العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة آل عمران

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 ربيع الثاني 1434هـ/28-02-2013م, 08:48 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي تفسير سورة آل عمران[من الآية (59) إلى الآية (63) ]

تفسير سورة آل عمران
[من الآية (59) إلى الآية (63) ]

{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (63)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 25 ربيع الثاني 1434هـ/7-03-2013م, 11:04 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف


جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) )
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {إنّ مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من ترابٍ ثمّ قال له كن فيكون}
- أخبرنا قتيبة بن سعيدٍ، حدّثنا يعقوب، عن عمرٍو، عن الأعرج، عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " احتجّ آدم وموسى عليهما السّلام فقال له موسى: يا آدم، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، ثمّ قال لك: كن فكنت، ثمّ أمر الملائكة فسجدوا لك، ثمّ قال: اسكن أنت وزوجك الجنّة فكلا منها حيث شئتم رغدًا، ولا تقربا هذه الشّجرة فتكونا من الظّالمين فنهاك عن شجرةٍ واحدةٍ فعصيت ربّك؟ فقال آدم عليه السّلام: يا موسى، ألم تعلم أنّ الله تعالى قدّر عليّ هذا قبل أن يخلقني؟ " فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لقد حجّ آدم موسى، لقد حجّ آدم موسى، لقد حجّ آدم موسى»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/41]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم خلقه من ترابٍ ثمّ قال له كن فيكون}
يعني جلّ ثناؤه: إنّ شبه عيسى في خلقي إيّاه من غير فحلٍ فأخبر به يا محمّد الوفد من نصارى نجران عندي كشبه آدم الّذي خلقته من ترابٍ، ثمّ قلت له كن فكان، من غير فحلٍ، ولا ذكرٍ، ولا أنثى يقول: فليس خلقي عيسى من أمّه من غير فحلٍ، بأعجب من خلقي آدم من غير ذكرٍ ولا أنثًى، فكان لحمًا، يقول: وأمري إذ أمرته أن يكون فكان، فكذلك خلقي عيسى أمرته أن يكون فكان.
وذكر أهل التّأويل أنّ اللّه عزّ وجلّ أنزل هذه الآية احتجاجًا لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم على الوفد من نصارى نجران الّذين حاجّوه في عيسى.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن عامرٍ، قال: كان أهل نجران أعظم قومٍ من النّصارى في عيسى قولاً، فكانوا يجادلون النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فأنزل اللّه عزّ وجلّ هذه الآية في سورة آل عمران: {إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم خلقه من ترابٍ ثمّ قال له كن فيكون} إلى قوله: {فنجعل لعنة اللّه على الكاذبين}.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم خلقه من ترابٍ ثمّ قال له كن فيكون} وذلك أنّ رهطًا من أهل نجران قدموا على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، وكان فيهم السّيّد والعاقب، فقالوا لمحمّدٍ: ما شأنك تذكر صاحبنا؟ فقال: من هو؟ قالوا: عيسى، تزعم أنّه عبد اللّه، فقال محمّدٌ: أجل إنّه عبد اللّه قالوا له: فهل رأيت مثل عيسى أو أنبئت به؟ ثمّ خرجوا من عنده، فجاءه جبريل صلّى اللّه عليه وسلّم بأمر ربّنا السّميع العليم، فقال: قل لهم إذا أتوك {إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم} إلى آخر الآية.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم خلقه من ترابٍ ثمّ قال له كن فيكون} ذكر لنا أنّ سيّدي أهل نجران وأسقفيهم السّيّد والعاقب، لقيا نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فسألاه عن عيسى فقالا: كلّ آدميٍّ له أبٌ فما شأن عيسى لا أب له؟ فأنزل اللّه عزّ وجلّ فيه هذه الآية: {إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم خلقه من ترابٍ ثمّ قال له كن فيكون}.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم خلقه من ترابٍ} لمّا بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وسمع به أهل نجران، أتاه منهم أربعةٌ من خيارهم، منهم العاقب، والسّيّد، وماسرجس وماريحز، فسألوه ما يقول في عيسى، فقال: هو عبد اللّه وروحه وكلمته، قالوا هم: لا، ولكنّه هو اللّه، نزل من ملكه فدخل في جوف مريم، ثمّ خرج منها فأرانا قدرته وأمره، فهل رأيت قطّ إنسانًا خلق من غير أبٍ؟ فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم خلقه من ترابٍ ثمّ قال له كن فيكون}.
- حدّثنا القاسم، قال حدّثنا الحسين، قال حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عكرمة، قوله: {إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم خلقه من ترابٍ ثمّ قال له كن فيكون} قال: نزلت في العاقب والسّيّد من أهل نجران، وهما نصرانيّان
قال ابن جريجٍ: بلغنا أنّ نصارى أهل نجران قدم وفدهم على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فيهم السّيّد والعاقب، وهما يومئذٍ سيّدا أهل نجران، فقالوا: يا محمّد فيم تشتم صاحبنا؟ قال: من صاحبكما؟ قالا: عيسى ابن مريم، تزعم أنّه عبدٌ، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أجل إنّه عبد اللّه وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه، فغضبوا وقالوا: إن كنت صادقًا، فأرنا عبدًا يحيي الموتى، ويبرئ الأكمه، ويخلق من الطّين كهيئة الطّير، فينفخ فيه، الآية، لكنّه اللّه فسكت حتّى أتاه جبريل، فقال: يا محمّد {لقد كفر الّذين قالوا إنّ اللّه هو المسيح ابن مريم} الآية، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: يا جبريل إنّهم سألوني أن أخبرهم بمثل عيسى. قال جبريل: مثل عيسى كمثل آدم خلقه من ترابٍ ثمّ قال له كن فيكون، فلمّا أصبحوا عادوا، فقرأ عليهم الآيات.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمّد بن جعفر بن الزّبير: {إنّ مثل عيسى عند اللّه} فاسمع {كمثل آدم خلقه من ترابٍ ثمّ قال له كن فيكون، الحقّ من ربّك فلا تكن من الممترين} فإن قالوا: خلق عيسى من غير ذكرٍ، فقد خلقت آدم من ترابٍ بتلك القدرة، من غير أنثًى ولا ذكرٍ فكان كما كان عيسى لحمًا ودمًا وشعرًا وبشرًا، فليس خلق عيسى من غير ذكرٍ بأعجب من هذا.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قول اللّه عزّ وجلّ {إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم خلقه من ترابٍ} قال: أتى نجرانيّان إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقالا له: هل علمت أنّ أحدًا ولد من غير ذكرٍ فيكون عيسى كذلك؟ قال: فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم خلقه من ترابٍ ثمّ قال له كن فيكون} أكان لآدم أبٌ أو أمٌّ، كما خلقت هذا في بطن هذه؟
فإن قال قائلٌ: فكيف قال: كمثل آدم خلقه، وآدم معرفةٌ، والمعارف لا توصل؟ قيل: إنّ قوله: {خلقه من ترابٍ} غير صلةٍ لآدم، وإنّما هو بيانٌ عن أمره على وجه التّفسير عن المثل الّذي ضربه وكيف كان؟.
وأمّا قوله: {ثمّ قال له كن فيكون} فإنّما قال: فيكون، وقد ابتدأ الخبر عن خلق آدم، وذلك خبرٌ عن أمرٍ قد تقضّى، وقد أخرج الخبر عنه مخرج الخبر عمّا قد مضى، فقال جلّ ثناؤه: {خلقه من ترابٍ ثمّ قال له كن} لأنّه بمعنى الإعلام من اللّه نبيّه أنّ تكوينه الأشياء بقوله: {كن} ثمّ قال: فيكون خبرًا مبتدأً، وقد تناهى الخبر عن أمر آدم عند قوله: كن.
فتأويل الكلام إذًا: إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم، خلقه من ترابٍ، ثمّ قال له كن؛ واعلم يا محمّد أنّ ما قال له ربّك: كن، فهو كائنٌ.
فلمّا كان في قوله: {كمثل آدم خلقه من ترابٍ ثمّ قال له كن} دلالةٌ على أنّ الكلام يراد به إعلام نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وسائر خلقه أنّه كائنٌ ما كونه ابتداءً من غير أصلٍ ولا أوّلٍ ولا عنصرٍ استغنى بدلالة الكلام على المعنى، وقيل: فيكون، فعطف بالمستقبل على الماضي على ذلك المعنى.
وقد قال بعض أهل العربيّة: فيكون رفع على الابتداء ومعناه: كن فكان، فكأنّه قال: فإذا هو كائنٌ). [جامع البيان: 5/459-463]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم خلقه من ترابٍ ثمّ قال له كن فيكون (59)
قوله تعالى: إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم خلقه من ترابٍ ثمّ قال له كن فيكون
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثني عمّي الحسين، حدّثني أبي عن جدّي، عن ابن عبّاسٍ قوله: إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم خلقه من ترابٍ ثمّ قال له كن فيكون وذلك أنّ رهطًا من أهل نجران قدموا على محمّدٍ الطّيّب صلّى اللّه عليه وسلّم وكان فيهم السّيّد والعاقب. فقالوا لمحمّدٍ:
ما شأنك تذكر صاحبنا؟ قال: من هو؟ قالوا عيسى، تزعم أنّه عبد اللّه. فقال محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم: أجل إنّه عبد اللّه. فقالوا له: فهل رأيت مثل عيسى أو أنبئت به؟ ثمّ خرجوا من عنده، فجاءه جبريل بأمر ربّنا السّميع العليم فقال: قل لهم إذا أتوك إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم خلقه من ترابٍ ثمّ قال له كن فيكون. الحقّ من ربّك فلا تكن من الممترين
- حدّثنا محمّد بن إسحاق: إنّ مثل عيسى عند اللّه فاستمع كمثل آدم خلقه من ترابٍ فإن قالوا: خلق عيسى من غير ذكر، فقد خلقت آدم من ترابٍ بتلك القدرة من غير أنثى ولا ذكرٍ، وكان كما كان عيسى لحمًا ودمًا وشعرًا وبشرًا، فليس خلق عيسى من غير ذكر بأعجب من هذا.
قوله تعالى: ثمّ قال له كن فيكون
- حدّثنا أبي، ثنا الحسن بن الرّبيع، ثنا عبد اللّه بن إدريس، ثنا محمّد بن إسحاق ثمّ قال له كن فيكون أي لتعتبروا إذا شبّه عليهم أنّه خلق في بطن أمّه من غير ذكرٍ، قلت له بالقدرة التي خلقت بها عيسى بن مريم كن فكان كذلك، قلت لعيسى: كن فكان.
- حدّثنا أبو بكر بن أبي موسى، ثنا هارون بن حاتمٍ، ثنا عبد الرّحمن ابن أبي حمّادٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ قوله: كن فيكون فهو أمر عيسى والقيامة). [تفسير القرآن العظيم: 2/665-666]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (آية 59 - 63
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس أن رهطا من أهل نجران قدموا على النّبيّ صلى الله عليه وسلم وكان فيهم السيد والعاقب فقالوا له: ما شأنك تذكر صاحبنا قال: من هو قالوا: عيسى تزعم أنه عبد الله قال: أجل إنه عبد الله، قالوا: فهل رأيت مثل عيسى أو أنبئت به، ثم خرجوا من عنده فجاءه جبريل فقال: قل لهم إذا أتوك {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم} إلى آخر الآية.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة قال: ذكر لنا أن سيدي أهل نجران وأسقفيهم السيد والعاقب لقيا نبي الله صلى الله عليه وسلم فسألاه عن عيسى فقالا: كل آدمي له أب فما شأن عيسى لا أب له فأنزل الله فيه هذه الآية {إن مثل عيسى عند الله} الآية.
وأخرج ابن جرير عن السدي قال لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع به أهل نجران أتاه منهم أربعة نفر من خيارهم منهم السيد والعاقب وماسرجس ومار بحر فسألوه ما تقول في عيسى قال: هو عبد الله وروحه وكلمته قالوا هم: لا ولكنه هو الله نزل من ملكه فدخل في جوف مريم ثم خرج منها فأرانا قدرته وأمره فهل رأيت إنسانا قط خلق من غير أب فأنزل الله {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم} الآية
وأخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله {إن مثل عيسى} الآية قال: نزلت في العاقب والسيد من أهل نجران.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن جريج قال بلغنا أن نصارى نجران قدم وفدهم على النّبيّ صلى الله عليه وسلم فيهم السيد والعاقب وهما يومئذ سيدا أهل نجران فقالوا: يا محمد فيم تشتم صاحبنا قال: من صاحبكم قالوا: عيسى بن مريم تزعم أنه عبد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أجل إنه عبد الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، فغضبوا وقالوا: إن كنت صادقا فأرنا عبدا يحيي الموتى ويبرى ء الأكمه ويخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه لكنه الله، فسكت حتى أتاه جبريل فقال: يا محمد (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم) (المائدة الآية 17) الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا جبريل إنهم سألوني أن أخبرهم بمثل عيسى، قال جبريل {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون}
فلما أصبحوا عادوا فقرأ عليهم الآيات.
وأخرج ابن سعد، وعبد بن حميد عن الأزرق بن قيس قال: جاء أسقف نجران والعاقب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض عليهما الإسلام فقالا: قد كنا مسلمين قبلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذبتما منع الإسلام منكما ثلاث: قولكما اتخذ الله ولدا وسجودكما للصليب وأكلكما لحم الخنزير قالا: فمن أبو عيسى فلم يدر ما يقول، فأنزل الله {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم} إلى قوله {بالمفسدين} فلما نزلت هذه الآيات دعاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الملاعنة فقالا: انه إن كان نبيا فلا ينبغي لنا أن نلاعنه فأبيا فقالا: ما تعرض سوى هذا فقال: الإسلام أو الجزية أو الحرب فأقروا بالجزية). [الدر المنثور: 3/601-612]

تفسير قوله تعالى: (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {الحقّ من ربّك فلا تكن من الممترين}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: الّذي أنبأتك به من خبر عيسى، وأنّ مثله كمثل آدم خلقه من ترابٍ ثمّ قال له ربّه: كن، هو الحقّ من ربّك، يقول: هو الخبر الّذي هو من عند ربّك؛ {فلا تكن من الممترين} يعني: فلا تكن من الشّاكّين في أنّ ذلك كذلك.
- كما: حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {الحقّ من ربّك فلا تكن من الممترين} يعني فلا تكن في شكٍّ من عيسى أنّه كمثل آدم عبد اللّه ورسوله، وكلمة اللّه وروحه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قوله: {الحقّ من ربّك فلا تكن من الممترين} يقول: فلا تكن في شكٍّ ممّا قصصنا عليك أنّ عيسى عبد اللّه ورسوله وكلمةٌ منه وروحٌ، وأنّ مثله عند اللّه كمثل آدم خلقه من ترابٍ ثمّ قال له كن فيكون.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمّد بن جعفر بن الزّبير: {الحقّ من ربّك} ما جاءك من الخبر عن عيسى، {فلا تكن من الممترين} أي قد جاءك الحقّ من ربّك فلا تمتر فيه.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {فلا تكن من الممترين} قال: والممترون: الشّاكّون
والمرية والشّكّ والرّيب واحدٌ سواءٌ كهيئة ما تقول: أعطني وناولني وهلمّ، فهذا مختلفٌ في الكلام وهو واحدٌ). [جامع البيان: 5/463-464]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (الحقّ من ربّك فلا تكن من الممترين (60) فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثمّ نبتهل فنجعل لعنة اللّه على الكاذبين (61)
قوله تعالى: الحقّ من ربّك
- حدّثنا أبي، ثنا الحسن بن الرّبيع، ثنا عبد اللّه بن إدريس، ثنا محمّد بن إسحاق قال: ثمّ قال لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم الحقّ من ربّك ما جاءك من الخبر عن عيسى من قصّةٍ بعد ما اقتصصت عليك.
قوله تعالى: فلا تكن من الممترين
- حدّثنا محمّد بن إسماعيل الأحمسيّ، ثنا وكيعٌ، عن مباركٍ يعني ابن فضالة، عن الحسن قال: فأنزل اللّه تعالى على نبيّه: فلا تكن من الممترين قال الحسن: يقول: يا محمّد فلا تكن في شكٍّ ممّا قالا.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة قال: قال محمّد ابن إسحاق: فلا تكن من الممترين أي قد جاءك الحقّ من ربّك فلا تمتر فيه). [تفسير القرآن العظيم: 2/666-668]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة {الحق من ربك فلا تكن من الممترين} يعني فلا تكن في شك من عيسى أنه كمثل آدم عبد الله ورسوله وكلمته). [الدر المنثور: 3/601-612]

تفسير قوله تعالى: (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى فمن حاجك من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم قال بلغني أن النبي خرج ليداعي أهل نجران فلما رأوه هابوا وفرقوا فرجعوا
قال معمر وقال قتادة لما أراد النبي أن يباهل أهل نجران أخذ بيد حسن وحسين وقال لفاطمة اتبعينا فلما رأى ذلك أعداء الله رجعوا). [تفسير عبد الرزاق: 1/122]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر أخبرني عبد الكريم الجزري عن عكرمة قال: قال ابن عباس لو خرج الذين يباهلون النبي لرجعوا لا يجدون أهلا ولا مالا). [تفسير عبد الرزاق: 1/123]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم خلقه من ترابٍ ثمّ قال له كن فيكون (59) الحقّ من ربّك فلا تكن من الممترين (60) فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثمّ نبتهل فنجعل لعنت اللّه على الكاذبين} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا مغيرة، عن الشّعبيّ، قال: لمّا عرض رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم الملاعنة على أهل نجران، قبل ذلك منه السّيّد والعاقب، فرجعا إلى رجلٍ منهم كان نجيبًا، فقال لهما: ما صنعتما شيئًا، واللّه لئن كان نبيًّا، لا يعصيه اللّه فيكم، وإن كان ملكًا ليستبدّنّكم، فقالا له: ما ترى؟ قال: أرى أن تغدوا، فإنّه يغدو لميعادكما، فإذا غدا عليكما، فإنّه سيعرض عليكما الملاعنة، فإذا عرض ذلك عليكما، فقولا له: نعوذ بالله. وغديا، وغدا رسول اللّه - صلّى الله عليه وسلّم - أخذ بيد حسنٍ، وحسينٍ يتبعه، وفاطمة تمشي من خلفه، فقال لهما: ((هل لكما في الأمر الّذي انطلقتما عليه من الملاعنة؟)) فقالا: نعوذ باللّه، قال: فردّد ذلك عليهما، فقالا: نعوذ باللّه - مرّتين، أو ثلاثًا - فقال لهما: (( (هل لكما في الإسلام أن تسلما، ويكون لكما ما للمسلمين وعليكما ما على المسلمين؟)) فلم يقبلا ذلك وكرهاه، فقال لهما: ((هل لكما في الجزية تؤدّيانها وأنتم صاغرون كما قال اللّه عزّ وجلّ؟)) فقبلا ذلك، وقالا: لا طاقة لنا بحرب العرب). [سنن سعيد بن منصور: 3/1044-1045]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا قتيبة، قال: حدّثنا حاتم بن إسماعيل، عن بكير بن مسمارٍ، عن عامر بن سعد بن أبي وقّاصٍ، عن أبيه، قال: لمّا أنزل اللّه هذه الآية: {تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم}، دعا رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم عليًّا وفاطمة وحسنًا وحسينًا، فقال: اللّهمّ هؤلاء أهلي.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ). [سنن الترمذي: 5/75]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {ثمّ نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين}
- أخبرنا عبد الرّحمن بن عبيد الله، عن عبيد الله، عن عبد الكريم الجزريّ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: قال أبو جهلٍ: لئن رأيت محمّدًا يصلّي عند الكعبة أتيته حتّى أطأ على عنقه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو فعل أخذته الملائكة عيانًا، وإنّ اليهود لو تمنّوا الموت لماتوا ورأوا مقاعدهم من النّار، ولو خرج الّذين يباهلون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لرجعوا لا يجدون مالًا ولا أهلًا»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/41]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثمّ نبتهل فنجعل لعنة اللّه على الكاذبين}
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {فمن حاجّك فيه} فمن جادلك يا محمّد في المسيح عيسى ابن مريم
والهاء في قوله: {فيه} عائدةٌ على ذكر عيسى، وجائزٌ أن تكون عائدةً على الحقّ الّذي قال تعالى ذكره: {الحقّ من ربّك}.
ويعني بقوله: {من بعد ما جاءك من العلم} من بعد ما جاءك من العلم الّذي قد بيّنته لك في عيسى أنّه عبد اللّه {فقل تعالوا} هلمّوا فلندع أبناءنا وأبناءكم، ونساءنا ونساءكم، وأنفسنا وأنفسكم، {ثمّ نبتهل} يقول: ثمّ نلتعن.
يقال في الكلام: ما له بهله اللّه، أي لعنه اللّه، وما له عليه بهلة اللّه، يريد اللّعن، وقال لبيدٌ، وذكر قومًا هلكوا، فقال:
نظر الدّهر إليهم فابتهل
يعني دعا عليهم بالهلاك
{فنجعل لعنة اللّه على الكاذبين} منّا ومنكم في آية عيسى.
- كما: حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم} أي في عيسى أنّه عبد اللّه ورسوله من كلمة اللّه وروحه، {فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم} إلى قوله: {على الكاذبين}.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمّد بن جعفر بن الزّبير: {فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم} أي من بعد ما قصصت عليك من خبره، وكيف كان أمره {فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم} الآية.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قوله: {فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم} يقول: من حاجّك في عيسى من بعد ما جاءك فيه من العلم.
- حدّثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: {ثمّ نبتهل فنجعل لعنة اللّه على الكاذبين} قال: منّا ومنكم.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: وثني ابن لهيعة، عن سليمان بن زيادٍ الحضرميّ، عن عبد اللّه بن الحارث بن جزءٍ الزّبيديّ، أنّه سمع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: ليت بيني وبين أهل نجران حجابًا فلا أراهم ولا يروني من شدّة ما كانوا يمارون النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم). [جامع البيان: 5/465-466]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: فمن حاجّك
- أخبرنا موسى بن هارون الطّوسيّ فيما كتب إليّ، ثنا الحسين بن محمّدٍ المروزيّ، ثنا شيبان، عن قتادة قوله: فمن حاجّك فيه يقول: من حاجّك في عيسى. قال أبو محمّدٍ: وروي عن الرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك.
قوله تعالى: من بعد ما جاءك من العلم
- حدّثنا أبي، ثنا الحسين بن الرّبيع، ثنا عبد اللّه بن إدريس، ثنا محمّد بن إسحاق فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فيما اقتصصت عليك من الخبر.
قوله تعالى: فقل تعالوا
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الربيع فقل تعالوا فقال لهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: هلمّ أداعيكم فأتيا كان الكاذب أصابته اللّعنة والعقوبة من اللّه عاجلا. قالوا: نعم
قوله: ندع أبناءنا وأبناءكم
- حدّثنا يونس بن حبيبٍ، ثنا أبو داود، ثنا شعبة، عن مغيرة عن الشّعبيّ قال: لمّا نزلت فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم أخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الحسن والحسين ثمّ انطلق. قال أبو محمّدٍ: وروي عن أبي جعفرٍ محمّد بن عليٍّ نحو ذلك.
قوله تعالى: ونساءنا ونساءكم
- حدّثنا الأحمسيّ، ثنا وكيعٌ، عن مباركٍ، عن الحسن في قوله: تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم قرأها النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عليهما ودعاهما إلى المباهلة وأخذ بيد فاطمة والحسن والحسين وقال أحدهما لصاحبه: اصعد الجبل ولا تباهله فإنّك إن باهلته بؤت باللّعن قال: فما ترى؟
قال: أرى أن تعطيه الخراج ولا نباهله. قال أبو محمّدٍ: وروي عن أبي جعفرٍ بن عليٍّ نحو ذلك.
قوله تعالى: وأنفسنا وأنفسكم
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ، ثنا أحمد بن المفضّل، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم فأخذ بيد الحسن والحسين وفاطمة وقال لعليٍّ: اتبعنا، فخرج معهم ولم يخرج يومئذٍ النّصارى قالوا: إنّا نخاف أن يكون هذا هو النّبيّ وليس دعوة الأنبياء كغيرهم فتخلّفوا، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: لو خرجوا إلا احترقوا، فصالحوه على صلحٍ على أنّ له عليهم ثمانين ألفا.
- حدّثنا أبي، ثنا أيّوب بن عروة الكوفيّ يعني: نزيل الرّيّ، ثنا المطّلب بن زيادٍ عن جابرٍ، عن أبي جعفرٍ: وأنفسنا وأنفسكم قال: النّبيّ وعليٌّ
قوله تعالى: ثمّ نبتهل فنجعل لعنت اللّه على الكاذبين
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق ، أنبأ معمرٌ، عن عبد الكريم الجزريّ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: لو خرج الّذين يباهلون النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لرجعوا لا يجدون أهلا ولا مالا.
- حدّثنا الحسين بن الحسن، ثنا إبراهيم بن عبد اللّه الهرويّ، أنبأ حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ قال: قال لي ابن كثيرٍ: أمّا الّذين دعوا إلى الابتهال فالنّصارى.
- حدّثنا أبي، ثنا أزهر بن حاتمٍ، ومحمود بن غيلان والسّياق لأزهر، ثنا الفضل بن موسى، عن الأعمش، عن أنس بن مالكٍ قال: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بعرفاتٍ وهو يدعو، ورفع يديه فانفلت زمام النّاقة من يده، فتناوله فرفع يده، فقال أصحاب محمّدٍ: هذا الابتهال وهذا التّضرّع.
- أخبرنا عليّ بن المبارك فيما كتب إليّ، ثنا زيد بن المبارك، ثنا ابن ثورٍ، عن ابن جريجٍ قال: قال ابن عبّاسٍ ثمّ نبتهل نجتهد). [تفسير القرآن العظيم: 2/666-668]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن الشعبي قال: قدم وفد نجران على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: حدثنا عن عيسى بن مريم قال: رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم، قالوا: ينبغي لعيسى أن يكون فوق هذا، فأنزل الله {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم} الآية، قالوا: ما ينبغي لعيسى أن يكون مثل آدم، فأنزل الله {فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم} الآية.
وأخرج ابن جرير عن عبد الله بن الحرث بن جزء الزبيدي أنه سمع النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: ليت بيني وبين أهل نجران حجابا فلا أراهم ولا يروني من شدة ما كانوا يمارون النّبيّ صلى الله عليه وسلم
وأخرج البيهقي في الدلائل من طريق سلمة بن عبد يشوع عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل نجران قبل أن ينزل عليه (طس) سليمان: بسم الله إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب من محمد رسول الله إلى أسقف نجران وأهل نجران، إن أسلمتم فإني أحمد إليكم الله إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب، أما بعد فإني أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد وأدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد فإن أبيتم فالجزية وإن أبيتم آذنتكم بالحرب والسلام، فلما قرأ الأسقف الكتاب فظع به
وذعر ذعرا شديدا فبعث إلى رجل من أهل نجران يقال له شرحبيل بن وداعة فدفع إليه كتاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقرأه فقال له الأسقف: ما رأيك، فقال شرحبيل: قد علمت ما وعد الله إبراهيم في ذرية إسماعيل من النبوة فما يؤمن أن يكون هذا الرجل ليس لي في النبوة رأي لو كان رأي من أمر الدنيا أشرت عليك فيه وجهدت لك، فبعث الأسقف إلى واحد بعد واحد من أهل نجران فكلهم قال مثل قول شرحبيل فاجتمع رأيهم على أن يبعثوا شرحبيل بن وداعة وعبد الله بن شرحبيل وجبار بن فيض فيأتونهم بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق الوفد حتى أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألهم وسألوه فلم تزل به وبهم المسألة حتى قالوا له: ما تقول في عيسى بن مريم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما عندي فيه شيء يومي هذا فأقيموا حتى أخبركم بما يقال لي في عيسى صبح الغد، فأنزل الله هذه الآية {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب} إلى قوله {فنجعل لعنة الله على الكاذبين} فأبوا أن يقروا بذلك، فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم الغد بعدما أخبرهم الخبر أقبل مشتملا على الحسن والحسين في خميلة له وفاطمة تمشي خلف ظهره للملاعنة وله يومئذ عدة نسوة فقال شرحبيل لصاحبه: إني أرى أمرا مقبلا إن كان هذا الرجل نبيا مرسلا فلاعناه لا يبقى على وجه الأرض منا شعر ولا ظفر إلا هلك فقالا له: ما رأيك فقال: رأيي أن أحكمه فإني أرى رجلا لا يحكم شططا ابدا، فقالا له: أنت وذاك، فتلقى شرحبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني قد رأيت خيرا من ملاعنتك قال: وما هو قال: حكمك اليوم إلى الليل وليلتك إلى الصباح فمهما حكمت فينا فهو جائز، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يلاعنهم وصالحهم على الجزية.
وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبو نعيم في الدلائل عن حذيفة أن العاقب والسيد أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأراد أن يلاعنهما فقال أحدهما لصاحبه: لا تلاعنه فوالله لئن كان نبيا فلاعننا لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعده فقالوا له: نعطيك ما سألت فابعث معنا رجلا أمينا فقال: قم يا أبا عبيدة، فلما وقف قال: هذا أمين هذه الأمة.
وأخرج الحاكم وصححه، وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل، عن جابر قال قدم على النّبيّ صلى الله عليه وسلم العاقب والسيد فدعاهما إلى الإسلام فقالا: أسلمنا يا محمد
قال: كذبتما إن شئتما أخبرتكما بما يمنعكما من الإسلام، قالا: فهات، قال: حب الصليب وشرب الخمر وأكل لحم الخنزير، قال جابر: فدعاهما إلى الملاعنة فواعداه إلى الغد فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين ثم أرسل اليهما فأبيا أن يجيباه وأقرا له فقال: والذي بعثني بالحق لو فعلا لأمطر الوادي عليهما نارا، قال جابر: فيهم نزلت {تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم} الآية، قال جابر: أنفسنا وأنفسكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي وأبناءنا الحسن والحسين ونساءنا فاطمة
وأخرج الحاكم وصححه، عن جابر أن وفد نجران أتوا النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا: ما تقول في عيسى فقال: هو روح الله وكلمته وعبد الله ورسوله قالوا له: هل لك أن نلاعنك أنه ليس كذلك قال: وذاك أحب إليكم قالوا: نعم، قال: فإذا شئتم، فجاء وجمع ولده الحسن والحسين فقال رئيسهم: لا تلاعنوا هذا الرجل فوالله لئن لاعنتموه ليخسفن بأحد الفريقين فجاؤوا فقالوا: يا أبا القاسم إنما أراد أن يلاعنك سفهاؤنا وإنا نحب أن تعفينا، قال: قد أعفيتكم ثم قال: إن العذاب قد أظل نجران.
وأخرج أبو النعيم في الدلائل من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أن وفد نجران من النصارى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم، منهم السيد وهو الكبير والعاقب وهو الذي يكون بعده وصاحب رأيهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهما: أسلما قالا: أسلمنا، قال: ما أسلمتما، قالا: بلى، قد أسلمنا قبلك، قال: كذبتما يمنعكم من الإسلام ثلاث فيكما: عبادتكما الصليب وأكلكما الخنزير وزعمكما أن لله ولدا، ونزل {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب} الآية، فلما قرأها عليهم قالوا: ما نعرف ما تقول، ونزل {فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم} يقول: من جادلك في أمر عيسى من بعد ما جاءك من العلم من القرآن {فقل تعالوا} إلى قوله {ثم نبتهل} يقول: نجتهد في الدعاء أن الذي جاء به محمد هو الحق وأن الذي يقولون هو الباطل فقال لهم: إن الله قد أمرني إن لم تقبلواهذا أن أباهلكم فقالوا: يا أبا القاسم بل نرجع فننظر في أمرنا ثم نأتيك، فخلا بعضهم ببعض وتصادقوا فيما بينهم قال السيد للعاقب: قد والله علمتم أن الرجل نبي مرسل ولئن لاعنتموه إنه ليستأصلكم وما لاعن قوم
قط نبيا فبقي كبيرهم ولا نبت صغيرهم، فإن أنتم لم تتبعوه وأبيتم إلا إلف دينكم فوادعوه وارجعوا إلى بلادكم، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ومعه علي والحسن والحسين وفاطمة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أنا دعوت فأمنوا أنتم فأبوا أن يلاعنوه وصالحوه على الجزية.
وأخرج أبو نعيم في الدلائل من طريق عطاء والضحاك عن ابن عباس أن ثمانية من أساقف العرب من أهل نجران قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم العاقب والسيد فأنزل الله {فقل تعالوا ندع أبناءنا} إلى قوله {ثم نبتهل} يريد ندع الله باللعنة على الكاذب، فقالوا: أخرنا ثلاثة أيام فذهبوا إلى بني قريظة والنضير وبني قينقاع فاستشاروهم، فأشاروا عليهم أن يصالحوه ولا يلاعنوه وهو النّبيّ الذي نجده في التوراة، فصالحوا النّبيّ صلى الله عليه وسلم على ألف حلة في صفر وألف في رجب ودراهم). [الدر المنثور: 3/601-612]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير وأبو نعيم في الدلائل عن قتادة {فمن حاجك فيه} في عيسى {فقل تعالوا ندع أبناءنا} الآية فدعا النّبيّ صلى الله عليه وسلم لذلك وفد نجران وهم الذين حاجوه في عيسى فنكصوا وأبوا، وذكر لنا أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: إن كان العذاب لقد نزل على أهل نجران ولو فعلوا لاستئصلوا عن وجه الأرض.
وأخرج ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير وأبو نعيم عن الشعبي قال كان أهل نجران أعظم قوم من النصارى قولا في عيسى بن مريم فكانوا يجادلون النّبيّ صلى الله عليه وسلم فيه، فأنزل الله هذه الآيات في سورة آل عمران {إن مثل عيسى عند الله} إلى قوله {فنجعل لعنة الله على الكاذبين} فأمر بملاعنتهم فواعدوه لغد فغدا النّبيّ صلى الله عليه وسلم ومعه الحسن والحسين وفاطمة فأبوا أن يلاعنوه وصالحوه على الجزية فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: لقد أتاني البشير بهلكة أهل نجران حتى الطير على الشجر لو تموا على الملاعنة.
وأخرج عبد الرزاق والبخاري والترمذي والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس قال لو باهل أهل نجران رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجعوا لا يجدون أهلا ولا مالا.
وأخرج مسلم والترمذي، وابن المنذر والحاكم والبيهقي في "سننه" عن سعد بن أبي وقاص قال: لما نزلت هذه الآية {فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم} دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال: اللهم هؤلاء أهلي.
وأخرج ابن جرير عن علباء بن أحمر اليشكري قال لما نزلت هذه الآية {فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم} الآية، أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي وفاطمة وابنيهما الحسن والحسين ودعا اليهود ليلاعنهم فقال شاب من اليهود: ويحكم أليس عهدكم بالأمس إخوانكم الذين مسخوا قردة وخنازير لا تلاعنوا، فانتهوا.
وأخرج ابن عساكر عن جعفر بن محمد عن أبيه في هذه الآية {تعالوا ندع أبناءنا} الآية، قال: فجاء بأبي بكر وولده وبعمر وولده وبعثمان وولده وبعلي وولده.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن ابن عباس !
{ثم نبتهل} نجتهد.
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هذا الإخلاص يشير بأصبعه التي تلي الإبهام وهذا الدعاء فرفع يديه حذو منكبيه وهذا الابتهال فرفع يديه مدا). [الدر المنثور: 3/601-612]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن قيس بن سعد قال: كان بين ابن عباس وبين آخر شيء فقرأ هذه الآية {تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل} فرفع يديه واستقبل الركن {فنجعل لعنة الله على الكاذبين} ). [الدر المنثور: 3/601-612]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ هذا لهو القصص الحقّ وما من إله إلاّ اللّه وإنّ اللّه لهو العزيز الحكيم (62) فإن تولّوا فإنّ اللّه عليمٌ بالمفسدين}.
يعني بذلك جلّ ثناؤه: إنّ هذا الّذي أنبأتك به يا محمّد من أمر عيسى، فقصصته عليك من أنبائه وأنّه عبدي ورسولي، وكلمتي ألقيتها إلى مريم، وروحٌ منّي، {لهو القصص} والنّبأ {الحقّ} فاعلم ذلك، واعلم أنّه ليس للخلق معبودٌ يستوجب عليهم العبادة بملكه إيّاهم إلاّ معبودك الّذي تعبده، وهو اللّه العزيز الحكيم.
ويعني بقوله {العزيز} العزيز في انتقامه ممّن عصاه، وخالف أمره، وادّعى معه إلهًا غيره، أو عبد ربًّا سواه، {الحكيم} في تدبيره، لا يدخل ما دبّره وهنٌ ولا يلحقه خللٌ.
{فإن تولّوا} يعنى فإن أدبر هولاء الذين حاجوك في عيسى عما جاءك من الحق من عند ربك في عيسى وغيره من سائر ما اتاك الله من الهدى والبيان فأعرضوا عنه ولم يقبلوه {فإنّ اللّه عليمٌ بالمفسدين} يقول فإن الله ذو علم باالذين يعصون ربهم ويعملون في أرضه وبلاده بما نهاهم عنه وذلك هو إفسدهم يقول تعالى ذكره فهو عالم بهم وبأعمالهم يحصيها عليهم ويحفظها حتى يجازيهم عليها جزاءهم.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمّد بن جعفر بن الزّبير: {إنّ هذا لهو القصص الحقّ} أي إنّ هذا الّذي جئت به من الخبر عن عيسى، لهو القصص الحقّ من أمره.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {إنّ هذا لهو القصص} إنّ هذا الّذي قلنا في عيسى لهو القصص الحقّ.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {إنّ هذا لهو القصص الحقّ} قال: إنّ هذا القصص الحقّ في عيسى، ما ينبغي لعيسى أن يتعدّى هذا، ولا يجاوز أن يتعدّى أن يكون كلمة اللّه ألقاها إلى مريم وروحًا منه وعبد اللّه ورسوله.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {إنّ هذا لهو القصص الحقّ} إنّ هذا الّذي قلنا في عيسى هو الحقّ {وما من إله إلاّ اللّه} الآية
فلمّا فصل جلّ ثناؤه بين نبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وبين الوفد من نصارى نجران بالقضاء الفاصل والحكم العادل وأمره إن هم تولّوا عمّا دعاهم إليه من الإقرار بوحدانيّة اللّه، وأنّه لا ولد له ولا صاحبةً، وأنّ عيسى عبده ورسوله وأبوا إلاّ الجدل والخصومة أن يدعوهم إلى الملاعنة، ففعل ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فلمّا فعل ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم انخزلوا، فامتنعوا من الملاعنة ودعوا إلى المصالحة.
- كالّذي: حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن عامرٍ، قال: فأمر يعني النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بملاعنتهم يعني بملاعنة أهل نجران بقوله: {فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم} الآية، فتواعدوا أن يلاعنوه، وواعدوه الغد، فانطلقوا إلى السّيّد والعاقب وكانا أعقلهم فتابعاهم، فانطلقوا إلى رجلٍ منهم عاقلٍ، فذكروا له ما فارقوا عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: ما صنعتم؟ وندّمهم، وقال لهم: إن كان نبيًّا ثمّ دعا عليكم لا يغضبه اللّه فيكم أبدًا، ولئن كان ملكًا فظهر عليكم لا يستبقيكم أبدًا، قالوا: فكيف لنا وقد واعدنا؟ فقال لهم: إذا غدوتم إليه فعرض عليكم الّذي فارقتموه عليه، فقولوا: نعوذ باللّه فإن دعاكم أيضًا، فقولوا: نعوذ باللّه ولعلّه أن يعفيكم من ذلك، فلمّا غدوا غدا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم محتضنًا حسنًا آخذًا بيد الحسين وفاطمة تمشي خلفه، فدعاهم إلى الّذي فارقوه عليه بالأمس، فقالوا: نعوذ باللّه ثمّ دعاهم، فقالوا: نعوذ باللّه مرارًا، قال: فإن أبيتم فأسلموا ولكم ما للمسلمين وعليكم ما على المسلمين، كما قال اللّه عزّ وجلّ؛ فإن أبيتم فأعطوا الجزية عن يدٍ وأنتم صاغرون، كما قال اللّه عزّ وجلّ، قالوا: ما نملك إلاّ أنفسنا، قال: فإن أبيتم فإنّي أنبذ إليكم على سواءٍ، كما قال اللّه عزّ وجلّ، قالوا: ما لنا طاقةٌ بحرب العرب، ولكن نؤدّي الجزية، قال: فجعل عليهم في كلّ سنةٍ ألفي حلّةٍ، ألفًا في رجبٍ وألفًا في صفرٍ. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: قد أتاني البشير بهلكة أهل نجران حتّى الطّير على الشّجر أو العصافير على الشّجر، لو تمّوا على الملاعنة
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، قال: فقلت للمغيرة: إنّ النّاس يرون في حديث أهل نجران أنّ عليًّا كان معهم، فقال: أمّا الشّعبيّ فلم يذكره، فلا أدري لسوء رأي بني أميّة في عليٍّ، أو لم يكن في الحديث؟.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمّد بن جعفر بن الزّبير: {إنّ هذا لهو القصص الحقّ} إلى قوله: {فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون} فدعاهم إلى النّصف وقطع عنهم الحجّة، فلمّا أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الخبر من اللّه عنه، والفصل من القضاء بينه وبينهم، وأمره بما أمره به من ملاعنتهم، إن ردّوا عليه؛ دعاهم إلى ذلك، فقالوا: يا أبا القاسم دعنا ننظر في أمرنا، ثمّ نأتيك بما نريد أن نفعل فيما دعوتنا إليه. فانصرفوا عنه، ثمّ خلوا بالعاقب، وكان ذا رأيهم، فقالوا: يا عبد المسيح ما ترى؟ قال: واللّه يا معشر النّصارى، لقد عرفتم أنّ محمّدًا نبيّ مرسلٌ، ولقد جاءكم بالفصل من خبر صاحبكم، ولقد علمتم ما لاعن قومٌ نبيًّا قطّ فبقي كبيرهم ولا نبت صغيرهم، وإنّه للاستئصال منكم إن فعلتم، فإن كنتم قد أبيتم إلاّ إلف دينكم، والإقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم، فوادعوا الرّجل ثمّ انصرفوا إلى بلادكم حتّى يريكم زمنٌ رأيه، فأتوا رسول اللّه، فقالوا: يا أبا القاسم، قد رأينا أن لا نلاعنك، وأن نتركك على دينك، ونرجع على ديننا ولكن ابعث معنا رجلاً من أصحابك ترضاه لنا يحكم بيننا في أشياء قد اختلفنا فيها من أموالنا، فإنّكم عندنا رضًى.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا عيسى بن فرقدٍ، عن أبي الجارود، عن زيد بن عليٍّ، في قوله: {تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم} الآية، قال: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وعليٌّ فاطمة والحسن والحسين.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم} الآية، فأخذ يعني النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بيد الحسن والحسين وفاطمة، وقال لعليٍّ: اتبعنا فخرج معهم، فلم يخرج يومئذٍ النّصارى، وقالوا: إنّا نخاف أن يكون هذا هو النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وليس دعوة النّبيّ كغيرها فتخلّفوا عنه يومئذٍ، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: لو خرجوا لاحترقوا. فصالحوه على صلحٍ على أنّ له عليهم ثمانين ألفًا فما عجزت الدّراهم ففي العروض الحلّة بأربعين، وعلى أنّ له عليهم ثلاثًا وثلاثين درعًا، وثلاثًا وثلاثين بعيرًا، وأربعةً وثلاثين فرسًا غازيةً كلّ سنةٍ، وأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ضامنٌ لها حتّى نؤدّيها إليهم.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: ذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم دعا وفدًا من وفد نجران من النّصارى، وهم الّذين حاجّوه في عيسى، فنكصوا عن ذلك وخافوا. وذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول: والّذي نفس محمّدٍ بيده، إن كان العذاب لقد تدلّى على أهل نجران، ولو فعلوا لاستؤصلوا عن جديد الأرض.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم} قال: بلغنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خرج ليدعى أهل نجران، فلمّا رأوه خرج، هابوا وفرقوا، فرجعوا، قال معمرٌ، قال قتادة: لمّا أراد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أهل نجران أخذ بيد حسنٍ وحسينٍ وقال لفاطمة: اتبعينا، فلمّا رأى ذلك أعداء اللّه رجعوا.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن عبد الكريم الجزريّ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: لو خرج الّذين يباهلون النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لرجعوا لا يجدون أهلاً ولا مالاً
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا زكريّا بن عديٍّ قال: حدّثنا عبيد اللّه بن عمرٍو، عن عبد الكريم، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ مثله.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: والّذي نفسي بيده لو لاعنوني ما حال الحول وبحضرتهم منهم أحدٌ إلاّ أهلك اللّه الكاذبين.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: حدّثنا ابن زيدٍ، قال: قيل لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: لو لاعنت القوم بمن كنت تأتي حين قلت {أبناءنا وأبناءكم}؟ قال: حسنٍ وحسينٍ.
- حدّثني محمّد بن سنانٍ، قال: حدّثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، قال: حدّثنا المنذر بن ثعلبة، قال: حدّثنا علباء بن أحمر اليشكريّ، قال: لمّا نزلت هذه الآية: {فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم} الآية قال، أرسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى عليٍّ وفاطمة وابنيهما الحسن والحسين، ودعا اليهود ليلاعنهم فقال شابٌّ من اليهود: ويحكم أليس عهدكم بالأمس إخوانكم الّذين مسخوا قردةً وخنازير؟ لا تلاعنوا، فانتهوا). [جامع البيان: 5/467-473]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إنّ هذا لهو القصص الحقّ وما من إلهٍ إلّا اللّه وإنّ اللّه لهو العزيز الحكيم (62)
قوله تعالى: إنّ هذا لهو القصص الحقّ
- أخبرني محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثني عمّي الحسين، حدّثني أبي، عن جدّي، عن ابن عبّاسٍ قوله: إنّ هذا لهو القصص الحقّ يقول: إنّ هذا الّذي قلنا في عيسى هو الحقّ، وما من إلهٍ إلا اللّه وإنّ اللّه لهو العزيز الحكيم
قوله تعالى: وما من إلهٍ إلّا اللّه
الآية قد تقدم تفسيره). [تفسير القرآن العظيم: 2/668]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس {إن هذا لهو القصص الحق} يقول: إن هذا الذي قلنا في عيسى هو الحق). [الدر المنثور: 3/601-612]

تفسير قوله تعالى: (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (63) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ هذا لهو القصص الحقّ وما من إله إلاّ اللّه وإنّ اللّه لهو العزيز الحكيم (62) فإن تولّوا فإنّ اللّه عليمٌ بالمفسدين}.
...
{فإن تولّوا} يعنى فإن أدبر هولاء الذين حاجوك في عيسى عما جاءك من الحق من عند ربك في عيسى وغيره من سائر ما اتاك الله من الهدى والبيان فأعرضوا عنه ولم يقبلوه {فإنّ اللّه عليمٌ بالمفسدين} يقول فإن الله ذو علم باالذين يعصون ربهم ويعملون في أرضه وبلاده بما نهاهم عنه وذلك هو إفسدهم يقول تعالى ذكره فهو عالم بهم وبأعمالهم يحصيها عليهم ويحفظها حتى يجازيهم عليها جزاءهم). [جامع البيان: 5/467-473] (م)
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (فإن تولّوا فإنّ اللّه عليمٌ بالمفسدين (63) قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم ألّا نعبد إلّا اللّه ولا نشرك به شيئًا ولا يتّخذ بعضنا بعضًا أربابًا من دون اللّه فإن تولّوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون (64)
قوله تعالى: فإن تولّوا فإنّ اللّه عليمٌ بالمفسدين
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة قال: قال محمّد ابن إسحاق فإن تولّوا على كفرهم). [تفسير القرآن العظيم: 2/669-670]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 6 جمادى الآخرة 1434هـ/16-04-2013م, 02:20 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم...}, هذا لقول النصارى إنه ابنه، إذ لم يكن أب، فأنزل الله تبارك وتعالى علوّاً كبيراً, {إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم}, لا أب له, ولا أم، فهو أعجب أمراً من عيسى، ثم قال: {خلقه} لا أن قوله "خلقه" صلة لآدم؛ إنما تكون الصلات للنكرات؛ كقولك: رجل خلقه من تراب، , وإنما فسّر أمر آدم حين ضرب به المثل, فقال: {خلقه}, على الانقطاع والتفسير، ومثله قوله: {مثل الذين حمّلوا التّوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار} , ثم قال: {يحمل أسفاراً}, والأسفار: كتب العلم يحملها, ولا يدري ما فيها, وإن شئت جعلت "يحمل", صلة للحمار، كأنك قلت: كمثل حمار يحمل أسفارا؛ لأن ما فيه الألف واللام قد يوصل فيقال: لا أمرّ إلا بالرجل يقول ذلك، كقولك بالذي يقول ذلك. ولا يجوز في زيد, ولا عمرو أن يوصل كما يوصل الحرف فيه الألف واللام). [معاني القرآن: 1/219]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({فيكون (59) الحقّ من ربك}: انقضى الكلام الأول، واستأنف فقال: {الحقّ من ربّك}). [مجاز القرآن: 1/95] (م)
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم خلقه من ترابٍ ثمّ قال له كن فيكون}, وقال تعالى: {ثمّ قال له كن فيكون} رفع على الابتداء , ومعناه: "كن فكان", كأنّه قال: "فإذا هو كائنٌ"). [معاني القرآن: 1/172]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ:{إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم خلقه من تراب ثمّ قال له كن فيكون}, {آدم} , قد بيّنّا أنه لا ينصرف, وأن اسمه مأخوذ من أديم الأرض, وهو وجهها, ولذا يقال لذي اللون الذي يشبه لون الأرض آدم.
و{خلقه من تراب} ليست بمتصلة بآدم، إنما هو مبين قصة آدم ,ولا يجوز في الكلام أن تقول: مررت بزيد قام؛ لأن زيداً معرفة, لا يتصل به قام, ولا يوصل به, ولا يكون حالاً؛ لأن الماضي لا يكون حالاً أتت فيها، ولكنك تقول: مثلك مثل زيد، تريد أنك تشبهه في فعله,ثم تخبر بقصة زيد , فتقول: فعل كذا وكذا.
وإنما قيل: إن مثله كمثل آدم؛ لأن اللّه أنشأ آدم من غير أب، خلقه من تراب، فكما خلق آدم من غير أب, كذلك خلق عيسى عليه السلام.
ويروى في التفسير أن: قوماً من نصارى نجران, صاروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فقالوا له: إنك سببت صاحبنا، قال: ((ومن صاحبكم؟))، قالوا: عيسى، قال: ((وما قلت فيه؟))، قالوا: قلت إنه عبد، فقال -صلى الله عليه وسلم : ((ما ذلك بعار على أخي, ولا نقيصة، هو عبد , وأنا عبد)): قالوا: فأرنا مثله, فأنزل اللّه تبارك وتعالى: {إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم} إلى آخر الآية). [معاني القرآن: 1/422]

تفسير قوله تعالى: {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {الحقّ من رّبّك...}, رفعته بإضمار (هو), ومثله في البقرة: {الحقّ من ربّك}, أي: هو الحق، أو ذلك الحق, فلا تمتر). [معاني القرآن: 1/220]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فيكون (59) الحقّ من ربك}, انقضى الكلام الأول، واستأنف فقال: {الحقّ من ربّك}, {فلا تكن من الممترين} , أي: الشّاكّين). [مجاز القرآن: 1/95]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({الحقّ من رّبّك فلا تكن مّن الممترين}, قال: {الحقّ من رّبّك فلا تكوننّ من الممترين}, يقول: "هو الحقّ من ربّك"). [معاني القرآن: 1/172]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {الحقّ من ربّك فلا تكن من الممترين}
{الحقّ من ربّك}, مرفوع على أنه، خبر ابتداء محذوف.
المعنى: الذي أنبأناك به في قصة عيسى عليه السلام: هو الحق من ربك.
{فلا تكن من الممترين} أي: من الشكاكين، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم : خطاب للخلق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشكك في قصة عيسى، ومعنى {من ربّك}, أي: أتاك من عند ربك). [معاني القرآن: 1/422-423]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {الحق من ربك فلا تكن من الممترين}, الممترون, الشاكون .
فإن قيل: كيف خوطب النبي صلى الله عليه وسلم بهذا؟, فعلى هذا جوابان:
أحدهما: أن المعنى: يا محمد قل للشاك هذا الحق من ربك {فلا تكن من الممترين}.
والقول الآخر: أن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم خطاب لجميع الناس, فالمعنى على هذا: فلا تكونوا من الممترين, ويقوي هذا قوله عز وجل: {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء}). [معاني القرآن: 1/413-414]

تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ثمّ نبتهل},أي: نلتعن؛ يقال: ماله بهله الله، ويقال: عليه بهلة الله؛ والناقة باهلٌ, وباهلة، إذا كانت بغير صرارٍ، والرجل باهل، إذا لم يكن معه عصاً؛ ويقال: أبهلت ناقتى، تركتها بغير صرارٍ). [مجاز القرآن: 1/96]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({ثم نبتهل}: نلتعن تقول العرب ماله بهله الله أي لعنه الله). [غريب القرآن وتفسيره: 106]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وأنفسنا وأنفسكم} ,أي: إخواننا, وإخوانكم.
{ثمّ نبتهل} , أي: نتداعى باللّعن, يقال عليه: بهلة اللّه وبهلته، أي: لعنته). [تفسير غريب القرآن: 106]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ( (تعال): تفاعل من علوت، قال الله تعالى: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ}.
ويقال للاثنين من الرجال والنساء: تعاليا، وللنساء: تعالين.
قال الفراء: أصلها عال إلينا، وهو من العلوّ.
ثم إن العرب لكثرة استعمالهم إيّاها صارت عندهم بمنزلة هلمّ، حتى استجازوا أن يقولوا للرجل وهو فوق شرف: تعال، أي اهبط، وإنما أصلها: الصعود.
ولا يجوز أن ينهى بها، ولكن إذا قال: تعال، قلت: قد تعاليت وإلى شيء أتعالى؟). [تأويل مشكل القرآن: 556]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثمّ نبتهل فنجعل لعنت اللّه على الكاذبين}
{فمن حاجّك فيه}, أي: في عيسى.
{من بعد ما جاءك من العلم}, قيل له: هذا بعد أن أوحيت إليه البراهين, والحجج القاطعة في تثبيت أمر عيسى: إنّه عبد، فأمر بالمباهلة بعد إقامة الحجة؛ لأن الحجة قد بلغت النهاية في البيان, فأمر اللّه أن يجتمع هو, والنساء, والأبناء من المؤمنين، وأن يدعوهم إلى أن يتجمعوا هم, وآباؤهم, ونساؤهم، ثم يبتهلون, ومعنى الابتهال في اللغة: المبالغة في الدعاء، , وأصله: الالتعان ويقال: بهله الله, أي: لعنه اللّه، ومعنى لعنة الله: باعده اللّه من رحمته، يقال: ناقة باهل, وباهلة إذا لم يكن عليها صرار، وقد أبهل الرجل ناقته إذا تركها بغير صرار, ورجل باهل إذا لم يكن معه عصا, فتأويل البهل في اللغة: المباعدة والمفارقة للشيء, فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المباهلة؛ لأمرين كلاهما فيه بيان أن علماءهم قد وقفوا على أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم حق؛ لأنهم إذا أبوا أن يلاعنوا, دل إباؤهم على أنهم قد علموا أنهم إن باهلوه, نزل بهم مكروه، وأنهم إذا تركوا المبالهة؛ دل ذلك ضعفهم, ومن لا علم عنده أن فرارهم من المباهلة دليل على أنهم كاذبون، وأن النبي صلى الله عليه وسلم صادق، وقيل: إن بعضهم قال لبعض: إن باهلتموه اضطرم الوادي عليكم ناراً ولم يبق نصراني, ولا نصرانية إلى يوم القيامة.
ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: ((لو باهلوني لاضطرم الوادي عليهم ناراً, وما بقي نصراني ولا نصرانية إلى يوم القيامة)), وهذا مكان ينبغي أن ينعم النظر فيه، ويعلم المؤمنون بيان ما هو عليه, وما عليه من الضلال من خالفهم؛ لأنهم لم يرو أحد أنهم باهلوا النبي صلى الله عليه وسلم, ولا أجابوا إلى ذلك). [معاني القرآن: 1/423-424]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين}
قيل: يعني بالأنفس ههنا: أهل دينهم, كما قال تعالى: {فسلموا على أنفسكم} .
وقال تعالى: {فاقتلوا أنفسكم} , وأصل الابتهال في اللغة: الاجتهاد, ومنه قول لبيد:
في كهول سادة من قومه = نظر الدهر إليهم فابتهل
أي: اجتهد في هلاكهم, فمعنى الآية : ثم نجتهد في الدعاء باللعنة.
وروي: أن قوماً من النصارى من أهل نجران أتوا النبي صلى الله عليه وسلم, فدعاهم إلى الإسلام, فقالوا: قد كنا مسلمين مثلك، فقال: ((كذبتم, يمنعكم من الإسلام ثلاث: قولكم اتخذ ولداً, وأكلكم لحم الخنزير, وسجودكم للصليب))، فقالوا:من أبو عيسى, فأنزل الله عز وجل: {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب} إلى قوله تعالى: {فنجعل لعنة الله على الكاذبين} , فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الالتعان, فقال بعضهم لبعض: إن فعلتم اضطرم الوادي عليكم ناراً، فقالوا: أما تعرض علينا سوى هذا؟، فقال: ((الإسلام, أو الجزية, أو الحرب)), فأقروا بالجزية
وروى عكرمة, عن ابن عباس أنه قال: لو خرجوا للابتهال؛ لرجعوا لا يرون أهلاً, ولا ولداً). [معاني القرآن: 1/414-416]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (و{نبتهل} أي: ندعو ونلتعن، والبهلة والبهلة جميعاً: اللعنة). [ياقوتة الصراط: 189]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({وأنفسنا وأنفسكم} ,أي: إخواننا, وإخوانكم, {ثم نبتهل} ,أي: نتداعى باللعن, يقال: عليه بهلة الله, وبهلته, أي: لعنته). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 50]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({نَبْتَهِلْ}: نلتعن). [العمدة في غريب القرآن: 100]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({إنّ هذا لهو القصص الحق}, أي: الخبر اليقين). [مجاز القرآن: 1/96]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (ومعنى قوله عزّ وجلّ: {إنّ هذا لهو القصص الحقّ وما من إله إلّا اللّه وإنّ اللّه لهو العزيز الحكيم} أي: إن هذا الذي أوحينا إليك من هذه البينات, والحجج التي آتيناك, لهو القصص الحق، ويصلح أن تكون (هو) ههنا فصلاً، وهو الذي يسميه الكوفيون:عماداً، ويكون القصص خبر أن، ويصلح أن يكون (هو) ابتداء، والقصص خبره، وهما جميعا خبر (إنّ).
ومعنى{وما من إله إلّا اللّه}: من دخلت توكيداً, ودليلاً على نفي جميع من ادعى المشركون أنهم آلهة,أي: إن عيسى ليس بإله؛ لأنهم زعموا إنّه إله، فأعلم الله عزّ وجلّ أن لا إله إلا هو، وأن من آتاه اللّه آيات يعجز عنها المخلوقون, فذلك غير مخرج له من العبودية للّه، وتسميته إلهاً كفر باللّه.
ومعنى {العزيز}: هو الذي لا يعجزه شيء, و{الحكيم}: ذو الحكمة الذي لا يأتي إلا ما هو حكمة). [معاني القرآن: 1/424]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {إن هذا لهو القصص الحق} ,أي: إن هذا الذي أوحينا إليك لهو القصص الحق, وما من إله إلا الله, من زائدة للتوكيد, والمعنى: وما إله إلا الله العزيز الحكيم, ومعنى {العزيز}: الذي لا يغلب , والحكيم:ذو الحكمة). [معاني القرآن: 1/416-417]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (63)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({فإن تولّوا}: فإن كفروا، وتركوا أمر الله). [مجاز القرآن: 1/96]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: { فإن تولّوا فإنّ اللّه عليم بالمفسدين}, أي: فإن أعرضوا عما أتيت به من البيان؛ فإن الله يعلم من يفسد من خلقه, فيجازيه على إفساده). [معاني القرآن: 1/424]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين}, أي: عليم بمن يفسد عباده, وإذا علم ذلك؛ جازى عليه). [معاني القرآن: 1/417]

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 9 جمادى الآخرة 1434هـ/19-04-2013م, 08:35 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]
تفسير قوله تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) }
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): (وقال أبو العباس في قوله عز وجل: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ}: أي إن مثل آدم أعجب؛ لأن آدم جاء من غير نفس، وعيسى قد جاء من نفس). [مجالس ثعلب: 325]


تفسير قوله تعالى: {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60) }
[لا يوجد]

تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61) }

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (في حديث ابن عباس: «من شاء باهلته أن الله لم يذكر في كتابه جدا وإنما هو أب». وفي حديث آخر: «من شاء باهلته أن الظهار ليس من الأمة، إنما قال الله عز وجل: {والذين يظهرون من نسائهم}.
حدثنيه ابن علية عن أيوب عن ابن أبي مليكة.
قال ابن علية: وهو يشبه كلام ابن عباس، ولكن هكذا قال أيوب لم يجز به ابن أبي مليكة.
قوله: باهلته، من الابتهال وهو الدعاء، قال الله تبارك وتعالى: {ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين} وقال لبيد:


في قروم سادة من قومهمنظـر الدهـر إليـهـم فابتـهـل

يقول: دعا عليهم بالموت ومنه قيل: بهلة الله عليه: أي لعنة الله عليه،
قال: وهما لغتان: بَهلة الله عليه وبُهلة الله عليه). [غريب الحديث: 5/261-262]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62) }
[لا يوجد]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (63) }
[لا يوجد]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 09:47 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 09:47 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 09:47 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 09:47 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وذكر ابن عباس وقتادة وعكرمة والسدي وغيرهم، قالوا سبب نزول قوله تعالى: إنّ مثل عيسى الآية أن وفد نصارى نجران جادلوا النبي صلى الله عليه وسلم في أمر عيسى، وقالوا بلغنا أنك تشتم صاحبنا وتقول هو عبد، فقال النبي عليه السلام، وما يضر ذلك عيسى، أجل هو عبد الله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، فقالوا فهل رأيت بشرا قط جاء من غير فحل أو سمعت به؟ وخرجوا من عند النبي فأنزل الله عليه هذه الآية. وقوله تعالى: إنّ مثل عبر عنه بعض الناس، بأن صفة عيسى وقرنوا ذلك بقوله تعالى: مثل الجنّة [الرعد: 35] قالوا: معناه صفة الجنة.
قال الإمام أبو محمد: وهذا عندي ضعف في فهم معنى الكلام وإنما المعنى: «أن المثل» الذي تتصوره النفوس والعقول من عيسى هو كالمتصور من آدم إذ الناس كلهم مجمعون على أن الله تعالى خلقه من تراب من غير فحل، وكذلك مثل الجنة عبارة عن المتصور منها، وفي هذه الآية صحة القياس، أي إذا تصوروا أمر آدم قيس عليه جواز أمر عيسى عليه السلام والكاف في قوله: كمثل اسم على ما ذكرناه من المعنى وقوله عند اللّه عبارة عن الحق في نفسه، أي هكذا هو الأمر فيما غاب عنكم، وقوله: خلقه من ترابٍ تفسير لمثل آدم، الذي ينبغي أن يتصور، والمثل والمثال بمعنى واحد، ولا يجوز أن يكون خلقه صلة لآدم ولا حالا منه، قال الزجاج: إذ الماضي لا يكون حالا أنت فيها بل هو كلام مقطوع منه، مضمنه تفسير المثل، وقوله عز وجل: ثمّ قال ترتيب للأخبار لمحمد عليه السلام، المعنى خلقه من تراب ثم كان من أمره في الأزل أن قاله له كن وقت كذا، وعلى مذهب أبي علي الفارسي، في أن القول مجازي، مثل وقال قطني، وأن هذه الآية عبارة عن التكوين، ف ثمّ على بابها في ترتيب الأمرين المذكورين، وقراءة الجمهور «فيكون»، بالرفع على معنى فهو يكون، وقرأ ابن عامر «فيكون» بالنصب، وهي قراءة ضعيفة الوجه، وقد تقدم توجيهها آنفا في مخاطبة مريم). [المحرر الوجيز: 2/240-241]

تفسير قوله تعالى: {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: الحقّ من ربّك، رفع على الابتداء وخبره فيما يتعلق به، قوله من ربّك، أو الحق ذلك، أو ما قلناه لك، ويجوز أن يكون خبر ابتداء، تقديره هذا الحق والممترين هم الشاكون، والمرية الشك، ونهي النبي عليه السلام في عبارة اقتضت ذم الممترين، وهذا يدل على أن المراد بالامتراء غيره، ولو قيل: فلا تكن ممتريا لكانت هذه الدلالة أقل، ولو قيل فلا تمتر لكانت أقل ونهي النبي عليه السلام عن الامتراء مع بعده عنه على جهة التثبيت والدوام على حاله). [المحرر الوجيز: 2/241]

تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: فمن حاجّك فيه معناه جادلك ونازعك الحجة، والضمير في قوله: فيه يحتمل أن يعود على عيسى، ويحتمل أن يعود على الحقّ، والعلم الذي أشير إليه بالمجيء هو ما تضمنته هذه الآيات المتقدمة من أمر عيسى وقوله تعالى: فقل تعالوا الآية، استدعاء المباهلة وتعالوا تفاعلوا من العلو، وهي كلمة قصد بها أولا تحسين الأدب مع المدعو ثم اطردت حتى يقولها الإنسان لعدوه وللبهيمة ونحو ذلك ونبتهل معناه نلتعن، ويقال عليهم بهلة الله بمعنى اللعنة، والابتهال: الجد في الدعاء بالبهلة.
وروي في قصص هذه الآية: أنها نزلت بسبب محاجة نصارى نجران في عيسى عليه السلام وقولهم هو الله، وكانوا يكثرون الجدال وقد روى عبد الله بن الحارث بن جزء السوائي عن النبي عليه السلام أنه قال: ليت بيني وبين أهل نجران حجابا فلا أراهم ولا يروني لشدة ما كانوا يمارون فلما قرأ النبي عليه السلام الآية دعاهم إلى ذلك، فروى الشعبي وغيره: أنهم وعدوه بالغد أن يلاعنوه فانطلقوا إلى السيد والعاقب فتابعاهم على أن يلاعنوا فانطلقوا إلى رجل آخر منهم عاقل فذكروا له ما صنعوا فذمهم وقال لهم: إن كان نبيا ثم دعا عليكم هلكتم، وإن كان ملكا فظهر لم يبق عليكم، قالوا فكيف نصنع وقد واعدناه؟ قال: إذا غدوتم فدعاكم إلى ذلك فاستعيذوا بالله من ذلك فعسى أن يعفيكم فلما كان الغد غدا رسول الله صلى الله عليه وسلم محتضنا حسينا آخذا بيد الحسن، وفاطمة تمشي خلفه، فدعاهم إلى الميعاد، فقالوا: نعوذ بالله فأعادوا التعوذ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فإن أبيتم فأسلموا فإن أبيتم فأعطوا الجزية عن يد وأنتم صاغرون فإن أبيتم فإني أنبذ إليكم على سواء، قالوا: لا طاقة لنا بحرب العرب ولكنا نؤدي الجزية قال: فجعل عليهم كل سنة ألفي حلة ألفا في رجب وألفا في صفر وطلبوا منه رجلا أمينا يحكم بينهم فبعث معهم أبا عبيدة بن الجراح وقال عليه السلام: لقد أتاني البشير بهلكة أهل نجران لو تموا على الملاعنة، وروى محمد بن جعفر بن الزبير وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دعاهم قالوا: دعنا ننظر في أمرنا ثم نأتيك بما نفعل فذهبوا إلى العاقب وهو ذو رأيهم فقالوا: يا عبد المسيح ما ترى؟ فقال: يا معشر النصارى، والله لقد عرفتم أن محمدا لنبي مرسل ولقد جاءكم بالفصل من خبر صاحبكم ولقد علمتم ما لا عن قوم قط نبيا فبقي كبيرهم ولا نبت صغيرهم وإنه الاستئصال إن فعلتم، فإن أبيتم إلا إلف دينكم وما أنتم عليه من القول في صاحبكم فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم حتى يريكم زمن رأيه، فأتوا النبي عليه السلام، فقالوا: يا أبا القاسم قد رأينا ألا نلاعنك وأن نبقى على ديننا وصالحوه على أموال وقالوا له: ابعث معنا رجلا من أصحابك ترضاه لنا يحكم في أشياء قد اختلفنا فيها من أموالنا فإنكم عندنا رضى، وروى السدي وغيره أن النبي عليه السلام جاء هو وعلي وفاطمة والحسن والحسين ودعاهم فأبوا وجزعوا وقال لهم أحبارهم: إن فعلتم اضطرم الوادي عليكم نارا فصالحوا النبي عليه السلام على ثمانين ألف درهم في العام فما عجزت عنه الدراهم ففي العروض، الحلة بأربعين وعلى أن عليهم ثلاثا وثلاثين درعا وثلاثة وثلاثين بعيرا وأربعا وثلاثين فرسا عارية كل سنة ورسول الله ضامن ذلك حتى يؤديها إليهم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لولا عنوا لاستؤصلوا من جديد الأرض، وقال أيضا: لو فعلوا لاضطرم عليهم الوادي نارا، وروى علباء بن أحمر اليشكري قال: لما نزلت هذه الآية أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي وفاطمة وابنيهما الحسن والحسين ودعا اليهود ليلاعنهم، فقال شاب من اليهود: ويحكم، أليس عهدكم بالأمس بإخوانكم الذين مسخوا قردة وخنازير؟ فلا تلاعنوا فانتهوا، وفي هذه القصة اختلافات للرواة وعبارات تجري كلها في معنى ما ذكرناه لكنا قصدنا الإيجاز وفي ترك النصارى الملاعنة لعلمهم بنبوة محمد شاهد عظيم على صحة نبوته صلى الله عليه وسلم، وما روي من ذلك خير مما روى الشعبي من تقسيم ذلك الرجل العاقل فيهم أمر محمد بأنه إما نبي وإما ملك لأن هذا نظر دنياوي وما روى الرواة من أنهم تركوا الملاعنة لعلمهم بنبوته أحج لنا على سائر الكفرة وأليق بحال محمد صلى الله عليه وسلم، ودعاء النساء والأنبياء للملاعنة أهز للنفوس وأدعى لرحمة الله أو لغضبه على المبطلين، وظاهر الأمر أن النبي عليه السلام جاءهم بما يخصه، ولو عزموا استدعى المؤمنين بأبنائهم ونسائهم، ويحتمل أنه كان يكتفي بنفسه وخاصته فقط). [المحرر الوجيز: 2/242-244]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: إنّ هذا لهو القصص الحقّ وما من إلهٍ إلاّ اللّه وإنّ اللّه لهو العزيز الحكيم (62) فإن تولّوا فإنّ اللّه عليمٌ بالمفسدين (63) قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم ألاّ نعبد إلاّ اللّه ولا نشرك به شيئاً ولا يتّخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون اللّه فإن تولّوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون (64)
هذا خبر من الله تعالى جزم مؤكد فصل به بين المختصمين، والإشارة ب هذا هي إلى ما تقدم في أمر عيسى عليه السلام، قاله ابن عباس وابن جريج وابن زيد وغيرهم: والقصص معناه الأخبار، تقول: قص يقص، قصا وقصصا، إذا تتبع الأمر يخبر به شيئا بعد شيء، قال قوم: هو مأخوذ من قص الأثر، وقوله لهو يحتمل أن يكون فصلا ويحتمل أن يكون ابتداء، ومن قوله من إلهٍ مؤكدة بعد النفي، وهي التي يتم الكلام دونها لكنها تعطي معنى التأكيد). [المحرر الوجيز: 2/244]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (63) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: فإنّ اللّه عليمٌ بالمفسدين وعيد). [المحرر الوجيز: 2/244]

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 09:47 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 09:47 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم خلقه من ترابٍ ثمّ قال له كن فيكون (59) الحقّ من ربّك فلا تكن من الممت رين (60) فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثمّ نبتهل فنجعل لعنة اللّه على الكاذبين (61) إنّ هذا لهو القصص الحقّ وما من إلهٍ إلا اللّه وإنّ اللّه لهو العزيز الحكيم (62) فإن تولّوا فإنّ اللّه عليمٌ بالمفسدين (63)}
يقول تعالى: {إنّ مثل عيسى عند اللّه} في قدرة اللّه تعالى حيث خلقه من غير أبٍ {كمثل آدم} فإنّ اللّه تعالى خلقه من غير أبٍ ولا أمٍّ، بل {خلقه من ترابٍ ثمّ قال له كن فيكون} والّذي خلق آدم قادرٌ على خلق عيسى بطريق الأولى والأحرى، وإن جاز ادّعاء البنوّة في عيسى بكونه مخلوقًا من غير أبٍ، فجواز ذلك في آدم بالطّريق الأولى، ومعلومٌ بالاتّفاق أنّ ذلك باطلٌ، فدعواها في عيسى أشدّ بطلانًا وأظهر فسادًا. ولكنّ الرّبّ، عزّ وجلّ، أراد أن يظهر قدرته لخلقه، حين خلق آدم لا من ذكرٍ ولا من أنثى؛ وخلق حوّاء من ذكرٍ بلا أنثى، وخلق عيسى من أنثى بلا ذكرٍ كما خلق بقيّة البريّة من ذكرٍ وأنثى، ولهذا قال تعالى في سورة مريم: {ولنجعله آيةً للنّاس} [مريم: 21].
وقال هاهنا: {الحقّ من ربّك فلا تكن من الممترين} ). [تفسير القرآن العظيم: 2/49]

تفسير قوله تعالى: {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقال هاهنا: {الحقّ من ربّك فلا تكن من الممترين} أي: هذا القول هو الحقّ في عيسى، الّذي لا محيد عنه ولا صحيح سواه، وماذا بعد الحقّ إلّا الضّلال). [تفسير القرآن العظيم: 2/49]

تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى -آمرًا رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم أن يباهل من عاند الحقّ في أمر عيسى بعد ظهور البيان: {فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم} أي: نحضرهم في حال المباهلة {ثمّ نبتهل فنجعل لعنة اللّه على الكاذبين} أي: نلتعن {فنجعل لعنة اللّه على الكاذبين} أي: منّا أو منكم.
وكان سبب نزول هذه المباهلة وما قبلها من أوّل السّورة إلى هنا في وفد نجران، أن النصارى حين قدموا فجعلوا يحاجّون في عيسى، ويزعمون فيه ما يزعمون من البنوّة والإلهيّة، فأنزل اللّه صدر هذه السّورة ردا عليهم، كما ذكره الإمام محمّد بن إسحاق بن يسار وغيره.
قال ابن إسحاق في سيرته المشهورة وغيره: وقدم على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وفد نصارى نجران، ستّون راكبًا، فيهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم يؤول إليهم أمرهم، وهم: العاقب، واسمه عبد المسيح، والسّيّد، وهو الأيهم، وأبو حارثة بن علقمة أخو بكر بن وائل، وأويس الحارث وزيدٌ، وقيسٌ، ويزيد، ونبيهٌ، وخويلدٌ، وعمرٌو، وخالد، وعبد الله، ويحنّس.
وأمر هؤلاء يؤول إلى ثلاثةٍ منهم، وهم: العاقب وكان أمير القوم وذا رأيهم وصاحب مشورتهم، والّذي لا يصدرون إلّا عن رأيه، والسّيّد وكان عالمهم وصاحب رحلهم ومجتمعهم، وأبو حارثة بن علقمة وكان أسقفهم وحبرهم وإمامهم وصاحب مدارسهم، وكان رجلًا من العرب من بني بكر بن وائلٍ، ولكنّه تنصّر، فعظّمته الرّوم وملوكها وشرّفوه، وبنوا له الكنائس وموّلوه وأخدموه، لما يعلمونه من صلابته في دينهم. وقد كان يعرف أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وشأنه وصفته بما علمه من الكتب المتقدّمة جيّدًا، ولكن احتمله جهله على الاستمرار في النّصرانيّة لما يرى [من] تعظيمه فيها ووجاهته عند أهلها.
قال ابن إسحاق: وحدّثني محمّد بن جعفر بن الزّبير، قال: قدموا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم المدينة فدخلوا عليه مسجده حين صلّى العصر، عليهم ثياب الحبرات: جبب وأردية، في جمال رجال بني الحارث بن كعبٍ. قال: يقول بعض من رآهم من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: ما رأينا بعدهم وفدًا مثلهم. وقد حانت صلاتهم، فقاموا في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يصلّون، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: دعوهم فصلّوا إلى المشرق.
قال: فكلّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم منهم أبو حارثة بن علقمة، والعاقب عبد المسيح، أو السّيّد الأيهم، وهم من النّصرانيّة على دين الملك، مع اختلاف أمرهم، يقولون: هو اللّه، ويقولون: هو ولد اللّه، ويقولون: هو ثالث ثلاثةٍ. تعالى اللّه [عن ذلك علوًّا كبيرًا] وكذلك قول النّصرانيّة، فهم يحتجّون في قولهم: "هو اللّه" بأنّه كان يحيي الموتى، ويبرئ الأسقام، ويخبر بالغيوب، ويخلق من الطّين كهيئة الطّير، ثمّ ينفخ فيه فيكون طيرًا وذلك كلّه بأمر اللّه، وليجعله آيةً للنّاس.
ويحتجّون في قولهم بأنّه ابن اللّه، يقولون: لم يكن له أبٌ يعلم، وقد تكلّم في المهد بشيءٍ لم يصنعه أحدٌ من بني آدم قبله.
ويحتجّون في قولهم بأنّه ثالث ثلاثةٍ، بقول اللّه تعالى: فعلنا، وأمرنا، وخلقنا، وقضينا؛ فيقولون: لو كان واحدًا ما قال إلّا فعلت وقضيت وأمرت وخلقت؛ ولكنّه هو وعيسى ومريم وفي كلّ ذلك من قولهم قد نزل القرآن.
فلمّا كلّمه الحبران قال لهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أسلما" قالا قد أسلمنا. قال: "إنّكما لم تسلما فأسلما" قالا بلى، قد أسلمنا قبلك. قال: "كذبتما، يمنعكما من الإسلام دعاؤكما للّه ولدًا، وعبادتكما الصّليب وأكلكما الخنزير". قالا فمن أبوه يا محمّد؟ فصمت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عنهما فلم يجبهما، فأنزل اللّه في ذلك من قولهم، واختلاف أمرهم، صدر سورة آل عمران إلى بضعٍ وثمانين آيةً منها.
ثمّ تكلّم ابن إسحاق على التّفسير إلى أن قال: فلمّا أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الخبر من اللّه، والفصل من القضاء بينه وبينهم، وأمر بما أمر به من ملاعنتهم إن ردّوا ذلك عليه، دعاهم إلى ذلك؛ فقالوا: يا أبا القاسم، دعنا ننظر في أمرنا، ثمّ نأتيك بما نريد أن نفعل فيما دعوتنا إليه، فانصرفوا عنه، ثمّ خلوا بالعاقب، وكان ذا رأيهم، فقالوا: يا عبد المسيح، ماذا ترى؟ فقال: واللّه يا معشر النّصارى لقد عرفتم أنّ محمّدًا لنبيٌّ مرسلٌ، ولقد جاءكم بالفصل من خبر صاحبكم، ولقد علمتم أنّه ما لاعن قومٌ نبيًّا قطّ فبقي كبيرهم، ولا نبت صغيرهم، وإنّه للاستئصال منكم إن فعلتم، فإن كنتم [قد] أبيتم إلّا إلف دينكم والإقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم، فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم.
فأتوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقالوا: يا أبا القاسم، قد رأينا ألّا نلاعنك، ونتركك على دينك، ونرجع على ديننا، ولكن ابعث معنا رجلًا من أصحابك ترضاه لنا، يحكم بيننا في أشياء اختلفنا فيها من أموالنا، فإنّكم عندنا رضًا.
قال محمّد بن جعفرٍ: فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ائتوني العشيّة أبعث معكم القويّ الأمين"، فكان عمر بن الخطّاب يقول: ما أحببت الإمارة قطّ حبّي إيّاها يومئذٍ، رجاء أن أكون صاحبها، فرحت إلى الظّهر مهجّرا، فلمّا صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الظهر سلّم، ثمّ نظر عن يمينه وعن يساره، فجعلت أتطاول له ليراني، فلم يزل يلتمس ببصره حتّى رأى أبا عبيدة بن الجرّاح، فدعاه: "اخرج معهم، فاقض بينهم بالحقّ فيما اختلفوا فيه". قال عمر: فذهب بها أبو عبيدة، رضي اللّه عنه.
وقد روى ابن مردويه من طريق محمّد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيدٍ، عن رافع بن خديج: أنّ وفد أهل نجران قدموا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فذكر نحوه، إلّا أنّه قال في الأشراف: كانوا اثني عشر. وذكر بقيّته بأطول من هذا السّياق، وزياداتٍ أخر.
وقال البخاريّ: حدّثنا عبّاس بن الحسين، حدّثنا يحيى بن آدم، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن صلة بن زفر، عن حذيفة قال: جاء العاقب والسيد صاحبًا نجران إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يريدان أن يلاعناه، قال: فقال أحدهما لصاحبه: لا تفعل، فواللّه إن كان نبيًّا فلاعنّاه لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا. قالا إنّا نعطيك ما سألتنا، وابعث معنا رجلًا أمينًا، ولا تبعث معنا إلّا أمينًا. فقال: "لأبعثنّ معكم رجلا أمينًا حقّ أمينٍ"، فاستشرف لها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "قم يا أبا عبيدة بن الجرّاح" فلمّا قام قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "هذا أمين هذه الأمّة".
[و] رواه البخاريّ أيضًا، ومسلمٌ، والتّرمذيّ، والنّسائيّ، وابن ماجه من طرقٍ عن أبي إسحاق السّبيعي، عن صلة، عن حذيفة، بنحوه.
وقد رواه أحمد، والنّسائيّ، وابن ماجه، من حديث إسرائيل عن أبي إسحاق، عن صلة عن ابن مسعودٍ، بنحوه.
وقال البخاريّ: حدّثنا أبو الوليد، حدّثنا شعبة، عن خالدٍ، عن أبي قلابة، عن أنسٍ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "لكلّ أمّةٍ أمينٌ وأمين هذه الأمّة أبو عبيدة بن الجرّاح".
وقال الإمام أحمد: حدّثنا إسماعيل بن يزيد الرّقّي أبو يزيد، حدّثنا فرات، عن عبد الكريم ابن مالكٍ الجزري" عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: قال أبو جهلٍ: إن رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يصلّي عند الكعبة لآتينّه حتّى أطأ على عنقه. قال: فقال: "لو فعل لأخذته الملائكة عيانًا، ولو أنّ اليهود تمنّوا الموت لماتوا ورأوا مقاعدهم من النّار، ولو خرج الّذين يباهلون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لرجعوا لا يجدون مالًا ولا أهلًا".
وقد رواه التّرمذيّ، والنّسائيّ، من حديث عبد الرّزّاق، عن معمر، عن عبد الكريم، به. وقال التّرمذيّ: [حديثٌ] حسنٌ صحيحٌ.
وقد روى البيهقيّ في دلائل النّبوّة قصّة وفد نجران مطوّلةً جدًّا، ولنذكره فإنّ فيه فوائد كثيرةً، وفيه غرابةٌ وفيه مناسبةٌ لهذا المقام، قال البيهقيّ:
حدّثنا أبو عبد اللّه الحافظ وأبو سعيدٍ محمّد بن موسى بن الفضل، قالا حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، حدّثنا أحمد بن عبد الجبّار، حدّثنا يونس بن بكير، عن سلمة بن عبد يسوع، عن أبيه، عن جدّه قال يونس -وكان نصرانيًّا فأسلم-: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كتب إلى أهل نجران قبل أن ينزل عليه طس سليمان: "باسم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب، من محمّدٍ الّنبيّ رسول الله إلى أسقف نجران وأهل نجران سلم أنتم، فإنّي أحمد إليكم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب. أمّا بعد، فإنّي أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد، وأدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد، فإن أبيتم فالجزية، فإن أبيتم آذنتكم بحربٍ والسّلام".
فلمّا أتى الأسقف الكتاب فقرأه فظع به، وذعره ذعرًا شديدًا، وبعث إلى رجلٍ من أهل نجران يقال له: شرحبيل بن وداعة -وكان من همدان ولم يكن أحدٌ يدعى إذا نزلت معضلة قبله، لا الأيهم ولا السّيد ولا العاقب-فدفع الأسقف كتاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى شرحبيل، فقرأه، فقال الأسقف: يا أبا مريم، ما رأيك ؟ فقال شرحبيل: قد علمت ما وعد اللّه إبراهيم في ذرّيّة إسماعيل من النّبوّة، فما يؤمن أن يكون هذا هو ذاك الرّجل، ليس لي في النّبوّة رأيٌ، ولو كان أمرٌ من أمور الدّنيا لأشرت عليك فيه برأيي، وجهدت لك، فقال له الأسقف: تنحّ فاجلس. فتنحّى شرحبيل فجلس ناحيةً، فبعث الأسقف إلى رجلٍ من أهل نجران، يقال له: عبد اللّه بن شرحبيل، وهو من ذي أصبح من حمير، فأقرأه الكتاب، وسأله عن الرّأي فيه، فقال له مثل قول شرحبيل، فقال له الأسقف: فاجلس، فتنحى فجلس ناحيةً. وبعث الأسقف إلى رجلٍ من أهل نجران، يقال له: جبّار بن فيضٍ، من بني الحارث بن كعبٍ، أحد بني الحماس، فأقرأه الكتاب، وسأله عن الرّأي فيه؟ فقال له مثل قول شرحبيل وعبد اللّه، فأمره الأسقف فتنحّى فجلس ناحيةً.
فلمّا اجتمع الرّأي منهم على تلك المقالة جميعًا، أمر الأسقف بالنّاقوس فضرب به، ورفعت النّيران والمسوح في الصّوامع، وكذلك كانوا يفعلون إذا فزعوا بالنّهار، وإذا كان فزعهم ليلًا ضربوا بالنّاقوس، ورفعت النّيران في الصّوامع، فاجتمعوا حين ضرب بالنّاقوس ورفعت المسوح أهل الوادي أعلاه وأسفله -وطول الوادي مسيرة يومٍ للرّاكب السّريع، وفيه ثلاثٌ وسبعون قريةً، وعشرون ومائة ألف مقاتلٍ. فقرأ عليهم كتاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وسألهم عن الرّأي فيه، فاجتمع رأي أهل الرّأي منهم على أن يبعثوا شرحبيل بن وداعة الهمدانيّ، وعبد اللّه ابن شرحبيل الأصبحيّ، وجبّار بن فيضٍ الحارثيّ، فيأتونهم بخبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فانطلق الوفد حتّى إذا كانوا بالمدينة وضعوا ثياب السّفر عنهم، ولبسوا حللا لهم يجرّونها من حبرةٍ، وخواتيم الذّهب، ثمّ انطلقوا حتّى أتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فسلّموا عليه، فلم يردّ عليهم وتصدّوا لكلامه نهارًا طويلًا فلم يكلّمهم وعليهم تلك الحلل وخواتيم الذهب. فانطلقوا يتبعون عثمان ابن عفّان وعبد الرّحمن بن عوفٍ، وكانا معرفة لهم، فوجدوهما في ناسٍ من المهاجرين والأنصار في مجلسٍ، فقالوا: يا عثمان ويا عبد الرّحمن، إن نبيّكم كتب إلينا بكتابٍ، فأقبلنا مجيبين له، فأتيناه فسلّمنا عليه فلم يردّ سلامنا، وتصدّينا لكلامه نهارًا طويلًا فأعيانا أن يكلّمنا، فما الرّأي منكما، أترون أن نرجع؟ فقالا لعليّ بن أبي طالبٍ -وهو في القوم-: ما ترى يا أبا الحسن في هؤلاء القوم؟ فقال عليّ لعثمان ولعبد الرّحمن: أرى أن يضعوا حللهم هذه وخواتيمهم، ويلبسوا ثياب سفرهم ثمّ يعودا إليه. ففعلوا فسلّموا، فردّ سلامهم، ثمّ قال: "والّذي بعثني بالحقّ لقد أتوني المرّة الأولى، وإنّ إبليس لمعهم" ثمّ ساءلهم وساءلوه، فلم تزل به وبهم المسألة حتّى قالوا: ما تقول في عيسى، فإنّا نرجع إلى قومنا ونحن نصارى، يسرّنا إن كنت نبيًّا أن نسمع ما تقول فيه ؟ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ما عندي فيه شيء يومي هذا، فأقيموا حتّى أخبركم بما يقول لي ربّي في عيسى". فأصبح الغد وقد أنزل اللّه، عزّ وجلّ، هذه الآية: {إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم [خلقه من ترابٍ ثمّ قال له كن فيكون. الحقّ من ربّك فلا تكن من الممترين. فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثمّ نبتهل فنجعل لعنة اللّه على] الكاذبين} فأبوا أن يقرّوا بذلك، فلمّا أصبح رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الغد بعد ما أخبرهم الخبر، أقبل مشتملًا على الحسن والحسين في خميل له وفاطمة تمشي عند ظهره للملاعنة، وله يومئذٍ عدّة نسوةٍ، فقال شرحبيل لصاحبيه: قد علمتما أنّ الوادي إذا اجتمع أعلاه وأسفله لم يردوا ولم يصدروا إلّا عن رأيي وإنّي واللّه أرى أمرًا ثقيلًا واللّه لئن كان هذا الرّجل ملكًا مبعوثًا، فكنّا أوّل العرب طعن في عينيه وردّ عليه أمره، لا يذهب لنا من صدره ولا من صدور أصحابه حتّى يصيبونا بجائحةٍ، وإنّا لأدنى العرب منهم جوارًا، ولئن كان هذا الرّجل نبيًّا مرسلًا فلاعنّاه لا يبقى على وجه الأرض منّا شعر ولا ظفر إلّا هلك. فقال له صاحباه: يا أبا مريم، فما الرّأي؟ فقال: أرى أن أحكّمه، فإنّي أرى رجلًا لا يحكم شططًا أبدًا. فقالا له: أنت وذاك. قال: فلقي شرحبيل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال له: إنّي قد رأيت خيرًا من ملاعنتك. فقال: "وما هو؟ " فقال: حكمك اليوم إلى اللّيل وليلتك إلى الصّباح، فمهما حكّمت فينا فهو جائزٌ. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لعلّ وراءك أحدًا يثرب عليك؟ " فقال شرحبيل: سل صاحبيّ. فسألهما فقالا ما يرد الوادي ولا يصدر إلّا عن رأي شرحبيل: فرجع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فلم يلاعنهم، حتّى إذا كان الغد أتوه فكتب لهم هذا الكتاب: "بسم اللّه الرحمن الرّحيم، هذا ما كتب محمّدٌ النّبي رسول الله لنجران -إن كان عليهم حكمه-في كلّ ثمرةٍ وكلّ صفراء وبيضاء وسوداء ورقيقٍ فاضلٍ عليهم، وترك ذلك كلّه لهم، على ألفي حلّةٍ، في كلّ رجبٍ ألف حلّةٍ، وفي كلّ صفرٍ ألف حلّةٍ" وذكر تمام الشّروط وبقيّة السّياق.
والغرض أنّ وفودهم كان في سنة تسعٍ؛ لأنّ الزّهريّ قال: كان أهل نجران أوّل من أدّى الجزية إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وآية الجزية إنّما أنزلت بعد الفتح، وهي قوله تعالى: {قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر [ولا يحرّمون ما حرّم اللّه ورسوله ولا يدينون دين الحقّ من الّذين أوتوا الكتاب حتّى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون]} [التّوبة: 29].
وقال أبو بكر بن مردويه: حدّثنا سليمان بن أحمد، حدّثنا أحمد بن داود المكي، حدثنا بشر بن مهران، أخبرنا محمّد بن دينارٍ، عن داود بن أبي هندٍ، عن الشّعبيّ، عن جابرٍ قال: قدم على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم العاقب والطّيّب، فدعاهما إلى الملاعنة فواعداه على أن يلاعناه الغداة. قال: فغدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأخذ بيد عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين، ثمّ أرسل إليهما فأبيا أن يجيئا وأقرّا بالخراج، قال: فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: "والّذي بعثني بالحقّ لو قالا لا لأمطر عليهم الوادي نارًا" قال جابرٌ: فيهم نزلت {ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم} قال جابرٌ: {وأنفسنا وأنفسكم} رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم وعليّ بن أبي طالبٍ {وأبناءنا} الحسن والحسين {ونساءنا} فاطمة.
وهكذا رواه الحاكم في مستدركه، عن عليّ بن عيسى، عن أحمد بن محمّد الأزهريّ عن عليّ بن حجر، عن عليّ بن مسهر، عن داود بن أبي هندٍ، به بمعناه. ثمّ قال: صحيحٌ على شرط مسلمٍ، ولم يخرّجاه.
هكذا قال: وقد رواه أبو داود الطّيالسيّ، عن شعبة، عن المغيرة عن الشّعبيّ مرسلًا وهذا أصحّ وقد روي عن ابن عبّاسٍ والبراء نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 2/49-55]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال اللّه تعالى: {إنّ هذا لهو القصص الحقّ} أي: هذا الّذي قصصناه عليك يا محمّد في شأن عيسى هو الحقّ الّذي لا معدل عنه ولا محيد {وما من إلهٍ إلا اللّه وإنّ اللّه لهو العزيز الحكيم. فإن تولّوا} أي: عن هذا إلى غيره). [تفسير القرآن العظيم: 2/55]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (63) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {فإن تولّوا} أي: عن هذا إلى غيره. {فإنّ اللّه عليمٌ بالمفسدين} أي: من عدل عن الحقّ إلى الباطل فهو المفسد واللّه عليمٌ به، وسيجزيه على ذلك شرّ الجزاء، وهو القادر، الّذي لا يفوته شيءٌ [سبحانه وبحمده ونعوذ به من حلول نقمه] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/55]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:24 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة