمّدٍ -صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع أنا عبد الرّزّاق، أنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون} يقول: يعلمون أنّك رسول اللّه ويجحدون.
قوله: {يجحدون}.
- حدّثنا أبي، ثنا عليّ بن نصرٍ، ثنا عمرٌو يعني: ابن عاصمٍ، ثنا أبو الأشهب قال: قرأ رجلٌ عند الحسن: فإنّهم لا يكذّبونك خفيفةً. قال الحسن: فإنّهم لا يكذبونك. وقال: إنّ القوم قد عرفوه، ولكنّهم جحدوا بعد المعرفة).[تفسير القرآن العظيم: 4/ 1282-1283]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثني أبو بكرٍ محمّد بن عبد اللّه الحفيد، ثنا الحسين بن الفضل، ثنا محمّد بن سابقٍ، ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن ناجية بن كعبٍ الأسديّ، عن عليٍّ رضي اللّه عنه، قال: «قال أبو جهلٍ للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: " قد نعلم يا محمّد أنّك تصل الرّحم، وتصدق الحديث، ولا نكذّبك، ولكن نكذّب الّذي جئت به. فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {قد نعلم إنّه ليحزنك الّذي يقولون فإنّهم لا يكذّبونك ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون}» «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرجاه»).[المستدرك: 2/ 345]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت) علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: أنّ أبا جهل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا لا نكذّبك ولكن نكذّب بما جئت به، فأنزل الله فيهم: {فإنّهم لا يكذّبونك، ولكنّ الظالمين بآيات اللّه يجحدون}. أخرجه الترمذي [من طريقين]).[جامع الأصول: 2/ 131-132]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {فإنّهم لا يكذّبونك}
- عن ابن عبّاسٍ في قوله تعالى: {فإنّهم لا يكذبونك} مخفّفةً، وكذلك كانوا يقرؤونها، قال: لا يقدرون على أن لا يكون رسولًا، ولا على أن لا يكون القرآن قرآنًا، فأمّا أن يكذبوك بألسنتهم فهم يكذّبونك، وذاك الإكذاب وذاك التّكذيب.
رواه الطّبرانيّ، وفيه بشر بن عمارة، وهو ضعيفٌ).
[مجمع الزوائد: 7/ 20]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : ( أخرج الترمذي، وابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه والحاكم وصححه والضياء في المختارة، عن علي، قال: «قال أبو جهل للنبي -صلى الله عليه وسلم-: إنا لا نكذبك ولكن نكذب بما جئت به فأنزل الله: {فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون}».
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي يزيد المدني أن النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- لقي أبا جهل فجعل أبو جهل يلاطفه ويسائله فمر به بعض شياطينه فقال: أتفعل هذا قال: أي والله إني لأفعل به هذا وإني لأعلم أنه صادق ولكن متى كنا تبعا لبني عبد مناف وتلا أبو يزيد {فإنهم لا يكذبونك ... الآية}.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن مردويه عن أبي ميسرة قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي جهل فقال: والله يا محمد ما نكذبك إنك عندنا لمصدق ولكنا نكذب بالذي جئت به فأنزل الله {فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون}
- وأخرج ابن جرير عن أبي صالح في الآية قال: جاء جبريل إلى النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- وهو جالس حزين فقال له: ما يحزنك فقال كذبني هؤلاء، فقال له جبريل: إنهم لا يكذبونك إنهم ليعلمون إنك صادق {ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون}.
- وأخرج أبو الشيخ عن أبي صالح قال: كان المشركون إذا رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قال بعضهم لبعض فيما بينهم: إنه لنبي فنزلت هذه الآية: {قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون}.
- وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والضياء عن علي بن أبي طالب، أنه قرأ (فإنهم لا يكذبون) خفيفة قال: لا يجيؤن بحق هو أحق من حقك.
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ والطبراني عن ابن عباس، أنه قرأ (فإنهم لا يكذبونك) مخففة قال: لا يقدرون على أن لا تكون رسولا وعلى أن لا يكون القرآن قرآنا فأما أن يكذبونك بألسنتهم فهم يكذبونك فذاك إلا كذاب وهذا التكذيب
- وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن كعب، أنه كان يقرؤها (فإنهم لا يكذبونك) بالتخفيف، يقول: لا يبطلون ما في يديك.
- وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون} قال: يعلمون إنك رسول الله ويجحدون.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن، أنه قرأ عنده رجل (فإنهم لا يكذبونك)
خفيفة فقال الحسن {فإنهم لا يكذبونك} وقال: إن القوم قد عرفوه ولكنهم جحدوا بعد المعرفة).[الدر المنثور: 6/ 40-42]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولقد كذّبت رسلٌ من قبلك فصبروا على ما كذّبوا وأوذوا حتّى أتاهم نصرنا ولا مبدّل لكلمات اللّه ولقد جاءك من نبإ المرسلين}.
وهذا تسليةٌ من اللّه تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ -صلّى اللّه عليه وسلّم-، وتعزيةٌ له عمّا ناله من المساءة بتكذيب قومه إيّاه على ما جاءهم به من الحقّ من عند اللّه.
يقول تعالى ذكره: إن يكذّبك يا محمّد هؤلاء المشركون من قومك، فيجحدوا نبوّتك، وينكروا آيات اللّه أنّها من عنده، فلا يحزنك ذلك، واصبر على تكذيبهم إيّاك وما تلقى منهم من المكروه في ذات اللّه، حتّى يأتي نصر اللّه، فقد كذّبت رسلٌ من قبلك أرسلتهم إلى أممهم فنالوهم بمكروهٍ، فصبروا على تكذيب قومهم إيّاهم ولم يثنهم ذلك من المضيّ لأمر اللّه الّذي أمرهم به من دعاء قومهم إليه، حتّى حكم اللّه بينهم وبينهم. {ولا مبدّل لكلمات اللّه}: ولا مغيّر لكلمات اللّه وكلماته تعالى: ما أنزل اللّه إلى نبيّه محمّدٍ -صلّى اللّه عليه وسلّم- من وعده إيّاه النّصر على من خالفه وضادّه، والظّفر على من تولّى عنه وأدبر.
{ولقد جاءك من نبإ المرسلين} يقول: ولقد جاءك يا محمّد من خبر من كان قبلك من الرّسل وخبر أممهم، وما صنعت بهم حين جحدوا آياتي وتمادوا في غيّهم وضلالهم، أنباءٌ. وترك ذكر (أنباءٍ) لدلالة (من) عليها، يقول تعالى ذكره: فانتظر أنت أيضًا من النّصرة والظّفر مثل الّذي كان منّي كان قبلك من الرّسل، إذ كذّبهم قومك، واقتد بهم في صبرهم على ما لقوا من قومهم.
وبنحو ذلك تأوّل من تأوّل هذه الآية من أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ولقد كذّبت رسلٌ من قبلك فصبروا على ما كذّبوا}، يعزّي نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم كما تسمعون، ويخبره أنّ الرّسل قد كذّبت قبله فصبروا على ما كذّبوا حتّى حكم اللّه وهو خير الحاكمين.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا أبو زهيرٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: {ولقد كذّبت رسلٌ من قبلك}، قال: يعزّي نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {ولقد كذّبت رسلٌ من قبلك ... الآية} قال: يعزّي نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم). [جامع البيان: 9/ 223-225]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({ولقد كذّبت رسلٌ من قبلك فصبروا على ما كذّبوا وأوذوا حتّى أتاهم نصرنا ولا مبدّل لكلمات اللّه ولقد جاءك من نبإ المرسلين (34)}
قوله: {ولقد كذّبت رسلٌ من قبلك ... الآية}.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنا العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: ولقد كذّبت رسلٌ من قبلك فصبروا على ما كذّبوا وأوذوا يعزّي نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم كما تسمعون، وتخبره أنّ الرّسل قد كذّبت قبله، فصبروا على ما كذّبوا وأوذوا.
قوله: حتّى أتاهم نصرنا الآية.
- وبه، عن قتادة قوله: {ّحتّى أتاهم نصرنا ولا مبدّل لكلمات اللّه}، قال: حتّى جاء حكم اللّه، وهو خير الحاكمين). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1283-1284]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : ( أخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا} قال: يعزي نبيه -صلى الله عليه وسلم- كما تسمعون ويخبره أن الرسل قد كذبت قبله فصبروا على ما كذبوا حتى حكم الله وهو خير الحاكمين.
- وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله: {ولقد كذبت رسل من قبلك} قال: يعزي نبيه -صلى الله عليه وسلم.
- وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن جريج في قوله {ولقد كذبت رسل من قبلك ... الآية}، قال يعزي نبيه -صلى الله عليه وسلم). [الدر المنثور: 6/ 42-43]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 10:55 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي

{قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (31) وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (32) قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34)}

تفسير قوله تعالى: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (31)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({ما فرّطنا} مجازه: ما ضيّعنا.
{أوزارهم} واحدها: وزر مكسورة،
ومجازها: آثامهم، والوزر والوزر واحد، يبسط الرجل ثوبه فيجعل فيه المتاع فيقال له: أحمل وزرك، ووزرك، ووزرتك). [مجاز القرآن: 1/ 190]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({قد خسر الّذين كذّبوا بلقاء اللّه حتّى إذا جاءتهم السّاعة بغتةً قالوا يا حسرتنا على ما فرّطنا فيها وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون}
وقال: {ألا ساء ما يزرون} لأنه من "وزر" "يزر" "وزراً" ويقال أيضاً: "وزر" فـ"هو موزورٌ". وزعم يونس أنهما جميعاً يقالان). [معاني القرآن: 1/ 237]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله عز وجل {يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون} فالفعل منه: وزر الرجل يزر، ووزر أيضًا يزر، واتزر الرجل يتزر، وقالوا: وزر أيضًا، فهو موزور؛ وفي الحديث "ارجعن موزورات"، ومنه {ولا تزر وازرة وزر أخرى} ). [معاني القرآن لقطرب: 540]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({فرطنا}: ضيعنا. {أوزراهم}: آثامهم والوزر الحمل). [غريب القرآن وتفسيره: 135]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({يحملون أوزارهم على ظهورهم} أي: آثامهم. وأصل الوزر: الحمل على الظهر.
قال اللّه سبحانه: {ووضعنا عنك وزرك*الّذي أنقض ظهرك} أي: أثقله حتى سمع نقيضه). [تفسير غريب القرآن: 152]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {قد خسر الّذين كذّبوا بلقاء اللّه حتّى إذا جاءتهم السّاعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرّطنا فيها وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون}، كل ما جاء فجاءة فقد بغت، يقال قد بغته الأمر يبغته بغتا وبغتة، إذا أتاه فجاءة.
قال الشاعر:
ولكنهم ماتوا ولم أخش بغتة ....... وأفظع شيء حين يفجؤك البغت
وقوله: {يا حسرتنا على ما فرطنا فيها}
إن قال قائل: ما معنى دعاء الحسرة وهي لا تعقل ولا تجيب؟
فالجواب: عن ذلك أن العرب إذا اجتهدت في الإخبار عن عظيم تقع فيه جعلته نداء، فلفظه لفظ ما ينبّه، والمنبّه غيره.
مثل قوله عزّ وجلّ: {يا حسرتى على ما فرّطت في جنب اللّه}.
وقوله: {يا ويلتى أألد وأنا عجوز}.
وقوله: {يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا}.
فهذا أبلغ من أن تقول: أنا حسر على العباد.
وأبلغ من أن تقول: الحسرة علينا في تفريطنا.
قال سيبويه: " إنّك إذا قلت يا عجباه، فكأنك قلت احضر وتعال يا عجب فإنه من أزمانك، وتأويل "يا حسرتاه" انتبهوا على أننا قد خسرنا " وهذا مثله في الكلام في أنك أدخلت عليه يا للتنبيه، وأنت تريد الناس قولك: لا أرينّك ههنا، فلفظك لفظ الناهي نفسه، ولكنه لما علم أن الإنسان لا يحتاج أن يلفظ بنهي نفسه دخل المخاطب في النهي فصار المعنى: لا تكوننّ ههنا، فإنك إذا كنت رأيتك، وكذلك يا حسرتنا، قد علم أن الحسرة لا تدعى، فوقع التنبيه للمخاطبين.
ومعنى: {فرطنا فيها} قدّمنا العجز.
وقوله: {وهم يحملون أوزارهم}أي: يحملون ثقل ذنوبهم، وهذا مثل جائز أن يكون جعل ما ينالهم من العذاب بمنزلة أثقل ما يحمّل، لأن الثقل قد يستعمل في الوزر، وفي الحال، فتقول في الحال قد ثقل على خطاب فلان، تأويله قد كرهت خطابه كراهة اشتدت عليّ، فتأويل الوزر الثقل من هذه الجهة، واشتقاقه من الوزر، وهو الجبل الذي يعتصم به الملك والنبي، أي يعينه.
ومنه قوله تعالى: {وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا}، سأل موسى ربّه أن يجعل أخاه وزيرا له.
وكذلك قوله تعالى: {ألا ساء ما يزرون} أي: بئس الشّيء شيئا أي يحملونه، وقد فسرنا عمل نعم وبئس فيما مضى من الكتاب، وكذلك {ساء مثلا القوم} أي: مثل القوم). [معاني القرآن: 2/ 240-242]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {جاءتهم الساعة بغتة} البغتة الفجاءة يقال بغتهم الأمر يبغتهم بغتا وبغتة). [معاني القرآن: 2/ 415]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها} الفائدة في نداء الحسرة وما كان مثلها مما لا يجيب أن العرب إذا أرادت تعظيم الشيء والتنبيه عليه نادته ومنه قولهم يا عجباه.
قال سيبويه: إذا قلت يا عجباه فمعناه أحضر وتعال يا عجب فإن هذا من أزمانك فهذا أبلغ من قولك تعجبت،
ومنه قول الشاعر:
فيا عجبا من رحلها المتحمل). [معاني القرآن: 2/ 415-416]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم} واحد الأوزار وزر والفعل منه وزر يزر يراد به الإثم وهو تمثيل وأصله الوزر وهو الجبل ومنه الحديث في النساء اللواتي خرجن في جنازة فقال لهن: «ارجعن موزورات غير مأجورات».
قال أبو عبيد: والعامة تقول مأزورات كأنه لا وجه له عنده لأنه من الوزر ومنه قيل وزير كأنه يحمل الثقل عن صاحبه). [معاني القرآن: 2/ 416]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({وهم يحملون أوزارهم} أي: أثقال الآثام). [ياقوتة الصراط: 221]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مَا فَرَّطْنَا}: ما ضيعنا، {أَوْزَارَهُمْ}: أثقالهم وآثامهم). [العمدة في غريب القرآن: 126]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (32)}:

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وللدّار الآخرة...}
جعلت الدار ها هنا اسما، وجعلت الآخرة من صفتها، وأضيفت في غير هذا الموضع،
ومثله: ممّا يضاف إلى مثله في المعنى قوله: {إنّ هذا لهو حقّ اليقين} والحق هو اليقين؛ كما أنّ الدار هي الآخرة. وكذلك أتيتك بارحة الأولى، والبارحة الأولى، ومنه: يوم الخميس، وليلة الخميس. يضاف الشيء إلى نفسه إذا اختلف لفظه؛ كما اختلف الحق واليقين، والدار [و] والآخرة، واليوم الخميس.
فإذا اتفقا لم تقل العرب: هذا حقّ الحقّ، ولا يقين اليقين؛ لأنهم يتوهمون إذا اختلفا في اللفظ أنهما مختلفان في المعنى.
ومثله: في قراءة عبد الله {وذلك الدين القيّمة}.
وفي قراءتنا: {دين القيّمة} والقيّم والقيّمة بمنزلة قولك: رجل راوية وهّابة للأموال؛ ووهّاب وراو، وشبهه). [معاني القرآن: 1/ 330-331]

تفسير قوله تعالى: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33)}

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فإنّهم لا يكذّبونك...}، قرأها العامّة بالتشديد...
- حدثني قيس بن الربيع الأسديّ عن أبي إسحاق السبيعيّ عن ناجية بن كعب عن عليّ أنه قرأ {يكذبونك} مخفّفة.
ومعنى التخفيف - والله أعلم -: لا يجعلونك كذّابا، وإنما يريدون أن ما جئت به باطل؛ لأنهم لم يجرّبوا عليه صلى الله عليه وسلم كذبا فيكذّبوه وإنما أكذبوه؛ أي ما جئت به كذب لا نعرفه.
والتكذيب: أن يقال كذبت. والله أعلم). [معاني القرآن: 1/ 331]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({قد نعلم إنّه ليحزنك الّذي يقولون فإنّهم لا يكذّبونك ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون}
وقال: {قد نعلم إنّه ليحزنك} بكسر "إنّ" لدخول اللام الزائدة بعدها). [معاني القرآن: 1/ 237]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (أبو جعفر {قد نعلم إنه ليحزنك} من حزن يحزن.
نافع {ليحزنك} من أحزنه وقد ذكرناها.
ابن عباس رحمه الله، وأبو عمرو {فإنهم لا يكذبونك} من كذبه.
علي بن أبي طالب رضي الله عنه والأعرج {لا يكذبونك} من أكذب). [معاني القرآن لقطرب: 512]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {فإنّهم لا يكذّبونك} أي: لا ينسبونك إلى الكذب.
ومن قرأ {لا يكذبونك} أراد: لا يلفونك كاذبا.
{ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون} والجحود [الإنكار] عي ما بيناه). [تفسير غريب القرآن: 153]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}يريد: أنهم كانوا لا ينسبونك إلى الكذب ولا يعرفونك به، فلما جئتهم بآيات الله، جحدوها، وهم يعلمون أنك صادق.
والجحد يكون: ممن علم الشيء فأنكره، بقول الله عز وجل: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا}). [تأويل مشكل القرآن: 322]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {قد نعلم إنّه ليحزنك الّذي يقولون فإنّهم لا يكذّبونك ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون}
{لا يكذّبونك} ولا يكذبونك، ومعنى: كذبته قلت له كذبت، ومعنى أكذبته ادعيت أن ما أتى به كذب.
وتفسير قوله: {لا يكذّبونك} أي: لا يقدرون أن يقولوا لك فيما أنبات به مما في كتبهم كذبت.
ووجه آخر: إنهم لا يكذبونك بقلوبهم، أي يعلمون أنك صادق.
{ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون}لأنهم إنما جحدوا براهين الله جلّ وعزّ وجائز أن يكون فإنّهم لا يكذبونك، أي أنت عندهم صادق، لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يسمّى فيهم الأمين قبل الرسالة، ولكنهم جحدوا بألسنتهم ما تشهد قلوبهم يكذبهم فيه). [معاني القرآن: 2/ 242-243]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {فإنهم لا يكذبونك} هكذا روي عن علي بن أبي طالب -رضوان الله عليه- أنه قرأ وهو اختيار أبي عبيد واحتج بأنه روي:« أن أبا جهل قال للنبي صلى الله عليه وسلم إنا لا نكذبك ولكنا نكذب ما جئت به فأنزل الله عز وجل: {فإنهم لا يكذبونك}».
وقد خولف أبو عبيد في هذا وروي لا نكذبك فأنزل الله جل وعز: {فإنهم لا يكذبونك}،
ويقوي هذا أنه روي أن رجلا قرأ على ابن عباس {فإنهم لا يكذبونك} فقال له ابن عباس: فإنهم لا يكذبونك لأنهم كانوا يسمون النبي صلى الله عليه وسلم الأمين.
ومعنى يكذبونك عند أهل اللغة: ينسبونك إلى الكذب ويروون عليك ما قلت
ومعنى لا يكذبونك: لا يجدونك كاذبا كما تقول أحمدته إذا وجدته محمودا.
ويجوز أن يكون: معنى المخففة لا يبينون عليك أنك كاذب لأنه يقال أكذبته إذا احتججت عليه وبينت أنه كاذب.
حدثنا محمد بن جعفر الأنباري حدثنا شعيب بن أيوب الواسطي عن معاوية بن هشام عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن ناجية بن كعب عن علي قال: «قال أبو جهل للنبي صلى الله عليه وسلم إنا لا نكذبك ولكن نكذب ما جئت به فأنزل الله عز وجل: {فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون}».
والقول في هذا: مذهب أبي عبيد واحتجاجه لازم لأن عليا رحمة الله عليه هو الذي روى الحديث، وقد صح عنه أنه قرأ بالتخفيف وحكى الكسائي عن العرب أكذبت الرجل أخبرت أنه جاء بالكذب ورواه وكذبته أخبرت أنه كاذب). [معاني القرآن: 2/ 417-419]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({لاَ يُكَذِّبُونَكَ} أي: لا ينسبونك إلى الكذب،
ومن خفف فمعناه: لا يجدونك كاذبا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 76]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34)}:
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ولقد كذّبت رسلٌ مّن قبلك فصبروا على ما كذّبوا وأوذوا حتّى أتاهم نصرنا ولا مبدّل لكلمات اللّه ولقد جاءك من نّبأ المرسلين}
وقال: {ولقد جاءك من نّبأ المرسلين} كما تقول: "قد أصابنا من مطرٍ" و"قد كان من حديث"). [معاني القرآن: 1/ 237]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وكتبوا: {وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ} بالياء.
{أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} بالياء في الحرفين جميعا، كأنهما مضافان ولا ياء فيهما، إنما هي مكسورة). [تأويل مشكل القرآن: 56-58]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (ثم عزّى الله نبيه وصبره بأن أخبره أن الرسل قبله قد كذبتهم أمم فقال:
{ولقد كذّبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذّبوا وأوذوا حتّى أتاهم نصرنا ولا مبدّل لكلمات اللّه ولقد جاءك من نبإ المرسلين}
أي: إذ قال الله لرسوله {واللّه يعصمك من النّاس}، وإذ قال{ليظهره على الدّين كلّه} فلا مبدّل لكلمات اللّه أي لا يخلف الله وعده ولا يغلب أولياءه أحد). [معاني القرآن: 2/ 243]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 28 ربيع الثاني 1434هـ/10-03-2013م, 10:55 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (31) }

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : ([قال غيرهم]: أوزار الحرب وغيرها الأثقال، واحدها وزر وهو الثقل). [الغريب المصنف: 1/ 352]
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (

بلغوا قومنا الصواهل أنا ....... قد نبذنا بحلية الأوزارا
(الأوزار) ما يحملون، وهي (الأزفار)، يقال: (جاء يحمل وزره، وزفره) ). [شرح أشعار الهذليين: 2/ 800]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (32) }

تفسير قوله تعالى: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) }

قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): ({فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ} يقال أكذبته إذا قلت ما ئجت به كذب، وكذبته إذا قلت كذبت). [مجالس ثعلب: 271]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34) }


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 19 جمادى الآخرة 1435هـ/19-04-2014م, 12:14 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 19 جمادى الآخرة 1435هـ/19-04-2014م, 12:14 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 19 جمادى الآخرة 1435هـ/19-04-2014م, 12:14 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 19 جمادى الآخرة 1435هـ/19-04-2014م, 12:14 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (31) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {قد خسر الّذين كذّبوا بلقاء اللّه حتّى إذا جاءتهم السّاعة بغتةً قالوا يا حسرتنا على ما فرّطنا فيها وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون (31)}
هذا استئناف إخبار عن خسارة المكذبين يتضمن تعظيم المصاب الذي حل بهم، وتستعمل الخسارة في مثل هذا لأنه من أخذ الكفر واتبعه فكأنه قد أعطى الإيمان واطرحه، فأشبهت صفقة أخذ وإعطاء والإشارة بهذه الآية إلى الذين قالوا إنما هي حياتنا الدنيا، وقوله: {بلقاء اللّه} معناه: بالرجوع إليه وإلى أحكامه وقدرته، كما تقول لقي فلان أعماله أي لقي عواقبها ومآلها، والسّاعة يوم القيامة، وأدخل عليها تعريف العهد دون تقدم ذكرها لشهرتها واستقرارها في النفوس وذيعان ذكرها، وأيضا فقد تضمنها قوله تعالى: بلقاء اللّه وبغتة معناه فجأة، تقول بغتني الأمر أي فجأني ومنه قول الشاعر:
ولكنهم بانوا ولم أخش بغتة ....... وأفظع شيء حين يفجأك البغت
ونصبها على المصدر في موضع الحال كما تقول: قتلته صبرا، ولا يجيز سيبويه القياس عليه ولا تقول جاء فلان سرعة ونحوه، ونداء الحسرة على تعظيم الأمر وتشنيعه، قال سيبويه وكأن الذي ينادي الحسرة أو العجب أو السرور أو الويل يقول: اقربي أو احضري فهذا وقتك وزمنك، وفي ذلك تعظيم للأمر على نفس المتكلم وعلى سامعه إن كان ثم سامع، وهذا التعظيم على النفس والسامع هو المقصود أيضا بنداء الجمادات كقولك يا دار ويا ربع، وفي نداء ما لا يعقل كقولهم يا جمل، ونحو هذا، وفرّطنا معناه قصرنا مع القدرة على ترك التقصير، وهذه حقيقة التفريط، والضمير في قوله فيها عائد على السّاعة أي في التقدمة لها، وهذا قول الحسن، وقال الطبري يعود على الصفقة التي يتضمنها ذكر الخسارة في أول الآية، ويحتمل أن يعود الضمير على الدنيا إذ المعنى يقتضيها، وتجيء الظرفية أمكن بمنزلة زيد في الدار، وعوده على السّاعة إنما معناه في أمورها والاستعداد لها، بمنزلة زيد في العلم مشتغل.
وقوله تعالى: {وهم يحملون أوزارهم ... الآية}، الواو واو الحال، والأوزار جمع وزر بكسر الواو وهو الثقل من الذنوب، تقول منه وزر يزر إذا حمل، قال الله تعالى: {ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى} [الأنعام: 164] وتقول وزر الرجل فهو موزور، قال أبو عبيد والعامة مازور، وأما إذا اقترن ذلك بما جوز فإن العرب تقول مأزور، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لنساء لقيهن مقبلات من المقابر: «ارجعن مأزورات غير مأجورات» قال أبو علي وغيره فهذا للإتباع اللفظي، والوزر هنا تجوز وتشبيه بثقل الأحمال، وقوى التشبيه بأن جعله على الظهور إذ هو في العادة موضع حمل الأثقال، ومن قال إنه من الوزر وهو الجبل الذي يلجأ إليه ومنه الوزير وهو المعين فهي مقالة غير بينة، وقال الطبري وغيره: هذا على جهة الحقيقة ورووا في ذلك خبرا أن المؤمن يلقاه عمله في أحسن صورة وأفوحها فيسلم عليه ويقول له طال ما ركبتك في الدنيا وأجهدتك فاركبني اليوم، قال فيحمله تمثال العمل، وأن الكافر يلقاه عمله في أقبح صورة وأنتنها فيشتمه ويقول أنا عملك الخبيث طال ما ركبتني في الدنيا بشهواتك فأنا أركبك اليوم، قال فيحمل تمثال عمله وأوزاره على ظهره، وقوله تعالى: ألا ساء ما يزرون إخبار عن سوء ما يأثمون مضمن التعظيم لذلك والإشادة به، وهذا كقول النبي -صلى الله عليه وسلم-:« ألا فليبلغ الشاهد الغائب»، وقوله: «ألا هل بلغت»، فإنما أراد الإشادة والتشهير وهذا كله يتضمنه ألا، وأما ساء ما يزرون فهو خبر مجرد كقول الشاعر: [البسيط]
رضيت خطّة خسف غير طائلة ....... فساء هذا رضى يا قيس غيلانا
وساء فعل ماض وما فاعلة به كما تقول ساءني أمر كذا، ويحتمل أن تجري ساء هنا مجرى بئس، ويقدر لها ما يقدر ل «بئس» إذ قد جاء في كتاب الله: {ساء مثلًا القوم} [الأعراف: 177]). [المحرر الوجيز: 3/ 346-349]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (32) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وما الحياة الدّنيا إلاّ لعبٌ ولهوٌ وللدّار الآخرة خيرٌ للّذين يتّقون أفلا تعقلون (32) قد نعلم إنّه ليحزنك الّذي يقولون فإنّهم لا يكذّبونك ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون (33)}
هذا ابتداء خبر عن حال الدنيا، والمعنى: أنها إذا كانت فانية منقضية لا طائل لها أشبهت اللعب واللهو الذي لا طائل له إذا تقضى، وقرأ السنة من القراء «وللدار» بلامين والآخرة نعت للدار، وقرأ ابن
عامر وحده «ولدار» بلام واحدة، وكذلك وقع في مصاحف الشام بإضافة الدار إلى الآخرة، وهذا نحو مسجد الجامع أي مسجد اليوم الجامع، فكذلك هذا ولدار الحياة الآخرة، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم «يعقلون» على إرادة الغائب، وقرأ نافع وابن عامر وحفص عن عاصم: «تعقلون» على إرادة المخاطبين، وكذلك في الأعراف وفي آخر يوسف، ووافقهم أبو بكر في آخر يوسف، فأما {أفلا يعقلون} في يس [الآية: 68] فقرأه نافع وابن ذكوان: بتاء والباقون بياء، وهذه الآية تتضمن الرد على قولهم: {إن هي إلّا حياتنا الدّنيا} وهو المقصود بها، ويصح أن يكون قوله: أفلا تعقلون على معنى فقل لهم يا محمد إذ الحال على هذه الصفة أفلا تعقلون). [المحرر الوجيز: 3/ 349]

تفسير قوله تعالى: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {قد نعلم ... الآية}، قد الملازم للفعل حرف يجيء مع التوقع إما عند المتكلم وإما عند السامع أو مقدرا عنده فإذا كان الفعل خالصا للاستقبال كان التوقع من المتكلم، كقولك قد يقوم زيد وقد ينزل المطر في شهر كذا إذا كان الفعل ماضيا أو فعل حال بمعنى المضي مثل آيتنا هذه، فإن التوقع ليس من المتكلم بل المتكلم موجب ما أخبر به، وإنما كان التوقع عند السامع فيخبره المتكلم بأحد المتوقعين، ونعلم تتضمن إذا كانت من الله تعالى استمرار العلم وقدمه، فهي تعم المضي والحال والاستقبال، ودخلت «إن» للمبالغة في التأكيد، وقرأ نافع وحده «ليحزنك» من أحزن، وقرأ الباقون «ليحزنك» من حزن الرجل، وقرأ أبو رجاء «ليحزنك» بكسر اللام والزاي وجزم النون، وقرأ الأعمش: أنه بفتح الهمزة «يحزنك» بغير لام، قال أبو علي الفارسي تقول العرب حزن الرجل بكسر الزاي يحزن حزنا وحزنا وحزنته أنا، وحكي عن الخليل أن قولهم حزنته ليس هو تغيير حزن على نحو دخل وأدخلته، ولكنه بمعنى جعلت فيه حزنا كما تقول كحلته ودهنته، قال الخليل ولو أردت تغيير حزن لقلت أحزنته، وحكى أبو زيد الأنصاري في كتاب خباة العرب أحزنت الرجل، قال أبو علي وحزنت الرجل أكثر استعمالا عندهم من أحزنته، فمن قرأ «ليحزنك» بضم الياء فهو على القياس في التغيير، ومن قرأ «ليحزنك» بفتح الياء وضم الزاي فهو على كثرة الاستعمال، والّذي يقولون لفظ يعم جميع أقوالهم التي تتضمن الرد على النبي صلى الله عليه وسلم والدفع في صدر نبوته، كقول بعضهم إنه كذاب، مفتر، ساحر، وقول بعضهم إنه مجنون مسحور، وقول بعضهم به رئي من الجن ونحو هذا وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو وعاصم وحمزة لا يكذّبونك بتشديد الدال وفتح الكاف، وقرأها ابن عباس وردها على قارئ عليه «يكذبونك» بضم الياء، وقال: إنهم كانوا يسمونه الأمين، وقرأ نافع والكسائي بسكون الكاف وتخفيف الذال، وقرأها علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهما قراءتان مشهورتان صحيحتان، واختلف المتأولون في معناهما فقالت فرقة: هما بمعنى واحد كما تقول: سقيت وأسقيت وقللت وأقللت وكثرت وأكثرت، وحكى الكسائي أن العرب تقول كذبت الرجل إذا نسبت الكذب إليه وأكذبته إذا نسبت الكذب إلى ما جاء به دون أن تنسبه إليه، وتقول العرب أيضا أكذبت الرجل إذا وجدته كذابا كما تقول أحمدته إذا وجدته محمودا، فالمعنى على قراءة من قرأ «يكذّبونك» بتشديد الذال أي لا تحزن «فإنهم لا يكذبونك» تكذيبا يضرك إذ لست بكاذب في حقيقتك، فتكذيبهم كلا تكذيب، ويحتمل أن يريد: «فإنهم لا يكذبونك» على جهة الإخبار عنهم أنهم لا يكذبون وأنهم يعلمون صدقه ونبوته ولكنهم يجحدون عنادا منهم وظلما، والآية على هذا لا تتناول جميع الكفار بل تخص الطائفة التي حكى عنها أنها كانت تقول: إنا لنعلم أن محمدا صادق ولكن إذا آمنا به فضلتنا بنو هاشم بالنبوة فنحن لا نؤمن به أبدا، رويت هذه المقالة عن أبي جهل ومن جرى مجراه، وحكى النقاش أن الآية نزلت في الحارث بن عمرو بن نوفل بن عبد مناف، فإنه كان يكذب في العلانية ويصدق في السر ويقول نخاف أن تتخطفنا العرب ونحن أكلة رأس والمعنى على قراءة من قرأ «يكذبونك» بتخفيف الذال يحتمل ما ذكرناه أولا في «يكذبونك» أي لا يجدونك كاذبا في حقيقتك ويحتمل هذين الوجهين اللذين ذكرت في «يكذّبونك» بشد الذال، وآيات الله علاماته وشواهد نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ويجحدون حقيقته في كلام العرب الإنكار بعد معرفة وهو ضد الإقرار، ومعناه على تأويل من رأى الآية في المعاندين مترتب على حقيقته وهو قول قتادة والسدي وغيرهما، وعلى قول من رأى أن الآية في الكفار قاطبة دون تخصيص أهل العناد يكون في اللفظة تجوز وذلك أنهم لما أنكروا نبوته وراموا تكذيبه بالدعوى التي لا تعضدها حجة عبر عن إنكارهم بأقبح وجوه الإنكار وهو الجحد تغليظا عليهم وتقبيحا لفعلهم، إذ معجزاته وآياته نيرة يلزم كل مفطور أن يعلمها ويقربها.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وجميع ما في هذه التأويلات من نفي التكذيب إنما هو عن اعتقادهم، وأما أقوال جميعهم فمكذبة، إما له وإما للذي جاء به.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وكفر العناد جائز الوقوع بمقتضى النظر وظواهر القرآن تعطيه، كقوله:
{وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم} [النمل: 14] وغيرها، وذهب بعض المتكلمين إلى المنع من جوازه، وذهبوا إلى أن المعرفة تقتضي الإيمان والجحد يقتضي الكفر، ولا سبيل إلى اجتماعهما، وتأولوا ظواهر القرآن فقالوا في قوله تعالى: {وجحدوا بها} [النمل: 14] إنها في أحكام التوراة التي بدلوها كآية الرجم وغيرها.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ودفع ما يتصور العقل ويعقل من جواز كفر العناد على هذه الطريقة صعب أما أن كفر العناد من العارف بالله وبالنبوة بعيد لأنه لا داعية إلى كفر العناد إلا الحسد ومن عرف الله والنبوة وأن محمدا يجيئه ملك من السماء فلا سبيل إلى بقاء الحسد مع ذلك، أما أنه جائز فقد رأى أبو جهل على رأس النبي صلى الله عليه وسلم فحلا عظيما من الإبل قد همّ بأبي جهل ولكنه كفر مع ذلك، وأسند الطبري أن جبريل عليه السلام وجد النبي -عليه السلام- حزينا فسأله، فقال: كذبني هؤلاء، فقال: «إنهم لا يكذبونك» بل يعلمون أنك صادق ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون، والذي عندي في كفر حيي بن أخطب ومن جرى مجراه أنهم كانوا يرون صفات النبي صلى الله عليه وسلم ويعرفونها أو أكثرها ثم يرون من آياته زائدا على ما عندهم فيتعلقون في مغالطة أنفسهم بكل شبهة بأضعف سبب، وتتخالج ظنونهم فيقولون مرة هو ذلك ومرة عساه ليسه، ثم ينضاف إلى هذا حسدهم وفقدهم الرياسة، فيتزايد ويتمكن إعراضهم وكفرهم وهم على هذا، وإن عرفوا أشياء وعاندوا فيها فقد قطعوا في ذلك بأنفسهم عن الوصول إلى غاية المعرفة وبقوا في ظلمة الجهل فهم جاهلون بأشياء معاندون في أشياء غيرها وأنا أستبعد العناد مع المعرفة التامة). [المحرر الوجيز: 3/ 349-352]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : ({قوله عز وجل: ولقد كذّبت رسلٌ من قبلك فصبروا على ما كذّبوا وأوذوا حتّى أتاهم نصرنا ولا مبدّل لكلمات اللّه ولقد جاءك من نبإ المرسلين (34) وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقاً في الأرض أو سلّماً في السّماء فتأتيهم بآيةٍ ولو شاء اللّه لجمعهم على الهدى فلا تكوننّ من الجاهلين (35)}
هذه الآية تضمنت عرض الأسوة التي ينبغي الاقتداء بها على محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وترجيته أن يأتيه مثل ما أتاهم من النصر إذا امتثل ما امتثلوه من الصبر، قال الضحاك وابن جريج:
عزى الله بهذه الآية نبيه، وروي عن ابن عامر أنه قرأ «وأذوا» بغير واو بعد الهمزة، ثم قوى ذلك الرجاء بقوله: ولا مبدّل لكلمات اللّه أي لا راد لأمره وكلماته السابقات بما يكون ولا مكذب لما أخبر به، فكأن المعنى فاصبر كما صبروا وانتظر ما يأتي وثق بهذا الإخبار فإنه لا مبدل له، فالقصد هنا هذا الخبر وجاء اللفظ عاما جميع كلمات الله السابقات، وأما كلام الله عز وجل في التوراة والإنجيل فمذهب ابن عباس أنه لا مبدل لها وإنما حرفها اليهود بالتأويل لا ببدل حروف وألفاظ، وجوز كثير من العلماء أن يكونوا بدلوا الألفاظ لأنهم استحفظوها وهو الأظهر، وأما القرآن فإن الله تعالى تضمن حفظه فلا يجوز فيه التبديل، قال الله تعالى:{ وإنّا له لحافظون }[الحجر: 9] وقال في أولئك: {بما استحفظوا من كتاب اللّه} [المائدة: 44] وقوله تعالى: ولقد جاءك من نبإ المرسلين أي فيما أنزلناه وقصصناه عليك ما يقضي هذا الذي أخبرناك به، وفاعل جاءك مضمر على ما ذهب إليه الطبري والرماني، تقديره ولقد جاءك نبأ أو أنباء.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والثواب عندي في المعنى أن يقدر جلاء أو بيان، وقال أبو علي الفارسي: قوله من نبإ المرسلين، في موضع رفع ب «جاء»، ودخل حرف الجر على الفاعل، وهذا على مذهب الأخفش في تجويزه دخول من في الواجب، ووجه قول الرماني أن من لا تزاد في الواجب). [المحرر الوجيز: 3/ 352-353]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 19 جمادى الآخرة 1435هـ/19-04-2014م, 12:14 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 19 جمادى الآخرة 1435هـ/19-04-2014م, 12:15 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري


تفسير قوله تعالى: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (31) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {قد خسر الّذين كذّبوا بلقاء اللّه حتّى إذا جاءتهم السّاعة بغتةً قالوا يا حسرتنا على ما فرّطنا فيها وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون (31) وما الحياة الدّنيا إلا لعبٌ ولهوٌ وللدّار الآخرة خيرٌ للّذين يتّقون أفلا تعقلون (32)}
يقول تعالى مخبرًا عن خسارة من كذّب بلقاء اللّه وعن خيبته إذا جاءته السّاعة بغتةً، وعن ندامته على ما فرّط من العمل، وما أسلف من قبيح الفعال ولهذا قال: {حتّى إذا جاءتهم السّاعة بغتةً قالوا يا حسرتنا على ما فرّطنا فيها}
وهذا الضّمير يحتمل عوده على الحياة الدّنيا وعلى الأعمال، وعلى الدّار الآخرة، أي: في أمرها.
وقوله {وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون} أي: يحملون. وقال قتادة: يعملون.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، حدّثنا أبو خالدٍ، عن عمرو بن قيسٍ، عن أبي مرزوقٍ قال: ويستقبل الكافر -أو: الفاجر - -عند خروجه من قبره كأقبح صورةٍ رآها وأنتن ريحًا، فيقول: من أنت؟ فيقول: أو ما تعرفني؟ فيقول: لا واللّه إلا أن الله قد قبّح وجهك ونتّن ريحك. فيقول: أنا عملك الخبيث، هكذا كنت في الدّنيا خبيث العمل منتنه، طالما ركبتني في الدّنيا، هلمّ أركبك، فهو قوله: {وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم [ألا ساء ما يزرون]}

وقال أسباطٌ: عن السّدّي أنّه قال: ليس من رجلٍ ظالمٍ يموت فيدخل قبره إلّا جاءه رجلٌ قبيح الوجه، أسود اللّون، منتن الرّائحة عليه ثيابٌ دنسةٌ، حتّى يدخل معه قبره، فإذا رآه قال: ما أقبح وجهك! قال: كذلك كان عملك قبيحًا قال: ما أنتن ريحك! قال: كذلك كان عملك منتنًا ! قال: ما أدنس ثيابك، قال: فيقول: إنّ عملك كان دنسًا. قال له: من أنت؟ قال: أنا عملك! قال: فيكون معه في قبره، فإذا بعث يوم القيامة قال له: إنّي كنت أحملك في الدّنيا باللّذّات والشّهوات، وأنت اليوم تحملني. قال: فيركب على ظهره فيسوقه حتّى يدخله النّار، فذلك قوله: {وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون} ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 249-250]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (32) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وما الحياة الدّنيا إلا لعبٌ ولهوٌ} أي: إنّما غالبها كذلك {وللدّار الآخرة خيرٌ للّذين يتّقون أفلا تعقلون} ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 250]

تفسير قوله تعالى: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {قد نعلم إنّه ليحزنك الّذي يقولون فإنّهم لا يكذّبونك ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون (33) ولقد كذّبت رسلٌ من قبلك فصبروا على ما كذّبوا وأوذوا حتّى أتاهم نصرنا ولا مبدّل لكلمات اللّه ولقد جاءك من نبإ المرسلين (34) وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقًا في الأرض أو سلّمًا في السّماء فتأتيهم بآيةٍ ولو شاء اللّه لجمعهم على الهدى فلا تكوننّ من الجاهلين (35) إنّما يستجيب الّذين يسمعون والموتى يبعثهم اللّه ثمّ إليه يرجعون (36)}
يقول تعالى مسلّيًا لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم، في تكذيب قومه له ومخالفتهم إيّاه: {قد نعلم إنّه ليحزنك الّذي يقولون} أي: قد أحطنا علمًا بتكذيب قومك لك، وحزنك وتأسّفك عليهم، {فلا تذهب نفسك عليهم حسراتٍ}[فاطرٍ: 8] كما قال تعالى في الآية الأخرى: {لعلّك باخعٌ نفسك ألا يكونوا مؤمنين} [الشّعراء: 3] {فلعلّك باخعٌ نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفًا} [الكهف: 7]
وقوله: {فإنّهم لا يكذّبونك ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون} أي: لا يتّهمونك بالكذب في نفس الأمر {ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون} أي: ولكنّهم يعاندون الحقّ ويدفعونه بصدورهم، كما قال سفيان الثّوريّ، عن أبي إسحاق، عن ناجية بن كعبٍ، عن عليٍّ [رضي اللّه عنه] قال قال:« أبو جهلٍ للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّا لا نكذّبك، ولكن نكذّب ما جئت به، فأنزل اللّه: {فإنّهم لا يكذّبونك ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون} »
ورواه الحاكم، من طريق إسرائيل، عن أبي إسحاق، ثمّ قال: صحيحٌ على شرط الشّيخين، ولم يخرجاه
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا محمّد بن الوزير الواسطيّ بمكّة، حدّثنا بشر بن المبشّر الواسطيّ، عن سلّام بن مسكينٍ، عن أبي يزيد المدنيّ؛ أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لقي أبا جهلٍ فصافحه، قال له رجلٌ: ألا أراك تصافح هذا الصّابئ؟ ! فقال: واللّه إنّي أعلم إنّه لنبيٌّ، ولكن متى كنّا لبني عبد منافٍ تبعًا؟ ! وتلا أبو يزيد: {فإنّهم لا يكذّبونك ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون}
قال أبو صالحٍ وقتادة: يعلمون أنّك رسول اللّه ويجحدون.
وذكر محمّد بن إسحاق، عن الزّهريّ، في قصّة أبي جهلٍ حين جاء يستمع قراءة النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- من اللّيل، هو وأبو سفيان صخر بن حرب، والأخنس بن شريق، ولا يشعر واحدٌ منهم بالآخر. فاستمعوها إلى الصّباح، فلمّا هجم الصّبح تفرّقوا، فجمعتهم الطّريق، فقال كلٌّ منهم للآخر: ما جاء بك؟ فذكر له ما جاء له ثمّ تعاهدوا ألّا يعودوا، لما يخافون من علم شباب قريشٍ بهم، لئلّا يفتتنوا بمجيئهم فلمّا كانت اللّيلة الثّانية جاء كلٌّ منهم ظنًا أنّ صاحبيه لا يجيئان، لما تقدّم من العهود، فلمّا أجمعوا جمعتهم الطّريق، فتلاوموا، ثمّ تعاهدوا ألّا يعودوا. فلمّا كانت اللّيلة الثّالثة جاؤوا أيضًا، فلمّا أصبحوا تعاهدوا ألّا يعودوا لمثلها [ثمّ تفرّقوا]
فلمّا أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه، ثمّ خرج حتّى أتى أبا سفيان بن حربٍ في بيته، فقال: أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمّدٍ؟ قال: يا أبا ثعلبة، واللّه لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها، وسمعت أشياء ما عرفت معناها ولا ما يراد بها. قال الأخنس: وأنا والّذي حلفت به.
ثمّ خرج من عنده حتّى أتى أبا جهلٍ، فدخل عليه في بيته فقال: يا أبا الحكم، ما رأيك فيما سمعت من محمّدٍ؟ قال: ماذا سمعت؟ تنازعنا نحن وبنو عبد منافٍ الشّرف: أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتّى إذا تجاثينا على الرّكب، وكنّا كفرسي رهان، قالوا: منّا نبيٌّ يأتيه الوحي من السّماء! فمتى ندرك هذه؟ واللّه لا نؤمن به أبدًا ولا نصدّقه، قال: فقام عنه الأخنس وتركه
وروى ابن جريرٍ، من طريق أسباطٍ، عن السّدّي، في قوله: {قد نعلم إنّه ليحزنك الّذي يقولون فإنّهم لا يكذّبونك ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون} لمّا كان يوم بدرٍ قال الأخنس بن شريق لبني زهرة: يا بني زهرة، إنّ محمّدًا ابن أختكم، فأنتم أحقّ من كفّ عنه. فإنّه إن كان نبيًّا لم تقاتلوه اليوم، وإن كان كاذبًا كنتم أحقّ من كفّ عن ابن أخته قفوا هاهنا حتّى ألقى أبا الحكم، فإن غلب محمّدٌ رجعتم سالمين، وإن غلب محمّدٌ فإنّ قومكم لم يصنعوا بكم شيئًا. فيومئذٍ سمّي الأخنس: وكان اسمه "أبيٌّ" فالتقى الأخنس وأبو جهلٍ، فخلا الأخنس بأبي جهلٍ فقال: يا أبا الحكم، أخبرني عن محمّدٍ: أصادقٌ هو أم كاذبٌ؟ فإنّه ليس هاهنا من قريشٍ غيري وغيرك يسمع كلامنا. فقال أبو جهلٍ: ويحك! واللّه إنّ محمّدًا لصادقٌ، وما كذب محمّدٌ قطّ، ولكن إذا ذهبت بنو قصيّ باللّواء والسّقاية والحجاب والنّبوّة، فماذا يكون لسائر قريشٍ؟ فذلك قوله: {فإنّهم لا يكذّبونك ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون} فآيات اللّه: محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 250-252]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله {ولقد كذّبت رسلٌ من قبلك فصبروا على ما كذّبوا وأوذوا حتّى أتاهم نصرنا [ولا مبدّل لكلمات اللّه]} هذه تسليةٌ للنّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- وتعزيةٌ له فيمن كذّبه من قومه، وأمرٌ له بالصّبر كما صبر أولو العزم من الرّسل، ووعدٌ له بالنّصر كما نصروا، وبالظّفر حتّى كانت لهم العاقبة، بعد ما نالهم من التّكذيب من قومهم والأذى البليغ، ثمّ جاءهم النّصر في الدّنيا، كما لهم النّصر في الآخرة؛ ولهذا قال: {ولا مبدّل لكلمات اللّه} أي: الّتي كتبها بالنّصر في الدّنيا والآخرة لعباده المؤمنين، كما قال: {ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين * إنّهم لهم المنصورون وإنّ جندنا لهم الغالبون} [الصّافّات: 171 -173]، وقال تعالى: {كتب اللّه لأغلبنّ أنا ورسلي إنّ اللّه قويٌّ عزيزٌ} [المجادلة: 21].
وقوله: {ولقد جاءك من نبإ المرسلين} أي: من خبرهم كيف نصروا وأيدوا على من كذّبهم من قومهم، فلك فيهم أسوةٌ وبهم قدوةٌ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 252]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:30 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة