العودة   جمهرة العلوم > جمهرة علوم الاعتقاد > جمهرة شرح أسماء الله الحسنى

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #2  
قديم 29 ربيع الأول 1435هـ/30-01-2014م, 06:00 PM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي

- أدلّة هذا الاسم


السّلام
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت:303هـ): (السّلام
أخبرنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا الفضل عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله هو السّلام فإذا قعد أحدكم فليقل التّحيّات لله والصلوات والطيبات السّلام عليك أيها النّبي ورحمة الله وبركاته السّلام علينا وعلى عباد الله الصّالحين أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمّدًا عبده ورسوله ثمّ ليتخير من الكلام ما شاء) (ح). [النعوت الأسماء والصفات: 1/285]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 25 شعبان 1438هـ/21-05-2017م, 12:13 PM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي

شرح ابن القيم (ت:751ه)[الشرح المختصر]



قال ابن القيم محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي (ت:751هـ) كما في المرتبع الأسنى: (السَّلامُ:
( " السَّلامُ " … مِنْ أَسْماءِ الرَّبِّ تَبَارَكَ وتَعَالَى، وهوَ اسْمُ مَصْدَرٍ في الأَصْلِ – كالكَلامِ والعَطَاءِ – بمَعْنَى السَّلامَةِ، … [و] الرَّبُّ تَعَالى أَحَقُّ بِهِ مِنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ؛ لأنَّهُ السَّالِمُ مِنْ كُلِّ آفَةٍ وعَيْبٍ ونَقْصٍ وذَمٍّ؛ فَإِنَّ لهُ الكَمَالَ المُطْلَقَ مِنْ جَمِيعِ الوُجُوهِ، وكَمَالُهُ مِنْ لوَازِمِ ذَاتِهِ، فَلا يَكُونُ إلاَّ كَذَلكَ.
و " السَّلامُ " يَتَضَمَّنُ:
- سَلامَةَ أَفْعَالِهِ مِن العَبَثِ والظُّلْمِ وخِلافِ الحِكْمَةِ.
- وسَلامَةَ صِفَاتِهِ مِنْ مُشَابَهَةِ صِفَاتِ المَخْلُوقِينَ.
- وسَلامَةَ ذَاتِهِ مِنْ كُلِّ نَقْصٍ وعَيْبٍ.
- وسَلامَةَ أسْمَائِهِ مِنْ كُلِّ ذَمٍّ.
فاسْمُ " السَّلامِ " يَتَضَمَّنُ إِثْباتَ جَمِيعِ الكَمَالاتِ لَهُ وسَلْبَ جَمِيعِ النَّقَائِصِ عنهُ.
وهَذَا مَعْنَى: (( سُبْحَانَ اللهِ والحَمْدُ للهِ ))، ويَتَضَمَّنُ إِفْرَادَهُ بالألُوهِيَّةِ، وإِفْرَادَهُ بالتَّعْظِيمِ؛ وهَذَا مَعْنَى: (( لا إِلَهَ إِلا اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ ))، فَانْتَظَمَ اسْمُ " السَّلام " البَاقِياتِ الصَّالِحَاتِ التي يُثْنَى بها على الرَّبِّ جَلَّ جلالُهُ) ([86]) ). [المرتبع الأسنى: ؟؟]


([86]) أحكامُ أهلِ الذِّمَّةِ (1/153).


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 25 شعبان 1438هـ/21-05-2017م, 12:15 PM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي


شرح أبي القاسم الزجاجي (ت:337هـ)



قال أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي (ت: 337هـ): (السلام
السلام والسلامة بمعنى واحد بمنزلة الراضع والرضاعة، واللذاذ واللذاذة فالله عز وجل السلام تأويله: ذو سلامة مما يلحق المخلوقين من الفناء والموت والنقص والعيب، فالله ذو السلامة من ذلك أي ذو السلامة منه، قال الشاعر:
تحيا بالسلام أم بكر = فهل لك بعد قومك من سلام؟
أي: هل لك بعدهم من سلامة مما أصابهم؟
وأخبرنا أبو إسحاق الزجاج قال: سمعت أبا العباس المبرد يقول: السلام في اللغة على أربعة أضرب، السلام: اسم من أسماء الله، والسلام: السلامة بمنزلة اللذاذا واللذاذاة. والسلام: التسليم، من قولهم: «سلام عليكم»، والسلام: ضرب من الشجر. قال الأخطل:
عفا واسط من آل رضوى فنبتل = فمجتمع الحرين فالصبر أجمل
فرابية السكران قفر فما بها = لهم شبح إلا سرم وحرمل
وكان الزجاج يذهب إلى أنه كله راجع إلى معنى السلامة، فالله عز وجل «السلام» تأويله: ذو السلامة مما يلحق المخلوقين كما ذكرنا، والسلام بمعنى السلامة بمنزلة الرضاع والرضاعة، والسلام في التسليم من ذلك أيضًا. وقد يقع السلام بمعنى المتاركة في التسليم في قوله عز وجل: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما}.
قالوا: تأويله: تبرأنا منكم وتاركناكم متاركة لأنهم لم يؤمروا بالسلام حينئذ على المشركين وهذا راجع إلى معنى السلامة، لأن في متاركتهم السلامة، والسلام: ضرب من الشجر عظام سمي لسلامته مما يلحق ما دق من الشجر من الكسر والدق.
قال: وكذلك السلم الذي يصعد عليه إنما سمي بذلك لأنه يسلم المرتقي إلى مقصده. قال: وكذلك قيل للدلو التي لها عروة واحدة نحو دلو السقائين السلم لسلامتها مما يلحق غيرها لأحكام عملها.
وقيل للصلح سلم وسلم لما ينال به من السلامة في الأبدان والأموال بالصلح، والعرب تؤنث السلم، قال عز وجل: {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها}. يقال: سلم وسلم للصلح.
والسلم بفتح السين واللام: الاستسلام. وقالوا في قوله عز وجل: {والله يدعوا إلى دار السلام}. السلام: الله وداره الجنة، وجائز أن يكون التأويل: والله يدعو إلى دار السلامة لأن السلامة والسلام سواء كما ذكرنا فسمي الجنة دار السلامة لأن الصائر إليها يسلم فيها من كل ما يكون في الدنيا من المرض والضعف والهرم والموت وما أشبه ذلك، وكذلك قوله عز وجل: {لهم دار السلام عند ربهم}.
وقولهم في التسليم: «السلام عليكم» تأويله: اسم السلام عليكم أي اسم الله عليكم، ويجوز أن يكون تأويله: السلامة عليكم ولكم، وإلى هذا المعنى ذهب من قال: «سلام الله عليكم». فأما قوله عز وجل: {وأما إن كان من أصحاب اليمين. فسلام لك من أصحاب اليمين} فقيل: تأويله فسلامة لك منهم أي: يخبرك عنهم بسلامة وهو معنى قول المفسرين. وسمي الصواب من القول سلامًا لأنه سلم من العيب. وقالوا في قول لبيد:
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما = ومن يبك حولاً كاملاً فقد اعتذر
أقوالاً، قال أبو عبيدة: اسم السلام هو السلام فتأويله عنده ثم السلام عليكما، وقال: اسم الشيء هو الشيء كذلك يحكى عنه. وبعضهم يلزمه أن يكون اسم الشيء هو الشيء بعينه في كل شيء بقوله اسم السلام هو السلام وذلك غير لازم له لأن تأويله أنه ليس للسلام اسم آخر يعبر به عنه كما قال: عصا وقضيب وخشبة بمعنى واحد. فليس للسلام اسم آخر يعبر به عنه.
وقيل: معنى اسم السلام عليكما: إغراء منه لهما بذكر الله، وكأنه قال: إلى الحول أبكياني حولاً ثم اسم السلام عليكما: أي إلزما اسم الله عز وجل وذكره ودعا البكاء علي لأن من بكى ميتًا حولاً فقد بلغ النهاية في ذلك.
ورفع السلام في قوله: ثم اسم السلام عليكما، وهو في مذهب الإغراء على هذا لتأويل لما قدم على حرف الإغراء لضعفه ألا ترى أنك تقول: «عليك زيدًا» في الإغراء ولا يجوز أن تقول: «زيدًا عليك» فتنصبه مقدمًا بعليك كما كنت تنصبه مؤخرًا به لضعفه ولكنه جائز أن تقول: «زيدًا عليك» على أن تنصب زيدًا بفعل مضمر يدل عليه حرف الإغراء تقديره: «الزم زيدًا» أو «خذ زيدًا» ثم فسره بعليك. وكذلك قالوا في قوله:
يا أيها المائح دلوي دونكما = إني رأيت الناس يحمدونكما
جائز أن يكون قوله: «دلوي» في موضع رفع نصب على ما فسرنا وهو في الوجهين جميعًا إغراء.
وكذلك يجوز نصب بيت لبيد عند من ذهب إلى أنه في تأويل الإغراء فيقال: ثم اسم السلام عليكما على تأويل: ثم الزما اسم السلام، والسلام: هو الله على ما فسرنا.
وقد تجيء في كلام العرب أشياء منصوبة على الإغراء بغير حرف إغراء إلا بإضمار فعل وذلك شاذ. نشد ابن الأعرابي عن علي بن صالح عن المفضل:
ألا قالت حذام وجارتاها = كبرت ولا يليق بك النعيم
بنيك وهجمة كأشاء بس = غلاظ منابت القصرات كوم
تبك الحوض علاها ونهلي = وخلف ذيابها عطن منيم
إذا اصطكت بضيق حجرتاه = تلاقي العسجدية واللطيم
قال: «بنيك وهجمة» فنصبه على الإغراء بتقدير «عليك بنيك وهذه الهجمة». وهذا وإن كان على ما ذكرنا في التأويل ليس يجوز أن يضمر «عليك» لضعفها ولكن يضمر فعل في معناها كما ذكرت لك. وبس: موضع. الأشاء: معناه النخل، وتبك: تزدحم، وعلاها: أراد عللا، ومنيم: بيتها تسكن إليه. وقال ابن الأعرابي: العسجدية واللطيم منسوبة إلى محلين قال: وليس قولهم هو منسوب إلى الذهب بشيء.
وأنشد أيضًا ابن الأعرابي لعمرو بن ملقط الطائي، وأنشدناه أيضًا ابن دريد قال: أنشد أبو حاتم عن أبي زيد الأنصاري:
مه مالي الليلة مه ماليه = أودي بنعلي وسرباليه
أنك قد يكفيك بغي الفتى = ودرأه أن تركض العاليه
مطعنة يجري لها عاند = كالماء من غائلة الجابيه
يا أوس لو نالتك أرماحنا = كنت كمن تهوي به الهاويه
ألفيتا عيناك عند القفا = أولى فأولى لك ذا واقيه
ذاك سنان محلب نصره = كالجمل الأوطف بالراويه
بأيها الناصر أخواله = أأنت خير أم بنو ناجيه؟
أم أختكم أفضل أم أختنا = أم أختنا عن نصرنا وانيه؟
والخيل قد تجشم أربابها الشـ = ق وقد تعتسف الداوية
يأبى لي الثعلبتان الذي = قال ضراط الامة الراعية
ظلت بواد تجتني صمغة = واحتلبت لقحتها الآنيه
ثم غدت تنبض أحرادها = إن متغناة وإن حاديه
فقالوا في قوله: «أولى فأولى لك ذا واقيه»: تقديره: يا هذا عليك واقية فأضمر «عليك». وهذا إغراء لأنه قد أمره بالتقية، ألا تراه يتهدده بقوله: «لو نالتك أرماحنا كنت كمن تهوي به الهاوية» فهذا وإن كان على ما ذكروا من تأويل الإغراء فسبيل المضمر أن يكون شيئًا في معنى «عليك» من نحو «إلزام» وما أشبه ذلك.
وفي هذا البيت أيضًا أنه حذف حرف النداء من المبهم في قوله: «ذا واقيه» وهو يريد: «يا هذا»، ولا يجيز النحويون حذف حرف النداء من الأسماء المبهمات لأنه لا دليل على ندائها إلا بحرف يلزمها لأنه لا يبين فيها لفظ بناء على الضم كما يبين ذلك في الأسماء الأعلام فيعلم أنه مناداة وهو شاذ جدًا.
وقوله: «تركض العاليه»: يريد تدفع، يعني عالية الرمح أعلاه، والعاند من الدم: المائل، والجابية: الحوض، وغائلته: ما انخرق منه، والأوطف: الكثير شعر العينين والأذنين فأراد أنه لا قلب له كالجمل الأوطف. والعرب تقول: «كل أزب نفور»، وبنو جارية: من طيء، والشق: المشقة والشدة، وقوله: «تنبض أحرادها»: أي تضطرب أمعاؤها، وأحرادها: أمعاؤها، ومتغناة: متغنية. هذا كله قول ابن الأعرابي ورواه أبو زيد: تنبذ أحرادها: من النبذ والالقاء، قال: «وواحد الأحراد وهو الغيظ والغضب». قال أبو زيد: سنان: اسم رجل، ومحلب: معين، والوانية: المبطئة.
وقال آخرون في قول لبيد: «إلى الحول ثم اسم السلام عليكما» تأويله: ثم تسميتي الله عز وجل عليكما من سوء يصيبكما بعدي على جهة الاستعاذة فوضع الاسم مكان التسمية.
وكذلك ذهب بعض الناس إلى أن قولهم: «بسم الله» في الافتتاح إنما معناه أبدأ بتسمية الله فوضع اسم موضع التسمية وهذا في اللغة سائغ مطرد.
وقال آخرون: تأويله: إلى الحول ثم اسم السلام عليكما: أي حسبكما لأنه قال: إلى الحول والسلام: أي ابكياني حولا ثم حسبكما.
وقد جرت عادة العرب بأن السلام آخر كل شيء، ويستعمل في قطع الأشياء والمتاركة كقولهم: «قل فلان كذا وكذا والسلام»: أي لا تزد عليه شيئًا. وكما قال عز وجل: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما} إنما أراد قطع كلامهم ومتاركتهم، وهذا وجه حسن. وكان أبو العباس المبرد يقول: هو أحسن ما قيل فيه). [اشتقاق أسماء الله: 215-221]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 25 شعبان 1438هـ/21-05-2017م, 12:17 PM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي




قال أبو سليمان حَمْدُ بن محمد بن إبراهيم الخطابي (ت: 388هـ): (6- السلام: معناه ذو السلام، والنسبة في كلامهم على ثلاثة أجوه:
أحدها بالياء: كقولك: أسدي وبكري.
والثاني: على الجمع: كقولهم: المهالبة، والمسامعة، والأزارقة.
والوجه الثالث: بذي، وذات؛ كقولهم: رجل مال، أي: ذو مال، وكبش صاف، أي: ذو صوف، وامرأة عاشق، أي: ذات عشق. وناقة ضامر، أي: ذات ضمر.
فالسلام في صفة الله سبحانه هو الذي سلم من كل عيب وبريء من كل آفة ونقص يلحق المخلوقين.
وقيل: هو الذي سلم الخلق من ظلمه، وذهب بعض أهل اللغة: إلى أن السلام الذي هو التحية، معناه: السلامة. يقال: سلم الرجل سلامًا وسلامة. كما قيل: رضع الصبي رضاعا ورضاعة. قال: ومن هذا قول الله سبحانه: {والله يدعو إلى دار السلام} [يونس: 25] أي: إلى الجنة. لأن الصائر إليها يسلم من الموت، والأوصاب، والأحزان. وعلى هذا: تؤول قوله
تعالى: {وأما إن كان من أصحاب اليمين. فسلام لك من أصحاب اليمين} [الواقعة: 91]. أي: نخبرك عنهم بسلامة. وإلى نحو من هذا أشار سفيان بن عيينة في قوله عز وجل: {وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا} [مريم: 15].. أخبرني أحمد بن إبراهيم بن مالك قال: حدثنا موسى بن إسحق الأنصاري، عن صدقة بن الفضل، قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول: أوحش ما تكون الخلق في ثلاثة مواطن: يوم يولد، فيرى نفسه خارجًا مما كان فيه. ويوم يموت فيرى قومًا لم يكن عاينهم، ويوم يبعث، فيرى نفسه في محشر عظيم. قال: فأكرم الله فيها يحيى، فخصه بالسلام. فقال: {وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا} [مريم: 15]. كأنه أشار إلى أن الله جل وعز سلم يحيى من شر هذه المواطن الثلاثة، وأنه من خوفها.
فعلى هذا إذا سلم المسلم على المسلم، فقال: السلام عليكم. فكأنه يعلمه بالسلامة من ناحيته، ويؤمنه من شره وغائلته، كأنه يقول له: أنا سلم لك، غير حرب، وولي غير عدو، والعرب تقول في التحية سلم، بمعنى السلام. وأنشد الفراء:
وقفنا فقلنا إيه سلما فسلمت.......كما انكل بالبرق الغمام اللوائح

ودليل هذا القول:
حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه». وذهب آخرون إلى أن السلام الذي هو التحية إنما هو اسم من أسماء الله جل وعز فإذا قال المؤمن لأخيه «السلام عليكم» فإنما يعوذه بالله، ويبرك عليه باسمه. ودليل صحة هذا التأويل.
حديث أبي هريرة: أخبرنا محمد بن هاشم قال: أخبرنا الدبري عن عبد الرزاق قال: حدثنا بشر بن رافع عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن السلام اسم من أسماء الله، فأفشوه بينكم»). [شأن الدعاء: 41-44]


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 25 شعبان 1438هـ/21-05-2017م, 12:20 PM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي

شرح الحافظ ابن مَندَه (ت:395هـ)



قال أبو عبد الله محمد بن إسحاق ابن مَنْدَهْ العَبْدي (ت: 395هـ): (ومن أسماء الله عزّ وجلّ: هو الله الّذي لا إله إلاّ هو الملك القدّوس السّلام.
قال أهل التّأويل: معنى قوله القدّوس: الطّهر الطّاهر الّذي تعالى عن كلّ دنسٍ.
204 - أخبرنا أحمد بن عمرٍو أبو الطّاهر، قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن وهبٍ، حدثنا عمرو بن الحارث، عن أبي عشّانة حيّ بن يؤمن قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أوّل ثلاثةٍ يدخلون الجنّة بغير حسابٍ فتأتي الملائكة، فيقولون: ربّنا نحن نسبّح بحمدك ونقدّس لك اللّيل والنّهار من هؤلاء الّذين آثرتهم علينا؟ فقال الله عزّ وجلّ لهم. وذكر الحديث.
205 - أخبرنا محمّد بن أيّوب بن حبيبٍ، قال: حدّثنا عبد الملك بن عبد الحميد الميمونيّ، قال: حدثنا أبو النّضر (ح) وأخبرنا عبدوس بن الحسين، قال: حدثنا أبو حاتمٍ الرّازيّ، حدثنا آدم، قالا: حدثنا شعبة، عن سلمة بن كهيلٍ، عن عبد الله، عن سعيد بن عبد الرّحمن بن أبزى، عن أبيه قال: كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا سلّم من الوتر قال: سبحان الملك القدّوس ثلاث مرّاتٍ.
206 - أخبرنا عبد الرّحمن بن يحيى، قال: حدثنا هارون بن سليمان، حدثنا يحيى بن سعيدٍ، عن الأعمش، عن أبي وائلٍ، عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ الله تعالى هو السّلام.
ورواه جماعةٌ، عن الأعمش، عن زيد بن وهبٍ، عن عبد الله مرفوعًا أنّه قال: السّلام اسمٌ من أسماء الله عزّ وجلّ. والمشهور من حديث الأعمش موقوفًا). [التوحيد: 2/66-67]

قال أبو عبد الله محمد بن إسحاق ابن مَنْدَهْ العَبْدي (ت: 395هـ): ( ومن أسماء الله عزّ وجلّ: السّلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبّار، المتكبّر.
قال أهل التّأويل: معنى المؤمن المصدّق الصّادقين، دعا خلقه إلى الإيمان به، وقيل: الّذي يملك أمان خلقه في الدّنيا والآخرة، ويقال: الموحّد نفسه يقول: {شهد الله أنّه لا إله إلاّ هو الحيّ القيّوم} والأصل فيه التّصديق والعبد مؤمنٌ به مصدّقٌ، وهو من الأسماء المستعارة للعبد قال ابن عبّاسٍ: المهيمن المؤتمن عليه الشّاهد عليهم قال: ومعنى السّلام أنّ ذات الله عزّ وجلّ خلصت بانفراد الوحدانيّة من كلّ شيءٍ وبانت عن كلّ شيءٍ وأخلصت به القلوب إلى توحيد الله عزّ وجلّ وسلمت قال الله تعالى: {إلاّ من أتى الله بقلبٍ سليمٍ}.
207 - أخبرنا خيثمة بن سليمان، ومحمّد بن يعقوب قالا: حدثنا العبّاس بن الوليد بن مزيدٍ قال: أخبرني أبي، عن الأوزاعيّ قال: حدّثني شدّاد بن عبد الله أبو عمّارٍ، حدّثني أبو أسماء الرّحبيّ، قال: حدّثني ثوبان قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينصرف من صلاته استغفر ثلاث مرّاتٍ، ثمّ يقول: اللهمّ أنت السّلام ومنك السّلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام.
208 - أخبرنا إسماعيل بن يعقوب البغداديّ، حدثنا موسى بن سهلٍ البغداديّ، حدثنا إسماعيل ابن عليّة، عن خالدٍ الحذّاء، عن عبد الله بن الحارث، عن عائشة: أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا سلّم قال: اللهمّ أنت السّلام، فذكر نحوه.
رواه عاصمٌ الأحول، عن عبد الله بن الحارث.
209 - أخبرنا محمّد بن عبد الرّحمن بن الحارث الرّمليّ، بها، قال: حدثنا العبّاس بن الفضل البصريّ، قال: حدثنا إسماعيل بن أبي أويسٍ، حدثنا سليمان بن بلالٍ، عن عبد العزيز بن أبي سلمة، عن ابن أبي عتيقٍ، عن أبي يونس، مولى عائشة، عن عائشة، رضي الله عنها: أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال لها: هذا جبريل يقرأ عليك السّلام فقالت عائشة: الله السّلام، ومنه السّلام، وعلى جبريل السّلام.
210 - أخبرنا خيثمة بن سليمان، قال: حدثنا أبو قلابة عبد الملك بن محمّد بن عبد الله الرّقاشيّ، قال: حدثنا وهب بن جرير بن حازمٍ، حدثنا أبي، قال: سمعت الحسن، قال: حدثنا عمرو بن تغلب، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنّي أعطي أقوامًا وأمنع أقوامًا لما جعل الله عزّ وجلّ في قلوبهم من الإيمان أكلهم إلى إيمانهم منهم عمرو بن تغلب). [التوحيد: 2/68-70]

قال أبو عبد الله محمد بن إسحاق ابن مَنْدَهْ العَبْدي (ت: 395هـ): ( ومن أسماء الله عزّ وجلّ: السّيّد السّلام السّميع
.....
284 - أخبرنا عبد الرّحمن بن يحيى، قال: حدثنا هارون بن سليمان، حدثنا يحيى بن سعيد أبو سعيدٍ، قال: حدثنا الأعمش، عن أبي وائلٍ، عن عبد الله، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنّ الله هو السّلام.
وروي عن الأعمش، عن زيد بن وهبٍ، عن عبد الله أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: السّلام اسمٌ من أسماء الله). [التوحيد: 2/133]


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 25 شعبان 1438هـ/21-05-2017م, 12:11 PM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي

شرح ابن القيم (ت:751هـ)[الشرح المطول]



قال ابن القيم محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي (ت:751هـ) كما في المرتبع الأسنى: ( ( السَّلامُ ):
( (( السَّلامُ ))... منْ أسماءِ الربِّ تَبَارَكَ وتَعَالَى، وهوَ اسمُ مصدرٍ في الأصلِ - كالكلامِ والعطاءِ - بِمَعْنَى السلامةِ،... [و] الربُّ تَعَالَى أَحَقُّ بهِ منْ كلِّ ما سِوَاهُ؛ لأنَّهُ السالِمُ منْ كلِّ آفةٍ وَعَيْبٍ وَنَقْصٍ وَذَمٍّ؛ فإنَّ لهُ الكمالَ المُطْلَقَ منْ جميعِ الوجوهِ، وكمالُهُ منْ لوازمِ ذاتِهِ، فلا يكونُ إلاَّ كذلكَ.

و (( السَّلامُ )) يَتَضَمَّنُ:
- سلامةَ أفعالِهِ من العبثِ والظلمِ وخلافِ الحكمةِ.
- وسلامةَ صفاتِهِ منْ مُشابهةِ صفاتِ المخلوقينَ.
- وسلامةَ ذاتِهِ منْ كلِّ نقصٍ وعيبٍ.
- وسلامةَ أسمائِهِ منْ كُلِّ ذَمٍّ.
فاسْمُ (( السَّلامِ )) يَتَضَمَّنُ إثباتَ جميعِ الكمالاتِ لهُ، وَسَلْبَ جميعِ النقائصِ عنهُ، وهذا مَعْنَى: (( سُبْحَانَ اللهِ والحمدُ للهِ )). وَيَتَضَمَّنُ إفرادَهُ بالألوهيَّةِ، وإفرادَهُ بالتعظيمِ، وهذا معنَى: (( لا إلهَ إلاَّ اللهُ، واللهُ أكبرُ )). فَانْتَظَمَ اسمُ (( السَّلامِ )) البَاقِيَاتِ الصالحاتِ التي يُثْنَى بها على الربِّ جلَّ جلالُهُ)([1]).

(و... حقيقةُ هذهِ اللفظةِ... البراءةُ والخلاصُ والنجاةُ من الشرِّ والعيوبِ. وعلى هذا المعنَى تَدُورُ تَصَارِيفُهَا، فمِنْ ذلكَ قولُكَ: " سَلَّمَكَ اللهُ، وَسَلِمَ فلانٌ من الشرِّ "، ومنهُ دعاءُ المؤمنينَ على الصراطِ: " رَبِّ سَلِّمْ، اللَّهُمَّ سَلِّمْ ". ومنهُ: " سَلِمَ الشيءُ لفلانٍ، أيْ: خَلَصَ لهُ وَحْدَهُ، فَخَلَصَ منْ ضَرَرِ الشركةِ فيهِ؛ قالَ تَعَالَى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ} [الزمر: 29]؛ أيْ: خَالِصاً لهُ وَحْدَهُ لا يَمْلُكُهُ معهُ غَيْرُهُ.

ومنهُ: (السِّلْمُ) ضِدُّ الحربِ، قالَ تَعَالَى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال: 61]؛ لأنَّ كُلاًّ من المُتَحَارِبَيْنِ يَـخْلُصُ وَيَسْلَمُ منْ أَذَى الآخرِ، ولهذا يُبْنَى منهُ على المُفَاعَلَةِ، فَيُقَالُ:
المُسَالَمَةُ، مِثلُ المُشَارَكَةِ.

ومنهُ: (القلبُ السليمُ) ، وهوَ النَّقِيُّ من الغلِّ والدَّغَلِ، وحقيقتُهُ الذي قدْ سَلِمَ للهِ وحدَهُ فَخَلَصَ منْ دَغَلِ الشركِ وغِلِّهِ ودَغَلِ الذنوبِ والمخالفاتِ، بلْ هوَ المستقيمُ على صدقِ حُبِّهِ وَحُسْنِ معاملتِهِ، فهذا هوَ الذي ضَمِنَ لهُ النجاةَ منْ عذابِهِ والفوزَ بكرامتِهِ.

ومنهُ أُخِذَ (الإسلامُ)؛ فإنَّهُ منْ هذهِ المادَّةِ؛ لأنَّهُ: الاستسلامُ والانقيادُ للهِ والتخلُّصُ منْ شوائبِ الشركِ، فسَلِمَ لربِّهِ وخَلَصَ لهُ كالعبدِ الذي سَلِمَ لمولاهُ، ليسَ فيهِ شركاءُ مُتَشَاكِسُونَ، ولهذا ضَرَبَ سبحانَهُ هَذَيْنِ المَثَلَيْنِ للمسلمِ المُخْلِصِ لربِّهِ، والمُشْرِكِ بهِ.

ومنهُ: ( السَّلَمُ ) للسَّلَفِ، وحقيقتُهُ العِوَضُ المُسَلَّمُ فيهِ؛ لأنَّ مَنْ هوَ في ذمَّتِهِ قدْ ضَمِنَ سلامَتَهُ لِرَبِّهِ، ثُمَّ سُمِّيَ العقدُ سَلَماً وحقيقتُهُ ما ذَكَرْنَاهُ.
فإنْ قِيلَ: فهذا يَنْتَقِضُ بقولِهِم للَّدِيغِ: سَلِيماً.
قيلَ: ليسَ هذا بِنَقْضٍ لهُ، بلْ طردٌ لما قُلْنَاهُ؛ فإنَّهُم سَمَّوْهُ سَلِيماً باعْتِبَارِ ما يَهُمُّهُ ويَطْلُبُهُ ويَرْجُو أنْ يَؤُولَ إليهِ حالُهُ من السلامةِ، فليسَ عندَهُ أَهَمُّ من السلامةِ، ولا هوَ أَشَدُّ طَلَباً منهُ لغيرِهَا، فسُمِّيَ: ( سَلِيماً ) لذلكَ، وهذا مِنْ جنسِ تَسْمِيَتِهِم المهلكةَ " المَفَازَةَ "؛ لأنَّهُ لا شيءَ أَهَمُّ عندَ سالِكِهَا منْ فَوْزِهِ منها؛ أيْ: نَجَاتِهِ، فَسُمِّيَتْ مَفَازَةً؛ لأنَّهُ يَطْلُبُ الفوزَ منها. وهذا أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِهِم: إنَّمَا سُمِّيَتْ "مَفَازَةً "، وَسُمِّيَ اللَّدِيغُ " سَلِيماً " تَفَاؤُلاً، وإنْ كانَ التَّفَاؤُلُ جُزْءَ هذا المَعْنَى الذي ذَكَرْنَاهُ وَدَاخِلاً فيهِ، فهوَ أَعَمُّ وَأَحْسَنُ.
فإنْ قِيلَ: فَكَيْفَ يُمْكِنُكُم رَدُّ السُّلَّمِ إلى هذا الأصلِ؟!!
قِيلَ: ذلكَ ظَاهِرٌ؛ لأنَّ الصاعدَ إلى مكانٍ مرتفعٍ لَمَّا كَانَ مُتَعَرِّضاً للهُوِيِّ والسقوطِ طَالِباً للسلامةِ رَاجِياً لها سُمِّيَت الآلةُ التي يَتَوَصَّلُ بها إلى غرضِهِ " سُلَّماً " لِتَضَمُّنِهَا سلامتَهُ؛ إذْ لوْ صَعَدَ بِتَكَلُّفٍ منْ غيرِ سُلَّمٍ لكانَ عَطَبُهُ مُتَوَقَّعاً، فَصَحَّ أنَّ السُّلَّمَ منْ هذا المعنَى.

ومنهُ تَسْمِيَةُ الجنَّةِ: بـ ( دارِ السلامِ ). وفي إِضَافَتِهَا إلى السلامِ ثلاثةُ أقوالٍ:
- أحدُهَا: أنَّهَا إضافةٌ إلى مالِكِهَا (( السَّلامِ )) سبحانَهُ.
- الثاني: أنَّهَا إضافةٌ إلى تَحِيَّةِ أَهْلِهَا؛ فإنَّ تَحِيَّتَهُم فيها سلامٌ.
- الثالث: أنَّهَا إضافةٌ إلى معنَى السلامةِ؛ أيْ: دارِ السلامةِ منْ كلِّ آفةٍ ونقصٍ وشرٍّ.

والثلاثةُ متلازمةٌ وإنْ كانَ الثالِثُ أَظْهَرَهَا؛ فإنَّهُ لوْ كانت الإضافةُ إلى مَالِكِهَا لأُضِيفَتْ إلى اسمٍ منْ أسمائِهِ غيرِ السلامِ، وكانَ يُقَالُ: دارُ الرَّحْمَنِ، أوْ: دارُ اللهِ، أوْ: دارُ المَلِكِ، ونحوُ ذلكَ.
فإذا عُهِدَتْ إِضَافَتُهَا إليهِ ثُمَّ جَاءَ: (( دارُ السلامِ )) حُمِلَتْ على المعهودِ.
وأيضاً فإنَّ المعهودَ في القرآنِ إضَافَتُهَا إلى صِفَتِهَا أوْ إلى أهلِهَا.
- أمَّا الأوَّلُ، فَنَحْوُ: دارُ القرارِ، دارُ الخُلْدِ، جَنَّةُ المأوى، جَنَّاتُ النَّعِيمِ، جنَّاتُ الفِرْدَوْسِ.
- وأمَّا الثاني، فَنَحْوُ: دارُ المُتَّقِينَ.

ولمْ تُعْهَدْ إِضَافَتُهَا إلى اسمٍ منْ أسماءِ اللهِ في القرآنِ، فالأَوْلَى حَمْلُ الإضافةِ على المعهودِ في القرآنِ، وكذلكَ إِضَافَتُهَا إلى التحيَّةِ ضَعِيفٌ منْ وجهَيْنِ:
- أحدُهُمَا: أنَّ التحيَّةَ بالسَّلامِ مُشْتَرِكَةٌ بينَ دارِ الدنيا والآخرةِ، وما يُضَافُ إلى الجنَّةِ لا يَكُونُ إلاَّ مُخْتَصًّا بها كالخُلْدِ والقرارِ والبقاءِ.
- الثاني: أنَّ مِنْ أَوْصَافِهَا - غيرَ التَّحِيَّةِ - ما هوَ أَكْمَلُ منها؛ مِثْلَ كَوْنِهَا دائمةً وباقيَةً ودارَ الخلدِ، والتَّحِيَّةُ فيها عارضةٌ عندَ التَّلاقِي والتَّزَاورِ بخلافِ السلامةِ منْ كلِّ عَيْبٍ ونَقْصٍ وَشَرٍّ؛ فإنَّها منْ أكملِ أَوْصَافِها المقصودةِ على الدوامِ التي لا يَتِمُّ النعيمُ فيها إلاَّ بهِ، فإضافَتُهَا إليهِ أَوْلَى، وهذا ظاهِرٌ.

[فَصْلٌ]:
... إذا عُرِفَ هذا فَإِطْلاقُ (( السلامِ )) على اللهِ تَعَالَى اسْماً منْ أسمائِهِ هوَ أَوْلَى منْ هذا كلِّهِ , وَأَحَقُّ بهذا الاسمِ منْ كلِّ مُسَمًّى بهِ لسلامتِهِ سبحانَهُ منْ كلِّ عيبٍ ونقصٍ منْ كلِّ وجهٍ، فهوَ (( السلامُ )) الحَقُّ بِكُلِّ اعتبارٍ، والمخلوقُ سلامٌ بالإضافةِ.
فهوَ سبحانَهُ سلامٌ في ذاتِهِ منْ كلِّ عَيْبٍ ونقصٍ يَتَخَيَّلُهُ وَهْمٌ، وسلامٌ في صفاتِهِ منْ كلِّ عيبٍ ونقصٍ، وسلامٌ في أفعالِهِ منْ كلِّ عيبٍ ونقصٍ وشرٍّ وظُلْمٍ وفعلٍ واقعٍ على غيرِ وجهِ الحكمةِ، بلْ هوَ (( السلامُ )) الحقُّ منْ كلِّ وجهٍ وبكلِّ اعتبارٍ.

فعُلِمَ أنَّ استحقاقَهُ تَعَالَى لهذا الاسمِ أَكْمَلُ من استحقاقِ كلِّ ما يُطْلَقُ عليهِ، وهذا هوَ حقيقةُ التَّنـْزِيهِ الذي نَـزَّهَ بهِ نفسَهُ وَنَزَّهَهُ بهِ رسولُهُ، فهوَ السلامُ من الصاحبةِ والولدِ، والسلامُ من النظيرِ والكُفْءِ والسَّمِيِّ والمُمَاثِلِ، والسلامُ من الشريكِ.
ولذلكَ إذا نَظَرْتَ إلى أفرادِ صفاتِ كمالِهِ وَجَدْتَ كلَّ صفةٍ سلاماً مِمَّا يُضَادُّ كَمَالَهَا:
- فحياتُهُ سلامٌ من الموتِ ومن السِّنَةِ والنومِ.
- وكذلكَ قَيُّومِيَّتُهُ وقُدْرَتُهُ سلامٌ من التعبِ واللُّغُوبِ.
- وَعِلْمُهُ سلامٌ منْ عُزُوبِ شيءٍ عنهُ أوْ عُرُوضِ نسيانٍ أوْ حاجةٍ إلى تَذَكُّرٍ وَتَفَكُّرٍ.
- وإرادتُهُ سلامٌ منْ خُرُوجِهَا عن الحكمةِ والمصلحةِ.
- وكَلِمَاتُهُ سلامٌ من الكذبِ والظلمِ، بلْ تَمَّتْ كَلِمَاتُهُ صِدْقاً وَعَدْلاً.
- وَغِنَاهُ سلامٌ من الحاجةِ إلى غيرِهِ بوَجْهٍ ما، بلْ كُلُّ ما سِوَاهُ مُحْتَاجٌ إليهِ، وهوَ غَنِيٌّ عنْ كلِّ ما سِوَاهُ.
- وَملكُهُ سلامٌ منْ مُنَازِعٍ فيهِ، أوْ مُشَارِكٍ، أوْ مُعَاوِنٍ، مُظَاهِرٍ، أوْ شَافِعٍ عندَهُ بدونِ إذنِهِ.
- وَإِلَهِيَّتُهُ سَلامٌ منْ مُشَارِكٍ لهُ فيها، بلْ هوَ اللهُ الذي لا إلهَ إلاَّ هوَ.
- وَحِلْمُهُ وعفوُهُ وصَفْحُهُ ومغفرتُهُ وتجاوزُهُ سلامٌ منْ أنْ تكونَ عنْ حاجةٍ منهُ، أوْ ذُلٍّ أوْ مُصَانَعَةٍ كما يكونُ منْ غيرِهِ، بلْ هوَ مَحْضُ جُودِهِ وَإِحْسَانِهِ وَكَرَمِهِ.
- وكذلكَ عَذَابُهُ وانتقامُهُ وشدَّةُ بَطْشِهِ وَسُرْعَةُ عِقَابِهِ سلامٌ منْ أنْ يكونَ ظُلْماً أوْ تَشَفِّياً أوْ غِلْظَةً أوْ قسوةً، بلْ هوَ محضُ حِكْمَتِهِ وعدلِهِ ووضعِهِ الأشياءَ مَوَاضِعَهَا، وهوَ مِمَّا يَسْتَحِقُّ عليهِ الحمدَ والثناءَ كما يَسْتَحِقُّهُ على إحسانِهِ وثوابِهِ وَنِعَمِهِ، بلْ لوْ وَضَعَ الثوابَ مَوْضِعَ العقوبةِ لكانَ مُنَاقِضاً لحكمتِهِ وَلِعِزَّتِهِ، فَوَضْعُهُ العقوبةَ موضعَهَا هوَ منْ حَمْدِهِ وحكمتِهِ وَعِزَّتِهِ؛ فهوَ سلامٌ ممَّا يَتَوَهَّمُ أَعْدَاؤُهُ والجاهلونَ بهِ منْ خلافِ حكمتِهِ.
- وَقَضَاؤُهُ وَقَدَرُهُ سَلامٌ من العبثِ والجَورِ والظلمِ، ومِنْ تَوَهُّمِ وُقوعِهِ على خلافِ الحكمةِ البالغةِ.
- وَشَرْعُهُ وَدِينُهُ سلامٌ من التناقضِ، والاختلافِ، والاضطرابِ، وخلافِ مصلحةِ العبادِ وَرَحْمَتِهِم والإحسانِ إليهم، وخلافِ حِكْمَتِهِ، بلْ شَرْعُهُ كُلُّهُ حِكْمَةٌ ورحمةٌ ومصلحةٌ وعدلٌ.
- وكذلكَ عَطَاؤُهُ سلامٌ منْ كونِهِ مُعَاوَضَةً أوْ لحاجةٍ إلى المُعْطَى.
- وَمَنْعُهُ سَلامٌ من البخلِ وخوفِ الإملاقِ؛ بلْ عَطَاؤُهُ إحسانٌ مَحْضٌ لا لمعاوضةٍ ولا لحاجةٍ، ومنعُهُ عَدْلٌ مَحْضٌ وَحِكْمَةٌ لا يَشُوبُهُ بُخْلٌ ولا عَجْزٌ.
- واستواؤُهُ وَعُلُوُّهُ على عرشِهِ سلامٌ منْ أنْ يَكُونَ مُحْتَاجاً إلى ما يَحْمِلُهُ أوْ يَسْتَوِي عليهِ، بل العرشُ مُحْتَاجٌ إليهِ، وَحَمَلَتُهُ مُحْتَاجُونَ إليهِ؛ فهوَ الغنيُّ عن العرشِ وعنْ حَمَلَتِهِ وعنْ كلِّ ما سِوَاهُ، فهوَ اسْتِوَاءٌ وَعُلُوٌّ لا يَشُوبُهُ حَصْرٌ، ولا حَاجَةٌ إلى عرشٍ ولا غيرِهِ، ولا إحاطةُ شيءٍ بهِ سبحانَهُ وتَعَالَى؛ بلْ كانَ سبحانَهُ ولا عَرْشَ، ولمْ يَكُنْ بهِ حاجةٌ إليهِ، وهوَ الغنيُّ الحميدُ، بل اسْتِوَاؤُهُ على عرشِهِ وَاسْتِيلاؤُهُ على خَلْقِهِ منْ مُوجَباتِ مُلْكِهِ وقَهْرِهِ منْ غيرِ حاجةٍ إلى عرشٍ ولا غيرِهِ بوجهٍ ما.
- ونزولُهُ كلَّ ليلةٍ إلى سماءِ الدنيا سلامٌ مِمَّا يُضَادُّ عُلُوَّهُ، وسلامٌ ممَّا يُضَادُّ غِنَاهُ.
- وكمالُهُ سلامٌ منْ كلِّ ما يَتَوَهَّمُ مُعَطِّلٌ أوْ مُشَبِّهٌ، وَسَلامٌ منْ أنْ يَصِيرَ تَحْتَ شَيْءٍ أوْ مَحْصُوراً في شيءٍ، تَعَالَى اللهُ ربُّنَا عنْ كلِّ ما يُضَادُّ كَمَالَهُ.
- وَغِنَاهُ وَسَمْعُهُ وَبَصَرُهُ سلامٌ منْ كلِّ ما يَتَخَيَّلُهُ مُشَبِّهٌ أوْ يَتَقَوَّلُهُ مُعَطِّلٌ.
- وَمُوَالاتُهُ لأوليائِهِ سلامٌ منْ أنْ تكونَ عنْ ذلٍّ كما يُوَالِي المخلوقُ المخلوقَ، بلْ هيَ موالاةُ رحمةٍ وخيرٍ وإحسانٍ وبِرٍّ كما قالَ: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ} [الإسراء: 111]. فَلَمْ يَنْفِ أنْ يَكُونَ لَهُ وَلِيٌّ مُطْلَقاً، بلْ نَفَى أنْ يَكُونَ لهُ وَلِيٌّ من الذُّلِّ.
- وكذلكَ مَحَبَّتُهُ لِمُحِبِّيهِ وَأَوْلِيَائِهِ سلامٌ منْ عوارِضِ مَحَبَّةِ المخلوقِ للمخلوقِ منْ كَوْنِهَا مَحَبَّةَ حاجةٍ إليهِ، أوْ تَمَلُّقٍ لهُ، أو انْتِفَاعٍ بِقُرْبِهِ، وسلامٌ مِمَّا يَتَقَوَّلُهُ المُعَطِّلُونَ فيها.
- وكذلكَ ما أَضَافَهُ إلى نفسِهِ من اليدِ والوجهِ، فإنَّهُ سلامٌ مِمَّا يَتَخَيَّلُهُ مُشَبِّهٌ أوْ يَتَقَوَّلُهُ مُعَطِّلٌ.

فتَأَمَّلْ كَيْفَ تَضَمَّنَ اسمُهُ " السلامُ " كلَّ ما نُزِّهَ عنهُ تَبَارَكَ وتَعَالَى. وَكَمْ مِمَّنْ حَفِظَ هذا الاسمَ لا يَدْرِي ما تَضَمَّنَهُ منْ هذهِ الأسرارِ والمعانِي.

واللهُ المُسْتَعَانُ المَسْئُولُ أنْ يُوَفِّقَ للتعليقِ على الأسماءِ الحُسْنَى على هذا النَّمَطِ؛ إنَّهُ قَرِيبٌ مُجِيبٌ)([2])
). [المرتبع الأسنى: ؟؟]


([1]) أحكامُ أهلِ الذمَّةِ (1/153) .
([2]) بَدَائِعُ الفوائدِ (2/133-137) .
مُلْحَقٌ:
وقالَ رَحِمَهُ اللهُ تَعالَى في شفاءِ العليلِ (2/65 - 66): (وكذلك اسمُه السلامُ. فإنه الذي سَلِمَ مِنَ العيوبِ والنقائِصِ. ووَصْفُهُ بالسلامِ. أَبْلَغُ في ذلك من وَصْفِه بالسَّالِمِ. ومن مُوجِباتِ وَصْفِهِ بذلك سَلامَةُ خَلْقِه مِن ظُلْمِه لهم.
فسَلِمَ سُبحانَهُ من إرادةِ الظلمِ والشرِّ، ومن التسميةِ به، ومن فِعلِه، ومن نِسبَتِه إليه. فهو السلامُ من صفاتِ النقصِ وأفعالِ النقصِ وأسماءِ النقصِ، المُسَلِّمُ لخَلقِه من الظلمِ، ولهذا وَصَفَ سبحانَهُ ليلةَ القدرِ بأنها سلامٌ، والجنةَ بأنها دارُ السلامِ، وتحيةُ أهلِها السلامُ. وأَثنَى على أوليائِه بالقولِ السلامِ. كلُّ ذلك السالِمُ مِنَ العيوبِ).
وقال أيضًا في هدايةِ الحَيارَى (524):
السادسَ عَشَرَ أنه قُدُّوسٌ سَلاَمٌ فهو المُبَرَّأُ مِن كُلِّ عَيْبٍ ونَقْصٍ وآفَةٍ.
وقالَ أيضًا في القصيدةِ النونيةِ (247):
وَهُوَ السَّلاَمُ عَلَى الْحَقِيقَةِ سَالِمٌ = مِنْ كُلِّ تَمْثِيلٍ وَمِنْ نُقْصَانِ
وقالَ أيضًا في أحكامِ أَهْلِ الذِّمَّةِ (1/153- 155): (وَمِنْ بَعْضِ تَفاصِيلِ ذلك أنه الحيُّ الذي سَلِمَتْ حَياتُهُ مِنَ المَوْتِ والسِّنَةِ والنومِ والتغيُّرِ، القادرِ الذي سَلِمَتْ قُدْرَتُهُ مِنَ اللُّغُوبِ؛ والتعبِ والإعياءِ والعجزِ عمَّا يُرِيدُ، العليمُ الذي سَلِمَ عِلْمُه أن يَعْزُبَ عنه مِثقالُ ذَرَّةٍ أو يَغِيبَ عنه معلومٌ من المعلوماتِ؛ وكذلك سائرُ صِفاتِه على هذا. فرِضاه سُبحانَهُ سَلامٌ أن يُنَازِعَهُ الغَضَبُ؛ وحِلْمُهُ سَلاَمٌ أَنْ يُنَازِعَهُ الانتقامُ؛ وإرادَتُهُ سَلامٌ أن يُنَازِعَهَا الإكراهُ، وقُدْرَتُهُ سَلاَمٌ أَنْ يُنَازِعَهَا العَجْزُ؛ ومَشِيئَتُه سلامٌ أن يُنازِعَها خلافُ مقتضاهُ، وكَلامُه سلامٌ أن يَعْرِضَ له كَذِبٌ أو ظلمٌ، بل تَمَّتْ كَلِمَاتُه صِدقًا وعَدْلاً، ووَعْدُهُ سَلامٌ أن يَلْحَقَهُ خُلْفٌ. وهو سلامٌ أن يكونَ قبلَهُ شيءٌ أو بعدَه شيءٌ أو فوقَهُ شيءٌ أو دُونَهُ شيءٌ؛ بل هو العالِي على كلِّ شيءٍ، وفوقَ كُلِّ شيءٍ، وقبلَ كُلِّ شيءٍ، وبعدَ كُلِّ شيءٍ والمحيطُ بكلِّ شيءٍ، وعطاؤُه ومَنْعُهُ سلامٌ أن يَقَعَ في غَيْرِ مَوقِعِه ومَغْفِرَتِه سلامٌ أن يُبالِيَ بها أو يَضِيقَ بذُنُوبِ عِبادِهِ، أو تَصْدُرَ عن عجزٍ عن أخذِ حقِّه كما تكونُ مغفرةُ الناسِ؛ ورَحمَتُه وإحسانُه ورأفتُه. وبِرُّه وجُودُه ومُوالاتُه لأوليائِه وتحبُّبُه إليهم وحنانُه عليهم وذِكرُه لهم وصَلاتُه عليهم سلامٌ أن يكونَ لحاجةٍ منه إليهِم أو تعزُّزٌ بهم أو تَكَثُّرٌ بهم. وبالجملةِ فهو السلامُ مِن كل ما ينافِي كمالَهُ المُقَدَّسَ بوجهٍ من الوجوهِ.
وأخطأَ كلَّ الخطأِ مَن زَعَمَ أنه من أسماءِ السُّلوبِ، فإن السلبَ المحضَ لا يتضمنُ كَمالاً، بل اسمُ (السلامِ)، مُتضمِّنٌ للكَمالِ مُتضمِّنٌ للكمالِ السالمِ من كلِّ ما يُضادُّه وإذا لم تَظْلِمْ هذا الاسمَ ووَفَّيْتَهُ مَعْنَاهُ وَجَدْتَهُ مُسْتَلْزِمًا لإرسالِ الرسُلِ وإنزالِ الكُتبِ، وشَرْعِ الشرائعِ، وثُبوتِ المَعادِ، وحُدوثِ العالَمِ، وثُبوتِ القضاءِ والقدَرِ، وعلوِّ الربِّ تعالَى على خلقِه، ورُؤيتِه لأفعالِهم، وسَمْعِه لأصواتِهم، واطلاعِهِ على سرائرِهم وعلانِيَتِهِم، وتَفرُّدِه بتَدْبِيرِهِم، وتَوَحُّدِه في كمالِه المُقَدَّسِ عنْ شَرِيكٍ بوَجْهٍ مِنَ الوُجوهِ، فهو السلامُ الحقُّ من كلِّ وجهٍ كما هو النزيهُ البريءُ عن نقائصِ البشرِ من كلِّ وجهٍ.
ولما كانَ سبحانَهُ موصوفًا بأن له يَدَيْنِ لم يكن فيهما شِمالٌ، بل كلتا يديهِ يمينٌ مُباركةٌ، كذلك أسماؤُه كُلُّها حُسْنَى، وأفعالُه كُلُّها خيرٌ، وصفاتُه كلُّها كمالٌ، وقد جعلَ سُبحانَهُ السلامَ تحيةَ أوليائِه في الدُّنيا، وتحيتَّهُم يومَ القيامةِ ولما خَلَقَ آدمَ وكَمُلَ خَلْقُه فاستَوَى قال اللهُ له: اذهَبْ إلى أولئكَ النَّفَرِ من الملائكةِ، فاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ بِهِ فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ مِنْ بَعْدِكَ. وقالَ تعالَى: {لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ} وقال: {واللهُ يَدْعُو إلَى دارِ السلامِ}.
وقد اختُلِفَ في تسميةِ الجنةِ (دارَ السلامِ)، فقيلَ: السلامُ هو اللهُ، والجنةُ دارُه وقيلَ: السلامُ هو السلامةُ، والجنةُ دارُ السلامةِ من كلِّ آفةٍ وعيبٍ ونقصٍ وقيلَ: سُمِّيَتْ (دارَ السلامِ) لأن تَحِيَّتَهُم فيها سلامٌ، ولا تَنافِيَ بين هذه المعانِي كُلِّها.
وأما قولُ المسلِمِ: (السلامُ عليكُم) فهو إخبارٌ للمُسَلَّمِ عليه بسلامَتِه من غِيلَةِ المسلمِ وغِشِّهِ ومَكْرِه ومكروهٍ يَنالُهُ منه، فيَرُدُّ الرادُّ عليه مثلَ ذلك: أي فَعَلَ اللهُ ذلك بك، وأَحَلَّه عليكَ، والفرقُ بين هذا الوجهِ وبين الوجهِ الأولِ أنه في الأولِ خَبَرٌ، وفي الثانِي طلبٌ، ووجهٌ ثالثٌ: وهو أن يكونَ المعنَى: اذكُرِ اللهَ الذي عافاكَ من المكروهِ وأَمَّنَكَ مِنَ المَحْذُورِ، وسَلَّمَكَ مما تخافُ، وعَامِلْنَا مِنَ السلامةِ والأمانِ بمِثلِ ما عَامَلَكَ به، فيردُّ الرادُّ عليه مثلَ ذلك. ويُستحَبُّ له أن يَزِيدَهُ، كما أنَّ مَن أَهْدَى لك هديةً يُستحَبُّ لكَ أن تُكافِئَه بزيادةٍ عليها، ومَن دَعا لك يَنْبَغِي أن تدعُوَ له بأكثرَ مِن ذلك . ووجهٌ رابعٌ: وهو أن يكونَ معنَى سلامِ المُسَلِّمِ وردِّ الرادِّ بِشارةً من اللهِ سبحانَهُ، جعلَهَا على ألسنةِ المُسلمينَ لبعضِهم بعضًا بالسلامةِ من الشرِّ وحُصولِ الرحمةِ والبرَكَةِ، وهي دوامُ ذلك وثباتُه، وهذه البِشَارَةُ أُعْطُوها لدُخولِهِم في دينِ الإسلامِ، فأعظمُهُم أجرًا أحسنُهم تحيةً، وأسبقُهُم في هذه البِشارَةِ، كما في الحديثِ: ((وخيرُهما الذي يَبْدَأُ صَاحِبَهُ بالسلامِ)).
واشتقَّ اللهُ سبحانَهُ لأوليائِه مِن تَحِيَّةِ بَيْنِهمُ اسمًا من أسمائِه، واسمِ دينِه الإسلامِ الذي هو دينُ أنبيائِه ورُسُلِه وملائكتِه. قال تعالَى: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ}.
ووجهٌ خامسٌ: وهو أن كلَّ أمةٍ من الأممِ لهم تحيةٌ بينَهُم من أقوالٍ وأعمالٍ كالسجودِ وتقبيلِ الأيدِي وضربِ الجُنوكِ وقولِ بعضِهم: أَنْعِمْ صباحًا وقولِ بعضِهم: عِشْ أَلْفَ عَامٍ، ونحوِ ذلك؛ فشرَعَ اللهُ تبارَكَ وتعالَى لأهلِ الإسلامِ (سلامٌ عليكُم)، وكانت أحسنَ من جميعِ تحياتِ الأممِ بينَها، لِتَضَمُّنِهَا السلامةَ التي لا حياةَ ولا فلاحَ إلا بِهَا، فهي الأصلُ المُقَدَّمُ على كلِّ شيءٍ.
وانتفاعُ العبدِ بحياتِه إنما يَحْصُلُ بشيئينِ: بسلامتِه من الشرِّ، وحصولِ الخيرِ. والسلامةُ من الشرِّ مُقدَّمَةٌ على حصولِ الخيرِ وهي الأصلُ، فإن الإنسانَ بل وكلُّ حيوانٍ إنما يَهْتَمُّ بسلامتِه أولاً وغنيمَتِه ثانيًا. على أن السلامةَ المُطلقةَ، تتضمَّنُ حُصولَ الخيرِ فإنه لو فَاتَهُ حصَلَ له الهلاكُ والعَطَبُ أو النَّقْصُ ففواتُ الخيرِ يَمْنَعُ حُصولَ السلامةِ المُطلَقَةِ فتَضَمَّنَتِ السلامةُ نَجاةَ العبدِ منَ الشرِّ، وفَوْزَهُ بالخيرِ، مع اشتقاقِها منِ اسمِ اللهِ.
والمقصودُ أن السلامَ اسمُه ووصفُه وفِعلُه، والتلفُّظَ به ذِكرٌ له، كما في (السُّنَنِ) أن رجلاً سلَّمَ على النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ فلم يَرُدَّ عليه حتى تَيَمَّمَ وردَّ عليه وقالَ: ((إِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللهَ إلا على طَهارَةٍ)). فحقيقٌ بتحيةٍ هذا شأنُها أن تُصانَ عن بَذْلِهَا لغيرِ أهلِ الإسلامِ، وألا يُحمَى بها أعداءُ القُدُّوسِ السلامِ. ولهذا كانَت كُتبُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ إلى ملوكِ الكفارِ: ((السلامُ علَى مَنِ اتَّبَعَ الهُدَى)) ولم يَكْتُبْ لكَافِرٍ: سلامٌ عليكُمْ أصلاً، فلهذا قالَ في أهلِ الكتابِ: ((لاَ تَبْدَؤُوهُمْ بِالسلامِ)).


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 14 رمضان 1438هـ/8-06-2017م, 08:34 AM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي

شرح ابن سعدي (ت:1376هـ)



قال عبد الرحمن بن ناصر السعدي (ت:1376هـ): ("القدوس، السلام" أي: المعظم المنزه عن صفات النقص كلها، وأن يماثله أحد من الخلق، فهو المتنزه عن جميع العيوب، والمتنزه عن أن يقاربه أو يماثله أحد في شيء من الكمال {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا}.
فالقدوس كالسلام، ينفيان كل نقص من جميع الوجوه، ويتضمنان الكمال المطلق من جميع الوجوه، لأن النقص إذا انتفى ثبت الكمال كله). [تيسير الكريم المنان: 946] (م)


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 25 شعبان 1438هـ/21-05-2017م, 12:13 PM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي

شرح أبي إسحاق الزجاج (ت: 311هـ)



قالَ أبو إسحاق إِبراهيمُ بنُ السَّرِيِّ الزجَّاجُ (ت:311هـ): (السلام قال أهل اللغة يقال سلمت على فلان تسليم وسلاما وقال بعضهم في قول الله عز وجل: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما} أراد والله أعلم تسلما منه وبراءة.
وقال محمد بن يزيد معنى وصفنا الله تعالى بأنه السلام منه وإنما تأول قولهم سلم الله على فلان وسلام الله عليه.
وقال النمر بن تولب:
سلام الإله وريحانه .... ورحمته وسماء درر
ويقال السلام هو الذي سلم من عذابه من لا يستحقه). [تفسير أسماء الله الحسنى: ؟؟]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:00 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة