العودة   جمهرة العلوم > جمهرة علوم القرآن الكريم > توجيه القراءات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 12:08 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأنعام
[ من الآية (1) إلى الآية (5) ]
{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (2) وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ (3) وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (4) فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (5) }

قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1)}

قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (2)}

قوله تعالى: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ (3)}

قوله تعالى: {وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (4)}

قوله تعالى: {فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (5)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 12:11 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأنعام
[ من الآية (6) إلى الآية (9) ]
{أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ (6) وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ (8) وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (9)}

قوله تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ (6)}

قوله تعالى: {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7)}

قوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ (8)}

قوله تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (9)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
قرأ ابن عامر فيما روى ابن مجاهد له: (وللبسنا عليهم ما يلبسون (9)
بفتح الباء، ولا يعرف ذلك أهل الشام.
وقرأ الباقون (يلبسون) بكسر الباء.
قال أبو منصور: القراء (يلبسون) بكسر الباء؛ لأنه من لبس الأمر يلبس، إذا لبس الأمر حتى يشتبه الصواب، فلا يتبين، وأما (يلبس) فإنه لا يكون إلا من لبس الثوب يلبسه لبسًا، ونيس هذا موضعه، ولا يجوز القراءة إلا بكسر الباء). [معاني القراءات وعللها: 1/345]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 03:40 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأنعام

[ من الآية (10) إلى الآية (13) ]
{وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (10) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11) قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (12) وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (13)}

قوله تعالى: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (10)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ولقد استهزئ... (10)
روى الأعشى عن أبي بكر عن عاصم (استهزي) بغير همز، وقرأ الباقون بالهمز.
قال أبو منصور: القراءة بالهمز لتتابع القراء عليه، وأنه أفصح وأتم). [معاني القراءات وعللها: 1/345]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (1- {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ} [آية/ 10] بكسر الدال في الوصل:-
قرأها أبو عمرو وعاصم وحمزة ويعقوب، حيث وقع من القرآن.
وذلك لأنه اجتمع ساكنان أحدهما الدال من {لَقَدِ}، والثاني السين من {اسْتُهْزِئَ} فكسرت الدال لالتقاء الساكنين.
وقرأ الباقون {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ} بضم الدال في الوصل حيث وقع.
والوجه أن الدال ضمت إتباعًا لضمة التاء من {اسْتُهْزِئَ}، كما قالوا: ادخل ادل بضم اللام الأولى إتباعا لضمة الخاء الثانية، ومنه قراءة من قرأ {أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا} و{عَذَابِنُ ارْكُضْ} بالضم،
[الموضح: 460]
لما ذكرنا من الإتباع). [الموضح: 461]

قوله تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11)}

قوله تعالى: {قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (12)}

قوله تعالى: {وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (13)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 03:45 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأنعام
[ من الآية (14) إلى الآية (18) ]
{قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (14) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (16) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18)}

قوله تعالى: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (14)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (قل إنّي أمرت... (14)
حرك الياء نافع وحده، وأرسلها الباقون). [معاني القراءات وعللها: 1/346]

قوله تعالى: {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله: (إنّي أخاف... (15)
فتحها ابن كثير ونافع وأبو عمرو، وأسكنها الباقون). [معاني القراءات وعللها: 1/346]

قوله تعالى: {مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (16)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (من يصرف عنه يومئذٍ... (16)
[معاني القراءات وعللها: 1/345]
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص (من يصرف عنه) بضم الياء، وفتح الراء.
وفتحها الباقون مع كسر الراء.
قال أبو منصور: من قرأ (يصرف عنه) فهو على أنه مفعول لم يسم فاعله، ومن قرأ (من يصرف عنه) فالفعل لله، فالمعنى: من يصرف اللّه عنه الهلاك والعذاب). [معاني القراءات وعللها: 1/346]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (1- قوله تعالى: {من يصرف عنه يومئذ} [16].
قرأ أهل الكوفة بفتح الياء إلا حفصًا.
وقرأ الباقون بضم الياء.
فمن فتحه فحجته قوله تعالى: {فقد رحمه} لأن في {رحمه} اسم الله مضمرًا فكذلك {من يصرف}.
ومن ضم قال: كرهت أن أضمر شيئين، اسم الله تعالى والعذاب؛ لأن التقدير: من يصرف الله عنه العذاب). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/152]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في ضمّ الياء وفتحها من قوله تعالى: من يصرف عنه يومئذ [الأنعام/ 16].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر يصرف عنه مضمومة الياء مفتوحة الراء.
وقرأ حمزة والكسائي: يصرف عنه مفتوحة الياء مكسورة الراء.
واختلف عن عاصم فروى أبو بكر عنه من يصرف مثل حمزة وروى حفص: يصرف عنه مثل أبي عمرو. فاعل يصرف الضمير العائد إلى ربي* من قوله: إني أخاف إن عصيت ربي [الأنعام/ 15]، وينبغي أن يكون حذف الضمير العائد إلى
[الحجة للقراء السبعة: 3/285]
العذاب، والمعنى: من يصرفه عنه، وكذلك هو في قراءة أبيّ فيما زعموا، وليس حذف هذا الضمير بالسهل، وليس بمنزلة الضمير الذي يحذف من الصلة، لأنّ من* جزاء، ولا يكون صلة على أنّ الضمير إنّما يحذف من الصلة إذا عاد إلى الموصول نحو: أهذا الذي بعث الله رسولا [الفرقان/ 41]. وسلام على عباده الذين اصطفى [النمل/ 59] أي: بعثه واصطفاهم. ولا يعود الضمير المحذوف هنا إلى موصول ولا إلى من* التي للجزاء إنّما يرجع إلى العذاب في قوله: قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم [الأنعام/ 15] وليس هذا بمنزلة قوله: والحافظين فروجهم والحافظات [الأحزاب/ 35]، لأنّ هذا فعل واحد قد تكرّر، وعدّي الأول منهما إلى المفعول، فعلم بتعدية الأول، أنّ الثاني بمنزلته.
وأمّا قراءة من قرأ يصرف فالمسند إليه: الفعل المبني للمفعول، ضمير العذاب المتقدّم ذكره، وليس هذا كقول من قال: يصرف بفتح الياء، لأنّ ضمير المنصوب هنا محذوف، وفي قول من قرأ: يصرف مضمر ليس بمحذوف، والذكر العائد إلى المبتدأ الذي هو من في القراءتين جميعا الضمير الذي في عنه. ومما يقوي ذلك قوله: ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم [هود/ 8]. ألا ترى أنّ الفعل مبني للمفعول به وفيه ضمير العذاب؟ وممّا يحسّن قراءة من قرأ: يصرف، بفتح الياء، أنّ ما
[الحجة للقراء السبعة: 3/286]
بعده من قوله: فقد رحمه فعل مسند إلى ضمير اسم الله تعالى، فقد اتّفق الفعلان في الإسناد إلى هذا الضمير فيمن قرأ يصرف بفتح الياء.
ومما يقوي قراءة من قرأ: من يصرف بفتح الياء، أنّ الهاء المحذوفة من يصرفه لما كانت في حيز الجزاء، وكان ما في حيز الجزاء في أنّه لا يتسلّط على ما تقدّمه، بمنزلة ما في الصلة، في أنّه لا يجوز تسلّطه على الموصول، حسن حذف الهاء منه، كما حسن حذفها من الصلة). [الحجة للقراء السبعة: 3/287]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({من يصرف عنه يومئذٍ فقد رحمه}
[حجة القراءات: 242]
قرأ حمزة والكسائيّ وأبو بكر {من يصرف} بفتح الياء وكسر الرّاء أي من يصرف الله عنه العذاب يومئذ
وحجتهم قوله قبلها {قل لمن ما في السّماوات والأرض قل لله} فكذلك {من يصرف عنه} وأخرى أنه ختم الكلام بمثل معنى يصرف فقال {فقد رحمه} ولم يقل فقد رحم فيكون على نظيره ممّا لم يسم فاعله فكان التّوفيق بين أوله وآخره أولى من أن يخالف بينهما فجعل آخره مثل الأول ملحقًا به
وقرأ الباقون {من يصرف عنه} بضم الياء وفتح الرّاء على ما لم يسم فاعله وحجتهم أن هذا الوجه أقل إضمارا لأنّه إذا قال {من يصرف عنه يومئذٍ فقد رحمه} أي فقد رحمه الله لأنّه تقدمه {إن عصيت ربّي} وفي {يصرف} ذكر العذاب وإذا قال {من يصرف} أضمر ذكر العذاب وفي قراءتهم ذكر العذاب في {يصرف} فحسب). [حجة القراءات: 243]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (1- قوله: {من يُصرف عنه} قرأه أبو بكر وحمزة والكسائي بفتح الياء، وكسر الراء، وقرأ الباقون بضم الياء، وفتح الراء.
وحجة من قرأ بفتح الياء أنه أخبر بالفعل عن الفاعل المتقدم الذكر، وإضماره مستتر في {يصرف}، وشاهده أن في قراءة أبي: «من يصرفه الله عنه»، وفي قراءة ابن مسعود: «يصرف الله عنه» فالمعنى: من يصرب الرب عنه يومئذ العذاب فقد رحمه، فالمفعول محذوف، وهو «العذاب»؛ لدلالة الكلام عليه، ولا يحسن أن يقدّر حرف «ها» مع «يصرف» لأن الهاء، إنما تحذف من الصلات، وليس في الكلام موصول؛ لأن «من» للشرط لا صلة لها.
2- وحجة من ضم الياء أنه بنى الفعل لما لم يُسم فاعله، فأضمر فيه ذكر العذاب، لتقدم ذكره، وأقامه مقام الفاعل، فلا حذف في الكلام، ويقوي ذلك قوله:{ليس مصروفًا عنهم} «هود 8» يعني العذاب، فبناه لما لم يُسم فاعله، وأضمر فيه العذاب، أقامه مقام الفاعل أيضًا، وهو إجماع، وهو الاختيار لأن أكثر القراء عليه، ولأنه أقل إضمارًا من القراءة بفتح الياء). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/425]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (2- {مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ} [آية/ 16]، بفتح الياء وكسر الراء:-
قرأها عاصم في رواية أبي بكر، وحمزة والكسائي ويعقوب.
والوجه أن {يُصْرَفْ} فعل الرب تعالى، وقد جرى ذكره في قوله تعالي {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} والمفعول به محذوف، وهو الضمير العائد إلى العذاب، والتقدير: من يصرفه ربي عنه، أي من يصرف الله العذاب عنه فقد رحمه، ويؤيد هذه القراءة أن ما بعده من جواب الشرط الذي هو قوله {فَقَدْ رَحِمَهُ} ورد على إسناده إلى ضمير اسم الله تعالى، فقد اتفق الفعلان في الإسناد.
وقرأ الباقون {يُصْرَفْ} بضم الياء وفتح الراء، على ما لم يسم فاعله.
والمصروف هو العذاب، والتقدير من يصرف عنه العذاب يومئذ، ويقوي هذه القراءة قوله تعالى {أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ} على بناء الفعل للمفعول به، وفيه ضمير العذاب). [الموضح: 461]

قوله تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17)}

قوله تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 03:57 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأنعام
[ من الآية (19) إلى الآية (20) ]
{قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آَلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (19) الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20)}


قوله تعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آَلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (19)}

قوله تعالى: {الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 07:18 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأنعام
[ من الآية (21) إلى الآية (26) ]

{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (21) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (22) ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23) انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (25) وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (26) }

قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (21)}

قوله تعالى: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (22)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (2- وقوله تعالى: {ويوم نحشرهم ....} [22].
قرأ حفص عن عاصم بالياء هاهُنا وفي (يُونس) قبل الثلاثين، وقرأ سائر القرآن بالنون.
وقرأ الباقون كل ذلك بالنون. فمن قرأ بالنون فالله تعالى يُخبر عن نفسه، وإنما أتى بلفظ الجمع؛ لأن الملك يخبر عن نفسه بلفظ الجماعة تعظيمًا وتخصيصًا كما قال الله: {إنا نحن نزلنا الذكر} والله تعالى، وحده لا شريك له). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/152]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: وقرأ عاصم في رواية حفص ويوم نحشرهم [الأنعام/ 22] بالنون حرفين هاهنا، وفي يونس قبل الثلاثين أيضا:
ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا [يونس/ 28] وباقي القرآن بالياء.
وروى أبو بكر عن عاصم ذلك كلّه بالنون.
وقرأ الباقون بالنون إلّا أنّهم اختلفوا في سورة الفرقان، ويأتي في موضعه [إن شاء الله].
حجّة من قرأ بالنون قوله: وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا [الكهف/ 47] وقوله: ويوم نحشرهم [الأنعام/ 22]، والياء في المعنى كالنون). [الحجة للقراء السبعة: 3/290]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (3- {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ} بالياء، {ثُمَّ يَقُولُ} [آية/ 22] بالياء فيهما:-
[الموضح: 461]
قرأها يعقوب (وحده)، وقرأ الباقون بالنون فيهما.
ومعنى القراءتين واحد في أن الفعل لله تعالى، وقد مضى الكلام في مثله). [الموضح: 462]

قوله تعالى: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ثمّ لم تكن فتنتهم... (23)
قرأ ابن كثير وابن عامر وحفص (ثمّ لم تكن) بالتاء (فتنتهم) رفعًا، وقرأ نافع وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم (ثمّ لم تكن فتنتهم) نصبًا، وكذلك روى شبل عن ابن كثير، وقرأ حمزة والكسائي والحضرمي (ثمّ لم يكن فتنتهم) نصبًا.
قال أبو منصور: من نصب (فتنتهم) فهو على أنه خبر (تكن)، ويكون (أن قالوا) الاسم، وأنثت (تكن) وهو لـ (أن قالوا) لأنّ (أن قالوا) ها هنا هي الفتنة، ومن قرأ (ثمّ لم تكن فتنتهم) بالرفع فعلى أن الفتنة هي الاسم لـ (تكن)، ويكون (أن قالوا) الخبر.
وقال بعضهم: من قرأ (لم يكن) بالياء وجعله لـ (أن قالوا) فمعناه: (القول)، وهو مذكّر). [معاني القراءات وعللها: 1/347]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (واللّه ربّنا... (23)
قرأ حمزة والكسائي (واللّه ربّنا) نصب على الدعاء، وقرأ الباقون (واللّه ربّنا) خفضا.
[معاني القراءات وعللها: 1/347]
قال أبو منصور: من قرأ (ربّنا) فعلى البدل، كأنه قال: وربّنا.
وقال الزجاج: من قرأ (ربّنا) فعلى النعت والثناء لقوله: (والله).
ومن نصب فعلى وجهين:
أحدهما: على الدعاء، كأنهم قالوا: والله يا ربّنا ما كنّا مشركين.
ويجوز أن يكون نصبه على المدح، كأنه قال: والله أعني (ربّنا) وأذكر (ربّنا) ). [معاني القراءات وعللها: 1/348]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (3- وقوله تعالى: {ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا} [23].
قرأ حمزة والكسائي {يكن} بالياء ونصبا {فتنتهم}.
وقرأ ابن كثير وحفص عن عاصم وابن عامر بالتاء ورفع الفتنة. فأما ابن كثير فإنه يجعل الفتنة اسم الكون، والخبر {إلا أن قالوا} لأن «أن» مع الفعل بتقدير المصدر، وتلخيصه: ثم لم تكن فتنتهم إلا قولهم ....
وقرأ الباقون بالتاء ونصب الفتنة، فأما حمزة فإنه يجعل {أن قالوا} الاسم، والفتنة الخبر، وهو الاختيار لعلتين:
إحداهما: أن الفتنة تكون معرفة ونكرة، والضمير في {أن قالوا} لا يكون إلا معرفة.
وأما حجة أبي عمرو ومن تبعه قال: لما كانت الفتنة هي القول والقول هو الفتنة جاز أن تحل محله). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/153]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (4- وقوله: {والله ربنا ما كنا مشركين} [23].
قرأ حمزة والكسائي {ربنا} بالنصب على: والله يا ربنا؛ لأن الله تعالى قد ذكر نفسه قبل ذلك وخاطبوه.
وقرأ الباقون: {والله ربنا} بالخفض فجعلوه مقسمًا به تعالى، وقالوا: هذا أحسن في اللفظ والمعنى أن تقول: والله العظيم ما فعلت كيت وكيت، من أن تقول: والله يا أيها العظيم). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/153]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في الياء والتاء والرفع والنصب من قوله [جلّ وعزّ]: ثم لم تكن فتنتهم [الأنعام/ 23].
فقرأ ابن كثير في رواية قنبل عن القواس، وعبيد بن عقيل عن شبل عن ابن كثير، وابن عامر، وحفص عن عاصم ثم لم تكن بالتاء فتنتهم رفعا.
وروى خلف وغيره عن عبيد عن شبل عن ابن كثير: ثم لم تكن بالتاء فتنتهم نصبا.
[الحجة للقراء السبعة: 3/287]
وقرأ نافع وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر تكن بالتاء فتنتهم نصبا.
وقرأ حمزة والكسائي ثم لم يكن بالياء فتنتهم نصبا.
[قال أبو علي] من قرأ: ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا [الأنعام/ 23] تكن بالتاء ورفع الفتنة، كان ذلك حسنا لإثباته علامة التأنيث في الفعل المسند إليه الفتنة، والفتنة مؤنثة بلحاقها علامة التأنيث وأن قالوا على هذه القراءة: في موضع نصب، والتقدير: لم تكن فتنتهم إلّا قولهم. فأمّا ما روي عن ابن كثير من قراءته: ثم لم تكن
بالتاء فتنتهم نصبا، فقد أنّث، أن قالوا لمّا كان الفتنة في المعنى، وفي التنزيل: فله عشر أمثالها [الأنعام/ 160] فأنّث الأمثال، وواحدها مثل، حيث كانت الأمثال في المعنى الحسنات، وقد كثر مجيء هذا في الشعر والرواية الأولى أوجه من حيث كان الكلام محمولا فيها على اللفظ. ومثل هذا قراءة نافع، وأبي عمرو، وعاصم في رواية أبي بكر. ومما جاء على هذا في الشعر قوله:
[الحجة للقراء السبعة: 3/288]
.. وكانت عادة... منه إذا هي عرّدت إقدامها
فأنّث الإقدام لما كان العادة في المعنى، وهذا البيت، وهذه الآية إذا قرئت على القياس أقرب من قول الشاعر:
هم أهل بطحاوي قريش كليهما... هم صلبها ليس الوشائظ كالصلب
لأنّ بطحاوي مكة مؤنث، والمذكر: الأبطح، فهو لفظ غير لفظ المؤنّث، والفتنة هي: القول.
وقد جاء في الكلام: ما جاءت حاجتك، فأنّث ضمير (ما) حيث كان الحاجة في المعنى: وألزم التأنيث ونصبت الحاجة. ومثل
[الحجة للقراء السبعة: 3/289]
ذلك قولهم: من كانت أمّك، فأنّث ضمير من حيث كان الأمّ ومثله: ومن تقنت منكن [الأحزاب/ 31]. وممّا يقوّي [نصب فتنتهم] أنّ قوله: أن قالوا: أن يكون الاسم دون الخبر أولى، لأنّ أن* إذا وصلت لم توصف فأشبهت بامتناع وصفها المضمر. فكما أنّ المضمر إذا كان مع المظهر كان أن يكون الاسم أحسن، كذلك أن* إذا كانت مع اسم غيرها، كانت أن تكون الاسم أولى). [الحجة للقراء السبعة: 3/290]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الخفض والنصب من قوله تعالى: والله ربنا [الأنعام/ 23].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر بالكسر فيهما.
وقرأ حمزة والكسائي: والله ربنا بالنصب.
من قرأ والله ربنا: جعل الاسم المضاف وصفا للمفرد، ومثل ذلك: رأيت زيدا صاحبنا، وبكرا جاركم. وقوله: ما كنا مشركين [الأنعام/ 23] جواب القسم.
ومن قال: والله ربنا، فصل بالاسم المنادى بين القسم والمقسم عليه بالنداء، والفصل به لا يمتنع، وقد فصل بالمنادى بين الفعل ومفعوله [كما فعل ذلك] في نحو قوله: إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك [يونس/ 88] والمعنى آتيتهم زينة وأموالا ليضلوا فلا يؤمنوا، وفصل به في أشدّ من ذلك، وهو الفصل بين الصلة والموصول قال:
[الحجة للقراء السبعة: 3/291]
فلأحشأنّك مشقصا* أوسا أويس من الهبالة وهذا لكثرة النداء في الكلام ومثل ذلك في الفصل قوله:
ذاك الّذي وأبيك تعرف مالك... والحقّ يدفع ترّهات الباطل). [الحجة للقراء السبعة: 3/292]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ثمّ لم تكن فتنتهم إلّا أن قالوا والله ربنا ما كنّا مشركين}
قرأ ابن كثير وابن عامر وحفص {ثمّ لم تكن} بالتّاء {فتنتهم} رفع جعلوا الفتنة اسم كان والخبر {إلّا أن قالوا} لأن أن مع الفعل في تقدير المصد ر المعنى ثمّ لم تكن فتنتهم إلّا قولهم
وقرأ نافع وأبو عمرو وأبو بكر {ثمّ لم تكن} بالتّاء {فتنتهم} نصب جعلوا الفتنة خبرا والاسم {إلّا أن قالوا} وتقدير الكلام ثمّ لم تكن فتنتهم إلّا قولهم يقال لم أنث تكن والاسم مذكّر الجواب إنّما أنث لأن الفعل لما جاء ملاصقا للفتنة أنث لتأنيثها وإنّما جاز ذلك لأن الفتنة هي القول والقول هو الفتنة فجاز أن يحل محله
[حجة القراءات: 243]
ولا يؤثر في الخبر إلّا فيما كان الأول بعينه نحو كان زيد أخاك فالخبر هو الاسم فكذلك الفتنة هي القول
وجواب آخر وهو أن المصدر قد يقدر مؤنثا ومذكرا التّقدير ثمّ لم تكن فتنتهم إلّا مقالتهم والاسم مؤنث
قرأ حمزة والكسائيّ (ثمّ لم يكن) بالياء {فتنتهم} نصبا جعلا {أن قالوا} الاسم التّقدير ثمّ لم يكن فتنتهم إلّا قولهم وحجتهما إجماع القرّاء على نصب قوله {فما كان جواب قومه إلّا أن قالوا} وأخرى وهي أن في حرف عبد الله (فما كان فتنتهم) فهذا دليل على التّذكير
قرأ حمزة والكسائيّ {والله ربنا} بالنّصب أي يا ربنا على النداء وحجتهما أن الآية ابتدئت بمخاطبة الله إيّاهم إذ قال للّذين أشركوا {أين شركاؤكم} فجرى جوابهم إيّاه على نحو سؤاله لمخاطبتهم إيّاه فقالوا {والله ربنا} بمعنى والله يا ربنا ما كنّا مشركين فأجابوه مخاطبين له كما سألهم مخاطبين
وقرأ الباقون {والله ربنا} خفضا على النّعت والثناء وحجتهم في ذلك أنّك إذا قلت أحلف باللّه ربّي كان أحسن من أن تقول أحلف باللّه يا رب). [حجة القراءات: 244]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (3- قوله: {تكن فتنتهم} قرأه حمزة والكسائي بالياء، وقرأ الباقون بالتاء، وقرأ ابن كثير وابن عامر وحفص «فتنتُهم» بالرفع، وقرأ الباقون بالنصب.
وحجة من قرأ بالتاء أنه أنّث الفعل لتأنيث لفظ الفتنة، إن رفع الفتنة أنّث؛ لأن الفاعل مؤنث اللفظ، وإن نصب الفتنة أنّث؛ لأن الفاعل في المعنى هو الفتنة؛ لأن خبر كان هو اسمها في المعنى.
4- وحجة من قرأ بالياء أنه أتى بلفظ التذكير، لتذكير «أن» وما بعدها، في قوله: {إلا أن} إذا نصب {فتنتهم}، فإن رفعها ذكر؛ لأن الفتنة المعذرة، والمعذرة والعُذر واحد، فذكر لتذكير العذر، ويجوز أن يكون ذكر لأن «الفتنة » «القول» في المعنى، فذكّر لتذكير القول إذ القول هو الفتنة.
5- وحجة من رفع الفتنة أنها لما كانت معرفة، وتقدمت «القول» جعلها اسم كان، و{أن قالوا} الخبر، فأتى الكلام في الإعراب على رتبته، من غير تقديم ولا تأخير، لا سيما إذا قرئ بالتاء، فهو أقوى لرفع الفتنة، لأن التأنيث في الفعل يدل على إضافة الفعل إلى «الفتنة» فقوي الرفع في «الفتنة» لتأنيث الفعل، ولتقدّم «الفتنة» في اللفظ، ولأنها معرفة، فأما إذا قرئ {تكن} بالتاء فالرفع يقوى، لتقدم «الفتنة» في اللفظ، ولأنها معرفة ولأنها هي «القول» الذ حمل التذكير عليه.
6- وحجة من نصب «الفتنة» أنه لما وقع بعد «كان» معرفتان، وكان أحدهما أعرف جعله اسم «كان»، وهو «أن» وما بعدها، وإنما كانت أعرف لأنها لا توصف، كما لا يوصف المضمر، فأشبهت المضمر، فجعلت اسم كان كما يجعل المضمر إذا وقع بعد كان اسمها والظاهر خبرها، ولأنها
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/426]
لا تتنكر أبدًا كما تتنكر «الفتنة»، وتنفصل عما أضيفت إليه، لا سيما إذا قرئ «يكن» بالياء، فهو أقوى في نصب «الفتنة»؛ لأنه قد بان أن الفعل لـ «القول» بالتذكير، والاختيار القراءة بالتاء، ونصب «الفتنة»؛ لأنها هي القول في المعنى ولأنها بمعنى العذر ولأن «أن» وما بعدها أعرف؛ لأن على ذلك أكثر القراء). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/427]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (7- قوله: {والله ربنا} قرأه حمزة والكسائي «ربنا» بالنصب على النداء المضاف، وفصل به بين القَسَم وجوابه، وذلك حسن، لأن فيه معنى الخضوع والتضرع حين لا ينفع ذلك، وقرأه الباقون بالخفض، على النعت لـ «الله» عز وجل، أو على البدل). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/427]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (4- {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ} بالتاء {فِتْنَتُهُمْ} [آية/ 23] بالرفع:-
قرأها ابن كثير وابن عامر و-ص- عن عاصم.
ووجهه أن التاء لعلامة التأنيب لأجل الفتنة، والفتنة مؤنثة للحاق علامة التأنيث لها وهي الهاء، و{فِتْنَتُهُمْ} رفع لكونها اسم {تَكُنْ}، وقوله {أَنْ قَالُوا} خبره، وهو في موضع نصب، والتقدير: ثم لم تكن فتنتهم إلا قولهم.
وقرأ نافع وأبو عمرو و-ياش- عن عاصم {تَكُنْ} بالتاء {فِتْنَتُهُمْ} بالنصب؛ لأنهم جعلوا {أَنْ قَالُوا} اسم كان و{فِتْنَتُهُمْ} بالنصب خبرها، وأنثوا {أَنْ قَالُوا} وإن كان التقدير: قولهم، والقول مذكر؛ لأنه هو الفتنة في المعنى، كما قال تعالى {فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} ولم يقل عشرة؛ إذ كانت الأمثال هي الحسنات في المعنى.
وقرأ حمزة والكسائي {يَكُنْ} بالياء {فِتْنَتُهُمْ} بالنصب.
[الموضح: 462]
وهذا على القياس؛ لأن اسم {يَكُنْ} ههنا {أَنْ قَالُوا} وهو مذكر؛ لأنه في تقدير القول، والمراد ثم لم يكن فتنتهم بالنصب -إلا قولهم -بالرفع-، فأن قالوا اسم كان و{فِتْنَتُهُمْ} خبره، فلما كان اسم كان مذكرًا ألحق الياء بيكن لأنه علم التذكير). [الموضح: 463]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (5- {وَالله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [آية/ 23] بجر {الله} ونصب {رَبِّنَا}:-
قرأها حمزة والكسائي.
ووجه ذلك أن قوله تعالى {وَالله} قسم، و{رَبِّنَا} منادى، وانتصابه على أنه منادى مضاف، وقد فصل بهذا المنادى بين القسم والمقسم عليه، والتقدير: والله يا ربنا ما كنا مشركين.
وقرأ الباقون {وَالله رَبِّنَا} بالجر فيهما، على أن الاسم المضاف الذي هو {رَبِّنَا} صفة لله، كما تقول: مررت بزيد صاحبنا وبكر أخينا، فالجر في {رَبِّنَا} لكونه صفة لله، والجر في {وَالله} لكونه مقسما به). [الموضح: 463]

قوله تعالى: {انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24)}

قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (25)}

قوله تعالى: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (26)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 07:20 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأنعام
[ من الآية (27) إلى الآية (30) ]

{وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآَيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27) بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (28) وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (29) وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (30)}

قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآَيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (نردّ ولا نكذّب بآيات ربّنا ونكون من المؤمنين (27)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وأبو بكر والكسائي (نردّ ولا نكذّب... ونكون) بالرفع، وقرأ ابن عامر (ولا نكذّب) رفعًا، و(نكون) نصبًا.
وقد روى هشام بن عمار بإسناده عن ابن عامر النصب
[معاني القراءات وعللها: 1/348]
فيهما، وقرأ الباقون (ولا نكذّب... ونكون) بالنصب جميعًا.
قال أبو منصور: ومن قرأ بالرفع في (ولا نكذّب... ونكون) فالمعنى: يا ليتنا نرد ونحن لا نكذب بآيات ربنا أبدًا، رددنا أو لم نرد، ونكون من المؤمنين قد عيّنّا وشاهدنا ما لا نكذب معه أبدًا.
ويجوز الرفع على وجه آخر: على معنى: يا ليتنا نرد ويا ليتنا لا نكذب بآيات ربّنا، كأنما تمنوا الرد والتوفيق للتصديق، (ونكون) معطوف عليه.
ومن قرأ (يا ليتنا نردّ ولا نكذّب... ونكون) فهو على الجواب بالواو في التمني، كما تقول: ليتك تصير إلينا ونكرمك، وهذا قول أبى إسحاق.
وقال أحمد بن يحيى: جواب التمني إنما يكون بالفاء نصبًا، فأما الواو، فإنما ينصب على الصرف). [معاني القراءات وعللها: 1/349]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (5- وقوله تعالى: {يا ليتنا نرد ولا نكذب} [27].
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/153]
قرأ حمزة وحفص {نكذب .... ونكون} بنصب الباء والنون ووافق شامي في النون؛ جعلوه جواب التمني؛ لأن الجواب بالواو ينصب كما ينصب بالفاء كقول الشاعر:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله = عار عليك إذا فعلت عظيم
وكقراءة الأعرج: {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء} بالنصب.
وقرأ الباقون بالرفع كل ذلك.
فمن رفع جعل الكلام كله خبرًا؛ لأن القوم تمنوا الرد، ولم يتمنوا الكذب والتقدير: يا ليتنا نرد ونحن لا نكذب). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/154]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الرفع والنصب من قوله [جلّ وعزّ]: ولا نكذب بآيات ربنا ونكون [الأنعام/ 27].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي، وعاصم في رواية أبي بكر: ولا نكذب ونكون* جميعا بالرفع.
وقرأ ابن عامر وحمزة وعاصم في رواية حفص: ولا نكذب ونكون بنصبهما هذه رواية ابن ذكوان عن أصحابه عن أيوب بن تميم عن ابن عامر. وقال هشام ابن عمار عن أصحابه عن ابن عامر: ولا نكذب مرفوعة، ونكون نصبا.
[الحجة للقراء السبعة: 3/292]
[قال أبو علي]: [فأمّا] من قرأ بالرفع جاز في قراءته وجهان: أحدهما: أن يكون معطوفا على نرد فيكون قوله: ولا نكذب ونكون* داخلا في التمني دخول نرد فيه، فعلى هذا: قد تمنّى الردّ، وأن لا نكذّب، والكون من المؤمنين.
ويحتمل الرفع وجها آخر: وهو أن تقطعه من الأول، فيكون التقدير على هذا: يا ليتنا نردّ ونحن لا نكذب بآيات ربّنا، ونكون.
قال سيبويه: وهو على قولك: فإنّا لا نكذب، كما تقول: دعني ولا أعود، أي: فإنّي ممن لا يعود، فإنّما يسألك الترك، وقد أوجب على نفسه أن لا يعود ترك أو لم يترك، ولم يرد أن يسأل: أن يجمع له الترك وأن لا يعود.
وهذا الوجه الثاني ينبغي أن يكون أبو عمرو ذهب إليه في قراءته جميع ذلك بالرفع، فالأوّل الذي هو [عطف على] الردّ داخل في التمني، وقوله: ولا نكذب بآيات ربنا ونكون* على نحو: دعني ولا أعود، يخبرون على البتات أن لا يكذّبوا ويكونوا من المؤمنين، لأنّ أبا عمرو روي عنه أنّه استدلّ على خروجه من التمني بقوله: وإنهم لكاذبون [الأنعام/ 28] فقال: قوله:
وإنهم لكاذبون يدلّ على أنّهم أخبروا بذلك عن أنفسهم، ولم
[الحجة للقراء السبعة: 3/293]
يتمنوه، لأنّ التمني لا يقع فيه الكذب، إنّما يكون الكذب في الخبر دون التمني. وأهل النظر يذهبون إلى أنّ الكذب لا يجوز وقوعه في الآخرة، فإذا لم يجز ذلك فيها كان تأويل قوله: وإنهم لكاذبون. على تقدير: إنّهم لكاذبون في الدنيا في تكذيبهم الرسل، وإنكارهم البعث، ويكون قوله: وإنهم لكاذبون حكاية للحال التي كانوا عليها في الدنيا، كما أنّ قوله: وكلبهم باسط ذراعيه [الكهف/ 18] حكاية للحال الماضية، وكما أنّ قوله: وإن ربك ليحكم بينهم [النحل/ 124] حكاية للحال الآتية.
ولو جاز الكذب في الآخرة لكان ذلك حجة للرفع على الوجه الذي ذكرنا.
وحجّة من نصب فقال: يا ليتنا نرد ولا نكذب ونكون [الأنعام/ 37] أنّه أدخل ذلك في التمني، لأنّ التمني غير موجب، فهو كالاستفهام والأمر والنهي والعرض في انتصاب ما بعد ذلك كلّه من الأفعال إذا دخلت عليها الفاء على تقدير ذكر مصدر الفعل الأول، كأنّه في التمثيل: يا ليتنا يكون لنا ردّ وانتفاء للتكذيب، وكون من المؤمنين. ومن رفع نرد ولا نكذب ونصب ونكون [فإنّ الفعل الثاني من الفعلين المرفوعين] يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون داخلا في التمني فيكون في
[الحجة للقراء السبعة: 3/294]
المعنى كالنصب. والوجه الآخر أنّه يخبر على البتات أن لا يكذّب ردّ أو لم يردّ. ومن نصب ولا نكذب ونكون جعلهما جميعا داخلين في المعنى في التمني كما أنّ من رفع ذلك، وعطفه على التمني كان كذلك). [الحجة للقراء السبعة: 3/295]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين}
[حجة القراءات: 244]
قرأ حمزة وحفص {فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون} بنصب الياء والنّون جعلاه جواب التّمنّي لأن الجواب بالواو ينصب كما ينصب بالفاء قال الشّاعر:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم
وكما تقول ليتك تصير إلينا ونكرمك المعنى ليت مصيرك يقع وإكرامنا ويكون المعنى ليت ردنا وقع ولا نكذب أي إن رددنا لم نكذب
وقرأ ابن عامر {يا ليتنا نرد ولا نكذب} بالرّفع {ونكون} بالنّصب جعل الأول نسقا والثّاني جوابا كأنّه قال ونحن لا نكذب ثمّ رد الجواب إلى {يا ليتنا} المعنى يا ليتنا نرد فنكون من المؤمنين
وحجته قوله {لو أن لي كرة فأكون من المحسنين}
وقرأ الباقون {يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون} بالرّفع فيهما جعلوا الكلام منقطعًا عن الأول قال الزّجاج المعنى أنهم تمنوا الرّد وضمنوا أنهم لا يكذبون المعنى يا ليتنا نرد ونحن لا نكذب بآيات ربنا رددنا أم لم نرد ونكون من المؤمنين أي عانينا وشاهدنا ما لا نكذب معه أبدا قال ويجوز الرّفع على وجه آخر على معنى يا ليتنا نرد ويا ليتنا لا نكذب بآيات ربنا كأنّهم تمنوا الرّد والتوفيق للتصديق). [حجة القراءات: 245]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (8- قوله: {ولا تكذب}، {ونكون} قرأه حفص وحمزة «ولا نكذب» بالنصب، وقرأ ابن عامر وحمزة وحفص «ويكون» بالنصب، ورفعهما الباقون.
وحجة من نصب أنه جعل الفعلين جوابًا للتمني؛ لأنه غير واجب، ليكونا داخلين في التمني، على معنى أنهم تمنوا الرد، وترك التكذيب، الكون من المؤمنين، والنصب بإضمار «أن» كما تنصب في جواب الاستفهام والأمر والنهي والعرض، لأن جميعه غير واجب، ولا واقع بعد، فينصب الجواب مع الواو، كأنه عطف على مصدر الأول، كأنهم قالوا: يا ليتنا يكون لنا رد، وانتفاء من التكذيب، وكون من المؤمنين، فحملا على مصدر «يرد» في
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/427]
العطف، إذ لم يكن أن يحملا على العطف على «نرد» لانقلاب المعنى إلى الرفع، فلم يكن بد من إضمار «أن» لتكون مع الفعل مصدرًا، فيعطف مصدرًا على مصدر، وبه يتم النصب في الفعلين.
9- وحجة من رفعهما أنه عطفهما على «نرد» فيكون قوله: «ولا نكذب ونكون» داخلين في التمني، تمنوا ثلاثة أشياء على ما ذكرنا، ويجوز أن يرفع، على أن يقطعه من الأول على تقدير: يا ليتنا نرد، ونحن لا نكذب بآيات ربنا، ونكون من المؤمنين، رددنا أو لم نرد، وقوله: {وإنهم لكاذبون} «28» يدل على كذبهم فيما أخبروا به عن أنفسهم، من أنهم لا يكذبون ويكونون من المؤمنين، ولم يتمنوا ذلك في هذا التقدير، لأن التمني لا يقع مع التكذيب، إنما يكون التكذيب في الخبر، إنما التزموه ردوا أو لم يُردوا، حكم سيبويه: دعني ولا أعود، بالرفع على معنى: ولا أعود تركتني أو لم تتركني، ولم يسأل أن يجمع له الترك والعود، وأهل النظر على أن التكذيب لا يجوز في الآخرة؛ لأنها دار جزاء، على ما كان في الدنيا، والتأويل عندهم: وإنهم لكاذبون في الدنيا، في تكذيبهم للرسل، وإنكارهم البعث، فيكون ذلك حكاية عن الحال التي كانوا عليها في الدنيا كما قال: {وإن ربك ليحكم بينهم} فجعله حكاية عن الحال الآتية، وقد حُكي أن أبا عمرو احتج للرفع بقوله: {وإنهم لكاذبون} وأجاز التكذيب في الآخرة.
10- وحجة من رفع «نكذب» ونصب «ونكون» أنه رفع الأول على أحد الوجهين المذكورين المتقدمين، على أن يكون داخلًا في التمني، فيكون الرفع كالنصب، ونصب «ونكون» على جواب التمني فكلا الفعلين دخل في التمني، ويجوز رفع «ونكذب» على معنى الثبات على
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/428]
ترك التكذيب، أي: لا نكذب رددن أو لم نرد، فيكون غير داخلًا في التمني ويكون داخلًا في التمني إذا نصبته). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/429]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (6- {وَلا نُكَذِّبَ} {وَنَكُونَ} [آية/ 27] منصوبتان:-
قرأهما حمزة وعاصم -ص- ويعقوب.
والوجه أن انتصابهما لأجل كونهما جوابًا للتمني؛ لأن التمني غير موجب
[الموضح: 463]
فهو كالاستفهام والأمر والنهي إذا دخلت على الفعل الذي بعدها الفاء أو الواو نحو: هل زيد عندك فأكرمه، واعطني فأشكرك، ولا تشتمني فأضربك، وليت لي مالا فأنفقه.
وحكم الواو في ذلك كحكم الفاء، وهو على إضمار أن بعد الواو أو الفاء، والكلام محمول على المصدر، والتقدير: يا ليتنا يكون لنا وانتفاء من التكذيب وكون من المؤمنين.
وقرأ ابن عامر {وَلا نُكَذِّبَ} رفعة و{وَنَكُونَ} نصبًا.
ووجه الرفع في {نُكَذِّبَ} أنه جعله معطوفة على {نُرَدُّ} داخلا في التمني، والنصب في {نَكُونَ}؛ من أجل أنه جواب التمني.
وقرأ الباقون بالرفع في {نُكَذِّبَ} و{نَكُونَ} جميعًا، وله وجهان:
أحدهما: أن يكونا معطوفين على {نُرَدُّ} داخلين في التمني.
والثاني: أن يكونا على الاستئناف والقطع من الأول، والتقدير: يا ليتنا نرد ونحن لا نكذب بآيات ربنا ونكون). [الموضح: 464]

قوله تعالى: {بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (28)}

قوله تعالى: {وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (29)}

قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (30)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 07:22 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأنعام
[ من الآية (31) إلى الآية (34) ]
{قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (31) وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (32) قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34)}

قوله تعالى: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (31)}

قوله تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (32)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (للّذين يتّقون أفلا تعقلون (32)
ونظائره في الأعراف، ويوسف والقصص ويس.
قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي في القصص بالتاء، والباقي بالياء.
وقرأ أبو عمرو خمسهن بالياء، وهما سيّان، وقد خيّر أبو عمرو في القصص فقال: إن شئت بالتاء، وإن شئت بالياء، وقال: وهما سيّان.
وقرأهن نافع وابن عامر كلهن بالتاء، وتابعهما حفص إلا في يس
[معاني القراءات وعللها: 1/350]
فإنه قرأ (يعقلون) بالياء، وقرأ أبو بكر في رواية الأعشى عنه في القصص بالتاء، والباقي بالياء مثل حمزة، وفي رواية يحيى عنه في يوسف وفي القصص بالتاء، والباقي بالياء.
وقرأ الأصم في الأنعام والقصص ويس (أفلا تعقلون) بالتاء، والباقي بالياء.
قال أبو منصور: من قرأ بالتاء فللمخاطب، ومن قرأ بالياء فللغيبة). [معاني القراءات وعللها: 1/351]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ولدار الآخرة خيرٌ (32)
قرأ ابن عامر وحده: (ولدار الآخرة خيرٌ) بلام واحد، وخفض الآخرة، وقرأ الباقون: (وللدّار الآخرة خيرٌ) بلامين، (الآخرة) رفع.
قال أبو منصور: من قرأ (وللدّار الآخرة) فالآخرة نعت للدار، وهي أجود القراءتين، ومن قرأ (ولدار الآخرة) فإنه أضاف الدار إلى الآخرة.
والعرب تضيف الشيء إلى نعته، كقول الله: (وحبّ الحصيد)،
[معاني القراءات وعللها: 1/351]
وكقوله: (وذلك دين القيّمة)، وكل ذلك فصيحٌ جيد). [معاني القراءات وعللها: 1/352]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (6- وقوله تعالى: {وللدار الآخرة} [32].
قرأ ابن عامر بحذف لامه الأولى {والآخرة} بالخفض والباقون بإثبات اللام و{الآخرة} بالرفع). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/155]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (7- وقوله تعالى: {للذين يتقون أفلا تعقلون} [32].
اختلفوا في خمس (؟ كذا) مواضع، في (الأنعام) و(الأعراف) و(يوسف) و(القصص) و(يس) فقرأهن كلهن نافع بالتاء إلا في سورة (يوسف). وروى [عن] حفص كل ذلك بالتاء إلا في (يس).
وقرأ ابن عامر وعاصم كل ذلك بالتاء إلا هشامًا في (يس) وقرأ الباقون كل ذلك بالياء إلا في (القصص) غير أنا أبا عمرو كان يخير في التاء والياء في (القصص) كما خير في (آل عمران). فمن قرأ بالتاء فالتقدير: قل يا محمد {أفلا تعقلون} يا كفرة، ومن قرأ بالياء فالله تعالى يخبر عنهم أنهم لا يعقلون). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/155]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والتاء من قوله: تتقون أفلا تعقلون [الأنعام/ 32] في خمسة مواضع في الأنعام والأعراف [169] ويوسف [109]، ويس [68]، والقصص [60].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي بالياء في أربعة مواضع وفي القصص بالتاء.
وقرأ نافع ذلك كلّه بالتاء.
وقرأ عاصم في رواية حفص ذلك بالتاء إلّا قوله في يس:
في الخلق أفلا يعقلون [الآية/ 68] بالياء.
وروى أبو بكر بن عياش: ذلك كلّه بالياء إلّا قوله في يوسف أفلا تعقلون فإنّه قرأه بالتاء وفي القصص أيضا: بالتاء.
وقرأ ابن عامر واحدا بالياء، وسائر ذلك بالتاء، وهو قوله في يس: ننكسه في الخلق أفلا يعقلون وكلّهم قرأ في القصص بالتاء إلّا أبا عمرو فإنّه يقرأ بالتاء والياء.
[الحجة للقراء السبعة: 3/295]
[قال أبو علي] العقل والحجا والنّهى كلم مختلفة الألفاظ متقاربة المعاني، قال الأصمعي: بالدّهناء خبراء، فالدهناء يقال لها: معقلة، قال: [أبو علي] ونراها سمّيت
معقلة لأنّها تمسك الماء، كما يمسك الدواء البطن، فالعقل: الإمساك، عن القبيح، وقصر النفس وحبسها على الحسن. والحج أيضا:
احتباس وتمكّث، قال:
فهنّ يعكفن به إذا حجا روى محمد بن السري، وأنشد الأصمعي:
حيث تحجّى مطرق بالفالق تحجّى: أقام، فكأنّ الحجا مصدر كالشبع. ومن هذا الباب، الحجيّا: للّغز، لتمكّث الّذي يلقى عليه حتى يستخرجها.
قال أبو زيد: حج حجيّاك فالحجيّا جاءت مصغّرة كالثّريّا، والحديّا، ويشبه أن يكون ما حكاه أبو زيد من قولهم: حج
[الحجة للقراء السبعة: 3/296]
حجيّاك، على القلب، تقديره: فع، وحذف اللام المقلوبة إلى موضع العين. وهذا يدلّ على أنّ الكلمة لامها واو. وكذلك النهى لا يخلو من أن يكون مصدرا كالهدى، أو جمعا كالظلم، وقوله تعالى: لأولي النهى [طه/ 128] يقوّي أنّه جمع لإضافة الجمع إليه، وإن كان المصدر يجوز أن يكون مفردا في موضع الجمع وهو في المعنى ثبات وحبس. ومنه النهي والنهي والتنهية: للمكان الذي ينتهي إليه الماء فيستنقع فيه لتسفّله، ويمنعه ارتفاع ما حوله من أن يسيح ويذهب على وجه الأرض.
ووجه القراءة بالياء في قوله: وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا يعقلون أنه قد تقدّم ذكر الغيبة وهو قوله: للذين يتقون والمعنى: أفلا يعقل الذين يتّقون أنّ الدار الآخرة خير لهم من هذه الدار [فيعملوا لما ينالون] به الدرجة الرفيعة [والنعم الدائمة] فلا يفترون في طلب ما يوصل إلى ذلك.
وفي الأعراف: وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ما فيه والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا يعقلون [الآية/ 169] [أفلا
[الحجة للقراء السبعة: 3/297]
يعقل] هؤلاء الذين ارتكبوا المحارم في أخذ عرض هذا الأدنى، وأخذ مثله مع أنّهم أخذ الميثاق عليهم في كتابهم، ومعرفتهم له بدرسهم ما في كتابهم أن لا يقولوا على الله إلّا الحقّ، فلا يستحلوا ما حرّم عليهم من تناول أموال غيرهم المحظورة عليهم، وفي يوسف: أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ولدار الآخرة خير للذين اتقوا أفلا تعقلون [الآية/ 109]، محمول على الغيبة التي قبله في قوله: أفلم يسيروا في الأرض أي: أفلا يعقلون أنّ من تقدّمك من الرسل كانوا رجالا، ولم يكونوا ملائكة، فلا يقترحوا إنزال الملائكة في قولهم: وقالوا لولا أنزل عليه ملك [الأنعام/ 8] وقولهم: لولا أنزل علينا الملائكة [الفرقان/ 21] وليعتبروا بما فيه عاقبة من كان قبلهم فيما نزل من ضروب العذاب.
ووجه القراءة في القصص بالتاء، أن قبله خطابا، وهو قوله تعالى: وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون [القصص/ 60] [أي أفلا
[الحجة للقراء السبعة: 3/298]
تعقلون] فتعملوا بما تستحقون به المنزلة في التي هي خير وأبقى، ولا تركنوا إلى العاجلة التي تفنى ولا تبقى.
وقراءة نافع ذلك كلّه بالتاء، أنّه يصلح أن يوجّه الخطاب في ذلك كلّه إلى الذين خوطبوا بذلك، ويجوز أن يراد الغيب والمخاطبون، فيغلّب الخطاب، وهكذا وجه رواية حفص عن عاصم في قراءته ذلك كلّه بالتاء، وقراءته في يس* بالياء أفلا يعقلون [الآية/ 68]. وجهه أن يحمله على أنّ فاعل يعقلون من تقدّم ذكره من الغيب في قوله: ومن نعمره ننكسه في الخلق [يس/ 68] أفلا يعقل من نعمره أنّه يصير إلى حالة لا يقدر فيها.
أن يعمل ما يعمله قبل الضعف للسن، فيقدّم قبل ذلك من القرب والأعمال الصالحة ما يرفع له، ويدّخر، ويجازى عليه الجزاء الأوفى.؟.
ورواية أبي بكر بن عياش ذلك كلّه بالياء، إلّا قوله في يوسف أفلا تعقلون [الآية/ 109] أي: أفلا تعقلون أيها
[الحجة للقراء السبعة: 3/299]
المخاطبون أن ذلك خير؟ أو على: قل لهم: أفلا تعقلون؟ وفي القصص أيضا بالتاء، فهذا لأنّ قبله خطابا، وقد تقدّم ذكر ذلك.
وقراءة ابن عامر من ذلك واحدا بالياء، وسائر ذلك بالتاء، فوجه التاء قد ذكر.
وأما وجه الياء في قوله: أفلا يعقلون فللغيبة التي قبل، وهو قوله: ومن نعمره ننكسه في الخلق [يس/ 68]، وجاء يعقلون على معنى من، لأنّ معناها الكثرة، وجاء في قوله:
نعمره وننكسه على لفظ من*، ولو جاء على معناها لكان حسنا أيضا، ومثل ذلك في المعنى قوله: ومنكم من يرد إلى أرذل العمر [النحل/ 70]، وقوله: لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم، ثم رددناه أسفل سافلين [التين/ 5].
وقراءة أبي عمرو في القصص بالياء والتاء وتخييره في ذلك، فوجه التاء أبين للخطاب الذي قبله، وهو قوله: وما أوتيتم..
أفلا تعقلون والياء على قوله: أفلا يعقل المميّزون ذلك؟ أراد:
أفلا يعقل المخاطبون بذلك أنّ هذا هكذا). [الحجة للقراء السبعة: 3/300]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: وكلهم قرأ وللدار الآخرة [الأنعام/ 32] بلامين ورفع الآخرة غير ابن عامر فإنّه قرأ: ولدار الآخرة بلام واحدة وخفض الآخرة.
الحجة لقراءتهم قوله: وإن الدار الآخرة لهي الحيوان
[الحجة للقراء السبعة: 3/300]
[العنكبوت/ 64]، وقوله: تلك الدار الآخرة [القصص/ 83]، فالآخرة صفة للدار، وإذا كانت صفة لها وجب أن يجرى عليها في الإعراب، ولا يضاف إليها.
والدّليل على كونها صفة للدّار قوله: وللآخرة خير لك من الأولى [الضحى/ 4] فقد علمت بإقامتها مقامها أنّها هي، وليس غيرها، فيستقيم أن يضاف إليها. ووجه قول ابن عامر أنّه لم يجعل الآخرة صفة للدار، ولكنّه أضاف الآخرة إلى الدار، فلا تكون الآخرة على هذا صفة للدار، لأنّ الشيء لا يضاف إلى نفسه، ولكنّه جعلها صفة للساعة، فكأنّه قال: ولدار الساعة الآخرة، وجاز وصف الساعة بالآخرة، كما وصف اليوم بالآخر في قوله: وارجوا اليوم الآخر [العنكبوت/ 36] وحسن إضافة الدار إلى الآخرة ولم يقبح من حيث استقبحت إقامة الصفة مقام الموصوف لأنّ الآخرة صارت كالأبطح والأبرق، ألا ترى أنّه قد جاء: وللآخرة خير لك من الأولى؟ فاستعملت استعمال الأسماء، ولم تكن مثل الصفات التي لم تستعمل استعمال الأسماء، ومثل الآخرة في أنّها استعملت استعمال الأسماء قولهم:
الدنيا لمّا استعملت استعمال الأسماء حسن أن لا تلحق لام
[الحجة للقراء السبعة: 3/301]
التعريف في نحو قوله:
في سعي دنيا طال ما قد مدّت). [الحجة للقراء السبعة: 3/302]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وللدار الآخرة خير للّذين يتّقون أفلا تعقلون} 32
قرأ ابن عامر {ولدار الآخرة} بلام واحدة {الآخرة} جر وحجته في ذلك إجماع الجمي على قوله في سورة يوسف {كيف كان عاقبة الّذين من قبلهم ولدار الآخرة} بلام واحدة فرد ابن عامر ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه
وقرأ الباقون {وللدار الآخرة} بلامين الآخرة رفع نعت وحجتهم ما في سورة الأعراف {والدّار الآخرة خير للّذين يتّقون}
قرأ نافع وابن عامر وحفص {أفلا تعقلون} بالتّاء أي قل لهم أفلا تعقلون
وقرأ الباقون بالياء وحجتهم أن صدر الآية خبر). [حجة القراءات: 246]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (11- قوله: {أفلا تعقلون} قرأ نافع وابن عامر وحفص بالتاء، ومثله في الأعراف ويوسف، غير أن أبا بكر يكون معهم في يوسف على التاء، وخير أبو عمرو في التاء والياء في سورة القصص، والأشهر عنه الياء، وقرأ نافع وابن ذكوان {أفلا تعقلون} في يس بالتاء، وقرأ الباقون بالياء في ذلك كله.
وحجة من قرأ بالياء أنه رده على ما قبله، من لفظ الغيبة، في قوله: {خير للذين يتقون}، وكذلك في الأعراف، ردوه على «يتقون» أيضًا، وكذلك في يوسف، ردوه على قوله: {فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم} «109».
12- وحجة من قرأ بالتاء أنه جعله خطابًا للذين أخبر عنهم بما قبله). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/429]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (13- قوله: {وللدار الآخرة} قرأه ابن عامر بلام واحدة، وحفص «الآخرة»، وقرأ الباقون بلامين، ورفع «الآخرة».
وحجة من قرأ بلامين أنه أدخل لام الابتداء على الدال، ورفع «الدار» بالابتداء وجعل «الآخرة» نعتًا لها، والخبر {خير للذين} كما قال: {وإن الدار الآخرة لهي الحيوان} «العنكبوت 64» وقال: {تلك الدار الآخرة} «القصص 83» فأنّث «الآخرة» صفة لـ «الدار» فيهما، ولما كانت «الآخرة» صفة
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/429]
لم يصح أن تضيف الموصوف إليها، وقد اتسع في هذه الصفة فأقيمت مقام الموصوف، كما أقيمت الأولى مقام الموصوف، قال الله تعالى ذكره: {وللآخرة خير لك من الأولى} «الضحى 4» وهو الاختيار لإجماع القراء عليه ولصحة معناه في الصفة، والتعريف لـ «الدار».
14- وحجة من قرأ بلام واحدة أنه لم يجعل «الآخرة» صفة لـ «الدار» فأضاف «الدار» إليها، فلم يمكن دخول الألف واللام عليها للإضافة، و«الآخرة» في الأصل صفة للساعة، كأنه قال، ولدار الساعة الآخرة، فوصف الساعة بالآخرة، كما وصف اليوم بالآخر، في قوله: {وارجوا اليوم الآخر} «العنكبوت 36» لكن توسع فيها فاستعملت استعمال الأسماء، فجازت الإضافة إليها كما فعلوا ذلك في «الدنيا»، وأصلها الصفة من «الدنو»، وقد تقدم ذكر «ليحزنك» وبابه وعلته). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/430]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (7- {وَلَدَّارُ الْآخِرَةُ} [آية/ 32] بلام واحدة، وجر {الْآخِرَةُ}:-
قرأها ابن عامر وحده.
[الموضح: 464]
والوجه أنه جعل الدار مضافة إلى الآخرة، وليس الآخرة صفة للدار، فإن الشيء لا يضاف إلى نفسه، ولكن في {الْآخِرَةُ} صفة موصوف محذوف، والتقدير دار الساعة الآخرة.
وقرأ الباقون {وَلَلدَّارُ} بلامين في {الْآخِرَةُ} رفع.
والوجه أن {الْآخِرَةُ} صفة للدار، كما قال تعالى {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ} و{تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا} فالآخرة صفة للدار، وإذا كانت صفة لها كانت تابعة لها في الإعراب، ولا تكون مضافا إليها، واللام الأولى من {لَلدَّارُ} هي لام الابتداء دخلت على لام التعريف). [الموضح: 465]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (8- {أَفَلا تَعْقِلُونَ} [آية/ 32] بالتاء:-
قرأها نافع وابن عامر ويعقوب، وكذلك في الأعراف ويوسف والقصص ويس.
وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي في القصص بالتاء، والباقي بالياء.
وقرأ عاصم -ياش- بالتاء في يوسف والقصص.
[الموضح: 465]
ووجه التاء أنها على خطاب الذين خوطبوا، أي أفلا تعقلون أيها المخاطبون؟.
ويجوز أن يكون على تقدير: قل لهم أفلا تعقلون؟.
ويجوز أن يكون المراد به الغائبون والحاضرون، فغلب الخطاب.
وقرأ أبو عمرو بالياء في الجميع.
والوجه أنه قد تقدم ذكر الغيبة، وهو قوله {لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ}، والمعنى: أفلا يعقل الذين يتقون أن الدار الآخرة خير لهم من هذه الدار فيعملوا لها). [الموضح: 466]

قوله تعالى: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فإنّهم لا يكذّبونك... (33)
قرأ نافع، والأعشى عن أبي بكر، والكسائي (فإنّهم لا يكذبونك) خفيفا. وشدد الباقون.
قال أبو منصور: من قرأ (لا يكذبونك) مخففا فمعناه: لا يقدرون أن يقولوا لك فيما أنبأت به مما في كتبهم: كذبت؛ لأن معنى: أكذبت الرجل: أريت أن ما أتى به كذب.
ومن قرأ (لا يكذّبونك) بالتشديد، فمعناه: لا يقولون لك: كذبت، يقال: كذبت الرجل، إذا نسبته إلى الكذب، وأكذبته، أي: وجدته كذابًا). [معاني القراءات وعللها: 1/352]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (8- وقوله تعالى: {فإنهم لا يكذبوك} [33].
قرأ نافع والكسائي {لا يكذبونك} بالتخفيف.
وقرأ الباقون بالتشديد {يكذبونك}.
فمن شدد فمعناه: إنهم يكذبونه في نفسه، ومن خفف فالتقدير: غنهم لا يصيبونك كاذبًا؛ لأن المشركين ما شكوا في صدق النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: نكذب بما جئت به). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/155]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (9- وقوله تعالى: {إنه ليحزنك الذي يقولون} [33].
قرأ نافع وحده {يحزنك} بالضم. [وكسر الزاي}.
وقرأ الباقون بالفتح، وهو الاختيار واللغة الفصيحة لقولهم: محزون ولا يقال محزن؛ لأن من قال: أحزنت فلانًا وجب أن يكون الفاعل محزنًا والمفعول محزنًا، والاختيار حزنني الأمر، أنشدني ابن عرفة رضي الله عنه:
لا تحزنيني بالفراق فإنني = لا تستهل من الفراق شؤوني). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/156]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في التخفيف والتشديد من قوله تعالى: فإنهم لا يكذبونك [الأنعام/ 33].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة وعاصم وابن عامر: فإنهم لا يكذبونك مشدّدة.
وقرأ نافع والكسائيّ يكذبونك خفيفة.
يجوز أن يكون المعنى في من ثقّل فقال: يكذبونك: قلت له: كذبت، مثل: زنّيته وفسّقته، نسبته إلى الزّنا والفسق، وفعّلت في هذا المعنى قد جاء في غير شيء نحو: خطّأته أي، نسبته إلى الخطأ، وسقّيته، ورعّيته، قلت له: سقاك الله، ورعاك الله، وقد جاء في هذا المعنى «أفعلته» قالوا: أسقيته، قلت له: سقاك الله، قال:
وأسقيه حتّى كاد ممّا أبثّه... تكلّمني أحجاره وملاعبه
فيجوز على هذا أن يكون معنى القراءتين واحدا، وإن
[الحجة للقراء السبعة: 3/302]
اختلف اللفظان، إلّا أنّ: فعّلت إذا أراد أن ينسبه إلى أمر أكثر من أفعلت. ويؤكّد أن القراءتين بمعنى، أنّهم قالوا: قلّلت وكثّرت، وأقللت وأكثرت بمعنى، حكاه سيبويه.
ومعنى لا يكذبونك: لا يقدرون أن ينسبوك إلى الكذب فيما أخبرت به ممّا جاء في كتبهم.
ويجوز لا يكذبونك لا يصادفونك كاذبا، كما تقول:
أحمدته، إذا أصبته محمودا، لأنّهم يعرفونك بالصّدق والأمانة، ولذلك سمي الأمين قال أبو طالب:
إنّ ابن آمنة الأمين محمّدا ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون [الأنعام/ 33] أي يجحدون بألسنتهم ما يعلمونه يقينا لعنادهم، وما يؤثرونه من ترك الانقياد للحقّ، وقد قال في صفة قوم وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا [النمل/ 14]، ويدلّ على أنّ يكذبونك في قول من خفّف [ينسبونك إلى الكذب] قول الشاعر.
فطائفة قد أكفرتني بحبّكم... وطائفة قالوا مسيء ومذنب
[الحجة للقراء السبعة: 3/303]
أي: قد نسبتني إلى الكفر.
قال أحمد بن يحيى: كان الكسائيّ يحكي عن العرب:
أكذبت الرجل، إذا أخبرت أنّه جاء بكذب، وكذّبته: إذا أخبرت أنّه كذّاب، فقوله: أكذبته: إذا أخبرت أنّه جاء بكذب كقولهم:
أكفرته، إذا نسبوه إلى الكفر، وكذّبته: أخبرت أنّه كذاب، مثل:
فسّقته، إذا أخبرت أنّه فاسق). [الحجة للقراء السبعة: 3/304]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قرأ نافع وحده: قد نعلم أنه ليحزنك الذي يقولون [الأنعام/ 33] بضم الياء وكسر الزاي.
وقرأ الباقون ليحزنك بفتح الياء وضمّ الزاي.
يقال: حزن يحزن حزنا وحزنا، قال: ولا تحزن عليهم [النمل/ 70]، ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون [البقرة/ 62].
قال سيبويه: قالوا: حزن الرجل وحزنته، قال: وزعم الخليل أنّك حيث قلت حزنته لم ترد أن تقول: جعلته حزينا، كما أنّك حيث قلت: أدخلته، أردت جعلته داخلا، ولكنّك أردت أن تقول: جعلت فيه حزنا، كما قلت: كحلته، جعلت فيه كحلا.
ودهنته، جعلت فيه دهنا، ولم ترد بفعلته هاهنا. تغيير قوله:
حزن، ولو أردت ذلك لقلت: أحزنته.
ومثل ذلك شتر الرجل وشترت عينه، فإذا أردت تغيير شتر
[الحجة للقراء السبعة: 3/304]
الرجل، قلت: أشترت، كما تقول: فزع وأفزعته. انتهى كلام سيبويه.
فعل وفعلته جاء في حروف، واستعمال حزنته أكثر من أحزنته، فإلى كثرة الاستعمال ذهب عامة القراء.
وقال: إني ليحزنني أن تذهبوا به [يوسف/ 13] وحجّة نافع: أنّه أراد تغيير حزن فنقله بالهمز.
وقال الخليل: إذا أردت تغيير حزن قلت: أحزنته، فدلّ هذا من قوله على أنّ أحزنته مستعمل. وإن كان حزنته أكثر في الاستعمال.
ويقوّي قوله: أنّ أبا زيد حكى في كتاب «خبأة»: أحزنني الأمر إحزانا وهو يحزنني، ضمّوا الياء.
وقال سيبويه: قال بعض العرب: أفتنت الرجل، وأحزنته، وأرجعته، وأعورت عينه، أرادوا: جعلته حزينا وفاتنا، فغيّروا ذلك كما فعلوا ذلك بالباب الأوّل). [الحجة للقراء السبعة: 3/305]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قد نعلم إنّه ليحزنك الّذي يقولون فإنّهم لا يكذبونك ولكن الظّالمين بآيات الله يجحدون}
قرأ نافع {ليحزنك} بضم الياء وكسر الزّاي في جميع القرآن إلّا في سورة الأنبياء فإنّه قرأ {لا يحزنهم} بفتح الياء وضم الزّاي فإن سأل سائل فقال لم خالف أصله الجواب عنه ما ذكره سيبويهٍ أن بين أحزنته وحزنته فرقانا وهو أن أحزنته أدخلته في الحزن وحزنته أوصلت إليه الحزن فقولهم {لا يحزنهم الفزع الأكبر} أي لا يصيبهم أدنى حزن فإذا قلت أحزنته أي أدخلته في الحزن أي أحاط به وما اهتدى إلى هذا الفرقان غير نافع
[حجة القراءات: 246]
قرأ نافع والكسائيّ {فإنّهم لا يكذبونك} بإسكان الكاف وتخفيف الذّال قال الكسائي معنى لا يكذبونك أنهم ليسوا يكذبون قولك فيما سوى ذلك قال والعرب تقول أكذبت الرجل إذا أخبرت أنه جاء بالكذب وكذبته أخبرت أنه كاذب فكان الكسائي يذهب إلى أن الإكذاب يكون في بعض حديث الرجل وأخباره الّتي يرويها والتكذيب يكون في كل ما أخبر أو حدث به وهذا معنى قول الفراء وذاك أنه قال معنى التّخفيف والله أعلم لا يجعلونك كذابا وإنّما يريدون أن ما جئت به باطل لأنهم لم يجربوا عليه كذبا فيكذبوه إنّما أكذبوه أي ما جئت به كذب لا نعرفه والتّفسير يصدق قولهم
روي عن عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه قال إن أبا جهل قال للنّبي صلى الله عليه وآله إنّا لا نكذبك إنّك عندنا لصادق ولكن نكذب الّذي جئت به فأنزل الله الآية
وحجتهم في ذلك قوله جلّ وعز {وكذب به قومك وهو الحق} أي قالوا ما جئتنا به كذب إذ لم يقل وكذبك قومك وهو الحق كأنّهم قالوا هو كذب أخذته عن غيرك كما قال جلّ وعز {إنّما يعلمه بشر}
وقد اختلف في ذلك المتقدمون فقال محمّد بن كعب فإنّهم
[حجة القراءات: 247]
لا يكذبونك أي لا يبطلون ما في يديك وقال قطرب أكذبت الرجل إذا دللت على كذبه فكان تأويل ذلك لا يدلون على كذبك ببرهان يبطل ما جئتهم به وقال ابن مسلم {فإنّهم لا يكذبونك} أي لا يجدونك كاذبًا تقول أكذبت الرجل إذا وجدته كاذبًا كما تقول أحمدت الرجل إذا وجدته محمودًا
وكان قوم من أهل العربيّة يذهبون إلى أنّهما لغتان مثل أوفيت الرجل حقه ووفيته وأعظمته وعظمته
وقرأ الباقون {فإنّهم لا يكذبونك} بالتّشديد قال ابن عبّاس لا يسمونك كذابا ولكنهم ينكرون آيات الله بألسنتهم وقلوبهم موقنة بأنّها من عند الله وحجتهم ما وراه اليزيدي عن أبي عمرو فقال
[حجة القراءات: 248]
وتصديقها قوله بعدها {ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا} فتأويل ابي عمرو فإن الكفّار لا يكذبونك جهلا منهم بصدق قولك بل هم موقنون بأنك رسول من عند ربهم ولكنهم يكذبونك قولا
وقال الزّجاج وتفسير {لا يكذبونك} أي لا يقدرون أن يقولوا لك فيما أنبأت به ممّا في كتبهم كذبت ووجه آخر أنهم لا يكذبونك بقلوبهم أي يعلمون أنّك صادق والّذي يدل على هذا القول أنهم لا يكذبونك بقلوبهم قوله {ولكن الظّالمين بآيات الله يجحدون} والجحد أن تنكر بلسانك ما تستيقنه في نفسك ألا ترى أنّك تقول جحدني حقي قال الله جلّ وعز {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم} وكان ابن عبّاس يحتج بهذا
وقد اختلف في ذلك أهل العربيّة فقال عبد الله ابن مسلم {فإنّهم لا يكذبونك} أي لا ينسبونك إلى الكذب تقول كذبت الرجل أي نسبته إلى الكذب وظلمته أي نسبته إلى الظّلم
وقال بعض أهل العربيّة {فإنّهم لا يكذبونك} أي لا يصححون عليك الكذب تقول كذبته أي صححت عليه الكذب). [حجة القراءات: 249]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (15- قوله: {لا يكذبونك} قرأن نافع والكسائي التخفيف، وشدد الباقون.
وحجة من خففه أنه حمله على معنى: لا يجدونك كاذبًا، لأنهم يعرفونك بالصدق، فهو من باب: أحمدت الرجل، وجدته محمودًا، ودل على صحة ذلك قوله: {ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون} أي: يجحدون بأنفسهم ما يعلمون صحته يقينًا عيانًا عنادًا منهم، وحكى الكسائي عن العرب «أكذبت الرجل» إذا أخبرت أنه جاء بكذب، وكذبتَه إذا أخبرت أنه كذاب، وقيل: معنى التخفيف: فإنهم لا يجعلونك كذابًا، إذ لم يجربوا عليك الكذب، وحكى قطرب: أكذبت الرجل دللت على كذبه، وقيل: التخفيف والتشديد لغتان.
16- وحجة من شدد أنه حمله على معنى: فإنهم لا ينسبونك إلى الكذب،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/430]
كما يقال: فسقته وخطأته، نسبته إلى الفسق وإلى الخطأ، فالمعنى: فإنهم لا يقدرون أن ينسبوك إلى الكذب، فيما جئتهم به، لأنه في كتبهم). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/431]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (9- {فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ} [آية/ 33] بتسكين الكاف وتخفيف الذال:-
قرأها نافع والكسائي.
والمعنى: لا يقدرون على أن ينسبوك إلى الكذب فيما أخبرت به، يقال: أكذب الرجل إذا نسبته إلى الكذب، مثل كذبته.
ويجوز أن يكون المعنى: لا يصادفونك كاذبًا، كما تقول: أحمدته إذا وجدته محمودًا.
وقرأ الباقون {لا يُكَذِّبُونَكَ} بفتح الكاف وتشديد الذال.
وهذا هو الأكثر الأشهر في معنى النسبة، يقال: زنيت الرجل وفسقته وكفرته كلها بالتشديد إذا نسبته إلى الزنى والفسق والكفر، وقد جاء في غير
[الموضح: 466]
شيء نحو: خطأته: نسبة إلى الخطأ، وهو أكثر من أن يحصى، فيجوز أن يكون معنى القراءتين واحدًا). [الموضح: 467]

قوله تعالى: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 07:24 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأنعام
[ من الآية (35) إلى الآية (37) ]

{وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآَيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (35) إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (36) وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آَيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (37)}

قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآَيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (35)}

قوله تعالى: {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (36)}

قوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آَيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (37)}
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (10- {إِنَّ الله قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً} [آية/ 37] بالتخفيف:-
قرأها ابن كثير وحده، وقرأ الباقون {يُنَزِّلَ} مشددة.
وقد مضى الكلام في نزل وأنزل أنهما بمعنى واحد). [الموضح: 467]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:42 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة