العودة   جمهرة العلوم > جمهرة علوم القرآن الكريم > أحكام المصاحف

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20 جمادى الآخرة 1440هـ/25-02-2019م, 11:11 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تنكيس المصحف

ماهية التنكيس:
قال ابن فارس: ( النون والكاف والسين أصل يدل على قلب الشيء، منه النكس قلبك شيئا على رأسه).
وقال ابن الأثير في النهاية نحوا من ذلك.
وقال ابن منظور في اللسان: (نكس: النكس قلب الشيء على رأسه، نكسه ينكسه نكسا فانتكس. ونكس رأسه: أماله، ونكسه تنكيسا، وفي التنزيل: (ناكسوا رءوسهم عند ربهم)، والناكس المطأطيء رأسه، ونكس رأسه إذا طأطأه من ذل). إلى أن قال: ( النكس في الأشياء معنى يرجع إلى قلب الشيء ورده وجعل أعلاه أسفله ومقدمه مؤخره). إلى أن قال: (وقراءة القرآن منكوسا أن يبدأ بالمعوذتين ثم يرتفع إلى البقرة، والسنة خلاف ذلك، وفي الحديث أنه قيل لابن مسعود: إن فلانا يقرأ القرآن منكوسا. قال: "ذلك منكوس القلب").
قال أبو عبيد: "يتأوله كثير من الناس أنه يبدأ الرجل من آخر السورة فيقرأها
[470]
إلى أولها. قال: وهذا شيء ما أحسب أحدا يطيقه ولا كان هذا في زمن عبد الله. قال: ولا أعرفه. قال: ولكن وجهه عندي أن يبدأ من آخر القرآن من المعوذتين ثم يرتفع إلى البقرة كنحو ما يتعلم الصبيان في الكتاب، لأن السنة خلاف هذا، يعلم ذلك بالحديث الذي يحدثه عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان إذا أنزلت عليه السورة أو الآية قال: " ضعوها في الموضع الذي يذكر فيها كذا وكذا"، ألا ترى أن التأليف الآن في هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم كتبت المصاحف على هذا؟ قال: وإنما جاءت الرخصة في تعلم الصبي والعجمي المفصل لصعوبة السور الطوال عليهم، فأما من قرأ القرآن وحفظه ثم تعمد أن يقرأه من آخره إلى أوله فهذا النكس المنهي عنه، وإذا كرهنا هذا فنحن للنكس من آخر السورة إلى أولها أشد كراهة إن كان ذلك يكون").
وقد نقل ابن منظور مقالة أبي عبيد وتفسيره لأثر ابن مسعود مع شيء من التصرف، وقد مر نص أبي عبيد المذكور بتمامه في موضع من هذا البحث، كما مر ذكر المذاهب في التنكيس في آخر الكلام على مسئلة ترتيب المصحف مما أغنى عن إعادته هنا. وقد عرض القاضي أبو بكر بن الباقلاني لذكر مسألة التنكيس وهو بصدد مناقشة أدلة القائلين بوجوب مراعاة الترتيب، وذلك في كتابه الانتصار لنقل القرآن، حيث قال: (وقد استدل قوم على وجود التوقيف في ترتيب السور بقول ابن مسعود وابن عمر أنهما كرها أن يقرأ القرآن منكوسا وأن ابن مسعود قال في رجل يقرؤه منكوسا: "ذلك منكوس القلب". وقال ابن عمر: "لو رآه السلطان لأدبه". وهذا لا حجة فيه، لأنهم إنما عنوا بذلك من يقرأ السورة منكوسة ولم يريدوا اختلاف السور، وكيف يريدون ذلك وهم يعلمون اختلاف المصاحف. وقول ابن مسعود: "ذلك منكوس القلب" إنما خرج على وجه الذم، ولا ذم لمن قرأ النحل ثم ثنى بالبقرة، ولا أدب إلا على من قرأ البقرة ثم ثنى بسورة الحجر).
[471]

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 20 جمادى الآخرة 1440هـ/25-02-2019م, 11:13 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

رسم المصحف الإمام وحكم الالتزام به


الكلام على رسم المصحف الإمام وحكم الالتزام به
الكلام على رسم المصحف يتناول ماهية الرسم المقصود، وحكم الالتزام به، والمذاهب في ذلك، وذكر الشبه التي تعلق بها مخالفوا الجمهور وتفنيدها.

ماهية الرسم المقصود:
رسم المصحف يراد به الوضع الذي ارتضاه عثمان رضي الله عنه في كتابة كلمات القرآن وحروفه. والأصل في المكتوب أن يكون موافقا تمام الموافقة للمنطوق، ومن غير زيادة ولا نقص ولا تبديل ولا تغيير، لكن المصاحف العثمانية قد أهمل فيها هذا الأصل، فوجدت بها حروف كثيرة جاء رسمها مخالفا لأداء النطق، وذلك لأغراض شريفة ظهرت وتظهر لك فيما بعد.
فالمقصود برسم المصحف أن يكتب طبقا للمصطلح الإملائي الذي اتبعه زيد بن ثابت رضي الله عنه وصحبه حين كتب المصحف الإمام في عهد عثمان رضي الله عنه ووافقهم عليه. وقد عني العلماء بالكلام على رسم القرآن، وحصر تلك الكلمات التي جاء خطها على غير مقياس لفظها، وقد عقد بعضهم له بابا في غير مصنف من مصنفاته كما هو صنيع ابن أبي داود في كتاب المصاحف، وربما أفرده بعض أهل العلم في مصنفات خاصة، كالداني في المقنع وغيره، وآخرون سماهم الزركشي
[599]
في البرهان، والسيوطي في الإتقان، والزرقاني في المناهل، حيث عدوا فيما أفردوا رسم المصحف بمصحف أبا عمرو الداني إذ ألف فيه كتابه المسمى " المقنع في رسم مصاحف الأمصار".
ومنهم أبو العباس المراكشي الشهير بابن البناء في كتابه "عنوان الدليل في مرسوم خط التنزيل". ومنهم الشيخ محمد بن أحمد الشهير بالمتولي، إذ نظم أرجوزة سماها "اللؤلؤ المنظوم في ذكر جملة المرسوم"، وقد شرح هذه الأرجوزة الشيخ محمد خلف الحسيني شيخ المقاريء بالديار المصرية ، وذيل الشرح بكتاب سماه "مرشد الحيران إلى معرفة ما يجب اتباعه في رسم القرآن".
قواعد رسم المصحف:
وقد ذكر الكاتبون في علوم القرآن أن قواعد رسم المصحف تنحصر في ست قواعد، الحذف والزيادة، والهمز والبدل، والوصل والفصل، وما فيه قراءتان فكتب على إحداهما.

مذاهب العلماء في التزام رسم المصحف:
لقد كان الالتزام برسم المصحف الإمام محل إجماع بين علماء القرون الثلاثة المفضلة، ثم حدث الخلاف بعد ذلك وصار من الناس من يقول بعدم وجوب الالتزام برسم المصحف، ثم اختلف هؤلاء بين قائل بالترخيص بمخالفة الرسم مطلقا، وبين قائل بالتفريق بين الأمهات من المصاحف، وبين المصاحف التي يتعلم بها الناس على ما سيأتي بيانه عند ذكر أقوالهم في هذا الشأن وشبههم التي تعلقوا بها.
[600]
القول بالتزام رسم المصحف:
أجمع سلف هذه الأمة من لدن الصحابة رضوان الله عليهم وحتى أن أوان أئمة المجتهدين على وجوب التزام رسم المصحف العثماني وحرمة مخالفته، وممن حكى الإجماع على ذلك أبو عمرو الداني في كتابه المقنع، إذ يروي بإسناده إلى مصعب بن سعد قال: (أدركت الناس حين شقق عثمان رضي الله عنه المصاحف، فأعجبهم ذلك ولم يعبه أحد).
وكذلك ما رواه علم الدين السخاوي في شرحه على العقيلة عن أنس بن مالك رضي الله عنه: "أن عثمان أرسل إلى كل جند من أجناد المسلمين مصحفا، وأمرهم أن يحرقوا كل مصحف يخالف الذي أرسل إليهم"، ولم يعرف أن أحدا خالف في رسم هذه المصاحف العثمانية.
وذكر أبو عمرو الداني في المقنع، وابن رشد في البيان والتحصيل، وأبو بكر الطرطوشي في الحوادث والبدع أن مالكا سئل هل يكتب المصحف على ما أحدثه الناس من الهجاء؟ فقال: "لا.. إلا على الكتبة الأولى" رواه الداني في المقنع، ثم قال: (ولا مخالف له من علماء الأمة)
[601]
وقال في موضع آخر: (سئل مالك عن الحروف في القرآن مثل الواو والألف، أترى أن يغير من المصحف إذا وجد فيه كذلك؟ قال: "لا". قا أبو عمرو: يعني الواو والألف المزيدتين في الرسم المعدومتين في اللفظ نحو: (أولوا". وقال الإمام أحمد يحرم مخالفة خط مصحف عثمان في واو أو ياء أو ألف أو غير ذلك، ذكره ابن مفلح في الآداب الشرعية. وقال في الفروع أيضا: (قال أحمد: نفس ما في المصحف يكتب كما في المصحف يعني لا يخالف حروفه. وقال القاضي: لا يجوز. وقال بعد كلام أحمد: إنما اختار ذلك لأنهم أجمعوا على كتبه بهذه الحروف فلم تحسن مخالفته).
وقال البيهقي في شعب الإيمان: (من يكتب مصحفا فينبغي أن يحافظ على حروف الهجاء الذي كتبوا به تلك المصاحف، ولا يخالفهم فيها ولا يغير مما كتبوه شيئا، فإنهم كانوا أكثر علما، وأصدق قلبا ولسانا، وأعظم أمانة منا، فلا ينبغي أن نظن بأنفسنا استدراكا عليهم).
وقال ابن الحاج في المدخل في باب نية الناسخ وكيفيتها: ( ويتعين عليه أن يترك ما أحدثه بعض الناس في هذا الزمان، وهو أن ينسخ الختمة على غير مرسوم المصحف الذي اجتمعت عليه الأمة على ما وجدته بخط عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقد قال مالك رحمه الله: القرآن يكتب بالكتاب الأول. فلا يجوز غير ذلك، ولا يلتفت إلى إعتلال من خالف بقوله أن العامة لا تعرف مرسوم المصحف، ويدخل عليهم الخلل في قرائتهم في المصحف إذا كتب على المرسوم)، (فأنى يصرفون)، فإنهم يقرءون ذلك وما أشبهه بإظهار الياء، إما ساكنة وإما مفتوحة، وكذلك قوله تعالى: (وقالوا مال هذا الرسول) مرسوم المصحف فيها بلام منفصلة عن الهاء، فإذا وقف عليها التالي وقف على اللام، وكذلك قوله تعالى: (لا أذبحنه)، (ولا أوضعوا خلالكم) مرسومها بألف بعد لا، فإذا قرأهما من لا يعرف قرأهما بمدة بينهما...إلى غير ذلك وهو كثير، وهذا ليس بشيء لأن من لا يعرف المرسوم من الأمة يجب عليه
[602]
أن لا يقرأ في المصحف إلا بعد أن يتعلم القراءة على وجهها، أو يتعلم مرسوم المصحف، فإن فعل غير ذلك فقد خالف ما اجتمعت عليه الأمة، وحكمه معلوم في الشرع الشريف، فالتعليل المتقدم ذكره مردود على صاحبه لمخالفته للإجماع المتقدم.
وقد تعدت هذه المفسدة إلى خلق كثير من الناس في هذا الزمان، فليتحفظ من ذلك في حق نفسه وحق غيره.. والله الموفق).
وجزم الونشريسي في المعيار بأن الصواب أن يقال في خط المصحف السلفي
إنه إجماع وتواتر في أصله وجملته دون جميع تفاصيله، لأن ذلك الرسم الملغي في الكلمات أنفسها في إثبات الحروف وحذفها في الكلمة الواحدة وزيادتها ونقصانها، وتعويض في بعضها لا يعرفها إلا الأفراد من الناس... وقد اختلفت في ذلك مصاحف الأمصار اختلافا كثيرا حسبما يظهر في التواليف الموضوعة في ذلك. ثم ذكر لذلك أمثلة تطلب فيه.
وقال الهيتمي في التحفة: (يعتبر في القرآن رسمه بالنسبة لخط المصحف الإمام، وإن خرج عن مصطلح علم الرسم، لأنه ورد له رسم لا يقاس عليه فتعين اعتباره به). وذكر الهيتمي ذلك في معرض ذكر الفرق بين القرآن والتفسير، وحكم مس كل منهما حال الحدث.
والقول بالتزام الرسم هو المفتى به لدى فقهاء الحنفية، ففي الهندية: (ولا ينبغي له أن يخالف اللذين اتفقوا وكتبوا المصاحف التي في أيدي الناس). وفي المحيط البرهاني: (أنه ينبغي ألا يكتب المصحف بغير الرسم العثماني).
الترخيص بمخالفة رسم المصحف الإمام:
بيد أن فريقا من علماء الخلف قد قالوا بخلاف الإجماع المحكي آنفا، وجوزوا
[603]
مخالفة رسم المصحف الإمام، وقد كان القاضي أبو بكر الباقلاني من أوائل المصرحين بذلك في كتابه الانتصار، ثم تابعه على ذلك جمع من أهل العلم الذين جاؤا بعده كالعز بن عبد السلام، وابن خلدون، وأبي العباس ابن تيمية، والبدر الزركشي، والقاضي الشوكاني.. وهاك نصوصهم في هذا الشأن:
قال الباقلاني في كتابه الانتصار بنقل القرآن: (وأما الكتابة فلم يفرض الله على الأمة فيها شيئا، إذ لم يأخذ على كتاب القرآن وخطاط المصاحف رسما بعينه دون غيره أوجبه عليهم، وترك ما عداه إذ وجوب ذلك لا يدرك إلا بالسمع والتوقيف، وليس في نصوص الكتاب ولا مفهومه أن رسم القرآن وضبطه لا يجوز إلا على مخصوص وحد محدود لا يجوز تجاوزه، ولا في نص السنة ما يوجب ذلك، ولا دلت عليه القياسات الشرعية؛ بل السنة دلت على جواز رسمه بأي وجه سهل، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر برسمه ولم يبين لهم وجها معينا، ولا نهى أحدا عن كتابته، ولذلك اختلفت خطوط المصاحف، فمنهم من كان يكتب الكلمة على مخرج اللفظ، ومنهم من كان يزيد وينقص لعلمه بأن ذلك اصطلاح وأن الناس لا يخفى عليهم الحال ولأجل هذا بعينه جاز أن يكتب بالحروف الكوفية والخط الأول، وأن يجعل اللام على صورة الكاف، ,أن تعوج الألفات، وأن يكتب على غير هذه الوجوه، وجاز أن يكتب المصحف بالخط والهجاء القديمين، وجاز أن يكتب بالخطوط والهجاء المحدثة، وجاز أن يكتب بين ذلك، وإذا كانت خطوط المصاحف وكثير من حروفها
[604]
مختلفة متغايرة الصورة، وكان الناس قد أجازوا ذلك وأجازوا أن يكتب كل واحد منهم بما هو عادته وما هو أسهل وأشهر وأولى من غير تأثيم ولا تناكر على أنه لم يؤخذ في ذلك على الناس حد محدود مخصوص، كما أخذ عليهم في القراءة والآذان، والسبب في ذلك أن الخطوط إنما هي علامات ورسوم تجري مجرى الإشارات والعقود والرموز، فكل رسم دال على الكلمة مفيد لوجه قراءتها تجب صحته وتصويب الكاتب به على أي صورة كانت.
وبالجملة فكل من ادعى أنه يجب على الناس رسم مخصوص وجب عليه أن يقيم الحجة على دعواه، وأنى له ذلك؟ )أ.ه بتلخيص ذكره الزرقاني في المناهل عن كتاب الانتصار.
وقال الزركشي في البرهان إثر حكايته النقول عن الأئمة في وجوب التزام الرسم العثماني، قال: (قلت: وكان هذا في الصدر الأول، والعلم حي غض، وأما الآن فقد يخشى الإلباس، ولهذا قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: "لا تجوز كتابة المصحف الآن على الرسوم الأولى باصطلاح الأئمة، لئلا يوقع في تغيير من الجهال" ، ولكن لا ينبغي إجراء هذا على إطلاقه، لئلا يؤدي إلى دروس العلم، وشيء أحكمته القدماء لا يترك مراعاته لجهل الجاهلين، ولن تخلو الأرض من قائم لله بالحجة).
وسئل أبو العباس ابن تيمية رحمه الله عن المروي عن الإمام مالك أنه قال: " من كتب مصحفا على غير رسم المصحف العثماني فقد أثم"، أو قال: "كفر". فهل هذا صحيح؟ وأكثر المصاحف اليوم على غير المصحف العثماني، فهل يحل لأحد كتابته على غير المصحف العثماني بشرط ألا يبدل لفظا ولا يغير معنى، أم لا؟
فأجاب: أما هذا النقل عن الإمام مالك في تكفير من فعل ذلك فهو كذب على
[605]
مالك، سواء أريد به رسم الخط أو رسم اللفظ، فإن مالكا كان يقول عن أهل الشورى إن لكل منهم مصحفا يخالف رسم مصحف عثمان، وهم أجل من أن يقال فيهم مثل هذا الكلام وهم علي بن أبي طالب، والزبير، وطلحة، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف مع عثمان.
وأيضا فلو قرأ رجل بحرف من حروفهم التي خرج عن مصحف عثماني ففيه روايتان عن مالك وأحمد، وأكثر العلماء يحتجون بما ثبت من ذلك عنهم، فكيف يكفر فاعل ذلك؟
وأما اتباع رسم الخط بحيث يكتبه بالكوفي فلا يجب عند أحد من المسلمين، وكذلك اتباعه فيما كتبه بالواو والألف هو حسن لفظ رسم خط الصحابة.
وأما تكفير من كتب ألفاظ المصحف بالخط الذي اعتاده فلا أعلم أحدا قال بتكفير من فعل ذلك، لكن متابعة خطهم أحسن هكذا نقل عن مالك وغيره..والله أعلم).
وقال الشوكاني في تفسير فتح القدير عند تفسيره لآية الربا: (وقياس كتابة الربا بالياء للكسرة في أوله، وقد كتبوه في المصحف بالواو. وقال في الكشاف: على لغة من يفخم كما كتبت الصلاة والزكاة، وزيدت الألف بعدها تشبيها بواو الجمع انتهى.
قلت: وهذا مجرد اصطلاح لا يلزم المشي عليه، فإن هذه النقوش الكتابية أمور اصطلاحية لا يشاحح في مثلها إلا فيما كان يدل به منها على الحرف الذي كان في أصل الكلمة ونحوه، كما هو مقرر في مباحث الخط من علم الصرف، وعلى كل حال فرسم الكلمة وجعل نقشها الكتابي على ما يقتضيه اللفظ بها هو الأولى، ما كان في النطق ألفا كالصلاة والزكاة ونحوهما كان الأولى في رسمه أن يكون كذلك، وكون أصل هذه الألف واوا أو ياء لا يخفى على من يعرف علم الصرف، وهذه النقوش ليست إلا لفهم اللفظ الذي يدل بها عليه كيف هو في نطق من ينط به لا لتفهيم أن أصل الكلمة كذا مما لا يجري به النطق، فاعرف هذا ولا تشتغل بما يعتبره كثير من أهل العلم في هذه النقوش ويلزمون به أنفسهم، ويعيبون من خالفه، فإن ذلك من المشاححة في الأمور الاصطلاحية التي لا تلزم أحد أن يتقيد بها، فعليك بأن ترسم هذه النقوش على ما يلفظ به اللافظ عند قراءتها، فإنه الأمر المطلوب من وضعها
[606]
والتواضع عليها، وليس الأمر المطلوب منها أن تكون دالة على ما هو أصل الكلمة التي يتلفظ بها المتلفظ مما لا يجري في لفظه الآن، فلا تغتر بما يروي عن سيبويه ونحاة البصرة أن يكتب الربا بالواو، لأنه يقول في ثنيته ربوان.
وقال الكوفيون: يكتب بالياء وتثنيته ربيان. قال الزجاج: ما رأيت خطأ أقبح من هذا ولا أشنع، لا يكفيهم الخطأ في الخط حتى يخطئوا في التثنية وهم يقرءون: {وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو} أ.ه كلام الشوكاني في الفتح.
التفريق بين المصاحف الأمهات وغيرها:
وفرق قوم في مسألة التزام الرسم بين الأمهات من المصاحف، وبين المصاحف التي يتعلم فيها الغلمان.. فأوجبوه في الأولى دون الثانية. وقد نسب الشيخ محمد رشيد رضا القول بالتفريق المذكور إلى الإمام مالك، فقد جاء في حاشية فضائل القرآن لابن كثير عند قوله حكاية عن الإمام مالك: (وأكره تعداد آي السور في أولها في المصاحف الأمهات، فأما ما يتعلم فيه الغلمان فلا أرى به بأسا).
قال الشيخ محمد رشيد رضا تعليقا على هذا النص: (ومثل هذا قوله بوجوب اتباع رسم الصحابة في المصاحف التي تكتب للتلاوة، وإباحة الرسم المستحدث في مصاحف التعليم فقط لتسهيله. وغرضه أن مصاحف التلاوة يجب أن تكون كالمصحف الإمام الذي أجمع عليه الصحابة حفظا للأصل).
وقد سئل الشيخ محمد رشيد رضا عن حكم مخالفة رسم المصحف الإمام فأجاب على السؤال في مجلة المنار قائلا: (إن ديننا يمتاز على جميع الأديان بحفظ أصله على منذ الصدر الأول، فالذين تلقوا القرآن عمن جاء به من عند الله، صلى الله عليه وسلم حفظوه وكتبوه، وتلقاه عنهم الألوف من المؤمنين، وتسلسل ذلك جيلا بعد جيل. وقد أحسن التابعون وتابعوهم وأئمة العلم في اتباع الصحابة في رسم المصحف وعدم تجويز كتابته بما استحدث الناس من فن الرسم، وكان أرقى مما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم، لأنه صنعة ترتقي بارتقاء المدينة إذ لو فعلوا لجاز أن يحدث اشتباه في
[607]
بعض الكلمات باختلاف رسمها وجهل أصلها، فالاتباع في رسم المصحف يفيد مزيد ثقة واطمئنان في حفظه، كما هو يبعد الشبهات أن تحوم حوله، وفيه فائدة أخرى وهي حفظ شيء من تاريخ الملة وسلف الأمة كما هو.
نعم إن تغير الرسم واختلاف الإملاء يجعل قراءة المصحف على وجه الصواب خاصة بمن يتلقاه عن القراء، ولذلك أحدثوا فيه النقط والشكل وهي زيادة لا تمنع معرفة الأصل على ما كان عليه في عهد الصحابة، ثم إنه يجعل تعليم الصغار عسرا، ولذلك أفتى الإمام مالك بجواز كتابة الألواح ومصاحف التعليم بالرسم المعتاد كما نقل.
قال علم الدين السخاوي في شرحه لعقيلة الشاطبي: قال أشهب رحمه الله: "سئل مالك رضي الله عنه أرأيت من استكتبته مصحفا أترى أن يكتب على ما أحدثه الناس من الهجاء اليوم؟
فقال: لا أرى ذلك، ولكن يكتب على الكتبة الأولى. قال مالك: ولا يزال الإنسان يسألني عن نقط القرآن فأقول له: أما الإمام من المصاحف فلا أرى أن ينقط، ولا يزاد في المصاحف ما لم يكن فيها، وأما المصاحف الصغار التي يتعلم فيها الصبيان والألواح فلا أرى بأسا". ثم قال أشهب: والذي ذهب إليه مالك هو الحق، إذ فيه بقاء الحال الأولى إلى أن يعلمها الآخر، وفي خلاف ذلك تجهيل الناس بأوليتهم.
وقال أبو عمرو الداني في كتابه المسمى المحكم في النقط عقب قول مالك هذا: "ولا مخالف لمالك في ذلك من علماء الأمة".
فالذي أراه هو أن تطبع المصاحف التي تتخذ لأجل التلاوة برسم المصحف الإمام الذي كتبه الصحابة عليهم الرضوان حفظا لهذا الأثر التاريخي العظيم الذي هو أصل ديننا كما هو، لكن مع النقط والشكل للضبط. ولو كان لمثل الأمة الإنكليزية هذا الأثر لما استبدلت به ملك كسرى وقيصر، ولا أسطول الألمان الجديد الذي هو شغلها الشاغل اليوم. أما الألواح والأجزاء وكذا المصاحف التي تطبع لأجل تعليم الصغار بها في الكتاتيب فلتطبع بالرسم المصطلح عليه اليوم من كل وجه تسهيلا للتعليم، ومتى كبر الصغير وكان متعلما للقرآن بالرسم المشهور لا يغلط إذا قرأ المصاحف المطبوعة برسم الصحابة مع زيادة النقط والشكل، وكذلك يكتب القرآن في أثناء كتب التفسير وغيرها بالرسم الاصطلاحي ليقرأه كل أحد على وجه الصواب، وبهذا تجمع
[608]
بين حفظ أهم شيء في تاريخ ديننا وبين تسهيل التعليم وعدم اشتباه القارئين.
أما ما احتج به العز بن عبد السلام على رأيه فليس بشيء، لأن الاتباع إذا لم يكن واجبا من الأصل، فإن فرق بين الآن الذي قال فيه ما قال وبين ما قبله وما بعده؛ بل يكتب الناس القرآن في كل زمن بما يتعارفون من الرسم، وإذا كان واجبا في الأصل وهو ما لا ينكره فترك الناس له لا يجعله حراما أو غير جائز لما ذكره من الالتباس؛ بل يزال هذا الالتباس في أنه لا يسلم له.
وأما ما طبعه المسلمون من المصاحف في الآستانة وقزان ومصر وغيرها من البلاد غير متبعين فيه رسم المصحف الإمام في كل الكلمات، فسببه التهاون والجهل والاعتماد على بعض المصاحف الخطية التي كتبت قبل عهد الطباعة، فرسم فيها بالرسم المعتاد الكلمات التي يظن أنه يقع الاشتباه فيها إذا هم كتبوها كما كتبها الصحابة كلفظ "الكتاب" بالألف بعد التاء، وهو في المصحف الإمام بغير ألف ليوافق في بعض الآيات قراءة الجمع فكتبوه بالألف، ولم أر مصحفا كتب أو طبع كله بالرسم المعتاد.
ونحمد الله تعالى أن وفق بعض الناس إلى طبع ألوف من المصاحف برسم الصحابة المتبع، وأحسن المصاحف التي طبعت في أيامنا هذه ضبطا وموافقة للمصحف الإمام المتبع هو المصحف المطبوع في مطبعة محمد بن زيد بمصر سنة 1308، إذ وقف على تصحيحه وضبطه الشيخ رضوان ابن محمد المخللاتي أحد علماء هذا الشأن وصاحب المصنفات فيه، وقد وضع له مقدمة بين فيها ما يحتاج إليه في ذلك، فالذي أراه أنه ينبغي للجنة القرآنية أن تراجع هذا المصحف، فإنها تجد فيه حل عقد المشكلات كلها إن شاء الله تعالى ككلمة "الأقلام" وأمثالها، وهي بغير ألف، وكلمة "أتاني" التي رسمت في المصحف الإمام "اتني"، فيرون أن هذا المصحف وضع فوق "النون" "ياء" صغيرة مفتوحة هي من قبيل الشكل لتوافق قراءة حفص فهي فيه هكذا "اتني".
وجملة القول أننا نرى أن الصواب الذي ينبغي أن يتبع ولا يعدل عنه هو أن تطبع الأجزاء والمصاحف التي يعلم فيها المبتدئون بالرسم الاصطلاحي لتسهيل التعليم، وهي ما جرت عليه الجمعية الخيرية الإسلامية هنا بإذن الأستاذ الإمام رحمه الله تعالى، فهي تطبع أجزاء القرآن كل جزء على حدته بالرسم الاصطلاحي وتوزيعها
[609]
على التلاميذ في مدارسها، وأما سائر المصاحف فيتبع في طبعها رسم المصحف الإمام كالمصحف الذي ذكرناه آنفا، وإذا جرى المسلمون على هذا في الآستانة ومصر وقزان والقريم وسائر البلاد الإسلامية فلا يمضي جيل أو جيلان إلا وتنقرض المصاحف التي طبع بعض كلماتها بالرسم الاصطلاحي، وبعضها برسم الصحابة، ولا ضرر من وجودها الآن إذ هي مضبوطة بالشكل كغيرها، فالاشتباه والخطأ مأمونان في جميع المصاحف ولله الحمد).
على أن الشيخ رضا قد اختار في جواب له في مجلة المنار أيضا القول بأن رسم المصحف الإمام سماعي توقيفي، وادعى اتفاق العلماء على ذلك... ولم أقف على من صرح بذلك من أهل العلم، ولا وجه القول بتوقيفية الرسم؛ بل صرح بعض الكاتبين في علوم القرآن بأنه لا حجة مع القائلين بأن رسم المصحف توقيفي وهو قول بعض متأخري الصوفية ولا يستند إلى برهان؛ بل إنهم احتكموا في ذلك إلى عواطفهم، واستسلموا استسلاما شعريا صوفيا إلى مذاويقهم ومواجيدهم والأذواق نسبية لا دخل لها في الدين، ولا يستنبط منها حقيقة شرعية.
وقد حكى الزرقاني في المناهل القول بأن رسم المصحف الإمام توقيفي عن عبد العزيز الدباغ أحد صوفية القرن الثاني عشر طبقا لما نقله عنه تلميذه ابن المبارك السلجماسي في كتابه الأبريز ولا أعلم له في ذلك سلفا.
التزام رسم المصحف هو مقتضى التحقيق:
قد اتفقت كلمة أهل التحقيق على وجوب التزام رسم المصحف الإمام وعدم
[610]
التعريج على ما يخالفه نظرا إلى المخاطر المترتبة على القول بجواز المخالفة، فضلا عن ضعف المبررات التي تعلق بها مجوزو مخالفة الرسم، وعلى فرض صحتها فهي أمور وقتية ومصالح جزئية. وقد تقرر في الأصول أن المصالح الجزئية يغتفر إهمالها تقديما للمصالح الكلية، ثم إن المفاسد المترتبة على مخالفة رسم المصحف الإمام أكبر، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
ولقد بحثت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية مسألة كتابة المصحف حسب قواعد الإملاء وإن خالف ذلك الرسم العثماني، وعرضت في ذلك البحث النقول الواردة في هذا الشأن عن ذوي الاختصاص من السلف والخلف، وخلصت اللجنة إلى النتيجة التالية:
أولا...ثبت أن كتابة المصحف بالرسم العثماني كانت في خلافة عثمان رضي الله عنه بأمره، وأنه أمر كتبة المصحف أن يكتبوا ما اختلفوا فيه بلغة قريش، وذلك مما يدل على القصد إلى رسم معين، ووافقه في ذلك الصحابة رضوان الله عنهم، وأجمع عليه التابعون ومن بعدهم إلى عصرنا رغم وضع قواعد الإملاء والعمل بمقتضاها في التأليف والقراءة وكتابة الرسائل، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهدين من بعدي" فكانت المحافظة على كتابة المصحف بهذا الرسم واجبة أو سنة متبعة اقتداء بعثمان وعلي وسائر الصحابة رضي الله عنهم، وعملا بالإجماع.
ثانيا... إن الرسم الإملائي نوع من الاصطلاح في الخط، فهو قابل للتغيير والتبديل باصطلاح آخر مرة بعد أخرى كسائر رسوم الخطوط في اللغة العربية وغيرها، فإذا عدلنا عن الرسم العثماني إلى الرسم الإملائي الموجود حاليا تسهيلا للقراءة فقد يفضي ذلك إلى التغير كلما تغير الاصطلاح في الكتابة لنفس العلة، وقد يؤدي ذلك إلى تحريف القرآن بتبديل بعض الحروف من بعض، والزيادة فيها، والنقص فيها، ويخشى أن تختلف القراءة تبعا لذلك ويقع فيها التخليط على مر الأيام والسنين، ويجد عدو الإسلام مدخلا للطعن في القرآن بالاختلاف والاضطراب بين نسخه، وهذا من جنس البلاء الذي أصيبت به الكتب الأولى حينما عبثت بها الأيدي والأفكار، وقد جاءت شريعة الإسلام بسد الذرائع والقضاء عليها محافظة على الدين ومنعا للشر والفساد.
[611]
ثالثا... يخشى إن وقع ذلك أن يصير كتاب الله- القرآن- ألعوبة بأيدي الناس، كلما عن لإنسان فكرة في كتابة القرآن اقترح تطبيقها فيه، فيقترح بعضهم كتابته باللاتينية، وآخرون كتابته بالعبرانية.. وهكذا مستندين في ذلك إلى ما استند إليه من اقترح كتابته حسب قواعد الإملاء من التيسير ورفع الحرج والتوسع في الاطلاع وإقامة الحجة، وفي هذا ما فيه من الخطر، وقد نصح مالك بن أنس الرشيد أو جده المنصور ألا يهدم الكعبة ليعيدها إلى بنائها الذي قام به عبد الله بن الزبير حيث بناها على قواعد إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام خشية أن تصير الكعبة ألعوبة بين أيدي الولاة. قال تقي الدين الفاسي في كتابه شفاء الغرام: "ويروى أن الخليفة الرشيد أو جده المنصور أراد أن يغير ما صنعه الحجاج بالكعبة، وأن يردها إلى ما صنعه ابن الزبير، فنهاه عن ذلك الإمام مالك ابن أنس رحمه الله، وقال له: نشدتك الله لا تجعل بيت الله ملعبة للملوك، لا يشاء أحد منهم أن يغيره إلا غيره، فتذهب هيبته من قلوب الناس" انتهى بالمعنى.
ثم قال: "وكان مالك لحظ في ذلك أن درء المفاسد أولى من جلب المصالح وهي قاعدة مشهورة معتمدة" انتهى.
خلاصة القول: أن لكل من القول بجواز كتابة المصحف- القرآن- على مقتضى قواعد الإملاء والمنع من ذلك وحرمته وجهة نظر، غير أن مبررات الجواز فيها مآخذ ومناقشات تقدم بيانها، وقد لا تنهض معها لدعم القول بالجواز، ومع ذلك قد عارضها ما تقدم ذكره من الموانع، وجريا على القاعدة المعروفة من تقديم الحظر على الإباحة.
وترجيح جانب درء المفاسد على جلب المصالح عند التعادل أو رجحان جانب المفسدة. قد يقال: إن البقاء على ما كان عليه المصحف من الرسم العثماني أولى وأحوط على الأقل، وعلى كل حال فالمسألة محل نظر واجتهاد، والخبر في اتباع ما كان عليه الصحابة وأئمة السلف رضي الله عنهم... والله الموفق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.
[612]

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 20 جمادى الآخرة 1440هـ/25-02-2019م, 11:32 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

النقص في المصحف

قال صَالِحٌ بْنُ مُحَمَّدِ الرَّشيدِ(م): (لا يخلو النقص في المصحف من أن يكون متعمدا أو أن يكون غير متعمد، فإن كان النقص متعمدا فقد حكى القاضي عياض في كتابه الشفا إجماع أهل العلم على القول بكفر فاعله وقد مضى كلام القاضي في غير موضع من هذا البحث مستوفي وأما إن كان النقص الحاصل في المصحف نتيجة سهو من الناسخ وعدم شعور منه فقد صرح غير واحد من أهل العلم بعدم تأثيمه بذلك لكن يتعين
[729]
حينئذ استدراك القدر الناقص وإصلاح الخلل الحادث إن كان ذلك ممكنا فإن تعذر لكثرة السقط وتفشي الخلل تعين المصير إلى إتلافه درءا للمفاسد التي قد تترتب على استبقائه في الحال أو المآل على ما مضى بيانه في موضعه من مسألة إتلاف المصاحف ومتى يكون ذلك متعينا هذا في النقص من نظمه وأما النقص في حجمه فقد مضى في مسألتي أجزاء المصحف وتصغيره.
استشكال وجوابه:
ولما كان النقص في المصحف بهذه المثابة، استشكل البعض ما روي من إسقاط ابن مسعود من مصحفه سورة الفاتحة والمعوذتين فقد أخرج عبد بن حميد، ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة، وابن الأنباري في المصاحف عن محمد بن سيرين (أن أبي بن كعب وعثمان بن عفان كانا يكتبان فاتحة الكتاب والمعوذتين ولم يكتب ابن مسعود شيئا منهن).
وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم قال: (كان عبد الله بن مسعود لا يكتب فاتحة الكتاب في المصحف، وقال لو كتبتها لكتبت في أول كل شيء وأخرج أحمد والبزار والطبراني وابن مردويه من طرق. قال السيوطي: صحيحة (عن ابن مسعود أنه كان يحك المعوذتين في المصحف يقول: (لا تخلطوا القرآن بما ليس منه إنهما ليستا من كتاب الله، إنما أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يتعوذ بهما، وكان ابن مسعود لا يقرأ بهما) قال البزار: (لم يتابع ابن مسعود أحد من الصحابة، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قرأ بهما في الصلاة) وأثبتتا في المصحف.
[730]
وأخرج أحمد والبخاري والنسائي وغيرهم عن زر بن حبيش قال: (أتيت المدينة فلقيت أبي ابن كعب، فقلت له أبا المنذر إني رأيت ابن مسعود لا يكتب المعوذتين في مصحفه، فقال: أما والذي بعث محمدا بالحق لقد سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنهما وما سألني عنهما أحد منذ سأله غيرك، قال: (قيل لي قل. فقلت: فقولوا).فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن هاتين السورتين فقال: قيل لي، فقلت فقولوا كما قلت").
ثبوت قرآنية المعوذتين:
وأخرج مسلم والترمذي والنسائي وغيرهم عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " أنزلت على الليلة آيات لم أر مثلهن قط (قل أعوذ برب
[731]
الفلق) و (قل أعوذ برب الناس) وقد رويت قرآنية المعوذتين عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا من حديث جابر وأبي حابس الجهمي، وأبي سعيد الخدري، وزيد بن أرقم، وأم سلمة، وعائشة.. رضي الله عنهم أجمعين.
رجوع ابن مسعود عن القول بعدم قرآنية المعوذتين:
قال ابن كثير بعد حكايته المروي عن ابن مسعود آنفا من عدم قرآنية المعوذتين:
(ثم قد رجع عن قوله إلى قول الجماعة).
الجواب عن الاستشكال:
أ) من أهل العلم من بنى جوابه عن الاستشكال المذكور على تقدير صحة المروي عن ابن مسعود وثبوته فقال في شأن المعوذتين وإنكار ابن مسعود لقرآنيتهما أنه قد ظن أن المعوذتين ليستا من القرآن، لأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ بهما الحسن والحسين، فأقام على ظنه، ولا نقول: إنه أصاب في ذلك وأخطأ المهاجرون والأنصار، وبمثل هذا أجاب ابن قتيبة في غير موضع من كتبه. ثم قال: (وأما إسقاطه الفاتحة من مصحفه فليس لظنه أنها ليست من
[732]
القرآن – معاذ الله- ولكنه ذهب إلى أن القرآن إنما كتب وجمع بين اللوحين مخافة الشك والنسيان والزيادة والنقصان، ورأى أن ذلك مأمون في سورة الحمد لقصرها ووجوب تعلمها على كل أحد.
ب) ومن أهل العلم من لم يرتض هذا الجواب أو يسلم بهذا الاعتذار بل ذهب إلى رد هذه الآثار لكونها أخبار آحاد لا تقوى على معارضة المتواتر ولا تقاوم بها قواطع الشرع وما انعقد عليه إجماع الأمة وقد سلك هذا المسلك في الجواب غير واحد من أهل العلم كابن الأنباري والقاضي الباقلاني وأبي عبد الله القرطبي فقد جاء في تفسيره ما نصه [وزعم ابن مسعود أنهما دعاء تعوذ به، وليستا من القرآن، خالف به الإجماع من الصاحبة وأهل البيت. قال ابن قتيبة: لم يكتب عبد الله بن مسعود في مصحفه المعوذتين، لأنه كان يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين – رضي الله عنهما- بهما، فقدر أنهما بمنزلة: [أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة]. قال أبو بكر الأنباري: وهذا مردود على ابن قتيبة، لأن المعوذتين من كلام رب العالمين، المعجز لجميع المخلوقين. " وأعيذكما بكلمات الله التامة" من قول البشر بين. وكلام الخالق الذي هو آية لمحمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، وحجة له باقية على جميع الكافرين، لا يلتبس بكلام الآدميين، على مثل عبد الله بن مسعود الفصيح اللسان، العالم باللغة، العارف بأجناس الكلام، وأفانين القول قال القرطبي " وقال بعض الناس:
[733]
لم يكتب عبد الله المعوذتين لأنه أمن عليهما من النسيان، فأسقطهما وهو يحفظهما، كما أسقط فاتحة الكتاب من مصحفه وما يشك في حفظه وإتقانه لها. فرد هذا القول على قائله، واحتج عليه بأنه قد كتب: (إذا جاء نصر الله والفتح) و (إنا أعطيناك الكوثر) و (قل هو الله أحد) وهن يجرين مجرى المعوذتين في أنهن غير طوال، والحفظ إليهن أسرع، ونسيانهن مأمون، وكلهن يخالف فاتحة الكتاب، إذ الصلاة لا تتم إلا بقراءتها وسبيل كل ركعة أن تكون المقدمة فيها قبل ما يقرأ من بعدها، فإسقاط فاتحة الكتاب من المصحف، على معنى الثقة ببقاء حفظها، والأمن من نسيانها، صحيح، وليس من السور ما يجري في هذا المعنى مجراها، ولا يسلك به طريقها... وقد مضى هذا المعنى في سورة "الفاتحة" والحمد لله.
جواب القاضي الباقلاني:
وقد أجاب أبو بكر الباقلاني في غير موضع من كتابه "الانتصار لنقل القرآن" عن دعوى عدم قرآنية المعوذتين لأجل أن النبي صلى الله عليه وسلم ما بين ذلك، ولأجل خلاف ابن مسعود في ذلك وجحده أن تكونا من القرآن. أجاب بأن هذا باطل وزور ولا ينبغي لمسلم أن يثبته على عبد الله بن مسعود بأخبار آحاد معارضة بما هو أقوى منها عن رجال عبد الله في إثباتها قرآنا وقال في موضع من الانتصار.
[734]
أيضا [وأما المعوذتان فكل من ادعى معارضة أن عبد الله بن مسعود أنكر أن تكونا من القرآن فقد جهل وبعد عن التحصيل، لأن سبيل نقلهما سبيل نقل القرآن ظاهرا ومشهورا وفيهما الإيجاز الذي لا خفاء لذي فهم عنه، فكيف يحمل على ابن مسعود إنكار كونهما قرآنا مع ما ذكرنا من النقل والإعجاز، هذا غاية الغباوة من مضيفه إليه وكيف ينكر كونها قرآنا منزلا ولا ينكر عليه الصحابة، وقد أنكرت عليه أقل من هذا وكرهته من قوله حيث قال: [معشر المسلمين، أعزل عن كتابة المصحف، والله لقد أسلمت وإن زيدا لفي صلب رجل كافر].
قال ابن شهاب وغيره: لقد كره مقالته هذه الأماثل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكيف يصح ذلك قد كان مشهورا بإتقان القراءة منتصبا للإقراء فلو أنكرها لم يستبعد ممن قرأ عليه أن يروي ذلك عنه ويذكره، فلما لم يرو عنه ولا نقل مع جريان العادة دل على بطلانه وفساده. فإن قيل فلعلهم لم يرووا عنه هذا لشناعته وبشاعته وخروج فاعله عن مذهب الأمة. قيل: فقد كانوا مع هذا خيارا وأبرارا، فكان يجب انحرافهم عنه وتفنيدهم له.
وفي إطباق أهل السيرة والرواية على أنه لا شيء يروى عن أصحاب عبد الله في هذا دليل على بطلانه. وهذا سبيل القول عندنا في كل أمر يروى عن الصحبة أو عن أحدهم يوجب تفسيقه أو تضليله، لا يجب قبوله ولا العمل به، لأنهم قد تثبت عدالتهم بالنقل الموجب للعلم القاطع للعذر فلا يثبت جرحهم بخبر واحد مطعون]. ثم مضى في ذكر الروايات المثبتة لقرآنية المعوذتين كما ذكر بعض أوجه التأويل للمروي عن ابن مسعود رضي الله عنه.
وقد مر أن جمعا من أهل العلم قد سلكوا مسلك الباقلاني في إبطال المروي عن ابن مسعود من إنكار قرآنية المعوذتين فمنهم الطحاوي وابن الأنباري
[735]
وابن حزم في المحلى والقاضي عياض والفخر الرازي في تفسيره والنووي في مجموعه وغيرهم. لكن الحافظ في الفتح لم يسلم ما ذهبوا إليه من القول بعدم صحة المروي عن ابن مسعود ومال إلى الجواب القائل باحتمال أن نقل الفاتحة والمعوذتين أنه كان متواترا في عصر ابن مسعود لكن لم يتواتر عند ابن مسعود قال: [فانحلت العقدة بعون الله تعالى].
[736]

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 20 جمادى الآخرة 1440هـ/25-02-2019م, 11:35 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

نقط المصحف


قال صَالِحٌ بْنُ مُحَمَّدِ الرَّشيدِ(م): (مرت الإشارة إلى مسألة نقط المصاحف في غير موضع من هذا البحث بيد أن الكلام عنها هنا سيكون مقصورا على قضايا أربع:
إحداها: ماهية النقط أو تعريفه.
والثانية: سببه والباعث عليه وأول من نقط المصاحف.
والثالثة: جملة ما في المصحف من النقط.
والرابعة: حكم نقط المصاحف واختلاف أهل العلم في ذلك.
ماهية النقط:
قال العيني في البناية (والنقط بفتح النون وسكون القاف مصدر من نقط المكتوب ينقط وبعضهم ضبطه بضم النون وفتح القاف، وقال: جمع نقطة وهو تصحيف على ما لا يخفى وذكر أبو عمرو الداني في المحكم أن النقط يطلق على معنيين، أحدهما نقط الإعجام، وهو نقط الحروف في سمتها للتفريق بين الحروف المشتبهة في الرسم، كنقط الباء بنقطة من تحت، ونقط التاء باثنتين من فوق ونقط الثاء بثلاث نقط من فوق؟
والثاني: نقط الإعراب، أو نقط الحركات، وهو نقط الحروف للتفريق بين
[737]
الحركات المختلفة في اللفظ، كنقط الفتحة بنقطة من فوق الحرف، ونقط الكسرة بنقطة من تحت الحرف، ونقط الضمة بنقطة أمام الحرف أو بين يديه.
وقد أشرك الأقدمون النوعين في الصورة بجعلها نقطا مدورا من حيث اشتراكهما في المعنى والغاية، وهي التفريق والتبيين. تفريق الحروف المتشابهة ببعضها من بعض ، وتفريق الحركات المختلفة بعضها من بعض. قال أبو عمرو الداني في " المحكم": على أن اصطلاحهم على جعل الحركات نقطا كنقط الإعجام قد يتحقق من حيث كان معنى الإعراب التفريق بالحركات. وكان الإعجام أيضا يفرق بين الحروف المشتبهة في الرسم. وكان النقط يفرق بين الحركات المختلفة في اللفظ. فلما اشتركا في المعنى أشرك بينهما في الصورة ونقط الحركات هو المقصود بنقط المصاحف. وقد أحدثه المسلمون لضبط ألفاظ القرآن، وتصحيح قراءتها.
وقد ذكر محقق المحكم أن النقط كان معروفا في كتب الأمم السابقة وبخاصة ما كان منها مقدسا لديهم.

الباعث على نقط المصحف وأول من نقطها:
قال أبو عمرو الداني في "المحكم": "اعلم أيدك الله بتوفيقه أن الذي دعا السلف، رضي الله عنهم، إلى نقط المصحف ما شاهدوه من أهل عصرهم، من فساد ألسنتهم واختلاف ألفاظهم، وتغير طباعهم، ودخول اللحن على كثير من خواص الناس وعوامهم، وما خافوه مع مرور الأيام وتطاول الأزمان، من تزيد ذلك وتضاعفه فيمن يأتي بعد، ممن هو- لاشك- في العلم والفصاحة والفهم والدراية دون من شاهدوه ممن عرض له الفساد، ودخل عليه اللحن، لكي يرجع إلى نقطها ويصار إلى شكلها عند دخول الشكوك وعدم
[738]
المعرفة ويتحقق بذلك إعراب الكلم، وتدرك به كيفية الألفاظ.
وقد اختلف الناس في ماهية السابق إلى نقط المصاحف وهل كان من الصحابة رضوان الله عليهم وكما هو اختيار أبي عمرو الداني في المحكم استنادا إلى قول قتادة [بدؤوا فنقطوا، ثم خمسوا، ثم عشروا أم كان من التابعين على ما هو مشهور عند الجمهور. قال أبو عمرو: هذا يدل على أن الصحابة وأكابر التابعين، رضوان الله عليهم، هم المبتدئون بالنقط ورسم الخموس والعشور، لأن حكاية قتادة لا تكون إلا عنهم، إذ هو من التابعين. قوله "بدؤوا إلى آخره" دليل على أن ذلك كان عن اتفاق من جماعتهم وما اتفقوا عليه أو أكثرهم فلا شكول في صحته، ولا حرج في استعماله. وإنما أخلى الصدر منهم المصاحف من ذلك ومن الشكل من حيث أرادوا الدلالة على بقاء السعة في اللغات والفسحة في القراءات التي أذن الله تعالى لعباده في الأخذ بها والقراءة بما شاءت منها. فكان الأمر على ذلك إلى أن حدث في الناس ما أوجب نقطها وشكلها.
ثم ذكر أبو عمرو قصة احتيال زياد بن أبي سفيان على أبي الأسود الدؤلي لاضطراره إلى تلبية رغبته في نقط المصاحف على ما مر بيانه في غير موضع من هذا البحث. ثم إن الجمهور الكاتبين حين اتفقوا على أن نقط المصاحف إنما أحدث في عهد التابعين قد اختلفوا في ماهية من قام بهذا الصنيع وهل كان أبا الأسود الدؤلي. أم نصر بن عاصم الليثي. أم يحي بن يعمر العدواني أم
[739]
الخليل بن أحمد الفراهيدي وقد جمع الداني بين هذه الأقوال المختلفة فقال: [قال أبو عمرو: يحتمل أن يكون يحي ونصر أول من نقطاها للناس بالبصرة وأخذ ذلك عن أبي الأسود، إذا كان السابق إلى ذلك والمبتديء به، وهو الذي جعل الحركات والتنوين لا غير على ما تقدم في الخبر عنه. ثم جعل الخليل بن أحمد الهمز والتشديد والروم والإشمام. وقفا الناس في ذلك أثرهما واتبعوا فيه سنتهما، وانتشر ذلك في سائر البلدان وظهر العمل به في كل عصر وأوان. والحمد لله على كل حال].
جملة ما في المصحف من النقاط:-
قال الفيروزآبادي في كتابه "بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز" :
[وأما نقطه فجملة نقط القرآن مائة ألف وخمسون ألفا وستة آلاف وإحدى وثمانون نقطة].
حكم نقط المصاحف واختلاف أهل العلم في ذلك:-
ولما كان المصحف الإمام خاليا عن النقط والشكل على ما مضى بيانه في غير موضع من هذا البحث ولورود الأمر بتجريد المصاحف مرفوعا وموقوفا كما مر في مسألة
[740]
تجريد المصحف، فقد اختلفت كلمة أهل العلم في مسألة نقط المصاحف حيث منع منها فريق من أهل العلم ورخص فيها آخرون، وممن حكى عنه المنع ابن عمر وابن مسعود من الصحابة رضي الله عنهم وهو محكي عن قتادة وإبراهيم وابن سيرين والحسن البصري
[741]
في رواية عنهما، وعباد بن عباد الخواص والقول بكراهة النقط هو مذهب أبي حنيفة والإمام مالك في المصاحف الأمهات خاصة. وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد غير أن جمهور أهل العلم على القول بجواز نقط المصاحف لكونه يعين على جودة التلاوة فيها ويقي التالي من الوقوع في اللحن والتصحيف بل صرح بعضهم باستحبابه قال النووي في التبيان [قال العلماء: ويستحب نقط المصحف وشكله فإنه صيانة من اللحن فيه والتصحيف وأما كراهة الشعبي والنخعي النقط فإنما كرهاه في ذلك الزمان خوفا من التغيير فيه وقد أمن ذلك اليوم فلا منع، ولا يمتنع من ذلك لكونه محدثا فإنه من المحدثات الحسنة فلم يمنع منه كنظائره مثل تصنيف العلم، وبناء المدارس والرباطات وغير ذلك والله أعلم].
وذكر أبو العباس ابن تيمية أن من أسباب ترك الصحابة المصاحف أول ما كتبت غير مشكولة ولا منقوطة، لتكون صورة الرسم محتملة للأمرين كالتاء، والياء والفتح والضم. اهـ وقد سبقه إلى نحو ذلك أبو عمرو الداني في المحكم حيث قال: [وإنما أخلى الصدر منهم المصاحف من ذلك ومن الشكل من حيث أرادوا الدلالة على بقاء السبعة في اللغات والفسحة في القراءات التي أذن الله تعالى لعباده في الأخذ
[742]
بها والقراءة بما شاءت منها. فكان الأمر على ذلك إلى أن حدث في الناس ما أوجب نقطها وشكلها]. وقال أبو العباس ابن تيمية: [الصحابة كتبوا المصاحف بغير شكل ولا نقط لأنهم لا يلحنون] وقال في موضع آخر: [وإن كتبت بنقط وشكل أو بدونهما جاز] وقال ف ي موضع آخر: [لما حدث اللحن في زمن التابعين صار بعضهم يشكل المصاحف وينقطها بالحمرة] وقال في موضع آخر [حكم الشكل والنقط حكم الحروف المكتوبة من كلام الله، الشكل يبين إعراب القرآن والنقط يبين الحروف والصحابة لم يشكلوها ولم ينقطوها لأنهم لا يلحنون]. وقال في موضع آخر[يجب احترام المصاحف واحترام المصاحف واحترام الشكل والنقط إذا كانت مشكولة ومنقوطة لامتيازها عما سواها في المعاني والمتكلم بها.] وقد مضى في مسألة تشكيل المصحف بأبسط من هذا.
[743]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 20 جمادى الآخرة 1440هـ/25-02-2019م, 11:36 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

هامش المصحف

قال صَالِحٌ بْنُ مُحَمَّدِ الرَّشيدِ(م): ( صرح بعض الفقهاء بأن لهامش المصحف والورق الأبيض الملحق به مثل ما للمصحف من الحرمة فلا يجوز مس شيء من ذلك حال الحدث مثلا وهو ظاهر كلام جماهير أهل العلم.
قال أبو العباس ابن تيمية في شرح العمدة[وأما المصحف فإنه لا يمس منه موضع الكتابة ولا حاشية ولا الجلد أو الدف أو الورق الأبيض المتصل به].
وقال الشرواني في حاشيته على تحفة المحتاج للهيتمي إثر قول الهيتمي عطفا على حرمة مس المصحف حال الحدث [ومس ورقه ولو البياض للخبر الصحيح [لا يمس القرآن إلا طاهر] قال المحشي وظاهر أن مسه مع الحدث ليس كبيرة سم على المنهج بخلاف الصلاة ونحوها كالطواف وسجدة التلاوة والشكر فإنها كبيرة إلى أن قال وقال سم ولو انفصل من ورقه بياضه كأن قص هامشه فهل يجري تفصيل الجلد، فيه نظر ولا يبعد الجريان أ.ه وأقره ع ش] وقد مر القول بقصر المنع على مس النقوش خاصة رواية في المذهب الحنفي واختيارا لابن عقيل الحنبلي في الفنون.
[744]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 6 ( الأعضاء 0 والزوار 6)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:36 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة