العودة   جمهرة العلوم > المنتديات > منتدى جمهرة التفاسير

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #26  
قديم 5 صفر 1439هـ/25-10-2017م, 10:51 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

الباب الرابع:تفسير القرآن بأقوال الصحابة رضي الله عنهم

تفسير القرآن بأقوال الصحابة رضي الله عنهم
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (تفسير القرآن بأقوال الصحابة رضي الله عنهم
من طرق التفسير: تفسير القرآن بأقوال الصحابة رضي الله عنهم، فإن التفسير علم جليل، ولكل علم أهله وأئمته، والصحابة رضي الله عنهم أعلم الأمة بالقرآن بعد النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد علمهم النبي صلى الله عليه وسلم وأدّبهم وزكّاهم، وشهدوا من وقائع التنزيل وعرفوا من أحوال النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته وجهاده وشؤونه العامة والخاصة ما تقدّموا به على غيرهم في العلم بالقرآن.
وكان لكثرة اجتماعهم بالنبي صلى الله عليه وسلم، وصلاتهم معه خمس مرات في اليوم، واستماعهم لخطبه ووصاياه، وحضورهم لمجالسه؛ وتلقّيهم القرآن منه، وتمكّنهم من سؤاله عمّا يحتاجون إليه؛ وتنوّع معاملاتهم معه، كلّ ذلك كان له أثر عظيم النفع في معرفتهم لمعاني ما يتلوه عليهم من القرآن.
وكان تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه الكتاب والحكمة وتزكيته إيّاهم، وتأدّبهم بالأدب النبويّ المبارَك من أجلّ أسباب انتفاعهم بالقرآن العظيم وفهمهم لمعانيه وتيسّر العمل به، كما قال الله تعالى: { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164)}، والصحابة أوفر الناس حظاً بهذه الآية.
ومن الأوجه الجليلة في تفضيلهم وتقديم تفسيرهم رِضَا الله تعالى عنهم، وتزكيته لهم وطهارة قلوبهم وزكاة نفوسهم ، وما فضلوا به غيرهم من الفهم الحسن والعلم الصحيح والعمل الصالح ،وكل ذلك كان له أثره البيّن في توفيقهم لحسن فهم معاني القرآن الكريم.
ومن أوجه تقديم الصحابة رضي الله عنهم في التفسير علمهم بالقراءات وبالأحرف السبعة وبما نسخت تلاوته.
- عن عاصم بن أبي النجود، عن زر بن حبيش، قال: قال لي أبي بن كعب: (يا زر، كأين تعد؟)، أو قال: (كأين تقرأ سورة الأحزاب؟).
قلت: اثنتين وسبعين آية، أو ثلاثا وسبعين آية.
فقال: (إن كانت لتعدل سورة البقرة، وإن كنا لنقرأ فيها آية الرجم).
قلت: وما آية الرجم؟
قال: ({إذا زنا الشيخ والشيخة فارجموهما البتة نكالا من الله. والله عزيز حكيم})). رواه أبو عبيد.
ومن أوجه تفضيلهم علمهم بمواضع النزول وشهودهم لوقائعه وأسبابه وأحواله، وهذه المعرفة العزيزة لا يقاربهم فيها أحد بعدهم، ولها أثر كبير في معرفة معاني القرآن، وفهم مقاصده.
- قال أبو الطفيل عامر بن واثلة رضي الله عنه: شهدت عليا وهو يخطب ويقول: سلوني عن كتاب الله، فو الله ما من آية إلا وأنا أعلم بليل نزلت أم بنهار وأم في سهل، أم في جبل). رواه عبد الرزاق في تفسيره من طريق معمر عن وهب بن عبد الله الكوفي، عن أبي الطفيل.
- وقال أيضاً: «والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيما نزلت، وأين نزلت، وعلى من نزلت، إن ربي وهب لي قلبا عقولا، ولسانا طلقا» رواه ابن سعد في الطبقات وأبو نعيم في الحلية من طريق أبي بكر بن عياش عن نصير بن أبي الأشعث عن سليمان بن ميسرة الأحمسي عن أبيه عنه، نصير وسليمان ثقتان.
- وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «والله الذي لا إله غيره، ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين أنزلت، ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيم أنزلت، ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله، تبلغه الإبل لركبت إليه»
رواه البخاري ومسلم من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه.
- وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن: «ما رأيت أحدا أعلم بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أفقه في رأي إن احتيج إلى رأيه، ولا أعلم بآية فيما نزلت، ولا فريضة من عائشة» رواه ابن سعد.
ومن أوجه تفضيلهم فصاحة لسانهم العربي، ونزول القرآن بلغتهم، وفي ديارهم، وسلامتهم من اللحن والضعف الذي حدث بعد زمانهم؛ فما يتعلمه المتعلمون في علوم اللغة العربية قد حصلوا أكثره بسليقتهم من غير تكلّف، وفرقٌ كبيرٌ بين من يفهم عامّة الخطاب لسلامة لسانه وحسن معرفته بمعاني المفردات وفنون الأساليب وبين من يحتاج إلى التفتيش في المعاجم ودراسة كتب كثيرة ليدرك بعض تلك المعاني والأساليب.
ومن أوجه تفضيل الصحابة وتقدّمهم في علم التفسير سلامتهم من الأهواء والفتن والفرق التي حدثت بعد زمانهم، وما قذفت به كلّ فرقة من الشبهات والتضليلات.
وفي صحيح مسلم من حديث زيد بن وهب، عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة، عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدلَّ أمته على خيرِ ما يعلمه لهم، وينذرهم شرَّ ما يعلمه لهم، وإن أمَّتكم هذه جُعل عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء، وأمور تنكرونها، وتجيء فتنة فيرقق بعضها بعضا..)) الحديث.
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (فقولنا بتفسير الصحابة والتابعين لعِلْمنا بأنهم بلغوا عن الرسول صلى الله عليه وسلم ما لم يصل إلينا إلا بطريقهم، وأنهم علموا معنى ما أنزل الله على رسوله تلقياً عن الرسول؛ فيمتنع أن نكونَ نحن مصيبين في فهم القرآن وهم مخطئون، وهذا يُعلم بطلانه ضرورة، عادةً وشرعاً)ا.هـ.
والمقصود أن كلّ ما تقدّم يبيّن لنا أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا أقرب طبقات الأمّة إلى فهم مراد الله تعالى بكتابه، وأقرب إلى فهم مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعرفة بيانه للقرآن، وهم أئمة هذا العلم، ومنار طريقه.
وقد سبق الحديث عن طرق الصحابة رضي الله عنهم في تعلّم التفسير وتعليمه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بما أغنى عن إعادته). [طرق التفسير:51 - 54]


رد مع اقتباس
  #27  
قديم 5 صفر 1439هـ/25-10-2017م, 10:54 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاضل الصحابة في العلم بالتفسير:
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (تفاضل الصحابة في العلم بالتفسير:
والصحابة – رضي الله عنهم - يتفاضلون في العلم بالتفسير؛ فلعلماء الصحابة وقرّائهم وكبرائهم مزيد عناية بالعلم بالقرآن كالخلفاء الأربعة ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وابن مسعود وأبي الدرداء وسلمان الفارسي وحذيفة بن اليمان وزيد بن ثابت وعائشة وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص وابن عباس وأبي موسى الأشعري، وجابر بن عبد الله، وابن عمر، وأبي سعيد الخدري، وأنس بن مالك.

قال مسروق بن الأجدع: «لقد جالست أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فوجدتهم كالإخاذ، فالإخاذ يروي الرجل، والإخاذ يروي الرجلين، والإخاذ يروي العشرة، والإخاذ يروي المائة، والإخاذ لو نزل به أهل الأرض لأصدرهم، فوجدت عبد الله بن مسعود من ذلك الإخاذ» رواه ابن سعد في الطبقات، والبيهقي في المدخل إلى السنن الكبرى، وابن عساكر في تاريخه.
- قال أبو عبيدة: (الإخاذ بغير هاء وهو مجتمع الماء، شبيه بالغدير)). [طرق التفسير:54 - 55]

رد مع اقتباس
  #28  
قديم 5 صفر 1439هـ/25-10-2017م, 10:57 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تعظيم الصحابة رضي الله عنهم لشأن التفسير:
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (تعظيم الصحابة رضي الله عنهم لشأن التفسير:
وكان الصحابة رضي الله عنهم على قدر كبير من التورع عن القول في القرآن بغير علم، وقد أدّبهم النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أدباً حسناً، فلزموا تأديبه وهديه، وقد ورد في ذلك أحاديث:

منها: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: هجَّرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما، فسمع أصوات رجلين اختلفا في آية.
قال: فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعرف في وجهه الغضب، فقال: «إنما هلك من كان قبلكم، باختلافهم في الكتاب» رواه أحمد ومسلم والنسائي في الكبرى من طريق أبي عمران الجوني، عن عبد الله بن رباح الأنصاري، عن عبد الله بن عمرو.
وأخرجه الإمام أحمد أيضاً من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أَنّ نَفَراً كانوا جلوساً بباب النبي صلي الله عليه وسلم؛ فقال، بعضهم ألم يَقُلِ اللهُ كذا وكذا؟ وقال بعضهم: ألم يَقُل الله كذا وكذا؟
فسمع ذلك رسول الله صلي الله عليه وسلم؛ فخرج كأنما فُقِيءَ في وجهه حَبُّ الرُّمَّان، فقال: بهذا أُمرْتُم؟! أَو بهذا بُعثتُمْ؟! أَنْ تَضْربوا كتابَ الله بعضَه ببعضٍ! إنما ضلَّت الأُمم قبلَكم في مثلَ هذا، إنكم لستم ممّا ها هنا في شيء، انظروا الذي أُمِرتم به فاعملوا به، والذي نُهيتُمْ عنه فانْتَهوا).
ورواه معمر بن راشد ومن طريقه الإمام أحمد في مسنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم قوما يتدارءون القرآن، فقال: " إنما هلك من كان قبلكم بهذا، ضربوا كتاب الله بعضه ببعض، وإنما نزل كتاب الله يصدق بعضه بعضا، فلا تكذبوا بعضه ببعض، فما علمتم منه فقولوا، وما جهلتم، فكلوه إلى عالمه "
- ومنها حديث عبد الله بن أبي مليكة، عن القاسم بن محمد، عن عائشة، قالت: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، وما يعلم تأويله إلا الله، والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا، وما يذكر إلا أولو الألباب} قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم» متفق عليه.
ورواه ابن ماجه من طريق ابن أبي مليكة عن عائشة ، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا عائشة، إذا رأيتم الذين يجادلون فيه، فهم الذين عناهم الله، فاحذروهم»
قال الترمذي: وقد سمع [ابن أبي مليكة] من عائشة أيضاً.
- ومنها: ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما من طرق عن أبي عمران الجوني، عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اقرءوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم، فإذا اختلفتم فقوموا عنه».
وهذا التعليم والتأديب من النبي صلى الله عليه وسلم أخذه الصحابة رضي الله عنهم أحسن الأخذ؛ وانتهجوه أحسن الانتهاج، وظهرت آثاره على هديهم ووصاياهم.
قال عبد الله بن أبي مليكة: سئل أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - عن آية من كتاب الله - عز وجل -، قال: أيَّة أرض تقلني، أو أيَّة سماء تظلني، أو أين أذهب، وكيف أصنع إذا أنا قلت في آية من كتاب الله بغير ما أراد الله بها؟). رواه سعيد بن منصور.
وابن أبي مليكة لم يدرك أبا بكر، لكن رويت هذه المقالة عن أبي بكر من طرق يشدّ بعضها بعضاً.
قال الشعبي: كان أبو بكرٍ يقول: «أي سماءٍ تظلني، وأي أرضٍ تقلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم» رواه ابن أبي شيبة.
وقال يحيى بن سعيد الأنصاري: قال أبو بكر الصديق: أي أرض تقلني، وأي سماء تظلني، إذا قلت على الله ما لا أعلم) رواه مالك في الموطأ.
فهذه المقولة مروية عن أبي بكر من أكثر من وجه.
وروى الطبراني في مسند الشاميين من طريق شعيب عن الزهري قال: حدثني أنس بن مالك، قال: قرأ عمر بن الخطاب: {فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا} فقال: كل هذا قد علمنا به فما الأبّ؟
ثم قال: (هذا لَعَمْرُ الله التكلف، اتبعوا ما بيّن لكم من هذا الكتاب، وما أشكل عليكم فَكِلُوه إلى عالمه).
وأصله في صحيح البخاري مختصراً بلفظ: (نهينا عن التكلف).
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه شديداً في التأديب على القول في التفسير بغير علم، وعلى السؤال عنه سؤال تنطّع وتكلّف، وقصّته مع صبيغ بن عسل التميمي معروفة مشتهرة، مروية من طرق متعددة:
منها ما أخرجه الإمام أحمد في فضائل الصحابة من طريق يزيد بن خصيفة، عن السائب بن يزيد أنه قال: أُتى إلى عمر بن الخطاب، فقالوا: يا أمير المؤمنين، إنا لقينا رجلا يسأل عن تأويل القرآن.
فقال: اللهم أمكني منه، قال: فبينا عمر ذات يوم جالس يغدي الناس إذ جاءه وعليه ثياب وعمامة، فغداه، ثم إذا فرغ قال: يا أمير المؤمنين، {والذاريات ذروا فالحاملات وقرا} ؟
قال عمر: أنت هو؟ فمال إليه وحسر عن ذراعيه، فلم يزل يجلده حتى سقطت عمامته، ثم قال: احملوه حتى تقدموه بلاده، ثم ليقم خطيبا ثم ليقل: إن صبيغاً ابتغى العلم فأخطأ، فلم يزل وضيعا في قومه حتى هلك، وكان سيد قومه.
ومنها ما أخرجه الدارمي من طريق يزيد بن حازم، عن سليمان بن يسار أن رجلا يقال له صبيغ قدم المدينة؛ فجعل يسأل عن متشابه القرآن، فأرسل إليه عمر رضي الله عنه وقد أعدَّ له عراجين النخل، فقال: من أنت؟
قال: أنا عبد الله صبيغ.
فأخذ عمر عرجونا من تلك العراجين، فضربه وقال: أنا عبد الله عمر؛ فجعل له ضربا حتى دمي رأسه.
فقال: يا أمير المؤمنين، حسبك، قد ذهب الذي كنت أجد في رأسي.
ومنها ما أخرجه ابن بطة العكبري من طريق المعتمر بن سليمان عن أبيه عن أبي عثمان النهدي أن رجلا كان من بني يربوع، يقال له: صبيغ، سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عن الذاريات والنازعات والمرسلات، أو عن إحداهن، فقال له عمر: «ضع عن رأسك» فوضع عن رأسه فإذا له وفيرة، فقال: «لو وجدتك محلوقا لضربت الذي فيه عيناك» قال: ثم كتب إلى أهل البصرة أن لا تجالسوه، أو قال: «كتب إلينا أن لا تجالسوه» قال: «فلو جلس إلينا ونحن مائة لتفرقنا عنه».
وبنو يربوع من تميم.
قال ابن تيمية في قول عمر له في شأن التحليق: (لأنه لو وجده محلوقاً استدلَّ بذلك على أنه من الخوارج المارقين، وكان يقتله لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم).
ورويت هذه القصة من طرق أخرى فيها زوائد وفوائد؛ منها ما روي أن أهل البصرة هجروه سنة حتى اشتدّ ذلك عليه، وظهرت منه التوبة مما كان يتكلّفه من المسائل؛ فكتب أبو موسى الأشعري إلى عمر أن الرجل قد حسنت توبته؛ فأذن بمجالسته.
وقد انتفع صُبيغ بهذا التأديب؛ وعصمه الله به من فتنة الخوارج التي حدثت في عهد عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.
قال معمر بن راشد: خرجت الحرورية، فقيل لصُبيغ: إنه قد خرج قوم يقولون كذا وكذا، قال: هيهات قد نفعني الله بموعظة الرجل الصالح.
وروى الإمام أحمد وأبو يعلى وابن خزيمة والطحاوي من طريق إبراهيم النخعي عن علقمة قال: جاء رجل إلى عمر وهو بعرفات فقال: جئت يا أمير المؤمنين من الكوفة، وتركت بها رجلا يملي المصاحف عن ظهر قلبه؛ فغضب عمر وانتفخ حتى كاد يملأ ما بين شعبتي الرحل.
فقال: ومن هو ويحك؟
قال: عبد الله بن مسعود؛ فما زال يطفأ ويسرى عنه الغضب، حتى عاد إلى حاله التي كان عليها.
ثم قال: ويحك، والله ما أعلمه بقي من الناس أحد هو أحق بذلك منه، وسأحدثك عن ذلك، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال يسمر عند أبي بكر الليلة كذلك في الأمر من أمر المسلمين، وإنه سمر عنده ذات ليلة، وأنا معه، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرجنا معه، فإذا رجل قائم يصلي في المسجد؛ فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع قراءته، فلما كدنا أن نعرفه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من سره أن يقرأ القرآن رطبا كما أنزل، فليقرأه على قراءة ابن أم عبد ".
قال: ثم جلس الرجل يدعو، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: " سل تعطه، سل تعطه ".
قال عمر: قلت: والله لأغدون إليه فلأبشرنه.
قال: فغدوت إليه لأبشره فوجدت أبا بكر قد سبقني إليه فبشره، ولا والله ما سابقته إلى خير قط إلا سبقني إليه.
وكانت هذه الشدة من عمر حمايةً لجناب القرآن، وصيانةً له من زلل العلماء وعبث المتعالمين والمتكلفين في قراءته وتأويله، وردعاً لأهل الأهواء الذين يتبعون متشابهه، ويضربون بعضه ببعض؛ ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله.
قال ابن عباس: خطبنا عمر بن الخطاب فقال: (إن أخوف ما أخاف عليكم تغير الزمان، وزيغة عالم، وجدال منافق بالقرآن، وأئمة مضلون يضلون الناس بغير علم). رواه أبو الجهم الباهلي في جزئه، ومن طريقه أبو القاسم البغوي كما في مسند الفاروق لابن كثير.
فنفع الله بحزم عمر وقوّته فحُمِيَ جنابُ القرآن، وعُظّم القول فيه، والسؤال عنه،
وارتدع المنافقون والذين في قلوبهم مرض، وأما الذين يسألون استرشادا ليتفقهوا في كتاب الله، ويعلموا ما فيه من البينات والهدى فكان ليّنا لهم، وكان يبعث المعلمين إلى الأمصار ليعلّموا الناس القرآن، ويفقهوهم في الدين.

وكان شباب الصحابة مع هذا يتهيّبون عمر لما جعل الله له من الهيبة ، ولشدته في شأن القرآن والاحتياط له، ففي الصحيحين عن عبيد بن حنين عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: مكثت سنة أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن آية، فما أستطيع أن أسأله هيبة له، حتى خرج حاجا فخرجت معه، فلما رجعنا وكنا ببعض الطريق عدل إلى الأراك لحاجة له، قال: فوقفت له حتى فرغ ثم سرت معه، فقلت: يا أمير المؤمنين من اللتان تظاهرتا على النبي صلى الله عليه وسلم من أزواجه؟
فقال: تلك حفصة وعائشة.
قال: فقلت: والله إن كنت لأريد أن أسألك عن هذا منذ سنة، فما أستطيع هيبة لك، قال: (فلا تفعل، ما ظننتَ أنَّ عندي من علمٍ فاسألني، فإن كان لي علم خبرتك به).
وقد نشأ جيل الصحابة على هذا التعظيم لكتاب الله تعالى، والتحرّز من القول فيه بغير علم، وأن لا يسألوا عن مسائل العلم إلا أهلَ العلم المعروفين به، وأن لا يتكلفوا ما لا علم لهم به، ولا يتنازعوا في القرآن ، ولا يضربوا بعضه ببعض.
ثم بلّغ الصحابة هذه الوصايا للتابعين لهم بإحسان؛ فأخذوها بإحسان.
- قال زياد بن حُدَير الأسدي: قال لي عمر: «هل تعرف ما يهدم الإسلام؟»
قال: قلت: لا.
قال: «يهدمه زلة العالم، وجدال المنافق بالكتاب وحكم الأئمة المضلين» رواه الدارمي وأبو نعيم الأصبهاني في حلية الأولياء..
وفي رواية عند ابن بطة العكبري في الإبانة قال عمر: (إن أخوف ما أخاف عليكم ثلاثة: جدال المنافق بالقرآن لا يخطئ واوا ولا ألفا يجادل الناس أنه أجدل منهم ليضلهم عن الهدى، وزلة عالم، وأئمة المضلين).

- وقال إياس بن عامر: أخذ علي بن أبي طالب بيدي، ثم قال: (إنك إن بقيت سَيَقرأ القرآن ثلاثةُ أصناف: فصنف لله، وصنف للجدال، وصنف للدنيا، ومن طلب به أدرك). رواه الدارمي.
- وروى عبد الله بن سَلِمة عن معاذ بن جبل أنه قال: (كيف أنتم عند ثلاث: دنيا تقطع رقابكم، وزلة عالم، وجدال منافق بالقرآن؟)
فسكتوا؛ فقال معاذ بن جبل: (أما دنيا تقطع رقابكم، فمن جعل الله غناه في قلبه فقد هُدي، ومن لا فليس بنافعته دنياه، وأما زلة عالم؛ فإن اهتدى فلا تقلّدوه دينكم، وإن فتن فلا تقطعوا منه أناتكم، فإن المؤمن يفتن ثم يفتن ثم يتوب، وأما جدال منافق بالقرآن، فإن للقرآن منارا كمنار الطريق لا يكاد يخفى على أحد، فما عرفتم فتمسّكوا به، وما أشكل عليكم فكلوه إلى عالمه).
رواه وكيع في الزهد، وأبو داوود في الزهد، والطبراني في الأوسط، أبو نعيم في الحلية، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله كلهم من طريق شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة به، وألفاظهم متقاربة.
- وقال عبد الرحمن بن أبزى لأبيّ بن كعب لما وقع الناس في أمر عثمان رضي الله عنه: أبا المنذر، ما المخرج من هذا الأمر؟
قال: «كتاب الله وسنة نبيه، ما استبان لكم فاعملوا به، وما أشكل عليكم فكِلُوه إلى عالمه» رواه الحاكم في المستدرك من طريق أسلم المنقري عن عبد الله بن عبد الرحمن عن أبيه، وصححه الذهبي.
- وقال عبد الله بن مسعود لمّا بلغه قول رجل في مسألة في التفسير: (من علم علماً فليقل به، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم، فإن من فقه الرجل، أن يقول لما لا يعلم: الله أعلم). والخبر في صحيح مسلم.
- وقال أبو موسى الأشعري في خطبة له «من علم علماً فليعلّمه الناس، وإياه أن يقول ما لا علم له به؛ فيمرق من الدين ويكون من المتكلفين» رواه الدارمي.
- وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما لأصحابه: (لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض، فإن ذلك يوقع الشك في قلوبكم). رواه أبو عبيد القاسم بن سلام.
- وقال عبد الله ابن أبي مليكة: دخلت أنا وعبد الله بن فيروز مولى عثمان بن عفان على عبد الله بن عباس ؛ فقال له ابن فيروز: يا ابن عباس ، قول الله: {يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة} الآية .
فقال ابن عباس: من أنت؟
قال: أنا عبد الله بن فيروز مولى عثمان بن عفان.
فقال ابن عباس: {يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون}.
فقال له ابن فيروز: أسألك يا ابن عباس.
فقال ابن عباس: «أياما سماها الله تعالى لا أدري ما هي، أكره أن أقول فيها ما لا أعلم» قال ابن أبي مليكة: فضرب الدهر حتى دخلتُ على سعيد بن المسيب فسُئل عنها فلم يدر ما يقول فيها.
قال: فقلت له: ألا أخبرك ما حضرتُ من ابن عباس؟ فأخبرته؛ فقال ابن المسيب للسائل: (هذا ابن عباس قد اتَّقى أن يقول فيها وهو أعلم مني). رواه عبد الرزاق). [طرق التفسير:55 - 64]

رد مع اقتباس
  #29  
قديم 5 صفر 1439هـ/25-10-2017م, 11:02 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

طرق التفسير عند الصحابة رضي الله عنهم
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (طرق التفسير عند الصحابة رضي الله عنهم
كان الصحابة رضي الله عنهم يفسّرون القرآن بالقرآن، ويفسرون القرآن بالسنة، ويفسّرون القرآن بما يعرفون من وقائع التنزيل، ويفسّرون القرآن بلغة العرب، وكانوا يجتهدون رأيهم في فهم النص، وفيما لا نصّ فيه على التفسير.
واجتهاد الصحابة أسلم وأقرب إلى الصواب من اجتهاد من بعدهم.
وكان يقع منهم اتفاق كثير على مسائل في التفسير، ويقع بينهم من الخلاف في الاجتهاد في التفسير كما يقع مثله في الأحكام.
1. فأمّا تفسيرهم القرآن بالقرآن فله أمثلة كثيرة تدلّ على عنايتهم به، ومن تلك الأمثلة: ما رواه الزهري قال: أخبرني أبو عبيد مولى عبد الرحمن بن عوف أن عثمان بن عفان رضي الله عنه صلى الصلاة، ثم جلس على المنبر فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: «أتى هاهنا امرأة إخالها قد عادت بشرّ، ولدت لستة أشهر، فما ترون فيها؟» فناداه ابن عباس رضي الله عنهما؛ فقال: إن الله قال: {ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا}، وقال: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة} ، فإذا تمت رضاعته فإنما الحمل ستة أشهر، فتركها عثمان رضي الله عنه فلم يرجمها). رواه ابن شبّة في تاريخ المدينة واللفظ له، وعبد الرزاق وابن جرير في تفسيريهما.
- وقد روي نحو هذه الحكاية عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، رواها الإمام مالك في الموطأ بلاغاً، وأسندها ابن جرير وابن أبي حاتم وابن شبة في تاريخ المدينة من طرق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن بعجة الجهني بألفاظ مختلفة.

2. وأما تفسيرهم القرآن بالسنة فهو على نوعين:
النوع الأول: تفسير نصّي صريح إما مما سألوا عنه النبي صلى الله عليه وسلم فأجابهم، وإما من معرفتهم بسبب نزول الآية، وإما أن يكون الحديث صريحاً في بيان معنى الآية.

ولهذا النوع أمثلة كثيرة:
- منها ما رواه مسلم عن مسروق بن الأجدع قال: كنت متكئا عند عائشة، فقالت: يا أبا عائشة: ثلاث من تكلم بواحدةٍ منهنَّ فقد أعظم على الله الفرية، قلت: ما هن؟ قالت: من زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية.
قال: وكنت متكئا فجلست، فقلت: يا أم المؤمنين، أنظريني، ولا تعجليني، ألم يقل الله عز وجل: {ولقد رآه بالأفق المبين}، {ولقد رآه نزلة أخرى}؟
فقالت: أنا أوَّل هذه الأمة سأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «إنما هو جبريل، لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين، رأيته منهبطا من السماء سادا عظم خلقه ما بين السماء إلى الأرض»
- ومنها ما رواه أبو داوود الطيالسي عن أميّة بنت عبد الله قالت: سألت عائشة عن قول الله عز وجل: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} ، وسألتها عن قول الله عز وجل {من يعمل سوءا يجز به} فقالت: لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد منذ سألت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «هذه متابعة الله عز وجل للعبد مما يصيبه من الحمى والحزن والنكبة حتى البضاعة يضعها في كُمِّه فيفقدها، فيفزع لها فيجدها في ضِبْنِه، حتى إنَّ العبد ليخرج من ذنوبه كما يخرج التبر الأحمر من الكير».
- ومنها ما رواه الدارمي عن مسروق، قال: قلت لعائشة: يا أم المؤمنين، أرأيت قول الله تعالى: {يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار} أين الناس يومئذ؟ قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: «على الصراط».
- ومنها ما رواه الطبراني في الأوسط وابن حبان عن صالح بن أبي طريف قال: قلت لأبي سعيد الخدري: أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في هذه الآية {ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين} ، فقال: نعم سمعته يقول: "يخرج الله أناسا من النار بعدما يأخذ نقمته منهم قال: لما أدخلهم الله النار مع المشركين، قال المشركون: أليس كنتم تزعمون في الدنيا أنكم أولياء فما لكم معنا في النار فإذا سمع الله ذلك منهم أذن في الشفاعة فيتشفع لهم الملائكة والنبيون حتى يخرجوا بإذن الله فلما أخرجوا قالوا: يا ليتنا كنا مثلهم فتدركنا الشفاعة فنخرج من النار، فذلك قول الله جل وعلا: {ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين}.
قال: فيُسَمَّون في الجنة الجهنَّميين من أجل سوادٍ في وجوههم فيقولون: ربنا أذهب عنا هذا الاسم، قال: فيأمرهم فيغتسلون في نهر الجنة فيذهب ذلك منهم).
والنوع الآخر: أحاديث يستدلّ بها على التفسير من غير نصّ عليه.
ومثال هذا النوع ما رواه البخاري في صحيحه من طريق عبد الله بن طاووس بن كيسان عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان المنطق، والنفس تمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك كله ويكذبه»
ومثاله أيضاً ما روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص من طرق يشدّ بعضها بعضاً أنه قال: «من تاب قبل موته بعام تيب عليه» حتى قال: «بشهر» حتى قال: «بجمعة» حتى قال: «بيوم» حتى قال: «بساعة» حتى قال: «بفواق».
فقال له رجل: سبحان الله أولم يقل الله عز وجل: {وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن}؟
فقال عبد الله: إنما أحدثك بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فهذا الحديث مما يستدلّ به على تفسير قول الله تعالى: {ثم يتوبون من قريب}.
ويشهد له حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله تعالى يقبل توبة عبده ما لم يغرغر " رواه أحمد وابن ماجه.

3. تفسير الصحابة بما يعرفون من وقائع التنزيل
ومما يمتاز به الصحابة على من بعدهم شهودهم لوقائع التنزيل، ولذلك أثر حسن مبارك في معرفة المعنى وإدراك المقصد وبيان المشكل على من لم يعرف ذلك.
ومن أمثلة ذلك: ما رواه البخاري في صحيحه من طريق الزهري عن عروة بن الزبير قال: سألت عائشة رضي الله عنها فقلت لها: أرأيت قول الله تعالى: {إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما}، فوالله ما على أحد جناح أن لا يطوف بالصفا والمروة، قالت: بئس ما قلت يا ابن أختي، إن هذه لو كانت كما أولتها عليه، كانت: لا جناح عليه أن لا يتطوف بهما، ولكنها أنزلت في الأنصار، كانوا قبل أن يسلموا يهلون لمناة الطاغية، التي كانوا يعبدونها عند المشلَّل، فكان من أهلَّ يتحرَّج أن يطوف بالصفا والمروة، فلما أسلموا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، قالوا: يا رسول الله، إنا كنا نتحرج أن نطوف بين الصفا والمروة، فأنزل الله تعالى: {إن الصفا والمروة من شعائر الله}. الآية قالت عائشة رضي الله عنها: «وقد سنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما، فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما».
قال: ثم أخبرت أبا بكر بن عبد الرحمن فقال: إن هذا لعلم ما كنت سمعته، ولقد سمعت رجالاً من أهل العلم يذكرون: أن الناس - إلا من ذكرت عائشة - ممن كان يهل بمناة، كانوا يطوفون كلهم بالصفا والمروة، فلما ذكر الله تعالى الطواف بالبيت، ولم يذكر الصفا والمروة في القرآن، قالوا: يا رسول الله، كنا نطوف بالصفا والمروة وإن الله أنزل الطواف بالبيت فلم يذكر الصفا، فهل علينا من حرج أن نطوف بالصفا والمروة؟
فأنزل الله تعالى: {إن الصفا والمروة من شعائر الله} الآية.
قال أبو بكر: «فأسمع هذه الآية نزلت في الفريقين كليهما، في الذين كانوا يتحرجون أن يطوفوا بالجاهلية بالصفا والمروة، والذين يطوفون ثم تحرجوا أن يطوفوا بهما في الإسلام، من أجل أن الله تعالى أمر بالطواف بالبيت، ولم يذكر الصفا حتى ذكر ذلك بعد ما ذكر الطواف بالبيت»
- وفي صحيح البخاري من حديث خالد بن أسلم، قال: خرجنا مع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فقال أعرابي: أخبرني عن قول الله: {والذين يكنزون الذهب والفضة، ولا ينفقونها في سبيل الله} قال ابن عمر رضي الله عنهما: «من كنزها، فلم يؤد زكاتها، فويل له، إنما كان هذا قبل أن تنزل الزكاة، فلما أنزلت جعلها الله طُهراً للأموال»

4. تفسير الصحابة بلغة العرب
من طرق التفسير عند الصحابة رضي الله عنهم التفسير بلغة العرب، وكان من أكثرهم استعمالاً لهذا الطريق ابن عباس رضي الله عنهما.
- قال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: «شهدت ابن عباس، وهو يسأل عن عربية القرآن، فينشد الشعر» رواه الإمام أحمد في فضائل الصحابة.
- وقال مسمع بن مالك: سمعت عكرمة قال: «كان إذا سئل ابن عباس عن شيء من القرآن أنشد شعراً من أشعارهم» رواه ابن أبي شيبة.

وقد روي عنه في ذلك آثار كثيرة:
منها: ما رواه أبو المعلى العطّار عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أنه كان يقرأ {دارست} ويقول: «دارس كطعم الصاب والعلقم» أخرجه ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم.
ومنها:
ما رواه إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد قال: "(كان ابن عباس لا يدري ما {فاطر السموات} حتى جاءه أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما: يا أبا عباس بئري أنا فطرتها، فقال: خذها يا مجاهد {فاطر السموات}). رواه الدولابي في الكنى واللفظ له، ورواه ابن جرير والبيهقي.

ومنها: ما رواه منصور بن المعتمر، عن مجاهد، عن ابن عباس، في هذه الآية {إلا اللمم} قال: (الذي يلم بالذنب ثم يدعه، ألم تسمع قول الشاعر:
إن تغفر اللهم تغفر جما ... وأي عبد لك لا ألما ).
أخرجه الحاكم في مستدركه.
ومنها: ما رواه الأجلح الكندي عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: أتاه رجل وأنا جالس فقال: أرأيت قول الله: (وثيابك فطهر) قال: لا تلبسها على معصية ولا على غدرة، ثم قال: أما سمعت قول غيلان بن سلمة الثقفي:
وإني بحمد الله لا ثوب فاجر ... لبست ولا من غدرة أتقنع).
أخرجه ابن جرير.
ومنها: ما رواه عبد الله بن أبي مليكة، عن ابن عباس (وما وسق): وما جمع، ألم تسمع قول الشاعر: مستوسقات لو يجدن سائقا ).
أخرجه ابن جرير.

5. اجتهاد الصحابة في التفسير
والصحابة رضي الله عنهم يجتهدون رأيهم في التفسير عند الحاجة من غير تكلّف، ولا ادّعاء للعصمة، واجتهادهم أقرب إلى التوفيق للصواب ممن بعدهم لما سبق ذكره من أوجه تفضيل تفسيرهم، وامتلاكهم من أدوات الاجتهاد ما لا يقاربهم فيه غيرهم.
ومن أمثلة اجتهادهم في التفسير: اجتهاد أبي بكر رضي الله عنه في تفسير الكلالة؛ فيما روي عنه من طرق أنه قال: «إني قد رأيت في الكلالة رأيا، فإن كان صوابا فمن الله وحده لا شريك له، وإن يكن خطأ فمني والشيطان، والله منه بريء؛ إن الكلالة ما خلا الولد والوالد»
قال الشعبي: (فلما استخلف عمر رضي الله عنه، قال: إني لأستحيي من الله تبارك وتعالى أن أخالف أبا بكر في رأي رآه). هذا لفظ ابن جرير، وهذا التفسير ثابت عن أبي بكر رضي الله عنه من طرق أخرى موصولة.
وقد صحّ تفسير الكلالة مرفوعاً من حديث جابر رضي الله عنه في الصحيحين، بما يوافق تفسير أبي بكر). [طرق التفسير:65 - 72]


رد مع اقتباس
  #30  
قديم 5 صفر 1439هـ/25-10-2017م, 11:04 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في التفسير
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في التفسير
اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في مسائل التفسير قليل جداً في جنب ما لم يؤثر عنهم فيه اختلاف.

وما روي عنهم من مسائل الخلاف فأكثره مما لا يصح إسناده، وما صحّ إسناده إليهم فهو على نوعين:
النوع الأول: ما يصحّ فيه الجمع بين الأقوال دون الحاجة إلى الترجيح، وأكثره مما يكون من باب التفسير بالمثال أو ببعض المعنى.
ومن أمثلة هذا النوع ما تقدّم من القولين في سبب نزول قول الله تعالى: {إن الصفا والمروة من شعائر الله فمنّ حجّ البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوّف بهما...}
وقد حكى القولين عن الصحابة أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام كما في صحيح البخاري.
ومن أمثلته: اختلافهم في المراد بالعذاب الأدنى:
فقال أبيّ بن كعب: هو مصائب الدنيا.
وقال ابن مسعود: هو يوم بدر.
وقال ابن عباس: هو الحدود.
فتفسير أبيّ أعمّ بأنّ كل ما يصيبهم من العذاب في الدنيا فهو مما توعّدوا به.
وتفسير ابن مسعود يعدّ من قبيل التفسير بالمثال؛ فما أصابهم من العذاب يوم بدر مثال على المصائب العظيمة التي وقعت عليهم بسبب كفرهم وعنادهم.
وأما تفسير ابن عباس فمحمولٌ على التنبيه على سعة دلالة الآية على وعيد المنافقين الذين يصيبون بعض ما يقام عليهم به الحدّ؛ فيكون هذا الحدّ من العذاب الأدنى الذي يقع عليهم لعلّهم يرجعون فيؤمنون ويتوبون ومن أصرّ على نفاقه وكفره فينتظره العذاب الأكبر.
وهذا من دقيق فقه ابن عباس رضي الله عنهما.
قال ابن جرير رحمه الله بعد أن أسند الأقوال إليهم: (وأولى الأقوال في ذلك أن يقال: إن الله وعد هؤلاء الفسقة المكذبين بوعيده في الدنيا العذاب الأدنى، أن يذيقهموه دون العذاب الأكبر، والعذاب: هو ما كان في الدنيا من بلاء أصابهم، إما شدة من مجاعة، أو قتل، أو مصائب يصابون بها، فكل ذلك من العذاب الأدنى، ولم يخصص الله تعالى ذكره، إذ وعدهم ذلك أن يعذبهم بنوع من ذلك دون نوع، وقد عذبهم بكل ذلك في الدنيا بالقتل والجوع والشدائد والمصائب في الأموال، فأوفى لهم بما وعدهم).
ومن أمثلته أيضاً: اختلافهم في المراد بالقسورة:
فقال ابن عباس: هم الرماة.
وقال أبو هريرة: الأسد.
والقسورة لفظ مشترك يطلق على الرماة وعلى الأسد، وكلٌّ قد قال ببعض المعنى.
والنوع الآخر: ما يُحتاج فيه إلى الترجيح، وعامّة مسائل هذا النوع مما يكون للخلاف فيه سبب يُعذر به صاحب القول المرجوح). [طرق التفسير:73 - 75]

رد مع اقتباس
  #31  
قديم 5 صفر 1439هـ/25-10-2017م, 11:07 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

أسباب اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في التفسير
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (أسباب اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في التفسير
ما يصحّ من اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في التفسير له أسباب:

- منها: أن يقول كلُّ واحد بما بلغه من العلم، ويكون تمام المعنى بمجموع ما بلغهم.
- ومنها: أن يفسّر أحدهم بمثال أو بجزء من المعنى، ويفسّر الآخر بمثال آخر أو بجزء آخر من المعنى، ومن ذلك أن يكون في الآية مشترك لفظي أو مشترك أسلوبي فيفسّر كل واحد الآية ببعض معناها.
- ومنها: أن يقصد بعضهم إلى إلحاق معنى تشمله دلالة الآية وقد يُغفل عنه؛ فيفسّر الآية به تنبيهاً وإرشاداً، ويفسّر غيره الآية على ظاهرها.
- ومنها: أن يدرك بعضهم مقصد الآية فيفسّر الآية بها، ويفسّر بعضهم الآية على ظاهر لفظها.
- ومنها: أن يُسأل أحدهم عن مسألة فيجيب عليها بآية من القرآن فينقل قوله على أنّه تفسير لتلك الآية، وهو مما يدخل في باب التفسير ببعض المعنى.
- ومنها: أن يكون أحدهم متمسّكاً بنصٍّ منسوخ لم يعلم ناسخه، ويكون هذا في الأحكام.
- ومنها: أن يكون مُستنَد أحدهم النص، ومستند الآخر الاجتهاد.
- ومنها: أن تكون المسألة اجتهادية فيختلف اجتهادهم فيها.
- ومنها: أن يفسّر بعضهم على اللفظ، ويفسّر بعضهم على سبب النزول لعلمه بحاله.
والتمثيل على هذه الأنواع يطول جداً، والمقصود التنبيه على قلة الخلاف في مسائل التفسير عند الصحابة، وأن ما صحّ منه فله أسبابه.
وقد أرشد الصحابةُ التابعين إلى الهدى في هذه الحالة، ففي صحيح مسلم من حديث مسلم بن صبيح، عن مسروق، قال: جاء إلى عبد الله [وهو ابن مسعود] رجلٌ فقال: تركت في المسجد رجلا يفسر القرآن برأيه يفسر هذه الآية: {يوم تأتي السماء بدخان مبين}.
قال: يأتي الناس يوم القيامة دخان، فيأخذ بأنفاسهم حتى يأخذهم منه كهيئة الزكام، فقال عبد الله: (من علم علما فليقل به، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم، فإن من فقه الرجل أن يقول لما لا علم له به: الله أعلم، إنما كان هذا، أن قريشا لما استعصت على النبي صلى الله عليه وسلم، «دعا عليهم بسنين كسني يوسف»، فأصابهم قحط وجهد، حتى جعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد، وحتى أكلوا العظام، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: يا رسول الله استغفر الله لمضر، فإنهم قد هلكوا، فقال: «لمضر؟!! إنك لجريء» قال: فدعا الله لهم، فأنزل الله عز وجل: {إنا كاشفو العذاب قليلا إنكم عائدون} قال: فمطروا، فلما أصابتهم الرفاهية، قال: عادوا إلى ما كانوا عليه، قال: فأنزل الله عز وجل: {فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين، يغشى الناس هذا عذاب أليم} {يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون} قال: يعني يوم بدر).
فذكر ابن مسعود القول الذي يعرفه بصحبته للنبي صلى الله عليه وسلم، وعلمه بأحوال نزول القرآن، ولم يعبْ على من علم علماً أن يقول به.
ومن النادر وقوع اختلاف بسبب تأويل خاطئ؛ وما وقع من ذلك فلا يخلو قائله من الإنكار عليه وبيان خطئه، كما روى النسائي في السنن الكبرى من طريق ثور بن زيدٍ الديلي، عن عكرمة، عن ابن عباسٍ، أن قدامة بن مظعونٍ، شرب الخمر بالبحرين فشُهد عليه ثم سُئل فأقرَّ أنه شربه، فقال له عمر بن الخطاب: ما حملك على ذلك، فقال: لأن الله يقول: {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناحٌ فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات}، وأنا منهم أي من المهاجرين الأولين، ومن أهل بدرٍ، وأهل أحدٍ.
فقال: للقوم أجيبوا الرجل؛ فسكتوا.
فقال لابن عباسٍ: أجبه.
فقال: إنما أنزلها عذرًا لمن شربها من الماضين قبل أن تحرم وأنزل: {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان} حجةً على الباقين.
ثم سأل مَن عنده عن الحدّ فيها، فقال علي بن أبي طالبٍ: إنه إذا شرب هذى، وإذا هذى افترى فاجلدوه ثمانين)). [طرق التفسير:75 - 77]

رد مع اقتباس
  #32  
قديم 5 صفر 1439هـ/25-10-2017م, 11:10 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

مراتب حجّيّة أقوال الصحابة رضي الله عنهم في التفسير
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (مراتب حجّيّة أقوال الصحابة رضي الله عنهم في التفسير
أقوال الصحابة رضي الله عنهم في التفسير على مراتب:

المرتبة الأولى: ما له حكم الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو على أنواع:
منها: ما يصرّح فيه بأخذه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ومنها: مراسيل الصحابة.
ومنها: ما لا يقال بالرأي والاجتهاد، ولم يأخذه الصحابي عمن يروي عن بني إسرائيل فهذا مع ضميمة الجزم بتورّع الصحابة رضي الله عنهم وتثبّتهم في القول عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم يدلّ على أنّهم إنما أخذوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومنها: قول الصحابي الصريح في سبب النزول.
فهذه المرتبة ما صحّ منها فهو حجّة في التفسير.
والمرتبة الثانية: أقوالٌ صحّت عنهم في التفسير، اتّفقوا عليها ولم يختلفوا فيها، فهذه حجّة أيضاً لحجيّة الإجماع، وأرفعه إجماع الصحابة رضي الله عنهم.
والمرتبة الثالثة: ما اختلف فيه الصحابة رضي الله عنهم، وهذا الاختلاف على نوعين:
النوع الأول: اختلاف تنوّع، وهو ما يمكن جمع الأقوال الصحيحة فيه من غير تعارض؛ فهذه الأقوال بمجموعها حجّة على ما يعارضها.
والنوع الثاني: اختلاف تضادّ لا بدّ فيه من الترجيح؛ فهذا مما يجتهد العلماء المفسّرون فيه لاستخراج القول الراجح بدليله.
وهذا النوع لا بدّ أن يكون أحد القولين فيه مأخذه الاجتهاد؛ لأنه لا يقع تعارض بين نصين، وإذا تعارض النص والاجتهاد قُدّم النص). [طرق التفسير:78 - 79]

رد مع اقتباس
  #33  
قديم 5 صفر 1439هـ/25-10-2017م, 11:12 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

أقسام المرويات عن الصحابة في التفسير
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (أقسام المرويات عن الصحابة في التفسير
تنقسم المرويّات عن الصحابة في التفسير من حيث الصحّة والضعف إلى أربعة أقسام:

القسم الأول: صحيح الإسناد صحيح المتن؛ فهذا النوع يُحكم بثبوته عن الصحابي رضي الله عنه، ثمّ يكون حكمه على ما سبق بيانه من مراتب حجيّة أقوال الصحابة.
القسم الثاني: ضعيف الإسناد غير منكر المتن، وهذا النوع كثير في كتب التفسير المسندة، وهو على ثلاث مراتب يأتي تفصيلها.
القسم الثالث: ضعيف الإسناد منكر المتن؛ فهذا النوع يُحكم بضعفه، ويُردّ ولا تصحّ نسبته إلى الصحابة رضي الله عنهم.
القسم الرابع: صحيح الإسناد في ظاهر الأمر لكنّه منكر المتن؛ ومرويات هذا النوع قليلة جداً في كتب التفسير، ونكارة المتن تدلّ على علّة خفية في الإسناد تعرف بجمع الطرق وتفحّص أحوال الرواة وأخبارهم فمن الرواة من يكون ثقة له أوهام وأخطاء، وقد ينصّ بعض الأئمة النقاد على أخطاء بعض الثقات من الرواة؛ فإذا عُرفت العلّة وتبيّن الخطأ عُرف أن ذلك القول المنكر لا تصحّ نسبته إلى الصحابة.
غير أنه ينبغي التنبّه إلى أن الحكم بنكارة المتن قضيّة اجتهادية؛ فقد يتوّهم المفسّر نكارةَ المتن لما سبق إلى فهمه، ويكون للقول تأويل صحيح سائغ غير متكلَّف ولا منكر). [طرق التفسير:97 - 80]

رد مع اقتباس
  #34  
قديم 5 صفر 1439هـ/25-10-2017م, 11:14 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

مراتب الضعف فيما روي عن الصحابة في التفسير
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (مراتب الضعف فيما روي عن الصحابة في التفسير
ما يحكم عليه بالضعف مما يُروى عن الصحابة في التفسير على نوعين:

النوع الأول: ما يكون ضعفه بسبب نكارة متنه، وقد تقدّم الحديث عنه.
والنوع الآخر: ما يكون ضعفه بسبب ضعف إسناده، وهو على ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى: الضعف اليسير، كأن يكون من مراسيل الثقات، أو فيه انقطاع يسير، أو راوٍ ضعيف الضبط يُكتب حديثه، ونحو هذه العلل التي يكون الإسناد فيها معتبراً قابلاً للتقوية بتعدد الطرق، والمتن غير منكر؛ فمرويات هذه المرتبة قد جرى عمل أئمة المحدّثين والمفسّرين على روايتها والتفسير بها إلا أن تتضمّن حكماً شرعياً؛ فمنهم من يشدّد في ذلك إلا أن تحتفّ به قرائن تقوّيه كجريان العمل به.
والمرتبة الثانية: الضعف الشديد، وهو ما يكون فيه الإسناد واهياً غير معتبر؛ لكون أحد رواته متروك الحديث لكثرة خطئه أو اضطراب حديثه أو شَابَته شائبة التهمة بالكذب من غير أن يظهر في المتن نكارة؛ فهذا النوع من أهل الحديث من يشدّد في روايته، ومن المفسّرين الكبار من ينتقي من مرويات هذه الطرق ويَدَع منها.
وهذه المرتبة ليست حجّة في التفسير ولا تصحّ نسبة ما روي بأسانيدها إلى الصحابة ، وقد تساهل بعض المفسّرين في ذلك وحذفوا الأسانيد اختصاراً، وكان هذا من أسباب شيوع كثير من الأقوال المعلولة إلى الصحابة رضي الله عنهم.
ومرويات هذا النوع كثيرة في كتب التفسير المسندة.
والمرتبة الثالثة: الموضوعات على الصحابة في التفسير؛ فهذه لا تحلّ روايتها إلا على التبيين أو لفائدة عارضة يُستفاد منها في علل المرويات.
وقد اشتهر برواية الموضوعات رواة ضعفاء متهمون بالكذب لهم نسخ في التفسير في زمانهم من أمثال محمد بن السائب الكلبي(ت:146هـ) ومقاتل بن سليمان البلخي(ت:150ه) وأبو الجارود زياد بن المنذر الهمداني(ت: بعد 150هـ) وموسى بن عبد الرحمن الصنعاني(ت:190هـ) وأضرابهم.
فهؤلا كانت لهم تفاسير معروفة في زمانهم وقد تجنّب الرواية عنها أئمة المفسّرين الكبار من أمثال عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، ومنهم من ينتقي منها شيئاً يسيراً كما انتقى ابن جرير مرويات قليلة جداً من تفسير أبي الجارود وتفسير الكلبي وتحاشى الرواية عن مقاتل بن سليمان وموسى الصنعاني.
لكن هؤلاء الضعفاء قد تساهل بعض المفسّرين المتأخرين في الرواية عنهم كابن شاهين والثعلبي والواحدي وقد شانوا تفاسيرَهم بالرواية عنهم.
ثم اختصر بعض المفسرين ما في هذه التفاسير وحذفوا الأسانيد اختصاراً كما فعل الماوردي وابن الجوزي في تفاسيرهم فشاع بسبب ذلك عن الصحابة أقوال لا تصحّ نسبتها إليهم). [طرق التفسير:80 - 82]

رد مع اقتباس
  #35  
قديم 5 صفر 1439هـ/25-10-2017م, 11:17 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

قول الصحابي في نزول الآية
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (قول الصحابي في نزول الآية
مما يتّصل بمبحث تفاسير الصحابة أقوالهم في نزول الآيات، وهو على نوعين:

النوع الأول: ما كان صريحاً في نقل سبب النزول فهذا له حكم الرفع؛ لأنه نقل حادثة وقعت في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، والصحابة عدول فيما ينقلون.
قال أبو عبد الله الحاكم: (الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل فأخبر عن آية من القرآن أنها نزلت في كذا وكذا فإنه حديثٌ مُسند).
ومراده بالمُسند هنا: المرفوع.
وقال ابن الصلاح: (ما قيل من أنّ تفسير الصّحابيّ حديثٌ مسندٌ، فإنّما ذلك في تفسيرٍ يتعلّق بسبب نزول آيةٍ يخبر به الصّحابيّ أو نحو ذلك، كقول جابرٍ رضي اللّه عنه: (كانت اليهود تقول: من أتى امرأته من دبرها في قبلها جاء الولد أحول؛ فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {نساؤكم حرثٌ لكم..} الآية).
فأمّا سائر تفاسير الصّحابة الّتي لا تشتمل على إضافة شيءٍ إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فمعدودةٌ في الموقوفات. واللّه أعلم).
والنوع الثاني: ما كان لبيان معنى تدلّ عليه الآية؛ فهذا حكمه حكم اجتهاد الصحابة في التفسير،
ومن أمثلته: ما رواه ابن جرير عن سلمة بن كهيل، عن أبي الطفيل، قال: سأل عبد الله بن الكوَّاء عليًّا عن قوله: {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا} قال: أنتم يا أهل حروراء).
فهذا فيه أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه يرى أن معنى الآية يتناولهم وإن كان لا يحكم بكفرهم لكنّهم شابهوا الكفار في هذا المعنى.
وقد روى ابن أبي حاتم والطبراني عن زكريا بن يحيى القصاب قال: سألت أبا غالب عن قول الله عز وجل: {ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين}؛ فقال: حدثني أبو أمامة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: " نزلت في الخوارج، حين رأوا تجاوز الله عن المسلمين، وعن الأمة والجماعة قالوا: يا ليتنا كنا مسلمين).
أبو غالب البصري ضعيف الحديث، ولا يصحّ رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لكن روي عن أبي أمامة من أكثر من وجه أنه أنزل بعض الآيات على الخوارج؛ كقوله تعالى: {فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتّبعون ما تشابه منه}، وقوله تعالى: {إن الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعاً ... }
فهذا كلّه من قبيل التفسير لا من صريح سبب النزول.
وعليه فإنّ قول الصحابي: (هذه الآية نزلت في كذا) قد يراد به صريح سبب النزول، وقد يراد به التفسير أي أن معنى الآية يتناوله.
والله تعالى أعلم). [طرق التفسير:82 - 83]

رد مع اقتباس
  #36  
قديم 6 صفر 1439هـ/26-10-2017م, 11:26 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

الباب الخامس:تفسير القرآن بأقوال التابعين

تفسير القرآن بأقوال التابعين

قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (تفسير القرآن بأقوال التابعين
من طرق التفسير المعتبرة؛
تفسير القرآن بأقوال التابعين، والأخذ عن التابعين واتّباعهم له أصل في القرآن؛ فإنّ الله تعالى قد أثنى على أصحاب نبيّه صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار وبيّن ما أعدّ لهم من الثواب العظيم الذي يدلّ دلالة بيّنة على هدايتهم ورضا الله عزّ وجلّ عنهم.

ثم اشترط على التابعين شرطاً من أتى به كان مع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أن يتّبعهم بإحسان كما بيّنه قول الله تعالى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم}
ومن إحسان الاتباع أن يصدّق التابعون بما صدّق به الصحابة، وأن يقبلوا ما قبلوه، وأن يردّوا ما يردّوه، وأن يسيروا على منهاجهم، ويأخذوا دينهم بالاتباع لا بالابتداع.
وقد جعل الله تعالى موافقة الصحابة رضي الله عنهم فيما آمنوا به علامة بيّنة على الهداية كما دلّ على ذلك قول الله تعالى: {فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا}، وقد كانوا هم المخاطبين وقت نزول الآية.
وقد ورد الوعيد الشديد على مخالفة سبيلهم في قول الله تعالى: { وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)}.
وكان الصحابة يحذّرون من الذين يخالفون سبيلهم، ويبيّنون ما بيّنه الله في كتابه وما بيّنه النبي صلى الله عليه وسلم من وجوب اتّباعهم بإحسان.
روى ابن أبي حاتم في تفسيره من طريق إسحاق بن سليمان، قال: حدّثنا أبو سنانٍ [الشّيبانيّ] عن ابن عبّاسٍ أنه أتاه رجلٌ فذكر بعضَ أصحابِ محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم ورضي عنهم، كأنه يتنقَّص بعضهم؛ فقال ابن عبّاسٍ: {والسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار والّذين اتّبعوهم بإحسانٍ} أمّا أنت فلم تتّبعهم بإحسانٍ).
فقد أوجب الله تعالى اتّباع سبيل المؤمنين، وتوعّد من خالفه، وسمّى لنا أئمة المؤمنين الذين يُقتدى بهم، وهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار، والذين اتّبعوهم بإحسان.
ولذلك اشتدّ حذر الأئمة من أن يقولوا قولاً يخالفون به سلفهم من الصحابة والتابعين، كما قال الإمام أحمد: (إيَّاك أن تتكلَّم في مسألة ليس لك فيها إمام) رواه ابن الجوزي في مناقبه.
ولا شكّ أن أولى الناس بهذا الوصف من شهد لهم الصحابة رضي الله عنهم بإحسان الاتّباع، وأثنوا عليهم، وائتمنوهم على تعليم الناس وإفتائهم، وأمروا بالأخذ عنهم، ومن استفاض ثناء الأئمة عليهم بما يدلّ على صدقهم وعلمهم وفضلهم، وقد ورد في ذلك جملة من الآثار). [طرق التفسير:85 - 86]


رد مع اقتباس
  #37  
قديم 6 صفر 1439هـ/26-10-2017م, 11:29 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

الأحاديث الواردة في فضل التابعين
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (الأحاديث الواردة في فضل التابعين
وقد نبّه النبي صلى الله عليه وسلم على فضل التابعين في غير ما حديث حتى استقرّ ذلك في نفوس السلف الصالح رحمهم الله، وعرفوا شرط أفضليتهم فاعتنوا به واجتهدوا فيه.

وقد ورد في فضل التابعين أحاديث عدة:
- منها: حديث إبراهيم النخعي ، عن عبيدة السلماني، عن عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» متفق عليه، وروي نحوه من حديث عمران بن الحصين، وحديث النعمان بن بشير، وغيرهما.
- ومنها: حديث أبي الزبير، عن جابر عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يأتي على الناس زمان، يبعث منهم البعث فيقولون: انظروا هل تجدون فيكم أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ فيوجد الرجل، فيفتح لهم به، ثم يبعث البعث الثاني فيقولون: هل فيهم من رأى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ فيفتح لهم به، ثم يبعث البعث الثالث فيقال: انظروا هل ترون فيهم من رأى من رأى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ ثم يكون البعث الرابع فيقال: انظروا هل ترون فيهم أحدا رأى من رأى أحدا رأى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ فيوجد الرجل فيفتح لهم به).رواه مسلم.
- ومنها: حديث عبد الله بن العلاء قال: حدثنا عبد الله بن عامر، عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزالون بخير ما دام فيكم من رآني وصَاحَبني، والله لا تزالون بخير ما دام فيكم من رأى من رآني وصَاحَب مَن صَاحَبَني» رواه ابن أبي شيبة في مصنفه وابن أبي عاصم في السنة وابن السمّاك، وقد صححه الألباني في السلسلة الصحيحة.
فهذه الأحاديث تدلّ دلالة بيّنة على فضل التابعين للصحابة بإحسان، وسمّوا بالتّابعين لقول الله تعالى: {والذين اتّبعوهم بإحسان}..، وهذا الاسم الشريف يدلّ على أنّهم إنما نالوا أفضليتهم بإحسانهم اتّباع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
فمن شُهد له بإحسان الاتباع فهو إمام من أئمة الدين،
يُؤتسى به، ويعتبر تفسيره للقرآن، ويُحتجّ بروايته بالشروط المعتبرة عند أهل الحديث، وهي أن لا يخالف قوله نصّاً ولا قول صحابيّ ولا يخالفه أهل العلم من التابعين.
- فأمّا الاحتجاج بروايته فلأجل ما عُرف من عدالته وضبطه إلا أن يظهر في روايته علّة من العلل التي توجب الرد بما يعرفه أهل الحديث.
- وأما اعتبار قوله في التفسير؛ فالمراد به أنه له حظ من النظر، ويقبل بالشروط التي يأتي بيانها في أحكام تفسير التابعين.
- وأما الاتّساء بفعله فلأجل ما عرف من تأسّيه بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، واهتدائه بهديهم، ولذلك يُشترط في التأسي به أن لا يُخالف هديَ النبي صلى الله عليه وسلم ولا هديَ أصحابه). [طرق التفسير:87 - 88]


رد مع اقتباس
  #38  
قديم 6 صفر 1439هـ/26-10-2017م, 11:32 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

أعلام المفسّرين من التابعين:
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (أعلام المفسّرين من التابعين:
عُرف بالإمامة في التفسير جماعة من التابعين منهم:

1. الربيع بن خثيم الثوري (ت:61هـ) وقد كان من العلماء الحكماء العبّاد من أصحاب ابن مسعود.
قال بكر بن ماعز: ( كان عبد الله بن مسعود إذا رأى الربيع بن خثيم مقبلا قال : {بشر المخبتين}، أما والله لو رآك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحبك). رواه ابن أبي شيبة.

2: مسروق بن الأجدع الهمْداني (ت:62هـ)؛ الإمام العابد الفقيه المخضرم، كان معروفاً بحرصه على طلب العلم ومجالسة الصحابة رضي الله عنهم.
قال الشعبي: (ما علمت أن أحداً كان أطلب للعلم في أفقٍ من الآفاق من مسروقٍ).
وقال علي بن المديني: (ما أقدم على مسروقٍ أحداً من أصحاب عبد الله، صلى خلف أبي بكرٍ، ولقي عمراً وعلياً، ولم يرو عن عثمان شيئاً، وزيد بن ثابت وعبد الله والمغيرة وخباب بن الأرت).رواه الخطيب البغدادي.
وروى الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق أنه قال: (لقد جالست أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؛ فوجدتهم كالإخاذ؛ فالإخاذ يروي الرجل، والإخاذ يروي الرجلين، والإخاذ يروي العشرة، والإخاذ يروي المائة، والإخاذ لو نزل به أهل الأرض لأصدرهم؛ فوجدت عبد الله بن مسعود من ذلك الإخاذ). رواه ابن سعد والبيهقي وابن عساكر.
الإخاذ: مجمَع الماء؛ كالغدير ونحوه.

3: عبيدة بن عمرو بن قيس السلماني المرادي (ت: 72هـ) ، وهو من كبار التابعين وعلمائهم، ومن خاصّة أصحاب علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود.

4. زِرُّ بنُ حُبَيشِ بنِ حُباشةَ الأسديّ (ت: 82هـ)
الإمام المقرئ المفسّر، من المخضرمين، من كبار التابعين وأجلائهم وفقهائهم، وكان فصيحاً عالماً بالعربية، وفد على عمر، ولزم ابن مسعود وأبيّ بن كعب وعبد الرحمن بن عوف.
قال عاصم بن أبي النجود: (كان زر بن حبيش أعرب الناس، وكان عبد الله [بن مسعود] يسأله عن العربية). رواه ابن سعد.
وروى ابن سعد في الطبقات عن عاصم عن زرّ أنه قال: (خرجت في وفد من أهل الكوفة، وايم الله إن حرضني على الوفادة إلا لقاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلما قدمت المدينة أتيت أبيّ بن كعب، وعبد الرحمن بن عوف، فكانا جليسيَّ وصاحبيَّ، فقال أبيٌّ: يا زرّ ما تريد أن تدع من القرآن آية إلا سألتني عنها).

5: أبو وائل شقيق بن سلمة الأسدي (ت: 83هـ تقريباً)
من خيار التابعين وعلمائهم، أدرك زمان النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يلقه، وتلقّى العلم عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم عمر، وعثمان، وعلي، وابن مسعود، وحذيفة بن اليمان، وأبو موسى الأشعري، وابن عمر، وابن عباس، وغيرهم.
وكان ثقة عابداً زاهداً، من خاصة أصحاب ابن مسعود، وأعلمهم بحديثه، وأحفظهم له.
قال إبراهيم النخعي للأعمش: (عليك بشقيق، فإني رأيت الناس وهم متوافرون، وهم يعدونه من خيارهم). رواه الخطيب البغدادي.

6: أبو العالية رُفيع بن مهران الرياحي (ت: 93هـ)
الإمام القارئ المفسّر الفقيه، تابعيّ مخضرم، أدرك الجاهلية، وأسلم في خلافة أبي بكرٍ الصديق، وقرأ القرآن على عمر وأبيّ بن كعب وزيد بن ثابت.
وكان مملوكاً لامرأة من بني رياح فأعتقته سائبة لله.
وكان عابداً عالماً كثير تلاوة القرآن، حسن التفقّه فيه، وكان ابن عباس يُحبّه ويُكرمه ويقدّمه.
قال أبو العالية: كنت آتي ابن عباس وهو أمير البصرة، فيجلسني على السرير، وقريش أسفل، فتغامزت قريش بي، فقالت: يرفع هذا العبد على السرير! ففطن بهم، فقال: إن هذا العلم يزيد الشريف شرفا، ويجلس المملوك على الأسرة.) ذكره الذهبي في تاريخ الإسلام.

7. سعيد بن المسيب المخزومي (ت:94هـ) ولد في خلافة عمر ورآه، وكان حريصاً على طلب العلم حسن الحفظ والفهم؛ فاجتمع له علم غزير على حين وفرة الصحابة في المدينة، وتفقه على زيد بن ثابت، وحفظ عن أبي هريرة حديثاً كثيراً، واعتنى بحفظ ما يبلغه من فقه عمر بن الخطاب وأقضيته حتى قال يحيى بن سعيد الأنصاري: (كان يقال: ابن المسيب راوية عمر).
قال الليث بن سعد: (لأنه كان أحفظ الناس لأحكامه وأقضيته).
وقال علي ابن المديني: (لا أعلم في التابعين أوسع علما منه، هو عندي أجل التابعين).
أفتى في حضرة الصحابة، وكان من الصحابة من يسأله لعلمه وحفظه.

8: سعيد بن جبير الأسدي (ت:95هـ)
من جهابذة العلماء وكبار العبّاد، أخذ جلّ علمه عن ابن عباس وابن عمر وأخذ عن غيرهما من الصحابة وكبار التابعين، وكان حافظاً فَهِماً، وكان يسائل ابن عباس، ويحسن فهم مسائل العلم؛ فاعتنى به ابن عباس، وحدّثه فأكثر؛ حتى قال: لقد حفظت عني علماً كثيراً، وكان سعيد يكتب في صحف له، وكان يسمع سؤالات أصحاب ابن عباس له فيتفهّمها ويحفظها؛ حتى حصّل علماً غزيراً وهو شابُّ لم يبلغ الثلاثين من عمره؛ وأمره ابن عبّاس بالفتوى والتحديث؛ فكان مفتي أهل الكوفة في زمانه.
قال مجاهد :قال ابن عباس لسعيد بن جبير: حدّث.
فقال: أُحدِّث وأنت ها هنا !!
فقال: أوليس من نعمة الله عليك أن تحدث وأنا شاهد؛ فإن أصبت فذاك، وإن أخطأت علَّمتك). رواه ابن سعد وابن أبي حاتم.
وقال: جعفر بن أبي المغيرة: كان ابن عباس بعدما عَمِي إذا أتاه أهل الكوفة يسألونه قال: تسألوني وفيكم بن أم دهماء) يعني سعيد بن جبير.
قال أشعث بن إسحاق: (كان يقال: سعيد بن جبير جهبذ العلماء). رواه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل.
الجهبذ هو الناقد البصير؛ الذي يميّز الصحيح من غيره.

9: أبو الحجاج مجاهد بن جبر المكي: (ت:102هـ)
وهو من أعلم أصحاب ابن عباس بالتفسير وأكثرهم سؤالاً له.
قال ابن أبي مليكة: (رأيت مجاهدًا يسأل ابن عباسٍ عن تفسير القرآن ومعه ألواحه فيقول له ابن عباسٍ: اكتب، قال: حتى سأله عن التفسير كله).رواه ابن جرير.
قال مجاهد: (لقد عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات أقف عند كل آية أسأله فيم أنزلت، وفيم كانت؟). رواه الدارمي وابن جرير.

10: أبو عمرو عامر بن شراحيل الشعبي (ت:104هـ)
الإمام الفقيه الحافظ قاضي الكوفة في زمانه، كان آية في الحفظ والفهم، حتى كان الصحابة يتعجّبون من حفظه وحسن سرده للحديث، وكان يحفظ على صدره ولا يكتب، وروى عن نحو مائة وخمسين من الصحابة.
قال محمد بن سيرين لأبي بكر الهذلي: (يا أبا بكر إذا دخلت الكوفة فاستكثر من حديث الشعبي، فإن كان ليسأل وإن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لأحياء).
قال ابن حبان: (روى عن خمسين ومائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم).
روى مالك بن مغول، عن نافع، قال: سمع ابن عمر الشعبي وهو يحدث بالمغازي، فقال: (لكأنَّ هذا الفتى شهد معنا). رواه الخطيب البغدادي.

11: عكرمة البربري مولى ابن عباس (ت:104هـ)
لزم ابن عباس وخدمه، وأخذ منه علماً كثيراً، وكان ابن عباس يعتني بتعليمه، ويلزمه بذلك لما رأى من ذكائه وفهمه ونجابته، وأذن له بالفتوى في حياته.
- يزيد النحوي، عن عكرمة، قال ابن عباس: انطلق فأفت، فمن جاءك يسألك عما يعنيه فأفته). ذكره الذهبي.
ومن مفسّري التابعين: علقمة بن قيس النخعي، والأسود بن يزيد، والحسن البصري وطاووس بن كيسان، وإبراهيم النخعي، وعطاء بن أبي رباح، وقتادة بن دعامة السدوسي، ومحمد بن كعب القرظي، وزيد بن أسلم العدوي، وغيرهم كثير). [طرق التفسير:89 - 94]

رد مع اقتباس
  #39  
قديم 6 صفر 1439هـ/26-10-2017م, 11:33 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

طبقات التابعين
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (طبقات التابعين
التابعون على ثلاث طبقات:

الطبقة الأولى: طبقة كبار التابعين، وهم الذين عاصروا كبار الصحابة رضي الله عنهم، وتلقوا عنهم العلم، ومنهم: الربيع بن خثيم الثوري، ومسروق بن الأجدع الهمداني، وعبيدة السلماني، وعلقمة بن قيس النخعي، والأسود بن يزيد النخعي، وزرّ بن حُبيش الأسدي، وأبو وائل شقيق بن سلمة الأسدي، وأبو العالية رفيع بن مهران الرياحي، وسعيد بن المسيّب المخزومي، وغيرهم كثير.
والطبقة الثانية: طبقة أواسط التابعين، ومنهم: سعيد بن جبير، وإبراهيم النخعي، ومجاهد بن جبر، وعامر بن شراحيل الشعبي، وعكرمة مولى ابن عباس، وطاووس بن كيسان، والحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وعطاء بن أبي رباح، وقتادة بن دعامة السدوسي، ومكحول الشامي، ومحمد بن كعب القرظي، وغيرهم.
والطبقة الثالثة: طبقة صغار التابعين، ومنهم: ابن شهاب الزهري، وأبو إسحاق السبيعي، وعبد الله بن عون، ومحمد بن المنكدر التيمي، وأيوب بن أبي تميمة السختياني، وزيد بن أسلم العدوي، ومنصور بن المعتمر السلمي، وسليمان بن مهران الأعمش، وغيرهم). [طرق التفسير:94 - 95]

رد مع اقتباس
  #40  
قديم 6 صفر 1439هـ/26-10-2017م, 11:36 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاوت درجات التابعين
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (تفاوت درجات التابعين
التابعون على درجات متفاوتة لتفاوتهم في إحسان الاتباع وفي ضبط المرويات وفي الاجتهاد والفهم؛ ذلك أن التابعين ليسوا كالصحابة الذين اختصوا بخصيصة العدالة العامة؛ فكانوا كلُّهم عدولاً ثقاتٍ، لا مطعن فيهم من جهة الرواية وتبليغ الدين، قد اختارهم الله لصحبة نبيّه صلى الله عليه وسلم؛ فتلك ميزة للصحابة رضي الله عنهم لا يشاركهم فيها غيرهم.

وأما من بعدهم ففضيلتهم مشروطة بإحسانهم اتّباع الصحابة رضي الله عنه واتّصافهم بالعدالة والضبط، ولذلك فإنّ التابعين على درجات:
الدرجة الأولى: الأئمة الثقات الذين عُرفوا بالعلم والفضل والإمامة في الدين فهؤلاء بأعلى مراتبهم.
والدرجة الثانية: صالحون مقبولون ، ومنهم عباد معروفون، لا مطعن في عدالتهم ولا ضبطهم لكنّهم لم يكونوا معروفين بالاشتغال بالعلم كما عرف به أهل العلم من التابعين؛ فهؤلاء تقبل مروياتهم ويُحتجّ بها في الجملة إلا أن تخالف رواية من هم أوثق منهم.
والدرجة الثالثة: درجة الذين تعتبر روايتهم ولا يحتجّ بها إلا أن تعضد برواية آخرين، وأهل هذه الدرجة على أصناف:
أ- فمنهم صنف صالحون في أنفسهم غير متّهمين بالكذب، لكنّهم ضعفاء في الضبط، يقع منهم الخطأ في الرواية بما عرف به ضعف ضبطهم.
ب- وصنف مجهولو الحال تعرف أسماؤهم وأعيانهم ولا يُعرف حالهم.
ج- وصنف اختلف فيهم الأئمة النقّاد فمنهم من وثّقهم ومنهم من ضعّفهم؛ فهؤلاء منهم من يكون في حاله تفصيل فيلحق بالدرجة الأولى في بعض مروياتهم، ويلحق بالثالثة في غيرها في تفصيل كثير لأحوال تعارض الجرح والتعديل تدرس في علوم الحديث.
والدرجة الرابعة: الذين لا تعتبر روايتهم، وهؤلاء على أصناف:
أ- فمنهم الذين كَثُر منهم الخطأ وخلط روايات الثقات بالضعفاء من غير تمييز حتى استحقّوا الترك.
ب- ومنهم المتّهمون بالكذب.
ج- ومنهم غلاة المبتدعة). [طرق التفسير:95 - 96]

رد مع اقتباس
  #41  
قديم 6 صفر 1439هـ/26-10-2017م, 11:38 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

أوجه عناية التابعين بالتفسير
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (أوجه عناية التابعين بالتفسير
والتابعون في عنايتهم بالتفسير على صنفين:

الصنف الأول: مفسّرون يفسّرون القرآن بما عرفوا من طرق تفسيره، ومن هؤلاء: أبو العالية الرياحي، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، ومجاهد بن جبر، وعكرمة مولى ابن عباس، وعامر الشعبي، والحسن البصري، وقتادة بن دعامة السدوسي، وزيد بن أسلم، والضحاك بن مزاحم، ومحمد بن كعب القرظي، وغيرهم كثير.
فهؤلاء لهم أقوال في التفسير يرويها عنهم أصحاب كتب التفسير المسندة، ومنهم من يجمع بين الاجتهاد في التفسير، ونقل التفسير عمّن تقدّم.
فأبو العالية يروي كثيراً عن أبيّ بن كعب وأبي موسى الأشعري وابن عباس وأنس بن مالك، وله أقوال تُروى عنه في التفسير.
وكذلك سعيد بن المسيب يروى عن أبي هريرة وعائشة وزيد بن ثابت وأنس بن مالك وجابر بن عبد الله وكعب الأحبار، وغيرهم كثير، وله أقوال في التفسير.
وكذلك سعيد بن جبير يروي عن ابن عباس وابن عمر وله أقوال كثيرة في التفسير تروى عنه.
وكذلك مجاهد وعكرمة وقتادة وزيد بن أسلم وغيرهم جمعوا بين القول في التفسير ونقله.
والصنف الثاني: نَقَلةٌ للتفسير؛ عماد عنايتهم بالتفسير على رواية أحاديث التفسير، ونقل تفاسير الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، ولا يكاد يُظفر لهم بأقوال في التفسير إلا نادراً.
وهؤلاء قد حفظوا للأمّة علماً كثيراً بحفظهم تفسير الصحابة رضي الله عنهم، وتفسير كبار التابعين.

وهؤلاء النقلة على ثلاث طبقات:
الطبقة الأولى: نقلة ثقات، ومنهم: قيس بن أبي حازم، وأبو الأحوص عوف بن مالك الجشمي، وأبو الضحى مسلم بن صبيح القرشي، وأبو رجاء العطاردي، وأبو مالك الغفاري، وأبو نضرة العبدي، وأبو تميمة الهجيمي ، وأبو المتوكّل الناجي، وأبو بشر اليشكري، والربيع بن أنس البكري، وأبو روق عطية بن الحارث الهمداني، وغيرهم.
والطبقة الثانية: نقلة متكلّم فيهم من جهة ضعف الضبط أو لاختلاف النقاد في أحوالهم، وهم على درجات متفاوتة، فمنهم: أبو صالح مولى أمّ هانئ، وشهر بن حوشب، وعطية العوفي، وعطاء بن السائب، وسماك بن حرب الذهلي، وعلي بن زيد بن جدعان.
والطبقة الثالثة: رواة ضعفاء في عداد متروكي الحديث، كيزيد بن أبان الرقاشي، وأبان بن أبي عياش، وأبي هارون العبدي، ويزيد بن أبي زياد الكوفي، وجويبر بن سعيد الأزدي). [طرق التفسير:97 - 98]

رد مع اقتباس
  #42  
قديم 6 صفر 1439هـ/26-10-2017م, 11:40 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تعظيم التابعين لشأن التفسير
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (تعظيم التابعين لشأن التفسير
كان التابعون على قدر عظيم من تعظيم القول في التفسير؛ وأخبارهم ووصاياهم في ذلك مشهورة مأثورة.

- قال عامر بن شراحيل الشعبي:
« أدركت أصحاب عبد الله، وأصحاب علي وليسوا هم لشيءٍ من العلم أكرَه منهم لتفسير القرآن ». رواه ابن أبي شيبة.
- وقال عبيد الله بن عمر:
« لقد أدركت فقهاء المدينة وإنهم ليعظمون القول في التفسير، منهم: سالم بن عبد الله، والقاسم بن محمد، وسعيد بن المسيب، ونافع». رواه ابن جرير.
- وقال مسروق بن الأجدع:
« اتقوا التفسير، فإنما هو الرواية عن الله ».رواه أبو عبيد.
- وقال إبراهيم النخعي:
« كان أصحابنا يتقون التفسير ويهابونه». رواه أبو عبيد.
- وقال القاسم بن محمد: « لأن يعيش الرجل جاهلا بعد أن يعلم حق الله عليه خير له من أن يقول ما لا يعلم » رواه الدارمي.
- وذكر يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب أنه كان لا يتكلم إلا في المعلوم من القرآن.
- وقال يزيد بن أبي يزيد:
« كنا نسأل سعيد بن المسيب عن الحلال والحرام، وكان أعلم الناس، فإذا سألناه عن تفسير آية من القرآن سكت كأن لم يسمع».
قال ابن كثير: (فهذه الآثار الصحيحة وما شاكلها عن أئمة السلف محمولة على تحرجهم عن الكلام في التفسير بما لا علم لهم به؛ فأما من تكلم بما يعلم من ذلك لغة وشرعا، فلا حرج عليه؛ ولهذا روي عن هؤلاء وغيرهم أقوال في التفسير، ولا منافاة؛ لأنهم تكلموا فيما علموه، وسكتوا عما جهلوه، وهذا هو الواجب على كل أحد؛ فإنه كما يجب سكوت المرء عما لا علم له به، فكذلك يجب عليه القول فيما سئل عنه مما يعلمه، لقوله تعالى: {لتبيننه للناس ولا تكتمونه}، ولما جاء في الحديث المروى من طرق: ((من سئل عن علم فكتمه، ألجم يوم القيامة بلجام من نار))). [طرق التفسير:99 - 100]

رد مع اقتباس
  #43  
قديم 6 صفر 1439هـ/26-10-2017م, 11:43 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

طرق التفسير عند مفسّري التابعين
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (طرق التفسير عند مفسّري التابعين
اتّبع التابعون منهج الصحابة رضي الله عنهم في تفسيرهم للقرآن، ففسّروا القرآن بالقرآن، وفسّروا القرآن بالسنة، وفسّروه بأقوال الصحابة وما بلغهم عنهم من وقائع التنزيل، وفسّروه بلغة العرب، واجتهدوا رأيهم فيما لم يبلغهم فيه نص، وفي فهمهم للنص.

1. فأما تفسيرهم القرآن بالقرآن فله أمثلة:
منها: ما رواه ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في تفسير قول الله تعالى: {كما بدأكم تعودون} قال: عادوا إلى علمه فيهم، ألم تسمع إلى قول الله فيهم: {كما بدأكم تعودون}؟ ألم تسمع قوله: {فريقًا هدى وفريقًا حق عليهم الضلالة}).
وروي هذا القول بهذا الاستدلال عن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير ومحمد بن كعب القرظي.
ومنها ما رواه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن داوود بن أبي هند عن أبي العالية في تفسير قول الله تعالى: {إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم..}
قال: إنما أنزلت في اليهود والنصارى، ألا ترى لقول: {كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا} بذنوب أذنبوها، وكانت زيادة في كفرهم، ثم ذهبوا يتوبون من تلك الذنوب، فقال الله جل وعز: {لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون}
قال: لو كانوا على هدى قبل توبتهم، ولكنهم على ضلالة).
ومنها: ما رواه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى: {وله الدين واصبا} قال: دائماً، ألا ترى أنه يقول: {عذاب واصب} أي دائم).
فالأول مثال على التفسير المتصل، والثاني على التفسير المنفصل.
2. وأما تفسيرهم القرآن بالسنة؛ فمن أمثلته ما رواه مسلم في صحيحه من طريق همام بن يحيى قال: حدثنا قتادة، عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «من نسي صلاة فليصلّها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك» قال قتادة: (و{أقم الصلاة لذكري}).
وصحّ هذا التفسير عن سعيد بن المسيب أيضاً.
3. وأما تفسيرهم القرآن بأقوال الصحابة، فله أمثلة كثيرة ؛ منها: ما رواه عبد الرزاق من طريق أبي إسحاق السبيعي عن أبي الأحوص أن ابن مسعود: قال: {إلا ما ظهر منها}: الثياب، ثم قال أبو إسحاق: ألا ترى أنه يقول: {خذوا زينتكم عند كل مسجد}).
ففسّر الآية بقول الصحابي ثم استدلّ له من القرآن، وهذا مما يدلّ على أخذهم تفسير الصحابة بتفهّم لا بتقليد محض.
ونظير ذلك ما رواه ابن جرير في تفسيره عن ابن جريج، عن مجاهد في تفسير قول الله تعالى: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266) }
قال مجاهد: سمعت ابن عباس قال: (هو مثل المفرّط في طاعة الله حتى يموت).
قال ابن جريج، وقال مجاهد: (أيود أحدكم أن تكون له دنيا لا يعمل فيها بطاعة الله، كمثل هذا الذي له جنة؟ فمثله بعد موته كمثل هذا حين أحرقت جنته وهو كبير لا يغني عنها شيئا، وأولاده صغار، ولا يغنون عنه شيئا، وكذلك المفرط بعد الموت، كل شيء عليه حسرة).
فأخذ أصل المعنى من ابن عباس، وزاده شرحاً وتفصيلاً.
وكان منهم من يعتني بجمع أقوال الصحابة في مسائل التفسير كما روى عبد الرزاق من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى: {ويمنعون الماعون} قال: كان عليّ يقول: «هي الزكاة» وقال ابن عباس: «هي العارية».
ويدخل في هذا النوع تفسيرهم القرآن بما عرفوه من وقائع التنزيل وأحواله؛ كما روى ابن جرير عن جعفر بن أبي المغيرة، عن ابن أبزى أنه جاءه رجل من الخوارج يقرأ عليه هذه الآية: {الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون}
قال له: أليس الذين كفروا بربهم يعدلون؟
قال: بلى!
قال [جعفر]: وانصرف عنه الرجل، فقال له رجل من القوم: يا ابن أبزى، إنَّ هذا قد أراد تفسير هذه غير هذا! إنه رجل من الخوارج!
فقال: ردوه علي.
فلما جاءه؛ قال: هل تدري فيمن نزلت هذه الآية؟
قال: لا!
قال: إنها نزلت في أهل الكتاب، اذهب، ولا تضعها على غير حدّها).
فهذا الخارجي أراد أن يستدلّ بهذا التفسير على تكفير بعض المسلمين بما يزعم أنه من العدل بالله؛ ففسّر له عبد الرحمن ابن أبزى - وكان مفتي أهل مكة في زمانه - الآيةَ بما عرفه من نزولها.
ومنه أيضاً ما رواه ابن جرير من طريق الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب الزهري قال: حدثني سعيد بن المسيب: أن الله قال: {ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم}.
قال سعيد بن المسيب: (إنما نزلت هذه الآية في الذين كانوا يتبنون رجالاً غير أبنائهم ويورثونهم، فأنزل الله فيهم، فجعل لهم نصيباً في الوصية، وردَّ الميراثَ إلى الموالي في ذي الرحم والعصبة، وأبى الله للمدَّعَين ميراثا ممن ادَّعاهم وتبناهم، ولكن الله جعل لهم نصيبا في الوصية).
4. وأما تفسيرهم القرآن بلغة العرب؛ فله أمثلة:
منها: ما رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق هشيم بن بشير، عن مغيرة بن مقسم، عن إبراهيم النخعي في قول الله تعالى: {إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا} قال: قالوا فيه غير الحق، ألم تر إلى المريض إذا هذي قال غير الحق).

ومنها: ما رواه عبد الرزاق في تفسيره عن معمر عن قتادة في قوله تعالى: {الزبانية} قال: «الزبانية في كلام العرب الشرط».
ومنها: ما رواه ابن أبي شيبة عن شريك، عن بيانٍ، عن عامرٍ [الشعبي] {فإذا هم بالسّاهرة} قال:
« بالأرض، ثمّ أنشد أبياتًا لأميّة: وفيها لحم ساهرةٍ وبحرٍ».
ومنها: ما رواه ابن أبي شيبة أيضاً عن شريكٌ، عن فراتٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال:
« القانع السّائل، ثمّ أنشد أبياتًا للشمّاخ: لَمَال المرء يصلحه فيغني ... مفاقرَهُ أعفّ من القنوع».
ومنها:
ما رواه أبو عبيد في فضائل القرآن من طريق أشعث بن أبي الشعثاء عن زيد بن معاوية العبسي، عن علقمة، في قوله: {ختامه مسك} قال: (ليس بخاتم يختم، ولكن ختامه خلطه، ألم تر إلى المرأة من نسائكم تقول للطيب خلطه مسك، خلطه كذا وكذا).
5. وأما اجتهادهم في التفسير؛ فكانوا يجتهدون في فهم النص، وفيما لم يبلغهم فيه نص، وكانوا أقرب إلى الصواب لقربهم من مشكاة النبوة وأخذهم عن الصحابة رضي الله عنهم، وتتلمذهم عليهم، وإحسان اتّباعهم إيّاهم.
ويقع منهم اتّفاق كثير في التفسير، ويقع بينهم اختلاف أكثره من قبيل اختلاف التنوّع.
وقد يقع منهم خطأ في الاجتهاد فيردّ، كما روى ابن جرير من طريق أيوب السختياني، عن محمد بن سيرين عن عَبيدة السلماني في الرجل يدركه رمضان ثم يسافر؛ قال: (إذا شهدت أوله فصم آخره، ألا تراه يقول: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه}؟).
فقول عبيدة هذا اجتهاد اجتهده في فهم النصّ، فخرج بهذا القول الذي قال به وهو أن من شهد أوّل الشهر وهو مقيم فلا يحلّ له أن يفطر إذا سافر في ذلك الشهر، وهذا قول مهجور، وصريح عمل النبي صلى الله عليه وسلم لما سافر في فتح مكة على خلافه، وكذلك أقوال الصحابة رضي الله عنهم في هذه المسألة على خلافه.
وهجران القول من دلائل ضعفه، وخطأ المجتهد في اجتهاده). [طرق التفسير:100 - 105]

رد مع اقتباس
  #44  
قديم 6 صفر 1439هـ/26-10-2017م, 11:46 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

حجيّة تفسير التابعين
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (حجيّة تفسير التابعين
تفسير التابعين على مراتب فمنه ما يعدّ حجّة قاطعة للنزاع، ومنه ما هو مرجّح قويّ، ومنه ما هو محلّ اعتبار ونظر.

فأمّا حجيّة تفسير التابعين فهي في حال اتّفاقهم وعدم اختلافهم في التفسير.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (إذا اجتمعوا على شيء فلا يرتاب في كونه حجة).
والإجماع يُعرف بشهرة الأقوال وعدم المخالف.
وأمّا المرجّح القويّ فهو إذا تعددت الروايات عن جماعة منهم على قول واحد، أو عُلم بقرائن الأحوال أن التابعيّ أخذ هذا التفسير عن أحد الصحابة وليس اجتهاداً منه ولا مما أخذ من أخبار بني إسرائيل فإنّه من المرجحات التي يستفاد بها ترجيح هذا القول على غيره ما لم تكن له علّة أخرى.
وأما ما يكون محلّ اعتبار ونظر فهو القول الذي يصحّ عن التابعي ودلالته محتملة، ولا نقف على ما يوجب ردّه.
ومن أقوال التابعين ما يُتوقّف فيها وتجعل عهدتها على قائلها لخفاء الدليل الذي استند عليه أو يكون مما لا يقال بالرأي ولم يأخذه من الإسرائيليات وليس فيه نكارة فهذا القول تجعل عهدته على قائله ولا نقابله بالإنكار من غير دليل.
ومن ذلك ما رواه ابن أبي شيبة وابن جرير من طريق محمد بن فضيل عن ليث، عن مجاهد، في قوله تعالى: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} قال: يجلسه معه على عرشه).
فهذا الأثر تفرّد به ليث عن مجاهد ، وليث ضعيف الحديث، ولو صحّ عن مجاهد فهو في حكم المرسل؛ لأنه مما لا يقال بالرأي.
وقد أنكر الأئمة على من أنكر هذا الأثر من الجهمية لأن منشأ إنكارهم ليس ضعف الإسناد وإنما استنكروا المتن، وتوهّموا فيه ما توّهموه في صفة العلو لله تعالى واستوائه على العرش، ومن المعلوم أن جلوسه - إن صحّ - ليس كجلوس النظير مع نظيره تعالى الله عما يظنّون، وليس لأحد دون الله نصيب من الملك، وإنما هو إجلاس تكريم وتشريف ، وعرش الله عظيم، بل ذكر أنه أعظم المخلوقات؛ فمن غير المستنكر أن يكرمه الله تعالى بموضع يجلس فيه على العرش.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (يجوز أن يكون مقامًا مخصوصًا لمقعد النبي صلى الله عليه وسلم)
واستدلّ بحديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما قضى الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش إن رحمتي غلبت غضبي»
وهذا حديث صحيح متّفق عليه، وفيه أن لهذا كتاب موضعاً كريماً على العرش.
وقال ابن جرير: (ما قاله مجاهد من أن الله يقعد محمدا صلى الله عليه وسلم على عرشه قول غير مدفوع صحته، لا من جهة خبر ولا نظر، وذلك لأنه لا خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحابه، ولا عن التابعين بإحالة ذلك..)
ثم أطال في بيان عدم استحالة ذلك من جهة النظر.
وأنكر الأئمة على من أنكر هذا الحديث من باب التجهّم، وقد غلا بعض من كتب في السنة حتى كفّر من أنكر هذا الأثر، وهو خطأ بيّن؛ فإنّه لم يثبت بدليل صحيح، لكننا نصون أنفسنا عن القول بنفيه لأنه قول بغير علم في أمر غيبيّ، الله أعلم به.
وقد جرت محنة عظيمة بسبب هذا الأثر في القرن الثالث الهجري، وأوذي فيها بعض الأئمة،
وقد روي عن الدارقطني أنه أنشد:
حديث الشفاعة في أحمد ... إلى أحمد المصطفى نسندُهْ
فأما حديثٌ بإقعاده ... على العرش أيضاً فلا نجحدُهْ
أمرّوا الحديث على وجهه ... ولا تدخلوا فيه ما يفسدُهْ
ولا تنكروا أنه قاعد ... ولا تجحدوا أنه يقعدُهْ
ورويت هذه الأبيات عن ابن العلاف الضرير ولعلّ الدارقطني تمثّل بها.
والمقصود أن مثل هذا القول تُجعل عهدته على قائله ولا ننكره من غير دليل.
وأما الأقوال التي فيها نكارة بمخالفتها لنصّ أو إجماع فتردّ.
وإذا اختلف التابعون على أقوالٍ لا يمكن الجمع بينها فلا يعدّ قول كل واحد منهما حجة على الآخر، وإنما يطلب الترجيح بين أقوالهم بطرق الترجيح المعروفة عند أهل العلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (متى اختلف التابعون لم يكن بعض أقوالهم حجة على بعض)). [طرق التفسير:105 -108]


رد مع اقتباس
  #45  
قديم 6 صفر 1439هـ/26-10-2017م, 11:48 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

الأقوال المعتبرة والأقوال غير المعتبرة
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (الأقوال المعتبرة والأقوال غير المعتبرة
أقوال المفسّرين على قسمين:

القسم الأول: أقوال معتبرة، وهي التي لها حظّ من النظر والاعتبار، وهي التي تعتمد على أصل معتبر قائم على طريق من طرق التفسير المعروفة.
ومعنى اعتبار القول أن ينظر في الجمع بينه وبين الأقوال الأخرى أو الترجيح بينه وبينها.
والقسم الثاني: أقوال غير معتبرة
، وهي التي يتبيّن خطؤها، ومتى استبان خطأ القول فلا يُعتد به في الجمع والترجيح.
ومن ذلك: أن يعتمد على رواية أخطأ في ضبطها ثم تبيّن الصواب فيها.
ومن ذلك: أن يعتمد على اجتهاد يتبيّن خطؤه.
ومن ذلك: أن ينكر أهلُ العلم هذا القول ويبيّنوا خطأه.
ومن ذلك: أن يُهجر القول فلا يقول به أحد). [طرق التفسير:109]

رد مع اقتباس
  #46  
قديم 7 صفر 1439هـ/27-10-2017م, 01:19 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

الباب السادس: تفسير القرآن بلغة العرب

مقدمة في التفسير اللغوي:
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (مقدمة في التفسير اللغوي
من طرق التفسير الصحيحة التفسيرُ بلغة العرب؛ ذلك بأن القرآن نزل بلسان عربيّ مبين، على أحسن ما تعرفه العرب من فنون الخطاب ودلائله.
قال الله تعالى: { وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195)}.
فوصفه بأنه بلسان عربيّ مبين؛ وذلك لحُسن إفادته المعاني بمفردات وأساليب عربية فصيحة تدلّ على المراد دلالة بيّنة.
وهو مبينٌ في ألفاظه ومعانيه وهداياته:

- فألفاظه وتراكيبه في غاية الحسن والفصاحة؛ ليس فيها تنافر ولا تعقيد، ولا ضعف ولا تعسف.
- ومعانيه سامية جليلة؛ مستقيمة بيّنة؛ ليس فيها محال ولا غموض، ولا تناقض ولا اختلاف.
- وهداياته مُرشِدَة للحقّ، مُيَسَّرة للعمل، متّسقة متآلفة غير متعارضة ولا متخالفة.
وقال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2)}.
والخطاب في هذه الآية للعرب الذين أنزل القرآن بلسانهم ليعوه ويعقلوه؛ وفي هذا دلالة بيّنة على أنه خطاب يعرفون مفرداته وأساليبه؛ ودلائله ومراميه، وفحواه وإيماءه، ليس فيه ما يخالف ما تعرفه العرب من سَنن كلامها.
وقال تعالى: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27) قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}.
فوصفه بالاستقامة التي لا تشوبها شائبة عوج ولا اختلاف؛ ولا خلل ولا ضعف؛ بل هو مستقيم في ألفاظه ومعانيه وهداياته؛ في الذروة العليا من الفصاحة وحسن البيان، محكم غاية الإحكام، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، يهدي إلى الحقّ وإلى طريق مستقيم.
قال ابن جرير: (يقول: جعلناه قرآنا عربيّا إذْ كانوا عرباً، ليفهموا ما فيه من المواعظ، حتى يتقوا ما حذرهم الله فيه من بأسه وسطوته، فينيبوا إلى عبادته وإفراد الألوهة له، ويتبرؤوا من الأنداد والآلهة)ا.هـ.
وقال تعالى: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}
فهو كتاب فصّله الله تعالى بعلمه فجعله تبياناً وتفصيلاً لكل شيء بلسان عربي مبين، والتفصيل والتبيين من دلائل الإفهام بما يُعرف به المعنى ويدرك به المقصد.
قال ابن جرير رحمه الله: (يقول: فصلت آيات هذا الكتاب قرآنا عربيا لقوم يعلمون اللسان العربي)ا.هـ.
فمن كان حسن المعرفة بلسان العرب تبيّن له من دلالات ألفاظ القرآن معاني جليلة لا تخفى عليه، وعرف أنّ القرآن في غايةِ حسنِ البيان التي لا يطيقها البشر، وأنه لا مطعن فيه بوجه من الوجوه.


وكانت العرب قد بلغت في العناية بلُغَتها وبلاغتها مبلغاً لم يُسمعْ بمثله في أمةٍ من الأمم، حتى تنافسوا في الفصاحة، وتفاخروا بالقصائد المحْكَمَةِ، والخُطَب البليغة، والأمثال السائرة، وحسن البيان عن المراد بأفصح العبارات وأبلغها، وتنافسوا في الاحتجاج عند المخاصمة والمفاخرة بأقوى حُجَّة وألطَفِ منزع، حتى توصّلوا ببراعتهم في البيان إلى أمور لا تبلغها كثير من الحِيَل.
كما قال طرفة بن العبد البكري:
رأيت القوافي يتّلجن موالجاً ... تَضَيَّقُ عنها أن تولّجها الإِبَرْ

وكان من فصحائهم وبلغائهم محكَّمون يحكمون بين المتخاصمين والمتفاخرين في الفصاحة والشعر وحسن البيان؛ فمن حُكم له عَدّ ذلك مفخرةً له، ومن حُكم عليه عُدَّ ذلك الحكمُ مذمّة له ومنقصة يُنتقص بها.
وتنافسوا في الفصاحة والبيان تنافساً مشهوراً مأثوراً، ولهم في ذلك قصص وأخبار، وخطب وأشعار، وكانوا إذا جمعهم مجمع، أو وفدت قبيلة على قبيلة نمّقوا من خطبهم وأشعارهم ما يعرضون به فصاحتهم وحسن بيانهم ليتوصّلوا بذلك إلى إثبات رفعة شأنهم، وعلوّ قدرهم، وتخليد مآثرهم.
واتّخذوا من حسن البيان سبيلاً لبلوغ المآرب، ونيل المكاسب، واكتساب المراتب، ومؤانسة الجلاس، والدخول على الملوك والكبراء، وقضاء كثير من شؤونهم؛ حتى قال قائلهم: (إنما المرء بأصغريه: لسانه وقلبه).
والقلب هو الذي يُمدّ اللسان بحسن الفكرة، وطرق الإبانة عن المقصد.
وقال زهير بن أبي سلمى:
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده ... فلم يبق إلا صورة اللحم والدم
فشاعت فيهم الأشعار والأراجيز، والخطب والوصايا، والقصص والأمثال، فرووا منها شيئاً كثيراً لا يُحدّ، وكان كثيرٌ منهم أهل حفظ وضبط، ربما سمع أحدهم القصيدة الطويلة تُنشَد؛ فحفظها من أوّل مرة، وهذا كثير شائع فيهم.
فكانوا يعتنون بجيّد الشعر عناية بالغة، ويحفظونه حفظ الحريص عليه، وينشدونه في مجامعهم ومواردهم ومجالسهم وأسمارهم.
وكان من الشعراء من يفتخر بكثرة إنشادِ شعرِهِ وتَمَثُّلِ النَّاسِ به، كما قال المسيّب بن عَلَس الضُّبَعي، وهو خال الأعشى الشاعر:
فلأهدينّ مع الرياح قصيدةً ... منّي مغلغلةً إلى القعقاعِ
ترد المياهَ فما تزال غريبةً ... في الناس بين تمثُّل وسَمَاعِ

يفتخر بحسن شعره، وامتيازه على غيره من الأشعار كما تمتاز الغريبة من الإبل عن غيرها؛ فتستشرفها الأنظار؛ وبأنه يُنشد القصيدة في ممدوحه وبينهما مفاوز؛ فيحفظها الناسُ من حسنها وغرابتها ويتمثلون بها، فيتسامع بها المستسقون في موارد مياههم، ويتناشدونها حتى تصل إلى ممدوحه من غير كتابةٍ ولا رسول.
وقال مُزَرِّد بن ضرار الغطفاني في التحذير من هجائه:
زعيم لمن قاذَفْته بأوابدٍ ... يغنّي بها الساري وتُحدى الرَّواحل
مشهّرة تُلفى كثيراً رواتها ... ضواحٍ لها في كلّ حيّ أزامل
تُكَرُّ فما تزداد إلا استنارة ... إذا رازت الشعرَ الشفاهُ العوامل
فمَنْ أرمِهِ منها ببيتٍ يلُحْ به ... كشامةِ وجه ليس للشامِ غاسِلُ

وقال الحصين بن حمام المري:
وقافية غير إنسيّةٍ ... قرضت من الشعر أمثالها
شروداً تَلَمَّعُ في الخافقين ... إذا أُنشدت قيل: من قالها؟!!

وكان الشعر ديوان العرب، إذ لم تكن لهم كتب، وفكانوا يحفظون وقائعهم ومآثرهم وأخبارهم بأشعارهم، وكانوا يفاضلون بين القصائد والشعراء، ويعرفون مراتبهم، ويوازنون بين أساليب الشعراء وطرائقهم حتى كان منهم من يميّز بين أشعار الشعراء كما نميّز بين الأصوات؛ وكما يعرف القافةُ الأشباه، فلا يشتبه عليه شعرُ شاعرٍ بغيره؛ فيعرفون المنحولَ والمدرجَ والمسترفَد والمهتدَم، وأشعار القبائل والموالي، حتى إنّ منهم من يميّز شعرَ الرجل من شعر أبيه، وإن كان يحتذي بمثاله، وينسج على منواله.
وقد بقيت هذه المعرفة بعدهم إلى زمن، ومن لطائف ما يذكر في ذلك ما رواه أبو علي الحرمازي قَالَ: مرَّ جرير بذي الرُّمَّة، فقَالَ: يا غَيْلان، أنشدني ما قلت فِي المرئي؛ فأنشده:
نبت عيناك عَنْ طللٍ بحزوى ... عفته الريح وامتنح القطارا
فقَالَ: ألا أُعينك! قَالَ: بلى، بأبي وأمي، فقَالَ:
يَعُدُّ الناسبون إِلَى تميم ... بيوتَ المجد أربعةً كبارا
يعُدّون الرّبابَ وآلَ سعدٍ ... وعمراً ثم حنظلةَ الخيارا
ويهلك وسطها المرئيّ لغواً ... كما ألغيت فِي الدية الحوارا

قَالَ: فمرَّ ذو الرمة بالفرزدق، فقَالَ: أنشدني ما قلتَ فِي المرئي؛ فأنشده القصيدة، فلما انتهى إِلَى هذه الأبيات؛ قَالَ الفرزدق: حَسْ! أعدْ عَلَيَّ، فأعاد، فقَالَ: (تالله لقد عَلَكَهُنّ أشدَّ لحيين منك).
وفي رواية أنه قال: (هذا شعر ابن المراغة) يعني جرير بن عطية.
وقال محمد بن سلام الجمحي في "طبقات فحول الشعراء": (وليس يُشكِل على أهل العلم زيادة الرواة ولا ما وضعوا، ولا ما وضع المولَّدون، وإنما عضل بهم أن يقول الرجل من أهل البادية من وَلَدِ الشُّعَراء أو الرجل ليس من ولدهم؛ فيُشكل ذلك بعض الإشكال).
ثمّ قال: (أخبرني أبو عبيدة أنّ ابن داوود بن متمم بن نويرة قدم البصرة في بعض ما يقدم له البدويّ من الجَلَبِ والميرة؛ فنزل النَّحيت؛ فأتيتُه أنا وابن نوحٍ العطاردي؛ فسألناه عن شعر أبيه متمّم، وقمنا له بحاجته وكفيناه ضيعته؛ فلمّا نفد شعر أبيه؛ جعل يزيد في الأشعار ويصنعها لنا، وإذا كلامٌ دونَ كلامِ متمّم، وإذا هو يحتذي على كلامه، فيذكر المواضع التي ذكرها متمِّم، والوقائعَ التي شهدها؛ فلمّا توالى ذلك علمنا أنه يفتعله)ا.هـ.
والمقصود من ذكر عناية العرب بلسانهم وبيانهم، وحفظهم لأشعارهم ومآثرهم وآثارهم، وتمييزهم بين الصحيح والمنحول، والفاضل والمفضول، بيان ما وصلوا إليه من الرتبة العالية في فهم الخطاب العربي وتمييز رُتَبِه، ومعرفة فنونه وأساليبه، وتنوّع دلائله.
فلمّا نزل القرآن بلسان عربيّ مبين؛ على أحسن مما يعرفون من الفصاحة والبيان، بهرهم حُسْنُه، وأدهشهم بيانه، فاستولى على المرتبة العليا من البيان بلا منازع يدانيه، ولا منافس يساميه، من قول خطيب، ولا شعر شاعر، وتيقّنوا أنه لا طاقة لأحد أن يأتي بمثله، ولا بقريب منه، وأنّ المتعرّض لمعارضته إنما يعرّض نفسه للهزء بها، فصانوا أنفسهم عن قصد معارضته.
وقد علموا أنّه لو كان من قول البشر لما أعيا فصحاءهم أن يأتوا بمثله أو بقريب منه، وَلَتجاسروا على ادّعاء معارضته كما يعارض الشعراء والخطباء بعضهم بعضاً، وكانت كلّ قبيلة تأنف أن يتحدّاها شاعر أو خطيب فلا يتصدّى له من شعرائها وخطبائها مَن يجيبه.
فلمّا تحدّاهم الله تعالى لم يقدروا على معارضة كلامه ولا الإتيان بمثله.
وقد أنزل الله تعالى تحدّيهم في غير ما آية؛ فقال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14)}
- وقال تعالى: {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (37) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38)}
- وقال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23)}.
- وقال تعالى: { أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ (33) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (34)}.
فلمّا أعجزهم ذلك، وكبر على المشركين المعاندين أن يقرّوا بأنّه كلام الله تعالى؛ عدلوا عن المعارَضة إلى اختلاق الأقوال المنفرة عن القرآن وعن اتّباع الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فقالوا: هو سحر، وقالوا: كهانة، وقالوا: شعر، وقالوا: تقوَّله محمّد (صلى الله عليه وسلم)، وقالوا: {أساطير الأولين اكتتبها}، وقالوا: {إنما يعلّمه بشر}.
واختلاف أقاويلهم وتعارضها من دلائل تساقطها وبطلانها، وأنهم إنما فروا من الإقرار بأنّه كلام الله تعالى، خوفاً من أن يلزمهم ذلك تركَ ما هم عليه من الشرك، واتباعَ الرسول صلى الله عليه وسلم.
وإذْ لم يقرّوا أنه كلام الله تعالى فهو عندهم من كلام البشر وإن اختلفوا في نوعه، وهذا الفرار من الإقرار بأنّه كلام الله تعالى يُدخلهم في دائرة التحدّي الذي لا يطيقونه؛ فبقوا مختلفين متحيّرين مبهوتين.
وقد اجتمعت قريش لينتدبوا رجلاً من أعلمهم بالشعر والسحر والكهانة يجادل النبي صلى الله عليه وسلم ليثنيه عن دعوته فوقع اختيارهم على عتبة بن ربيعة؛ فذَكر له ما ذَكر، وعَرَضَ عليه ما عَرَض من جمع المال له حتى يكون أغناهم والتزويج والتتويج بالملك في القصة المشهورة ليثنيَه عن دعوته؛ فلمّا قرأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم القرآن بُهت وتحيّر ورجع إلى قومه بغير الوجه الذي ذهب به، كما في مصنف ابن أبي شيبة ومسند أبي يعلى ومستدرك الحاكم من حديث الأجلح بن عبد الله الكندي، عن الذَّيَّال بن حرملة الأسدي، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (اجتمعت قريش يوماً؛ فقالوا: انظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر، فليأت هذا الرجل الذي فرَّق جماعتنا وشتَّت أمرَنا وعابَ ديننا؛ فليكلّمه، ولينظرْ ماذا يردّ عليه، فقالوا: ما نعلم أحدا غير عتبة بن ربيعة، فقالوا: أنت يا أبا الوليد؛ فأتاه عتبة...) الحديث.
وفي مرسَل محمد بن كعب القرظي أن ذلك حين أسلم حمزة بن عبد المطلب، ورأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيدون ويكثرون.
فقالوا: يا أبا الوليد، فقُمْ فكلّمه؛ فقام عتبة حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (يا ابن أخي إنك منَّا حيث قد علمت من السِّطَةِ في العشيرة، والمكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم، فرقت به جماعتهم، وسفهت به أحلامهم، وعبت به آلهتهم ودينهم وكفرت من مضى من آبائهم، فاستمع مني أعرض عليك أمورا تنظر فيها؛ لعلك أن تقبل منها بعضها.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( قل يا أبا الوليد أسمع)).
فقال: "يا ابن أخي، إن كنت إنما تريد بما جئت من هذا القول مالا، جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا، وإن كنت إنما تريد شرفا، شرَّفناك علينا حتى لا نقطع أمراً دونك.
وإن كنت تريد مُلْكا مَلَّكْناك.
وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه ولا تستطيع أن ترده عن نفسك؛ طلبنا لك الطبّ وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه؛ فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه، ولعلَّ هذا الذي يأتي به شعر جاش به صدرك، فإنكم لعمري يا بني عبد المطلب تقدرون منه على ما لا يقدر عليه أحد).
حتى إذا فرغ عتبة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع منه؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( أفرغت، يا أبا الوليد؟))
قال: نعم.
قال: (( فاستمع مني )).
قال: أفعل.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {بسم الله الرحمن الرحيم . حم . تنزيل من الرحمن الرحيم . كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا} فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها عليه.
فلما سمعها عتبة أنصت له، وألقى بيده خلف ظهره معتمداً عليها يستمع منه؛ حتى انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة؛ فسجد فيها.
ثم قال: (( قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت؛ فأنت وذاك )).
فقام عتبة إلى أصحابه.
فقال بعضهم لبعض يحلف بالله: لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به؛ فلما جلس إليهم، قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟
فقال: ورائي أني والله قد سمعت قولا ما سمعت لمثله قط، والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا الكهانة.
يا معشر قريش، أطيعوني واجعلوها بي، خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه، واعتزلوه؛ فوالله ليكونَنَّ لقوله الذي سمعت نبأ؛ فإنْ تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب، فمُلْكُه مُلْكُكُم، وعزُّه عزكُّم، كنتم أسعد الناس به.
قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه.
فقال: هذا رأيي لكم، فاصنعوا ما بدا لكم). رواه ابن إسحاق في السيرة قال: حدثنا يزيد بن زياد عن محمد بن كعب فذكره؛ وهذا مرسل حسن رجاله ثقات، وقد صرّح فيه ابن إسحاق بالتحديث، ويشهد له ما تقدّم من حديث جابر، وفيه – عند البيهقي في دلائل النبوة – أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ حتى بلغ {أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود} فأمسك عتبة على فيه وناشده الرحم أن يكف عنه).
وروى الحاكم في المستدرك والبيهقي في دلائل النبوة من طريق معمر، عن أيوب السختياني، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما «أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه القرآن فكأنه رقَّ له، فبلغ ذلك أبا جهل، فأتاه، فقال: يا عم! إن قومك يرون أن يجمعوا لك مالا.
قال: لم؟
قال: ليعطوكه فإنك أتيت محمدا لتَعَرَّض لما قِبَله.
قال: قد علمت قريش أني من أكثرها مالا.
قال: فقل فيه قولا يبلغ قومك أنك منكر له.
قال: وماذا أقول؟!! فو الله ما فيكم رجل أعلم بالأشعار مني، ولا أعلم برجزه ولا بقصيدته مني، ولا بأشعار الجن.
والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا، ووالله إنَّ لقوله الذي يقول حلاوة، وإن عليه لطلاوة وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو وما يُعلى، وأنه ليحطم ما تحته.
قال: لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه. قال: فدعني حتى أفكر فيه، فلما فكر، قال: «هذا سحر يؤثر يأثره عن غيره، فنزلت {ذرني ومن خلقت وحيدا}).
وهذا حديث إسناد متصل ورجاله ثقات إلا أنّه أُعِلَّ برواية حماد بن زيد له عن أيوب عن عكرمة مرسلاً، وحمّاد أثبت من معمر في أيوب.
وكذلك رواه معمر عن عباد بن منصور عن عكرمة مرسلاً كما في تفسير عبد الرزاق.
قال البيهقي: (في حديث حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة قال: «جاء الوليد بن المغيرة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال له: اقرأ علي، فقرأ عليه: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)}.
قال: أعد، فأعاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق وما يقول هذا بشر»).
وهذه الحادثة مشهورة في كتب السير ، وقد صححها الحاكم وحسّنها الألباني.
والمقصود أنّ العرب قد اعترفوا للقرآن بأعلى رتب الفصاحة والبيان، وعجز المشركون عن معارضته والإتيان بمثله؛ مع حرصهم على ردّ دعوة النبي صلى الله عليه وسلم بكلّ سبيل أمكنهم.
وفيما تقدّم من الأدلة ما يكفي على أنّ العرب تعرف من خطاب القرآن ما يكفي لبيان الهدى، وإفهام المعنى، وقيام الحجة.
وأن هذا القرآن قد تضمّن من حسن البيان، وتفنن الخطاب ، وتنوع الأساليب، وضرب الأمثال التي تعرف العرب معانيها وتدرك مقاصدها ما يكفي ويشفي من يبتغي الهدى.
فكان يكفيهم بما يعرفون من العربية أن يُتلى عليهم القرآن تلاوة بيّنة؛ فتقوم عليهم الحجّة بذلك؛ كما قال الله تعالى: {يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته}.
وقال تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (82}
وقد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أمره به ربّه جلّ وعلا؛ فبلّغ البلاغ المبين؛ فآمن به مَنْ آمن عن معرفةٍ بالحقّ الذي أنزله الله عليه، ولم يُعْرِضْ منهم مَن أعرض بسبب التباس في بيانه أو نقص في حجّته، بل لله الحجة البالغة والبيان التام، وإنما أعرضوا لكفرهم وعنادهم واستكبارهم من بعد ما تبيّن لهم الهدى.
ومن دلائله إفادة القرآن للهدى وبيان الحقّ بما تعرفه العرب من سَنن كلامها أن القرآن يسمعه العالم والجاهل، والحاضر والبادي؛ فيفهمون من دلائل الخطاب ما يُعرف أثره عليهم من المعرفة والدراية، والخشية والبكاء، كما قال الله تعالى: { وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرّسول ترى أعينهم تفيض من الدّمع ممّا عرفوا من الحقّ يقولون ربّنا آمنّا فاكتبنا مع الشّاهدين}
ففاضت أعينهم من الدمع مما عرفوه من الحقّ الذي تلي عليهم إذْ كانت تلاوته تلاوة بيّنة كافية في تعريفهم الحق.
بل ربّما تُلي القرآن على الكافر فتفكّر فيه ثم أسلم لما تبيّن له من الحقّ كما أسلم بسبب ذلك فئام لا يُحْصَون.
ومن ذلك ما في الصحيحين وغيرهما من حديث جبير بن مطعمٍ رضي الله عنه أنه قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلّم في فداء المشركين يوم بدرٍ، وما أسلمت يومئذٍ ؛ فدخلت المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلّم يصلّي المغرب؛ فقرأ بالطّور؛ فلمّا بلغ هذه الآية: {أم خلقوا من غير شيءٍ أم هم الخالقون . أم خلقوا السّموات والأرض بل لا يوقنون . أم عندهم خزائن ربّك أم هم المسيطرون}
قال: كاد قلبي أن يطير، وذلك أوّل ما وقر الإيمان في قلبي).
فهذه التلاوة البيّنة التي سمعها جبير بن مطعم وهو كافر كفته لمعرفة الحقّ وأثرّت فيه تأثيراً بالغاً حتى كاد قلبُه أن يطير من قوة هذه المعرفة التي لم يحتج معها إلى تفسير غير تلاوة تلك الآيات تلاوة بيّنة فكانت سبب إسلامه.
وقال تعالى لنبيّه صلى الله عليه وسلّم فيما أنزل إليه: {فاقصص القصص لعلهم يتفكرون}، والتفكّر دليل إلى استخراج المعاني وفقه المقاصد، وسبيل ذلك عند المخاطبين إنما هو معرفتهم باللسان العربي ودلائل خطابه.
والقَصص بفتح القاف ليست جمع قِصَّة، وإنما هي مَصْدر قائم مقام المفعول، أي: اتل عليهم هذا البيان المفصَّل الذي لم يدع شيئاً مشتبهاً ولا ملتبساً، بل فرق بين أهل الحقّ وأهل الباطل بتفصيله الحسن البيّن في أعمال الفريقين وأحوالهما وجزائهما.
كما قال تعالى: {والله يقصُّ الحقّ وهو خير الفاصلين}، وقال تعالى: {ولقد جئناهم بكتاب فصّلناه على علم}.
قال أبو منصور الأزهري: (قولُه: {أَحْسَنَ الْقَصَصِ} : أَي: أحسنَ الْبَيَان، والقاصُّ الَّذِي يَأْتِي بالقِصَّة مِن فصها يُقَال: قصصتُ الشَّيْء إِذا تَتَبعتُ أثَرَه شَيْئا بعد شَيْء).
ثم ذكر من الشواهد على ذلك قوله تعالى: {وقالت لأخته قصّيه} ، وقوله: {فارتدا على آثارهما قصصا}.
فقَصّ الأثر تتبّعه حتى تعرف غايته وتتبيّن، وكذلك قَصُّ الحديثِ هو تتبّعه بتفصيل بيّن حتى تتضح غايته.
وبيان الحقّ لهم بياناً مفصَّلاً متتَبّعاً شاملاً لا يشذّ عنه شيء في جمل يسيرة بيّنة أدعى لتوافرهم على التفكّر فيه وتدبّره.
وقد قال الله تعالى: { أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (68) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (69) أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (70)}.
فما تقتضيه هذه الآية ونظائرها من الأمر بالتدبر والتفكر وتوجيه الخطاب بذلك إلى قوم كفار لم يؤمنوا؛ دليل بيّن على أنّه أمر ممكن لهم بما يعرفون من العربية، لا يحتاجون فيه إلى علماء ليفقّهوهم في معانيه، ولا ليوضّحوا لهم ما هو واضح لديهم من دلائل الخطاب، ولا سيّما الأصول البيّنة المحكمة من الإيمان بالله والكفر بالطاغوت واتّباع الرسول صلى الله عليه وسلم والتصديق بالبعث والحساب والجزاء، وغير ذلك من الأصول البيّنة في كتاب الله تعالى.
والمقصود من كلّ ما تقدّم إقامة الدلائل على أن خطاب القرآن كان بلسان عربيّ مبين تعرف العربُ أساليبه ودلائله.
قال أبو منصور الأزهري: (نزلَ القرآنُ الكريمُ والمخاطَبون بِهِ قومٌ عَرَبٌ، أولو بَيانٍ فاضلٍ، وفهمٍ بارع، أنزلهُ جَلّ ذِكْره بلسانهم، وَصِيغَة كَلَامهم الَّذِي نشؤوا عَلَيْهِ، وجُبِلوا على النُّطْق بِهِ، فتدَرّبوا بِهِ يعْرفُونَ وُجُوه خطابه، ويفهمون فنون نظامه، وَلَا يَحْتَاجُونَ إِلَى تعلُّم مُشْكِلِه وغريب أَلْفَاظه حاجةَ المولَّدين الناشئين فِيمَن لَا يعلم لسانَ الْعَرَب حَتَّى يُعَلَّمَه، وَلا يَفهم ضُروبه وَأَمْثَالَه، وطُرَقه وأساليبَه حتّى يُفَهَّمَها)ا.هـ). [طرق التفسير:111 - 126]


رد مع اقتباس
  #47  
قديم 7 صفر 1439هـ/27-10-2017م, 01:28 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

الباب السابع: عناية العلماء بالتفسير اللغوي

عناية العلماء بالتفسير اللغوي:
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (عناية العلماء بالتفسير اللغوي:
وقد اعتنى المفسرون بتفسير القرآن بلغة العرب؛ ولا سيما ما حفظوه من أشعارهم؛ فكانوا يستعينون به على التفسير وعلى إعراب القرآن وحسن تلاوته.
قال عمر بن زيد: كتب عمر [بن الخطاب] إلى أبي موسى [الأشعري]: « أما بعد فتفقهوا في السنة، وتفقهوا في العربية، وأعربوا القرآن فإنه عربي، وتمعددوا فإنكم معديون». رواه ابن أبي شيبة.
وقال أبيّ بن كعب رضي الله عنه: « تعلَّموا العربيَّةَ في القرآن كما تتعلَّمون حفظه ». رواه ابن وهب وابن أبي شيبة.
وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: «إذا خفي عليكم شيء من القرآن فابتغوه في الشعر، فإنه ديوان العرب» رواه الحاكم والبيهقي من طريق أسامة بن زيد الليثي عن عكرمة عن ابن عباس، وهذا إسناد صحيح.
وقال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: «شهدت ابن عباس، وهو يُسأل عن عربية القرآن، فينشد الشعر» رواه الإمام أحمد في فضائل الصحابة، وأبو عبيد في فضائل القرآن.
قال أبو عبيد: (يعني أنه كان يستشهد به على التفسير).
ومعرفة العلماء المتقدّمين من الصحابة والتابعين بفنون العربية تتفاضل، فبعضهم أوسع معرفة بها من بعض، وأكثر تمكناً من شواهدها وأدوات الاجتهاد فيها، وإن كانوا كلّهم من أهل طبقة الاحتجاج قبل سريان اللحن إلى كلام الناس وفشوّه فيهم بعد مخالطة العجم للعرب.
وفي مصنّف ابن أبي شيبة أن رجلاً قال للحسن البصري: يا أبا سعيد، والله ما أراك تلحن!! فقال : (يا ابن أخي ، إني سبقت اللحن).
فالصحابة رضي الله عنهم كانوا عرباً فصحاء وتفسيرهم القرآن بلغة العرب حجّة لغوية إذا صحّ الإسناد إليهم وأُمن لحن الرواة، وكذلك كبار التابعين وأوساطهم ممن لم يعرف منهم اللحن.
وكان الصحابة مع علمهم بالعربية وسلامة لسانهم من العجمة واللحن، لهم عناية بالتفقّه في العربية وسؤال الفصحاء المعربين، وحفظ الحجج اللغوية والشواهد من الأشعار والخطب وغيرها.
قال عاصم بن أبي النجود: (كان زرّ بن حبيش أعرب الناس، وكان عبد الله [بن مسعود] يسأله عن العربية). رواه ابن سعد.
وتقدّم ذكر أمثلةٍ على حفظ ابن عباس رضي الله عنهما للشواهد الشعرية والحجج اللغوية). [طرق التفسير: 127 - 128]


رد مع اقتباس
  #48  
قديم 7 صفر 1439هـ/27-10-2017م, 01:38 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

طبقات العلماء المعتنين بالتفسير اللغوي:
قال عبد العزيز بن داخل المطيري:
( و
العلماء الذين لهم عناية بتفسير القرآن بلغة العرب على طبقات:

الطبقة الأولى: طبقة الصحابة رضي الله عنهم، وكان منهم علماء يفسّرون الغريب ويبيّنون معاني الأساليب القرآنية بما يعرفون من لغتهم العربية التي يتحدّثون بها، وقد نزل القرآن بلغتهم، وكان لبعضهم مزيد عناية ومعرفة بفنون العربية وأساليبها، وحفظ شواهدها، وقد ذكرت من الأمثلة على ذلك فيما مضى ما يغني عن إعادته.
والطبقة الثانية: طبقة كبار التابعين، وعامّتهم من أهل عصر الاحتجاج، وكان لبعضهم عناية بالتفسير اللغوي، وقد مضى ذكر بعض الأمثلة على تفاسيرهم اللغوية.
ومن هذه الطبقة: أبو الأسود ظالم بن عمرو الدؤلي (ت: 69هـ)، وهو تابعيّ ثقة فصيح اللسان، عالم بالعربيّة، أدرك الجاهلية، وأسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يلْقه، روى عن عمر وعثمان وعليّ وجماعة من كبار الصحابة.
وقرأ القرآن على عثمان وعليّ، وشهد وقعة الجمل مع عليّ، وصاحَبَه وانتفع به، وكان ذكيًّا فَهِماً، وشاعراً مُجيداً، حاضر البديهة، حسن الجواب، قويَّ منزع الحُجَّة.
قال محمد بن سلام الجمحي: (كان أولَّ مَن أسَّسَ العربيَّةَ، وفتحَ بابها، وأنهج سبيلها، ووضع قياسَها: أبو الأسود الدؤلي).
وكان ذلك بأمر عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، وروي أنّ علياً هو الذي ابتدأ ذلك، ثم أمره أن ينحو نحوَه، ومن ذلك سُمّيَ النحو نحواً.
روى سعيد بن سَلْم بن قتيبة بن مسلم الباهلي عن أبيه عن جدّه عن أبي الأسود، قال: دخلتُ على عليّ فرأيته مطرقا، فقلت: فيم تتفكر يا أمير المؤمنين؟
قال: سمعت ببلدكم لحناً، فأردت أن أضع كتابا في أصول العربية، فقلت: إن فعلت هذا أحييتَنا، فأتيته بعد أيام؛ فألقى إليَّ صحيفة فيها: (الكلام كلُّه: اسم، وفعل، وحرف؛ فالاسم ما أنبأ عن المسمى، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى، والحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل).
ثم قال: (تَتَبَّعْهُ وزِدْ فيه ما وقع لك، فجمعت أشياء، ثم عرضتها عليه). ذكره الذهبي في تاريخ الإسلام.
وقال الذهبي: (أَمَرَهُ علي رضي الله عنه بوضع النحو، فلما أراه أبو الأسود ما وضع، قال: ما أحسن هذا النحو الذي نحوت، ومن ثَمَّ سُمِّيَ النَّحْو نحواً)ا.هـ.
وكان ثقة مأموناً، حسن الرأي والتدبير، استخلفه ابن عباس على البصرة لما تركها، وأقرّه علي بن أبي طالب، وبقي إلى أن مات في طاعون الجارف سنة 69هـ في خلافة ابن الزبير.
ولأبي الأسود أقوال في التفسير تُروى عنه، وأبيات يُستشهد بها، وما حُفظ من أقواله وأشعاره قليل، وأكثر مَن يَروي عنه ابنه أبو حرب واسمه عطاء، ويحيى بن يَعْمَر، وأرسل عنه قتادة.
الطبقة الثالثة: الذين أخذوا عن أبي الأسود الدؤلي، وهم جماعة من المعتنين بالعربية في عداد التابعين منهم: ابنه عطاء، ويحيى بن يَعْمَر العدواني(ت: نحو 90هـ)، ونصر بن عاصم الليثي(ت:89هـ) وعنبسة بن معدان المهري الملّقب بعنبسة الفيل.
ونصر ويحيى معدودان من القرَّاء الفصحاء من أقران أبي عبد الرحمن السلمي.
قال يحيى بن عقيل الخزاعي: (قرأتُ على أبي عبد الرحمن السلمي ويحيى بن يعمر؛ فما اختلفا إلا في حرفين؛ قال أبو عبد الرحمن: {مَالُهُ وَوَلَدُهُ} بفتح الواو، وقال ابن يعمر: "ووُلده" بضم الواو، وقال أبو عبد الرحمن: {وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ} وقال ابن يعمر: "إذا دبر").
وأكثر من يُروى عنه التفسير من أصحاب أبي الأسود: يحيى بن يعمر، وهو أوّل من نقط المصاحف، وقد أخذ النَّقْطَ عن أبي الأسود.
قال هارون بن موسى: (أول من نقط المصاحف يحيى بن يعمر).
وقال ابن حبان: (كان من فصحاء أهل زمانه، وأكثرهم علماً باللغة مع الورع الشديد، وكان على قضاء مرو، وولاه قتيبة بن مسلم).
وهو الذي اجتمع مع عطاء بن أبي الأسود على إكمال ما نحاه أبو الأسود فأضافا إليه أبواباً من العربية.
وقريب من هذه الطبقة ميمون الأقرن وقد اختُلف فيه؛ فقيل إنه أخذ عن عنبسة، وقيل إن عنبسة أخذ عنه، ولا أعلم له أقوالاً مأثورة في التفسير، لكنّه كان من المبرّزين في العربية في زمانه.
الطبقة الرابعة:طبقة الآخذين عن أصحاب أبي الأسود، وعامّتهم من صغار التابعين، وهم جماعة من علماء اللغة المتقدّمين الذين شافهوا الأعراب، وكانت لهم عناية بتأسيس علوم العربية وتدوينها، ومن أهل هذه الطبقة: عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي(ت: 129هـ) وعيسى بن عمر الثقفي(ت: 149هـ) وأبو عمرو بن العلاء المازني التميمي (ت:154هـ).
وهؤلاء كانوا مع علمهم بالعربية وفصاحتهم من القرّاء المعروفين، الذين تُؤخذ عنهم القراءة، ولهم مصنفات كثيرة، في النحو وعلوم العربية، وتدوينات لما سمعوه من أخبار العرب وأشعارهم، لكن عامّة كتبهم مفقودة.
أما أبو عمرو بن العلاء فكان من أوسع الناس معرفة بالقراءات والعربية، وأشعار العرب ولغاتهم وأخبارهم وأنسابهم، وكانت له كتب كثيرة لكنّه أحرقها.
قال الأصمعي: (قال لي أبو عمرو بن العلاء: لو تهيأ أن أفرغ ما في صدري من العلم في صدرك لفعلت، ولقد حفظت في علم القرآن أشياء لو كُتبت ما قدر الأعمش على حملها).
وقال أبو عبيدة: (كان أبو عمرو أعلم الناس بالقراءات، والعربية، والشعر، وأيام العرب، وكانت دفاتره ملءَ بيتٍ إلى السقف، ثم تنسَّك فأحرقها، وكان من أشراف العرب ووجوهها، مدحه الفرزدق وغيره).
وكان متواضعاً مع سعة علمه، سهلَ الحديث مع فصاحته لا يتكلّف غريب الألفاظ، ولا عسف المعاني، ولا يتمدّح بعلمه ولا يتفاخر به.
قال الأصمعي: (كان أبو عمرو بن العلاء يُحسن علوماً إذا أحسن إنسانٌ فنًّا منها قال: من مثلي! ولا يعتدّ أبو عمرو بذلك، وما سمعته يتمدّح قط، إلا أنَّ إنساناً لاحاه مرة فقال له: "والله يا هذا ما رأيتُ أحداً قطّ أعلمَ بأشعارِ العرب ولغاتها منّي، فإن رضيتَ ما قلتُ لك، وإلا فأوجدني عمَّن تروي).رواه الزجاجي في مجالس العلماء.
وقد اشتهر عنه أنه قال: (إنما نحن فيمن مضى كبَقْل في أصول نخل طوال).
وأما ابن أبي إسحاق فتوسّع في القياس وعلله، وتبحّر في النحو حتى بلغ فيه الغاية في زمانه.
قال محمّد بن سلام: (سمعت أبى يَسأل يونسَ عن ابن أبى إسحاق وعلمه؛ قال: "هو والنحو سواء" أي: هو الغاية).
وقال محمد بن سلام: (كان ابن أبى إسحاق أشدَّ تجريداً للقياس، وكان أبو عمرو أوسع علماً بكلام العرب ولغاتها وغريبها).
وأمّا عيسى بن عمر فكان رأساً في النحو ذكيّا فهماً، وله مصنّفات في النحو لم يُعرف منها إلا الجامع والإكمال، وهما مفقودان، قال فيهما الخليل بن أحمد وهو تلميذه:
ذهب النَّحْو جميعاً كلُّه ... غير ما أحدث عيسى بن عمر
ذاك إكمال وهذا جامع ... فهما للناس شمس وقمر

وقد شارك هذه الطبقة في الأخذ عن أصحاب أبي الأسود جماعةٌ من فقهاء التابعين منهم: محمد بن سيرين وقتادة وإسحاق بن سويد، لكن عناية أولئك بالعربية أظهر وأشهر.
والطبقة الخامسة: طبقة حماد بن سلمة البصري (ت: 167هـ) والمفضَّل بن محمَّد الضَّبِّي (ت:168هـ) والخليل بن أحمد الفراهيدي (ت:170هـ) وهارون بن موسى الأعور (ت:170هـ) والأخفش الأكبر عبد الحميد بن عبد المجيد (ت: 177هـ ).
وهؤلاء في عداد تلاميذ الطبقة الرابعة، ومنهم من شافه الأعراب وأخذ عنهم.
أما حماد بن سلمة فكان قارئاً محدّثاً فقيهاً لغويّاً، وكان عالماً بالنحو، وهو سبب انصراف سيبويه إلى علم النحو.
وأمّا المفضّل فكان من القراء المعروفين، والأدباء المشهورين، وهو صاحب المفضّليات.
وأما الخليل بن أحمد فهو أوّل من ابتكر العروض، وصنّف المعجم، وقد بيّن فيه معاني بعض الآيات بما يعرفه من لغة العرب.
وأمّا هارون الأعور فكان قارئاً نحوياً له ذكر كثير في تفسير ابن جرير باسم هارون الأعور تارة، وتارة يسمّيه هارون النحوي، وهو ثقة في الحديث إلا أنه رُمي بالقدر.
وأما الأخفش الأكبر فكان أستاذاً في النحو والعربية وتفسير الأشعار.
قال عنه المرزباني: (هو أول من فسر الشعر تحت كل بيت، وما كان الناس يعرفون ذلك قبله، وإنما كانوا إذا فرغوا من القصيدة فسروها)
والطبقة السادسة: طبقة سيبويه عمرو بن عثمان بن قنبر (ت: 180هـ)، وخلف بن حيّان الأحمر (ت: نحو 180هـ) ويونس بن حبيب الضَّبِّي (ت:183هـ) وعلي بن حَمزةَ الكِسَائِي (189هـ) وأبي فيد مؤرج بن عمرو السدوسي (ت: 195هـ) ويَحيى بن سلاَّم البصري (ت:200هـ)، ويحيى بن المبارك اليزيدي (ت: 202هـ) ومحمد بن إدريس الشافعي (ت: 204هـ) والنضر بن شميل المازني (ت: 204هـ)، وأبي زكريا يحيى بن زياد الفراء (ت:207هـ) وأبي عبيدةَ مَعمر بن المثنَّى (ت:209هـ)، ومحمد بن المستنير البصري الملقّب بقُطْرب (ت: بعد 211هـ) وأبي عمرو إسحاق بن مرار الشيباني (ت:213هـ) ، والأخفش الأوسط سعيد بن مسعدة البلخي (ت:215هـ) ، وأبي زيد سعيد بن أوس الأنصاري (ت:215هـ) ، وعبد الملك بن قُرَيبٍ الأصمعي (ت: 216هـ) وأبي عبيد القاسم بن سلام الهروي (ت:224هـ).
وهؤلاء من أعلام اللغة الكبار، ولهم مصنّفات كثيرة، وفي مصنّفاتهم بيان لمعاني بعض الآيات وما يتصل بها من مسائل لغوية.
ومنهم من صنّف في التفسير ومعاني القرآن كالكسائي، ويحيى بن سلام البصري، والفراء، وأبي عبيدة، والأخفش الأوسط.
وهؤلاء عامّتهم من تلاميذ الطبقة الخامسة، ومنهم من تتلمذ على بعض أصحاب الطبقة الرابعة.
كما قال الأصمعي: (سألت أبا عمرو عن ثمانية آلاف مسألة مما أحصيت عددها من أشعار العرب ولغاتها غير ما لم أُحْصِ). رواه الزجاجي في مجالس العلماء.
وفي أواخر هذه الطبقة من أخذ عن أوائلها كما أخذ الأخفش الأوسط عن سيبويه، وأخذ الفرّاء عن الكسائي، وأخذ الأصمعي عن خلف الأحمر.
ومن العلماء من يموت قبل أقرانه بمدّة، ومنهم من يُعمَّر حتى يأخذ عنه تلاميذ تلاميذ أقرانه.
وأهل هذه الطبقة عامّتهم من أهل السنة، وفيهم من المعتزلة: قطرب والأخفش الأوسط.
واتّهم اليزيدي بميله إلى المعتزلة، ولا يُؤثر عنه من قوله ما يحقق ذلك سوى قصيدة لم تثبت عنه.
والطبقة السابعة: طبقة إبراهيم بن يحيى اليزيديّ (ت: 225هـ)، وصالح بن إسحاق الجرمي (ت:225هـ)، وأبي مِسْحَل عبد الوهاب بن حريش الأعرابي(ت:230هـ)، ومحمَّد بن زياد ابن الأعرابي (ت:231هـ) ، وأبي نصر أحمد بن حاتم الباهلي صاحب الأصمعي (ت: 231هـ)، ومحمد بن سلام الجُمَحِيّ (ت:231هـ)، ومحمد بن سعدان الضرير (ت:231 هـ)، وعبد الله بن محمد التَّوَّزي (ت: 233هـ)، وعبد الله بن يحيى اليزيدي (ت: 237هـ)
والطبقة الثامنة: طبقة أبي العَمَيْثَلِ عبد الله بن خُلَيدِ الأعرابي (ت:240هـ)، ويعقوب بن إسحاق ابن السِّكِّيتِ (ت: 244هـ)، وأبي عثمان بكر بن محمد المازني (ت:247هـ)، وأبي عكرمة عامر بن عمران الضبي (ت: 250هـ)، وأبي حاتم سَهْل بن محمد السِّجِسْتاني (ت:255هـ).
والطبقة التاسعة: طبقة أبي سعيد الحسن بن الحسينِ السُّكَّري (ت: 275هـ)، وعبد الله بن مسلم ابن قتيبة الدينوري (ت: 276هـ)، وأبي حنيفة أحمد بن داوود الدينوري(ت:282هـ)، واليمان بن أبي اليمان البندنيجي(ت:284هـ)، وإبراهيم بن إسحاق الحربي (ت:285هـ)، ومحمّد بن يزيدَ المبرّد (ت: 285هـ) ، وأبو العباس أحمد بن يحيى الشيباني [ثعلب] (ت:291هـ)، والمفضَّل بن سلَمة الضَّبّي (ت:291هـ).
والطبقة العاشرة: طبقة يَموتَ بنِ المزرَّعِ العَبْدِي (ت: 304هـ)، ومحمد بن جرير الطبري (ت:310هـ) وكُرَاع النَّمْلِ علي بنُ الحسَن الهُنَائِي (ت: 310هـ) ، وأبي علي الحسن بن عبد الله الأصفهاني المعروف بلُغْدَة(ت: 311هـ)، وإبراهيم بن السَّرِيِّ الزَّجَّاج (ت:311هـ)، والأخفش الصغير علي بن سليمان (ت:315هـ)، وأبي بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي (ت:321هـ)، ونفطويه إبراهيم بن محمد بن عرفة الأزدي (ت:323هـ).
والطبقة الحادية عشرة: طبقة أبي بكر محمد بن القاسم ابن الأنباري (ت: 328 هـ)، وأبي بكر محمد بن عزيز السجستاني (ت: 330هـ) ، وأبي جعفر أحمد بن محمّد النحّاس(ت:338هـ)، وعبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي (ت:340هـ)، وغلام ثعلب أبي عمر الزاهد (ت:345هـ)، وعبد الله بن جعفر ابن درستويه (ت: 347هـ)، وأبي الطيّب اللغوي(ت:351هـ)، وأبي علي إسماعيل بن القاسم القالي (ت: 356هـ).
والطبقة الثانية عشرة: طبقة القاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني (ت: 366هـ) وأبي سعيد الحسن بن عبد الله السيرافي (ت: 368هـ)، وأبي منصورٍ محمد بن أحمد الأزهَرِي (ت: 370هـ)، والحسين بن أحمد ابن خالويه (ت:370هـ)، وأبي علي الحسن بن أحمد الفارسي (ت: 377هـ)، وأبي بكر الزبيدي (ت:379هـ)، وعلي بن عيسى الرمَّاني (ت: 384هـ)، وأبي سليمان حَمْد بن محمد الخَطَّابي (ت:388هـ)، وأبي الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ)، وأبي نصر الجوهري(ت:393هـ)، وأحمد بن فارس الرازي (ت:395هـ).
فهؤلاء الأعلام من أكثر من أخذت عنهم علوم العربية، على اختلاف أوجه عناياتهم اللغوية بالقرآن الكريم؛ فمنهم من يغلب عليه العناية بالنحو والإعراب، ومنهم المشتهر بالقراءات وتوجيهها، ومنهم المعتني بمعاني المفردات والأساليب، ومنهم المشتغل بالتصريف والاشتقاق، إلى غير ذلك من أوجه العناية اللغوية بالقرآن الكريم.
ومنهم من يفرد لعنايته بالقرآن مصنّفات مفردة، ومنهم من يعرض لها في كتبه اللغوية.
وتقصّي كتبهم وآثارهم وأخبارهم أمر يطول، وحسبنا في هذا المقام ذكر أسمائهم لتردّدها في كتب التفسير واللغة.
وهم على درجات متفاوتة في إتقان العلوم، وحسن الأثر، ولزوم السنة، بل منهم من رمي بالاعتزال والاشتغال بعلم الكلام؛ فيُقبل من كلامهم ما أحسنوا فيه وأجادوا، ويردّ منه ما غلطوا فيه مما نصروا به بدعهم، أو ردّوا به شيئاً من الحقّ عامدين أو متأوّلين.
ثمّ خلفهم في كلّ قرن جماعة من العلماء، اقتفوا آثارهم، واعتنوا بعلومهم، وجمعوا وصنّفوا، وبحثوا وحرّروا، وأفادوا ما أفادوا). [طرق التفسير: 128 - 138]


رد مع اقتباس
  #49  
قديم 7 صفر 1439هـ/27-10-2017م, 01:46 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

الباب الثامن: أنواع العناية اللغوية بالألفاظ القرآنية

أنواع العناية اللغوية بالألفاظ القرآنية:
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: ( أنواع العناية اللغوية بالألفاظ القرآنية:
لتفسير القرآن بلغة العرب مسارات متعدّدة وأوجه متنوّعة عُني العلماء بها قديماً وحديثاً حتى أفردوا في كلّ وجه منها مصنفات كثيرة؛ وتتابعوا على دراسة أمثلتها، وتحرير مسائلها، وتأصيل قواعدها؛ حتى غدا كلّ واحد من تلك الأوجه علماً قائماً بنفسه مستوياً على سوقه، له أبوابه ومسائله، وأصوله وضوابطه، ومؤلفاته وأئمّته.

وقد تأمّلت أنواع عناية العلماء اللغوية بالألفاظ القرآنية فوجدتها على نحو عشرة أنواع؛ منها ما هو وثيق الصلة بالتفسير اللغوي، ومنها ما يكون على أصناف يدخل بعضها في التفسير اللغوي، وبعضها يعدّ رافداً من روافده، ومنهلاً من مناهله.
وسيكون الحديث في الفصول القادمة عن هذه الأنواع، وشرح فائدتها للمفسّر بالتمثيل والتبيين، وبيان عناية العلماء بها، وسرد المؤلفات فيها، مع ما يحضرني من الفوائد والتنبيهات، والله المستعان وبه التوفيق. [طرق التفسير: 139]


رد مع اقتباس
  #50  
قديم 7 صفر 1439هـ/27-10-2017م, 01:54 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

النوع الأول: بيان معاني المفردات والأساليب القرآنية
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: ( النوع الأول: بيان معاني المفردات والأساليب القرآنية:
وهو أشهر تلك الأنواع وأنفعها، وأشدّها صلة بالتفسير، إذ يكون به الكشف عن معنى اللفظ، ومعرفة مقاصد الأساليب، وأكثر عناية السلف اللغوية كانت بهذا النوع.
ومن مسائل هذا النوع ما يتّفق عليه العلماء، ومنها ما يختلفون فيه، وللاختلاف أسبابه وآثاره؛ فمن ذلك أن تكون اللفظة من المشترك اللفظي فيفسّرها بعضهم بمعنى من معانيها، ويفسّرها آخرون بمعنى آخر، ثمّ يختلف المفسّرون بعد ذلك؛ فمنهم من يختار أحد الأقوال لقرينة مرجّحة، ومنهم من يذهب إلى الجمع بين تلك المعاني.

والجمع – إذا أمكن- أولى من الترجيح ما لم يكن لاختيار أحد المعاني قرينة ظاهرة، أو مناسبة بيّنة.
ومن أمثلة ذلك اختلافهم في معنى "عسعس" على قولين:
القول الأول: أدبر، وقد روي عن عليّ بن أبي طالب، وهو إحدى الروايتين عن ابن عباس ومجاهد، وقال به قتادة وزيد بن أسلم وابنه عبد الرحمن.
والقول الثاني: أقبل، وهو الرواية الأخرى عن ابن عباس ومجاهد، وروي عن الحسن البصري وسعيد بن جبير.
وقد حكى جماعة من علماء اللغة القولين، واستشهد أبو عبيدة للقول الأول بقول عَلْقَمَة التميمي:

حتى إذا الصبح لها تنفّسا ... وانجاب عنها ليلها وعسعسا
وللقول الثاني بقول عِلْقَة بن قرط التيميّ:
قوارباً من غير دجنٍ نسّسا ... مدّرعات الليل لمّا عسعسا
وحكى القولين جماعة من المفسّرين، واختار بعضهم المعنى الأول كما فعل البخاري وابن جرير.
قال ابن جرير: (وأولى التأويلين في ذلك بالصواب عندي قول من قال: معنى ذلك: إذا أدبر، وذلك لقوله: {وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ} فدلّ بذلك على أن القسم بالليل مدبرًا، وبالنهار مقبلا)ا.هـ.
واختار بعضهم المعنى الثاني كما فعل ابن كثير إذ قال: (وعندي أن المراد بقوله: {عسعس} إذا أقبل، وإن كان يصحّ استعماله في الإدبار، لكن الإقبال هاهنا أنسب؛ كأنه أقسم تعالى بالليل وظلامه إذا أقبل، وبالفجر وضيائه إذا أشرق، كما قال: {والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى})ا.هـ.
ومن العلماء من اختار الجمع بين القولين كما فعل الزجاج إذ قال: (يقال: عسعس الليل إذا أقبل، وعسعس إذا أدبر، والمعنيان يرجعان إلى شيء واحد، وهو ابتداء الظلام في أوله، وإدباره في آخره)ا.هـ.
وأما البخاري فله منهج دقيق في الاختيار والترجيح يعتمد غالباً على جانب الرواية؛ فإذا ثبت القول لديه عن ابن عباس أو مجاهد أو غيرهما صرّح باسمه، وإذا لم يثبت عنده من جهة الرواية لكنّه أرجح من غيره رواية ومعنىً ذكره من غير نسبة كما فعل هنا، ولقرينة أخرى وهي أنّ الفراء قد حكى اجتماع المفسّرين على هذا القول، وزيّف شاهداً احتجّ به بعض أصحاب القول الثاني، وحكاية الإجماع وإن لم تصح إلا أنّها تفيد تغليب هذا القول من جانب الرواية، فلهذين السببين – والله تعالى أعلم – اختار البخاري هذا القول.
قال الفراء: (وقوله عز وجل: {واللّيل إذا عسعس...}؛ اجتمع المفسرون على أن معنى {عسعس}: أدبر.
وكان بعض أصحابنا يزعم أن {عسعس}: دنا من أوله وأظلم، وكان أبو البلاد النحوي ينشد فيه:
عسعس حتى لو يشاء ادّنا ...كـان لـه مـن ضـوئـه مقـبـس
يريد: إذْ دنا، ثم يلقي همزة إذْ، ويدغم الذال في الدال، وكانوا يرون أنَّ هذا البيت مصنوع)ا.هـ.
وقد انفرد الفراء بدعوى الإجماع هذه، وخالفه جماعة من علماء اللغة من غير اعتماد على الشاهد الذي ردّه.
ومما ينبغي أن يُعلم أنه ليس كلّ ما تحتمله اللفظة من المعاني في اللغة يصحّ أن تُفسَّر به في القرآن.
ومن أمثلة ذلك: لفظ "الفلق" يطلق في اللغة على الصبح، وعلى الخلق كلّه، وعلى تبيّن الحق بعد إشكاله، وعلى المكان المطمئن بين ربوتين، وعلى مِقْطَرة السجان، وعلى اللَّبَن المتفلق الذي تميز ماؤه، وعلى الداهية.
ولكلّ معنى من هذه المعاني شواهد صحيحة مبثوثة في كتب اللغة.


ومثل هذه الألفاظ التي تطلق على أكثر من معنى يؤخذ بما يحتمله السياق منها، ثمّ يكون النظر فيها على مراتب:
المرتبة الأولى: النظر في دلالة النص أو الإجماع على اختيار بعض تلك المعاني؛ فما دلّ عليه النصّ أو الإجماع وجب المصير إليه وطرح كلّ ما خالفه.
المرتبة الثانية: النظر في الأقوال المأثورة عن الصحابة والتابعين فيؤخذ ما قالوا به منها، وينظر في أقوالهم حسب قواعد الجمع والترجيح.
وينظر كذلك في المعاني التي يحتملها السياق مما لم يذكروه بشرط أن لا تعارض ما قالوه، ولا تعارض نصّاً ولا إجماعاً في موضع آخر.
والمرتبة الثالثة: النظر في أقوال المفسّرين من علماء اللغة فما قالوا به مما لا يعارض المرتبتين الأولى والثانية فمقبول إلا أن تكون له علّة لغوية.
والمرتبة الرابعة: النظر في دلالة المناسبة، وهي أن يكون أحد المعاني أنسب لمقصد الآية من المعاني الأخرى.
المرتبة الخامسة: النظر في توارد المعاني ، وهي أن يحتمل التركيب معاني متعددة لأحوال متغايرة؛ فيؤخذ بالمعنى الأول للحالة الأولى وبالمعنى الثاني للحالة الثانية وهكذا.
ويجب على من يفسّر القرآن بلغة العرب أن يراعي أصولَ التفسير ومراتب الاستدلال وقواعد الترجيح، ولا يحلّ له أن يفسّر القرآن بمجرّد الاحتمال اللغوي من غير مراعاة ما تقدّم، وليُعلمْ أن من أسباب الانحراف في التفسير الأخذ بمجرّد الاحتمال اللغوي، وقد اغترّ بذلك بعض من اشتغل بالتفسير من أصحاب الأهواء، وفتنوا ببعض ما خرجوا به من أقوال لمّا رأوا القرآن حمّالاً ذا وجوه، وأعجبتهم أقوالهم، وما أشربوا من أهوائهم، فضلّوا وأضلوا.
والكلام في تفسير المفردات يطول، وفيه مباحث كثيرة، وقواعد تفصيلية تُبحث في مظانّها، وعسى الله أن ييسر دورة علمية لبسط الحديث عنها.
وأما الأساليب فمعرفة معانيها ومقاصدها له أثر بالغ في التفسير، وإن لم يكن في الجملة لفظ يستدعي التفتيش عن معناه في كتب اللغة، فمعرفة معنى الأسلوب قدر زائد على معرفة معاني الألفاظ المفردة، ولا يستقيم فهم معنى الآية إلا بمعرفة معنى الأسلوب؛ فإذا تبيّن معنى الأسلوب تبيّن معنى الآية للمتأمّل، ولذلك أمثلة كثيرة:
منها: قوله تعالى: {فما أصبرهم على النار} فسّر بالتعجب وفسّر بالاستفهام، وللسلف واللغويين قولان مشهوران في هذه الآية عمادهما على تفسير معنى الأسلوب.
ومنها: قوله تعالى: {قل إن كان للرحمن ولد فأنا أوّل العابدين} فسّر هذا الأسلوب بالنفي وفسّر بالشرط، وللمفسّرين كلام طويل في هذه الآية عماده على تفسير هذا الأسلوب.
ومما ينبغي أن يُتنبّه له أن المفسّر قد يصيب في معرفة الأسلوب ثمّ يقع الخطأ في تقرير المعنى على ذلك الأسلوب، ولذلك أمثلة في كتب التفسير.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في تفسير قوله تعالى: {أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله}
قال: (أي: أإله مع الله فعل هذا؟ وهذا استفهام إنكار، وهم مقرون بأنه لم يفعل هذا إله آخر مع الله.
ومن قال من المفسرين إن المراد: هل مع الله إله آخر؟ فقد غلط؛ فإنهم كانوا يجعلون مع الله آلهة أخرى كما قال تعالى: {أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد})ا.هـ.
والأساليب القرآنية كثيرة متنوّعة، والغرض من هذا الشرح الموجز والتمثيل المقتضب التعريف بهذا النوع من أنواع التفسير اللغوي.
وقد أكثر العلماء من التصنيف فيه لجلالة قدره وعظم نفعه، بل عامّة كتب غريب القرآن من هذا النوع، وكثير من كتب معاني القرآن تعرض له، ويُعْنَى به كثير من المفسّرين في تفاسيرهم، وإن اختلفت مراتب عنايتهم به.

وممن صنّف في غريب القرآن: عبد الله بن يحيى اليزيدي، وابن قتيبة، وابن عزيز السجستاني، وأبو عمر الزاهد غلام ثعلب، وأبو عبيد الهروي، ومكي بن أبي طالب القيسي، والراغب الأصفهاني، وأبو جعفر الخزرجي، وابن الجوزي، وابن المنيّر، وأبو حيّان الأندلسي، والسمين الحلبي، وابن الملقّن، وابن الهائم وغيرهم كثير.
وممن صنّف في معاني القرآن من علماء اللغة: الكِسائي وكتابه مفقود، والفراء، وأبو عبيدة، والأخفش الأوسط، وأبو عبيد القاسم بن سلام وكتابه مفقود، والزجاج، والنحاس.
وما كتبه هؤلاء العلماء من التفسير اللغوي كان محلّ عناية كثير من المفسّرين ممن جاء بعدهم). [طرق التفسير: 140 - 145]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 5 ( الأعضاء 0 والزوار 5)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:15 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة