العودة   جمهرة العلوم > جمهرة علوم الاعتقاد > كتاب الأسماء والصفات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20 ذو القعدة 1434هـ/24-09-2013م, 05:26 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي غير مصنف

غير مصنف

عناصر الموضوع:
- معنى الدعاء
- ذكر معرفة أسماء الله عزّ وجلّ الحسنة الّتي تسمّى بها وأظهرها لعباده للمعرفة والدّعاء والذّكر
- «إن لله تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحدًا من أحصاها دخل الجنة».
-
- القول في اشتقاق الاسم
- الفرق بين الاسم والنعت لفظًا ومعنى
- القول في نسبة الاشتقاق والرد على من أنكره
- باب إثبات أسماء الله تعالى ذكره بدلالة الكتاب والسنة وإجماع الأمة
- باب عدد الأسماء التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من أحصاها دخل الجنة
- باب بيان الأسماء التي من أحصاها دخل الجنة
- باب بيان أن لله جل ثناؤه أسماء أخرى
- باب جماع أبواب معاني أسماء الرب عز ذكره
- باب ذكر الأسماء التي تتبع إثبات الباري جل ثناؤه والاعتراف بوجوده جل وعلا
- باب جماع أبواب ذكر الأسماء التي تتبع إثبات وحدانيته عز اسمه
- باب جماع أبواب ذكر الأسماء التي تتبع إثبات الإبداع والاختراع له أولها: الله
- باب جماع أبواب ذكر الأسماء التي تتبع نفي التشبيه عن الله تعالى جده
- باب جماع أبواب ذكر الأسماء التي تتبع إثبات التدبير له دون ما سواه
- تابع : باب جماع أبواب ذكر الأسماء التي تتبع إثبات التدبير له دون ما سواه
- باب ما جاء في حروف المقطعات في فواتح السور وأنها من أسماء الله عز وجل
- غير مصنف
- معنى الدعاء
- الأسماء والصفات
- من باب ما يقول إذا أصبح
- وقوله: اللهم ما صليت من صلاة
- قوله عند دخول الخلاء
- قوله - صلى الله عليه وسلم - في الركوع والسجود
- قوله - صلى الله عليه وسلم- أفضل الكلام أربع
- من لواحق الدعاء الذي لم يذكر في المأثور
- إذا هاجت الريح
- تعوذوا بالله من الأعميين


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 20 ذو القعدة 1434هـ/24-09-2013م, 05:26 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي غير مصنف

معنى الدعاء

قال أبو سليمان حَمْدُ بن محمد بن إبراهيم الخطابي (ت: 388هـ): (معنى الدعاء أصل هذه الكلمة مصدر، من قولك: دعوت الشيء، أدعوه، دعاء.
أقاموا المصدر مقام الاسم. تقول: سمعت دعاء كما تقول: سمعت صوتًا، وكما تقول: اللهم اسمع دعائي. وقد يوضع المصدر موضع الاسم. كقولهم: رجل عدل، وهذا درهم ضرب الأمير، وهذا ثوب نسج اليمن
ومعنى الدعاء: استدعاء العبد ربه عز ولج العناية واستمداده إياه المعونة.
وحقيقته: إظهار الافتقار إليه، والتبرؤ من الحول والقوة، وهو سمة العبودية، واستشعار الذلة البشرية، وفيه معنى الثناء على الله [عز وجل]، وإضافة الجود، والكرم إليه؛ ولذلك

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدعاء هو العبادة».
قال أبو سليمان حَمْدُ بن محمد بن إبراهيم الخطابي (ت: 388هـ): حدثنا: ابن الأعرابي، قال: حدثنا: بكر بن فرقد التميمي قال: حدثنا: أبو داود قال: حدثنا شعبة، عن منصور، عن ذر، عن يسيع الحضرمي، عن النعمان بن بشير: أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله: وحدثنيه: محمد بن الحسين بن عاصم. قال: حدثنا: محمد بن إسحاق بن خزيمة قال: حدثنا: أبو موسى، قال: حدثنا: عبد الرحمن [يعني -] ابن مهدي قال: حدثنا شعبة، عن منصور، عن ذر، عن يسيع، عن النعمان بن بشير، عن النبي صلى الله عليه وسلم [أنه] قال: «إن الدعاء هي العبادة»، وقرأ: {وقال ربكم ادعوني استجب لكم} [غافر: 60].
[قال أبو سليمان:]
هكذا قال في رواية: «إن الدعاء هي العبادة»، وإنما أنث على نية الدعوة، أو المسألة، أو الكلمة، أو نحوها، وقوله: «الدعاء هو العبادة» معناه أنه معظم العبادة، أو أفضل العبادة، كقولهم: الناس بنو تميم، والمال الإبل، يريدون: أنهم أفضل الناس، أو أكثرهم عددًا أو ما أشبه ذلك، وإن الإبل أفضل أنواع الأموال، وأنبلها. وكقول النبي صلى الله عليه وسلم:«الحج عرفة». يريد: أن معظم الحج الوقوف بعرفة.
وذلك؛ لأنه إذا أدرك عرفة، فقد أمن فوات الحج. ومثله في الكلام كثير.



وقد اختلفت مذاهب الناس في الدعاء، فقال قوم: لا معنى للدعاء ولا طائل له لأن الأقدار سابقة والأقضية متقدمة، والدعاء لا يزيد فيها، وتركه لا ينقص شيئًا منها ولا فائدة في الدعاء والمسألة.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: «قدر الله المقادير، قبل أن يخلق الخلق، بكذا وكذا عامًا».
وروي عنه صلى الله عليه وسلم: أنه قال: «جف القلم بما هو كائن».
وروي [عنه صلى الله عليه وسلم]: «أربع قد فرع [الله] منها: العمر، والرزق، والخلق والخلق». أو كما قال.
وقالت طائفة أخرى: الدعاء واجب. وهو يدفع البلاء، ويرد القضاء.
واحتجوا بما روي [عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه]: «لا يرد القضاء إلا الدعاء».
و[بما روي]: «أن الدعاء، والقضاء، يلتقيان فيعتلجان ما بين السماء والأرض».
وقال آخرون: «الدعاء واجب، إلا أنه لا يستجاب منه إلا ما وافق القضاء». وهذا المذهب هو الصحيح، وهو قول أهل السنة والجماعة، وفيه الجمع بين الأخبار المروية عن اختلافها والتوفيق بينها.
فأما من ذهب إلى إبطال الدعاء، فمذهبه فاسد؛ وذلك أن الله سبحانه أمر بالدعاء، وحض عليه، فقال: {ادعوني استجب لكم} [غافر: 60]

وقال عز وجل: {ادعوا ربكم تضرعا وخفية} [الأعراف: 55].

وقال تعالى: {قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم} [الفرقان: 77] في آي ذوات عدد في القرآن.
ومن أبطل الدعاء، فقد أنكر القرآن، ورده. ولا خفاء بفساد قوله، وسقوط مذهبه.
فإن قيل: فإذا كان الأمر على ما ذكرتموه من أن الدعاء: لا يدفع ضررًا، ولا يجلب نفعًا، لم يكن جرى به القضاء، فما فائدته؟ وما معنى الاشتغال به؟ فالجواب: إن هذا من جملة الباب الذي وقع التعبد فيه بظاهر من العلم، يجري مجرى الأمارة المبشرة، أو المنذرة، دون العلة الموجبة، وذلك والله أعلم لتكون المعاملة فيه على معنى الترجي، والتعلق بالطمع الباعثين على الطلب دون اليقين الذي يقع معه طمأنينة النفس، فيقضي بصاحبه إلى ترك العمل والإخلاد إلى دعة العطلة. فإن العمل الدائر بين الظفر، بالمطلوب وبين مخافة فوته، يحرك على السعي له، والدأب فيه، واليقين يسكن النفس، [ويريحها]، كما اليأس [يبلدها ويطفئها]، وقد قضى الله سبحانه أن يكون العبد ممتحنًا، ومستعملاً، ومعلقًا بين الرجاء، والخوف اللذين هما مدرجتا العبودية؛ ليستخرج منه بذلك الوظائف المضروبة عليه، التي هي سمة كل عبد، ونصبة كل مربوب، مدبر، وعلى هذا بني الأمر في معاني ما نعتقده في مبادئ الأمور التي هي الأقدار، والأقضية، مع التزامنا الأوامر التي تعبدنا بها، ووعدنا عليها في المعاد، الثواب والعقاب.
ولما عرض في هذا من الإشكال، ما سألت الصحابة: رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا:
«أرأيت أعمالنا هذه أشيء قد فرغ منه، أم أمر نستأنفه؟ فقال: بل هو أمر قد فرغ منه. فقالوا: ففيم العمل إذًا؟ قال: اعملوا، فكل ميسر لما خلق له. قالوا: فنعمل إذًا».
ألا تراه كيف علقهم بين الأمرين، فرهنهم بسابق القدر المفروغ منه، ثم ألزمهم العمل الذي هو مدرجة التعبد، لتكون تلك الأفعال أمائر مبشرة، ومنذرة، فلم يبطل السبب الذي هو كالفرع بالعلة التي هي له كالأصل، ولم يترك أحد الأمرين للآخر. وأخبر مع ذلك أن فائدة العمل هو القدر المفروغ منه، وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «فكل ميسر لما خلق له». يريد: أنه ميسر في أيام حياته للعمل الذي سبق له القدر به قبل وقت وجوده، وكونه، إلا أن الواجب. [عليك هاهنا] أن تعلم فرق ما بين الميسر، والمسخر، فتفهم.
وكذلك القول في باب الرزق، وفي التسبب إليه بالكسب، وهو أمر مفروغ منه في الأصل، لا يزيده الطلب، ولا ينقصه الترك.
ونظير ذلك؛ أمر العمر، والأجل المضروب فيه في قوله عز وجل: {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} [الأعراف: 34].
ثم قد جاء في الطب، والعلاج، ما جاء، وقد استعمله عامة أهل الدين من السلف، والخلف، مع علمهم بأن ما تقدم من الأقدار، والأقضية لا يدفعها التعالج بالعقاقير، والأدوية
وإذا تأملت هذه الأمور، علمت أن الله سبحانه قد لطف بعباده؛ فعلل طباعهم البشرية بوضع هذه الأسباب؛ ليأنسوا بها، فيخفف عنهم ثقل الامتحان الذي تعبدهم به، وليتصرفوا بذلك بين الرجاء، والخوف، وليستخرج منهم وظيفتي الشكر، والصبر في طوري السراء، والضراء، والشدة، والرخاء، ومن وراء ذلك علم الله تعالى فيهم، ولله عاقبة الأمور، وهو العليم الحكيم، لا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون} [الأنبياء: 23].
فإن قيل فما تأويل قوله سبحانه: {ادعوني استجب لكم} [غافر: 60]، وهو وعد من الله جل وعز يلزم الوفاء به، ولا يجوز وقوع الخلف فيه؟ قيل هذا مضمر فيه المشيئة كقوله: {بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء} [الأنعام: 41]، وقد يرد الكلام بلفظ عام، مراده خاص، وإنما يستجاب من الدعاء ما وافق القضاء، ومعلوم أنه لا تظهر لكل داع استجابة دعائه؛ فعلمت أنه إنما جاء في نوع خاص منه بصفة معلومة. وقد قيل: معنى الاستجابة: أن الداعي يعوض من دعائه عوضًا ما، فربما كان ذلك إسعافًا بطلبته التي دعا لها، وذلك إذا وافق القضاء. فإن لم يساعده القضاء، فإنه يعطي سكينة في نفسه، وانشراحًا في صدره، وصبرًا يسهل معه احتمال ثقل الواردات عليه، وعلى كل حال فلا يعدم فائدة دعائه، وهو نوع من الاستجابة.
وقد روى: أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من مؤمن ينصب وجهه لله، عز وجل، يسأله مسألة إلا أعطاه إياه إما عجلها له في الدنيا، وإما ادخرها له في الآخرة، ما لم يعجل، قالوا: وما عجلته؟ قال: يقول: دعوت، دعوت، فلا أراه يستجاب لي».
قال الشيخ رضي الله عنه -: وإذا ثبت معنى الدعاء، ووجوب العمل به؛ فإن من شرائط صحته، أن يكون ذلك من العبد بإخلاص نيته، وإظهار فقر، ومسكنة، وعلى حال ضرع، وخشوع، وأن يكون على طهارة من الداعي، واستقبال للقبلة، وأن يقدم الثناء على الله عز وجل والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أما دعائه، ومن سنته أن يرفع إلى الله عز وجل يديه، باسطًا كفيه، غير ساتر لهما بثوب، أو غطاء، ويكره فيه الجهر الشديد بالصوت، وتكره الإشارة فيه بأصبعين، وإنما يشير بالسبابة من يده اليمنى فقط.
وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يشير بأصبعين، فقال له: «أحد أحد».
ويستحب الاقتصار على جوامع الدعاء، ويكره الاعتداء فيه، وليس معنى الاعتداء الإكثار منه.
فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله يحب الملحين في الدعاء». وقال: «إذا دعا أحدكم، فليستكثر، فإنما يسأل ربه». وإنما هو مثل ما روي عن سعد: أنه سمع ابنًا له يقول:
«اللهم إني أسألك الجنة، ونعيمها، وبهجتها، وكذا، وكذا، وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها وكذا وكذا، فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه سيكون قوم يعتدون في الدعاء» فإياك أن تكون منهم، فإنك إذا سألتها، فأعطيتها، أعطيتها وما فيها، وإذا تعذوت من النار، فأعذت منها، أعذت منها ومما فيها من الشر».
ويكره في الدعاء السجع، وتكلف صنعة الكلام له، ولا يجوز أن يدعا بالمحال، وأن يطلب ما لا مطمع فيه، كمن يدعو بالخلود في الدنيا، وقد علم، أن الله سبحانه استأثر بالبقاء، وكتب الفناء على جميع خلقه. ولا يدعو بمعصية، ولا بقطيعة رحم، ونحوها من الأمور المحظورة، وليتخير لدعائه، والثناء على ربه، أحسن الألفاظ، وأنبلها، وأجمعها للمعاني، وأبينها؛ لأنه مناجاة العبد سيد السادات الذي ليس له مثل، ولا نظير، ولو تقدم بعض خدم ملوك أهل الدنيا إلى صاحبه، ورئيسه في حاجة، يرفعها إليه، أو معونة يطلبها منه، لتخير له محاسن الكلام، ولتخلص إليه بأجود ما يقدر عليه من البيان، ولئن لم يستعمل هذا المذهب في مخاطبته إياه، ولم يسلك هذه الطريقة فيها معه، أوشك أن ينبو سمعه عن كلامه، وأن لا يحظى بطائل من حاجته عنده.
فما ظنك برب العزة سبحانه وبمقام عبده الذليل بين يديه، ومن عسى أن يبلغ بجهد بيانه كنه الثناء عليه؟ وهذا رسوله، وصفيه صلى الله عليه وسلم قد أظهر العجز، والانقطاع دونه؛ فقال في مناجاته: «وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك أنت، كما أثنيت على نفسك». فسبحان من جعل عجز العاجزين عن شكره، والثناء عليه شكرًا لهم، كما جعل معرفة العارفين بأنهم لا يدركون كنه صفته إيمانًا لهم، وقد أولع كثير من العامة بأدعية منكرة اخترعوها، وأسماء سموها، ما أنزل الله بها من سلطان وقد يوجد في أيديهم دستور من الأسماء، والأدعية يسمونه: «الألف الاسم». صنعها لهم بعض المتكلفين من أهل الجهل، والجرأة على الله، عز وجل، أكثرها زور، وافتراء على الله، عز وجل، فليجتنبها الداعي إلا ما وافق منها الصواب. إن شاء الله تعالى
ومما يسمع على ألسنة العامة، وكثير من القصاص، قولهم: يا سبحان يا برهان يا غفران يا سلطان، وما أشبه ذلك.
وهذه الكلمات، وإن كان يتوجه بعضها في العربية على إضمار النسبة بذي، فإنه مستهجن، مهجور، لأنه لا قدوة فيه، ويغلط كثير منهم في مثل قولهم: يا رب طه ويس، ويا رب القرآن العظيم.
وأول من أنكر ذلك ابن عباس رحمه الله فإنه سمع رجلاً، يقول عند الكعبة: «يا رب القرآن». فقال: «مه! إن القرآن لا رب له، إن كل مربوب مخلوق».
فأما أغاليط من جمح به اللسان، واعتسف أودية الكلام من الأعراب، وغيرهم، الذين لم يعنوا بمعرفة الترتيب، ولم يقومهم ثقاف التأديب، كقول بعضهم في استسقاء الغيث:
رب العباد ما لنا وما لكا
قد كنت تسقينا فما بدا لكا
أنزل علينا الغيث لا أبا لكا
وكقول القائل من قريش حين هدموا الكعبة في الجاهلية،
وأرادوا بناءه على أساس إبراهيم صلوات الله عليه فجاءت حية عظيمة، فحملت عليهم، فارتدعوا. فعند ذلك قال شيخ منهم كبير.
«اللهم لا ترع، ما أردنا إلا تشييد بيتك، وتشريفه» وكقول بعضهم وإن كان من المذكورين في الزهاد -: «نعم المرء ربنا، لو أطعناه لم يعصنا» فإنها في أخواتها، ونظائرها عجرفية في الكلام، وتهور فيه، والله سبحانه متعال عن هذه النعوت، وذكره منزه عن مثل هذه الأمور، وقد روينا عن عون بن عبد الله، أنه كان يقول:
«ليعظم أحدكم ربه، أن يذكر اسمه في كل شيء، حتى يقول: أخزى الله الكلب، وفعل الله به كذا». وكان بعض من أدركناه من مشايخنا قل ما يذكر اسم الله جل وعلا إلا فيما يتصل بطاعة، أو قربة، وكان يقول للرجل إذا جزاه خيرًا: جزيت خيرًا، وقل ما يقول: جزاك الله خيرًا، إعظامًا للاسم أن يمتهن في غير قربة، أو عبادة.
ومما يجب أن يراعى في الأدعية، الإعراب الذي هو عماد الكلام، وبه يستقيم المعنى، وبعدمه يختل، ويفسد، وربما انقلب المعنى باللحن حتى يصير كالكفر، إن اعتقده صاحبه. كدعاء من دعا، أو قراءة من قرأ: {إياك نعبد وإياك نستعين} بتخفيف الياء من إياك، فإن الأيا ضياء الشمس، فيصير كأنه يقول شمسك نعبد. وهذا كفر.
وأخبرني محمد بن بحر الرهني، قال: حدثني الشاه بن الحسن قال: قال: أبو عثمان المازني لبعض تلامذته: عليك بالنحو؛ فإن بني إسرائيل كفرت بحرف ثقيل خففوه، قال الله عز وجل لعيسى: {إني ولدتك} فقالوا: «إني ولدتك» فكفروا.
وأخبرني أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل، قال: حدثنا ابن المرزبان عن الرياشي، قال: مر الأصمعي برجل يقول في دعائه: «يا ذو الجلال والإكرام» فقال ما اسمك؟ قال: ليث. فأنشأ يقول:
ينادي ربه باللحن ليث



لذاك إذا دعاه لا يجيب


[قال أبو سليمان]:
وإذ قد أتينا بما قد وجب تقديمه من شرائط صحة الدعاء، فلنعمد لتفسير ما جاء منه مأثورًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولنبدأ بتفسير أسماء الله جل وع التي هي تسعة وتسعون اسمًا. قال الله سبحانه: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} [الأعراف: 180]. ثم قال: {وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون} [الأعراف: 180]. فكان دلالة الآية أن [الغلط فيها والزيغ عنها إلحاد]. ونحن نسأل الله التوفيق لصواب القول فيها برحمته. [شأن الدعاء:3- 21]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 28 محرم 1435هـ/1-12-2013م, 10:48 PM
أم القاسم أم القاسم غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,449
افتراضي غير مصنف

ذكر معرفة أسماء الله عزّ وجلّ الحسنة الّتي تسمّى بها وأظهرها لعباده للمعرفة والدّعاء والذّكر

قال أبو عبد الله محمد بن إسحاق ابن مَنْدَهْ العَبْدي (ت: 395هـ): ( ذكر معرفة أسماء الله عزّ وجلّ الحسنة الّتي تسمّى بها وأظهرها لعباده للمعرفة والدّعاء والذّكر.
قال الله تعالى: {وللّه الأسماء الحسنى فادعوه بها} الآية، وقال: {هل تعلم له سميًّا}. قال ابن عبّاسٍ: معناه: هل تعلم أحدًا يقال له: الله غيره، وقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: للّه تسعةٌ وتسعون اسمًا، مائة إلاّ واحدًا، من أحصاها دخل الجنّة.

154 - أخبرنا محمّد بن يعقوب بن يوسف بن معقل بن سنانٍ، قال: حدثنا الرّبيع بن سليمان الجيزيّ، حدثنا عبد الله بن وهبٍ، حدثنا مالك بن أنسٍ، وغيره، عن أبي الزّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أنّ رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: للّه عزّ وجلّ تسعةٌ وتسعون اسمًا، مائةٌ إلاّ واحدًا، من أحصاها دخل الجنّة.

155 - أخبرنا أحمد بن محمّد بن إبراهيم، قال: حدثنا عبد الله بن روحٍ المداينيّ، حدثنا شبابة بن سوّارٍ، حدثنا ورقاء بن عمر، عن أبي الزّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ للّه عزّ وجلّ تسعةٌ وتسعين اسمًا، من أحصاها دخل الجنّة.

156 - أخبرنا خيثمة، قال: حدثنا محمّد بن عوفٍ (ح) وأخبرنا أحمد بن محمّد بن إبراهيم، قال: حدثنا أبو حاتمٍ الرّازيّ، قالا: حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافعٍ، حدثنا شعيب بن أبي حمزة، عن أبي الزّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: إنّ للّه تعالى تسعةً وتسعين اسمًا، مائةً غير واحدٍ، إنّه وترٌ يحبّ الوتر، من أحصاها دخل الجنّة.
رواه الوليد بن مسلمٍ، وعليّ بن عيّاشٍ، عن شعيبٍ.
رواه جماعةٌ عن أبي الزّناد، منهم ابن عيينة، والمغيرة بن عبد الرّحمن، وغيرهما.

157 - أخبرنا أحمد بن إسحاق بن أيّوب، وعليّ بن محمّد بن نصرٍ قالا: حدثنا بشر بن موسى، حدثنا عبد الله بن الزّبير، حدثنا سفيان بن عيينة، عن أبي الزّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ للّه تسعةً وتسعين اسمًا، مائةً غير واحدٍ، من حفظها ومن أحصاها دخل الجنّة.
مشهورٌ عن ابن عيينة.
وروى هذا عن

عبد الرّحمن بن هرمز الأعرج جماعةٌ، منهم موسى بن عقبة، وعبد الله بن الفضل.
وروي عن أبي هريرة من طرقٍ فيها مقالٌ، منهم عطاء بن يسارٍ، وسعيد بن المسيّب، وأبو سلمة، وعراك بن مالكٍ، ومحمّد بن جبير بن مطعمٍ، وأبو رافعٍ الصّائغ.

158 - أخبرنا محمّد بن الحسين بن الحسن، قال: حدثنا أحمد بن يوسف السّلميّ، أخبرنا عبد الرّزّاق، عن معمر بن راشدٍ، عن همّام بن منبّه، قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنّ للّه عزّ وجلّ تسعةً وتسعين اسمًا، مائةً إلاّ واحدًا، من أحصاها دخل الجنّة، إنّه وترٌ يحبّ الوتر.

159 - أخبرنا محمّد بن يعقوب، قال: حدثنا محمّد بن عبيد الله بن أبي داود، حدثنا روح بن عبادة، حدثنا عبد الله بن عونٍ، وهشام بن حسّان، عن محمّد بن سيرين، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، رفعه هشامٌ ولم يرفعه ابن عونٍ، أنّه قال: إنّ للّه عزّ وجلّ تسعةً وتسعين اسمًا، مائةً غير واحدٍ، من أحصاها كلّها دخل الجنّة.
رواه أبو أميّة عن روحٍ، عن ابن عونٍ مرفوعًا.
ورواه جماعةٌ عن هشام بن حسّان، منهم إسماعيل ابن عليّة، والنّضر بن شميلٍ، وخالد بن الحارث.

160 - أخبرنا محمّد بن الحسن، قال: حدثنا أحمد بن يوسف، حدثنا محمّد بن يوسف الفزاريّ، حدثنا سفيان، عن عاصم بن سليمان، عن محمّد بن سيرين، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: للّه تسعةٌ وتسعين اسمًا، مائةٌ غير واحدٍ، من أحصاها دخل الجنّة.
رواه أبو معاوية.
ورواه قتادة، وعوف بن أبي جميلة، ومطرٌ الورّاق.

161 - أخبرنا عمر بن محمّد بن سليمان العطّار، بمصر، قال: حدثنا محمّد بن غالب بن حربٍ، حدثنا عثمان بن عمر بن الهيثم، حدثنا عوف بن أبي جميلة، عن محمّد بن سيرين، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: للّه تسعةٌ وتسعون اسمًا، مائةٌ إلاّ واحدًا، من أحصاها دخل الجنّة.
رواه النّضر بن شميلٍ.
ورواه قتادة، وأيّوب، وخالدٌ الحذّاء، عن ابن سيرين).[التوحيد: 2/14-17]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 4 صفر 1435هـ/7-12-2013م, 03:18 PM
أم القاسم أم القاسم غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,449
افتراضي

«إن لله تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحدًا من أحصاها دخل الجنة»

قال أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي (ت: 337هـ) :
(حدثني أبو عبد الله الحسين بن محمد الرازي الفقيه قال: حدثني أبو بكر
محمد بن عمير الرازي قال: حدثني أبو الفضل عبد الرحمن بن معاوية العتبي بمصر قال: حدثني حبان بن نافع بن صخر بن جويرية قال: حدثني سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن لله تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحدًا من أحصاها دخل الجنة».
قال حبان: فحدثني داود بن عمرو بن قنبل المكي قال: سألنا سفيان أن يملي علينا التسعة والتسعين اسمًا التي لله عز وجل من القرآن فوعدنا أن يخرجها لنا، لما أبطأ علينا اتينا أبا زيد فأملى علينا هذه الأسماء، فأتينا سفيان فعرضناها عليه فنظر فيها أربع مرات

فقال: هي هذه فقلنا له: اقرأها علينا، فقرأها علينا سفيان: في فاتحة الكتاب: يا الله، يا رب، يا رحمن، يا رحيم، يا ملك، وفي البقرة ستة وعشرون اسمًا: يا محيط يا قدير، يا عليم، يا تواب، يا حكيم، يا بصير، يا واسع، يا بديع، يا سميع، يا كافي، يا رؤوف، يا شاكر، يا إله، يا واحد، يا غفور، يا حليم، يا قابض، يا باسط، يا لا إله إلا هو، يا حي، يا قيوم، يا علي، يا عظيم، يا ولي، يا غني، يا حميد. وفي آل عمران أربعة أسماء: يا قائم، يا وهاب، يا سريع، يا خبير. وفي النساء ستة أسماء: يا رقيب، يا حسيب، يا شهيد، يا عفو، يا مقيت، يا وكيل. وفي الأنعام خمسة أسماء: يا باطن، يا ظاهر، يا قدير، يا لطيف، يا خبير. وفي الأعراف اسمان: يا محيي، يا مميت، وفي الأنفال اسمان: يا نعم المولى، ويا نعم النصير. وفي «هود» سبعة أسماء: يا حفيظ، يا قريب، يا مجيب، يا قوي، يا مجيد، يا ودود، يا فعال. وفي الرعد اسمان: يا كبير، يا متعال. وفي «إبراهيم» اسم: يا منان. وفي «الحجر» اسم: يا خلاق. وفي «النحل» اسم: يا باعث. وفي «مريم» اسمان: يا صادق، يا وارث. وفي «المؤمنون» اسم: يا كريم. وفي «النور» ثلاثة أسماء: يا حق، يا مبين، يا نور. وفي «الفرقان» اسم: يا هادي. وفي «سبأ» اسم: يا فتاح. وفي «المؤمن» أربعة أسماء: يا غافر، يا قابل، يا شديد، يا ذا الطول. وفي «الذاريات» ثلاثة أسماء: يا رزاق، يا ذا القوة، يا متين. وفي «الطور» اسم: يا بار. وفي «اقتربت» اسم: يا مقتدر. وفي «الرحمن» ثلاثة أسماء: يا باقي، يا ذا الجلال، يا ذا الإكرام. وفي «الحديد» ثلاثة أسماء: يا أول، يا آخر، يا باطن. وفي «الحشر» عشرة أسماء: يا قدوس، يا سلام، يا مؤمن، يا مهيمن، يا عزيز، يا جبار، يا متكبر، يا خالق، يا بارئ، يا مصور. وفي «البروج» اسمان: يا مبدئ، يا معيد. وفي «قل هو الله أحد» اسمان: يا أحد، يا صمد). [اشتقاق أسماء الله:20 - 21]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 4 صفر 1435هـ/7-12-2013م, 03:20 PM
أم القاسم أم القاسم غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,449
افتراضي



قال أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي (ت: 337هـ) : (حدثني أبو عبد الله الحسين بن محمد الرازي الفقيه قال: حدثني أبو بكر محمد بن عمير الرازي قال: حدثني أبو الفضل عبد الرحمن بن معاوية العتبي بمصر قال: حدثني حبان بن نافع بن صخر بن جويرية قال: حدثني سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن لله تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحدًا من أحصاها دخل الجنة».
قال حبان: فحدثني داود بن عمرو بن قنبل المكي قال: سألنا سفيان أن يملي علينا التسعة والتسعين اسمًا التي لله عز وجل من القرآن فوعدنا أن يخرجها لنا، لما أبطأ علينا اتينا أبا زيد فأملى علينا هذه الأسماء، فأتينا سفيان فعرضناها عليه فنظر فيها أربع مرات

فقال: هي هذه فقلنا له: اقرأها علينا، فقرأها علينا سفيان: في فاتحة الكتاب: يا الله، يا رب، يا رحمن، يا رحيم، يا ملك، وفي البقرة ستة وعشرون اسمًا: يا محيط يا قدير، يا عليم، يا تواب، يا حكيم، يا بصير، يا واسع، يا بديع، يا سميع، يا كافي، يا رؤوف، يا شاكر، يا إله، يا واحد، يا غفور، يا حليم، يا قابض، يا باسط، يا لا إله إلا هو، يا حي، يا قيوم، يا علي، يا عظيم، يا ولي، يا غني، يا حميد. وفي آل عمران أربعة أسماء: يا قائم، يا وهاب، يا سريع، يا خبير. وفي النساء ستة أسماء: يا رقيب، يا حسيب، يا شهيد، يا عفو، يا مقيت، يا وكيل. وفي الأنعام خمسة أسماء: يا باطن، يا ظاهر، يا قدير، يا لطيف، يا خبير. وفي الأعراف اسمان: يا محيي، يا مميت، وفي الأنفال اسمان: يا نعم المولى، ويا نعم النصير. وفي «هود» سبعة أسماء: يا حفيظ، يا قريب، يا مجيب، يا قوي، يا مجيد، يا ودود، يا فعال. وفي الرعد اسمان: يا كبير، يا متعال. وفي «إبراهيم» اسم: يا منان. وفي «الحجر» اسم: يا خلاق. وفي «النحل» اسم: يا باعث. وفي «مريم» اسمان: يا صادق، يا وارث. وفي «المؤمنون» اسم: يا كريم. وفي «النور» ثلاثة أسماء: يا حق، يا مبين، يا نور. وفي «الفرقان» اسم: يا هادي. وفي «سبأ» اسم: يا فتاح. وفي «المؤمن» أربعة أسماء: يا غافر، يا قابل، يا شديد، يا ذا الطول. وفي «الذاريات» ثلاثة أسماء: يا رزاق، يا ذا القوة، يا متين. وفي «الطور» اسم: يا بار. وفي «اقتربت» اسم: يا مقتدر. وفي «الرحمن» ثلاثة أسماء: يا باقي، يا ذا الجلال، يا ذا الإكرام. وفي «الحديد» ثلاثة أسماء: يا أول، يا آخر، يا باطن. وفي «الحشر» عشرة أسماء: يا قدوس، يا سلام، يا مؤمن، يا مهيمن، يا عزيز، يا جبار، يا متكبر، يا خالق، يا بارئ، يا مصور. وفي «البروج» اسمان: يا مبدئ، يا معيد. وفي «قل هو الله أحد» اسمان: يا أحد، يا صمد). [اشتقاق أسماء الله:20 - 21]م

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 4 صفر 1435هـ/7-12-2013م, 03:34 PM
أم القاسم أم القاسم غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,449
افتراضي غير مصنف


القول في اشتقاق الاسم


قال أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي (ت: 337هـ) :( أجمع علماء البصريين، ولا أعلم عن الكوفيين خلافًا محصلاً مستندًا إلى من يوثق به أن اشتقاق «اسم» من سموت أسمو: أي علوت، كأنه جعل تنويهًا بالدلالة على المسمى لما كان تحته فأصله «سمو» على وزن حمل، وعذق، وقنو، وحنو.
الدليل على ذلك قولهم في الجمع أسماء كما قيل: أقناء، وأحناء، وأحمال. وفي التصغير «سمي» كما قيل: حني، وقني، وقد جمع الجمع فقيل: أسماء وأسام وهذا بين واضح.
وقد حكي أن بعضهم يذهب إلى أن أصله من «وسمت» كأنه جعل سمة للمسمى، وحسب القائلين بهذا القول ذهبوا إلى ظاهر المعنى ولم ينعموا النظر في مقاييس العربية لأنه في الظاهر لائق به أن يكون الاسم سمة للمسمى يعرف بها لأن أصله ليس من السمة لأن السمة من «وسمت» فاء الفعل منها واو و«اسم» من السمو ولام الفعل منه واو. والدليل على صحة ما قلنا أنه لو كان من «وسمت» لكان
أصله «وسم» وكان يقال في تصغيره «وسيم» و«أسيم» في لغة من يبدل من الواو المضمومة همزة. وفي الجمع «أوسام» ولم يحك أحد من العلماء عن العرب شيئًا من هذا، فاجتماع الجماعة كلها في التصغير على «سمي» وفي الجمع [على] أسماء يدل على بطلان هذا المذهب، والاشتقاق بعد دليل واضح، قال أبو إسحاق: وهاهنا دليل واضح وحجة قاطعة على أن أصل اسم ليس من «وسمت» أنه ليس في العربية شيء سقطت منه فاء الفعل فألحقت به ألف الوصل في بعض الأسماء التي سقطت لاماتها نحو ابن، واسم، واست، وما أشبه ذلك لأنه تسكن أوائلها فتحتاج إلى ألف الوصل.
وهذا كما قال دليل واضح وحجة قاطعة، فإن قال قائل: فإذا كان أصل اسم عندك كما ذكرت «سموًا» فهلا نطق به على أصله؟ وما الذي دعاهم إلى نقصانه وتغيير بنائه؟ قيل له: أما أن يكون أصله «سموًا» كما ذكرنا فقد قام الدليل عليه ووضوح وهو جميع من يوثق به من العلماء.
وأما نقصانهم إياه وتغييره فليس بمخصوص بهذا وحده بل له في ذلك نظائر في كلام العرب، ولو كان مخصوصًا بهذا لم يكن منكرًا لأنهم قد يختصون في كلامهم الاسم والفعل بشيء لا يطلقونه في نظائره ولكنه قد جاءت في كلامهم الأسماء ناقصة مثل: يد، ودم، وأخ، وأب، وهن، وشفة، وابن، واسم، واست، وغد، وما أشبه ذلك وهي كثيرة جدًا. فـ «اسم» في التغيير والنقصان بمنزلة هذه الأسماء.
أما نقصان آخره فبمنزلة نقصان يد، ودم، وأخ، وأب، وغد، ألا ترى أن أصل غد: غدو فحذفوا آخره لغير علة وكان سبيله أن يصح كما صح في نحو: وعد،
لا تقلواها وادلواها دلو = إن مع اليوم أخاه غدوا
فرده إلى أصله ضرورة. قال لبيد:
وما الناس إلا كالديار وأهلها = بها يوم حلوها وغدوًا بلاقع
وأما إسكان آخره وإلحاق ألف الوصل به فنظير ما فعل بابن، واست، وامرئ، وامرأة، واثنان، واثنتان لما حذف آخره وأسكن أوله ألحق به ألف الوصل ليكون وصلة للسان إلى النطق بالساكن. وفيه أربع لغات، يقال: سم، وسم، واسم واسم وهذا في الابتداء به أعني كسر الألف وضمها، وكأن الضمة من لغة من يقول «سموه» والكسرة من لغة من يقول: «سمو» في الأصل). [اشتقاق أسماء الله: 255-257]


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 4 صفر 1435هـ/7-12-2013م, 04:11 PM
أم القاسم أم القاسم غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,449
افتراضي


الفرق بين الاسم والنعت لفظًا ومعنى


قال أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي (ت: 337هـ) :( قد ذكرنا في الباب الأول مذهب من يفرق بين النعت والوصف، ومذهب من يجمع بينهما، فأما النعت فقد يكون اسمًا مشتقًا من فعل، واسمًا غير مشتق، وفعلاً وجملة، والاسم يكون على ضربين: مشتقًا وغير مشتق. ولا بد للنعت من أن يتضمن معنى فعل أو نسب أو خلقة أو صنعة كما ذكرت لك.
فالأسماء تنقسم أولاً قسمين: معرفة ونكرة نحو: رجل، وفرس، وزيد، وعمرو وهذا أول انقسام الأسماء ثم تتنوع بعد ذلك فتصير ستين نوعًا يجمعها كلها التنكير والتعريف. والتنكير أول والتعريف بعد، فالمنكور الاسم الشائع في جنسه، والمعروف: المخصوص من النكرات ما هو إلى المعارف أقرب. كما أن من المعارف ما
هو أكثر عمومًا. فأبعد النكرات من المعارف «شيء» وأقربها إلى المعارف رجل وفرس، وأقرب من هذا إليها ما قرن بنعت ففارق الإشاعة في أشباهه فإذا نزلت من فوق إلى أسفل قربت من التعريف، وإذا صعدت من أسفل إلى الفوق بعدت من التعريف.
والمعارف خمسة أجناس أعرفها المضمرات وهي أعرف المعارف من الظاهرات وهي تنقسم قسمين: المشاهد والغائب، والمشاهد ينقسم قسمين: أحدهما المخبر عن نفسه، والآخر المخاطب، فالمخبر عن نفسه أعرف من المخاطب لأنه لا يشارك في اسمه البتة، ومن ثم استوى فيه المذكر والمؤنث إذا قلت: أنا، وفعلت وما أشبه ذلك. وذلك أنه لا يلتبس، فلما لم يلتبس استوى فيه المذكر والمؤنث ولم يحتج إلى فصل.
والمخاطب دونه في التعريف وذلك أنه يجوز أن يكون بحضرتك اثنان أو أكثر فيتوهم كل واحد منهما أو منهم أنك خاطبته دون الآخر، فمن ثم فصلت بين خطاب المذكر والمؤنث في قولك: أنت وأنت، وقمت وقمت، واكرمتك واكرمتك فصار المخاطب دون المخبر في التعريف.
والغائب دونهما في مرتبة التعريف، وهو أعرف من الاسم العلم ألا ترى أنك تقول: «جاءني زيد» فيجوز أن يعرف المخاطب اثنين أو ثلاثة اسم كل واحد منهم زيد، فتحتاج إلى الوصف للفرق فتقول: «جاءني زيد الطويل أو القصير أو الاشقر أو الآدم أو الكاتب أو الفقيه» فتنعته وتصفه بما يفصله من غيره. وإذا قلت: ضربته أو كلمته لم تحتج إلى نعت لأنه لا يلتبس وذلك أن هذا كلام لا يجري إلا بعقب مذكور قد عرفه المخاطب بحلاه وأوصافه. فاستغنى عن النعت لذلك ولو لم يكن المخاطب عرفه كمعرفتك لم تضمره وكنت تظهره وتتبعه أوصافه وحلاه حتى تتقرر له معرفته، فلذلك صار الغائب المضمر أعرف من الظاهر.
ثم يتلوه في التعريف الاسم العلم، وذلك أنه ثابت على المسمى مظهرًا كان المسمى أو مبهمًا فلذلك صار أعرف من المبهم لأن المبهم يشار به إلى كل ما بحضرتك
نحو: هذا، وهذه أو إلى كل ما تراخى عنك نحو: ذاك، وتلك. والاسم العلم مخصوص نحو زيد، ومحمد، وجعفر.
ثم المضاف إلى المعارف بعد هذا يتعرف بالإضافة إلى المعروف، واختصاصك إياه بذلك. وقد ذكرنا أنواع الأسماء الستين في شرح كتاب الجمل مفسرة بما أغنى عن إعادته هاهنا والزيادة في هذا الكتاب. فالأسماء على ما قد بان ووضح تكون نكرات ومعارف، ومشتقة وغير مشتقة. هذا أصلها وتنفرد بالتنوين والإضافة وإدخال الألف واللام عليها والنعت والتصغير والنداء والنسبة والجمع لأن الأفعال في الحقيقة لا تلحقها في ذاتها تثنية ولا جمع ولا يحلق شيء من هذه الأشياء فعلاً ولا حرف معنى، وبهذا فرق بين الأسماء وأغبارها. فأما الأسماء المنعوت بها فهي تنقسم عشرة أقسام: تكون أسماء مبنية على الأفعال نحو: قائم وراكب ومركوب وضارب ومضروب ومقتول وما أشبه ذلك من الأسماء الفاعلين والمفعولين الجارية على أفعالها. فهذه الأسماء تكون نعوتًا في حال وأخبارًا في حال، وأحوالاً في حال، وأبدالاً وعطوفًا عطف الباين في حال. وتجري مجرى الأسماء المحضة التي لم تشتق في حال فتكون فاعلة ومفعولة، ويدخل عليها سائر عوامل الأسماء. فكونها نعوتًا: «جاءني زيد العاقل»، و«مررت بأخيك الكاتب»، و«قصدت أبا بكر الكاتب» وما أشبه ذلك. فهي في هذه المواضع وما أشبهها نعوت وأوصاف أوضحت عن المنعوت وفصلت بينه وبين مجانسه لأن سبيل المتكلم أن يبدأ بالاسم الأعرف الأشهر عند مخاطبه، فإن عرفه اكتفى به وإلا أتبعه من النعوت ما يزيد إيضاحًا ومعرفة. والذي والتي وثنيتهما وجمعهما تجري في النعوت على المعارف مجرى ما فيه الألف واللام سواء، لما يقع في صلاتها من الفوائد. وكذلك إذا قدم ذكر النكرة فإنما تتبعه النعت لتخلصه ممن شركه في بنيته وتقربه من المعروف بضروب من التخصيص كقولك: «مررت برجل عاقل» فصلت بالعقل بينه وبين من ليس بعاقل فصار فيه ضرب من التخصيص فلذلك صار قولك «مررت برجل عاقل» أخص من قولك «مررت برجل» وكذلك سائر النكرات إذا وصفت فإنما يفعل ذلك بها إبانة لها من غيرها. فإن كان المنعوت مستغنيًا عن النعت لشهرته لم يحتج إلى النعت إلا مدحًا أو ذمًا، وسنفرد لهذا بابًا إن شاء الله
تعالى. وكذلك إذا قلت: «جاءني الذي أكرمك»، و«قصدت الذي أبوه زيد» وما أشبه ذلك فقد نابت الذي عن منعوت مقدر قبلها على ذلك وقعت في كلامهم، وإن ذكرته قبلها لفظًا جاز أيضًا. وأما كونها أخبارًا فقولك: «زيد عاقل» فقد خبرت عنه بالعقل ولم تنعته به، والفرق بين النعت والخبر أن النعت يجيء موضحًا للمنعوت بما قد استقر عند المخاطب أنه فيه ولا يكتفي به دون الخبر، وتكون فائدة الخبر بعد ذكر النعت متوقعة، وبها يستغني الكلام ألا ترى أنك إذا قلت: «جاءني زيد الكاتب» فإنما تنعته بالكاتب عند من قد عرفه بذلك لتخرجه بذلك عن الإشاعة. وإذا قلت: «زيد كاتب» فإنما تخبر بهذا من لم يعلم أن زيدًا كاتب لتفيده ذلك، فهذا فرق بين النعت والخبر وأبين من هذا أنك إذا قلت: «زيد الكاتب» لمن قد عرفه بذلك وجعلت الكاتب نعتًا لزيد فالكلام ناقص بعد لم يفده شيئًا، فسبيلك أن تقول: «زيد الكاتب» لتفيده ما لم يكن عنده وإن جعلت الكاتب خبرًا لا نعتًا تم الكلام به. ومثل ذلك: «أن زيدًا الكاتب منطلق» إذا جعلت «الكاتب» نعتًا نصبته كما ترى، وجعلت «المنطلق» خبرًا، وإن جعلت «الكاتب» خبرًا استغنيت عن «المنطلق» فقلت: «إن زيدًا الكاتب» فجعلته خبرًا ورفعته ولذلك قال بعضهم وقد سمع مؤذنًا يقول: «أشهد أن محمدًا رسول الله» بالنصب فقال له: ويحك فعل ماذا؟ لأنه لم يأت بالخبر. وكذلك مجرى هذه الأسماء في باب كان والظن في كونها نعوتًا في حال وأخبارًا في حال.
قال سيبويه: إذا كان الاسم لا يعرف إلا بنعته فهو والنعت بمنزلة اسم واحد معروف. قال الفراء: إذا كان الاسم مستغنيًا عن النعت فالنعت تكرير ولا ضمير فيه. وإذا كان غير مستغن ففيه ضميره. وأما كونها أحوالاً فقولك: «جاءني زيد اركبًا»، و«انطلق عبد الله مسرعًا»، والبدل قولك: «زيد ذاهب مسرع» تجعل «مسرعًا» بدلاً من «ذاهب»، وإن جعلته حالاً فنصبته جاز. وأما كونها أسماء محضة فقولك: «رأيت راكبًا» و«مررت بقائم» و«جاءني راكب» وما أشبه ذلك. ولها أحكام
في إجرائها مجرى الفعل في عمله وامتناعها من ذلك في بعض الأحوال ليس هذا موضع ذكره.
وتكون النعوت أسماء مأخوذة من الأفعال على غير طريقة الفاعلين والمفعولين نحو: معطار، ومذكار، وصبور، وشكور، وغدور، وجديد، ودهين. وما أشبه ذلك من الأسماء المشتقة الخارجة عن طريق أسماء الفاعلين والمفعولين في أوضاع النحو ألا ترى أن «معطارًا» ليس باسم الفاعل من «تعطر» ولا من «عطر»، ولا هو باسم المفعول، وكذلك مذكار، وصبور، وشكور، وغدور ليس على: اذكر ولا صبر، ولا شكر، ولا غدر لأن اسم الفاعل من ذلك: مذكر، وصابر، وشاكر، وغادر ومجرى هذه الأسماء في النعوت موضحة لما تجري عليه مجرى ما تقدم. وتفارقها في امتناعها من أعلام التأنيث، وفي أحكامها في التثنية والجمع، وعملها عمل تلك الأسماء.
ويكون ضرب من هذه الأسماء للمبالغة، وفي عملها خلاف نحو: ضراب، وضروب، وضريب وقد مضى ذكرها في أول الكتاب.
والضرب الرابع منها ما لم يكن مستعملاً فعله نحو: قيسي، وتميمي، ومضري، وهاشمي، وأنصاري، وبدري وما أشبه ذلك من النسب ليس يكاد ينطق بفعل كل واحد منها.
والخامس: أسماء ينعت بها دالة على الخلق والطبائع نحو: الطويل، والقصير، والحسن، والقبيح، والعاقل، والشجاع، والجبان وما أشبه ذلك.
والسادس: أسماء الأعداد قد ينعت بها نحو قولك: «عندي إبل مائة» و«رأيت إبلاً مائة»، قال الشاعر وهو الأعشى:
لئن كنت في جب ثمانين قامة = ورقيت أسباب السماء بسلم
والضرب السابع: ما كان جنسًا مضافًا إليه وربما نعت به كقولك: «هذا خاتم حديد»، و«ثوب خز»، و«باب ساج». هذا وجه الكلام يضاف إلى جنسه ليوضحه، وقد يجريه بعض العرب على أوله موضحًا له فيقول: «هذا باب حديد»، و«خاتم فضة»، و«سرج خز». ومنهم من ينصبه على التمييز فيقول: «هذا خاتم حديدًا»، و«جبة خزا»، يذهب إلى المقدار، ويقول في ضرب من هذا الباب: «مررت بسرج خز
صفته» بالخفض إذا لم تكن صفته الخز بعينه وإنما أردت التشبيه، فكأنك قلت: «كالخز صفته» وإن كانت صفته من الخز قلت: «مررت بسرج خز صفته» بالرفع، وكذلك «مررت بدار ساج [بابها، وساج بابها]» وكذلك «مررت برجل عسل شرابه، وعسل شرابه» وعلى هذا فقس.
والضرب الثامن: ما كان منقولاً من النعوت إلى غير صاحبه في الحقيقة، وإنما ينقل إلى ما كان من سببه ومتعلقًا به نحو قولك: «مررت برجل قائم أبوه» فتصف الرجل بقيام أبيه لأنه من سببه، وكذلك: «مررت برجل راكبة جاريته» و«منطلقة أمته» و«كريمة أمه» وما أشبه ذلك، ومنه «مررت برجل حسن الوجه» فالحسن للوجه ثم نقلته إلى الرجل لأنه لشيء من سببه. فجميع هذا الباب إذا أضفته جرى تذكيره وتأنيثه على الأول فإن لم تضفه ورفعت الثاني به جرى تذكيره وتأنيثه على الثاني كقولك: «مررت بامرأة قائم زوجها» فتذكر قائمًا لأنك رفعت الزوج ولا ذكر فيه من المرأة فتدبر هذا فعليه مجرى هذا الباب.
ولو قلت: «مررت بامرأة خصي الزوج» لم يجز لأن النساء لا يوصفن بالخصاء. وقد حصل النعت لها بخفضك الزوج، فلو قلت: «مررت بامرأة خصي زوجها» فرفعت الزوج جاز عند بعضهم لأنه لا ذكر في الخصي من المرأة وإن كان قد جرى عليها لفظًا. وأجود من ذلك أن تقول: «خصي زوجها» فتخلصه له لأنه لا يكون منها. ولو قلت: «مررت بامرأة أمرد زوجها» جاز فإن قلت: «مرداء الزوج» لم يجز لأنه لا يقال: «امرأة مرداء» كما لا يقال «خصي» وقد أجازه الأخفش فيما حكي عنه، وقال: قد حكي عن العرب: شجرة مرداء إذا تحات ورقها.
والتاسع: ما كان صناعة ينعت بها نحو: بقال، وعطار، وصواف، وبيطار، ونحاس وما أشبه ذلك.
والعاشر: ما كان من نعوت الأنثى على جهة النسب فتجيء بلفظ التذكير
نحو: «امرأة طالق، وحائض، ومرضع، وعاشق، وناكح، ومطفل» وما أشبه ذلك. فهذه وجوه لأسماء المنعوت بها وما يخرج شيء منها عن بعض هذه الوجوه، وأما كون الأفعال نعوتًا فإن الأفعال كلها نكرات فلا ينعت بها إلا النكرات، وإن اتبعت المعارف في مواقع النعوت كانت أحوالاً لها، وكذلك جميع ما ينعت به إذا كان نعتًا للنكرات كان حالاً مع المعارف، تقول من ذلك: «مررت برجل يكرم زيدًا» فالفعل وصف للرجل والمعنى: «مررت برجل مكرم زيدًا»، وكذلك: «جاءني غلام يركض» والمعنى راكض، ولا يكون الفعل نعتًا للاسم إلا إذا كان تقديره تقدير اسم يقع ذلك الموقع. وإنما جاز في الأفعال المستقبلة ذلك لأنها مضارعة للأسماء الفاعلين. وتقول: «جاءني زيد يركض» أي راكضًا تقديره بالحال كما ترى، و«مررت بعبد الله يأكل» أي مررت به آكلاً، قال الله جل وعز: {من لدنك وليا يرثني} ويرثني: قرئ بالجزم على الجواب، وبالرفع على النعت كأنه قال: وليًا وارثًا. وكذلك قوله: {ولا تمنن تستكثر} أي: مستكثرًا. وتستكثر بالجزم على الجواب.
وقد ينعت بالماضي كقولك: «مررت برجل ضرب أخاك»، و«جاءني رجل خاطب محمدًا» وهذا مستعار والأول أجود.
وأما الجمل التي تكون صفات فمنها الأفعال التي ذكرناها لأنه لا يكون فعل إلا بفاعل فهي وفاعلوها جملة قد نعت بها، ومنها قولك: «مررت برجل ماله كثير» وضع هذه الجملة خفض نعت للرجل، وكذلك ما أشبههه.
وللنعوت خصائص تنفرد بها من الأسماء التي ليست بنعوت من جموع وأبنية ليس هذا موضع ذكرها).
[اشتقاق أسماء الله: 268-274]


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 4 صفر 1435هـ/7-12-2013م, 04:13 PM
أم القاسم أم القاسم غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,449
افتراضي


القول في نسبة الاشتقاق والرد على من أنكره


قال أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي (ت: 337هـ) :( اعلم أن للناس في الاشتقاق ثلاثة أقوال: فأما الخليل وسيبويه وأبو عمرو بن العلاء وأبو الخطاب وعيسى بن عمر والأصمعي وأبو زيد وأبو عبيدة والجرمي وقطرب والمازني والمبرد والزجاج وسائر من لم نسمه من البصريين من أهل اللغة فإنهم يقولون: بعض الكلام مشتق وبعضه غير مشتق، وبعضه غير مشتق، لأنه محال أن يكون كله مشتقًا إذا كان لا بد للمشتق من أصل ينتهي إليه غير مشتق لأنه لو كان كل مشتق له أصل آخر اشتق منه إلى ما لا نهاية لوجب من ذلك وجود ما لا يتناهى موقوفًا عند آخره بوجود الكلمة التي يقال إنها مشتقة وهذا محال.
وجميع ما ذكرنا من أهل اللغة قد تكلم في الاشتقاق أما في كتاب له مفرد بالاشتقاق أو في عرض كلامه في اللغات والتصاريف والأبنية والجموع وما ينصرف وما لا ينصرف والمقصور والممدود والمهموز وسائر ذلك مما لا بد لهم فيه من المقايسة وذكر
الأصول والزوائد والملحق وغير الملحق وما أشبه ذلك.
وزعمت طائفة من متأخري أهل اللغة أن الكلام كله مشتق، وليس هؤلاء من الأولين ولا يقوم بأعيانهم مشهورين ولا في ذلك كتاب مصنف، ولا هو قول إمام متقدم وإنما قول المتعسفين من متأخري أهل اللغة. وفساده بين واضح كما ذكرنا.
وقد زعم جماعة أن أبا إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج كان يعتضد هذا المذهب ويقول: الكلام كله مشتق ويشنعون بذلك عليه ويضعون عليه حكايات باطلة ومعاذ الله من ذلك. وكلامه في ذلك واضح بين في كتابه الكبير في الاشتقاق، وذلك أنه يبتدئ بالباب في مسألة ويجعلها أصلاً ويرد إشكالها إليها ويلحق نظائرها بها. فلو كان عنده أن الكلام كله مشتق ما جاز أن يعقد له أصلاً يرد إليه غيره إذا كان ذلك الأصل أيضًا عنده مشتقًا.
وإنما قال ذلك القول على الزجاج من زعمه لأنه قصد أشياء كثيرة هي عند غيره غير مشتقة فاعتقد أنها مشتقة من غيرها وتكلم فيها وأراهم كيف وجه اشتقاقها بالمقاييس التي يوافقونه عليها. فأما أن يكون عنده الكلام كله مشتق فمحال ولم يقوله.
وزعم بعضهم أن سيبويه كان ممن يرى أن الكلام كله مشتق وتعلق بكلام له في كتابه في قوله إن مثل النجم والسماك والدبران وابن الصعق وما أشبه ذلك صفات لأسماء غلبت عليها لأسباب حدثت [و] اشتق لها منها هذه الأسماء ثم نقلت فإن ورد علينا ما نعرفه ولا يعرف اشتقاقه فإنما ذلك لأنه قد ذهب من كان يعرف معانيها أو لأن الأول الواضع كان عنده من العلم بذلك ما لم يصل إلينا، فقالت هذه الطائفة: الكلام كله مشتق وإن ورد علينا ما لا نعرف اشتقاقه فالسبب فيه
ما قال سيبويه وادعوا عليه أنه كان يقصد مذهبهم بهذا الكلام الذي قدمنا ذكره عنه.
وهذا لا يدل على أن سيبويه كان يعتقد ما ذهبوا إليه لأنه إنما تكلم عن جنس من الأسماء مشتقة بان له اشتقاقها ووضح وتكلم عليه ثم قال: فقد وضح بما ذكرنا أن هذا الجنس من الأسماء إنما وقع في كلامهم معرفًا بالألف واللام نعتًا مشتقًا وإنه إن ورد من هذا الجنس ما لا يعرف اشتقاقه فللعلة التي ذكرها ولا يوجب أن يحكم عليه أنه كان يعتقد أن الكلام كله مشتق.
ونظير هذا من مذهبه قوله: كل اسم في أوله همزة وهو بها على أربعة أحرف فإنه يحكم على الهمزة بالزيادة نحو: أحمر وأصفر وأخضر. قال: وإنما حكمنا عليها بالزيادة إلا أن يجيء أمر يوضح أنها أصلية من اشتقاق أو تصريف لكثرة ما وجدناها زائدة أولاً. ولم يمنعه هذا من أن يوجد اسم في أوله همزة أصلية وهو على أربعة أحرف نحو: أفكل، وأيدع، وأرطى في أحد القولين بدليل قام له على ذلك من اشتقاق وغيره.
وكذلك يقول في الميم إذا كانت أولاً فيما عدته بها أربعة أحرف نحو: مضرب ومدخل وما أشبه ذلك، يحكم عليها أبدًا بالزيادة حتى يقوم دليل على أنها أصلية كما بان له ذلك في «مهدد» و«مأجج» وما أشبه ذلك.
وذهب قوم من أهل النظر إلى أن الكلام كله أصل وليس منه شيء اشتق من غيره. وليس أحد من أهل اللغة الأعلام المشهورين يقول بذلك، ولا من النحويين الأئمة فيما انتهى إلينا من مذاهبهم، ورويناه من كتبهم، والحكايات عنهم، وفيما شاهدنا من يخبر عنهم ينكر أن يكون في كلام العرب اشتقاق ما وإن بعضه يرد إلى أصول منه تفرعت، وبعضه غير مشتق ولا مأخوذ من غيره، وإنما يدفع الاشتقاق قوم من أهل الجدل كما ذكرت لك ولم يذهبوا في ردهم ذلك مذاهب أهل اللغة، ولا قال القائلون بالاشتقاق من جهة الرادين لذلك، ولا زعموا ما ادعوه عليهم ولا مذهبهم فيه المذهب الذي أفسدوا منه صحة الاشتقاق، وذلك أن الرادين
للاشتقاق استدلوا على بطلانه بأن قالوا: إن العرب تتكلم بطباعها ولم تعرف الاشتقاق ولا الإعراب، ولو كان العربي يشتق الكلام ويتعمل الإعراب مستدلاً ومستنبطًا لاحتاج إلى موقف على ذلك، واحتاج الذي قبله إلى آخر إلى ما لا نهاية، وهذا محال فكل واحد منهم إنما يتكلم بطبعه لولا ذلك ما كان حجة يلزم قبول قوله، فهذه حجة من دفع الاشتقاق وأنكره.
والقول في ذلك أنا لا نقول: إن العرب قالت لبعض الكلام هذا مشتق من هذا، وهذا غير مشتق لبعضه كما إنها لم تقل: إن بعض الكلام مستحق للرفع لعلة ما فنحن نرفعه لذلك، وبعضه مستحق للخفض وبعضه للنصب وبعضه للجزم، ولا عرفت هذه الألقاب، ولا ما يجر مما يرفع، ولا سائر تلك الوجوه. ولو قيل لبعض الأعراب الأقحاح: ما حرف الخفض؟ وكم الحروف الناصبة للأفعال والجازمة لها؟ ما دري ماذا يقال له، ولا عن أي شيء يسأل. ولو سئل عن حكمة لتكلم بها مصيبًا فيها جهة إعرابها غير مخطئ.
وكذلك أيضًا لو قيل له: أتقول إن بعض كلامكم مشتق وبعضه غير مشتق؟ لما درى عن أي شيء يسأل. وقد قيل لبعضهم: كيف يقولون: «إنا من المجرمون منتقمين»؟ وغير له الإعراب فقال: كما قلت: «إنا من المجرمين منتقمون». فتكلم بالصواب ولم يقع له أن الملقن له تكلم بالصواب. وسمع آخر رجلاً يقول: «على فلان لعنة الله» بالنصب. فقال: ويحه أما يكفيه واحدة؟ ظن أن القائل ثنى اللعنة فقال: «عليه لعنتا الله» واللفظ بذلك يستوي لهذاب ألفين في وصل الكلام، فهذا غير مدفوع ولا معترض عليه.
ولكنا نقول: إن المتكلمين بهذه اللغة – أعني لغة العرب – على ثلاثة أصناف فصنف منهم يتكلمونها غير عارفين بأوضاعها وأسبابها وحكمتها سوى النطق بها عادة فقط، وآخرون أضافوا إلى النطق بها ومشاركة الأولين في اعتياد النطق بها ضربًا من العلم بها والفحص والكشف عنها، وحفظ غرائبها وشاذها. والدليل على صحة ما قلنا
إنهم لو كانوا كلهم شرعًا واحدًا في باب النطق، ولم يكن هناك من ضم إلى نطقه علمًا، لكانوا كلهم متساوين في المعرفة بها لأن ما يدرك طبعًا لا يقع فيه تفاضل، في هذه اللغة بضرب لا يعم الجميع ويختص بعضهم بما هو غير عام في جميعها من الآخر، وأن الكلمة من الغريب قد ترد على من لا يعرفها منهم، وقد ترد على من يعرفها. وقد كان منهم من يرجع إليه ويسأل عنه، فلولا أن عند المرجوع إليه في ذلك علمًا من جهة الحفظ والاستنباط لتساووا كلهم فيه. وكذلك أيضًا نجد منهم من يقول الشعر ويرجز ويسجع، وليس ذلك في جميعهم. وقد علمنا أن من قال منهم ذلك فإنما قاله طبعًا وعادة لا تكلفًا إلا إنه لم يشركه في ذلك الجميع فقد بان لنا أنهم يتفاضلون في هذه اللغة بضرب لا يعم الجميع ويختص بعضهم بما هو غير عام في جميعها.
وصنف ثالث ممن تكلم بهذه اللغة تعليمًا وأخذًا واتباعًا للأولين طلبوا مقاييسها لأنهم لم يمكنهم ضبطها وحصرها حفظًا، ولا كان ذلك متيسرًا أن يؤخذ كل لفظ عنهم سماعًا فبعضها عرفوه بالاعتياد والعرف والنشوء عليه صغارًا وكبارًا حتى صاروا فيه كالمطبوعين المعتادين لأنهم لم يتكلموا بغير هذا اللسان قط. وبعض عرفوه بالاستدلال والمقاييس من رفع الفاعل ونصب المفعول والخفض بالحروف الخافضة والجزم بالجازمة وما أشبه ذلك مما أدرك من كلامها استنباطًا وتعلمًا لأنه لم يسمع أحد من العرب اسم كل فاعل ومفعول، ولا بناء كل مصدر وجمع وإنما سمع بعضًا وقاس بعضًا فأصاب، ولم يخرج عن أوضاعهم، وشهد بصحة ذلك موافقته لما جاء في أشعارهم وأراجيزهم وأسجاعهم، وما جاء في القرآن العربي المبين. وهذه الطائفة هم علماء هذه اللغة الذي عنوا بحفظها وجمعها ونقلها وتتبعها والفحص عن أسرارها فصاروا أئمة في هذا العلم قدوة يحتج بقولهم فيها كما يحتج بقول الأولين المطبوعين، وواجب الرجوع إليهم فيها، كما أن لكل علم علماء وأعلامًا ينتهي إليهم فيه ويقبل عنهم، فكذلك هؤلاء لما تدبروا هذه اللغة وعرفوا حقائقها وما خصها الله به من الفضلية على كل لغة ميزوا بين بعض الكلام وبعض، فقالوا: إن منه أصولاً أسماء للأشخاص والأعيان الأول واقعة أولاً للفصل بين بعضها وبعض نحو: رجل، وفرس، وثوب، وعين، وقدر، وما أشبه ذلك.
ومنها أسماء وضعت أعلامًا اتفاقًا يدل كل اسم منها على شخص بعينه نحو: زيد وجعفر وبكر وما أشبه ذلك. ولم يجب أن تقع فيها مشاركة، فلما طال الزمان وقعت المشاركة اتساعًا، ووقع الفصل بالنعوت.
ومنها أسماء مبهمة ومضمرة وفصلوا سائر أنواع الأسماء.
ومنها أسماء مشتقة مأخوذة من الأفعال نحو أسماء الفاعلين والمفعولين مثل: ضارب، ومضروب، وراكب، ومركوب، ومتضرب، ومستضرب، ومتضارب وما أشبه ذلك مما يدل على أنه مأخوذ من فعل مشتق وبني عليه.
ومنها الجموع والتثنية التي استدلوا على كونها ثواني للآحاد بما في دليل العقول على ذلك.
ومنها أسماء رأوا فيها حروفًا تسقط في حال وتثبت في حال أخرى فعلموا أن لها أصلاً لا زائد فيه منه أخذت. ثم نظروا في الأسماء الأعلام فعلموا أنها ثواني بعض النكرات فرأوا أكثرها من الأسماء قد سبقتها في التنكير فنقلت إلى التعريف فدلت عقولهم على أن التنكير قبل التعريف فتكلموا فيه في اشتقاق ما عرفوه من تلك الأسماء.
ومنها أسماء تحدث في أوان لأسباب موجبة فرأوا لها أسماء مشتقة من معان قد تقدمتها، وهذا في الشريعة والدين والقرآن موجود. منها: الدين فإن العرب لم تكن تعرفه قبل الإسلام أنه على ما أتت به الشريعة، وقد كانت تعرف للدين وجوهًا منها: أنها تعرف أن الدين الطاعة، والدين الجزاء، والدين العبادة، والدين الملك فعلموا إن الدين [الذي] يطالبون باعتقاده والعمل به هو الانقياد لأمر الله لأنه أحد تلك الأوجه التي قد عرفوها فعقلوا ما خوطبوا به وإن كان فيه فضل معنى عرفوه بعد ذلك بأن وافقوا عليه.
وكذلك الصلاة إنما كانت تعرفها [العرب] الدعاء فقط ثم قيل لهم: سموا هذا النوع من الفعل صلاة. وليس لأحد أن يزعم أن العرب كانت تفعل الصلاة على ما تدين به اليوم، فلما وقفت على ذلك سميت صلاة. فهذا اسم موضوع لمعنى أوجبه على أصل من أصولهم قد تقدمه فليس باسم لم يزالوا به عارفين، فهذا تأويل الاشتقاق.
وكذلك الزكاة إنما كانت تعرفه العرب التكثير للشيء فتقول: زكا الشيء: إذا كثر وزاد ثم تعبدوا بأن قيل لهم سموا ما يرصد من أموالكم طاعة لله زكاة لأنكم إذا فعلتم ذلك زاد الله في أموالكم وبارك فيها وكثرها، فسميت زكاة لما يكون بعقبها من الزيادة والنماء في المال. فهذا هو معنى الاشتقاق من أن يوضع شيء مستأنفًا على أصل سابق له. وكيف يكون في الاشتقاق شيء أوضح من هذا.
وكذلك الصيام: كانت العرب تعرف كل ممسك عن فعل ما صائمًا ثم قيل لهم سموا الإمساك عن المأكول والمشروب نهارًا صيامًا وخصوه به لأنهم قد عرفوا أن الصيام إمساك ما. وصار هذا الاختصاص الثاني موضوعًا على الأول. ولو تعبدوا بالإمساك عن ذلك ليلاً لكان أيضًا يقال له صيام لأنه إمساك. ولذلك صارت الزكاة والصلاة وما أشبه ذلك مخصوصة بما وصفت له مطلقة، فإذا نقلت منه قرنت بغيره.
وكذلك الكفر كانت العرب تعرفه تغطية الشيء وستره فقيل لهم: سموا من خالف أمر الله ونبيه ولم يؤمن بهذه الشريعة خاصة كافرًا، فعقلوا ما خوطبوا به من معنى الكفر لأن الكفر إذا كان عندهم الستر فمعقول إنه مراد به أن الكافر ساتر نعم الله عليه أو ما عرفه من توحيد.
وكذلك المشرك والفاسق والمجرم والظالم والمؤمن والمسلم كل هذه أسماء مشتقة في الإسلام موضوعة على أصول متقدمة لها قد عرفها من خوطب بها.
وكذلك القرآن ليس لأحد أن يزعم أن العرب كانت تعرفه اسمًا لهذا الكتاب، بل كانت تعرف معنى القرء الذي منه أخذ القرآن فقيل لهم: هذا هو القرآن فعرفوه.
فقرآن: اسم لهذا الكتاب خاصة موضوع على معنى قد عرفه العرب من لفظة كانت تستعملها قبله. فقد بان أنها لفظة مشتقة من أصل متقدم.
وكذلك الوضوء للصلاة أصله النظافة، والتيمم أصله التعمد، والتغوط أصله إتيان الغائط: وهو المكان الغامض المطمئن من الأرض. والحش أصله البستان، والكنيف أصله الساتر ومثل هذا كثير جدًا نظر فيه وفي أمثاله العلماء باللغة فعرفوا أصوله واشتقاقه وتكلموا عليه لا أن العرب كانت تتعمد في كلامهم تعلم الإعراب وتصريف الاشتقاق وإنما نقول: إن العرب كانت تتكلم بهذا الكلام طبعًا على جهة العادة الجارية مجرى الطبع لأن المطبوع على الشيء لا يمكنه الانتقال عنه، ولكن قد يقال لبعض العادات طبع لأنها تجري مجراه في أكثر أحوالها. ألا ترى أن العربي القح لو نزل بعض بلاد العجم وأقام فيه سنتين لتعلم من كلامهم وتكلم به افتراه انتقل طبعه؟ بل تغيرت عادته. ألا ترى أبا مهدية – وكان أعرابيًا يأخذ منه أبو عمرو بن العلاء وأمثاله بالبصرة – لما سمع كلام العجم [قال].
يقولون لي شنبذ ولست مشنبذًا = طوال الليالي ما أقام ثبير
ولا قائلاً زوذًا لا عجل صاحبي = وبستان في صدري علي كبير
فقد تكلم بكلام العجم كما تراه حاكيًا له.
وقد جاءت ألفاظ من كلام العجم في أشعار الفصحاء من العرب نحو الأعشى والعجاج ورؤبة وغيرهم. ولهذه العلة فسدت لغات من خالط من الأعراب أهل الحضر لأنهم سمعوا كلام غيرهم فاختلط عليهم كلامهم. ولو كانوا مخلوقين على النطق
بكلامهم خلقة لما أمكنهم الانتقال عنه، ولكن في طبع الإنسان النطق وأن يتكلم بكلام ما فهو يتكلم بكلام من نشأ بينهم ويعتاده حتى يصير كالمنطبع عليه. فإن انتقل إلى قوم آخرين كان جائزًا أن يتكلم بكلامهم كما ترى الواحد منا يتكلم بألسنة كثيرة، وهذا بين واضح.
ولا بد لمن نظر في العربية من معرفة الاشتقاق والقول به ضرورة في ما ينصرف وما لا ينصرف، وفي التصاريف والجموع والمصادر، مثال ذلك: أن يقال لمنكر الاشتقاق القائل بالعربية والمدعي العلم بها، والملتزم مذاهب العلماء بها في ذلك أن يقول: إن واو مضروب وميمه وألف ضارب زوائد أم أصول؟ فإن قال هي أصول ولا زوائد في هذين الاسمين خالف جميع النحويين وأهل اللغة، وخرج إلى طريقة من لا يكلم لأنه غير سالك مذاهب القوم، ولكنا نقوده ضرورة إلى أن يقر بزيادتها فنقول له: فما وزن مضرون وضارب عندك إن كانت حروفهما كلها أصولاً فمثله بما يكون أصلاً؟ ولن يجد سبيلاً إلى تمثيل ذلك لأنه ليس في كلام العرب اسم على وزن ضارب ومضروب وحروفه أصول كلها فيمكنه إلحاقها به.
وإن قال: أقول إن واو مضروب وميمه زائدتان وألف ضارب زائدة. قيل له: أفتقول إن الزائد قبل الأصلي أو الأصلي قبل الزائد؟ ولا سبيل له إلى إدعاء سبق الزائد للأصلي، فيلزمه أن يقول: الأصلي سابق للزائد. فقد بان أن ضاربًا ومضروبًا مشتقان من شيء سابق لهما لا زائدة فيه، وهو الذي اشتقا منه.
ونسأله مثل ذلك في ظريف وعجوز ومستضرب ومتضارب وضراب ومضراب وكريم وما أشبه ذلك من الصفات المشتقة من الأفعال. ونقول له أيضًا في مثل: حسان، وتبان، وشيطان، ودهقان أتصرفه أم لا؟ فإن قال: ما أصرف هذه الأسماء كلها. قيل له: خالفت العرب والنحويين أجمعين لأنهم قد أجمعوا على أن هذه الأسماء إن أخذت من الحس، والتب، والتشيط، والدهق كانت غير مصروفة في المعرفة لزيادة الألف والنون فيها، وإن أخذت من التبن، والحسن، والشيطنة، والدهقنة كانت مصروفة في النكرة والمعرفة لأن النون فيها أصلية.
وإن قال: لا أصرفها. قيل له: فقد فعلت بها العرب والعلماء خلاف ذلك. وأعدنا عليه الكلام. وهذا إجماع العرب على ما سمع منهم ونقل عنهم، ولا خلاف فيه بين العلماء أجمعين. وإنما يسأل عن هذه المسائل من كان من أهل العربية واعتقد أحد المذهبين وتكلم عليه. وكذلك نسأله عن مثل ذلك في عريان، وسكران، وسلمان، وعلياء، وخرباء، وحمراء، وبيضاء، وخضراء، ورمان، ومران وما أشبه ذلك. ونقول له: كيف تعمل فيها أتصرف كلها؟ فيكون مخالفًا للعرب أجمعين أو يترك صرفها كلها فيكون أيضًا مخالفًا. فإن تكلم في أصولها وبين ما ينصرف منها على كل حال وما ينصرف في حال دون حال، وما لا ينصرف على حال لم يمكنه ذلك إلا بالاشتقاق وردها إلى أصولها وتصريفها ليبين له ذلك.
وكذلك نسأله عن جمع سلطان، وسرحان، وسكران، ومصران، وعثمان وما أشبه ذلك. وهل يجمع بينها أو يفرق؟ فإن جمع بينها خالف العرب أجمعين والنحويين كلهم. وإن فرق بينها طولب بعلة فرقان، ولن يجد السبيل إلى ذلك إلا بالاشتقاق.
فإن قال: أرجع في ذلك إلى المسموع من العرب لم يمكنه ذلك لأنه ليس كل هذا النوع من الجموع وما جرى مجراها مسموعًا من العرب منقولاً كلمة كلمة حتى لا يغادر منه شيء، وإنما سمع بعضه فقيس الباقي عليه. فإن ادعى رواية ذلك حرفًا حرفًا وكلمة كلمة طولب بالكتاب الذي يوجد فيه ذلك، وبالناقل له والراوي، ولن يجد إلى ذلك سبيلاً لأنه أكثر من أن يؤتي عليه حرفًا وكلمة كلمة، وما ادعى هذا أحد قط.
ونسأله أيضًا عن وزن درية وسرية والنبي وما أشبه ذلك. فإن تكلم فيه قال بالاشتقاق لأن لكل واحد من هذه الأسماء وجوهًا وضروبًا يمكن رده إليها وليس يمكنه القطع على بعضها دون بعض إلا باشتقاق يليق به، وإن لم يتكلم في شيء من ذلك سقط كلامه لأنا إنما نخاطب على الاشتقاق والتصاريف وعللها على صحة الاشتقاق أنه قد عرف بعض العرب الاشتقاق وعقله وجاء [في] أشعارهم.
من ذلك قول حسان بن ثابت الأنصاري في النبي صلى الله عليه وسلم:
وشق له من اسمه ليعزه = فذو العرش محمود وهذا محمد
نبي أتانا بعد يأس وفترة = من الرسل والأوثان في الأرض تعبد
فأرسله فينا سراجًا وهاديًا = يلوح كما لاح الحسام المهند
فأخبرنا أن الفضائل والتقى = وما طاب من شيء إلى الله يصعد
وأنذرنا نارًا وبشر جنة = وعلمنا الإسلام فالله نحمد
فأنت إله الخلق ربي وخالقي = بذلك ما عمرت في الناس أشهد
تعاليت رب الناس عن قول من دعا = سواك إلاهًا أنت أعلى وأمجد
لك الخلق والنعماء والأمر كله = فإياك نستهدي وإياك نعبد
لأن ثواب الله كل موحد = جنان من الفردوس فيها يخلد
فقال حسان: شق له من اسمه محمدًا: فاخبر أن اسمًا مشتق من آخر وصرح به، وأنشده النبي صلى الله عليه وسلم وهو أفصح العرب والصحابة فلم ينكره النبي عليه السلام، ولا قال له أحد: ما معنى الاشتقاق فإنا لا نعرفه ولا نفعله؟ بل تقلوه بالقبول فدل ذلك على أن من العرب من كان يعرف الاشتقاق، كما أن فيهم من عرف الأقواء والإبطاء والسناد في الشعر ومنهم من لم يكن يعرفه. وذلك معروف فيها في خبر الذبياني وبشر بن أبي خازم وما كان منهما في إنكار الإقواء حتى وقفا عليه. وقد قال بعضهم:
وسميت غياظًا ولست بغائظ = عدوًا ولكن الصديق تغيظ
فأخبر أن غياظًا وغائظًا من الغيظ. وقد قال بعضهم: «إنما سميت هانئًا لتهنأ».
وقد نقل هذا المعنى في الاشتقاق المحدثون من الشعراء وإن كانوا ليس بحجة إلا أن فعلهم لذلك دليل على أنهم اتبعوا ما وجدوا للعرب فيه مسلكًا، كما أنهم سلكوا في أوزان الشعر ورسومه مذاهبهم حتى ولدوا من ذلك المطابقة في الشعر وهي في أشعار المتقدمين قليلة إلا أنهم لما وجدوا لها رسمًا متقدمًا تبعوه.
وقد كان من العرب من إذا ضرب امرأته المخاض خرج على وجهه فإذا استقبله شيء سمى ولده به فلذلك تسموا بالنمر والأسد والكلب وما أشبه ذلك. وقد كانوا أيضًا يسمون أولادهم بالأسماء البشعة ومماليكهم بالأسماء الحسنة، ويقولون: أسماء أولادنا لأعدائنا وأسماء مماليكنا لنا. وقد ذكر أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد في كتابه الكبير في الاشتقاق من هذه الأسماء ما يكثر تعداده ويدل جميع هذا على أنها قد كانت تسمى في بعض الأحوال بأسماء سابقة [لها] أصول تنقلها وتسمى بها. ومن ذلك في الإسلام تسمية أبي بكر بالصديق وعمر بالفاروق. ولا يمكن لأحد أن يدعي أن هذا غير مشتق لأن أبا الصديق سمي بذلك لكثرة تصديقه النبي صلى الله عليه وسلم. و«فعيل» من أبنية المبالغة، وكذلك عمر سمي بالفاروق لأنه فرق الله بإسلامه بين الكفر والإسلام وكان الإسلام قبل إسلامه ضعيفًا والمسلمون يعبدون الله سرًا، فقال عمر: لا يعبد الله سرًا. وجاهر المشركين بذلك. فهذا معنى الاشتقاق في القرآن والشريعة والدين والآثار، وهو المذهب الذي نحاه أهل العربية وقاسوا عليه، كما طلبوا مقاييس النحو والعروض والقوافي وغير ذلك من علوم العرب.
وأما إنكار نفطويه للاشتقاق [فقد] مضى من القول في ذلك عليه وعلى غيره ما فيه كفاية، ولكنا نقول لنفطويه خاصة إنه قد ناقض وقال بالاشتقاق هو نفسه ضرورة. فإن كان قال برد الاشتقاق ثم رجع عنه فذاك، وغلا فقد ناقض وكفى بمناقضته دليلاً على بطلان ما ذهب إليه من ذلك، وذلك أنه في كتابه «في أمثال القرآن» تكلم في الاشتقاق ورد كثيرًا من الكلام إلى أصل واحد فقال في قوله: {لا يذوقون فيها بردًا ولا شرابًا} قال الفراء: البرد: النوم، وحكى: منع البرد البرد، يعني: «منع البرد النوم». ثم قال نفطويه: والبرد عند العرب: الراحة، فالمعنى: لا يذوقون فيها راحة ولا شرابًا، والنوم: الراحة، أفلا تراه كيف رد النوم إلى معنى الراحة وجعلها الأصل؟ فهذا هو الاشتقاق. وقال نفطويه في هذا الكتاب أيضًا – أعني كتاب الأمثال – في قوله عز وجل: {لن يجدوا من دونه موئلا} أي: ملجأ يقال: «وأل الرجل يئل» أي: لجأ. وبها سمي الرجل وائلاً. قال القطامي:
من صالحوه رأي في عيشه دعة = ولا ترى من أرادوا ضره يئل
أي: ينجو. فما تكون مناقضة أعجب من هذا ألا تراه كيف قال: وبهذا سمي الرجل وائلاً. فكيف يضم إلى هذا نفي الاشتقاق؟ وقال في هذا الكتاب أيضًا في قوله عز وجل: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} أي: من ضيق. وروى أن عمر بن الخطاب – رحمه الله – قرأ عنده قارئ: {ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقًا حرجا} فقال: ايتوني باعرابي بدوي، فأتي بغلام قال له: ما الحرج فيكم؟ فقال: الشجر الملتف لا تصل إليه الشمس. فقال عمر: كذلك قلب الكافر ضيق لا يصل إليه شيء من الخير. فأي شيء في الاشتقاق يكون أبين من هذا؟ وتشبه عمر قلب الكافر بالحرج وجعله ذلك هو الأصل. فهذا اشتقاق في القرآن عن عمر رضوان الله تعالى عليه في حكاية نفطويه عنه. ولو أن ذلك الغلام الأعرابي سمع صفة القلب ضيقًا حرجًا لفهمه للأصل المتقدم عندئذ لم يستنكره، ولا احتاج إلى السؤال إلى معناه كما احتاج إليه عمر رضي الله عنه. ويجوز أن يكون عمر عالمًا بذلك فأراد زيادة بيان علمه، ويجوز أن يكون غير عالم به فقد قال للنبي صلى الله عليه وسلم في أشياء من اللغة لم يعرفها ففسرها له.
وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ما علمت معنى فاطر السموات حتى اختصم أعرابيان في بئر فقال أحدهما: أنا والله فطرتها.
وقال نفطويه أيضًا في قوله عز وجل: {فإن للذين ظلموا ذنوبًا مثل ذنوب أصحابهم} أي: لهم نصيب من الحياة كما كان لمن قبلهم فلا يستعجلون. فإن لهم أمدًا وغاية ينتهون إليها.
قال نفطويه: والذنوب: النصيب عند العرب، ولذلك قيل للدلو ذنوب لأن فيها حظًا من الماء ونصيبًا، وهذا هو الاشتقاق كما ترى.
وقال أيضًا في قوله عز وجل: {من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ} قال: الكيد: الحيلة والاجتهاد وبهذا قيل للحرب كيد لأن فيها الحيلة والاجتهاد. ويقال: «تركته يجود بنفسه ويكيد بنفسه». وهذا اشتقاق متعسف فيه أيضًا وما أظن كثيرًا من أصحاب الاشتقاق يتعسفون فيه هذا التعسف. فكيف يكون القائل بهذا القول منكرًا للاشتقاق؟ وهذا كتاب له في القرآن كبير مشهور، وهو الموضع الذي سبيل الكلام فيه أن يكون بالحقائق، وبما يعتقد صحته دينًا ومذهبًا وسماعًا، فقد تكلم فيه من أوله إلى آخره بالاشتقاق في المواضع التي ساغ له فيها الاشتقاق.
وقال أيضًا في قوله عز وجل: {يكاد البرق يخطف أبصارهم} الخطف: الأخذ في استلاب وسرعة، ومنه {يكاد البرق يخطف أبصارهم} وأنشد لزهير:
يركض عند الذنابي وهي جاهدة = يكاد يخطفها طورًا وتهتلك
فجعل الأخذ باستلاب في الخطف أصلاً، وجعل خطف البرق مردودًا إليه كما ترى.
وقال أيضًا في قوله عز وجل: {إن تتبعون إلا رجلاً مسحورًا} تأويله: قد غلب عليه السحر. وقال ابن الأعرابي: يقال أرض مسحورة: إذا أفسدها المطر فكأنه قيل: رجل مفسد بالسحر، وقيل: مسحور: له سحر. وهي الرئة أي هي مخلوقة كخلقكم. وقال الفراء: المسحر: المعلل، وأنشد:
فإن تسألينا فيم نحن فإننا = عصافير من هذا الأنام المسحر
يعني: الذين يعللون بالطعام والشراب. كما قال امرؤ القيس:
أرانا موضعين لأمر حتم = ونسحر بالطعام وبالشراب
وهذا كله اشتقاق كما ترى.
وقال في قوله عز وجل: {نسوق الماء إلى الأرض الجرز} قال: الأرض الجرز: التي لا تنبت شيئًا، ومنه سيف جراز: يأتي على كل شيء ورجل جرز: كثير الأكل يأتي على كل شيء، فجعل كما ترى الأصل الأرض الجرز ورد عليها ما سواها من لفظها ومعناها، وهو قول الاشتقاق.
وقال في قوله عز وجل: {فاصدع بما تؤمر} أي: افرق بين الحق والباطل. ومن ذلك قوله عز وجل: {يومئذ يصدعون} أي: يفترقون. وقال جرير:
أعاذل مالي لا أرى الحي ودعوا = وبانوا على نياتهم وتصدعوا
ألا تراه جعل الأصل قوله: {فاصدع بما تؤمر} أي افرق، ثم رد عليه قوله: {يومئذ يصدعون} بقوله: ومن ذلك قوله: {يومئذ يصدعون}.
وقال في قوله عز وجل: {مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا} قال: الأسفار: الكتب واحدها سفر، سمي بذلك لأنه يسفر عما في نفس كاتبه أي: يكشفه ويبينه، ومن ذلك قيل: «سفرت المكان»: أي كشفته بالتنظيف له. وبهذا سمي المسافر لأنه يفارق المسكن والبيت ويظهر للبادية والطروق. ويقال للرسول بين القوم سفير وسافر لأنه يظهر ويكشف لبعضهم عن بعض. فهذا هو الاشتقاق، ورد بعض الكلام إلى بعض.
وهذا الكتاب – أعني كتاب الأمثال لنفطويه في القرآن – مشهور معروف، وفيه هذا الذي ذكرته لك، وأكثره على هذا، ولولا كراهة الإطالة لبينت كل ما فيه من هذا النوع، ولكن من نظر فيه وقف على ما ينبه عليه. وأما ما روي عنه من قوله برد الاشتقاق فيما يصح مع هذا إلا أن يكون قد رجع عنه أو ناقض كما ترى.
ومن دفع الاشتقاق فقد خرج عن مذاهب أهل اللغة في الجموع، والمصادر، وما ينصرف وما لا ينصرف، والتصريف، وأزال عن نفسه مرونة النعت في تحصيل هذه الأشياء ومعرفة حقائقها المحتاج فيها إلى الاشتقاق).
[اشتقاق أسماء الله: 277-292]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 5 ربيع الثاني 1435هـ/5-02-2014م, 10:21 PM
أم القاسم أم القاسم غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,449
افتراضي

باب إثبات أسماء الله تعالى ذكره بدلالة الكتاب والسنة وإجماع الأمة

قال أبو بكرٍ أحمدُ بنُ الحسينِ البيهقيُّ (ت: 458هـ) : (
باب إثبات أسماء الله تعالى ذكره بدلالة الكتاب والسنة وإجماع الأمة
قال الله جل ثناؤه: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}.
وقال تعالى: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى}.
وقال: {واذكروا اسم الله عليه}.
وقال: {له الأسماء الحسنى}
- أخبرنا أبو الحسن عليّ بن أحمد عبدان الأهوازيّ، أخبرنا أحمد بن عبيدٍ الصّفّار، أخبرنا تمتامٌ محمّد بن غالبٍ، أخبرنا مسلم بن إبراهيم، حدّثنا شعبة، عن عبد الملك بن عميرٍ، عن ربعيٍّ، عن حذيفة: أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا أوى إلى فراشه قال: اللّهمّ باسمك أحيا وباسمك أموت وإذا أصبح قال: الحمد للّه الّذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النّشور.
أخرجه أبو عبد الله محمّد بن إسماعيل الجعفيّ البخاريّ في الجامع الصّحيح، عن مسلم بن إبراهيم، وأخرجه مسلم بن الحجّاج القشيريّ من وجهٍ آخر، عن شعبة بن الحجّاج
- أخبرنا أبو عبد الله محمّد بن عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو بكر بن أبي نصرٍ الدّاربرديّ، بمرو، أخبرنا أحمد بن محمّد بن عيسى القاضي، أخبرنا عبد الله بن مسلمة، أخبرنا عبد الرّحمن بن أبي الزّناد، عن أبيه، عن أبان بن عثمان، قال: سمعت عثمان بن عفّان رضي اللّه عنه، يقول: سمعت رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: ما من عبدٍ يقول في صباح كلّ يومٍ ومساء كلّ ليلةٍ: بسم الله الّذي لا يضرّ مع اسمه شيءٌ في الأرض ولا في السّماء وهو السّميع العليم ثلاث مرّاتٍ فيضرّه شيءٌ
). [الأسماء والصفات:17- 1/18]


رد مع اقتباس
  #10  
قديم 10 ربيع الثاني 1435هـ/10-02-2014م, 08:55 PM
أم القاسم أم القاسم غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,449
افتراضي

باب عدد الأسماء التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من أحصاها دخل الجنة

قال أبو بكرٍ أحمدُ بنُ الحسينِ البيهقيُّ (ت: 458هـ) : (
باب عدد الأسماء التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من أحصاها دخل الجنة
- أخبرنا أبو الحسين عليّ بن محمّد بن عبد الله بن بشران العدل، أخبرنا أبو عليٍّ إسماعيل بن محمّدٍ الصّفّار، حدّثنا أحمد بن منصورٍ الرّماديّ، حدّثنا عبد الرّزّاق، أخبرنا معمرٌ، عن أيّوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة (ح) وعن همّام بن منبّهٍ، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ للّه تسعةً وتسعين اسمًا مئةً إلاّ واحدًا، من أحصاها دخل الجنّة زاد أحدهما في حديثه عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إنّه وترٌ يحبّ الوتر. رواه مسلمٌ في "الصّحيح"، عن محمّد بن رافعٍ، عن عبد الرّزّاق
- أخبرنا أبو عبد الله محمّد بن عبد الله الحافظ، رحمه اللّه تعالى، أخبرنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه، أخبرنا بشر بن موسى، حدّثنا الحميديّ، أخبرنا سفيان، حدّثنا أبو الزّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ للّه تسعةً وتسعين اسمًا، مئةً غير واحدٍ، من حفظها دخل الجنّة، وهو وترٌ يحبّ الوتر.
رواه البخاريّ في "الصّحيح"، عن عليّ بن المدينيّ. ورواه مسلمٌ، عن وزهير بن حربٍ، وابن أبي عمر كلّهم، عمرٍو النّاقد عن سفيان بن عيينة).[الأسماء والصفات:19- 1/20]


رد مع اقتباس
  #11  
قديم 10 ربيع الثاني 1435هـ/10-02-2014م, 08:58 PM
أم القاسم أم القاسم غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,449
افتراضي

باب بيان الأسماء التي من أحصاها دخل الجنة

قال أبو بكرٍ أحمدُ بنُ الحسينِ البيهقيُّ (ت: 458هـ) : (
باب بيان الأسماء التي من أحصاها دخل الجنة
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو عبد الله إسحاق بن محمّد بن يوسف بن يعقوب السّوسيّ، وأبو بكرٍ أحمد بن الحسن القاضي، قالوا: حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، حدّثنا محمّد بن خالد بن خليٍّ، حدّثنا بشر بن شعيب بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي الزّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ للّه تسعةً وتسعين اسمًا مئةً إلاّ واحدًا من أحصاها دخل الجنّة، إنّه وترٌ يحبّ الوتر. رواه البخاريّ في "الصّحيح"، عن أبي اليمان، عن شعيب بن أبي حمزة
- وأخبرنا أبو أحمد عبد الله بن محمّد بن الحسين المهرجانيّ العدل، أخبرنا أبو بكرٍ محمّد بن جعفرٍ أبي موسى المزكّي، حدّثنا محمّد بن إبراهيم العبديّ، حدّثنا أبو عمران موسى بن أيّوب النّصيبيّ حدّثنا الوليد بن مسلمٍ (ح) وأنا أبو نصرٍ عمر بن عبد العزيز بن عمر بن قتادة، أخبرنا أبو عمرو بن مطرٍ، حدّثنا الحسن بن سفيان (ح) وحدّثنا أبو عبد الرّحمن محمّد بن الحسين بن محمّد بن موسى السّلميّ، رحمه اللّه تعالى، أخبرنا عليّ بن الفضل بن محمّد بن عقيلٍ الخزاعيّ، أخبرنا جعفر بن محمّد بن المستفاض الفريابيّ، قالا: حدّثنا صفوان بن صالحٍ، حدّثنا الوليد بن مسلمٍ، حدّثنا شعيب بن أبي حمزة، عن أبي الزّناد، عن الأعرج. عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ للّه تسعةً وتسعين اسمًا مئةً إلاّ واحدًا من أحصاها دخل الجنّة، وهو وترٌ يحبّ الوتر: هو اللّه الّذي لا إله إلاّ هو الرّحمن الرّحيم الملك القدّوس السّلام المؤمن المهيمن العزيز الجبّار المتكبّر الخالق البارئ المصوّر الغفّار القهّار الوهّاب الرّزّاق الفتّاح العليم القابض الباسط الخافض الرّافع المعزّ المذلّ السّميع البصير الحكم العدل اللّطيف الخبير الحليم العظيم الغفور الشّكور العليّ الكبير الحفيظ المقيت الحسيب الجليل الكريم الرّقيب المجيب الواسع الحكيم الودود المجيد الباعث الشّهيد الحقّ الوكيل القويّ المتين الوليّ الحميد المحصي المبدئ المعيد المحيي المميت الحيّ القيّوم الواجد الماجد الواحد الصّمد القادر المقتدر المقدّم المؤخّر الأوّل الآخر الظّاهر الباطن الوالي المتعالي البرّ التّوّاب المنتقم العفوّ الرّؤوف مالك الملك ذو الجلال والإكرام المقسط الجامع الغنيّ المغني المانع الضّارّ النّافع النّور الهادي البديع الباقي الوارث الرّشيد الصّبور الكافي لفظ حديث الفريابيّ وفي رواية الحسن بن سفيان الرّافع بدل المانع، وقيل في رواية النّصيبيّ المغيث بدل المقيت). [الأسماء والصفات:21- 1/24]


رد مع اقتباس
  #12  
قديم 10 ربيع الثاني 1435هـ/10-02-2014م, 09:01 PM
أم القاسم أم القاسم غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,449
افتراضي

باب بيان أن لله جل ثناؤه أسماء أخرى

قال أبو بكرٍ أحمدُ بنُ الحسينِ البيهقيُّ (ت: 458هـ) : (
باب بيان أن لله جل ثناؤه أسماء أخرى
وليس في قول النبي صلى الله عليه وسلم: لله تسعة وتسعون اسما نفي غيرها
وإنما وقع التخصيص بذكرها لأنها أشهر الأسماء وأبينها معاني وفيها ورد الخبر أن من أحصاها دخل الجنة، وفي رواية سفيان من حفظها وذلك يدل على أن المراد بقوله: من أحصاها من عدها، وقيل: معناه من أطاقها بحسن المراعاة لها، والمحافظة على حدودها في معاملة الرب بها، وقيل: معناه من عرفها وعقل معانيها، وآمن بها والله أعلم
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدّثنا أبو بكرٍ محمّد بن أحمد بن بالويه، حدّثنا محمّد بن شاذان الجوهريّ، حدّثنا سعيد بن سليمان الواسطيّ، حدّثنا فضيل بن مرزوقٍ، حدّثني أبو سلمة الجهنيّ، عن القاسم بن عبد الرّحمن، عن أبيه، قال: قال عبد الله بن مسعودٍ: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: ما أصاب مسلمًا قطّ همٌّ ولا حزنٌ فقال: اللّهمّ إنّي عبدك وابن
[الأسماء والصفات: 1/27]
عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيّ حكمك، عدلٌ فيّ قضاؤك، أسألك بكلّ اسمٍ هو لك سمّيت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علّمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي وجلاء حزني، وذهاب همّي وغمّي، إلاّ أذهب اللّه عنه همّه وأبدله مكان همّه فرحًا قالوا: يا رسول الله ألا نتعلّم هذه الكلمات؟ قال: بلى ينبغي لمن سمعهنّ أن يتعلّمهنّ
[الأسماء والصفات: 1/28]
- وأنا الأستاذ أبو منصورٍ عبد القاهر بن طاهرٍ البغداديّ، من أصل كتابه، حدّثنا أبو سعيدٍ إسماعيل بن أحمد الجرجانيّ، إملاءً، أخبرنا أبو بكرٍ محمّد بن عبد السّلام البصريّ، بها، حدّثنا محمّد بن المنهال الضّرير، حدّثنا عبد الواحد بن زيادٍ، عن عبد الرّحمن بن إسحاق، عن القاسم بن عبد الرّحمن، عن أبيه، عن عبد الله بن مسعودٍ، قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم:
[الأسماء والصفات: 1/29]
من أصابه همٌّ أو حزنٌ فليقل: اللّهمّ إنّي عبدك وابن عبدك وابن أمتك في قبضتك، ناصيتي بيدك، عدلٌ فيّ قضاؤك، ماضٍ فيّ حكمك، أسألك بكلّ اسمٍ هو لك، سمّيت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علّمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري، وذهاب همّي وجلاء حزني قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: ما قالهنّ مهمومٌ قطّ إلاّ أذهب اللّه همّه وأبدله بهمّه فرحًا قالوا: يا رسول الله أفلا نتعلّمهنّ؟ قال: بلى فتعلّموهنّ وعلّموهنّ قال الشّيخ رضي اللّه عنه: في هذا الحديث دلالةٌ على صحّة ما وقعت عليه ترجمة هذا الباب، واستشهد بعض أصحابنا في ذلك بما
- أخبرنا أبو نصرٍ عمر بن عبد العزيز بن قتادة، وأبو بكرٍ محمّد بن إبراهيم.
[الأسماء والصفات: 1/30]
قالا: أخبرنا أبو عمرو بن مطرٍ، حدّثنا إبراهيم بن عليٍّ الذّهليّ، حدّثنا يحيى بن يحيى، أخبرنا صالحٌ المرّيّ، عن جعفر بن زيدٍ العبديّ، عن عائشة أمّ المؤمنين، أنّها قالت: يا رسول الله علّمني اسم الله الّذي إذا دعي به أجاب، قال لها صلّى اللّه عليه وسلّم: قومي فتوضّئي وادخلي المسجد، فصلّي ركعتين، ثمّ ادعي حتّى أسمع ففعلت، فلمّا جلست للدّعاء، قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: اللّهمّ وفّقها فقالت: اللّهمّ إنّي أسألك بجميع أسمائك الحسنى كلّها، ما علمنا منها وما لم نعلم، وأسألك باسمك العظيم الأعظم، الكبير الأكبر، الّذي من دعاك به أجبته، ومن سألك به أعطيته قال: يقول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: أصبته أصبته
[الأسماء والصفات: 1/31]
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو محمّدٍ عبد الرّحمن بن حمدان الجلاب، بهمذان، حدّثنا الأمير أبو الهيثم خالد بن أحمد، بهمذان، حدّثنا أبو أسعدٍ عبد الله بن محمّدٍ البلخيّ، حدّثنا خالد بن مخلدٍ القطوانيّ (ح) وأخبرنا أبو عبد الله، حدّثنا محمّد بن صالح بن هانئٍ، وأبو بكر بن عبد الله.
[الأسماء والصفات: 1/32]
قالا: حدّثنا الحسن بن سفيان، حدّثنا أحمد بن سفيان النّسويّ، حدّثنا خالد بن مخلدٍ، حدّثنا عبد العزيز الحصين بن التّرجمان، حدّثنا أيّوب السّختيانيّ، وهشام بن حسّان، عن محمّد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: إنّ للّه تعالى تسعةً وتسعين اسمًا من أحصاها دخل الجنّة فذكرها وعدّ منها: الإله الرّبّ الحنّان المنّان الباري الأحد الكافي الدّائم المولى النّصير المبين الجميل الصّادق المحيط القريب القديم الوتر الفاطر العلام المليك الأكرم المدبّر القدير الشّاكر ذو الطّول ذو المعارج ذو الفضل الكفيل.
تفرّد بهذه الرّواية عبد العزيز بن الحصين بن التّرجمان، وهو ضعيف الحديث عند أهل النّقل، ضعّفه يحيى بن معينٍ، ومحمّد بن إسماعيل البخاريّ، ويحتمل أن يكون التّفسير وقع من بعض الرّواة، وكذلك في حديث الوليد بن مسلمٍ، ولهذا الاحتمال ترك البخاريّ ومسلمٌ إخراج حديث الوليد في "الصّحيح"، فإن كان محفوظًا عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فكأنّه قصد أنّ من أحصى من أسماء الله تعالى تسعةً وتسعين اسمًا دخل الجنّة، سواءً أحصاها ممّا نقلنا في حديث الوليد بن مسلمٍ، أو ممّا نقلناه في حديث عبد العزيز بن الحصين، أو من سائر ما دلّ عليه الكتاب والسّنّة واللّه أعلم، وهذه الأسامي كلّها في كتاب الله تعالى وفي سائر أحاديث رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم
[الأسماء والصفات: 1/33]
نصًّا أو دلالةً، ونحن نشير إلى مواضعها إن شاء اللّه تعالى في جماع أبواب معاني هذه الأسماء، ونضيف إليها ما لم يدخل في جملتها بمشيئة الله تعالى وحسن توفيقه). [الأسماء والصفات: 1/34]


رد مع اقتباس
  #13  
قديم 10 ربيع الثاني 1435هـ/10-02-2014م, 10:52 PM
أم القاسم أم القاسم غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,449
افتراضي

باب جماع أبواب معاني أسماء الرب عز ذكره

قال أبو بكرٍ أحمدُ بنُ الحسينِ البيهقيُّ (ت: 458هـ) : (
باب جماع أبواب معاني أسماء الرب عز ذكره
ذكر الحاكم أبو عبد الله الحسين بن الحسن الحليمي فيما يجب اعتقاده والإقرار به في الباري سبحانه وتعالى عدة أشياء: أحدها: إثبات الباري جل جلاله لتقع به مفارقة التعطيل والثاني: إثبات وحدانيته لتقع به البراءة من الشرك والثالث: إثبات أنه ليس بجوهر ولا عرض ليقع به البراءة من التشبيه والرابع: إثبات أن وجود كل ما سواه كان من قبل إبداعه واختراعه إياه لتقع به البراءة من قول من يقول بالعلة والمعلول والخامس: إثبات أنه مدبر ما أبدع ومصرفه على ما يشاء لتقع به البراءة من قول القائلين بالطبائع، أو بتدبير الكواكب، أو تدبير الملائكة، قال: ثم إن أسماء الله تعالى جده، التي ورد بها الكتاب والسنة، وأجمع العلماء على تسميته بها، منقسمة بين العقائد الخمس، فيلحق بكل واحدة منهن بعضها وقد يكون منها ما يلتحق بمعنيين، ويدخل في بابين أو أكثر، وهذا شرح ذلك وتفصيله). [الأسماء والصفات: 1/35]


رد مع اقتباس
  #14  
قديم 10 ربيع الثاني 1435هـ/10-02-2014م, 10:54 PM
أم القاسم أم القاسم غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,449
افتراضي

باب ذكر الأسماء التي تتبع إثبات الباري جل ثناؤه والاعتراف بوجوده جل وعلا

قال أبو بكرٍ أحمدُ بنُ الحسينِ البيهقيُّ (ت: 458هـ) : (
باب ذكر الأسماء التي تتبع إثبات الباري جل ثناؤه والاعتراف بوجوده جل وعلا
منها القديم وذلك مما يؤثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرناه في رواية عبد العزيز بن الحصين
[الأسماء والصفات: 1/36]
- أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطّان، ببغداد، حدّثنا عبد الله بن جعفرٍ، حدّثنا يعقوب بن سفيان، حدّثنا عمر بن حفصٍ، حدّثنا أبي، حدّثنا الأعمش، حدّثنا جامع بن شدّادٍ، عن صفوان بن محرزٍ، أنّه حدّثه عمران بن حصينٍ رضي اللّه عنه، قال: دخلت على رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم، فذكر الحديث ففيه قالوا: جئناك نسألك عن هذا الأمر، قال: كان اللّه تعالى ولم يكن شيءٌ غيره.
رواه البخاريّ في "الصّحيح"، عن عمر بن حفصٍ.
قال الحليميّ، رحمه اللّه تعالى في معنى القديم: إنّه الموجود الّذي ليس لوجوده ابتداءٌ، والموجود الّذي لم يزل، وأصل القديم في اللّسان: السّابق، لأنّ القديم هو القادم.
قال اللّه عزّ وجلّ فيما أخبر به عن فرعون: يقدم قومه يوم القيامة فقيل للّه عزّ وجلّ: قديمٌ، بمعنى أنّه سابقٌ للموجودات كلّها، ولم يجز إذ كان كذلك أن يكون لوجوده ابتداءٌ، لأنّه لو كان لوجوده ابتداءٌ لاقتضى ذلك أن يكون غيرٌ له أوجده، ولوجب أن يكون ذلك الغير موجودًا قبله، فكان لا يصحّ حينئذٍ أن يكون هو سابقًا للموجودات، فبان أنّا إذا وصفناه بأنّه سابقٌ للموجودات، فقد أوجبنا ألا يكون لوجوده ابتداءٌ، فكان القديم في وصفه جلّ ثناؤه عبارةً عن هذا المعنى، وباللّه التّوفيق.
[الأسماء والصفات: 1/37]
ومنها الأوّل والآخر:
قال اللّه جلّ ثناؤه: هو الأوّل والآخر، وقد ذكرناهما في رواية الوليد بن مسلمٍ
- وأخبرنا أبو عليٍّ الحسين بن محمّد بن عليٍّ الرّوذباريّ، بطوس، أخبرنا أبو بكرٍ محمّد بن بكر بن داسة، بالبصرة، حدّثنا أبو داود السّجستانيّ، حدّثنا موسى بن إسماعيل، حدّثنا وهيبٌ (ح) قال أبو داود وحدّثنا وهب بن بقيّة، عن خالدٍ، نحوه، جميعًا، عن سهيل بن أبي صالحٍ، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه كان يقول إذا أوى إلى فراشه: اللّهمّ ربّ السّماوات، وربّ الأرض، وربّ كلّ شيءٍ، فالق الحبّ والنّوى، منزل التّوراة والإنجيل والقرآن، أعوذ بك من شرّ كلّ ذي شرٍّ أنت آخذٌ بناصيته، أنت الأوّل فليس قبلك شيءٌ، وأنت الآخر فليس بعدك شيءٌ، وأنت الظّاهر فليس فوقك شيءٌ، وأنت الباطن فليس دونك شيءٌ زاد وهبٌ في حديثه: اقض عنّي الدّين، واغنني من الفقر.
رواه مسلمٌ في "الصّحيح"، عن عبد الحميد بن بيانٍ، عن خالد بن عبد اللّه
[الأسماء والصفات: 1/38]
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني إسماعيل بن محمّد بن الفضل بن محمّدٍ الشّعرانيّ، حدّثنا جدّي، حدّثنا إبراهيم بن حمزة الزّبيريّ، حدّثنا ابن أبي حازمٍ، عن سهيل بن أبي صالحٍ، عن موسى بن عقبة، عن عاصم بن أبي عبيدٍ، عن أمّ سلمة رضي اللّه عنها، عن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه كان يدعو بهؤلاء الكلمات: اللّهمّ أنت الأوّل فلا قبلك شيءٌ، وأنت الآخر فلا شيء بعدك، وأعوذ بك من شرّ كلّ دابّةٍ ناصيتها بيدك.
[الأسماء والصفات: 1/39]
وأعوذ بك من الإثم والكسل، ومن عذاب القبر، ومن عذاب النّار، ومن فتنة الغنى وفتنة الفقر، وأعوذ بك من المأثم والمغرم
- أخبرنا أبو طاهرٍ محمّد بن محمّد بن محمّد بن محمّشٍ الفقيه، أخبرنا أبو بكرٍ محمّد بن الحسين القطّان، حدّثنا أحمد بن يوسف السّلميّ، حدّثنا محمّد بن يوسف الفريابيّ، قال: ذكر سفيان، عن جعفر بن برقان، عن يزيد بن الأصمّ، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: يسألكم النّاس عن كلّ شيءٍ، حتّى
[الأسماء والصفات: 1/40]
يسألوكم: هذا اللّه خلق كلّ شيءٍ، فمن خلق اللّه؟ قال سفيان قال جعفرٌ: فحدّثني رجلٌ آخر، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، قال جعفرٌ كان يرفعه: فإن سئلتم فقولوا: اللّه قبل كلّ شيءٍ، وخالق كلّ شيءٍ، وهو كائنٌ بعد كلّ شيءٍ
- وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا محمّد بن حاتمٍ، حدّثنا فتح بن عمرٍو، حدّثنا عبد الرّزّاق، أخبرنا معمرٌ، عن هشامٍ، عن ابن سيرين، قال: كنت عند أبي هريرة رضي اللّه عنه، فقال: سمعت رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: إنّ رجالا سترفع بهم المسألة حتّى يقولوا: اللّه خلق الخلق فمن خلقه؟ قال عبد الرّزّاق، قال معمرٌ: وزاد فيه رجلٌ آخر، فقال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: فقولوا: اللّه كان قبل كلّ شيءٍ، وهو خالقٌ كلّ شيءٍ، وهو كائنٌ بعد كلّ شيءٍ
[الأسماء والصفات: 1/41]
- أخبرنا أبو الحسين بن بشران، ببغداد، أخبرنا أبو عليٍّ الحسين بن صفوان، حدّثنا أبو بكر بن أبي الدّنيا، حدّثني أحمد بن عبد الأعلى الشّيبانيّ، حدّثنا أبو عبد الرّحمن الكوفيّ، عن صالح بن حيّان، عن محمّد بن عليٍّ، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم علّم عليًّا رضي اللّه عنه دعوةً يدعو بها عندما أهمّه، فكان عليٌّ رضي اللّه عنه يعلّمها ولده: يا كائنًا قبل كلّ شيءٍ، ويا مكوّن كلّ شيءٍ، ويا كائنًا بعد كلّ شيءٍ، افعل بي كذا وكذا هذا منقطعٌ
[الأسماء والصفات: 1/42]
- وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب بن يوسف، حدّثنا محمّد بن سنانٍ القزّاز، حدّثنا محمّد بن الحارث مولى بني هاشمٍ، حدّثنا محمّد بن عبد الرّحمن بن البيلمانيّ، عن أبيه، عن ابن عمر رضي اللّه عنهما، قال: كان من دعاء رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم الّذي كان يقول: يا كائنًا قبل كلّ شيءٍ، والمكوّن لكلّ شيءٍ، والكائن بعدما لا يكون شيءٌ، أسألك بلحظةٍ من لحظاتك الحافظات الغافرات الواجبات المنجيات قال الشّيخ أحمد: إن صحّ هذا، فإنّما أراد باللّحظة النّظرة ونظره في أمور عباده رحمته إيّاهم
قال الحليميّ رحمه اللّه: فالأوّل هو الّذي لا قبل له، والآخر هو الّذي لا بعد له، وهذا لأنّ قبل وبعد نهايتان، فقبل نهاية الموجود من
[الأسماء والصفات: 1/43]
قبل ابتدائه، وبعد غايته من قبل انتهائه، فإذا لم يكن له ابتداءٌ ولا انتهاءٌ لم يكن للموجود قبل ولا بعد، فكان هو الأوّل والآخر.
ومنها الباقي،:
قال اللّه عزّ وجلّ: ويبقى وجه ربّك ذو الجلال والإكرام، وقد روّيناه في حديث الوليد بن مسلمٍ
قال الحليميّ، رحمه اللّه: وهذا أيضًا من لوازم قوله: قديمٌ، لأنّه إذا كان موجودًا لا عن أوّلٍ ولا بسببٍ لم يجز عليه الانقضاء والعدم، فإنّ كلّ منقضٍ بعد وجوده، فإنّما يكون انقضاؤه لانقطاع سبب وجوده، فلمّا لم يكن لوجود القديم سببٌ، فيتوهّم أنّ ذلك السّبب إن ارتفع عدم علمنا أنّه لا انقضاء له قال الشّيخ أحمد: وفي معنى الباقي: الدّائم وهو في رواية عبد العزيز بن الحصين.
قال أبو سليمان الخطّابيّ فيما أخبرت عنه: الدّائم الموجود لم يزل، الموصوف بالبقاء، الّذي لا يستولي عليه الفناء، قال: وليست صفة بقاءه ودوامه كبقاء الجنّة والنّار ودوامهما، وذلك أنّ بقاءه أبديٌّ أزليٌّ، وبقاء الجنّة والنّار أبديّ غير أزليٍّ، وصفة الأزل ما لم يزل، وصفة الأبد ما لا يزال، والجنّة والنّار مخلوقتان كائنتان بعد أن لم تكونا، فهذا فرق ما بين الأمرين واللّه أعلم.
ومنها الحقّ المبين،:
قال اللّه جلّ ثناؤه: ويعلمون أنّ اللّه هو الحقّ المبين
- أخبرنا عليّ بن أحمد بن عبدان، أخبرنا أبو القاسم سليمان بن أحمد اللّخميّ الطّبرانيّ، حدّثنا حفص بن عمر الرّقّيّ، حدّثنا قبيصة (ح) قال سليمان وحدّثنا محمّد
[الأسماء والصفات: 1/44]
بن الحسن بن كيسان، حدّثنا أبو حذيفة، حدّثنا سفيان، عن ابن جريجٍ، عن سليمان الأحول، عن طاوسٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنه، قال: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إذا تهجّد من اللّيل يدعو: اللّهمّ لك الحمد أنت ربّ السّماوات والأرض وما فيهنّ، ولك الحمد أنت نور السّماوات والأرض وما فيهنّ، ولك الحمد أنت قيّم السّماوات والأرض ومن فيهنّ، أنت الحقّ، وقولك حقّ، ووعدك حقّ، ولقاؤك حقّ، والجنّة حقٌّ، والنّار حقٌّ والسّاعة حقٌّ، اللّهمّ لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكّلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدّمت وما أخّرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت إلهي لا إله إلاّ أنت.
رواه البخاريّ في "الصّحيح" عن قبيصة، وهما مذكوران في خبر الأسامي: أحدهما في رواية الوليد بن مسلمٍ والآخر في رواية عبد العزيز
قال الحليميّ رحمه اللّه: الحقّ ما لا يسع إنكاره ويلزم إثباته والاعتراف به، ووجود الباري عزّ ذكره أولى ما يجب الاعتراف به يعني عند ورود أمره بالاعتراف به ولا يسع جحوده إذ لا مثبت يتظاهر عليه من الدّلائل البيّنة الباهرة ما تظاهرت
[الأسماء والصفات: 1/45]
على وجود الباري جلّ ثناؤه وقال: والمبين هو الّذي لا يخفى ولا ينكتم، والباري جلّ ثناؤه ليس بخافٍ ولا منكتمٍ، لأنّ له من الأفعال الدّالّة عليه ما يستحيل معها أن يخفى، فلا يوقف عليه ولا يدرى.
ومنها الظّاهر:
قال اللّه جلّ ثناؤه: هو الأوّل والآخر والظّاهر والباطن، وهو في خبر الأسامي وغيره
- وأخبرنا أبو الحسن عليّ بن محمّد بن عليٍّ المقريّ، أخبرنا الحسن بن محمّد بن إسحاق، حدّثنا يوسف بن يعقوب، أخبرنا محمّد بن أبي بكرٍ، حدّثنا الأغلب بن تميمٍ، حدّثنا مخلدٌ أبو الهذيل العنبريّ، عن عبد الرّحمن، عن ابن عمر رضي اللّه عنهما، قال: إنّ عثمان رضي اللّه عنه سأل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن تفسير: له مقاليد السّماوات والأرض، فقال له النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: ما سألني عنها أحدٌ قبلك، تفسيرها: لا إله إلاّ اللّه، واللّه أكبر.
[الأسماء والصفات: 1/46]
وسبحان الله وبحمده، أستغفر اللّه لا حول ولا قوّة إلاّ باللّه الأوّل والآخر والظّاهر والباطن بيده الخير يحيي ويميت، وهو على كلّ شيءٍ قديرٌ وذكر الحديث
قال الحليميّ، رحمه اللّه، في معنى الظّاهر إنّه البادي في أفعاله وهو جلّ ثناؤه بهذه الصّفة، فلا يمكن معها أن يجحد وجوده وينكر ثبوته وقال أبو سليمان الخطّابيّ: هو الظّاهر بحججه الباهرة وبراهينه النّيّرة وشواهد أعلامه الدّالّة على ثبوت ربوبيّته وصحّة وحدانيّته، ويكون الظّاهر فوق كلّ شيءٍ بقدرته، وقد يكون الظّهور بمعنى العلوّ، ويكون بمعنى الغلبة.
ومنها الوارث:
ومعناه الباقي بعد ذهاب غيره وربّنا جلّ ثناؤه بهذه الصّفة، لأنّه يبقى بعد ذهاب الملاك الّذين أمتعهم في هذه الدّنيا بما آتاهم، لأنّ وجودهم ووجود الأملاك كان به، ووجوده ليس بغيره، وهذا الاسم ممّا يؤثر عن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم في خبر الأسامي، وقال اللّه عزّ وجلّ: وإنّا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون). [الأسماء والصفات: 1/47]


رد مع اقتباس
  #15  
قديم 10 ربيع الثاني 1435هـ/10-02-2014م, 10:57 PM
أم القاسم أم القاسم غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,449
افتراضي

باب جماع أبواب ذكر الأسماء التي تتبع إثبات وحدانيته عز اسمه

قال أبو بكرٍ أحمدُ بنُ الحسينِ البيهقيُّ (ت: 458هـ) : (
باب جماع أبواب ذكر الأسماء التي تتبع إثبات وحدانيته عز اسمه
أولها الواحد
قال الله جل ثناؤه: {قل إنما أنا منذر وما من إله إلا الله الواحد القهار} وقد ذكرناه في خبر الأسامي
- وأخبرنا أبو نصر بن قتادة، حدّثنا أبو محمّدٍ عبد الله بن أحمد بن سعدٍ البزّار الحافظ، حدّثنا أبو عبد الله محمّد بن إبراهيم البوشنجيّ، حدّثنا يوسف بن عديٍّ، حدّثنا عثّام بن عليٍّ، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي اللّه عنها، قالت: كان رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم إذا تضوّر من اللّيل قال: لا إله إلاّ اللّه الواحد القهّار ربّ السّماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفّار
[الأسماء والصفات: 1/48]
قال الحليميّ رحمه اللّه، في معنى الواحد: إنّه يحتمل وجوهًا: أحدها أنّه لا قديم سواه ولا إله سواه، فهو واحدٌ من حيث أنّه ليس له شريكٌ، فيجري عليه حكم العدد، وتبطل به وحدانيّته والآخر: أنّه واحدٌ بمعنى أنّ ذاته ذاتٌ لا يجوز عليه التّكثّر بغيره، والإشارة فيه إلى أنّه ليس بجوهرٍ ولا عرضٍ، لأنّ الجوهر قد يتكثّر بالانضمام إلى جوهرٍ مثله، فيتركّب منهما جسمٌ، وقد يتكثّر بالعرض الّذي يحلّه، والعرض لا قوام له إلاّ بغيرٍ يحلّه والقديم فردٌ لا يجوز عليه حاجةٌ إلى غيره، ولا يتكثّر بغيره، وعلى هذا لو قيل: إنّ معنى الواحد أنّه القائم بنفسه لكان ذلك صحيحًا ولرجع المعنى إلى أنّه ليس بجوهرٍ ولا عرضٍ، لأنّ قيام الجوهر بفاعله ومبقيه، وقيام العرض بجوهره يحلّه، والثّالث: أنّ معنى الواحد هو القديم، فإذا قلنا الواحد، فإنّما هو الّذي لا يمكن أن يكون أكثر من واحدٍ، هو القديم لأنّ القديم متّصفٌ في الأصل بالإطلاق السّابق للموجودات، ومهما كان قديمًا كان كلّ واحدٍ منها غير سابقٍ بالإطلاق، لأنّه إن سبق غير صاحبه فليس بسابقٍ صاحبه، وهو موجودٌ كوجوده.
[الأسماء والصفات: 1/49]
فيكون إذًا قديمًا من وجهٍ، غير قديمٍ من وجهٍ، ويكون القديم وصفًا لهما معًا، ولا يكون وصفًا لكلّ واحدٍ منهما، فثبت أنّ القديم بالإطلاق لا يكون إلاّ واحدًا، فالواحد إذًا هو القديم الّذي لا يمكن أن يكون إلاّ واحدًا.
ومنها الوتر: لأنّه إذا لم يكن قديمٌ سواه لا إلهٌ ولا غير إلهٍ لم ينبغ لشيءٍ من الموجودات أن يضمّ إليه فيعبد معه، فيكون المعبود معه شفعًا، لكنّه واحدٌ وترٌ وقد ذكرناه في رواية عبد العزيز بن الحصين
- وأخبرنا أبو طاهرٍ الفقيه، أخبرنا أبو بكرٍ محمّد بن الحسين القطّان، حدّثنا أحمد بن يوسف، حدّثنا عبد الرّزّاق، أخبرنا معمرٌ، عن همّام بن منبّهٍ، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: للّه عزّ وجلّ تسعةٌ وتسعون اسمًا، مائةٌ إلاّ واحدًا من أحصاها دخل الجنّة إنّه وترٌ يحبّ الوتر.
رواه مسلمٌ في "الصّحيح" عن محمّد بن رافعٍ، عن عبد الرّزّاق.
ومنها الكافي لأنه إذا لم يكن في الإلهية شريك صح أنّ الكفايات كلّها واقعةٌ به وحده، فلا ينبغي أن تكون العبادة إلاّ له، والرّغبة إلاّ إليه، والرّجاء إلاّ منه، وقد ورد الكتاب بهذا. قال اللّه عزّ وجلّ: أليس اللّه بكافٍ عبده، وذكرناه خبر الأسامي
[الأسماء والصفات: 1/50]
- وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدّثنا أبو عبد الله محمّد بن عبد الله الصّفّار، إملاءً، حدّثنا أبو يحيى أحمد بن عصام بن عبد المجيد الأصفهانيّ، حدّثنا روح بن عبادة، حدّثنا حمّاد، عن ثابتٍ، عن أنسٍ رضي اللّه عنه: أنّ رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا أوى إلى فراشه قال: الحمد للّه الّذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا، فكم ممّن لا كافي له ولا مؤوي.
أخرجه مسلمٌ في "الصّحيح" من وجهٍ آخر، عن حمّاد بن سلمة.
ومنها العليّ:
قال اللّه عزّ وجلّ: وهو العليّ العظيم، وذكرناه في خبر الأسامي
- أخبرنا محمّد بن موسى بن الفضل، حدّثنا أبو العبّاس الأصمّ، حدّثنا يحيى بن أبي طالبٍ، أخبرنا أبو عامرٍ العقديّ، أخبرنا أبو حفصٍ عمر بن راشدٍ اليماميّ، أخبرنا إياس بن سلمة، عن أبيه، قال: ما سمعت رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم يستفتح دعاءً قطّ إلاّ استفتح بسبحان ربّي
[الأسماء والصفات: 1/51]
الأعلى الوهّاب ورواه أبو معاوية، عن عمر بن راشدٍ، وزاد فيه العليّ الوهّاب، وعمر بن راشدٍ ليس بالقويّ
- وأخبرنا عمر بن عبد العزيز بن قتادة، أخبرنا العبّاس بن الفضل بن زكريّا النّضرويّ الهرويّ، بها، أخبرنا أحمد بن نجدة، حدّثنا سعيد بن منصورٍ، حدّثنا مسكين بن ميمونٍ، مؤذّن مسجد الرّملة، حدّثني عروة بن رويمٍ، عن عبد الرّحمن بن قرطٍ: أنّ رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم ليلة
[الأسماء والصفات: 1/52]
أسري به سمع تسبيحًا في السّماوات العلى: سبحان العليّ الأعلى، سبحانه وتعالى
[الأسماء والصفات: 1/53]
قال الحليميّ في معنى العليّ: إنّه الّذي ليس فوقه فيما يجب له من معالي الجلال أحدٌ، ولا معه من يكون العلوّ مشتركًا بينه وبينه، لكنّه العليّ بالإطلاق قال: والرّفيع في هذا المعنى.
قال اللّه عزّ وجلّ: رفيع الدّرجات، ومعناه هو
[الأسماء والصفات: 1/54]
الّذي لا أرفع قدرًا منه، وهو المستحقّ لدرجات المدح والثّناء، وهي أصنافها وأبوابها لا مستحقّ لها غيره
- أخبرنا أبو الحسين بن بشران، أخبرنا أبو علي الحسين بن صفوان البرذعي، حدّثنا عبد الله بن محمد القرشي، حدّثنا يوسف بن موسى، قال: سمعت جريرا، قال، سمعت رجلا، يقول: رأيت إبراهيم الصائغ في النوم قال: وما عرفته قط، فقلت: بأي شيء نجوت؟، قال: بهذا الدعاء: اللهم يا عالم الخفيات، رفيع الدرجات، ذا العرش يلقي الروح على من يشاء من عبادك، غافر الذنب، قابل التوب شديد العقاب ذا الطول، لا إله إلا أنت). [الأسماء والصفات: 1/55]


رد مع اقتباس
  #16  
قديم 10 ربيع الثاني 1435هـ/10-02-2014م, 10:57 PM
أم القاسم أم القاسم غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,449
افتراضي

باب جماع أبواب ذكر الأسماء التي تتبع إثبات الإبداع والاختراع له أولها: الله

قال أبو بكرٍ أحمدُ بنُ الحسينِ البيهقيُّ (ت: 458هـ) : (
باب جماع أبواب ذكر الأسماء التي تتبع إثبات الإبداع والاختراع له أولها: الله
قال الله جل ثناؤه: {الله خالق كل شيء}
- أخبرنا أبو عبد الله محمّد بن عبد الله الحافظ، حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، حدّثنا محمّد بن إسحاق الصّاغانيّ، حدّثنا أبو النّضر، حدّثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابتٍ، عن أنسٍ رضي اللّه عنه، قال: كنّا نهينا أن نسأل رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم عن شيءٍ، فكان يعجبنا أن يأتيه الرّجل من أهل البادية فيسأله ونحن نسمع، فأتاه رجلٌ منهم فقال: يا محمّد أتانا رسولك، فزعم أنّك تزعم أنّ اللّه أرسلك، قال: صدق، قال: فمن خلق السّماء؟ قال: اللّه، قال: فمن خلق الأرض؟ قال: اللّه، قال: فمن نصب هذه الجبال؟
[الأسماء والصفات: 1/56]
قال: اللّه، قال: فمن جعل فيها هذه المنافع قال: اللّه، قال: فبالّذي خلق السّماء والأرض، ونصب الجبال، وجعل فيها هذه المنافع آللّه أرسلك؟ قال: نعم، قال: وزعم رسولك أنّ علينا خمس صلواتٍ في يومنا وليلتنا قال: صدق، قال: فبالّذي أرسلك آللّه أمرك بهذا؟ قال: نعم، قال: وزعم رسولك أنّ علينا صدقةً في أموالنا قال: صدق، قال: فبالّذي أرسلك آللّه أمرك بهذا؟، قال: نعم، قال: وزعم رسولك أنّ علينا صوم شهرٍ في سنتنا، قال: صدق، قال: فبالّذي أرسلك آللّه أمرك بهذا؟ قال: نعم، قال: وزعم رسولك أنّ علينا حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا، قال: صدق، قال: فبالّذي أرسلك آللّه أمرك بهذا؟ قال: نعم، قال: والّذي بعثك بالحقّ لا أزيد عليهنّ ولا أنقص منهنّ، فلمّا مضى قال صلّى اللّه عليه وسلّم: لئن صدق ليدخلنّ الجنّة.
رواه مسلمٌ في "الصّحيح"، عن عمرو بن النّاقد، عن أبي النّضر، قال البخاريّ ورواه موسى بن إسماعيل، وعليّ بن عبد الحميد، عن سليمان
قال الحليميّ في معنى الله: إنّه الإله، وهذا أكبر الأسماء وأجمعها للمعاني، والأشبه أنّه كأسماء الأعلام موضوعٌ غير مشتقٍّ، ومعناه القديم التّامّ القدرة، فإنّه إذا كان سابقًا لعامّة الموجودات كان وجودها به، وإذا كان تامّ القدرة أوجد المعدوم، وصرف ما يوجده على ما يريده، فاختصّ لذلك باسم الإله، ولهذا لا يجوز أن يسمّى بهذا الاسم أحدٌ سواه بوجهٍ من الوجوه، قال: ومن قال الإله هو المستحقّ للعبادة، فقد رجع قوله إلى أنّ الإله إذا كان هو القديم التّامّ القدرة كان كلّ موجودٍ سواه صنيعًا له، والمصنوع إذا علم صانعه كان حقًّا عليه أن يستخذي له بالطّاعة ويذلّ له بالعبوديّة، لا أنّ هذا المعنى بتفسير هذا الاسم قلت: وهذا الاستحقاق لا يوجب على تاركه إثمًا ولا عقابًا ما لم يؤمر به.
قال اللّه عزّ وجلّ: وما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولا، والمعنى الأوّل أصحّ.
قال أبو سليمان الخطّابيّ، رحمه اللّه، فيما أخبرت عنه اختلف النّاس، هل هو اسمٌ موضوعٌ أو مشتقٌّ؟ فروي
[الأسماء والصفات: 1/57]
فيه عن الخليل روايتان إحداهما، أنّه اسم علمٍ ليس بمشتقٍّ، فلا يجوز حذف الألف أو اللام منه، كما يجوز من الرّحمن الرّحيم، وروى عنه سيبويه أنّه اسمٌ مشتقٌّ، فكان في الأصل إلاهٌ مثل فعالٍ، فأدخل الألف واللام بدلا من الهمزة وقال غيره: أصله في الكلام إلهٌ وهو مشتقٌّ من أله الرّجل يأله إليه إذا فزع إليه من أمرٍ نزل به، فآلهه أي أجاره وآمنه، فسمّي إلاهًا كما يسمّى الرّجل إمامًا إذا أمّ النّاس فأتمّوا به، ثمّ إنّه لمّا كان اسمًا لعظيمٍ ليس كمثله شيءٌ أرادوا تفخيمه بالتّعريف الّذي هو الألف واللام، لأنّهم أفردوه بهذا الاسم دون غيره فقالوا: الإله، واستثقلوا الهمزة في كلمةٍ يكثر استعمالهم إيّاها، وللهمزة في وسط الكلام ضغطةٌ شديدةٌ، فحذفوها فصار الاسم كما نزل به القرآن وقال بعضهم: أصله ولاه فأبدلت الواو همزةً فقيل: إلهٌ كما قالوا: وسادةٌ وإسادةٌ، ووشاحٌ وإشاحٌ واشتقّ من الوله، لأنّ قلوب العباد توله نحوه، كقوله سبحانه: ثمّ إذا مسّكم الضّرّ فإليه تجأرون، وكان القياس أن يقال: مألوهٌ كما قيل: معبودٌ إلاّ أنّهم خالفوا به البناء ليكون اسمًا علمًا، فقالوا: إلهٌ كما قيل للمكتوب كتابٌ، وللمحسوب حسابٌ، وقال بعضهم: أصله من أله الرّجل يأله إذا تحيّر، وذلك لأنّ القلوب تأله عند التّفكّر في عظمة الله سبحانه وتعالى، أي تتحيّر وتعجز عن بلوغ كنه جلاله، وحكى بعض أهل اللّغة أنّه من أله يأله إلاهةً بمعنى عبد يعبد عبادةً، وروي عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما أنّه كان يقرأ: ويذرك وآلهتك أي عبادتك، قال: والتّألّه التّعبّد، فمعنى الإله: المعبود، وقول الموحّدين: لا إله إلاّ اللّه معناه لا معبود غير الله، وإلا في الكلمة بمعنى غيرٍ لا بمعنى الاستثناء.
وزعم بعضهم أنّ الأصل فيه الهاء الّتي هي الكناية عن الغائب، وذلك لأنّهم أثبتوه موجودًا في فطر عقولهم، فأشاروا إليه بحرف الكناية، ثمّ زيدت فيه لام الملك، إذ قد علموا أنّه خالق الأشياء ومالكها، فصار له ثمّ زيدت الألف واللام تعظيمًا، وفخّموها توكيدًا لهذا المعنى، ومنهم من أجراه على الأصل
[الأسماء والصفات: 1/58]
بلا تفخيمٍ، فهذه مقالات أصحاب العربيّة والنّحو في هذا الاسم، وأحبّ هذه الأقاويل إليّ قول من ذهب إلى أنّه اسم علمٍ، وليس بمشتقٍّ كسائر الأسماء المشتقّة، والدّليل على أنّ الألف واللام من بنية هذا الاسم ولم تدخلا للتّعريف دخول حرف النّداء عليه، كقولك: يا أللّه، وحروف النّداء لا تجتمع مع الألف واللام للتّعريف، ألا ترى أنّك لا تقول: يا الرّحمن، ويا الرّحيم كما تقول: يا أللّه، فدلّ على أنّه من بنية الاسم، واللّه أعلم.
ومنها الحيّ:
قال اللّه عزّ وجلّ: هو الحيّ لا إله إلاّ هو، وقد ذكرناه في خبر الأسامي
- وأخبرنا أبو الحسين عليّ بن محمّد بن عبد الله بن بشران، ببغداد، أخبرنا أبو الحسن عليّ بن محمّد بن أحمد المصريّ، حدّثنا عبد الله بن أبي مريم، حدّثنا عمرو بن أبي سلمة، حدّثنا عبد الله بن العلاء بن زبرٍ، قال: سمعت القاسم أبا عبد الرّحمن، يقول: إنّ اسم الله الأعظم لفي سورٍ من القرآن ثلاثٍ: البقرة، وآل عمران، وطه، فقال رجلٌ يقال له: عيسى بن موسى لابن زبرٍ، وأنا أسمع: يا أبا زبرٍ، سمعت غيلان بن أنسٍ
[الأسماء والصفات: 1/59]
يحدّث، قال: سمعت القاسم أبا عبد الرّحمن يحدّث، عن أبي أمامة الباهليّ رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: إنّ اسم الله الأعظم لفي سورٍ من القرآن ثلاثٍ: البقرة.
[الأسماء والصفات: 1/60]
وآل عمران، وطه قال أبو حفصٍ، عمرو بن أبي سلمة: فنظرت أنا في هذه السّور، فرأيت فيها شيئًا ليس في شيءٍ من القرآن مثله آية الكرسي: اللّه لا إله إلاّ هو الحيّ القيّوم، وفي آل عمران: الم اللّه لا إله إلاّ هو الحيّ القيّوم، وفي طه: وعنت الوجوه للحيّ القيّوم
- أخبرنا أبو نصر بن قتادة، أخبرنا أبو الحسن عليّ بن الفضل بن محمّد بن عقيلٍ، أخبرنا جعفر بن محمّدٍ الفريابيّ، حدّثنا قتيبة بن سعيدٍ، قال: حدّثنا خلف بن خليفة، عن حفص ابن أخي أنس بن مالكٍ، عن أنس بن مالكٍ رضي اللّه عنه، قال: كنت مع
[الأسماء والصفات: 1/61]
رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم جالسًا في الحلقةٍ ورجلٌ قائمٌ يصلّي، فلمّا ركع وسجد تشهّد ودعا، فقال في دعائه: اللّهمّ إنّي أسألك بأنّ لك الحمد لا إله إلاّ أنت المنّان بديع السّماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حيّ يا قيّوم، إنّي أسألك، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: لقد دعا اللّه باسمه العظيم، الّذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى ورواه أبو داود السّجستانيّ في كتاب السّنن، عن عبد الرّحمن بن عبيد الله الحلبيّ، عن خلف بن خليفة.
[الأسماء والصفات: 1/62]
قال الحليميّ: وإنّما يقال ذلك لأنّ الفعل على سبيل الاختيار لا يوجد إلاّ من حيٍّ، وأفعال الله جلّ ثناؤه كلّها صادرةٌ عنه باختياره، فإذا أثبتناها له فقد أثبتنا أنّه حيٌّ.
قال أبو سليمان: الحيّ في صفة الله سبحانه هو الّذي لم يزل موجودًا وبالحياة موصوفًا، لم تحدث له الحياة بعد موتٍ، ولا يعترضه الموت بعد الحياة، وسائر الأحياء يعتورهم الموت والعدم في أحد طرفي الحياة أو فيهما معًا كلّ شيءٍ هالكٌ إلاّ وجهه.
ومنها العالم:
قال اللّه عزّ وجلّ: عالم الغيب والشّهادة
- أخبرنا أبو الحسن عليّ بن محمّد بن عليٍّ المقريّ، أخبرنا الحسن بن محمّد بن إسحاق، حدّثنا يوسف بن يعقوب، حدّثنا عمرو بن مرزوقٍ، حدّثنا شعبة، عن يعلى بن عطاءٍ، عن عمرو بن عاصمٍ، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال أبو بكرٍ الصّدّيق رضي اللّه عنه:
[الأسماء والصفات: 1/63]
يا رسول الله، مرني بشيءٍ أقوله إذا أصبحت وإذا أمسيت، قال صلّى اللّه عليه وسلّم: قل: اللّهمّ عالم الغيب والشّهادة، فاطر السّماوات والأرض، ربّ كلّ شيءٍ ومليكه، أشهد أن لا إله إلاّ أنت، أعوذ بك من شرّ نفسي، ومن شرّ الشّيطان وشركه قال صلّى اللّه عليه وسلّم: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت، وإذا أخذت مضجعك.
قال الحليميّ، رحمه اللّه، في معنى العالم: إنّه مدرك الأشياء على ما هي به، وإنّما وجب أن يوصف القديم عزّ اسمه بالعالم، لأنّه قد ثبت أنّ ما عداه من الموجودات فعلٌ له، وأنّه لا يمكن أن يكون فعلٌ إلاّ باختيارٍ وإرادةٍ، والفعل على هذا الوجه لا يظهر إلاّ من عالمٍ كما لا يظهر إلاّ من حيٍّ.
ومنها القادر:
قال اللّه عزّ وجلّ: أليس ذلك بقادرٍ على أن يحيي الموتى، وقال: بلى إنّه على كلّ شيءٍ قديرٌ
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو العبّاس محمّد بن أحمد المحبوبيّ، حدّثنا سعيد بن مسعودٍ، حدّثنا يزيد بن هارون، أخبرنا يزيد بن عياضٍ، عن إسماعيل بن أميّة، عن أبي اليسع، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه: أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا قرأ: أليس ذلك بقادرٍ على أن يحيي الموتى، قال: بلى، وإذا قرأ: أليس اللّه بأحكم الحاكمين، قال: بلى هكذا رواه ابن عياضٍ، ورواه سفيان بن عيينة، عن إسماعيل بن
[الأسماء والصفات: 1/64]
أميّة، قال: سمعت أعرابيًّا، يقول: سمعت أبا هريرة رضي اللّه عنه، يقول: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: من قرأ: أليس ذلك بقادرٍ على أن يحيي الموتى ليقل: بلى.
[الأسماء والصفات: 1/65]
- أخبرناه أبو عليٍّ الرّوذباريّ، أخبرنا أبو بكر بن داسة، حدّثنا أبو داود، قال: حدّثنا عبد الله بن محمّدٍ الزّهريّ، حدّثنا سفيان، فذكره، وقد ذكرنا هذا الاسم في خبر الأسامي.
قال الحليميّ رحمه اللّه: وهذا على معنى معنى أنّه لا يعجزه شيءٌ، بل يستتبّ له ما يريد على ما يريد، لأنّ أفعاله قد ظهرت، ولا يظهر الفعل اختيارًا: إلاّ من قادرٍ غير عاجزٍ كما لا يظهر إلاّ من حيٍّ عالمٍ.
ومنها الحكيم:
قال اللّه عزّ وجلّ: واللّه عليمٌ حكيمٌ، وقال: العزيز الحكيم.
وروّيناه في خبر الأسامي
- وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو زكريّا يحيى بن إبراهيم بن محمّد بن يحيى المزكّي، قالا: أخبرنا أبو عبد الله محمّد بن يعقوب الشّيبانيّ، أخبرنا محمّد بن عبد الوهّاب، أخبرنا جعفر بن عونٍ، أخبرنا موسى الجهنيّ، عن مصعب بن سعدٍ، عن أبيه، قال:
[الأسماء والصفات: 1/66]
جاء إلى رسول الله أعرابيٌّ فقال: علّمني كلامًا أقوله: قال: قل: لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له، اللّه أكبر كبيرًا، والحمد للّه كثيرًا، وسبحان الله ربّ العالمين، ولا حول ولا قوّة إلاّ باللّه العزيز الحكيم قال: هذا لربّي، فما لي؟ قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: قل اللّهمّ اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني.
أخرجه مسلمٌ في "الصّحيح" من وجهين آخرين، عن موسى الجهنيّ
قال الحليميّ في معنى الحكيم: الّذي لا يقول ولا يفعل إلاّ الصّواب، وإنّما ينبغي أن يوصف بذلك لأنّ أفعاله سديدةٌ، وصنعه متقنٌ، ولا يظهر الفعل المتقن السّديد إلاّ من حكيمٍ، كما لا يظهر الفعل على وجه الاختيار إلاّ من حيٍّ عالمٍ قديرٍ.
قال أبو سليمان: الحكيم هو المحكم لخلق الأشياء صرّف عن مفعلٍ إلى فعيلٍ، ومعنى الإحكام لخلق الأشياء إنّما ينصرف إلى إتقان التّدبير فيها، وحسن التّقدير لها، إذ ليس كلّ الخليقة موصوفًا بوثاقة البنية وشدّة الأسر كالبقّة والنّملة، وما أشبههما من ضعاف الخلق، إلاّ أنّ التّدبير فيهما والدّلالة بهما على وجود الصّانع وإثباته، ليس بدون الدّلالة عليه بخلق السّماء والأرض والجبال، وسائر معاظم الخليقة، وكذلك هذا في قوله عزّ وجلّ: الّذي أحسن كلّ شيءٍ خلقه، لم تقع الإشارة به إلى الحسن الرّائق في المنظر، فإنّ هذا المعنى معدومٌ في القرد والخنزير والدّبّ وأشكالها من الحيوان، وإنّما ينصرف المعنى فيه إلى حسن التّدبير في إنشاء كلّ خلقٍ من خلقه على ما أحبّ أن ينشئهٌ عليه، وإبرازه على الهيئة الّتي أراد أن يهيّئه عليها كقوله عزّ وجلّ: وخلق كلّ شيءٍ فقدّره تقديرًا.
ومنها السّيّد وهذا اسمٌ لم يأت به الكتاب، ولكنّه مأثورٌ عن الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم
[الأسماء والصفات: 1/67]
- أخبرنا أبو عليٍّ الرّوذباريّ، قال: حدّثنا أبو بكر بن داسة، حدّثنا أبو داود، حدّثنا مسدّدٌ حدّثنا ابن المفضّل، أخبرنا أبو مسلمة، سعيد بن يزيد، عن أبي نضرة، عن مطرّفٍ، وهو ابن عبد الله بن الشّخّير، قال: قال أبي رضي اللّه عنه: انطلقت في وفد بني عامرٍ
[الأسماء والصفات: 1/68]
إلى رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم فقلنا: أنت سيّدنا، فقال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: السّيّد اللّه قلنا: فأفضلنا فضلا وأعظمنا طولا، فقال صلّى اللّه عليه وسلّم: قولوا بقولكم أو ببعض قولكم، ولا يستجرينّكم الشّيطان.
قال الحليميّ: ومعناه المحتاج إليه بالإطلاق، فإنّ سيّد النّاس إنّما هو رأسهم الّذي إليه يرجعون، وبأمره يعملون، وعن رأيه يصدرون ومن قوله يستهدون، فإذا كانت الملائكة والإنس والجنّ خلقًا للباري جلّ ثناؤه ولم، يكن بهم غنيةٌ عنه في بدء أمرهم وهو الوجود، إذ لو لم يوجدهم لم يوجدوا، ولا في الإبقاء بعد الإيجاد، ولا في العوارض العارضة أثناء البقاء، وكان حقًّا له جلّ ثناؤه أن يكون سيّدًا، وكان حقًا عليهم أن يدعوه بهذا الاسم.
ومنها الجليل وذلك ممّا ورد به الأثر عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في خبر الأسامي، وفي الكتاب ذو الجلال والإكرام، ومعناه المستحقّ للأمر والنّهي، فإنّ
[الأسماء والصفات: 1/69]
جلال الواحد فيما بين النّاس إنّما يظهر بأن يكون له على غيره أمرٌ نافذٌ لا يجد من طاعته فيه بدًّا، فإذا كان من حقّ الباري جلّ ثناؤه على من أبدعه أن يكون أمره عليه نافذًا، وطاعته له لازمةً، وجب له اسم الجليل حقًّا، وكان لمن عرفه أن يدعوه بهذا الاسم، وبما يجري مجراه، ويؤدّي معناه.
قال أبو سليمان: هو من الجلال والعظمة، ومعناه منصرفٌ إلى جلال القدر، وعظم الشّأن، فهو الجليل الّذي يصغر دونه كلّ جليلٍ، ويتّضع معه كلّ رفيعٍ.
ومنها البديع:
قال اللّه جلّ ثناؤه: {بديع السّماوات والأرض}.
وقد روّيناه في خبر الأسامي:
- وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، حدّثنا الرّبيع بن سليمان، حدّثنا عبد الله بن وهبٍ، قال: أخبرني عياض بن عبد الله الفهريّ، عن إبراهيم بن عبيدٍ، عن أنس بن مالكٍ رضي اللّه عنه، أنّ رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم سمع رجلا يقول: اللّهمّ إنّي أسألك بأنّ لك الحمد لا إله إلاّ أنت المنّان بديع السّماوات والأرض ذو الجلال والإكرام، أسألك الجنّة، وأعوذ بك من النّار، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: لقد كاد يدعو اللّه باسمه الّذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى أنّ تابعه عبد العزيز بن مسلمٍ مولى آل رفاعة، عن إبراهيم بن عبيد بن رفاعة بن رافعٍ الأنصاريّ، عن أنس بن مالكٍ رضي اللّه عنه
قال الحليميّ في معنى البديع: أنّه المبدع وهو محدث ما لم يكن مثله قطّ.
قال اللّه عزّ وجلّ: بديع السّماوات والأرض أي مبدعهما، والمبدع من له إبداعٌ، فلمّا ثبت وجود الإبداع من الله جلّ وعزّ لعامّة الجواهر والأعراض، استحقّ أن يسمّى بديعًا أو مبدعًا
[الأسماء والصفات: 1/70]
ومنها البارئ،:
قال اللّه عزّ وجلّ: البارئ المصوّر، وقد روّيناه في خبر الأسامي
قال الحليميّ، رحمه اللّه: وهذا الاسم يحتمل معنيين أحدهما الموجد لما كان في معلومه من أصناف الخلائق، وهذا هو الّذي يشير إليه قوله جلّ وعزّ: ما أصاب من مصيبةٍ في الأرض ولا في أنفسكم إلاّ في كتابٍ من قبل أن نبرأها، ولا شكّ أنّ إثبات الإبداع والاعتراف به للباري جلّ وعزّ ليس يكون على أنّه أبدع بغتةً من غير علمٍ سبق له بما هو مبدعه، لكن على أنّه كان عالمًا بما أبدع قبل أن يبدع، فكما وجب له عند الإبداع اسم البديع، وجب له اسم البارئ والآخر أنّ المراد بالبارئ قالب الأعيان، أي أنّه أبدع الماء والتّراب والنّار والهواء لا من شيءٍ، ثمّ خلق منها الأجسام المختلفة كما قال جلّ وعزّ: وجعلنا من الماء كلّ شيءٍ حيٍّ، وقال: إنّي خالقٌ بشرًا من طينٍ}.
وقال:{ومن آياته أن خلقكم من ترابٍ}.
وقال: {خلق الإنسان من نطفةٍ فإذا هو خصيمٌ مبينٌ}.
وقال: {خلق الإنسان من صلصالٍ كالفخّار وخلق الجانّ من مارجٍ من نارٍ}.
وقال: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالةٍ من طينٍ ثمّ جعلناه نطفةً في قرارٍ مكينٍ ثمّ خلقنا النّطفة علقةً فخلقنا العلقة مضغةً فخلقنا المضغة عظامًا فكسونا العظام لحمًا ثمّ أنشأناه خلقًا آخر فتبارك اللّه أحسن الخالقين}.
فيكون هذا من قولهم برأ القوّاس القوس إذا صنعها من موادّها الّتي كانت لها، فجاءت منها لا كهيئتها، والاعتراف للّه عزّ وجلّ بالإبداع يقتضي الاعتراف له بالبرء إذ كان المعترف يعلم من نفسه أنّه منقولٌ من حالٍ إلى حالٍ، إلى أن صار ممّن يقدر على الاعتقاد والاعتراف واللّه أعلم.
ومنها الذّارئ.
قال الحليميّ: ومعناه المنشئ والمنمّي،:
قال اللّه عزّ وجلّ: جعل لكم من أنفسكم أزواجًا ومن الأنعام أزواجًا يذرؤكم فيه أي جعل لكم أزواجًا ذكورًا وإناثًا لينشئكم ويكثّركم وينمّيكم، فظهر بذلك أنّ
[الأسماء والصفات: 1/71]
الذّرء ما قلنا، وصار الاعتراف بالإبداع يلزم من الاعتراف بالذّرء ما ألزم من الاعتراف بالبرء
- أخبرنا أبو نصر بن قتادة، وأبو بكرٍ محمّد بن إبراهيم، قالا: أخبرنا أبو عمرٍو بن مطرٍ، حدّثنا إبراهيم بن عليٍّ، حدّثنا يحيى بن يحيى، أخبرنا جعفر بن سليمان، عن أبي التّيّاح، قال: قال رجلٌ لعبد الرّحمن بن خنبشٍ: كيف صنع رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم حين كادته الشّياطين؟ قال: نعم تحدّرت الشّياطين من الجبال والأودية يريدون رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم، وفيهم شيطانٌ معه شعلةٌ من نارٍ يريد أن يحرق بها رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم، فلمّا رآهم
[الأسماء والصفات: 1/72]
رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم فزع منهم وجاءه جبريل عليه السّلام فقال: قل يا محمّد، قال: ما أقول؟، قال: قل أعوذ بكلمات الله التّامّات الّتي لا يجاوزهنّ برٌّ ولا فاجرٌ، من شرّ ما خلق وبرأ وذرأ، ومن شرّ ما ينزل من السّماء ومن شرّ ما يعرج فيها، ومن شرّ ما ذرأ في الأرض وما يخرج منها، ومن شرّ فتن اللّيل والنّهار، ومن شرّ كلّ طارقٍ إلاّ طارقًا يطرق بخيرٍ يا رحمن، قال: فطفئت نار الشّياطين وهزمهم اللّه عزّ وجلّ.
ومنها الخالق:
قال اللّه عزّ وجلّ: هل من خالقٍ غير اللّه
قال الحليميّ: ومعناه الّذي صنّف المبدعات، وجعل لكلّ صنفٍ منها قدرًا، فوجد فيها الصّغير والكبير والطّويل والقصير والإنسان والبهيمة والدّابّة والطّائر والحيوان والموات، ولا شكّ في أنّ الاعتراف بالإبداع يقتضي الاعتراف بالخلق، إذ أنّ الخلق هيئة الإبداع، فلا يعرّى أحدهما عن الآخر، وهو في خبر الأسامي مذكورٌ
- أخبرنا أبو عبد الله محمّد بن عبد الله الحافظ، حدّثنا أبو عبد الله محمّد بن عبد الله الصّفّار، إملاءً، حدّثنا أبو بكرٍ محمّد بن الفرج، حدّثنا حجّاج بن محمّدٍ، قال: أخبرني ابن جريجٍ، قال: أخبرنا إسماعيل بن أميّة، عن أيّوب بن خالدٍ، عن عبد الله بن رافعٍ مولى أمّ سلمة عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: أخذ رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم بيدي
[الأسماء والصفات: 1/73]
فقال: خلق اللّه التّربة يوم السّبت، وخلق الجبال يوم الأحد، وخلق الشّجر يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثّلاثاء، وخلق النّور يوم الأربعاء، وبثّ فيها الدّوابّ يوم الخميس، وخلق آدم بعد العصر من يوم الجمعة آخر الخلق في آخر ساعةٍ من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى اللّيل.
رواه مسلمٌ في "الصّحيح"، عن شريح بن يونس وهارون بن عبد الله، عن حجّاج بن محمّدٍ.
ومنها الخلاق:
قال اللّه عزّ وجلّ: بلى وهو الخلاق العليم، ومعناه الخالق خلقًا بعد خلقٍ.
ومنها الصّانع ومعناه المركّب والمهيّئ:
قال اللّه عزّ وجلّ: صنع الله الّذي أتقن كلّ شيءٍ وقد يكون الصّانع الفاعل، فيدخل فيه الاختراع والتّركيب معًا
- أخبرنا أبو الحسين بن بشران، ببغداد، أخبرنا أبو أحمد حمزة بن محمّد بن العبّاس، حدّثنا محمّد بن غالبٍ، حدّثنا القعنبي، حدّثنا مروان الفزاريّ، عن أبي مالكٍ الأشجعيّ، عن
[الأسماء والصفات: 1/74]
ربعيّ بن حراش، عن حذيفة رضي اللّه عنه، قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ اللّه عزّ وجلّ صنع كلّ صانعٍ وصنعته.
ومنها الفاطر:
قال اللّه جلّ ثناؤه: الحمد للّه فاطر السّماوات والأرض، وذكرناه في خبر الأسامي في رواية عبد العزيز بن الحصين
- وأخبرنا أبو زكريّا بن أبي إسحاق، أخبرنا أحمد بن سليمان، قال: قرئ على يحيى بن جعفرٍ وأنا أسمع، حدّثنا يحيى بن السّكن، حدّثنا شعبة، عن يعلى بن عطاءٍ، عن عمرو بن عاصمٍ، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أنّ أبا بكرٍ رضي اللّه عنه، قال: يا رسول الله علّمني شيئًا أقوله إذا أصبحت وإذا أمسيت، قال صلّى اللّه عليه وسلّم: قل: اللّهمّ فاطر السّماوات
[الأسماء والصفات: 1/75]
والأرض، عالم الغيب والشّهادة، ربّ كلّ شيءٍ ومليكه، أشهد أن لا إله إلاّ اللّه، أعوذ بك من شرّ نفسي وشرّ الشّيطان وشركه، قله إذا أصبحت وإذا أمسيت، وإذا أخذت مضجعك.
قال الحليميّ في معنى الفاطر: أنّه فاتق المرتتق من السّماء والأرض:
قال اللّه عزّ وجلّ: أولم ير الّذين كفروا أنّ السّماوات والأرض كانتا رتقًا ففتقناهما، فقد يكون المعنى كانت السّماء دخانًا فسوّاها: وأغطش ليلها وأخرج ضحاها، وكانت الأرض غير مدحوّةٍ فدحاها، أخرج منها ماءها ومرعاها، ومن قال هذا قال: أولم ير الّذين كفروا، معناه أولم يعلموا وقد يكون المعنى ما روي في بعض الآثار: فتقنا السّماء بالمطر والأرض بالنّبات
[الأسماء والصفات: 1/76]
- أخبرناه أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه، حدّثنا بشر بن موسى الأسدي، حدّثنا خلاد بن يحيى، حدّثنا سفيان، عن طلحة، عن عطاء، عن ابن عباس، في قول الله تبارك وتعالى: {أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما}، قال: فتقت السماء بالغيث، وفتقت الأرض بالنبات.
قال الحليمي: والإقرار بالإبداع يأتي على هذا المعنى ويقتضيه وقال أبو سليمان: الفاطر هو الذي فطر الخلق أي ابتدأ خلقهم كقوله: {فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة} ومن هذا قولهم: فطر ناب البعير، وهو أول ما يطلع
[الأسماء والصفات: 1/77]
- و أخبرت عن أبي سليمان الخطابي، قال: أخبرني الحسن بن عبد الرحيم، حدّثنا عبد الله بن زيدان، قال: قال أبو روق عن ابن عباس، رضي الله عنهما: لم أكن أعلم معنى فاطر السماوات والأرض حتى اختصم أعرابيان في بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها، يريد استحدثت حفرها ومنها البادئ قال الله تعالى: {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده} وهو في رواية عبد العزيز بن الحصين: قال أبو سليمان الخطابي فيما أخبرت عنه معناه المبدئ يقال: بدأ وأبدأ بمعنى واحد، وهو الذي ابتدأ الأشياء مخترعا لها عن غير أصل
[الأسماء والصفات: 1/78]
ومنها المصور
قال الله جل ثناؤه: {هو الله الخالق البارئ المصور}.
ورويناه في خبر الأسامي.
قال الحليمي: معناه المهيئ لمناظر الأشياء على ما أراده من تشابه أو تخالف، والاعتراف بالإبداع يقتضي الاعتراف بما هو من لواحقه قال الخطابي: المصور الذي أنشأ خلقه على صور مختلفة ليتعارفوا بها، ومعنى التصوير التخطيط والتشكيل، وخلق الله عز وجل الإنسان في أرحام الأمهات ثلاث خلق يعرف بها ويتميز عن غيره بسمتها، جعله علقة، ثم مضغة، ثم جعله صورة، وهو التشكيل الذي يكون به ذا صورة وهيئة: {فتبارك الله أحسن الخالقين}
- أخبرنا أبو الحسين بن بشران، ببغداد، أخبرنا إسماعيل بن محمّدٍ الصّفّار، حدّثنا أحمد بن منصورٍ الرّماديّ، حدّثنا عبد الرّزّاق، أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ، قال: أخبرني القاسم بن
[الأسماء والصفات: 1/79]
محمّدٍ، أنّ عائشة رضي اللّه عنها، أخبرته أنّ رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم دخل عليها وهي مستترةٌ بقرامٍ فيه صورة تماثيل، فتلوّن وجهه ثمّ أهوى إلى القرام فهتكه بيده، ثمّ قال: إنّ من أشدّ النّاس عذابًا يوم القيامة الّذين يشبّهون بخلق الله تعالى.
رواه مسلمٌ في "الصّحيح"، عن إسحاق بن إبراهيم، وعبد بن حميدٍ عن عبد الرّزّاق.
وأخرجه البخاريّ من وجه آخر، عن الزّهريّ
- أخبرنا أبو عمرٍو محمّد بن عبد الله الأديب، أخبرنا أبو بكرٍ الإسماعيليّ، أخبرنا أبو يعلى، حدّثنا أبو خيثمة، حدّثنا جريرٌ، عن عمارة، عن أبي زرعة، قال: دخلت أنا وأبو هريرة رضي اللّه عنه دارًا تبنى بالمدينة، لسعيدٍ يعني ابن العاص أو لمروان قال: فتوضّأ أبو هريرة رضي اللّه عنه وغسل يديه حتّى بلغ إبطيه وغسل رجليه حتّى بلغ ركبتيه فقلت: ما هذا يا أبا هريرة؟ قال: إنّه منتهى الحلية قال: فرأى مصوّرًا يصوّر في الدّار، فقال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: قال اللّه تعالى: ومن أظلم ممّن ذهب يخلق كخلقي
[الأسماء والصفات: 1/80]
فليخلقوا حبّةً وليخلقوا ذرّةً.
ورواه مسلمٌ في "الصّحيح"، عن أبي خيثمة.
وأخرجاه من حديث محمّد بن فضيلٍ، عن عمارة بن القعقاع.
ومنها المقتدر:
قال اللّه عزّ وجلّ: {فأخذناهم أخذ عزيزٍ مقتدرٍ}.
وهو في خبر الأسامي
قال الحليميّ: المقتدر المظهر قدرته بفعل ما يقدر عليه وقد كان ذلك، من الله تعالى فيما أمضاه، وإن كان يقدر على أشياء كثيرةٍ لم يفعلها، ولو شاء لفعلها، فاستحقّ بذلك أن يسمّى مقتدرًا.
وقال أبو سليمان: المقتدر هو التّامّ القدرة الّذي لا يمتنع عليه شيءٌ ولا يحتجز عنه بمنعةٍ وقوّةٍ، ووزنه مفتعلٌ من القدرة إلاّ أنّ الاقتدار أبلغ وأعلم لأنّه يقتضي الإطلاق، والقدرة، قد يدخلها نوعٌ من التّضمين بالمقدور عليه.
ومنها الملك والمليك في معناه:
قال اللّه عزّ وجلّ: فتعالى اللّه الملك الحقّ، وقال: عند مليكٍ مقتدرٍ
قال الحليميّ: وذلك ممّا يقتضيه الإبداع، لأنّ الإبداع هو إخراج الشّيء من العدم إلى الوجود، فلا يتوهّم أن يكون أحدٌ أحقّ بما أبدع منه، ولا أولى بالتّصرّف فيه منه، وهذا هو الملك، وأمّا المليك فهو مستحقّ السّياسة، وذلك فيما بيننا قد يصغر ويكبر بحسب قدر المسوس، وقدر السّائس في نفسه ومعانيه، وأمّا ملك الباري عزّ اسمه، فهو الّذي لا يتوهّم ملكٌ يدانيه، فضلا عن أن يفوقه، لأنّه إنّما يستحقّه بإبداعه لما يسوسه، وإيجاده إيّاه بعد أن لم يكن، ولا يخشى أن ينزع منه أو يدفع عنه، فهو الملك حقًّا، وملك من سواه مجازٌ
[الأسماء والصفات: 1/81]
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو بكر بن عبد الله أنا الحسن بن سفيان، حدّثنا حرملة، حدّثنا عبد الله بن وهبٍ، أخبرني يونس، عن ابن شهابٍ، حدّثني ابن المسيّب، أنّ أبا هريرة رضي اللّه عنه، كان يقول: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: يقبض اللّه تعالى الأرض يوم القيامة ويطوي السّماء بيمينه ثمّ يقول: أنا الملك أين ملوك الأرض؟.
رواه مسلمٌ في "الصّحيح"، عن حرملة.
ورواه البخاريّ، عن أحمد بن صالحٍ، عن ابن وهبٍ
[الأسماء والصفات: 1/82]
- أخبرنا أبو عليٍّ الرّوذباريّ، وأبو الحسين بن الفضل القطّان، وأبو عبد الله الحسين بن عمر بن برهان، وأبو محمد عبد الله بن يحيى بن عبد الجبار، قالوا: حدّثنا إسماعيل بن محمّدٍ الصّفّار، حدّثنا الحسن بن عرفة، حدّثني محمّد بن صالحٍ الواسطيّ، عن سليمان بن محمّدٍ عن عمر بن نافعٍ، عن أبيه، قال: قال عبد الله بن عمر رضي اللّه عنهما: رأيت رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم قائمًا على هذا المنبر يعني منبر رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم وهو
[الأسماء والصفات: 1/83]
يحكي عن ربّه عزّ وجلّ فقال: إنّ اللّه تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة جمع السّماوات السّبع والأرضين السّبع في قبضةٍ، ثمّ يقول عزّ وجلّ: أنا اللّه، أخبرنا الرّحمن، أخبرنا الملك، أخبرنا القدّوس، أخبرنا السّلام، أخبرنا المؤمن، أخبرنا المهيمن، أخبرنا العزيز، أخبرنا الجبّار، أخبرنا المتكبّر، أخبرنا الّذي بدأت الدّنيا ولم تك شيئًا، أخبرنا الّذي أعدتها، أين الملوك؟ أين الجبابرة؟ وفي رواية ابن برهانٍ أعيدها
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه، أخبرنا بشر بن موسى، حدّثنا الحميديّ، حدّثنا سفيان، حدّثنا أبو الزّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ أخنع الأسماء عند الله عزّ وجلّ رجلٌ تسمّى ملك الأملاك قال سفيان: شاهان شاه قال الحميديّ: أخنع: أرذل
[الأسماء والصفات: 1/86]
- وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا محمّد بن يعقوب، حدّثنا محمّد بن محمّد بن رجاءٍ، حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدّثنا سفيان، عن أبي الزّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه روايةً: أخنع اسمٍ عند الله تعالى عبدٌ تسمّى ملك الأملاك، لا مالك إلاّ اللّه.
رواه البخاريّ في "الصّحيح"، عن عليّ بن عبد اللّه.
ورواه مسلمٌ عن أحمد بن حنبلٍ وغيره كلّهم، عن سفيان نحو رواية الحميديّ.
ورواه مسلمٌ أيضًا، عن أبي بكر بن أبي شيبة
- أخبرنا أبو عليٍّ الرّوذباريّ، وأبو الحسين بن الفضل القطّان، وأبو عبد الله بن برهان، وأبو محمد عبد الله بن يحيى بن عبد الجبار، قالوا: حدّثنا إسماعيل بن محمّدٍ
[الأسماء والصفات: 1/87]
الصّفّار، حدّثنا الحسن بن عرفة، حدّثنا إسماعيل بن عيّاشٍ، عن محمّد بن زيادٍ الألهانيّ، عن أبي راشدٍ الحبرانيّ، بضمّ الحاء قال: أتيت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي اللّه عنهما فقلت: حدّثنا ممّا سمعت رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم، فألقى إليّ الصّحيفة فقال: هذا ما كتب لي رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: فنظرت فإذا فيها: إنّ أبا بكرٍ الصّدّيق رضي اللّه عنه قال: يا رسول الله علّمني ما أقول إذا أصبحت وإذا أمسيت، فقال صلّى اللّه عليه وسلّم: يا أبا بكرٍ قل: اللّهمّ فاطر السّماوات والأرض عالم الغيب والشّهادة، لا إله إلاّ أنت ربّ كلّ شيءٍ ومليكه، أعوذ بك من شرّ نفسي، ومن شرّ الشّيطان وشركه، وأن أقترف على نفسي سوءًا أو أجرّه إلى مسلمٍ وروي ذلك من وجهٍ آخر عن عبد الله بن عمرٍو رضي اللّه عنهما.
وروّيناه فيما مضى من حديث أبي هريرة رضي اللّه عنه وقوله في هذه الرّواية: هذا ما كتب لي يريد ما أمر بكتابته أو أملاه، وقد روّيناه في خبر الأسامي مالك الملك.
قال أبو سليمان الخطّابيّ فيما أخبرت عنه: معناه أنّ الملك بيده يؤتيه من يشاء، كقوله تعالى: قل اللّهمّ مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممّن تشاء، وقد يكون معناه مالك الملوك كما يقال: ربّ الأرباب، وسيّد
[الأسماء والصفات: 1/88]
السّادات، وقد يحتمل أن يكون معناه وارث الملك يوم لا يدّعي الملك مدّعٍ، ولا ينازعه فيه منازعٌ، كقوله عزّ وجلّ: الملك يومئذٍ الحقّ للرّحمن.
ومنها الجبّار.
قال الحليميّ في قول من يجعله من الجبر الّذي هو نظير الإكراه، لأنّه يدخل في إحداث الشّيء عن عدمٍ، فإنّه إذا أراد وجوده كان لم يتخلّف كونه عن حال إرادته، ولا يمكن فيه غير ذلك، فيكون فعله له كالجبر، إذ الجبر طريقٌ إلى دفع الامتناع عن المراد، فإذا كان ما يريده الباري جلّ وعزّ لا يمتنع عليه، فذاك في الصّورة جبرٌ، وقد قال اللّه عزّ وجلّ: ثمّ استوى إلى السّماء وهي دخانٌ فقال لها وللأرض ائتيا طوعًا أو كرهًا قالتا أتينا طائعين، وقد قيل في معنى الجبّار غير هذا، فمن ألحقه بهذا الباب لم يميّزه عن الإبداع، وجعل الاعتراف له بأنّه بديعٌ اعترافًا له بأنّه جبّار.
وقال أبو سليمان الخطّابيّ فيما أخبرته عنه: الجبّار الّذي جبر الخلق على ما أراد من أمره ونهيه، يقال: جبره السّلطان وأجبره بالألف ويقال: هو الّذي جبر مفاقر الخلق وكفاهم أسباب المعاش والرّزق، ويقال: بل الجبّار العالي فوق خلقه، من قولهم تجبّر النّبات إذا علا
- أخبرنا أبو نصر بن قتادة، أخبرنا أبو منصور النضروي، حدّثنا أحمد بن نجدة، حدّثنا سعيد بن منصور، حدّثنا أبو معشر، عن محمد بن كعب، قال: إنما يسمى الجبار لأنه يجبر الخلق على ما أراد). [الأسماء والصفات: 1/89]


رد مع اقتباس
  #17  
قديم 10 ربيع الثاني 1435هـ/10-02-2014م, 10:58 PM
أم القاسم أم القاسم غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,449
افتراضي

باب جماع أبواب ذكر الأسماء التي تتبع نفي التشبيه عن الله تعالى جده

قال أبو بكرٍ أحمدُ بنُ الحسينِ البيهقيُّ (ت: 458هـ) : (
باب جماع أبواب ذكر الأسماء التي تتبع نفي التشبيه عن الله تعالى جده
منها الأحد
قال الحليمي: وهو الذي لا شبيه له ولا نظير، كما أن الواحد هو الذي لا شريك له ولا عديد، ولهذا سمى الله عز وجل نفسه بهذا الاسم، لما وصف نفسه بأنه لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد فكأن قوله جل وعلا: {لم يلد ولم يولد} من تفسير قوله أحد والمعنى لم يتفرع عنه شيء، ولم يتفرع هو عن شيء كما يتفرع الولد عن أبيه وأمه، ويتفرع عنهما الولد، أي فإذا كان كذلك فما يدعوه المشركون إلها من دونه لا يجوز أن يكون إلاها، إذ كانت أمارات الحدوث من التجزي والتناهي قائمة فيه لازمة له، والباري تعالى لا يتجزأ ولا يتناهى، فهو إذا غير مشبه إياه ولا مشارك له في صفته
[الأسماء والصفات: 1/90]
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني عبد الرّحمن بن الحسن القاضي، حدّثنا إبراهيم بن الحسين، حدّثنا أبو اليمان الحكم بن نافعٍ، أخبرنا شعيبٌ، حدّثني أبو الزّناد، عن عبد الرّحمن الأعرج، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: يعني يقول اللّه عزّ وجلّ: كذّبني ابن آدم، ولم ينبغ له أن يكذّبني، وشتمني ابن آدم ولم ينبغ له أن يشتمني، فأمّا تكذيبه إيّاي فقوله: لن يعيدني كما بدأني، وليس أوّل خلقه بأهون عليّ من إعادته، وأمّا شتمه إيّاي فقوله: اتّخذ اللّه ولدًا، وأنا اللّه الأحد الصّمد، لم ألد
[الأسماء والصفات: 1/91]
ولم أولد، ولم يكن لي كفوًا أحدٌ.
رواه البخاريّ في "الصّحيح" عن أبي اليمان
- حدّثنا محمّد بن عبد الله الحافظ، إملاءً، أخبرنا أبو عبد الله محمّد بن يعقوب الحافظ، وأبو جعفرٍ محمّد بن صالح بن هانئٍ، قالا: حدّثنا الحسين بن الفضل، حدّثنا محمّد بن سابقٍ، حدّثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعبٍ رضي اللّه عنه، قال: إنّ المشركين قالوا: يا محمّد انسب لنا ربّك، فأنزل اللّه تبارك وتعالى: قل هو اللّه أحدٌ اللّه الصّمد، قال: الصّمد: الّذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحدٌ، لأنّه ليس شيءٌ يولد إلاّ سيموت، وليس شيءٌ يموت إلاّ سيورث، وإنّ اللّه تبارك وتعالى لا يموت ولا يورث، ولم يكن له كفوًا أحدٌ، لم يكن له شبيهٌ ولا عدلٌ، ليس كمثله شيءٌ.
[الأسماء والصفات: 1/92]
قلت: كذا في هذه الآية جعل قوله: لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحدٌ تفسيرًا للصّمد، وذلك صحيحٌ على قول من قال: الصّمد الّذي لا جوف له، وهو قول مجاهدٍ في آخرين، فيكون هذا الاسم ملحقًا بهذا الباب، ومن ذهب في تفسيره إلى ما يدلّ عليه الاشتقاق ألحقه بالباب الّذي يليه.
ومنها العظيم:
قال اللّه جلّ ثناؤه: وهو العليّ العظيم، وذكرناه في خبر الأسامي
[الأسماء والصفات: 1/93]
- وأخبرنا أبو بكرٍ محمّد بن الحسن بن فوركٍ، أخبرنا عبد الله بن جعفر بن أحمد الأصبهانيّ، حدّثنا يونس بن حبيبٍ، حدّثنا أبو داود الطّيالسيّ، حدّثنا هشامٌ، عن قتادة، عن أبي العالية، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما قال: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول عند الكرب: لا إله إلاّ اللّه العظيم الحليم، لا إله إلاّ اللّه ربّ العرش العظيم، لا إله إلاّ اللّه ربّ السّماوات وربّ الأرضين، وربّ العرش الكريم.
أخرجه البخاريّ ومسلمٌ في "الصّحيح" من حديث هشامٍ الدّستوائيّ وغيره.
[الأسماء والصفات: 1/94]
قال الحليميّ رحمه اللّه في معنى العظيم: إنّه الّذي لا يمكن الامتناع عليه بالإطلاق، ولأنّ عظيم القوم إنّما يكون مالك أمورهم الّذي لا يقدرون على مقاومته ومخالفة أمره، إلاّ أنّه وإن كان كذلك ماهيّته، فقد يلحقه العجز بآفاتٍ تدخل عليه فيما بيده فيوهنه ويضعفه حتّى يستطاع مقاومته، بل قهره وإبطاله، واللّه تعالى جلّ ثناؤه قادرٌ لا يعجزه شيءٌ، ولا يمكن أن يعصى كرهًا أو يخالف أمره قهرًا، فهو العظيم إذًا حقًّا وصدقًا، وكان هذا الاسم لمن دونه مجازًا.
قال أبو سليمان الخطّابيّ رحمه اللّه: العظيم هو ذو العظمة والجلال ومعناه ينصرف إلى عظم الشّان وجلالة القدر، دون العظيم الّذي هو من نعوت الأجسام
[الأسماء والصفات: 1/95]
ومنها العزيز:
قال اللّه جلّ ثناؤه: وهو العزيز الحكيم.
وروّيناه في خبر الأسامي، وفي حديث عائشة رضي اللّه عنها
قال الحليميّ: ومعناه: الّذي لا يوصل إليه، ولا يمكن إدخال مكروهٍ عليه، فإنّ العزيز في لسان العرب من العزّة وهي الصّلابة، فإذا قيل للّه العزيز، فإنّما يراد به الاعتراف له بالقدم الّذي لا يتهيّأ معه تغيّره عمّا لم يزل عليه من القدرة والقوّة، وذلك عائدٌ إلى تنزيهه عمّا يجوز على المصنوعين لأعراضهم بالحدوث في أنفسهم للحوادث أن تصيبهم، وتغيّرهم.
قال أبو سليمان رحمه اللّه: العزيز هو المنيع الّذي لا يغلب، والعزّ قد يكون بمعنى الغلبة، يقال منه: عزّ يعزّ بضمّ العين وقد يكون بمعنى الشّدّة والقوّة، يقال منه: عزّ ويعزّ بفتح العين، وقد يكون بمعنى نفاسة القدر، يقال منه: عزّ الشّيء يعزّ بكسر العين، فيتأوّل معنى العزيز على هذا أنّه لا يعادله شيءٌ، وأنّه لا مثل له واللّه أعلم
- أخبرنا أبو نصر بن قتادة، أخبرنا أبو الحسن محمّد بن عبد الله بن عبدة، حدّثنا أبو عبد الله محمّد بن إبراهيم البوشنجيّ، حدّثنا أبو نصرٍ التّمّار، حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن
[الأسماء والصفات: 1/96]
إسحاق بن عبد الله، عن عبيد الله بن مقسمٍ، عن عبد الله بن عمر رضي اللّه عنهما، قال: قرأ رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم على منبره: وما قدروا اللّه حقّ قدره والأرض جميعًا قبضته يوم القيامة، فجعل رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: هكذا يمجّد نفسه: أنا العزيز أنا الجبّار، أخبرنا المتكبّر فرجف به صلّى اللّه عليه وسلّم المنبر حتّى قلنا: ليخرّنّ به الأرض.
ومنها المتعالي:
قال اللّه عزّ وجلّ: الكبير المتعال.
وروّيناه في خبر الأسامي
قال الحليميّ: ومعناه المرتفع عن أن يجوز عليه ما يجوز على المحدثين، من الأزواج والأولاد والجوارح والأعضاء واتّخاذ السّرير للجلوس عليه، والاحتجاب بالسّتور عن أن تنفذ الأبصار إليه والانتقال من مكانٍ إلى مكانٍ، ونحو ذلك، فإنّ إثبات بعض هذه الأشياء يوجب النّهاية، وبعضها يوجب الحاجة، وبعضها يوجب التّغيّر والاستحالة، وشيءٌ من ذلك غير لائقٍ بالقديم ولا جائزٌ عليه.
ومنها الباطن:
قال اللّه عزّ وجلّ: هو الأوّل والآخر والظّاهر والباطن.
وروّيناه في خبر الأسامي وغيره
[الأسماء والصفات: 1/97]
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو الفضل بن إبراهيم، حدّثنا أحمد بن سلمة بن عبد الله، حدّثنا محمّد بن العلاء أبو كريبٍ الهمدانيّ، حدّثنا أبو أسامة، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: جاءت فاطمة رضي اللّه عنها إلى رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم تسأله خادمًا فقال صلّى اللّه عليه وسلّم لها: قولي: اللّهمّ ربّ السّماوات السّبع وربّ العرش العظيم ربّنا وربّ كلّ شيءٍ، منزل التّوراة والإنجيل والفرقان، فالق الحبّ والنّوى، أعوذ بك من شرّ كلّ شيءٍ أنت آخذٌ بناصيته، أنت الأوّل فليس قبلك شيءٌ، وأنت الآخر فليس بعدك شيءٌ، وأنت الظّاهر فليس فوقك شيءٌ، وأنت الباطن فليس دونك شيءٌ، اقض عنّا الدّين واغننا من الفقر.
رواه مسلمٌ في "الصّحيح"، عن محمّد بن العلاء
قال الحليميّ: الباطن الّذي لا يحسّ، وإنّما يدرك بآثاره وأفعاله، قال الخطّابيّ
[الأسماء والصفات: 1/98]
وقد يكون معنى الظّهور والبطون تجليةٌ لبصائر المتفكّرين، واحتجابه عن أبصار النّاظرين، وقد يكون معناه العالم بما ظهر من الأمور، والمطّلع على ما بطن من الغيوب.
ومنها الكبير:
قال اللّه جلّ ثناؤه: عالم الغيب والشّهادة الكبير المتعال، وقال عزّ وجلّ: وهو العليّ الكبير.
وروّيناه في خبر الأسامي
- أخبرنا عمر بن عبد العزيز بن عمر بن قتادة، أخبرنا أبو عليٍّ الرّفّاء، أخبرنا عليّ بن عبد العزيز، حدّثنا إسحاق بن محمّدٍ الفرويّ، حدّثنا إبراهيم بن إسماعيل، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، قال: إنّ رسول الله كان يعلّمهم من
[الأسماء والصفات: 1/99]
الأوجاع كلّها ومن الحمّى: باسم الله الكبير نعوذ باللّه العظيم من شرّ كلّ عرقٍ نعّارٍ وشرّ حرّ النّار.
قال الحليميّ في معنى الكبير: إنّه المصرّف عباده على ما يريده منهم من غير أن يروه، وكبير القوم هو الّذي يستغني عن التّبذّل لهم، ولا يحتاج في أن يطاع إلى إظهار نفسه، والمشافهة بأمره ونهيه، إلاّ أنّ ذلك في صفة الله تعالى جدّه إطلاق حقيقةٍ، وفيمن دونه مجازٌ لأنّ من يدعى كبير القوم قد يحتاج مع بعض النّاس وفي بعض الأمور إلى الاستظهار على المأمور بإبداء نفسه له ومخاطبته كفاحًا لخشية أن لا يطيعه إذا سمع أمره من غيره، واللّه سبحانه وتعالى جلّ ثناؤه لا يحتاج إلى شيءٍ ولا يعجزه شيءٌ.
قال أبو سليمان: الكبير الموصوف بالإجلال وكبر الشّان، فصغر دون جلاله كلّ كبيرٍ ويقال: هو الّذي كبر عن شبه المخلوقين.
ومنها السّلام:
قال اللّه عزّ وجلّ: هو اللّه الّذي لا إله إلاّ هو الملك القدّوس السّلام المؤمن المهيمن العزيز الجبّار المتكبّر سبحان الله عمّا يشركون.
وروّيناه في خبر الأسامي
[الأسماء والصفات: 1/100]
- وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، حدّثنا أحمد بن الفضل العسقلانيّ، حدّثنا بشر بن بكرٍ، حدّثنا الأوزاعيّ، قال: حدّثني أبو عمّارٍ، حدّثني أبو أسماء الرّحبيّ، حدّثني ثوبان مولى رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: كان رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم إذا أراد أن ينصرف من صلاته استغفر ثلاث مرّاتٍ ثمّ قال: اللّهمّ أنت السّلام ومنك السّلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام.
أخرجه مسلمٌ في "الصّحيح" من حديث الأوزاعيّ
قال الحليميّ في معنى السّلام: أنّه السّالم من المعائب إذ هي غير جائزةٍ على القديم، فإنّ جوازها على المصنوعات، لأنّها أحداثٌ وبدائع، فكما جاز أن يوجدوا بعد أن لم يكونوا موجودين جاز أن يعدموا بعدما وجدوا، وجاز أن تتبدّل أعراضهم
[الأسماء والصفات: 1/101]
وتتناقص أو تتزايد أجزاؤهم، والقديم لا علّة لوجوده، فلا يجوز التّغيّر عليه، ولا يمكن أن يعارضه نقصٌ أو شينٌ، أو تكون له صفةٌ تخالف الفضل والكمال، وقال الخطّابيّ: وقيل السّلام هو الّذي سلّم الخلق من ظلمه.
ومنها الغنيّ:
قال اللّه عزّ وجلّ: واللّه الغنيّ وأنتم الفقراء.
وروّيناه في خبر الأسامي
- وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدّثني محمّد بن صالح بن هاني، حدّثنا محمّد بن إسماعيل بن مهران، حدّثنا هارون بن سعيدٍ الأيليّ، حدّثني خالد بن نزارٍ، حدّثنا القاسم بن مبرورٍ، عن يونس بن يزيد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي اللّه عنها، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في حديث الاستسقاء قال فيه: الحمد للّه ربّ العالمين
[الأسماء والصفات: 1/102]
الرّحمن الرّحيم مالك يوم الدّين لا إله إلاّ اللّه يفعل ما يريد، اللّهمّ أنت اللّه لا إله إلاّ أنت الغنيّ ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوّةً وبلاغًا إلى حينٍ.
قال الحليميّ في معنى الغنيّ: إنّه الكامل بما له وعنده، فلا يحتاج معه إلى غيره، وربّنا جلّ ثناؤه بهذه الصّفة، لأنّ الحاجة نقصٌ، والمحتاج عاجزٌ عن ما يحتاج إليه إلى أن يبلغه ويدركه، وللمحتاج إليه فضلٌ بوجود ما ليس عند المحتاج، فالنّقص منفيٌّ عن القديم بكلّ حالٍ، والعجز غير جائزٍ عليه، ولا يمكن أن يكون لأحدٍ عليه فضلٌ إذ كلّ شيءٍ سواه خلقٌ له وبدعٌ أبدعه لا يملك من أمره شيئًا، وإنّما يكون كما يريد اللّه عزّ وجلّ، ويدبّره عليه، فلا يتوهّم أن يكون له مع هذا اتّساعٌ لفضلٍ عليه.
ومنها السّبّوح
[الأسماء والصفات: 1/103]
- أخبرنا أبو الحسين بن بشران، أخبرنا أبو جعفرٍ محمّد بن عمرٍو الرّزّاز، حدّثنا جعفر بن محمّد بن شاكرٍ، حدّثنا عفّان، حدّثنا شعبة، عن قتادة، عن مطرّفٍ، عن عائشة رضي اللّه عنها، قالت: إنّ رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول في ركوعه: سبّوحٌ قدّوسٌ ربّ الملائكة والرّوح قال: فذكرت ذلك لهشامٍ الدّستوائيّ، فقال: في ركوعه وسجوده.
أخرجه مسلمٌ في "الصّحيح" من حديث شعبة وهشامٍ وابن أبي عروبة
قال الحليميّ في معنى السّبّوح: إنّه المنزّه عن المعائب والصّفات الّتي تعتور المحدثين من ناحية الحدوث، والتّسبيح: التّنزيه
- أخبرنا أبو طاهرٍ الفقيه، أخبرنا أبو بكرٍ القطّان، حدّثنا أحمد بن يوسف السّلميّ، حدّثنا محمّد بن يوسف الفريابيّ، حدّثنا سفيان، عن عثمان بن موهب، عن موسى بن طلحة.
[الأسماء والصفات: 1/104]
قال: سئل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن التّسبيح فقال: تنزيه الله تعالى عن السّوء هذا منقطعٌ وروي من وجهٍ آخر
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدّثنا أبو بكر بن إسحاق، أخبرنا عليّ بن عبد العزيز، وزياد بن الخليل التّستريّ، ومحمد بن أيوب البجلي، ومحمد بن شاذان الجوهري، ومحمد بن إبراهيم العبدي، قالوا: حدّثنا عبيد الله بن محمّدٍ القرشيّ التّيميّ (ح) وحدّثنا أبو محمّدٍ عبد الله بن يوسف، إملاءً، وأبو محمّدٍ الحسن بن أحمد بن فراسٍ، قراءة
[الأسماء والصفات: 1/105]
عليه بمكة، قالا: حدّثنا أبو حفصٍ عمر بن محمّدٍ الجمحيّ، حدّثنا عليّ بن عبد العزيز، قال: أنا عبد الله بن محمّدٍ العبسيّ، حدّثنا عبد الرّحمن بن حمّادٍ، حدّثنا جعفر بن سليمان، حدّثنا طلحة بن يحيى بن طلحة، عن أبيه، عن طلحة بن عبيد الله رضي اللّه عنه، قال: سألت رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم عن تفسير سبحان الله فقال: هو تنزيه الله عزّ وجلّ عن كلّ سوءٍ.
ومنها القدّوس
[الأسماء والصفات: 1/106]
- أخبرنا أبو نصر بن قتادة، أخبرنا أبو عليٍّ الرّفّاء، أخبرنا عليّ بن عبد العزيز، حدّثنا أبو نعيمٍ الفضل بن دكينٍ، حدّثنا يونس بن أبي إسحاق، حدّثني المنهال بن عمرٍو، حدّثني عليّ بن عبد الله بن العبّاس، عن أبيه رضي اللّه عنهما، فذكر الحديث في مبيته في بيت رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم قال فيه: فتقدّم رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم، فنام حتّى سمعت غطيطه، ثمّ استوى على فراشه، فرفع رأسه إلى السّماء، فقال: سبحان الملك القدّوس ثلاث مرّاتٍ، ثمّ تلا هذه الآيات من آخر سورة آل عمران حتّى ختمها وذكر الحديث
قال الحليميّ: ومعناه الممدوح بالفضائل والمحاسن، فالتّقديس مضمّنٌ في صريح التّسبيح، والتّسبيح مضمّنٌ في صريح التّقديس، لأنّ نفي المذامّ إثباتٌ للمدائح كقولنا: لا شريك له ولا شبيه، إثباتٌ أنّه
[الأسماء والصفات: 1/107]
واحدٌ أحدٌ وكقولنا: لا يعجزه شيءٌ إثباتٌ أنّه قادرٌ قويٌّ وكقولنا: إنّه لا يظلم أحدًا إثباتٌ أنّه عدلٌ في حكمه، وإثبات المدائح له نفيٌ للمذامّ عنه كقولنا: إنّه عالمٌ نفيٌ للجهل عنه وكقولنا: إنّه قادرٌ نفيٌ للعجز عنه، إلاّ أنّ قولنا: هو كذا ظاهره التّقديس، وقولنا ليس بكذا ظاهره التّسبيح، ثمّ التّسبيح موجودٌ في ضمن التّقديس، والتّقديس موجودٌ في ضمن التّسبيح، وقد جمع اللّه تبارك وتعالى بينهما في سورة الإخلاص فقال عزّ اسمه: قل هو اللّه أحدٌ اللّه الصّمد، فهذا تقديسٌ، ثمّ قال: لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحدٌ، فهذا تسبيحٌ، والأمران راجعان إلى إفراده وتوحيده ونفي الشّريك والشّبيه عنه
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو أحمد الحافظ، أخبرنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث، حدّثنا أحمد بن صالحٍ، حدّثنا ابن وهبٍ، أخبرني عمرٌو، عن سعيد بن أبي
[الأسماء والصفات: 1/108]
هلالٍ، قال: إنّ أبا الرّجال محمّد بن عبد الرّحمن حدّثه، عن أمّه عمرة بنت عبد الرّحمن، وكانت في حجر عائشة، عن عائشة رضي اللّه عنها، قالت: إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بعث رجلا على سريّةٍ، وكان لا يقرأ بأصحابه في صلاتهم تعني يختم إلاّ ب قل هو اللّه أحدٌ، فلمّا رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: سلوه لأيّ شيءٍ يصنع ذلك؟ فسألوه فقال: لأنّها صفة الرّحمن، فأنا أحبّ أن أقرأها، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: أخبروه أنّ اللّه تبارك وتعالى يحبّه.
رواه البخاريّ في "الصّحيح"، عن محمّدٍ، عن أحمد بن صالحٍ، وقال في الحديث كان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم ب قل هو اللّه أحدٌ.
ورواه مسلمٌ، عن أحمد بن عبد الرّحمن بن وهبٍ، عن عمّه
- أخبرنا أبو الحسين محمّد بن الحسين بن محمّد بن الفضل القطّان، ببغداد، أخبرنا عبد الله بن جعفر بن درستويه، حدّثنا يعقوب بن سفيان، حدّثني محمّد بن
[الأسماء والصفات: 1/109]
جهضمٍ، حدّثنا إسماعيل بن جعفرٍ، عن مالك بن أنسٍ، عن عبد الرّحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة، عن أبيه، عن أبي سعيدٍ الخدريّ رضي اللّه عنه، قال: أخبرني أخي قتادة بن النّعمان، قال: قام رجلٌ في زمن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقرأ من السّحر، فجعل يقرأ قل هو اللّه أحدٌ السّورة كلّها يردّدها لا يزيد عليها، فلمّا أصبحنا قال رجلٌ: يا رسول الله، إنّ رجلا قام اللّيلة يقرأ من السّحر، فجعل يقرأ: قل هو اللّه أحدٌ السّورة كلّها يردّدها ولا يزيد عليها، كأنّ الرّجل يتقالّها، فقال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: والّذي نفسي بيده، إنّها لتعدل ثلث القرآن.
أخرجه البخاريّ في "الصّحيح"، فقال: وزاد أبو معمرٍ، عن إسماعيل بن جعفرٍ
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: سمعت أبا الوليد الفقيه، يقول: سألت أبا العباس بن سريج قلت: ما معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن؟ قال: إن القرآن أنزل أثلاثا: ثلث منها أحكام وثلث منها وعد ووعيد، وثلث منها الأسماء والصفات وقد جمع في قل هو الله أحد، أحد الأثلاث وهو الأسماء والصفات، فقيل: إنها ثلث القرآن ومنها المجيد قال الله عز وجل: {ذو العرش المجيد}.
وقال: {إنه حميد مجيد}.ورويناه في خبر الأسامي.
قال الحليمي ومعناه المنيع المحمود لأن العرب لا تقول لكل محمود مجيدا، ولا لكل منيع مجيدا، وقد يكون الواحد منيعا غير محمود كالمتآمر الخليع الجائر أو اللص المتحصن ببعض القلاع وقد
[الأسماء والصفات: 1/110]
يكون محمودا غير منيع كأمير السوقة والمصابرين من أهل القبلة، فلما لم يقل لواحد منهما: مجيد، علمنا أن المجيد من جمع بينهما وكان منيعا لا يرام، وكان في منعته حسن الخصال جميل الفعال والباري جل ثناؤه يجل عن أن يرام أو يوصل إليه وهو مع ذلك محسن منعم مجمل مفضل لا يستطيع العبد أن يحصي نعمته ولو استنفد فيه مدته، فاستحق اسم المجيد وما هو أعلى منه، قال أبو سليمان الخطابي: المجيد الواسع الكريم، وأصل المجد في كلامهم السعة، يقال: رجل ماجد إذا كان سخيا واسع العطاء وقيل في تفسير قوله تعالى: {ق والقرآن المجيد}، إن معناه الكريم وقيل: الشريف ومنها القريب قال الله تبارك وتعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان}.
وقال جلّ وعلا: {إنه سميع قريب}.
ورويناه في حديث عبد العزيز بن الحصين
- وأخبرنا أبو الحسين بن بشران، ببغداد، أخبرنا أبو الحسن بن عليّ بن محمّد بن أحمد المصريّ، حدّثنا عبد الله بن أبي مريم، حدّثنا الفريابيّ، حدّثنا عن عاصم بن سليمان، عن أبي عثمان النّهديّ، عن أبي موسى الأشعريّ رضي اللّه عنه قال: كنّا مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كلّما أشرفنا على وادٍ هلّلنا وسبّحنا وارتفعت أصواتنا، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: يا أيّها
[الأسماء والصفات: 1/111]
النّاس، اربعوا على أنفسكم إنّكم لا تدعون أصمّ ولا غائبًا، إنّه معكم سميعٌ قريبٌ.
رواه البخاريّ في "الصّحيح"، عن محمّد بن يوسف الفريابيّ.
وأخرجاه من وجهٍ آخر ورواه خالدٌ الحذّاء، عن أبي عثمان وزاد فيه إنّ الّذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته.
قال الحليميّ: ومعناه أنّه لا مسافة بين العبد وبينه فلا يسمع دعاءه أو يخفى عليه حاله، كيف ما تصرّفت به، فإنّ ذلك يوجب أن يكون له نهايةً، وحاشا له من النّهاية، وقال الخطّابيّ: معناه أنّه قريبٌ بعلمه من خلقه قريبٌ ممّن يدعوه بالإجابة كقوله: {وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريبٌ أجيب دعوة الدّاع إذا دعان}.
[الأسماء والصفات: 1/112]
ومنها المحيط:
قال اللّه عزّ وجلّ: ألا إنّه بكلّ شيءٍ محيطٌ.
وروّيناه في خبر عبد العزيز بن الحصين.
قال الحليميّ: ومعناه أنّه الّذي لا يقدر على الفرار منه، وهذه الصّفة ليست حقًّا إلاّ للّه جلّ ثناؤه، وهي راجعةٌ إلى كمال العلم والقدرة وانتفاء الغفلة والعجز عنه.
قال أبو سليمان: هو الّذي أحاطت قدرته بجميع خلقه، وهو الّذي أحاط بكلّ شيءٍ علمًا، وأحصى كلّ شيءٍ عددًا.
ومنها الفعّال:
قال اللّه عزّ جلّ: فعّالٌ لما يريد
قال الحليميّ: ومعناه الفاعل فعلا بعد فعلٍ كلّما أراد فعل، وليس كالمخلوق الّذي إن قدر على فعلٍ عجز عن غيره.
ومنها القدير:
قال اللّه عزّ وجلّ: إنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ.
وروّيناه في خبر عبد العزيز
قال الحليميّ: والقدير التّامّ القدرة لا يلابس قدرته عجزٌ بوجهٍ.
[الأسماء والصفات: 1/113]
ومنها الغالب:
قال اللّه: واللّه غالبٌ على أمره
قال الحليميّ: وهو البالغ مراده من خلقه، أحبّوا أو كرهوا، وهذا أيضًا إشارةٌ إلى كمال القدرة والحكمة، وأنّه لا يقهر ولا يخدع.
ومنها الطّالب قال: وهذا اسمٌ جرت عادة النّاس باستعماله في اليمين مع الغالب ومعناه المتتبّع غير المهمل، وذلك أنّ اللّه عزّ وجلّ يمهل ولا يهمل، وهو على الإمهال بالغ أمره كما قال جلّ وعلا في كتابه: ولا يحسبنّ الّذين كفروا أنّما نملي لهم خيرٌ لأنفسهم إنّما نملي لهم ليزدادوا إثمًا، وقال تبارك وتعالى: فلا تعجل عليهم إنّما نعدّ لهم عدًّا، وقال جلّ جلاله: إنّ اللّه بالغ أمره قد جعل اللّه لكلّ شيءٍ قدرًا
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو النّضر الفقيه، حدّثنا عثمان بن سعيدٍ الدّارميّ، حدّثنا حسين بن عبد الأوّل الكوفيّ، حدّثنا أبو معاوية، حدّثنا بريد بن عبد الله بن أبي بردة، عن جدّه أبي بردة، عن أبي موسى رضي اللّه عنه قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ اللّه عزّ وجلّ يمهل الظّالم حتّى إذا أخذه لم يفلته، ثمّ قرأ: وكذلك أخذ ربّك إذا
[الأسماء والصفات: 1/114]
أخذ القرى وهي ظالمةٌ.
رواه البخاريّ في "الصّحيح"، عن صدقة بن الفضل.
ورواه مسلمٌ، عن محمّد بن عبد الله بن نميرٍ، كلاهما، عن أبي معاوية.
ومنها الواسع:
قال اللّه عزّ وجلّ: واللّه واسعٌ عليمٌ.
وروّيناه في خبر الأسامي، وقال الحليميّ: ومعناه الكثير مقدوراته ومعلوماته، واعترافٌ له بأنّه لا يعجزه شيءٌ، ولا يخفى عليه شيءٌ، ورحمته وسعت كلّ شيءٍ.
قال أبو سليمان: الواسع: الغنيّ الّذي وسع غناه مفاقر عباده، ووسع رزقه جميع خلقه.
ومنها الجميل.
قال الحليميّ: وهذا الاسم في بعض الأخبار عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، ومعناه ذو الأسماء الحسنى، لأنّ القبائح إذ لم تلق به لم يجز أن يشتقّ اسمه من أسمائها، وإنّما تشتقّ أسماؤه من صفاته الّتي كلّها مدائح، وأفعاله الّتي أجمعها حكمةٌ وقال الخطّابيّ: الجميل هو المجمّل المحسّن، فعيلٌ بمعنى مفعّلٍ، وقد يكون الجميل معناه ذو النّور والبهجة، وقد روي في الحديث إنّ اللّه جميلٌ يحبّ الجمال
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدّثنا عبد الله بن جعفر بن درستويه، حدّثنا يعقوب
[الأسماء والصفات: 1/115]
بن سفيان، حدّثنا أبو بكرٍ، يحيى بن حمّادٍ (ح) وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدّثنا أبو عبد الله محمّد بن يعقوب، حدّثنا عليّ بن الحسن الهلاليّ، حدّثنا يحيى بن حمّادٍ، حدّثنا شعبة، حدّثنا أبان بن تغلب، عن فضيل بن عمرٍو، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعودٍ رضي اللّه عنه، عن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم قال: لا يدخل الجنّة من كان في قلبه مثقال ذرّةٍ من كبرٍ، ولا يدخل النّار من كان في قلبه مثقال ذرّةٍ من إيمانٍ فقال رجلٌ: يا رسول الله، الرّجل يحبّ أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنًا، فقال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ اللّه جميلٌ يحبّ الجمال، الكبر من بطر الحقّ وغمص النّاس.
رواه مسلمٌ في "الصّحيح"، عن محمّد بن مثنّى وغيره، عن يحيى بن حمّادٍ.
وروّيناه من وجهٍ آخر، عن ابن مسعودٍ رضي اللّه عنه، ومن وجهٍ آخر، عن أبي ريحانة، ومن وجهٍ آخر ومن وجهٍ آخر، عن ثابت بن قيس بن شمّاس، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
وروّيناه في خبر عبد العزيز بن الحصين.
ومنها الواجد وهو في خبر الأسامي
قال الحليميّ: ومعناه الّذي لا يضلّ عنه شيءٌ، ولا يفوته شيءٌ، وقيل: هو الغنيّ الّذي لا يفتقر، والوجد الغنى ذكره الخطّابيّ
[الأسماء والصفات: 1/116]
ومنها المحصي وهو في خبر الأسامي، وفي الكتاب: وأحصى كلّ شيءٍ عددًا
قال الحليميّ: ومعناه العالم بمقادير الحوادث ما يحيط به منها علوم العباد، وما لا يحيط به منها علومهم، كالأنفاس والأرزاق والطّاعات والمعاصي والقرب، وعدد القطر والرّمل والحصا والنّبات وأصناف الحيوان والموات وعامّة الموجودات، وما يبقى منها أو يضمحلّ ويفنى، وهذا راجعٌ إلى نفي العجز الموجود في المخلوقين عن إدراك ما يكثر مقداره ويتوالى وجوده، وتتفاوت أحواله عنه عزّ اسمه.
ومنها القويّ:
قال اللّه عزّ وجلّ: إنّ اللّه لقويٌّ عزيزٌ.
وروّيناه في خبر الأسامي، قال: أبو سليمان: القويّ قد يكون بمعنى القادر، ومن قوي على شيءٍ فقد قدر عليه، وقد يكون معناه التّامّ القوّة الّذي لا يستولي عليه العجز في حالٍ من الأحوال، والمخلوق وإن وصف بالقوّة، فإنّ قوّته متناهيةٌ، وعن بعض الأمور قاصرةٌ.
ومنها المتين:
قال اللّه عزّ وجلّ: إنّ اللّه هو الرّزّاق ذو القوّة المتين، وهو في خبر الأسامي
- وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو العبّاس محمّد بن أحمد المحبوبيّ، حدّثنا سعيد بن مسعودٍ، حدّثنا عبيد الله بن موسى، أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الرّحمن بن يزيد، عن عبد الله بن مسعودٍ رضي اللّه عنه، قال: أقرأني رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّي
[الأسماء والصفات: 1/117]
أنا الرّزّاق ذو القوّة المتين.
قال الحليميّ: وهو الّذي لا تتناقص قوّته فيهن ويفتر، إذ كان يحدث ما يحدث في غيره لا في نفسه، وكان التّغيّر لا يجوز عليه
- أخبرنا أبو زكريا بن إسحاق، أخبرنا أبو الحسن الطرائفي، حدّثنا عثمان بن سعيد، حدثنا عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، رضي الله عنهما في قوله تعالى: {المتين} يقول: الشديد ومنها ذو الطول قال الله عز وجل: {ذي الطول}.
ورويناه في خبر عبد العزيز بن الحصين.
قال الحليمي: ومعناه الكثير الخير لا يعوزه من أصناف الخيرات شيء، إن أراد أن يكرم به عبده، وليس كذا طول ذي الطول من عباده قد يحب أن يجود بالشيء فلا يجده
[الأسماء والصفات: 1/118]
- أخبرنا أبو زكريا، أخبرنا الطرائفي، أخبرنا عثمان، أخبرنا عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، رضي الله عنهما في قوله: {ذي الطول} يعني السعة والغنى ومنها السميع قال الله تعالى: {إن الله هو السميع البصير} ورويناهما في خبر الأسامي
- أخبرنا أبو عمرٍو محمّد بن عبد الله الأديب، أخبرنا أبو بكرٍ الإسماعيليّ، أخبرني عبد الله بن محمّد بن ناجية، حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، حدّثنا عبد الوهّاب الثّقفيّ، حدّثنا خالدٌ الحذّاءٌ، عن أبي عثمان، عن أبي موسى الأشعريّ رضي اللّه عنه قال: كنّا مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في غزاةٍ، فجعلنا لا نصعد شرفًا ولا نهبط واديًا إلاّ رفعنا أصواتنا بالتّكبير.
[الأسماء والصفات: 1/119]
فدنا منّا رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: أيّها النّاس، اربعوا على أنفسكم، فإنّكم لا تدعون أصمّ ولا غائبًا، إنّما تدعون سميعًا بصيرًا، إنّ الّذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته، ثمّ قال: يا عبد الله بن قيسٍ، ألا أعلّمك كلمةً من كنوز الجنّة؟ قل: لا حول ولا قوّة إلاّ باللّه كذا في كتابي بصيرًا وقال غيره قريبًا.
أخرجاه في "الصّحيحين" من حديث خالدٍ الحذّاء.
وقال الحليميّ رحمه اللّه في معنى السّميع: إنّه المدرك للأصوات الّتي يدركها المخلوقون بآذانهم، من غير أن يكون له أذنٌ، وذلك راجعٌ إلى أنّ الأصوات لا تخفى عليه، وإن كان غير موصوفٍ بالحسّ المركّب في الأذن، لا كالأصمّ من النّاس، لمّا لم تكن له هذه الحاسّة لم يكن أهلا لإدراك الأصوات.
قال الخطّابيّ: السّميع بمعنى السّامع، إلاّ أنّه أبلغ في الصّفة، وبناء فعيلٍ بناء المبالغة، وهو الّذي يسمع السّرّ والنّجوى، سواءٌ عنده الجهر والخفت، والنّطق والسّكوت، قال: وقد يكون السّماع بمعنى الإجابة والقبول، كقول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: اللّهمّ إنّي أعوذ بك
[الأسماء والصفات: 1/120]
من دعاءٍ لا يسمع أي من دعاءٍ لا يستجاب، ومن هذا قول المصلّي: سمع اللّه لمن حمده، معناه قبل اللّه حمد من حمده
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، حدّثنا الرّبيع بن سليمان، حدّثنا شعيب بن اللّيث، حدّثنا اللّيث (ح) وأخبرنا أبو عليٍّ الرّوذباريّ، أخبرنا أبو بكر بن داسة، حدّثنا أبو داود، حدّثنا قتيبة بن سعيدٍ، حدّثنا اللّيث، عن سعيد بن أبي سعيدٍ المقبريّ، عن أخيه، عبّاد بن أبي سعيدٍ، أنّه سمع أبا هريرة رضي اللّه عنه، يقول: كان رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: اللّهمّ إنّي أعوذ بك من الأربع: من علمٍ لا ينفع، ومن قلبٍ لا يخشع، ومن نفسٍ لا تشبع، ومن دعاءٍ لا يسمع.
رواه زيد بن أرقم، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال:
[الأسماء والصفات: 1/121]
ومن دعوةٍ لا يستجاب لها.
ومنها البصير:
قال اللّه عزّ وجلّ: إنّ اللّه هو السّميع البصير
قال الحليميّ: ومعناه المدرك للأشخاص والألوان الّتي يدركها المخلوقون بأبصارهم من
[الأسماء والصفات: 1/122]
غير أن يكون له جارحة العين، وذلك راجعٌ إلى أنّ ما ذكرناه لا يخفى عليه، وإن كان غير موصوفٍ بالحسّ المركّب في العين، لا كالأعمى الّذي لمّا لم تكن له هذه الحاسّة لم يكن أهلا لإدراك شخصٍ ولا لونٍ قال الخطّابيّ: البصير هو المبصر، ويقال: العالم بخفيّات الأمور.
ومنها العليم:
قال اللّه عزّ وجلّ: واللّه عليمٌ حكيمٌ.
وروّيناه في خبر الأسامي
قال الحليميّ في معناه: إنّه المدرك لما يدركه المخلوقون بعقولهم وحواسّهم، وما لا يستطيعون إدراكه، من غير أن يكون موصوفًا بعقلٍ أو حسٍّ، وذلك راجعٌ إلى أنّه لا يعزب لا يغيب عنه شيءٌ، ولا يعجزه إدراك شيءٍ، كما
[الأسماء والصفات: 1/123]
يعجز عن ذلك من لا عقل له ولا حسّ له من المخلوقين، ومعنى ذلك أنّه لا يشبههم ولا يشبهونه.
قال أبو سليمان: العليم هو العالم بالسّرائر والخفيّات الّتي لا يدركها علم الخلق، وجاء على بناء فعيلٍ للمبالغة في وصفه بكمال العلم
- أخبرنا عليّ بن أحمد بن عبدان، أخبرنا أحمد بن عبيدٍ الصّفّار، حدّثنا إبراهيم بن عبد الله، حدّثنا الرّماديّ، يعني إبراهيم بن بشّارٍ حدّثنا أبو ضمرة المدنيّ، حدّثنا أبو مودودٍ، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ، عن أبان بن عثمان، عن عثمان بن عفّان رضي اللّه عنه، قال: إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: قال: من قال حين يصبح: بسم الله الّذي لا يضرّ مع اسمه شيءٌ في الأرض ولا في السّماء وهو السّميع العليم ثلاث مرّاتٍ لم تفجأه فاجئة بلاءٍ حتّى يمسي، ومن قالها حين يمسي ثلاث مرّاتٍ لم تفجاه فاجئة بلاءٍ حتّى يصبح.
رواه أبو داود في السّنن، عن نصر بن عاصمٍ، عن أبي ضمرة بن عياضٍ.
[الأسماء والصفات: 1/124]
ومنها العلام:
قال اللّه عزّ وجلّ: علام الغيوب وهو في دعاء الاستخارة.
وروّيناه في خبر عبد العزيز بن الحصين
قال الحليميّ: ومعناه العالم بأصناف المعلومات على تفاوتها، فهو يعلم الموجود ويعلم ما هو كائنٌ، وأنّه إذا كان كيف يكون، ويعلم ما ليس بكائنٍ، وأنّه لو كان كيف يكون
- أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق المزكي، أخبرنا أبو الحسن الطرائفي، حدّثنا عثمان بن سعيد، حدّثنا عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، رضي الله عنهما في قوله تعالى: {يعلم السر وأخفى} قال: يعلم السر ما أسر ابن آدم في نفسه، وأخفى ما خفي على ابن آدم مما هو فاعله قبل أن يعمله فإن الله تعالى يعلم ذلك كله، فعلمه فيما مضى من ذلك وما بقي علم واحد، وجميع الخلائق عنده في ذلك كنفس واحدة ومنها الخبير قال الله عز وجل: {وهو الحكيم الخبير}.
ورويناه في خبر الأسامي.
قال الحليمي: ومعناه المتحقق لما يعلم كالمستيقن من العباد إذ كان الشك غير جائز عليه فإن الشك ينزع إلى الجهل وحاشا له من الجهل، ومعنى ذلك أن العبد قد يوصف بعلم الشيء إذا كان ذلك مما يوجبه أكثر رأيه ولا سبيل له إلى أكثر منه، وإن كان يجيز الخطأ على نفسه فيه، والله جل ثناؤه لا يوصف بمثل ذلك، إذ كان العجز غير جائز عليه، والإنسان إنما يؤتى فيما وصفت من قبل القصور والعجز
[الأسماء والصفات: 1/125]
ومنها الشهيد
قال الله جل ثناؤه: {إن الله على كل شيء شهيد}.
وقال جل وعلا: {وكفى بالله شهيدا}.ورويناه في خبر الأسامي
- وأخبرنا أبو زكريّا بن أبي إسحاق المزكّي، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمّد بن عبدوسٍ، حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، حدّثنا عبد الله بن صالحٍ، حدّثني اللّيث بن سعدٍ، حدّثني جعفر بن ربيعة، عن عبد الرّحمن بن هرمز، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم قال: إنّ رجلا من بني إسرائيل سأل رجلا من بني إسرائيل أن يسلّفه ألف دينارٍ قال: إيتني بالشّهود أشهدهم عليك، قال: كفى باللّه شهيدًا، قال: فأتني بكفيلٍ، قال: كفى باللّه كفيلا قال: صدقت فدفعها إليه إلى أجلٍ مسمًّى قال: وذكر الحديث.
أخرجه البخاريّ في "الصّحيح" فقال: وقال اللّيث بن سعدٍ، فذكره قال أبو عبد الله الحليميّ في معنى الشّهيد: إنّه المطّلع على ما لا يعلمه المخلوقون إلاّ بالشّهود وهو الحضور، ومعنى ذلك أنّه وإن كان لا يوصف بالحضور الّذي هو المجاورة أو المقاربة في المكان، ويكون من خلقه لا يخفى عليه كما
[الأسماء والصفات: 1/126]
يخفى على البعيد النّائي عن القوم ما يكون منهم، وذلك أنّ النّائي إنّما يؤتى من قبل قصور آلته ونقص جارحته، واللّه تعالى جلّ ثناؤه ليس بذي آلةٍ ولا جارحةٍ، فيدخل عليه فيهما ما يدخل على المحتاج إليهما.
ومنها الحسيب:
قال اللّه جلّ ثناؤه: وكفى باللّه حسيبًا.
وروّيناه في خبر الأسامي
قال الحليميّ: ومعناه المدرك للأجزاء والمقادير الّتي يعلم العباد أمثالها بالحساب من غير أن يحسب، لأنّ الحاسب يدرك الأجزاء شيئًا فشيئًا، ويعلم الجملة عند انتهاء حسابه، واللّه تعالى لا يتوقّف علمه بشيءٍ على أمرٍ يكون، وحالٍ يحدث، وقد قيل: الحسيب هو الكافي، فعيلٌ بمعنى مفعلٍ، تقول العرب نزلت بفلانٍ فأكر مني وأحسبني، أي أعطاني ما كفاني حتّى قلت حسبي). [الأسماء والصفات: 1/127]


رد مع اقتباس
  #18  
قديم 10 ربيع الثاني 1435هـ/10-02-2014م, 10:59 PM
أم القاسم أم القاسم غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,449
افتراضي

باب جماع أبواب ذكر الأسماء التي تتبع إثبات التدبير له دون ما سواه

قال أبو بكرٍ أحمدُ بنُ الحسينِ البيهقيُّ (ت: 458هـ) : (
باب جماع أبواب ذكر الأسماء التي تتبع إثبات التدبير له دون ما سواه
قال الحليمي: فأول ذلك المدبر ومعناه مصرف الأمور على ما يوجب حسن عواقبها واشتقاقه من الدبر فكان المدبر هو الذي ينظر إلى دبر الأمور فيدخل فيه على علم به والله جل جلاله عالم بكل ما هو كائن قبل أن يكون، فلا يخفى عليه عواقب الأمور، وهذا الاسم فيما يؤثر عن نبينا صلى الله عليه وسلم، قد رويناه في حديث عبد العزيز بن الحصين وفي الكتاب} {يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه} ومنها القيوم قال الله تعالى: {الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم}.
ورويناه في خبر الأسامي
- وأخبرنا أبو عليٍّ الرّوذباريّ، أخبرنا أبو بكر بن داسة، حدّثنا أبو داود، حدّثنا موسى بن إسماعيل، حدّثني حفص بن عمر الشّنّيّ، حدّثني أبي عمر بن مرّة، قال: سمعت بلال بن يسار بن زيدٍ مولى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: سمعت أبي يحدّثنيه، عن جدّي، أنّه سمع
[الأسماء والصفات: 1/128]
النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: من قال: أستغفر اللّه الّذي لا إله إلاّ هو الحيّ القيّوم وأتوب إليه، غفر له وإن كان فرّ من الزّحف "
[الأسماء والصفات: 1/129]
[الأسماء والصفات: 1/130]
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا عبد الرحمن بن الحسن، حدّثنا إبراهيم بن الحسين، حدّثنا آدم، حدّثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: {القيوم} يعني القائم على كل شيء.
قال الحليمي في معنى القيوم: إنه القائم على كل شيء من خلقه يدبره بما يريد جل وعلا، وقال الخطابي: القيوم القائم الدائم بلا زوال، ووزنه فيعول من القيام وهو نعت المبالغة وفي القيام على كل شيء ويقال: هو القيم على كل شيء بالرعاية له قلت: رأيت في عيون التفسير لإسماعيل الضرير- رحمه الله- في تفسير القيوم، قال: ويقال: إنه الذي لا ينام، وكأنه أخذه من قوله عز وجل عقيبه في آية الكرسي: {لا تأخذه سنة ولا نوم}
[الأسماء والصفات: 1/131]
- أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق، أخبرنا أبو الحسن الطرائفي، حدّثنا عثمان بن سعيد، حدثنا عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، رضي الله عنهما في قوله تعالى: {لا تأخذه سنة ولا نوم}، قال: السنة هو النعاس، والنوم هو النوم
- أخبرنا محمّد بن عبد الله الحافظ، حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، حدّثنا محمّد بن إسحاق الصّاغانيّ، حدّثنا عاصم بن عليٍّ، حدّثنا المسعوديّ، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، قال: إنّ موسى عليه السّلام قال له قومه: أينام ربّنا؟ قال: اتّقوا اللّه إن كنتم مؤمنين، فأوحى اللّه عزّ وجلّ إلى موسى أن خذ قارورتين واملأهما ماءً، ففعل فنعس، فنام فسقطتا من يده، فانكسرتا، فأوحى اللّه عزّ وجلّ إلى موسى عليه السّلام إنّي أمسك السّماوات والأرض أن تزولا، ولو نمت لزالتا
- وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدّثنا أبو العبّاس، حدّثنا محمّد بن إسحاق، حدّثنا
[الأسماء والصفات: 1/132]
يحيى بن معينٍ (ح) وأخبرنا أبو جعفرٍ العزائميّ، أخبرنا بشر بن أحمد، حدّثنا عبد الله بن محمّد بن ناجية، حدّثنا إسحاق بن أبي إسرائيل، حدّثنا هشام بن يوسف، عن أميّة بن شبلٍ، قال: أخبرني الحكم بن أبان، عن عكرمة، قال أبو عبد الله، عن أبي هريرة، وقال العزائميّ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، قال: سمعت رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم يحكي عن موسى على المنبر قال: وقع في نفس موسى عليه السّلام هل ينام اللّه تعالى؟ فبعث اللّه عزّ وجلّ إليه ملكًا، فأرّقه ثلاثًا، ثمّ أعطاه قارورتين في كلّ يدٍ قارورةٌ، وأمره أن يحتفظ بهما، فجعل ينام وتكاد يداه أن تلتقيا، ثمّ يستيقظ فينحّي إحداهما عن الأخرى حتّى
[الأسماء والصفات: 1/133]
نام نومةً، فاصطكّت يداه فانكسرتا وقال العزائميّ: فاصطفقت يداه وانكفأت القارورتان، فضرب له مثلا أنّ اللّه سبحانه وتعالى لو كان ينام لم تستمسك السّموات والأرض متن الإسناد الأوّل أشبه أن يكون هو المحفوظ.
ومنها الرّحمن الرّحيم:
قال اللّه عزّ وجلّ: الرّحمن علّم القرآن، خلق الإنسان علّمه البيان، وقال جلّ وعلا: قل ادعوا اللّه أو ادعوا الرّحمن، وقال تبارك وتعالى: وكان بالمؤمنين رحيمًا، وقال جلّ جلاله في فاتحة الكتاب: الرّحمن الرّحيم وقال تعالى: تنزيلٌ من الرّحمن الرّحيم، وقال جلّت قدرته في فواتح السّور غير التّوبة: بسم الله الرّحمن الرّحيم
- أخبرنا أبو طاهرٍ الفقيه، أخبرنا أبو حامد بن بلالٍ، حدّثنا يحيى بن الرّبيع المكّيّ، حدّثنا سفيان، حدّثني العلاء بن عبد الرّحمن بن يعقوب، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه
[الأسماء والصفات: 1/134]
عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: قال اللّه عزّ وجلّ: قسمت الصّلاة بيني وبين عبدي، فإذا قال: الحمد للّه ربّ العالمين قال: حمدني عبدي، وإذا قال: الرّحمن الرّحيم قال: أثنى عليّ عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدّين قال: مجّدني عبدي أو قال: فوّض إليّ عبدي وإذا قال: إيّاك نعبد وإيّاك نستعين قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، وإذا قال: اهدنا الصّراط المستقيم صراط الّذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضّالّين قال: هذه لك.
رواه مسلمٌ في "الصّحيح"، عن إسحاق بن إبراهيم، عن سفيان
قال الحليميّ في معنى الرّحمن: إنه المزيح للعلل، وذلك أنّه لمّا أراد من الجنّ والإنس أن يعبدوه، ويعني لمّا أراد أن يأمر من شاء منهم بعبادته عرّفهم وجوه العبادات، وبيّن لهم حدودها وشروطها، وخلق لهم مدارك ومشاعر، وقوًى وجوارح، فخاطبهم وكلّفهم وبشّرهم وأنذرهم، وأمهلهم وحمّلهم دون ما تتّسع له بنيتهم، فصارت العلل مزاحةً، وحجج العصاة والمقصّرين منقطعةٌ وقال في معنى الرّحيم: إنّه المثيب على العمل فلا يضيع لعاملٍ عملا، ولا يهدر لساعٍ سعيا، وينيله بفضل رحمته من الثّواب أضعاف عمله.
وقال أبو سليمان الخطّابيّ فيما أخبرت عنه: اختلف النّاس في تفسير الرّحمن ومعناه وهل هو مشتقٌّ من الرّحمة أم لا؟ فذهب بعضهم إلى أنّه غير مشتقٍّ لأنّه لو كان مشتقًّا من الرّحمة
[الأسماء والصفات: 1/135]
لاتّصل بذكر المرحوم، فجاز أن يقال: اللّه رحمن بعباده، كما يقال: رحيمٌ بعباده، ولأنّه لو كان مشتقًّا من الرّحمة لأنكرته العرب حين سمعوه إذ كانوا لا ينكرون رحمة ربّهم: وقد قال اللّه عزّ وجلّ: وإذا قيل لهم اسجدوا للرّحمن قالوا وما الرّحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورًا.
وزعم بعضهم أنّه اسمٌ عبرانيٌّ، وذهب الجمهور من النّاس إلى أنّه اسمٌ مشتقٌّ من الرّحمة مبنيٌّ على المبالغة، ومعناه ذو الرّحمة لا نظير له فيها، ولذلك لا يثنّى ولا يجمع، كما يثنّى الرّحيم ويجمع، وبناء فعلان في كلامهم بناء المبالغة يقال لشديد الامتلاء ملآن، ولشديد الشّبع شبعان، والّذي يدلّ على صحّة مذهب الاشتقاق في هذا الاسم حديث عبد الرّحمن بن عوفٍ رضي اللّه عنه، يعني ما
- أخبرنا أبو محمّدٍ عبد الله بن يوسف الأصبهانيّ، أخبرنا أبو بكرٍ محمّد بن الحسين القطّان، أخبرنا أحمد بن يوسف السّلميّ، حدّثنا عبد الرّزّاق، أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ، عن أبي سلمة بن عبد الرّحمن، قال: إنّ أبا الرّدّاد اللّيثيّ أخبره، عن عبد الرّحمن بن عوفٍ رضي اللّه عنه، أنّه سمع رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: قال اللّه عزّ وجلّ: أنا الرّحمن خلقت الرّحم وشققت لها اسمًا من اسمي، فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته
[الأسماء والصفات: 1/136]
قال الخطّابيّ: فالرّحمن ذو الرّحمة الشّاملة الّتي وسعت الخلق في أرزاقهم وأسباب معايشهم ومصالحهم، وعمّت المؤمن والكافر، والصّالح والطّالح، وأمّا الرّحيم فخاصٌّ للمؤمنين كقوله: وكان بالمؤمنين رحيمًا، قال: والرّحيم وزنه فعيلٌ بمعنى فاعلٌ، أي راحمٌ، وبناء فعيلٍ أيضًا للمبالغة كعالمٍ وعليمٍ، وقادرٌ وقديرٌ وكان أبو عبيدة يقول: تقدير هذين الاسمين تقدير ندمان ونديمٍ من المنادمة.
[الأسماء والصفات: 1/137]
قال أبو سليمان: وجاء في الأثر أنّهما اسمان رقيقان أحدهما أرقّ من الآخر، يعني بذلك ما
[الأسماء والصفات: 1/138]
- أخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن محبور الدهان أخبرنا أبو علي الحسين بن محمد بن هارون النيسابوري، أخبرنا أحمد بن محمد بن نصر اللباد، أخبرنا يوسف بن بلال، حدّثنا محمد بن مروان، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، رضي الله عنهما قال: الرحمن وهو الرقيق، الرحيم، وهو العاطف على خلقه بالرزق، وهما اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر
- وأخبرنا الإمام أبو إسحاق، إبراهيم بن محمد بن إبراهيم، أخبرنا عبد الخالق بن الحسن السقطي، حدّثنا عبد الله بن ثابت بن يعقوب، قال: أخبرني أبي، عن الهذيل بن حبيب، عن مقاتل بن سليمان، عمن يروي تفسيره عنه من التابعين قال: الرحمن.
[الأسماء والصفات: 1/139]
الرحيم اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر الرحمن يعني المترحم، الرحيم يعني المتعطف بالرحمة على خلقه قال أبو سليمان: وهذا مشكل، لأن الرقة لا مدخل لها في شيء من صفات الله سبحانه، ومعنى الرقيق ها هنا اللطيف، يقال: أحدهما ألطف من الآخر، ومعنى اللطف في هذا الغموض دون الصغر الذي هو نعت الأجسام، وسمعت أبا القاسم الحسن بن محمد بن حبيب المفسر يحكي عن الحسين بن الفضل البجلي أنه قال: هذا وهم من الراوي، لأن الرقة ليست من صفات الله عز وجل في شيء، وإنما هما اسمان رفيقان أحدهما أرفق من الآخر، والرفق من صفات الله تعالى، قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف
- أخبرنا أبو طاهرٍ الفقيه، أخبرنا أبو بكرٍ محمّد بن الحسين القطّان، حدّثنا عليّ بن الحسن الهلاليّ، حدّثنا حجّاج بن منهالٍ، حدّثنا حمّادٌ، عن يونس، وحميدٍ، عن الحسن، عن
[الأسماء والصفات: 1/140]
عبد الله بن مغفّلٍ رضي اللّه عنه، قال: إنّ رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم قال: إنّ اللّه رفيقٌ يحبّ الرّفق ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف
- وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدّثنا إسماعيل بن أحمد، أخبرنا محمّد بن الحسن بن قتيبة، حدّثنا حرملة بن يحيى، أخبرنا ابن وهبٍ، أخبرني حيوة بن شريحٍ، حدّثني ابن الهاد، عن أبي بكر بن عمرو بن حزمٍ، عن عمرة بنت عبد الرّحمن، عن عائشة زوج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، قالت: إنّ رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم قال لي: يا عائشة، إنّ اللّه رفيقٌ يحبّ الرّفق، ويعطي على الرّفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه.
ورواه مسلمٌ في "الصّحيح"، عن حرملة وقوله: إنّ اللّه رفيقٌ معناه ليس بعجولٍ، وإنّما يعجل من يخاف الفوت، فأمّا من كانت الأشياء في قبضته وملكه، فليس يعجل فيها وأمّا قوله يحبّ الرّفق أي يحبّ ترك العجلة في الأعمال والأمور، سمعت أبا القاسم الحسن بن محمّد بن حبيبٍ المفسّر يحكي، عن عبد الرّحمن بن يحيى أنّه، قال: الرّحمن خاصٌّ في التّسمية عامٌّ في الفعل والرّحيم عامٌّ في التّسمية خاصٌّ في الفعل
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو زكريا العنبري، حدّثنا محمد بن عبد السلام، حدّثنا إسحاق بن إبراهيم، حدّثنا وكيع، ويحيى بن آدم، قالا: حدّثنا إسرائيل، عن سماك بن
[الأسماء والصفات: 1/141]
حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس، رضي الله عنهما في قوله تعالى: {هل تعلم له سميا} قال: لم يسم أحد الرحمن غيره ومنها الحليم قال الله عز وجل: {وإن الله لعليم حليم}.ورويناه في خبر الأسامي
- وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو سعيد بن أبي عمرٍو، قالا: حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، حدّثنا أحمد بن عبد الحميد، حدّثنا أبو أسامة، عن أسامة، عن محمّد بن كعبٍ، عن عبد الله بن شدّادٍ، عن عبد الله بن جعفرٍ، قال: علّمني عليٌّ رضي اللّه عنه كلماتٍ علّمهنّ رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم إيّاه يقولهنّ في الكرب والشّيء يصيبه: لا إله إلاّ اللّه الحليم الكريم، سبحان الله وتبارك اللّه ربّ العرش العظيم، والحمد للّه ربّ العالمين
قال الحليميّ في معنى الحليم: إنّه الّذي لا يحبس إنعامه وأفضاله عن عباده
[الأسماء والصفات: 1/142]
لأجل ذنوبهم، ولكنّه يرزق العاصي كما يرزق المطيع، ويبقيه وهو منهمكٌ في معاصيه كما يبقي البرّ التّقيّ، وقد يقيه الآفات والبلايا وهو غافلٌ لا يذكره فضلا عن أن يدعوه كما يقيها النّاسك الّذي يسأله، وربّما شغلته العبادة عن المسألة.
قال أبو سليمان: هو ذو الصّفح والأناة الّذي لا يستفزّه غضبٌ، ولا يستخفّه جهل جاهلٍ، ولا عصيان عاصٍ، ولا يستحقّ الصّافح مع العجز اسم الحليم، وإنّما الحليم هو الصّفوح مع القدرة، المتأنّي الّذي لا يعجّل بالعقوبة.
ومنها الكريم:
قال اللّه جلّ ثناؤه: ما غرّك بربّك الكريم.
وروّيناه في خبر الأسامي
- وأخبرنا أبو محمّدٍ عبد الله بن يوسف، أخبرنا أبو سعيد بن الأعرابيّ، حدّثنا أبو أسامة الكلبيّ، حدّثنا أحمد بن يونس، حدّثنا فضيل بن عياضٍ، عن الصّنعانيّ، محمّد بن ثورٍ عن معمرٍ، عن أبي حازمٍ، عن سهل بن سعدٍ السّاعديّ رضي اللّه عنه، قال: قال
[الأسماء والصفات: 1/143]
رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ اللّه عزّ اسمه كريمٌ يحبّ مكارم الأخلاق ويبغض سفسافها
- وأخبرنا أبو محمّد بن يوسف، أخبرنا أبو سعيدٍ، حدّثنا الرّماديّ، حدّثنا عبد الرّزّاق، أخبرنا معمرٌ، عن أبي حازمٍ، عن طلحة بن كريزٍ الخزاعيّ، قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ اللّه تعالى كريمٌ يحبّ معالي الأخلاق ويكره سفسافها هذا منقطعٌ وكذا رواه سفيان الثّوريّ عن أبي حازمٍ.
[الأسماء والصفات: 1/144]
قال الحليميّ في معنى الكريم: إنّه النّفّاع من قولهم: شاةٌ كريمةٌ إذا كانت غزيرة اللّبن تدرّ على الحالب ولا تقلص بأخلافها، ولا تحبس لبنها، ولا شكّ في كثرة المنافع الّتي منّ اللّه عزّ وجلّ بها على عباده ابتداءً منه وتفضّلا، فهو باسم الكريم أحقّ.
قال أبو سليمان: من كرم الله سبحانه وتعالى وتعالى أنّه يبتدئ بالنّعمة من غير استحقاقٍ، ويتبرّع بالإحسان من غير استثابةٍ، ويغفر الذّنب ويعفو عن المسيء، ويقول الدّاعي في دعائه: يا كريم العفو
- أخبرنا أبو نصر بن قتادة، قال: قرئ على أبي الفضل أحمد بن محمّدٍ السّلميّ الهرويّ، حدّثكم محمّد بن عبد الرّحمن السّاميّ، حدّثنا خالد بن الهيّاج، عن أبيه، عن ليث بن أبي سليمٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، قال: جاء جبريل عليه الصّلاة والسّلام إلى رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم في أحسن صورةٍ رآه ضاحكًا مستبشرًا لم ير مثل ذلك، فقال: السّلام عليك يا محمّد قال: وعليك السّلام يا جبريل، قال: يا محمّد، إنّ اللّه تعالى أرسلني إليك بهديّةٍ لم يعطها أحدًا قبلك، وإنّ اللّه تعالى
[الأسماء والصفات: 1/145]
أكرمك، قال: فما هي يا جبريل؟ قال: كلماتٌ من كنوز عرشه قال: قل يا من أظهر الجميل وستر القبيح، يا من لم يؤاخذ بالجريرة، ولم يهتك السّتر، يا عظيم العفو، يا حسن التّجاوز، يا واسع المغفرة، ويا باسط اليدين بالرّحمة، يا منتهى كلّ شكوى، ويا صاحب كلّ نجوى، يا كريم الصّفح، ويا عظيم المنّ، ويا مبدئ النّعم قبل استحقاقها، يا ربّاه ويا سيّداه ويا أملاه ويا غاية رغبتاه، أسألك بك أن لا تشوي خلقي بالنّار ثمّ ذكر الحديث في ثواب هؤلاء الكلمات، وقد روّيناه من حديث عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جدّه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وهو دعاءٌ حسنٌ، وفي صحّته عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، نظرٌ.
قال أبو سليمان: وقيل إنّ من كرم عفوه أنّ العبد إذا تاب عن السّيّئة
[الأسماء والصفات: 1/146]
محاها عنه وكتب له مكانها حسنةً قلت: وفي كتاب الله تعالى: إلاّ من تاب وآمن وعمل عملا صالحًا فأولئك يبدّل اللّه سيّئاتهم حسناتٍ وكان اللّه غفورًا رحيمًا، وقد ثبت عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في الإخبار عن كرم عفو الله ما هو أبلغ من ذلك وهو فيما
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، حدّثنا الحسن بن عليّ بن عفّان العامريّ، حدّثنا عبد الله بن نميرٍ، عن الأعمش، عن المعرور بن سويدٍ، عن أبي ذرٍّ رضي اللّه عنه قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّي لأعلم آخر أهل الجنّة دخولا الجنّة، وآخر أهل النّار خروجًا منها: رجلٌ يؤتى به فيقال: اعرضوا عليه صغار ذنوبه يعني وارفعوا عنه كبارها، فيعرض عليه صغار ذنوبه، فيقال: عملت يوم كذا وكذا، كذا وكذا وعملت يوم كذا وكذا، كذا وكذا؟ فيقول: نعم، لا يستطيع أن ينكر، وهو مشفقٌ من كبار ذنوبه أن تعرض عليه، قال: فيقال: فإنّ لك مكان كلّ سيّئةٍ حسنةً قال: فيقول: ربّ قد عملت أشياء ما أراها ها هنا قال: فلقد رأيت رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم ضحك حتّى بدت نواجذه.
رواه مسلمٌ في "الصّحيح"، عن محمّد بن عبد الله بن نميرٍ، عن أبيه.
[الأسماء والصفات: 1/147]
ومنها الأكرم:
قال اللّه عزّ وجلّ: وربّك الأكرم.
وروّيناه في خبر الأسامي، عن عبد العزيز بن الحصين.
قال أبو سليمان: هو أكرم الأكرمين، لا يوازيه كريمٌ، ولا يعادله فيه نظيرٌ، وقد يكون الأكرم بمعنى الكريم، كما جاء الأعزّ بمعنى العزيز، ومنها الصّبور وذلك ممّا ورد في خبر الأسامي
قال الحليميّ: ومعناه الّذي لا يعاجل بالعقوبة وهذه صفة ربّنا جلّ ثناؤه، لأنّه يملي ويمهل وينظر ولا يعجّل.
ومنها العفوّ:
قال اللّه عزّ وجلّ: إنّ اللّه لعفوٌّ غفورٌ.
وروّيناه في خبر الأسامي
- وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو سعيد بن أبي عمرٍو، قالا: حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، حدّثنا الحسن بن عليّ بن عفّان، حدّثنا عمرو بن العنقزيّ، عن سفيان،
[الأسماء والصفات: 1/148]
عن الجريريّ، عن ابن بريدة، عن عائشة رضي اللّه عنها، قالت: قلت: يا رسول الله إن أنا وافقت ليلة القدر ما أقول؟ قال: قولي: اللّهمّ إنّك عفوٌّ تحبّ العفو فاعف عنّي أو اعف عنّا.
قال الحليميّ في معنى العفوّ: إنّه الواضع عن عباده تبعات خطاياهم وآثامهم، فلا يستوفيها منهم، وذلك إذا تابوا واستغفروا، أو تركوا لوجهه أعظم ما فعلوا ليكفّر عنهم ما فعلوا بما تركوا، أو بشفاعة من يشفع لهم، أو يجعل ذلك كرامةً لذي حرمةٍ لهم به وجزاءً له بعمله.
قال أبو سليمان: العفوّ وزنه فعولٌ من العفو وهو بناء المبالغة، والعفو الصّفح عن الذّنب، وقيل: إنّ العفو مأخوذٌ من عفت الرّيح الأثر إذا درسته، فكأنّ العافي عن الذّنب يمحوه بصفحه عنه.
ومنها الغافر:
قال اللّه جلّ ثناؤه: غافر الذّنب وقابل التّوب
قال الحليميّ: وهو الّذي يستر على المذنب ولا يؤاخذه به، فيشهّره ويفضحه
[الأسماء والصفات: 1/149]
- أخبرنا أبو الحسين بن بشران، ببغداد، أخبرنا إسماعيل بن محمّدٍ الصّفّار، حدّثنا أحمد بن منصورٍ الرّماديّ، حدّثنا عبد الرّزّاق، أخبرنا معمرٌ، عن جعفر بن برقان، عن يزيد بن الأصمّ، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: والّذي نفسي بيده، لو لم تذنبوا لذهب اللّه بكم، ولجاء اللّه بقومٍ يذنبون، فيستغفرون اللّه تعالى فيغفر لهم.
رواه مسلمٌ في "الصّحيح"، عن محمّد بن رافعٍ، عن عبد الرّزّاق.
وأخرجه أيضًا من حديث أبي أيّوب الأنصاريّ سماعًا من النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
ومنها الغفّار:
قال اللّه جلّ ثناؤه: {ألا هو العزيز الغفّار}.
وروّيناه في خبر الأسامي، وفي حديث عائشة رضي اللّه عنها
قال الحليميّ: وهو المبالغ في السّتر، فلا يشهّر الذّنب لا في الدّنيا ولا في الآخرة
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو بكر بن إسحاق، أخبرنا محمّد بن أيّوب، أخبرنا موسى بن إسماعيل، حدّثنا همّامٌ، حدّثنا قتادة، عن صفوان بن محرزٍ قال: بينا أنا أمشي مع ابن عمر آخذٌ بيده إذ عرض له رجلٌ فقال: كيف سمعت رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم يقول في النّجوى يوم القيامة؟ قال: سمعت رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: إنّ اللّه عزّ وجلّ يدني منه
[الأسماء والصفات: 1/150]
المؤمن، فيضع عليه كنفه ويستره من النّاس، فيقول: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم أي ربّ، فيقول: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم أي ربّ، حتّى إذا قرّره بذنوبه ورأى في نفسه أنّه قد هلك، قال: فإنّي قد سترتها عليك في الدّنيا وأنا أغفرها لك اليوم، قال: فيعطى كتاب حسناته، وقال: وأمّا الكفّار والمنافقون فيقول الأشهاد: هؤلاء الّذين كذبوا على ربّهم ألا لعنة الله على الظّالمين.
رواه البخاريّ في "الصّحيح"، عن موسى بن إسماعيل، وجهٍ آخر، عن قتادة وقوله في الحديث يدني منه المؤمن المؤمن يريد به يقرّبه من كراماته وقوله: فيضع عليه كنفه يريد به عطفه ورأفته ورعايته واللّه أعلم.
ومنها الغفور:
قال اللّه جلّ ثناؤه: أنّي أنا الغفور الرّحيم.
وروّيناه في خبر الأسامي
[الأسماء والصفات: 1/151]
- وأخبرنا عليّ بن أحمد بن عبدان، أخبرنا أحمد بن عبيدٍ الصّفّار، حدّثنا أحمد بن إبراهيم بن ملحان، حدّثنا يحيى، هو ابن بكيرٍ، حدّثنا اللّيث، عن يزيد بن أبي حبيبٍ، عن أبي الخير، عن عبد الله بن عمرٍو، عن أبي بكرٍ الصّدّيق رضي اللّه تعالى عنهم أنّه قال لرسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: علّمني دعاءً أدعو به في صلاتي، قال: قل: اللّهمّ إنّي ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا ولا يغفر الذّنوب إلاّ أنت، فاغفر لي مغفرةً من عندك وارحمني، إنّك أنت الغفور الرّحيم.
رواه البخاريّ ومسلمٌ في "الصّحيح"، عن قتيبة وغيره، عن اللّيث بن سعدٍ
قال الحليميّ وهو الّذي يكثر منه الستر على المذنبين من عباده، ويزيد عفوه على مؤاخذته
[الأسماء والصفات: 1/152]
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدّثنا أبو بكر بن إسحاق، أخبرنا محمّد بن غالبٍ، ومحمّد بن أيّوب، ويوسف بن يعقوب، قال ابن أيّوب: أنا، وقالا حدّثنا أبو الوليد الطّيالسيّ، حدّثنا همّام بن يحيى، قال: سمعت إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، يقول: سمعت عبد الرّحمن بن أبي عمرة، يقول: سمعت أبا هريرة رضي اللّه عنه، يقول: سمعت رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: إنّ عبدًا أصاب ذنبًا فقال: يا ربّ إنّي أذنبت ذنبًا فاغفره لي، فقال ربّه: علم عبدي أنّ له ربًّا يغفر الذّنب ويأخذ به، فغفر له، ثمّ مكث ما شاء اللّه، ثمّ أصاب ذنبًا آخر، وربّما قال: ثمّ أذنب ذنبًا آخر، فقال: يا ربّ إنّي أذنبت ذنبًا آخر فاغفره لي، فقال ربّه: علم عبدي أنّ له ربًّا يغفر الذّنب ويأخذ به، فغفر له ثمّ مكث ما شاء اللّه، ثمّ أصاب ذنبًا آخر وربّما قال: ثمّ أذنب ذنبًا آخر، فقال: يا ربّ إنّي أذنبت ذنبًا آخر فاغفره لي، فقال ربّه: علم عبدي أنّ له ربًّا يغفر الذّنب ويأخذ به فقال ربّه: غفرت لعبدي فليعمل ما شاء
رواه مسلمٌ في الصّحيح
[الأسماء والصفات: 1/153]
عن عبد بن حميدٍ، عن أبي الوليد
وأخرجه البخاريّ من وجهٍ آخر، عن همّامٍ.
ومنها " الرّؤوف ":
قال اللّه عزّ وجلّ: {إنّ ربّكم لرؤوفٌ رحيمٌ}.
وروّيناه في خبر الأسامي
قال الحليميّ: ومعناه المساهل عباده لأنّه لم يحمّلهم، يعني، من العبادات ما لا يطيقون يعني بزمانةٍ، أو علّةٍ أو ضعفٍ، بل حمّلهم أقلّ ممّا يطيقونه بدرجاتٍ كثيرةٍ، ومع ذلك غلّظ فرائضه في حال شدّة القوّة، وخفّفها في حال الضّعف ونقصان القوّة، وأخذ المقيم بما لم يأخذ به المسافر، والصّحيح بما لم يأخذ به المريض، وهذا كلّه رأفةٌ ورحمةٌ.
قال الخطّابيّ: وقد تكون الرّحمة في الكراهة للمصلحة، ولا تكاد الرّأفة تكون في الكراهة.
ومنها " الصّمد ":
قال اللّه عزّ وجلّ: {قل هو اللّه أحدٌ اللّه الصّمد}.
وروّيناه في خبر الأسامي.
- وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا عبد الصّمد بن عليّ بن مكرمٍ البزّاز، ببغداد، حدّثنا جعفر بن محمّد بن شاكرٍ، حدّثنا أبو معمرٍ عبد الله بن عمرٍو، حدّثنا عبد الوارث بن سعيدٍ، حدّثنا حسينٌ المعلّم، عن ابن بريدة، عن حنظلة بن عليٍّ، أنّ محجن بن الأدرع حدّثه، قال: دخل رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم المسجد، فإذا برجلٍ قد صلّى صلاته وهو يتشهّد ويقول: اللّهمّ إنّي أسألك يا اللّه الأحد الصّمد الّذي لم يلد ولم يولد ولم
[الأسماء والصفات: 1/154]
يكن له كفوًا أحدٌ، أن تغفر لي ذنوبي إنّك أنت الغفور الرّحيم قال: فقال: قد غفر له، قد غفر له، قد غفر له، قد غفر له.
رواه أبو داود في السّنن، عن أبي معمرٍ.
قال الحليميّ: معناه المصمود بالحوائج أي المقصود بها، وقد يقال ذلك على معنى معنى أنّه المستحقّ لأن يقصد بها، ثمّ لا يبطل هذا الاستحقاق ولا تزول هذه الصّفة بذهاب من يذهب عن الحقّ، ويضلّ السّبيل، لأنّه إذا كان هو الخالق والمدبّر لما خلق لا خالق غيره ولا مدبّر سواه، فالذّهاب عن قصده بالحاجة، وهي بالحقيقة واقعةٌ إليه ولا قاضي لها غيره، جهلٌ وحمقٌ، والجهل باللّه تعالى جدّه كفرٌ
[الأسماء والصفات: 1/155]
- أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق المزكي، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبدوس الطرائفي، حدّثنا عثمان بن سعيد الدارمي، حدّثنا عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، رضي الله عنهما في قوله: {الصمد} قال: السيد الذي كمل في سؤدده والشريف الذي كمل في شرفه والعظيم الذي قد كمل في عظمته، والحليم الذي قد كمل في حلمه، والغني الذي قد كمل في غناه، والجبار الذي قد كمل في جبروته، والعالم الذي قد كمل في علمه، والحكيم الذي قد كمل في حكمه، وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد وهو الله عز وجل هذه صفته لا تنبغي إلا له ليس له كفو، وليس كمثله شيء، فسبحان الله الواحد القهار
[الأسماء والصفات: 1/156]
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدّثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدّثنا محمد بن إسحاق الصاغاني، حدّثنا يعلى بن عبيد، حدّثنا الأعمش، عن شقيق، في قوله عز وجل: {الصمد} قال: هو السيد إذا انتهى سؤدده
- وأخبرنا أبو عبد الله حدّثنا أبو العباس، حدّثنا محمد بن إسحاق حدّثنا أبو نعيم، حدّثنا سلمة بن سابور، عن عطية، عن ابن عباس، رضي الله عنهما قال: الصمد الذي لا جوف له وروينا هذا القول عن سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير ومجاهد، والحسن والسدي والضحاك وغيرهم، وروي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه، يشك راويه في رفعه
[الأسماء والصفات: 1/157]
- وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، ومحمد بن موسى بن الفضل، قالا: حدّثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدّثنا محمد بن إسحاق، حدّثنا محمد بن بكار، حدّثنا أبو معشر، عن محمد بن كعب، في قول الله عز وجل: {الله الصمد} قال: لو سكت عنها لتبخص لها رجال فقالوا: ما الصمد؟ فأخبرهم أن الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد وروينا عن عكرمة في تفسير الصمد قريبا من هذا
- وأخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، حدّثنا أبو العباس، حدّثنا محمد، حدّثنا عثمان بن عمر، أخبرنا شعبة، عن أبي رجاء، أن الحسن، قال: الصمد الذي لا يخرج منه شيء
[الأسماء والصفات: 1/158]
- وأخبرنا أبو نصر بن قتادة، أخبرنا أبو منصور النضروي، حدّثنا أحمد بن نجدة، حدّثنا سعيد بن منصور، حدّثنا هشيم، أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، قال: أخبرت أنه الذي لا يأكل ولا يشرب
- أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، ومحمد بن موسى، قالا: حدّثنا أبو العباس هو الأصم حدّثنا الصاغاني، حدّثنا أبو سليمان الأشقر، حدّثنا يزيد بن زريع، حدّثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن، قال: {الصمد} الباقي بعد خلقه
[الأسماء والصفات: 1/159]
وقال أبو سليمان فيما أخبرت عنه: الصمد السيد الذي يصمد إليه في الأمور ويقصد إليه في الحوائج والنوازل، وأصل الصمد القصد، يقال للرجل: اصمد صمد فلان أي اقصد قصده، وأصح ما قيل فيه ما يشهد له معنى الاشتقاق ومنها الحميد
قال الله جل ثناؤه: {إن الله هو الغني الحميد}.
ورويناه في خبر الأسامي.
قال الحليمي: هو المستحق لأن يحمد لأنه جل ثناؤه بدأ فأوجد، ثم جمع بين النعمتين الجليلتين الحياة والعقل، ووالى بعد منحه، وتابع آلاءه ومننه، حتى فاتت العد، وإن استفرغ فيها الجهد، فمن ذا الذي يستحق الحمد سواه؟ بل له الحمد كله لا لغيره، كما أن المن منه لا من غيره، قال الخطابي: هو المحمود الذي استحق الحمد بفعاله، وهو فعيل بمعنى مفعول، وهو الذي يحمد في السراء والضراء، وفي الشدة والرخاء، لأنه حكيم لا يجري في أفعاله الغلط ولا يعترضه الخطأ فهو محمود على كل حال ومنها القاضي قال الله عز وجل: {والله يقضي بالحق}
[الأسماء والصفات: 1/160]
- أخبرنا أبو نصر بن قتادة، حدّثنا أبو الحسن محمّد بن الحسن بن الحسين بن منصورٍ التّاجر، أخبرنا أبو بكرٍ محمّد بن يحيى بن سليمان، حدّثنا عاصم بن عليّ بن عاصمٍ، حدّثنا قيس بن الرّبيع، عن ابن أبي ليلى، عن داود بن عليٍّ، عن أبيه، عن عبد الله بن عبّاسٍ رضي اللّه عنه، قال: بعثني العبّاس رضي اللّه عنه إلى رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم، فأتيته ممسيًا وهو في بيت خالتي ميمونة، قال: فقام رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم يصلّي من اللّيل، فلمّا
[الأسماء والصفات: 1/161]
صلّى الرّكعتين قبل الفجر قال: اللّهمّ إنّي أسألك رحمةً من عندك تهدي بها قلبي، وتجمع بها شملي وتلمّ بها شعثي، وتردّ بها ألفتي وتصلح بها ديني، وتحفظ بها غائبي، وترفع بها شاهدي، وتزكّي بها عملي، وتبيّض بها وجهي، وتلهمني بها رشدي، وتعصمني بها من كلّ سوءٍ، اللّهمّ أعطني إيمانًا صادقًا، ويقينًا ليس بعده كفرٌ، ورحمةً أنال بها شرف كرامتك في الدّنيا والآخرة، اللّهمّ إنّي أسألك الفوز عند القضاء، ونزل الشّهداء، وعيش السّعداء، ومرافقة الأنبياء، والنّصر على الأعداء، اللّهمّ إنّي أنزل بك حاجتي وإن قصر رأيي وضعف عملي وافتقرت إلى رحمتك، فأسألك يا قاضي الأمور، ويا شافي الصّدور، كما تجير بين البحور أن تجيرني من عذاب السّعير، ومن دعوة الثّبور، ومن فتنة القبور، اللّهمّ ما قصر عنه رأيي وضعف عنه عملي ولن تبلغه نيّتي أو أمنيتي، شكّ عاصمٌ، من خيرٍ وعدته أحدًا من عبادك، أو خيرٍ أنت معطيه أحدًا من خلقك، فإنّي أرغب إليك فيه وأسألك يا ربّ العالمين.
[الأسماء والصفات: 1/162]
اللّهمّ اجعلنا هادين مهديّين غير ضالّين ولا مضلّين، حربًا لأعدائك، سلمًا لأوليائك، نحبّ بحبّك النّاس، ونعادي بعداوتك من خالفك من خلقك، اللّهمّ هذا الدّعاء وعليك الإجابة، وهذا الجهد وعليك التّكلان، ولا حول ولا قوّة إلاّ باللّه، اللّهمّ ذا الحبل الشّديد، والأمر الرّشيد، أسألك الأمن يوم الوعيد والجنّة يوم الخلود مع المقرّبين الشّهود والرّكّع السّجود، الموفين بالعهود، إنّك رحيمٌ ودودٌ، وأنت تفعل ما تريد، سبحان الّذي يعطف بالعزّ وقال به، سبحان الّذي لبس المجد وتكرّم به، سبحان الّذي لا ينبغي التّسبيح إلاّ له، سبحان ذي الفضل والنّعم، سبحان ذي القدرة والكرم، سبحان الّذي أحصى كلّ شيءٍ بعلمه، اللّهمّ اجعل لي نورًا في قلبي، ونورًا في قبري، ونورًا في سمعي، ونورًا في بصري، ونورًا في شعري، ونورًا في بشري، ونورًا في لحمي، ونورًا في دمي، ونورًا في عظامي، ونورًا من بين يديّ، ونورًا من خلفي، ونورًا عن يميني، ونورًا عن شمالي، ونورًا من فوقي، ونورًا من تحتي، اللّهمّ زدني نورًا، وأعطني نورًا، واجعل لي نورًا هذا الحديث يشتمل على عدد أسماء الله تعالى وصفاتٍ له، منها: القاضي.
قال الحليميّ: ومعناه الملزم حكمه، وبيان ذلك أنّ الحاكم من العباد لا يقول إلاّ ما يقول المفتي، غير أنّ الفتيا لمّا كانت لا تلزم لزوم الحكم، والحكم يلزم، سمّي الحاكم قاضيًا ولم يسمّ المفتي قاضيًا، فعلمنا أنّ القاضي هو الملزم، وحكم الله تعالى جدّه كلّه لازمٌ فهو إذًا قاضٍ وحكمه قضاءٌ.
ومنها القاهر:
قال اللّه تعالى: وهو القاهر فوق عباده
قال الحليميّ: ومعناه أنّه يدبّر خلقه بما يريد، فيقع في ذلك ما يشقّ ويثقل، ويغمّ ويحزن ويكون منه سلب الحياة، أو بعض الجوارح، فلا يستطيع أحدٌ ردّ تدبيره والخروج من تقديره.
[الأسماء والصفات: 1/163]
ومنها القهّار:
قال عزّ وجلّ: وهو الواحد القهّار.
وروّيناه في خبر الأسامي، وفي حديث عائشة رضي اللّه عنها
قال الحليميّ: الّذي يقهر ولا يقهر بحالٍ، وقال الخطّابيّ: هو الّذي قهر الجبابرة من عتاة خلقه بالعقوبة، وقهر الخلق كلّهم بالموت.
ومنها الفتّاح:
قال اللّه عزّ وجلّ: وهو الفتّاح العليم.
وروّيناه في خبر الأسامي
قال الحليميّ: وهو الحاكم أي يفتح ما انغلق بين عباده، ويميّز الحقّ من الباطل، ويعلي المحقّ ويخزي المبطل، وقد يكون ذلك منه في الدّنيا والآخرة.
قال الخطّابيّ: ويكون معنى الفتّاح أيضًا الّذي يفتح أبواب الرّزق والرّحمة لعباده، ويفتح المنغلق عليهم من أمورهم وأسبابهم، ويفتح قلوبهم وعيون بصائرهم ليبصروا الحقّ ويكون الفاتح أيضًا بمعنى النّاصر كقوله سبحانه وتعالى: إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح، قال أهل التّفسير: معناه إن تستنصروا فقد جاءكم النّصر
- أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق، أخبرنا أبو الحسن الطرائفي، حدّثنا عثمان بن سعيد، حدّثنا عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، رضي الله عنهما في قوله تبارك وتعالى: {الفتاح العليم} يقول: القاضي
- أخبرنا أبو طاهر الفقيه، أخبرنا أبو بكر القطان، ثما أحمد بن يوسف
[الأسماء والصفات: 1/164]
السلمي، حدّثنا عبيد الله بن موسى، أخبرنا مسعر، عن قتادة، عمن أخبره عن ابن عباس، رضي الله عنهما قال: ما كنت أدري ما قوله: افتح بيننا حتى سمعت بنت ذي يزن أو ابنة ذي يزن تقول: تعال أفاتحك أقاضيك ومنها الكاشف.
قال الحليمي: ولا يدعى بهذا الاسم إلا مضافا إلى شيء فيقال: يا كاشف الضر، أو كاشف الكرب، ومعناه الفارج والمجلي يكشف الكرب ويجلي القلب، ويفرج الهم ويزيح الضر والغم قلت: قال الله تعالى: {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو} وروي في حديث دعاء المديون: اللهم فارج الهم كاشف الغم ومنها اللطيف قال الله تعالى: {وهو اللطيف الخبير}.
ورويناه في خبر الأسامي.
قال الحليمي: وهو الذي يريد بعباده الخير واليسر، ويقيض لهم أسباب الصلاح والبر قلت: أراد عباده المؤمنين خاصة عند من لا يرى ما يعطيه الله عز وجل الكفار من الدنيا نعمة، أو أراد المؤمنين خاصة في أسباب الدين وأراد المؤمنين والكافرين عامة في أسباب الدنيا عند من يراها نعمة في الجملة، وقال أبو سليمان فيما أخبرت عنه: اللطيف هو البر بعباده الذي يلطف بهم من حيث لا يعلمون، ويسبب لهم مصالحهم من حيث لا يحتسبون كقوله تعالى: {الله لطيف بعباده يرزق من يشاء} قال: وحكى أبو عمر عن أبي العباس عن ابن الأعرابي أنه قال: اللطيف الذي يوصل إليك أربك في رفق، ومن هذا قولهم لطف الله بك أي أوصل إليك ما تحب في رفق، قال: ويقال هو الذي لطف عن أن يدرك بالكيفية ومنها المؤمن قال الله عز وجل: {السلام المؤمن}.
ورويناه في خبر الأسامي.
قال الحليمي: ومعناه المصدق، لأنه إذا وعد صدق وعده، ويحتمل
[الأسماء والصفات: 1/165]
المؤمن عباده بما عرفهم من عدله ورحمته من أن يظلمهم ويجور عليهم قال أبو سليمان فيما أخبرت عنه: أصل الإيمان في اللغة التصديق، فالمؤمن المصدق ويحتمل ذلك وجوها: أحدها أنه يصدق عباده وعده ويفي بما ضمنه لهم من رزق في الدنيا، وثواب على أعمالهم الحسنة في الآخرة، والآخر أنه يصدق ظنون عباده المؤمنين ولا يخيب آمالهم كقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكيه عن ربه عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء وقيل: بل المؤمن الموحد نفسه لقوله: {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط}، وقيل: بل المؤمن الذي آمن عباده المؤمنين من عذابه يوم القيامة وقيل: هو الذي آمن خلقه من ظلمه، وقد دخل أكثر هذه الوجوه فيما قاله الحليمي إلا أن هذا أبين ومنها المهيمن قال الله عز وجل: {المهيمن}.
ورويناه في خبر الأسامي.
قال الحليمي: ومعناه لا ينقص المطيعين يوم الحساب من طاعاتهم شيئا فلا يثيبهم عليه لأن الثواب لا يعجزه ولا هو مستكره عليه فيضطر إلى كتمان بعض الأعمال أو جحدها، وليس ببخيل فيحمله استكثار الثواب إذا كثرت الأعمال على كتمان بعضها، ولا يلحقه نقص بما يثيب فيحبس بعضه، لأنه ليس منتفعا بملكه حتى إذا نفع غيره به زال انتفاعه عنه بنفسه، وكما لا ينقص المطيع من حسناته شيئا لا يزيد العصاة على ما اجترحوه من السيئات شيئا، فيزيدهم، عقابا على ما استحقوه لأن واحدا من الكذب والظلم غير جائز عليه، وقد سمى عقوبة أهل النار جزاء، فما لم يقابل منها ذنبا لم يكن جزاء، ولم يكن وفاقا، فدل ذلك على أنه لا يفعله قلت: وهذا الذي ذكره شرح قول أهل التفسير في المهيمن إنه الأمين قال أبو سليمان: وأصله مؤيمن فقلبت الهمزة هاء لأن الهاء أخف من الهمزة، وهو على وزن مسيطر، ومبيطر
[الأسماء والصفات: 1/166]
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدّثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدّثنا إبراهيم بن مرزوق، حدّثنا أبو عامر، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس، رضي الله عنهما في قوله: {ومهيمنا عليه} قال: مؤتمنا عليه
- وأخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق، حدّثنا أبو الحسن الطرائفي، حدّثنا عثمان بن سعيد، حدّثنا عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، رضي الله عنهما في قوله عز وجل: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه} قال: المهيمن الأمين، قال: القرآن أمين على كل كتاب قبله
- وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا عبد الرحمن بن الحسن، حدّثنا إبراهيم بن
[الأسماء والصفات: 1/167]
الحسين، حدّثنا آدم، حدّثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله تعالى: {ومهيمنا عليه} قال: بمعنى مؤتمنا على الكتب
وبإسناده عن مجاهد قال: {المهيمن} الشاهد على ما قبله من الكتب قال أبو سليمان: فالله عز وجل المهيمن أي الشاهد على خلقه بما يكون منهم من قول وفعل كقوله تعالى: {وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه} قال: وقيل: المهيمن الرقيب على الشيء والحافظ له قال: وقال بعض أهل اللغة: الهيمنة القيام على الشيء والرعاية له وأنشد: ألا إن خير الناس بعد نبيه مهيمنة التأليه في العرف والنكر يريد القائم على الناس بعده بالرعاية لهم ومنها الباسط القابض قال الله عز وجل: {الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر}.
وقال الله تبارك وتعالى: {والله يقبض ويبسط} ورويناهما في خبر الأسامي.
قال الحليمي في معنى الباسط: إنه الناشر فضله على عباده يرزق ويوسع، ويجود ويفضل ويمكن ويخول ويعطي أكثر مما يحتاج إليه وقال في معنى القابض: يطوي بره ومعروفه عمن يريد ويضيق ويقتر أو يحرم فيفقر قال أبو سليمان: وقيل القابض وهو الذي يقبض الأرواح بالموت الذي كتبه على العباد قالا: ولا ينبغي أن يدعى ربنا جل جلاله باسم القابض حتى يقال معه الباسط
[الأسماء والصفات: 1/168]
- أخبرنا يحيى بن إبراهيم بن محمّد بن يحيى، أخبرنا أبو الحسن، أحمد بن محمّد بن عبدوسٍ، حدّثنا عثمان بن سعيدٍ الدّارميّ، حدّثنا موسى بن إسماعيل، حدّثنا حمّادٌ هو ابن سلمة، عن قتادة، وثابتٍ، وحميدٍ، عن أنس بن مالكٍ رضي اللّه عنه، قال: غلا السّعر على عهد رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا: يا رسول الله قد غلا السّعر، فسعّر لنا، قال صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ اللّه تعالى هو الخالق القابض الباسط الرّازق المسعّر، إنّي لأرجو أن ألقى ربّي وليس أحدٌ منكم يطلبني بمظلمةٍ في دمٍ ولا مالٍ.
ومنها الجواد.
قال الحليميّ: ومعناه الكثير العطايا
[الأسماء والصفات: 1/169]
- حدّثنا أبو الحسن العلويّ، أخبرنا أبو حامدٍ، هو ابن الشّرقيّ حدّثنا أحمد بن حفص بن عبد الله، حدّثني أبي، حدّثني إبراهيم بن طهمان، عن الأعمش، عن موسى بن المسيّب، عن شهر بن حوشبٍ، عن عبد الرّحمن بن غنمٍ، عن أبي ذرٍّ رضي اللّه عنه، عن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: يقول اللّه عزّ وجلّ فذكر الحديث، قال فيه: ولو أنّ أوّلكم وآخركم وحيّكم وميّتكم ورطبكم ويابسكم سألوني حتّى تنتهي مسألة كلّ واحدٍ منهم، فأعطيتهم ما سألوني ما نقص ذلك ممّا عندي كمغرز إبرةٍ لو
[الأسماء والصفات: 1/170]
غمسها أحدكم في البحر، وذلك أنّي جوادٌ ماجدٌ واجدٌ، عطائي كلامٌ وعذابي كلامٌ، إنّما أمري لشيءٍ إذا أردته أن أقول له كن فيكون.
ومنها المنّان.
قال الحليميّ: وهو العظيم المواهب، فإنّه أعطى الحياة والعقل والمنطق وصوّر فأحسن الصّور، وأنعم فأجزل وأسنى النّعم، وأكثر العطايا والمنح قال: وقوله الحقّ: وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها.
قال أبو سليمان: والمنّ والعطاء لمن لا يستثيبه قلت: وقد روّيناه في رواية عبد العزيز بن الحصين، وفي حديث أنس بن مالكٍ رضي اللّه عنه.
ومنها المقيت:
قال اللّه عزّ وجلّ: وكان اللّه على كلّ شيءٍ مقيتًا، وهو في خبر الأسامي
قال الحليميّ: وعندنا أنّه الممدّ، وأصله من القوت الّذي هو مدد البنية، ومعناه أنّه دبّر الحيوانات بأن جبلها على أن يحلّل منها على ممرّ الأوقات شيئًا بعد شيءٍ، ويعوّض ممّا يتحلّل غيره، فهو يمدّها في كلّ وقتٍ بما جعله قوامًا لها إلى أن يريد إبطال شيءٍ منها، فيحبس عنه ما جعله مادّةً لبقائه فيهلك
- أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق، أخبرنا أبو الحسن الطرائفي، حدّثنا عثمان بن سعيد، حدّثنا عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، رضي الله عنهما في قوله: {وكان الله على كل شيء مقيتا} يقول: حفيظا
[الأسماء والصفات: 1/171]
وروي عن ابن عباس أنه قال: {مقيتا} يعني مقتدرا ومنها الرازق قال الله عز وجل: {والله يرزق من يشاء بغير حساب}.
وقال تعالى: {وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم}.
قال الحليمي: ومعناه المفيض على عباده ما لم يجعل لأبدانهم قواما إلا به، والمنعم عليهم بإيصال حاجتهم من ذلك إليهم لئلا ينغص عليهم لذة الحياة بتأخره عنهم، ولا يفقدوها أصلا لفقدهم إياه ومنها الرزاق قال الله تعالى: {إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين}.
ورويناه في خبر الأسامي
- وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو عبد الله محمّد بن عبد الله الزّاهد الأصبهانيّ، حدّثنا أحمد بن مهران الأصبهانيّ، حدّثنا عبيد الله بن موسى، أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الرّحمن بن يزيد، عن عبد الله بن مسعودٍ رضي اللّه عنه، قال: أقرأني رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّي أنا الرّزّاق ذو القوّة المتين.
قال الحليميّ: وهو الرّزّاق رزقًا بعد رزقٍ، والمكثر الموسّع له.
قال أبو سليمان فيما أخبرت عنه: الرّزّاق هو المتكفّل بالرّزق، والقائم على كلّ نفسٍ بما يقيمها من قوتها قال: وكلّ ما وصل منه إليه من مباحٍ وغير مباحٍ فهو رزق الله، على معنى أنّه قد جعله له قوتًا ومعاشًا.
قال اللّه عزّ وجلّ: والنّخل باسقاتٍ لها طلعٌ نضيدٌ رزقًا للعباد وقال: وفي السّماء رزقكم وما توعدون
[الأسماء والصفات: 1/172]
إلا أنّ الشّيء إذا كان مأذونًا له في تناوله فهو حلالٌ حكمًا، وما كان منه غير مأذونٍ له فيه، فهو حرامٌ حكمًا وجميع ذلك رزقٌ على ما بيّنّاه.
ومنها، الجبّار في قول من جعل ذلك من جبر الكسر أي المصلح لأحوال عباده والجابر لها، والمخرج لهم ممّا يسوءهم إلى ما يسرّهم، وممّا يضرّهم إلى ما ينفعهم.
ومنها الكفيل:
قال اللّه عزّ وجلّ: وقد جعلتم اللّه عليكم كفيلا.
وروّيناه في حديث أبي هريرة رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في الرّجل الّذي أسلف قال: كفى باللّه كفيلا.
وروّيناه في خبر عبد العزيز بن الحصين
قال الحليميّ: ومعناه المتقبّل للكفايات، وليس ذلك بعقدٍ وكفالةٍ ككفالة الواحد من النّاس، وإنّما هو على معنى أنّه لمّا خلق المحتاج وألزمه الحاجة، وقدّر له البقاء الّذي لا يكون إلاّ مع إزالة العلّة وإقامة الكفاية، لم يخله من إيصال ما علّق بقاؤه به إليه، وإدراره في الأوقات والأحوال عليه، وقد فعل ذلك ربّنا جلّ ثناؤه، إذ ليس في وسع مرتزقٍ أن يرزق نفسه، وإنّما اللّه جلّ ثناؤه يرزق الجماعة من النّاس والدّوابّ والأجنّة في بطون أمّهاتها، والطّير الّتي تغدو خماصًا، وتروح بطانًا، والهوامّ والحشرات والسّباع في الفلوات.
ومنها: الغياث قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في خبر الاستسقاء: اللّهمّ أغثنا اللّهمّ أغثنا وروّيناه في خبر الأسامي المغيث بدل المقيت في إحدى الرّوايتين
قال الحليميّ: الغياث هو المغيث، وأكثر ما يقال غياث المستغيثين، ومعناه المدرك عباده في الشّدائد إذا دعوه، ومريحهم ومخلّصهم، ومنه المجيب:
قال اللّه عزّ وجلّ: قريبٌ مجيبٌ.
وروّيناه في خبر الأسامي
قال الحليميّ: وأكثر ما يدعى بهذا الاسم مع القريب فيقال: القريب المجيب أو يقال: مجيب الدّعاء، ومجيب دعوة المضطرّين، ومعناه الّذي ينيل سائله ما
[الأسماء والصفات: 1/173]
يريد ولا يقبل على ذلك غيره.
ومنها الوليّ:
قال اللّه عزّ وجلّ: وهو الوليّ الحميد.
وروّيناه في خبر الأسامي
قال الحليميّ: الوليّ هو الوالي، ومعناه مالك التّدبير، ولهذا يقال للقيّم على اليتيم: وليّ اليتيم، وللأمير الوالي.
قال أبو سليمان: والوليّ أيضًا النّاصر ينصر عباده المؤمنين:
قال اللّه عزّ وجلّ: اللّه وليّ الّذين آمنوا يخرجهم من الظّلمات إلى النّور، وقال جلّ وعلا: ذلك بأنّ اللّه مولى الّذين آمنوا وأنّ الكافرين لا مولى لهم المعنى لا ناصر لهم.
ومنها: الوالي وهو في خبر الأسامي.
قال أبو سليمان: الوالي هو المالك للأشياء والمتولّي لها والمتصرّف فيها، يصرّفها كيف يشاء ينفّذ فيها أمره، ويجري عليها حكمه، وقد يكون الوالي بمعنى المنعم عودًا على بدءٍ.
ومنها: المولى:
قال اللّه عزّ وجلّ: واعتصموا باللّه هو مولاكم فنعم المولى ونعم النّصير، وذكرناه في رواية عبد العزيز بن الحصين
- أخبرنا أبو بكرٍ محمّد بن الحسن بن فوركٍ، أخبرنا عبد الله بن جعفرٍ الأصبهانيّ، حدّثنا يونس بن حبيبٍ، حدّثنا أبو داود الطّيالسيّ، حدّثنا زهيرٌ، عن أبي إسحاق، عن البراء رضي اللّه عنه، قال: استعمل رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم على رماة النّاس يوم أحدٍ عبد اللّه
[الأسماء والصفات: 1/174]
بن جبيرٍ وكانوا خمسين رجلا، وقال لهم: كونوا مكانكم لا تبرحوا، وإن رأيتم الطّير تخطفنا، قال البراء رضي اللّه عنه: فأنا واللّه رأيت النّساء بادياتٍ خلاخيلهنّ، قد استرخت ثيابهنّ يصعدن الجبل، يعني حين انهزم الكفّار، قال: فلمّا كان من الأمر ما كان، والنّاس يغيرون مضوا، فقال عبد الله بن جبيرٍ أميرهم: كيف تصنعون بقول رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم؟ فمضوا فكان الّذي كان، فلمّا كان اللّيل جاء أبو سفيان بن حربٍ، فقال: أفيكم محمّدٌ؟ فقال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: لا تجيبوه ثمّ قال: أفيكم محمّدٌ؟ فلم يجيبوه، ثمّ قال: أفيكم محمّدٌ؟ الثّالثة، فلم يجيبوه، فقال: أفيكم ابن أبي قحافة؟ فلم يجيبوه قالها ثلاثًا، ثمّ قال: أفيكم ابن الخطّاب، قالها ثلاثًا فلم يجيبوه فقال: أما هؤلاء فقد كفيتموهم فلم يملك عمر نفسه، فقال: كذبت يا عدوّ الله، ها هو ذا رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم وأبو بكرٍ وأنا أحياء، ولك منّا يوم سوءٍ فقال: يومٌ بيوم بدرٍ، والحرب سجالٌ، وقال: اعل هبل فقال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: أجيبوه قالوا: يا رسول الله وما نقول؟ قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: قولوا: اللّه أعلى وأجلّ فقال: لنا العزّى ولا عزّى لكم، فقال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: أجيبوه فقالوا: يا رسول الله وما نقول؟ قال صلّى اللّه عليه وسلّم: قولوا: اللّه مولانا ولا مولى لكم ثمّ قال أبو سفيان: إنّكم سترون في القوم مثلةً لم آمر بها، ثمّ قال: ولم تسؤني.
أخرجه البخاريّ في "الصّحيح"، عن عمرو بن خالدٍ، عن زهير بن معاوية
قال الحليميّ: في معنى المولى: إنّه المأمول منه النّصر والمعونة، لأنّه هو الملك ولا مفزع للملوك إلاّ مالكه.
ومنها الحافظ.
قال الحليميّ: ومعناه الصّائن عبده عن أسباب الهلكة في أمور دينه ودنياه قال: وجاء في القرآن:
[الأسماء والصفات: 1/175]
فاللّه خيرٌ حافظًا، وقد قرئ: خيرٌ حفظًا وجاء بما حفظ اللّه ومن حفظ فهو حافظٌ وقال جلّ وعلا: إنّا نحن نزّلنا الذّكر وإنّا له لحافظون
- أخبرنا يحيى بن إبراهيم بن محمّد بن يحيى، أخبرنا عبد الله بن إسحاق أبو محمّدٍ، حدّثنا عبد الرّحمن بن محمّد بن منصورٍ أبو سعيدٍ، حدّثنا يحيى بن سعيدٍ القطّان، عن عبيد الله بن عمر، حدّثني سعيد بن أبي سعيدٍ، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: إذا أوى أحدكم إلى فراشه، فلينزع داخلة إزاره فلينفض بها فراشه، ثمّ ليتوسّد يمينه ويقول: باسمك ربّي وضعت جنبي وبك أرفعه، اللّهمّ إن أمسكتها
[الأسماء والصفات: 1/176]
فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصّالحين.
أخرجه البخاريّ في "الصّحيح" من حديث مالكٍ، عن سعيدٍ، ثمّ قال: وتابعه يحيى.
ومنها الحفيظ:
قال اللّه عزّ وجلّ: وربّك على كلّ شيءٍ حفيظٌ.
وروّيناه في خبر الأسامي
قال الحليميّ: ومعناه الموثوق منه بترك التّضييع.
وقال أبو سليمان فيما أخبرت عنه: الحفيظ هو الحافظ، فعيلٌ بمعنى فاعلٍ كالقدير، والعليم يحفظ السّماوات والأرض وما فيهما لتبقى مدّة بقائها، فلا تزول ولا تدثر.
قال اللّه عزّ وجلّ: ولا يئوده حفظهما، وقال جلّ وعلا: وحفظًا من كلّ شيطانٍ ماردٍ أي حفظناها حفظًا، وهو الّذي يحفظ عباده من المهالك والمعاطب، ويقيهم مصارع الشّرّ، وقال اللّه عزّ وجلّ: له معقّباتٌ من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله أي بأمره، ويحفظ على الخلق أعمالهم، ويحصي عليهم أقوالهم، ويعلم نيّاتهم وما تكنّ صدورهم، فلا تغيب عنه غائبةٌ، ولا تخفى عليه خافيةٌ، ويحفظ أولياءه، فيعصمهم عن مواقعة الذّنوب، ويحرسهم من مكائد الشّيطان، ليسلموا من شرّه وفتنته.
ومنها النّاصر:
قال اللّه عزّ وجلّ: إن ينصركم اللّه فلا غالب لكم.
قال الحليميّ وهو الميسّر للغلبة.
ومنها النّصير:
قال اللّه عزّ وجلّ: فنعم المولى ونعم النّصير، وهو في خبر الأسامي رواية عبد العزيز بن الحصين
[الأسماء والصفات: 1/177]
- أخبرنا محمّد بن عبد الرّحمن بن محمّد بن محبورٍ الدّهّان، حدّثنا أبو حامد بن بلالٍ البزّاز، حدّثنا أبو الأزهر حدّثنا أبو قتيبة، حدّثنا المثنّى (ح) وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو سعيد بن أبي عمرٍو، قالا: حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، حدّثنا محمّد بن عليٍّ الورّاق، حدّثنا عمرو بن العبّاس، حدّثنا عبد الرّحمن بن المهديّ، حدّثنا المثنّى بن سعيدٍ، عن قتادة، عن أنس بن مالكٍ رضي اللّه عنه، قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: إذا رقد أحدكم عن الصّلاة أو غفل عنها، فليصلّها إذا ذكرها، فإنّ اللّه تعالى، يقول: أقم الصّلاة لذكري.
وكان صلّى اللّه عليه وسلّم إذا غزا قال: اللّهمّ أنت عضدي وأنت نصيري وبك أقاتل لفظ حديث عبد الرّحمن وفي رواية أبي قتيبة، قال: فكان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إذا غزا قال: أنت عضدي وأنت ناصري وبك أقاتل
[الأسماء والصفات: 1/178]
قال الحليميّ في معنى النّصير: إنّه الموثوق منه بأن لا يسلّم وليّه ولا يخذله.
ومنها الشّاكر والشّكور:
قال اللّه عزّ وجلّ: وكان اللّه شاكرًا عليمًا، وقال: إنّ ربّنا لغفورٌ شكورٌ، وروّينا لفظ الشّاكر في حديث عبد العزيز بن الحصين، وروّينا لفظ الشّكور في رواية الوليد بن مسلمٍ.
قال الحليميّ: الشّاكر معناه المادح لمن يطيعه، والمثني عليه والمثيب له بطاعته فضلا من نعمته، قال: والشّكور هو الّذي يدوم شكره، ويعمّ كلّ مطيعٍ وكلّ صغيرٍ من الطّاعة أو كبيرٍ، وذكره أبو سليمان فيما أخبرت عنه بمعناه فقال: الشّكور هو الّذي يشكر اليسير من الطّاعة، فيثيب عليه الكثير من الثّواب، ويعطي الجزيل من النّعمة، فيرضى باليسير من الشّكر، قال: وقد يحتمل أن يكون معنى الثّناء على الله عزّ وجلّ بالشّكور ترغيب الخلق في الطّاعة، قلّت: أو كثرت لئلا يستقلّوا القليل من العمل فلا يتركوا اليسير من جملته إذا أعوزهم الكثير منه).؟؟؟


رد مع اقتباس
  #19  
قديم 10 ربيع الثاني 1435هـ/10-02-2014م, 11:00 PM
أم القاسم أم القاسم غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,449
افتراضي

تابع : باب جماع أبواب ذكر الأسماء التي تتبع إثبات التدبير له دون ما سواه

قال أبو بكرٍ أحمدُ بنُ الحسينِ البيهقيُّ (ت: 458هـ) : (
باب جماع أبواب ذكر الأسماء التي تتبع إثبات التدبير له دون ما سواه
ومنها البرّ:
قال اللّه عزّ وجلّ: إنّه هو البرّ الرّحيم.
وروّيناه في خبر الأسامي
قال الحليميّ: ومعناه الرّفيق بعباده يريد بهم اليسر ولا يريد بهم العسر، ويعفو عن كثيرٍ من سيّئاتهم، ولا يؤاخذهم بجميع جناياتهم، ويجزيهم بالحسنة عشر أمثالها، ولا يجزيهم بالسّيّئة إلاّ مثلها، ويكتب لهم الهمّ بالحسنة، ولا يكتب عليهم الهمّ بالسّيّئة، والولد البرّ بأبيه هو الرّفيق به المتحرّي لمحابّه المتوقّي لمكارهه.
قال أبو سليمان: البرّ هو العطوف على عباده المحسن إليهم، عمّ برّه جميع خلقه، فلم يبخل عليهم برزقه، وهو البرّ بأوليائه إذ خصّهم بولايته واصطفاهم لعبادته، وهو البرّ بالمحسن في مضاعفة الثّواب له، والبرّ بالمسيء في الصّفح والتّجاوز عنه
[الأسماء والصفات: 1/179]
- أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق، أخبرنا أبو الحسن الطرائفي، حدّثنا عثمان بن سعيد، حدثنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، رضي الله عنهما في قوله} {هو البر} يقول: اللطيف
- حدّثنا أبو الحسن محمّد بن الحسين بن داود العلويّ، ببغداد إملاءً، أخبرنا أبو القاسم عبيد الله بن إبراهيم بن بالويه المزكّي (ح) وأخبرنا أبو طاهرٍ الفقيه، أخبرنا أبو بكرٍ محمّد بن الحسين القطّان، حدّثنا أحمد بن يوسف السّلميّ، حدّثنا عبد الرّزّاق، أخبرنا معمرٌ، عن همّام بن منبّهٍ، قال: هذا ما حدّثنا أبو هريرة رضي اللّه عنه، قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: قال اللّه عزّ وجلّ: إذا تحدّث عبدي بأن يعمل حسنةً، فأنا أكتبها له حسنةً ما لم يعملها، فإذا عملها فأكتبها له بعشر أمثالها، وإذا تحدّث بأن يعمل سيّئةً، فأنا أغفرها ما لم يعملها، فإذا عملها فأنا أكتبها له بمثلها.
رواه مسلمٌ في "الصّحيح"، عن محمّد بن رافعٍ، عن عبد الرّزّاق
[الأسماء والصفات: 1/180]
- وأخبرنا أبو طاهرٍ الفقيه، أخبرنا أبو بكرٍ القطّان، حدّثنا أحمد بن يوسف، حدّثنا عبد الرّزّاق، أخبرنا معمرٌ، عن همّام بن منبّهٍ، قال: هذا ما حدّثنا أبو هريرة رضي اللّه عنه، قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: إذا أحسن أحدكم إسلامه فكلّ حسنةٍ يعملها تكتب له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعفٍ، وكلّ سيّئةٍ يعملها تكتب له بمثلها، حتّى يلقى اللّه عزّ وجلّ
قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: قالت الملائكة: يا ربّ ذاك عبدك يريد أن يعمل السّيّئة وهو أبصر به، فقال: ارقبوه فإن عملها فاكتبوها له بمثلها، وإن تركها فاكتبوها له حسنةً، إنّه تركها من جرّائي.
رواه مسلمٌ في "الصّحيح"، عن محمّد بن رافعٍ، عن عبد الرّزّاق
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدّثني أبو جعفرٍ، محمّد بن صالح بن
[الأسماء والصفات: 1/181]
هانئٍ، حدّثنا يحيى بن محمّد بن يحيى الشّهيد، حدّثنا يحيى بن يحيى، أخبرنا جعفر بن سليمان (ح) وأخبرنا أبو صالح بن أبي طاهرٍ العنبريّ، أخبرنا جدّي، يحيى بن منصورٍ القاضي، حدّثنا أحمد بن سلمة، حدّثنا قتيبة بن سعيدٍ، حدّثنا جعفر بن سليمان الضّبعيّ، عن الجعد أبي عثمان، عن أبي رجاءٍ العطارديّ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، عن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم فيما يروي عن ربّه عزّ وجلّ: إنّ ربّكم رحيمٌ، من همّ بحسنةٍ فلم يعملها، كتبت له حسنةٌ، وإن عملها كتبت عشر أمثالها إلى سبعمائةٍ إلى أضعافٍ كثيرةٍ، ومن همّ بسيّئةٍ فلم يعملها، كتبت له حسنةٌ، فإن عملها كتبت له واحدةٌ أو محاها اللّه عزّ وجلّ، ولا يهلك على الله إلاّ هالكٌ.
رواه مسلمٌ في "الصّحيح"، عن يحيى بن يحيى
قال الحليميّ وقد قيل: إنّ البرّ في صفات الله تعالى هو الصّادق من برّ في يمينه وأبرّها إذا صدق فيها، أو صدّقها.
ومنها فالق الحبّ والنّوى:
قال اللّه عزّ وجلّ: إنّ اللّه فالق الحبّ والنّوى.
قال الحليميّ: يصونهما في الأرض عن العفن والفساد، ويهيّئهما للنّشوء والنّموّ، ثمّ يشقّهما للإنبات، ويخرج من الحبّ الزّرع، ومن النّوى الشّجر لا يقدر على ذلك غيره، وقد روّينا هذا الاسم في حديث سهيل بن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
[الأسماء والصفات: 1/182]
ومنه المتكبّر:
قال اللّه جلّ ثناؤه: العزيز الجبّار المتكبّر.
وروّيناه في خبر الأسامي وغيره.
قال الحليميّ: وهو المكلّم عباده وحيًا وعلى ألسنة الرّسل يعني في الدّنيا،:
قال اللّه تعالى: وما كان لبشرٍ أن يكلّمه اللّه إلاّ وحيًا أو من وراء حجابٍ أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء.
وقال أبو سليمان فيما أخبرت عنه: المتكبّر هو المتعالي عن صفات الخلق ويقال: هو الّذي يتكبّر على عتاة خلقه إذا نازعوه العظمة، فيقصمهم والتّاء في المتكبّر تاء التّفرّد والتّخصيص بالكبر لا تاء التّعاطي والتّكلّف، والكبر لا يليق بأحدٍ من المخلوقين وإنّما سمة العبيد الخشوع والتّذلّل وقد روي: الكبرياء رداء الله تعالى، فمن نازعه رداءه قصمه وقيل: إنّ المتكبّر من الكبرياء الّذي هو عظمة الله تعالى لا من الكبر الّذي هو مذمومٌ عند الخلق
- أخبرنا أبو أحمد عبد الله بن محمّد بن الحسن المهرجانيّ، حدّثنا أبو عبد الله محمّد بن يعقوب الحافظ، حدّثنا يحيى بن محمّد بن يحيى، حدّثنا سهل بن بكّارٍ، حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن قتادة، وعليّ بن زيدٍ، عن سعيد بن المسيّب، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فيما يحكي عن ربّه عزّ وجلّ قال: الكبرياء ردائي، فمن
[الأسماء والصفات: 1/183]
نازعني ردائي قصمته قوله: الكبرياء ردائي يريد صفتي يقال: فلانٌ شعاره الزّهد، ورداؤه الورع، أي نعته وصفته.
ومنها الرّبّ:
قال اللّه عزّ وجلّ: الحمد للّه ربّ العالمين
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو الحسن بن منصورٍ، حدّثنا هارون بن يوسف، حدّثنا ابن أبي عمر، حدّثنا عبد العزيز الدّراورديّ (ح) وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدّثنا أبو منصورٍ محمّد بن القاسم العتكيّ، حدّثنا إسماعيل بن قتيبة، حدّثنا أحمد بن حنبلٍ، حدّثنا محمّد بن إدريس الشّافعيّ المطّلبيّ رضي اللّه عنه، حدّثنا عبد العزيز الدّراورديّ، عن ابن الهاد، عن محمّد بن إبراهيم، عن عامر بن سعدٍ، عن العبّاس بن عبد المطّلب رضي اللّه عنه، أنّه سمع رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: ذاق طعم الإيمان من رضي باللّه ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم نبيًّا.
رواه مسلمٌ في "الصّحيح"، عن ابن أبي عمر وغيره
قال الحليميّ في معنى الرّبّ: هو المبلّغ كلّ ما أبدع حدّ كماله الّذي قدّره له، فهو يسلّ النّطفة من الصّلب، ثمّ يجعلها علقةً، ثمّ العلقة مضغةً، ثمّ يخلق المضغة عظامًا، ثمّ يكسو العظام لحمًا، ثمّ يخلق في البدن الرّوح ويخرجه خلقًا آخر، وهو صغيرٌ ضعيفٌ، فلا يزال ينمّيه وينشيه حتّى يجعله رجلا، ويكون في بدء أمره شابًّا، ثمّ يجعله كهلا، ثمّ
[الأسماء والصفات: 1/184]
شيخًا وهكذا كلّ شيءٍ خلقه، فهو القائم عليه والمبلّغ إيّاه الحدّ الّذي وضعه له، وجعله نهايةً ومقدارًا له.
وقال أبو سليمان فيما أخبرت عنه: قد روي عن غير واحدٍ من أهل التّفسير في قوله جلّ وعلا: الحمد للّه ربّ العالمين إنّ معنى الرّبّ السّيّد، وهذا يستقيم إذا جعلنا العالمين معناه المميّزين دون الجماد، لا يصحّ أن يقال سيّد الشّجر والجبال ونحوها كما يقال سيّد النّاس ومن هذا قوله: ارجع إلى ربّك فاسأله ما بال النّسوة اللّاتي قطّعن أيديهنّ أي إلى سيّدك، وقيل: إنّ الرّبّ المالك، وعلى هذا تستقيم الإضافة إلى العموم، وذهب كثيرٌ منهم إلى أنّ اسم العالم يقع على جميع المكوّنات، واحتجّوا بقوله سبحانه وتعالى: قال فرعون وما ربّ العالمين قال ربّ السّماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين.
[الأسماء والصفات: 1/185]
ومنها المبدئ المعيد وقد روّيناهما في خبر الأسامي.
قال أبو سليمان، المبدئ الّذي أبدأ الإنسان أي ابتدأه مخترعًا، فأوجده عن عدمٍ يقال: بدأ وأبدأ وابتدأ بمعنًى واحدٍ، والمعيد الّذي يعيد الخلق بعد الحياة إلى الممات، ثمّ يعيدها بعد الموت إلى الحياة كقوله عزّ وجلّ: وكنتم أمواتًا فأحياكم ثمّ يميتكم ثمّ يحييكم ثمّ إليه ترجعون، وكقوله جلّ وعلا: هو يبدئ ويعيد.
ومنها المحيي المميت وقد روّيناهما في خبر الأسامي
قال الحليميّ في معنى المحيي: إنّه جاعل الخلق حيًّا بإحداث الحياة فيه، وقال في معنى المميت: أنّه جاعل الخلق ميّتًا بسلب الحياة وإحداث الموت فيه، وفي القرآن: قل اللّه يحييكم ثمّ يميتكم، وقال تعالى: كيف تكفرون باللّه وكنتم أمواتًا فأحياكم ثمّ يميتكم ثمّ يحييكم ثمّ إليه ترجعون، وقال جلّ وعلا: أومن كان ميتًا فأحييناه.
قال أبو سليمان فيما أخبرت عنه في معنى المحيي: هو الّذي يحيي النّطفة الميتة، فيخرج منها النّسمة الحياة، ويحيي الأجسام البالية بإعادة الأرواح إليها عند البعث، ويحيي القلوب بنور المعرفة، ويحيي الأرض بعد موتها بإنزال الغيث وإنبات الرّزق، وقال في معنى المميت: هو الّذي يميت الأحياء، ويوهن بالموت قوّة الأصحّاء الأقوياء: يحيي ويميت وهو على كلّ شيءٍ قديرٌ تمدّح سبحانه بالإماتة كما تمدّح بالإحياء ليعلم أنّ مصدر الخير والشّرّ والنّفع والضّرّ من قبله، وأنّه لا شريك له في الملك، استأثر بالبقاء، وكتب على خلقه الفناء
- أخبرنا محمّد بن عبد الله الحافظ، أنبأنا أحمد بن جعفرٍ، حدّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبلٍ، حدّثني أبي، حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، حدّثنا شعبة، حدّثنا عن خالدٍ الحذّاء، قال:
[الأسماء والصفات: 1/186]
سمعت عبد الله بن الحرث، يحدّث، عن عبد الله بن عمر رضي اللّه عنهما، أنّه أمر رجلا إذا أخذ مضجعه قال: اللّهمّ أنت خلقت نفسي وأنت توفّاها، لك محياها ومماتها إن أحييتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصّالحين، وإن أمتّها فاغفر لها، اللّهمّ إنّي أسألك العافية فقال له رجلٌ: أسمعت هذا من عمر رضي اللّه عنه؟ قال: من خيرٍ من عمر رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم.
رواه مسلمٌ في "الصّحيح"، عن أبي بكر بن نافعٍ وغيره وغيره، عن محمّد بن جعفرٍ
- حدّثنا أبو بكرٍ محمّد بن الحسن بن فوركٍ، أخبرنا عبد الله بن جعفرٍ الأصبهانيّ، حدّثنا يونس بن حبيبٍ، حدّثنا أبو داود الطّيالسيّ، حدّثنا وهيب بن خالدٍ، حدّثنا جعفر بن محمّد بن عليّ بن حسين بن عليّ بن أبي طالبٍ، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله، رضي اللّه عنهم في قصّة حجّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، قال فيه: فرقي على الصّفا حتّى بدا له البيت، وكبّر ثلاثًا وقال: لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت بيده الخير وهو على كلّ شيءٍ قديرٌ وكذلك.
رواه حاتم بن إسماعيل، عن جعفر
[الأسماء والصفات: 1/187]
بن محمّدٍ في إحدى الرّوايتين عنه وذكر فيه فيه يحيي ويميت.
ومنها الضّارّ النّافع.
قال الحليميّ في معنى الضّارّ: إنّه النّاقص عبده ممّا جعل له إليه الحاجة، وقال في معنى النّافع: إنّه السّادّ للخلّة أو الزّائد على ما إليه الحاجة، وقد يجوز أن يدعى اللّه جلّ ثناؤه باسم النّافع وحده، ولا يجوز أن يدعى بالضّارّ وحده حتّى يجمع بين الاسمين كما قلت في الباسط والقابض، وهذان الاسمان قد ذكرناهما في خبر الأسامي.
قال أبو سليمان: وفي اجتماع هذين الاسمين وصفٌ للّه تعالى بالقدرة على نفع من يشاء، وضرّ من يشاء، وذلك أنّ من لم يكن على النّفع والضّرّ قادرٌ لم يكن مرجوًّا ولا مخوفًا
- أخبرنا أبو محمّدٍ عبد الله بن يحيى بن عبد الجبّار السّكّريّ، ببغداد، أخبرنا إسماعيل بن محمّدٍ الصّفّار، حدّثنا عبّاس بن عبد الله التّرقفيّ، حدّثنا أبو عبد الرّحمن المقرئ، حدّثنا نافع بن يزيد، وابن لهيعة، وكهمس بن الحسن، وهمّامٌ، عن قيس بن الحجّاج، عن حنشٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، قال: كنت رديف رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال لي رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: يا غلام، أو يا بنيّ، ألا أعلّمك كلماتٍ ينفعك اللّه بهنّ، قلت: بلى.
[الأسماء والصفات: 1/188]
قال: احفظ اللّه يحفظك، احفظ اللّه تجده أمامك، تعرّف إلى الله في الرّخاء يعرفك في الشّدّة، إذا سألت فاسأل اللّه تعالى، وإذا استعنت فاستعن باللّه عزّ وجلّ، قد جفّ القلم بما هو كائنٌ، فلو أنّ الخلق كلّهم جميعًا أرادوا أن ينفعوك بشيءٍ لم يقضه اللّه لك لن يقدروا عليه، وإن أرادوا أن يضرّوك بشيءٍ لم يقضه اللّه عليك لم يقدروا عليه، واعمل للّه بالشّكر في اليقين، واعلم أنّ الصّبر على ما تكره خيرٌ كثيرٌ، وأنّ النّصر مع الصّبر، وأنّ الفرج مع الكرب، وأنّ مع العسر يسرًا
[الأسماء والصفات: 1/189]
ومنها الوهّاب:
قال اللّه عزّ وجلّ فيما يقوله الرّاسخون في العلم: وهب لنا من لدنك رحمةً إنّك أنت الوهّاب، وقال جلّ وعلا: العزيز الوهّاب.
وروّيناه في خبر الأسامي
- وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أنا عبد الله بن جعفر بن درستويه، حدّثنا يعقوب بن سفيان، حدّثنا أبو عبد الرّحمن المقرئ، حدّثنا سعيد بن أبي أيّوب، عن عبد الله بن الوليد، عن سعيد بن المسيّب، عن عائشة رضي اللّه عنها، قالت: إنّ رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا استيقظ من اللّيل قال: لا إله إلاّ أنت سبحانك اللّهمّ إنّي أستغفرك لذنبي، وأسألك برحمتك، اللّهمّ زدني علمًا، ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، وهب لي من لدنك رحمةً إنّك أنت الوهّاب
[الأسماء والصفات: 1/190]
قال الحليميّ في معنى الوهّاب: إنّه المتفضّل بالعطايا المنعم بها لا عن استحقاقٍ عليه.
وقال أبو سليمان: لا يستحقّ أن يسمّى وهّابًا إلاّ من تصرّفت مواهبه في أنواع العطايا، فكثرت نوافله ودامت، والمخلوقون إنّما يملكون أن يهبوا مالا ونوالا في حالٍ دون حالٍ، ولا يملكون أن يهبوا شفاءً لسقيمٍ، ولا ولدٍ لعقيمٍ، ولا هدًى لضالٍّ، ولا عافيةً لذي بلاءٍ، واللّه الوهّاب سبحانه يملك جميع ذلك، وسع الخلق جوده ورحمته، فدامت مواهبه واتّصلت مننه وعوائده.
ومنها المعطي والمانع
- أخبرنا أبو عبد الله محمّد بن عبد الله الحافظ وأبو صادقٍ محمّد بن أحمد العطّار، حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، حدّثنا الحسن بن عليّ بن عفّان، حدّثنا أسباط بن محمّدٍ، عن عبد الملك بن عميرٍ، عن ورّادٍ، عن المغيرة بن شعبة رضي اللّه عنه، قال: إنّ رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول في دبر صلاته: لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له.
[الأسماء والصفات: 1/191]
له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيءٍ قديرٌ، اللّهمّ لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ.
أخرجاه في "الصّحيح" من حديث عبد الملك بن عميرٍ وغيره.
قال الحليميّ: فالمعطي هو الممكّن من نعمه، والمانع هو الحائل دون نعمه، قال: ولا يدعى اللّه عزّ جلّ باسم المانع حتّى يقال معه المعطي كما قلت في الضّارّ والنّافع.
قال أبو سليمان: فهو يملك المنع والعطاء، وليس منعه بخلا منه، لكنّ منعه حكمةٌ وعطاؤه جودٌ ورحمةٌ، وقيل: المانع هو النّاصر أي الّذي يمنع أولياءه أي يحوطهم وينصرهم على عدوّهم، ويقال: فلان في منعة قومه أي في جماعةٍ تمنعه وتحوطه، قلت وعلى هذا المعنى يجوز أن يدعى به دون اسم المعطي، وقد ذكرنا في خبر الأسامي المانع دون اسم المعطي، وبعضهم قال: الدّافع بدل المانع، وذلك يؤكّد هذا المعنى في المانع، واللّه أعلم.
ومنها الخافض والرّافع وهذان الاسمان قد ذكرناهما في خبر الأسامي
قال الحليميّ: ولا ينبغي أن يفرد الخافض عن الرّافع في الدّعاء، فالخافض هو الواضع من الأقدار، والرّافع المعلي للأقدار
[الأسماء والصفات: 1/192]
- أخبرنا أبو إسحاق سهل بن أبي سهلٍ المهرانيّ، حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن إسحاق الصّبعيّ، حدّثنا أحمد بن عثمان النّسويّ، حدّثنا هشامٌ، هو ابن عمّارٍ، حدّثنا الوزير بن صبيحٍ، حدّثنا يونس بن ميسرة بن حلبسٍ، عن أمّ الدّرداء، عن أبي الدّرداء رضي اللّه عنهما، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في قوله تبارك وتعالى: كلّ يومٍ هو في شأنٍ
[الأسماء والصفات: 1/193]
قال: من شأنه أن يغفر ذنبًا، ويفرّج كربًا، ويرفع قومًا، ويضع آخرين.
ومنها الرّقيب:
قال اللّه عزّ وجلّ: إنّ اللّه كان عليكم رقيبًا.
وروّيناه في خبر الأسامي
قال الحليميّ: وهو الّذي لا يغفل عمّا خلق، فيلحقه نقصٌ أو يدخل عليه خللٌ من قبل غفلته عنه، وقال الزّجاج: الرّقيب الحافظ الّذي لا يغيب عنه شيءٌ، ومنه قول الله سبحانه وتعالى: ما يلفظ من قولٍ إلاّ لديه رقيبٌ عتيدٌ.
ومنها التّوّاب:
قال اللّه عزّ وجلّ: إنّ اللّه هو التّوّاب الرّحيم.
وروّيناه في خبر الأسامي
- وأخبرنا محمّد بن عبد الله الحافظ، حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، حدّثنا جعفر بن محمّد بن شاكرٍ، حدّثنا محمّد بن سابقٍ، حدّثنا مالك بن مغولٍ، قال: سمعت
[الأسماء والصفات: 1/194]
محمّد بن سوقة، يذكر عن نافعٍ، عن ابن عمر، رضي اللّه عنهما، قال: إنّا كنّا لنعدّ لرسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم في مجلسٍ يقول: ربّ اغفر لي وتب عليّ إنّك أنت التّوّاب الرّحيم مائة مرّةٍ
قال الحليميّ: وهو المعيد إلى عبده فضل رحمته إذا هو رجع إلى طاعته، وندم على معصيته، فلا يحبط ما قدّم من خيرٍ، ولا يمنعه ما وعد المطيعين من إحسانٍ.
قال أبو سليمان: التّوّاب هو الّذي يتوب على عباده، فيقبل توبتهم كلّما تكرّرت التّوبة تكرّر القبول، وهو يكون لازمًا ويكون متعدّيًا بحرفٍ يقال: تاب اللّه على العبد بمعنى وفّقه للتّوبة، فتاب العبد كقوله: ثمّ تاب عليهم ليتوبوا، ومعنى التّوبة عود العبد إلى الطّاعة بعد المعصية.
ومنها الدّيّان:
قال الحليميّ: أخذ من مالك يوم الدّين، وهو الحاسب والمجازي، ولا يضيّع عملا، ولكنّه يجزي بالخير خيرًا وبالشّرّ شرًّا
[الأسماء والصفات: 1/195]
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو العبّاس محمّد بن أحمد المحبوبي، بمرو، حدّثنا سعيد بن مسعودٍ، حدّثنا يزيد بن هارون، أخبرنا همّام بن يحيى، عن القاسم بن عبد الواحد، عن عبد الله بن محمّد بن عقيلٍ، عن جابر بن عبد الله، رضي اللّه عنهما، قال: بلغني حديثٌ عن رجلٍ من أصحاب رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم، سمعه من رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم في القصاص لم أسمعه، فابتعت بعيرًا، فشددت عليه رحلي، ثمّ سرت إليه شهرًا حتّى قدمت مصر، فأتيت عبد الله بن أنيسٍ، فقلت للبوّاب قل له: جابرٌ على الباب فقال: ابن عبد الله؟ قلت: نعم، فأتاه فأخبره، فقام يطأ ثوبه حتّى خرج إليّ، فاعتنقني واعتنقته، فقلت له: حديثٌ بلغني عنك سمعته من رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم ولم أسمعه في القصاص، فخشيت أن أموت أو تموت قبل أن أسمعه، فقال عبد الله رضي اللّه عنه: سمعت رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: يحشر اللّه تعالى العباد، أو قال النّاس، عراةً بهمًا قال: قلنا ما بهمًا؟، قال: ليس معهم شيءٌ، ثمّ يناديهم، فذكر كلمةً أراد بها نداءً يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أنا الملك، أخبرنا الدّيّان لا ينبغي لأحدٍ من أهل الجنّة أن يدخل
[الأسماء والصفات: 1/196]
الجنّة، ولا ينبغي لأحدٍ من أهل النّار أن يدخل النّار وعنده مظلمةٌ حتّى أقصّه منه حتّى اللّطمة وقال: قلنا: كيف وإنّما نأتي اللّه تعالى غرلا بهمًا؟ قال: بالحسنات والسّيّئات، قال: وتلا رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: اليوم تجزى كلّ نفسٍ بما كسبت لا ظلم اليوم
- أخبرنا أبو الحسين بن بشران، ببغداد، أخبرنا إسماعيل بن محمّدٍ الصّفّار، حدّثنا أحمد بن منصورٍ الرّماديّ، حدّثنا عبد الرّزّاق، أخبرنا معمرٌ، عن أيّوب، عن أبي قلابة رضي اللّه عنه قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: البرّ لا يبلى، والإثم لا ينسى، والدّيّان لا يموت، فكن كما شئت كما تدين تدان هذا مرسلٌ.
ومنها الوفيّ.
قال الحليميّ أي الموفّي من قوله عزّ وجلّ: فيوفّيهم أجورهم.
وقوله: أوف بعهدكم، ومعناه لا يعجزه جزاء المحسنين، ولا يمنعه مانعٌ من بلوغ تمامه، ولا تلجئه ضرورةٌ إلى النّقص من مقداره
[الأسماء والصفات: 1/197]
ومنها الودود:
قال اللّه عزّ وجلّ: {وهو الغفور الودود}.
وروّيناه في حديث ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في الدّعاء بعد ركعتي الفجر: إنّك رحيمٌ ودودٌ.
قال الحليميّ: قد قيل: هو الوادّ لأهل طاعته أي الرّاضي عنهم بأعمالهم، والمحسن إليهم لأجلها، والمادح لهم بها.
قال أبو سليمان: وقد يكون معناه أن يودّدهم إلى خلقه كقوله تعالى: إنّ الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات سيجعل لهم الرّحمن ودًّا
قال الحليميّ: وقد قيل: هو المودود لكثرة إحسانه أي المستحقّ، لأن يودّ فيعبد ويحمد.
قال أبو سليمان: فهو فعولٌ في محلّ مفعولٍ، كما قيل رجلٌ هيوبٌ بمعنى مهيبٍ، وفرسٌ ركوبٌ بمعنى مركوبٍ
- أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق، أخبرنا أبو الحسن الطرائفي، حدّثنا عثمان الدارمي، حدّثنا عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، رضي الله عنهما قوله: {الودود}، يقول: الرحيم وقال في موضع آخر من التفسير: الودود الحبيب ومنها العدل وهو في خبر الأسامي مذكور.
قال الحليمي ومعناه لا يحكم إلا بالحق، ولا يقول إلا الحق ولا يفعل إلا الحق ومنها الحكم وهو في خبر الأسامي مذكور، وفي كتاب الله عز وجل: {حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين}
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدّثنا جعفر بن محمّد بن نصيرٍ الخلديّ، حدّثنا
[الأسماء والصفات: 1/198]
عليّ بن عبد العزيز، حدّثنا أبو نعيمٍ، حدّثنا يزيد بن المقدام بن شريحٍ، عن أبيه، عن شريح بن هانئٍ، قال: حدّثني أبي هانئ بن يزيد: أنّه وفد إلى رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم، فسمعه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يكنّونه بأبي الحكم فقال: إنّ اللّه تعالى هو الحكم لم تكنّى بأبي الحكم؟ قال: إنّ قومي إذا اختلفوا حكمت بينهم فرضي الفريقان، قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: هل لك ولدٌ؟ قال: شريحٌ وعبد الله ومسلمٌ بنو هانئٍ، قال: فمن أكبرهم؟ قال: شريحٌ، قال: أنت أبو شريحٍ فدعا له ولولده
قال الحليميّ: وهو الّذي إليه الحكم، وأصل الحكم منع الفساد، وشرائع الله تعالى كلّها استصلاحٌ للعباد.
قال أبو سليمان: وقيل للحاكم حاكمٌ لمنعه النّاس عن التّظالم وردعه إيّاهم، يقال: حكمت الرّجل عن الفساد إذا منعته منه، وكذلك أحكمت بالألف، ومن هذا قيل: حكمة اللّجام، وذلك لمنعها الدّابّة من التّمرّد والذّهاب في غير جهة القصد.
[الأسماء والصفات: 1/199]
ومنها المقسط:
وهو في خبر الأسامي مذكورٌ
قال الحليميّ: وهو المنيل عباده القسط من نفسه وهو العدل، وقد يكون الجاعل لكلٍّ منهم قسطًا من خيره
- أخبرنا أبو الحسين محمد بن الحسين بن محمد بن الفضل القطان ببغداد، أخبرنا عبد الله بن جعفر بن درستويه، حدّثنا يعقوب بن سفيان، حدّثنا أبو اليمان، قال: أخبرني شعيب، عن الزهري، قال يعقوب: وحدثنا حجاج، هو ابن أبي منيع، حدّثنا جدي، عن الزهري، حدثني أبو إدريس، عائذ الله بن عبد الله الخولاني أنه أخبره يزيد بن عميرة، صاحب معاذ أن معاذا، رضي الله عنه كان يقول كلما جلس للذكر: الله حكم عدل، وقال أبو اليمان في رواية: الله حكم قسط تبارك اسمه هلك المرتابون وذكر الحديث
ومنها الصادق وهو في خبر عبد العزيز بن الحصين مذكور وفي كتاب الله عز وجل: {ومن أصدق من الله قيلا}.
وقوله: {الحمد لله الذي صدقنا وعده}.
قال الحليمي: خاطب الله تعالى عباده وأخبرهم بما يرضيه عنهم ويسخطه عليهم وبما لهم من الثواب عنده إذا أرضوه والعقاب لديه إذا أسخطوه فصدقهم ولم يعزرهم ولم يلبس عليهم.
[الأسماء والصفات: 1/200]
ومنها النور قال الله عز وجل: {الله نور السماوات والأرض}.
ورويناه في خبر الأسامي وغيره.
قال الحليمي: وهو الهادي لا يعلم العباد إلا ما علمهم ولا يدركون إلا ما يسر لهم إدراكه، فالحواس والعقل فطرته وخلقه وعطيته
- أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق، أخبرنا أبو الحسن الطرائفي، حدّثنا عثمان الدارمي، حدّثنا عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، رضي الله عنهما قوله: {الله نور السماوات والأرض} يقول: الله سبحانه وتعالى هادي أهل السماوات والأرض مثل نوره مثل هداه في قلب المؤمن كما يكاد الزيت الصافي يضيء قبل أن تمسه النار، فإذا مسته النار ازداد ضوءا على ضوء كذلك يكون قلب المؤمن يعمل الهدى قبل أن يأتيه العلم فإذا أتاه العلم ازداد هدى على هدى ونورا على نور وقال أبو سليمان فيما أخبرت عنه: ولا يجوز أن يتوهم أن الله سبحانه وتعالى نور من الأنوار فإن النور تضاده الظلمة وتعاقبه فتزيله، وتعالى الله أن يكون له ضد أو ند ومنها الرشيد.
قال الحليمي: وهو المرشد وهذا مما يؤثر عن النبي صلى الله عليه وسلم يعني في خبر الأسامي ومعناه الدال على المصالح والداعي إليها، وهذا من قوله عز وجل.
[الأسماء والصفات: 1/201]
: {وهيئ لنا من أمرنا رشدا} فإن مهيئ الرشد مرشد.
وقال تعالى: {ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا} فكان ذلك دليلا على أن من هداه فهو وليه ومرشده.
ومنها الهادي
قال الله عز وجل: {إن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم} وهو في خبر الأسامي مذكور.
قال الحليمي: وهو الدال على سبيل النجاة، والمبين لها لئلا يزيغ العبد ويضل، فيقع فيما يرديه ويهلكه قال أبو سليمان فيما أخبرت عنه: هو الذي من بهداه على من أراد من عباده فخصه بهدايته وأكرمه بنور توحيده كقوله تعالى: {ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} وهو الذي هدى سائر الخلق من الحيوان إلى مصالحها، وألهمها كيف تطلب الرزق وكيف تتقي المضار والمهالك كقوله عز وجل: {الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى}
- أخبرنا أبو الحسن عليّ بن أحمد بن عبدان، أخبرنا أبو القاسم سليمان بن أحمد الطّبرانيّ، حدّثنا عبيد بن غنّامٍ، حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدّثنا وكيعٌ (ح) قال وأخبرنا
[الأسماء والصفات: 1/202]
أبو القاسم، حدّثنا جعفر بن محمّدٍ الفريابيّ، حدّثنا حبّان بن موسى، حدّثنا ابن المبارك، جميعًا عن سفيان، عن جعفر بن محمّدٍ، عن أبيه، عن جابرٍ رضي اللّه عنه، قال: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في خطبته يحمد اللّه تعالى ويثني عليه بما هو أهلٌ له، ثمّ يقول: من يهده اللّه فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمّدٍ، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلّ ضلالةٍ في النّار.
ثمّ يقول صلّى اللّه عليه وسلّم: بعثت أنا والسّاعة كهاتين "، وكان صلّى اللّه عليه وسلّم إذا ذكر السّاعة، احمرّت وجنتاه، وعلا صوته، واشتدّ غضبه كأنّه نذير جيشٍ صبّحتكم أمستكم
ثمّ يقول صلّى اللّه عليه وسلّم: من ترك مالا فلأهله، ومن ترك دينًا أو ضياعًا فإليّ أو عليّ، وأنا وليّ المؤمنين ".
رواه مسلمٌ في "الصّحيح"، عن أبي بكر بن أبي شيبة
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، حدّثنا العبّاس بن محمّدٍ الدّوريّ، حدّثنا قرادٌ أبو نوحٍ، حدّثنا عكرمة بن عمّارٍ (ح) وأخبرنا أبو عليٍّ الرّوذباريّ، أخبرنا أبو بكر بن داسة، حدّثنا أبو داود، حدّثنا ابن المثنّى، حدّثنا عمر بن يونس، حدّثنا عكرمة
[الأسماء والصفات: 1/203]
حدّثني يحيى بن أبي كثيرٍ، حدّثني أبو سلمة بن عبد الرّحمن بن عوفٍ، قال: سألت عائشة رضي اللّه عنها: بأيّ شيءٍ كان نبيّ الله صلّى اللّه عليه وسلّم يفتتح الصّلاة إذا قام من اللّيل؟ قالت: كان إذا قام من اللّيل كان يفتتح صلاته: ب اللّهمّ ربّ جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السّماوات والأرض، عالم الغيب والشّهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلفوا فيه من الحقّ بإذنك إنّك تهدي من تشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ.
لفظ حديث الرّوذباريّ، وفي رواية قرادٍ قال: إذا قام كبّر يقول والباقي بمعناه.
رواه مسلمٌ في "الصّحيح"، عن محمّد بن المثنّى وغيره
- أخبرنا أبو زكريّا بن أبي إسحاق، أخبرنا أبو الحسن الطّرائفيّ، حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، حدّثنا عبد الله بن صالحٍ، عن معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما: في قوله تعالى: سواءٌ عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون.
وقوله: ولو شاء اللّه لجمعهم على الهدى.
وقوله: ومن يرد أن يضلّه يجعل صدره ضيّقًا حرجًا.
وقوله: ما كانوا ليؤمنوا إلاّ أن يشاء اللّه.
وقوله: وما كان لنفسٍ أن
[الأسماء والصفات: 1/204]
تؤمن إلاّ بإذن الله.
وقوله: {ولو شئنا لآتينا كلّ نفسٍ هداها.
وقوله: ولو شاء ربّك لآمن من في الأرض كلّهم جميعًا.
وقوله: إنّا جعلنا في أعناقهم أغلالا.
وقوله: من أغفلنا قلبه عن ذكرنا.
وقوله: إنّك لا تسمع الموتى.
وقوله: إنّك لا تهدي من أحببت.
وقوله: فمنهم شقيٌّ وسعيدٌ، ونحو هذا من القرآن، قال: إنّ رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم كان يحرص أن يؤمن جميع النّاس ويبايعوه على الهدى، فأخبره اللّه تعالى: أنّه لا يؤمن إلاّ من سبقت له من الله السّعادة في الذّكر الأوّل، ولا يضلّ إلاّ من سبقت له الشّقاوة في الذّكر الأوّل، ثمّ قال لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: لعلّك باخعٌ نفسك ألا يكونوا مؤمنين إن نشأ ننزّل عليهم من السّماء آيةً فظلّت أعناقهم لها خاضعين، وقال اللّه عزّ وجلّ: ما يفتح اللّه للنّاس من رحمةٍ فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده.
وقوله: ليس لك من الأمر شيءٌ.
وقوله: ولو أنّنا نزّلنا إليهم الملائكة وكلّمهم الموتى وحشرنا عليهم كلّ شيءٍ قبلا يعني معاينةً ما كانوا ليؤمنوا وهم أهل الشّقاء ثمّ قال: إلاّ أن يشاء اللّه، وهم أهل السّعادة الّذين سبق لهم في علمه أن يدخلوا في الإيمان، وبهذا الإسناد عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما في قوله تعالى: أعطى كلّ شيءٍ خلقه ثمّ هدى يقول: خلق اللّه لكلّ شيءٍ روحه، ثمّ هداه لمنكحه ومطعمه ومشربه ومسكنه ومولده.
ومنها الحنّان.
قال الحليميّ: وهو الواسع الرّحمة، وقد يكون المبالغ في إكرام أهل طاعته إذا وافوا دار القرار، لأنّ من حنّ من النّاس إلى غيره أكرمه عند لقائه، وكلّف به عند قدومه قلت: وهو في خبر عبد العزيز بن الحصين مذكورٌ
[الأسماء والصفات: 1/205]
- وأخبرنا أبو طاهرٍ الفقيه، أخبرنا أبو عثمان، عمرو بن عبد الله البصريّ، حدّثنا أبو أحمد محمّد بن عبد الوهّاب، حدّثنا أبو النّعمانٍ، محمّد بن الفضل، حدّثنا سلام بن مسكينٍ، حدّثنا أبو ظلالٍ، عن أنس بن مالكٍ رضي اللّه عنه، عن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم قال: إنّ رجلا في النّار ينادي ألف سنةٍ يا حنّان يا منّان، فيقول اللّه عزّ وجلّ لجبريل عليه السّلام: اذهب
[الأسماء والصفات: 1/206]
فأتني بعبدي هذا، فذهب جبريل عليه السّلام، فوجد أهل النّار منكبّين يبكون، قال: فرجع فأخبر ربّه قال: اذهب إليه فأتني به، فإنّه في مكان كذا وكذا، قال: فذهب فجاء به قال: يا عبدي كيف وجدت مكانك ومقيلك؟ قال: يا ربّ شرّ مكانٍ وشرّ مقيلٍ، قال: ردّوا عبدي، قال: ما كنت أرجو أن تعيدني إليها بعد إذ أخرجتني منها، قال اللّه تعالى لملائكته: دعوا عبدي
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي، حدّثنا إسحاق بن الحسن الحربي، حدّثنا أبو حذيفة، حدّثنا سفيان، عن أبيه، عن عكرمة، عن ابن
[الأسماء والصفات: 1/207]
عباس، رضي الله عنهما في قوله عز وجل: {وحنانا من لدنا} قال: التعطف بالرحمة قال أبو سليمان الخطابي فيما أخبرت عنه: الحنان معناه ذو الرحمة والعطف والحنان مخففا الرحمة قلت: وفي كتاب الغريبين عن أبي عبيد الهروي قال: قال ابن الأعرابي: الحنان من صفات الله الرحيم، والحنان مخففا العطف والرحمة والرزق والبركة
- أخبرنا أبو الحسين بن بشران، أخبرنا أبو عمر، محمد بن عبد الواحد الزاهد غلام ثعلبة أو ثعلب في كتاب ياقوتة السراط الذي يروي أكثره عن ثعلب عن ابن الأعرابي في قوله عز وجل: {لقد من الله}} أي تفضل الله} {على المؤمنين}
[الأسماء والصفات: 1/208]
المصدقين، والمنان المتفضل، والحنان الرحيم، وقال في قوله تعالى: {وحنانا من لدنا} أخبرنا ثعلب عن ابن الأعرابي عن المفضل قال: الحنان: الرحمة، والحنان: الرق، والحنان: البركة، والحنان: الهيبة ومنها الجامع وهو في خبر الأسامي مذكور، وفي القرآن: {ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه}.
قال الحليمي ومعناه الضام لأشتات الدارسين من الأموات وذلك يوم القيامة، وذكره أبو سليمان بمعناه، قال: ويقال: الجامع الذي جمع الفضائل وحوى المكارم والمآثر ومنها الباعث وهو في خبر الأسامي مذكور، وفي القرآن: {وأن الله يبعث من في القبور}.
وقال الحليمي: يبعث من في القبور أحياء ليحاسبهم ويجزيهم بأعمالهم قال أبو سليمان: يبعث الخلق بعد الموت، أي يحييهم فيحشرهم للحساب: {ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى} قال: ويقال: هو الذي يبعث عباده عند السقطة، ويبعثهم بعد الصرعة ومنها المقدم والمؤخر وهما في خبر الأسامي مذكوران
- وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو عبد الله محمّد بن يعقوب، حدّثنا إبراهيم بن محمّدٍ الصّيدلانيّ، حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، حدّثنا عبد الملك بن الصّبّاح، حدّثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن ابن أبي موسى، عن أبيه، قال: كان رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم يدعو بهذا
[الأسماء والصفات: 1/209]
الدّعاء: اللّهمّ اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به منّي، اللّهمّ اغفر لي خطاياي وعمدي وجهلي وجدّي وهزلي، وكلّ ذلك عندي، اللّهمّ اغفر لي ما قدّمت وما أخّرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدّم وأنت المؤخّر، وأنت على كلّ شيءٍ قديرٌ.
رواه البخاريّ ومسلمٌ في "الصّحيح" عن محمّد بن بشّارٍ
قال الحليميّ: المقدّم: هو المعطي لعوالي الرّتب، والمؤخّر: هو الدّافع عن عوالي الرّتب.
وقال أبو سليمان: هو المنزل للأشياء منازلها، يقدّم ما يشاء منها ويؤخّر ما شاء، قدّم المقادير قبل أن يخلق الخلق، وقدّم من أحبّ من أوليائه على غيرهم من عبيده، ورفع الخلق بعضهم فوق بعضٍ درجاتٍ، وقدّم من شاء بالتّوفيق إلى مقامات السّابقين، وأخّر من شاء عن مراتبهم وثبّطهم عنها، وأخّر الشّيء عن حين توقّعه لعلمه بما في عواقبه من الحكمة، لا مقدّم لما أخّر، ولا مؤخّر لما قدّم، قال: والجمع بين هذين الاسمين أحسن من التّفرقة
- أخبرنا أبو عليٍّ الرّوذباريّ، وأبو عبد الله بن عمر بن برهان، وأبو الحسين بن الفضل القطان، وغيرهم، قالوا: أنا إسماعيل بن محمّدٍ الصّفّار، حدّثنا الحسن بن عرفة، حدّثنا إسماعيل بن عليّة، عن يزيد، يعني الرّشك، عن مطرّف بن عبد الله بن الشّخّير، عن عمران بن حصينٍ رضي اللّه عنه، قال: قال رجلٌ: يا رسول الله أعلم أهل الجنّة
[الأسماء والصفات: 1/210]
من أهل النّار؟ قال صلّى اللّه عليه وسلّم: نعم، قال: ففيم يعمل العاملون؟ قال صلّى اللّه عليه وسلّم: اعملوا فكلٌّ ميسّرٌ لما خلق له أو كما قال
- وأخبرنا أبو عليٍّ الرّوذباريّ، أخبرنا أبو بكر بن محمويه، حدّثنا جعفر بن محمّدٍ، حدّثنا آدم، حدّثنا شعبة، حدّثنا يزيد الرّشك، قال: سمعت مطرّف بن عبد الله بن الشّخّير، يحدّث، عن عمران بن حصينٍ رضي اللّه عنه، قال: قال رجلٌ: يا رسول الله أيعرف أهل الجنّة من أهل النّار؟ قال: نعم، قال: فلم يعمل العاملون؟ قال: كلٌّ يعمل لما خلق له أو لما يسّر له.
رواه البخاريّ في "الصّحيح"، عن آدم بن أبي إياس.
ورواه مسلمٌ، عن ابن نميرٍ، عن ابن عليّة.
ومنها المعزّ المذلّ:
وقد روّيناهما في خبر الأسامي، وفي كتاب الله عزّ وجلّ: وتعزّ من تشاء وتذلّ من تشاء
قال الحليميّ: المعزّ: هو الميسّر أسباب المنعة، والمذلّ: هو المعرّض للهوان والضّعة، ولا ينبغي أن يدعى اللّه جلّ ثناؤه بالمؤخّر إلاّ مع المقدّم، ولا بالمذلّ إلاّ مع المعزّ، ولا بالمميت إلاّ مع المحيي كما قلنا في المانع والمعطي، والقابض والباسط.
قال أبو سليمان: أعزّ بالطّاعة أولياءه، وأظهرهم على أعدائهم في الدّنيا وأحلّهم دار الكرامة في العقبى، وأذلّ أهل الكفر في الدّنيا بأن ضربهم بالرّقّ وبالجزية والصّغار، وفي الآخرة بالعقوبة والخلود في النّار.
ومنها الوكيل وفي كتاب الله عزّ وجلّ: وكفى باللّه وكيلا، وقالوا حسبنا اللّه ونعم الوكيل، وقد روّيناه في خبر الأسامي
[الأسماء والصفات: 1/211]
- وأخبرنا أبو الحسين بن بشران، ببغداد، أخبرنا أبو عليٍّ، إسماعيل بن محمّدٍ الصّفّار، حدّثنا محمّد بن إسحاق، حدّثنا يحيى بن أبي بكيرٍ، حدّثنا أبو بكر بن عيّاشٍ، عن أبي حصينٍ، عن أبي الضّحى، عن ابن عبّاسٍ، قال: كان آخر كلام إبراهيم عليه السّلام حين ألقي في النّار، حسبنا اللّه ونعم الوكيل قال: وقال نبيّكم صلّى اللّه عليه وسلّم مثلها: الّذين قال لهم النّاس إنّ النّاس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانًا وقالوا حسبنا اللّه ونعم الوكيل.
رواه البخاريّ في "الصّحيح"، عن أحمد بن يونس، عن أبي بكر بن عيّاشٍ
قال الحليميّ: الوكيل هو الموكّل والمفوّض إليه، علمًا بأنّ الخلق والأمر له لا يملك أحدٌ من دونه شيئًا
- وأخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو، حدّثنا أبو العباس الأصم، حدّثنا محمد بن الجهم، صاحب الفراء قال: قال الفراء: قوله: {ألا تتخذوا من دوني وكيلا}
[الأسماء والصفات: 1/212]
يقال: ربا ويقال: كافيا
قال أبو سليمان: ويقال معناه أنه الكفيل بأرزاق العباد والقائم عليهم بمصالحهم، وحقيقته أنه يستقل بالأمر الموكول إليه، ومن هذا قول المسلمين حسبنا الله ونعم الوكيل، أي نعم الكفيل بأمورنا والقائم بها وأما قوله في قصة موسى وشعيب عليهما السلام: {والله على ما نقول وكيل} فقد
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا عبد الرحمن بن الحسن، حدّثنا إبراهيم بن الحسين، حدّثنا آدم، حدّثنا ورقاء، عن عبد الله بن المبارك، عن ابن جريج، قال: يعني شهيدا ومنها سريع الحساب قال الله عز وجل: {والله سريع الحساب}
- أخبرنا أبو نصرٍ، محمّد بن عليٍّ الفقيه، حدّثنا أبو عبد الله محمّد بن يعقوب الشّيبانيّ، حدّثنا محمّد بن عبد الوهّاب الفرّاء، حدّثنا يعلى بن عبيدٍ، حدّثنا إسماعيل بن أبي خالدٍ، سمعت عبد الله بن أبي أوفى، قال: دعا رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم على الأحزاب
[الأسماء والصفات: 1/213]
وقال: اللّهمّ منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب، اللّهمّ اهزمهم وزلزلهم.
أخرجاه في "الصّحيح" من حديث إسماعيل بن أبي خالدٍ
قال الحليميّ: فقيل معناه لا يشغله حساب أحدٍ عن حساب غيره، فيطول الأمر في محاسبة الخلق عليه، وقد قيل معناه أنّه يحاسب الخلق يوم القيامة في وقتٍ قريبٍ، لو تولّى المخلوقون مثل ذلك الأمر في مثله لما قدروا عليه ولاحتاجوا إلى سنين لا يحصيها إلاّ اللّه تعالى.
ومنها ذو الفضل:
قال اللّه عزّ وجلّ: واللّه ذو الفضل العظيم.
قال الحليميّ: وهو المنعم بما لا يلزمه قلت: وقد روي في تسمية المنعم المفضل حديثٌ منقطعٌ
- أخبرنا أبو الحسين محمّد بن عليّ بن خشيشٍ المقرئ، بالكوفة، أنبأنا أبو إسحاق بن أبي العزائم، أنبأنا أحمد بن حازمٍ، أنبأنا جعفر بن عونٍ، عن الأعمش، عن
[الأسماء والصفات: 1/214]
حبيب بن أبي ثابتٍ، حدّثنا شيخٌ لنا: أنّ رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا جاءه شيءٌ يكرهه قال: الحمد للّه على كلّ حالٍ، وإذا جاءه شيءٌ يعجبه قال: الحمد للّه المنعم المفضل الّذي بنعمته تتمّ الصّالحات.
ومنها ذو انتقامٍ:
قال اللّه عزّ وجلّ: واللّه عزيزٌ ذو انتقامٍ، وقال: يوم نبطش البطشة الكبرى إنّا منتقمون.
وروّيناه في خبر الأسامي، المنتقم.
قال الحليميّ: هو المبلّغ بالعقاب قدر الاستحقاق.
[الأسماء والصفات: 1/215]
ومنها المغني وهو في خبر الأسامي مذكورٌ.
قال أبو سليمان هو الّذي جبر مفاقر الخلق، وساق إليهم أرزاقهم، فأغناهم عمّا سواه، كقوله عزّ وجلّ: وأنّه هو أغنى وأقنى، ويكون المغني بمعنى الكافي من الغناء ممدودًا مفتوح الغين.
قال الحليميّ:.
ومنها ما جاء عن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: لا تقولوا: الطّبيب ولكن قولوا: الرّفيق، فإنّ الطّبيب هو اللّه قال: ومعنى هذا أنّ المعالج للمريض من الآدميّين، وإن كان حاذقًا متقدّمًا في صناعته، فإنّه قد لا يحيط علمًا بنفس الدّاء، ولئن عرفه وميّزه فلا يعرف مقداره ولا مقدار ما استولى عليه من بدن العليل وقوّته، ولا يقدم على معالجته إلاّ متطبّبًا عاملا بالأغلب من رأيه وفهمه، لأنّ منزلته في علم الدّواء كمنزلته الّتي ذكرتها في علم الدّاء، فهو لذلك ربّما يصيب، وربّما يخطئ، وربّما يزيد فيغلو، وربّما ينقص فيكبو، فاسم الرّفيق إذًا أولى به من الطّبيب، لأنّه يرفق
[الأسماء والصفات: 1/216]
بالعليل فيحميه ممّا يخشى أن لا يحتمله بدنه، ويطعمه ويسقيه ما يرى أنّه أرفق به، فأمّا الطّبيب فهو العالم بحقيقة الدّاء والدّواء والقادر على الصّحّة والشّفاء، وليس بهذه الصّفة إلاّ الخالق البارئ المصوّر، فلا ينبغي أن يسمّى بهذا الاسم أحدٌ سواه، فأمّا صفة تسمية الله جلّ ثناؤه، فهي أن يذكر ذلك في حال الاستشفاء مثل أن يقال: اللّهمّ أنت المصحّ والممرض والمداوي والطّبيب، ونحو ذلك فأمّا أن يقال: يا طبيب كما يقال: يا رحيم أو يا حليم أو يا كريم، فإنّ ذلك مفارقةٌ لآداب الدّعاء، واللّه أعلم، قلت وفي مثل هذه الحالة ورد تسميته به في الآثار
- أخبرنا أبو محمّدٍ عبد الله بن يوسف الأصبهانيّ، أخبرنا أبو محمّدٍ عبد الله بن محمّد بن إسحاق الفاكهيّ، بمكّة، أخبرنا أبو يحيى بن أبي مسرّة، حدّثنا العلاء بن عبد الجبّار، أخبرنا نافع بن عمر الجمحيّ، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة رضي اللّه عنها: أنّها كانت تمسح صدر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وتقول: اكشف الباس ربّ النّاس، أنت الطّبيب وأنت الشّافي، فيقول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: ألحقني بالرّفيق الأعلى
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو بكرٍ محمّد بن المؤمّل، حدّثنا الفضل بن
[الأسماء والصفات: 1/217]
محمّدٍ الشّعرانيّ، حدّثنا أحمد بن حنبلٍ، حدّثنا سفيان بن عيينة، حدّثنا عبد الملك بن أبجر، عن إياد بن لقيطٍ، عن أبي رمثة رضي اللّه عنه: أتيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مع أبي، فرأى الّتي بظهره فقال: يا رسول الله ألا أعالجها فإنّي طبيبٌ، قال صلّى اللّه عليه وسلّم: أنت رفيقٌ واللّه الطّبيب قال: من هذا معك؟ قال: قلت: ابني أشهد به قال صلّى اللّه عليه وسلّم: أما إنّه لا يجني عليك ولا تجني عليه.
قال الحليميّ:.
ومنها ما جاء عن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم قال: اللّهمّ اشف أنت الشّافي
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدّثنا أبو بكر بن إسحاق، أخبرنا إسماعيل بن قتيبة، حدّثنا يحيى بن يحيى، أخبرنا هشيمٌ، عن الأعمش، عن أبي الضّحى، عن مسروقٍ، عن
[الأسماء والصفات: 1/218]
عائشة رضي اللّه عنها، قالت: إنّ رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا دخل على مريضٍ وضع يده حيث يشتكي ثمّ يقول: أذهب الباس ربّ النّاس اشف أنت الشّافي، لا شفاء إلاّ شفاؤك شفاءً لا يغادر سقمًا قالت رضي اللّه عنها: فلمّا مرض النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وضعت يدي عليه، وذهبت أقول ذلك فدفعني وقال: اللّهمّ الرّفيق الأعلى، اللّهمّ الرّفيق الأعلى.
رواه مسلمٌ في "الصّحيح"، عن يحيى بن يحيى.
وأخرجه البخاريّ من وجهٍ آخر، عن الأعمش
- أخبرنا أبو الحسين بن بشران، أخبرنا أبو عليٍّ إسماعيل بن محمّدٍ الصّفّار، حدّثنا محمّد بن إسحاق أبو بكرٍ، حدّثنا محمّد بن سابقٍ، حدّثنا إبراهيم بن طهمان، عن منصورٍ، عن إبراهيم بن يزيد، عن مسروقٍ، وعن أبي الضّحى، عن مسروقٍ، عن عائشة رضي اللّه عنها، قالت: إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا أتى بمريضٍ قال: أذهب الباس ربّ النّاس، اشف أنت الشّافي لا شفاء إلاّ شفاؤك شفاءً لا يغادر سقمًا.
أخرجه البخاريّ في "الصّحيح"، فقال: وقال إبراهيم بن طهمان:.
قال الحليميّ: قد يجوز أن يقال في الدّعاء: يا شافي يا كافي، لأنّ اللّه عزّ وجلّ يشفي الصّدور من الشّبه والشّكوك، ومن الحسد والغلول، والأبدان من الأمراض
[الأسماء والصفات: 1/219]
والآفات، ولا يقدر على ذلك غيره، ولا يدعى بهذا الاسم سواه، ومعنى الشّفاء رفع ما يؤذي أو يؤلم عن البدن، قال.
ومنها: ما جاء عن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: إنّ اللّه حييٌّ كريمٌ
- أخبرنا أبو عليٍّ الرّوذباريّ، أخبرنا أبو بكر بن داسة، حدّثنا أبو داود، حدّثنا مؤمّل بن الفضل الحرّانيّ، حدّثنا عيسى بن يونس، حدّثنا جعفرٌ، يعني ابن ميمونٍ صاحب الأنماط حدّثني أبو عثمان، عن سلمان رضي اللّه عنه، قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ ربّكم عزّ وجلّ حييٌّ كريمٌ، يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردّهما صفرًا كذا.
رواه الأنماطيّ
[الأسماء والصفات: 1/220]
- وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدّثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدّثنا محمد بن إسحاق الصاغاني، حدّثنا عفان، حدّثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، وحميد، وسعيد الجريري، عن أبي عثمان النهدي، عن سلمان، أنه قال: أجد في التوراة أن الله حيي كريم يستحيي أن يرد يدين خائبتين سئل بهما خيرا
- وأخبرنا أبو عبد الله حدّثنا أبو العبّاس، حدّثنا محمّدٌ، أخبرنا أسود بن عامرٍ، حدّثنا أبو بكر بن عيّاشٍ، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاءٍ، عن صفوان بن يعلى بن أميّة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ اللّه عزّ وجلّ حييٌّ ستّيرٌ، فإذا أراد، يعني أحدكم، أن يغتسل فليتوار بشيءٍ
[الأسماء والصفات: 1/223]
قال الحليميّ: ومعناه أنّه يكره أن يردّ العبد إذا دعاه فسأله ما لا يمتنع في الحكمة إعطاؤه إيّاه وإجابته إليه، فهو لا يفعل ذلك إلاّ أنّه لا يخاف من فعله ذمًّا، كما يخاف النّاس، فيكرهون لذلك فعل أمورٍ وترك أمورٍ، فإنّ الخوف غير جائزٍ عليه قلت: وقوله ستّيرٌ، يعني أنّه ساترٌ يستر على عباده كثيرًا، ولا يفضحهم في المشاهد، كذلك يحبّ من عباده السّتر على أنفسهم، واجتناب ما يشينهم واللّه أعلم
[الأسماء والصفات: 1/224]
فصل
ولله جل ثناؤه أسماء سوى ما ذكرنا
قال الشيخ أبو عبد الله الحليمي: ولله جل ثناؤه أسماء سوى ما ذكرنا تدخل في أبواب مختلفة ومنها ذو العرش قال الله عز وجل: {وهو الغفور الودود ذو العرش المجيد}.
قال الحليمي: معناه الملك الذي يقصد الصافون حول العرش تعظيمه وعبادته، فهذا قد يتبع إثبات الباري جل ثناؤه، على معنى أن للعباد ملكا وربا يستحق عليهم أن يعبدوه- يعني إذا أمرهم به- وقد يتبع التوحيد على معنى أن المعبود واحد والملك واحد، وليس العرش إلا لواحد، وقد يتبع إثبات الإبداع والاختراع له لأنه لا يثبت العرش إلا من ينسب الاختراع إليه، وقد يتبع إثبات التدبير له على معنى أنه هو الذي رتب الخلائق ودبر الأمور فعلا بالعرش على كل شيء وجعله مصدرا لقضاياه وأقداره، ورتب له حملة من ملائكته وآخرين منهم يصفون حوله ويعبدونه ومنها ذو الجلال والإكرام قال الله عز وجل: {ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام}.
ورويناه في خبر الأسامي وغيره
- وأخبرنا أبو الحسن محمّد بن محمّد بن أبي المعروف المهرجانيّ، بها، أخبرنا أبو سهلٍ بشر بن أحمد، أخبرنا أبو جعفرٍ أحمد بن الحسين الحذّاء، حدّثنا عليّ بن عبد اللّه
[الأسماء والصفات: 1/225]
المدينيّ، حدّثنا بشر بن المفضّل، حدّثنا الجريريّ، عن أبي الورد ثمامة، عن اللّجلاج، قال: حدّثني معاذ بن جبلٍ رضي اللّه عنه، قال: أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم على رجلٍ يقول: يا ذا الجلال والإكرام: قال: قد استجيب لك فسل.
قال الحليميّ: ومعناه: المستحقّ لأن يهاب لسلطانه ويثنى عليه بما يليق بعلوّ شأنه، وهذا قد يدخل في باب الإثبات على معنى أنّ للخلق ربًّا يستحقّ عليهم الإجلال والإكرام، ويدخل في باب التّوحيد على معنى أنّ هذا الحقّ ليس إلاّ لمستحقٍّ واحدٍ.
قال أبو سليمان الخطّابيّ: الجلال مصدر الجليل، يقال: جليلٌ من الجلالة والجلال، والإكرام مصدر أكرم يكرم إكرامًا، والمعنى أنّ اللّه عزّ وجلّ يستحقّ أن يجلّ ويكرم، فلا يجحد ولا يكفر به، وقد يحتمل المعنى أنّه يكرّم أهل ولايته، ويرفع درجاتهم بالتّوفيق لطاعته في الدّنيا، ويجلّهم بأن يتقبّل أعمالهم، ويرفع في الجنان درجاتهم، وقد يحتمل أن يكون أحد الأمرين، وهو الجلال، مضافًا إلى الله تعالى بمعنى الصّفة
[الأسماء والصفات: 1/226]
له، والآخر مضافًا إلى العبد بمعنى الفعل منه، كقوله سبحانه وتعالى: هو أهل التّقوى وأهل المغفرة، فانصرف أحد الأمرين إلى الله سبحانه وتعالى، وهو المغفرة، والآخر إلى العباد، وهو أهل التّقوى، واللّه أعلم
- أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق، أخبرنا أبو الحسن الطرائفي، حدّثنا عثمان بن سعيد، حدثنا عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، رضي الله عنهما في قوله عز وجل: {ذو الجلال والإكرام} يقول: ذو العظمة والكبرياء.
قال الحليمي ومنها: الفرد لأن معناه المنفرد بالقدم والإبداع والتدبير
- أخبرنا أبو القاسم عبد الرّحمن بن عبيد الله الحربيّ، ببغداد، أخبرنا أحمد بن سليمان الفقيه، حدّثنا عبد الله بن محمّد بن أبي الدّنيا، حدّثنا محمّد بن يزيد الرّفاعيّ، حدّثنا أبو بكر بن عيّاشٍ، حدّثنا الكلبيّ، عن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنهما، قال: حدّثني جابر بن عبد الله، رضي اللّه عنهما: أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قرأ: وإذا سألك عبادي
[الأسماء والصفات: 1/227]
عنّي فإنّي قريبٌ أجيب دعوة الدّاع إذا دعان، فقال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: اللّهمّ إنّك أمرت بالدّعاء، وتكفّلت بالإجابة، لبّيك اللّهمّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك إنّ الحمد والنّعمة لك والملك، لا شريك لك، أشهد أنّك فردٌ أحدٌ صمدٌ، لم تلد ولم تولد، ولم يكن لك كفوًا أحدٌ، وأشهد أنّ وعدك حقٌّ، ولقاءك حقٌّ، والجنّة حقٌّ، والنّار حقٌّ، والسّاعة آتيةٌ لا ريب فيها وأنّك تبعث من في القبور
- وأخبرنا أبو طاهر الفقيه، أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان، حدّثنا أحمد بن يوسف السلمي، حدّثنا أبو المغيرة، حدّثنا إسماعيل بن عياش، قال: حدثني محمد بن طلحة، عن رجل، قال: إن عيسى ابن مريم عليه السلام كان إذا أراد أن يحيي الموتى صلى ركعتين يقرأ في الأولى: {تبارك الذي بيده الملك} وفي الثانية تنزيل السجدة فإذا فرغ مدح الله تعالى فأثنى عليه ثم دعا بسبعة أسماء: يا قديم، يا حفي، يا دائم، يا فرد يا وتر}، يا أحد يا صمد ليس هذا بالقوي وكذلك ما قبله والله أعلم
[الأسماء والصفات: 1/228]
ومنها ذو المعارج.
قال الحليمي: وهو الذي يعرج إليه بالأرواح والأعمال وهذا أيضا يدخل في باب الإثبات والتوحيد والإبداع والتدبير، وبالله التوفيق وفي كتاب الله تعالى: {من الله ذي المعارج}
- وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدّثنا أبو نصرٍ، أحمد بن سهلٍ الفقيه، ببخارى، حدّثنا قيس بن أنيفٍ البخاريّ، حدّثنا قتيبة بن سعيدٍ، حدّثنا محمّد بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالبٍ، عن أبيه، عن جدّه، عن جابر بن عبد الله رضي اللّه عنهم، قال: أتيته فسألته عن حجّة رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم فذكر الحديث قال فيه: ثمّ أهلّ رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم بالتّوحيد: لبّيك اللّهمّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك وأهلّ النّاس، قال: ولبّى النّاس لبّيك ذا المعارج ولبّيك ذا الفواضل، فلم يعب على أحدٍ منهم شيئًا). [الأسماء والصفات: 1/229]


رد مع اقتباس
  #20  
قديم 10 ربيع الثاني 1435هـ/10-02-2014م, 11:03 PM
أم القاسم أم القاسم غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,449
افتراضي

باب ما جاء في حروف المقطعات في فواتح السور وأنها من أسماء الله عز وجل

قال أبو بكرٍ أحمدُ بنُ الحسينِ البيهقيُّ (ت: 458هـ) : (باب ما جاء في حروف المقطعات في فواتح السور وأنها من أسماء الله عز وجل
- أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق، أخبرنا أبو الحسن الطرائفي، حدّثنا عثمان بن سعيد، حدثنا عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، رضي الله عنهما أنه قال في قوله تعالى: {كهيعص} وطه، وطس، وطسم، ويس، وص، وحم عسق، وق، ونحو ذلك، قسم أقسمه الله تعالى، وهي من أسماء الله عز وجل
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدّثنا عبد الرحمن بن الحسن القاضي، حدّثنا إبراهيم بن الحسين الكسائي، حدّثنا آدم بن أبي إياس، حدّثنا ورقاء، حدّثنا عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، رضي الله عنهما في قوله تعالى: {كهيعص}
قال: كاف من كريم، وها من هادي، ويا من حكيم، وعين من عليم، وصاد من صادق
- وأخبرنا أبو نصر بن قتادة، أخبرنا أبو منصور النضروي، أخبرنا أحمد بن نجدة، حدّثنا سعيد بن منصور، حدّثنا خالد بن عبد الله، عن حصين بن عبد الرحمن، عن إسماعيل بن راشد، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، رضي الله عنهما في قوله تعالى: {كهيعص} قال: كبير هاد يمين عزيز صادق
- وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني محمد بن إسحاق الصفار، حدّثنا أحمد بن نصر، حدّثنا عمرو بن طلحة القناد، أخبرنا شريك، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، رضي الله عنهما في قوله عز وجل: {كهيعص} قال: كاف هاد أمين عزيز صادق
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدّثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدّثنا محمد بن إسحاق، حدّثنا يحيى بن أبي بكير، حدّثنا شريك، عن عطاء، عن أبي الضحى، عن ابن عباس، رضي الله عنهما: {المص} قال: أنا الله أفصل} {المر} قال: أنا الله أرى
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو أحمد محمد بن محمد بن إسحاق الصفار، حدّثنا أحمد بن محمد بن نصر اللباد، حدّثنا عمرو بن طلحة القناد، حدّثنا أسباط بن نصر، عن إسماعيل بن عبد الرحمن السدي، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة الهمداني، عن ابن مسعود، رضي الله عنه وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: {الم ذلك الكتاب} أما الم فهو حرف اشتق من حروف هجاء أسماء الله عز وجل
- وأخبرنا أبو الحسين بن بشران، حدّثنا دعلج بن أحمد، حدّثنا محمد بن سليمان، حدثنا عبيد الله بن موسى، حدّثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن السدي، قال: فواتح السور من أسماء الله عز وجل). [الأسماء والصفات:230- 1/233]


رد مع اقتباس
  #21  
قديم 14 رمضان 1438هـ/8-06-2017م, 12:37 AM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي غير مصنف

غير مصنف


رد مع اقتباس
  #22  
قديم 14 رمضان 1438هـ/8-06-2017م, 07:10 PM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي

معنى الدعاء

قال أبو سليمان حَمْدُ بن محمد بن إبراهيم الخطابي (ت: 388هـ): (أصل هذه الكلمة مصدر، من قولك: دعوت الشيء، أدعوه، دعاء. أقاموا المصدر مقام الاسم. تقول: سمعت دعاء كما تقول: سمعت صوتًا، وكما تقول: اللهم اسمع دعائي. وقد يوضع المصدر موضع الاسم. كقولهم: رجل عدل، وهذا درهم ضرب الأمير، وهذا ثوب نسج اليمن .

ومعنى الدعاء: استدعاء العبد ربه عز وجل العناية واستمداده إياه المعونة.
وحقيقته: إظهار الافتقار إليه، والتبرؤ من الحول والقوة، وهو سمة العبودية، واستشعار الذلة البشرية، وفيه معنى الثناء على الله عز وجل، وإضافة الجود، والكرم إليه؛ كذلك.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدعاء هو العبادة».حدثنا: ابن الأعرابي، قال: حدثنا: بكر بن فرقد التميمي قال: حدثنا: أبو داود قال: حدثنا شعبة، عن منصور، عن ذر، عن يسيع الحضرمي، عن النعمان بن بشير: أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله: وحدثنيه: محمد بن الحسين بن عاصم. قال: حدثنا: محمد بن إسحاق بن خزيمة قال: حدثنا: أبو موسى، قال: حدثنا: عبد الرحمن يعني - ابن مهدي قال: حدثنا شعبة، عن منصور، عن ذر، عن يسيع، عن النعمان بن بشير، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الدعاء هي العبادة»، وقرأ: {وقال ربكم ادعوني استجب لكم} [غافر: 60].
قال أبو سليمان: هكذا قال في رواية: «إن الدعاء هي العبادة»، وإنما أنث على نية الدعوة، أو المسألة، أو الكلمة، أو نحوها، وقوله: «الدعاء هو العبادة» معناه أنه معظم العبادة، أو أفضل العبادة، كقولهم: الناس بنو تميم، والمال الإبل، يريدون: أنهم أفضل الناس، أو أكثرهم عددًا أو ما أشبه ذلك، وإن الإبل أفضل أنواع الأموال، وأنبلها. وكقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الحج عرفة». يريد: أن معظم الحج الوقوف بعرفة.
وذلك؛ لأنه إذا أدرك عرفة، فقد أمن فوات الحج. ومثله في الكلام كثير.

وقد اختلفت مذاهب الناس في الدعاء، فقال قوم: لا معنى للدعاء ولا طائل له لأن الأقدار سابقة والأقضية متقدمة، والدعاء لا يزيد فيها، وتركه لا ينقص شيئًا منها ولا فائدة في الدعاء والمسألة.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: «قدر الله المقادير، قبل أن يخلق الخلق، بكذا وكذا عامًا». وروي عنه صلى الله عليه وسلم: أنه قال: «جف القلم بما هو كائن». وروي عنه صلى الله عليه وسلم: «أربع قد فرع الله منها: العمر، والرزق، والخلق والخلق». أو كما قال.وقالت طائفة أخرى: الدعاء واجب. وهو يدفع البلاء، ويرد القضاء. واحتجوا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: «لا يرد القضاء إلا الدعاء». وبما روي : «أن الدعاء، والقضاء، يلتقيان فيعتلجان ما بين السماء والأرض».
وقال آخرون: «الدعاء واجب، إلا أنه لا يستجاب منه إلا ما وافق القضاء». وهذا المذهب هو الصحيح، وهو قول أهل السنة والجماعة، وفيه الجمع بين الأخبار المروية عن اختلافها والتوفيق بينها.
فأما من ذهب إلى إبطال الدعاء، فمذهبه فاسد؛ وذلك أن الله سبحانه أمر بالدعاء، وحض عليه، فقال: {ادعوني استجب لكم} [غافر: 60] وقال عز وجل: {ادعوا ربكم تضرعا وخفية} [الأعراف: 55]. وقال تعالى: {قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم} [الفرقان: 77]. في آي ذوات عدد في القرآن.
ومن أبطل الدعاء، فقد أنكر القرآن، ورده. ولا خفاء بفساد قوله، وسقوط مذهبه.
فإن قيل: فإذا كان الأمر على ما ذكرتموه من أن الدعاء: لا يدفع ضررًا، ولا يجلب نفعًا، لم يكن جرى به القضاء، فما فائدته؟ وما معنى الاشتغال به؟ فالجواب: إن هذا من جملة الباب الذي وقع التعبد فيه بظاهر من العلم، يجري مجرى الأمارة المبشرة، أو المنذرة، دون العلة الموجبة، وذلك والله أعلم لتكون المعاملة فيه على معنى الترجي، والتعلق بالطمع الباعثين على الطلب دون اليقين الذي يقع معه طمأنينة النفس، فيقضي بصاحبه إلى ترك العمل والإخلاد إلى دعة العطلة. فإن العمل الدائر بين الظفر، بالمطلوب وبين مخافة فوته، يحرك على السعي له، والدأب فيه، واليقين يسكن النفس، [ويريحها]، كما اليأس [يبلدها ويطفئها]، وقد قضى الله سبحانه أن يكون العبد ممتحنًا، ومستعملاً، ومعلقًا بين الرجاء، والخوف اللذين هما مدرجتا العبودية ؛ ليستخرج منه بذلك الوظائف المضروبة عليه، التي هي سمة كل عبد، ونصبة كل مربوب، مدبر، وعلى هذا بني الأمر في معاني ما نعتقده في مبادئ الأمور التي هي الأقدار، والأقضية، مع التزامنا الأوامر التي تعبدنا بها، ووعدنا عليها في المعاد، الثواب والعقاب.
ولما عرض في هذا من الإشكال، ما سألت الصحابة: رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: «أرأيت أعمالنا هذه أشيء قد فرغ منه، أم أمر نستأنفه؟ فقال: بل هو أمر قد فرغ منه. فقالوا: ففيم العمل إذًا؟ قال: اعملوا، فكل ميسر لما خلق له. قالوا: فنعمل إذًا».
ألا تراه كيف علقهم بين الأمرين، فرهنهم بسابق القدر المفروغ منه، ثم ألزمهم العمل الذي هو مدرجة التعبد، لتكون تلك الأفعال أمائر مبشرة، ومنذرة، فلم يبطل السبب الذي هو كالفرع بالعلة التي هي له كالأصل، ولم يترك أحد الأمرين للآخر. وأخبر مع ذلك أن فائدة العمل هو القدر المفروغ منه، وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «فكل ميسر لما خلق له». يريد: أنه ميسر في أيام حياته للعمل الذي سبق له القدر به قبل وقت وجوده، وكونه، إلا أن الواجب. عليك هاهنا أن تعلم فرق ما بين الميسر، والمسخر، فتفهم.
وكذلك القول في باب الرزق، وفي التسبب إليه بالكسب، وهو أمر مفروغ منه في الأصل، لا يزيده الطلب، ولا ينقصه الترك.
ونظير ذلك؛ أمر العمر، والأجل المضروب فيه في قوله عز وجل: {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} [الأعراف: 34].
ثم قد جاء في الطب، والعلاج، ما جاء، وقد استعمله عامة أهل الدين من السلف، والخلف، مع علمهم بأن ما تقدم من الأقدار، والأقضية لا يدفعها التعالج بالعقاقير، والأدوية
وإذا تأملت هذه الأمور، علمت أن الله سبحانه قد لطف بعباده؛ فعلل طباعهم البشرية بوضع هذه الأسباب؛ ليأنسوا بها، فيخفف عنهم ثقل الامتحان الذي تعبدهم به، وليتصرفوا بذلك بين الرجاء، والخوف، وليستخرج منهم وظيفتي الشكر، والصبر في طوري السراء، والضراء، والشدة، والرخاء، ومن وراء ذلك علم الله تعالى فيهم، ولله عاقبة الأمور، وهو العليم الحكيم، لا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون} [الأنبياء: 23].
فإن قيل فما تأويل قوله سبحانه: {ادعوني استجب لكم} [غافر: 60]، وهو وعد من الله جل وعز يلزم الوفاء به، ولا يجوز وقوع الخلف فيه؟ قيل هذا مضمر فيه المشيئة كقوله: {بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء} [الأنعام: 41]، وقد يرد الكلام بلفظ عام، مراده خاص، وإنما يستجاب من الدعاء ما وافق القضاء، ومعلوم أنه لا تظهر لكل داع استجابة دعائه؛ فعلمت أنه إنما جاء في نوع خاص منه بصفة معلومة. وقد قيل: معنى الاستجابة: أن الداعي يعوض من دعائه عوضًا ما، فربما كان ذلك إسعافًا بطلبته التي دعا لها، وذلك إذا وافق القضاء. فإن لم يساعده القضاء، فإنه يعطي سكينة في نفسه، وانشراحًا في صدره، وصبرًا يسهل معه احتمال ثقل الواردات عليه، وعلى كل حال فلا يعدم فائدة دعائه، وهو نوع من الاستجابة.
وقد روى: أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من مؤمن ينصب وجهه لله، عز وجل، يسأله مسألة إلا أعطاه إياه إما عجلها له في الدنيا، وإما ادخرها له في الآخرة، ما لم يعجل، قالوا: وما عجلته؟ قال: يقول: دعوت، دعوت، فلا أراه يستجاب لي».
قال الشيخ رضي الله عنه -: وإذا ثبت معنى الدعاء، ووجوب العمل به؛ فإن من شرائط صحته، أن يكون ذلك من العبد بإخلاص نيته، وإظهار فقر، ومسكنة، وعلى حال ضرع، وخشوع، وأن يكون على طهارة من الداعي، واستقبال للقبلة، وأن يقدم الثناء على الله عز وجل والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أما دعائه، ومن سنته أن يرفع إلى الله عز وجل يديه، باسطًا كفيه ، غير ساتر لهما بثوب، أو غطاء، ويكره فيه الجهر الشديد بالصوت، وتكره الإشارة فيه بأصبعين، وإنما يشير بالسبابة من يده اليمنى فقط.
وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يشير بأصبعين، فقال له: «أحد أحد » ويستحب الاقتصار على جوامع الدعاء، ويكره الاعتداء فيه، وليس معنى الاعتداء الإكثار منه فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله يحب الملحين في الدعاء» وقال:«إذا دعا أحدكم، فليستكثر، فإنما يسأل ربه». وإنما هو مثل ما روي عن سعد: أنه سمع ابنًا له يقول:«اللهم إني أسألك الجنة، ونعيمها، وبهجتها، وكذا، وكذا، وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها وكذا وكذا، فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه سيكون قوم يعتدون في الدعاء» فإياك أن تكون منهم، فإنك إذا سألتها، فأعطيتها، أعطيتها وما فيها، وإذا تعذوت من النار، فأعذت منها، أعذت منها ومما فيها من الشر».
ويكره في الدعاء السجع، وتكلف صنعة الكلام له، ولا يجوز أن يدعا بالمحال، وأن يطلب ما لا مطمع فيه، كمن يدعو بالخلود في الدنيا، وقد علم، أن الله سبحانه استأثر بالبقاء، وكتب الفناء على جميع خلقه. ولا يدعو بمعصية، ولا بقطيعة رحم، ونحوها من الأمور المحظورة، وليتخير لدعائه، والثناء على ربه، أحسن الألفاظ، وأنبلها، وأجمعها للمعاني، وأبينها؛ لأنه مناجاة العبد سيد السادات الذي ليس له مثل، ولا نظير، ولو تقدم بعض خدم ملوك أهل الدنيا إلى صاحبه، ورئيسه في حاجة، يرفعها إليه، أو معونة يطلبها منه، لتخير له محاسن الكلام، ولتخلص إليه بأجود ما يقدر عليه من البيان، ولئن لم يستعمل هذا المذهب في مخاطبته إياه، ولم يسلك هذه الطريقة فيها معه، أوشك أن ينبو سمعه عن كلامه، وأن لا يحظى بطائل من حاجته عنده.فما ظنك برب العزة سبحانه وبمقام عبده الذليل بين يديه، ومن عسى أن يبلغ بجهد بيانه كنه الثناء عليه؟ وهذا رسوله، وصفيه صلى الله عليه وسلم قد أظهر العجز، والانقطاع دونه؛ فقال في مناجاته:«وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك أنت، كما أثنيت على نفسك». فسبحان من جعل عجز العاجزين عن شكره، والثناء عليه شكرًا لهم، كما جعل معرفة العارفين بأنهم لا يدركون كنه صفته إيمانًا لهم، وقد أولع كثير من العامة بأدعية منكرة اخترعوها، وأسماء سموها، ما أنزل الله بها من سلطان وقد يوجد في أيديهم دستور من الأسماء، والأدعية يسمونه: «الألف الاسم». صنعها لهم بعض المتكلفين من أهل الجهل، والجرأة على الله، عز وجل، أكثرها زور، وافتراء على الله، عز وجل، فليجتنبها الداعي إلا ما وافق منها الصواب. إن شاء الله تعالى ومما يسمع على ألسنة العامة، وكثير من القصاص، قولهم: يا سبحان يا برهان يا غفران يا سلطان، وما أشبه ذلك.وهذه الكلمات، وإن كان يتوجه بعضها في العربية على إضمار النسبة بذي، فإنه مستهجن، مهجور، لأنه لا قدوة فيه، ويغلط كثير منهم في مثل قولهم: يا رب طه ويس، ويا رب القرآن العظيم.
وأول من أنكر ذلك ابن عباس رحمه الله فإنه سمع رجلاً، يقول عند الكعبة: «يا رب القرآن». فقال:«مه! إن القرآن لا رب له، إن كل مربوب مخلوق».
فأما أغاليط من جمح به اللسان، واعتسف أودية الكلام من الأعراب، وغيرهم، الذين لم يعنوا بمعرفة الترتيب، ولم يقومهم ثقاف التأديب، كقول بعضهم في استسقاء الغيث:

رب العباد ما لنا وما لكا

قد كنت تسقينا فما بدا لكا

أنزل علينا الغيث لا أبا لكا
وكقول القائل من قريش حين هدموا الكعبة في الجاهلية، وأرادوا بناءه على أساس إبراهيم صلوات الله عليه فجاءت حية عظيمة، فحملت عليهم، فارتدعوا. فعند ذلك قال شيخ منهم كبير.«اللهم لا ترع، ما أردنا إلا تشييد بيتك، وتشريفه» وكقول بعضهم وإن كان من المذكورين في الزهاد -: «نعم المرء ربنا، لو أطعناه لم يعصنا» فإنها في أخواتها، ونظائرها عجرفية في الكلام، وتهور فيه، والله سبحانه متعال عن هذه النعوت، وذكره منزه عن مثل هذه الأمور، وقد روينا عن عون بن عبد الله، أنه كان يقول:
«ليعظم أحدكم ربه، أن يذكر اسمه في كل شيء، حتى يقول: أخزى الله الكلب، وفعل الله به كذا». وكان بعض من أدركناه من مشايخنا قل ما يذكر اسم الله جل وعلا إلا فيما
يتصل بطاعة، أو قربة، وكان يقول للرجل إذا جزاه خيرًا: جزيت خيرًا، وقل ما يقول: جزاك الله خيرًا، إعظامًا للاسم أن يمتهن في غير قربة، أو عبادة.
ومما يجب أن يراعى في الأدعية، الإعراب الذي هو عماد الكلام، وبه يستقيم المعنى، وبعدمه يختل، ويفسد، وربما انقلب المعنى باللحن حتى يصير كالكفر، إن اعتقده صاحبه. كدعاء من دعا، أو قراءة من قرأ: {إياك نعبد وإياك نستعين} بتخفيف الياء من إياك، فإن الأيا ضياء الشمس، فيصير كأنه يقول شمسك نعبد. وهذا كفر.
وأخبرني محمد بن بحر الرهني، قال: حدثني الشاه بن الحسن قال: قال: أبو عثمان المازني لبعض تلامذته: عليك بالنحو؛ فإن بني إسرائيل كفرت بحرف ثقيل خففوه، قال
الله عز وجل لعيسى: {إني ولدتك} فقالوا: «إني ولدتك» فكفروا.
وأخبرني أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل، قال: حدثنا ابن المرزبان عن الرياشي، قال: مر الأصمعي برجل يقول في دعائه: «يا ذو الجلال والإكرام» فقال ما اسمك؟ قال: ليث. فأنشأ يقول:
ينادي ربه باللحن ليث....... لذلك إذا دعاه لا يجيب

قال أبو سليمان:
وإذ قد أتينا بما قد وجب تقديمه من شرائط صحة الدعاء، فلنعمد لتفسير ما جاء منه مأثورًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولنبدأ بتفسير أسماء الله جل وع التي هي تسعة وتسعون اسمًا. قال الله سبحانه: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} [الأعراف: 180]. ثم قال: {وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون} [الأعراف: 180]. فكان دلالة الآية أن [الغلط فيها والزيغ عنها إلحاد]. ونحن نسأل الله التوفيق لصواب القول فيها برحمته). [شأن الدعاء: 3-21]


رد مع اقتباس
  #23  
قديم 14 رمضان 1438هـ/8-06-2017م, 07:11 PM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي

الأسماء والصفات

قال أبو سليمان حَمْدُ بن محمد بن إبراهيم الخطابي (ت: 388هـ): (فصل
[قال أبو سليمان رضي الله عنه -]:
ومن علم هذا الباب، أعني: الأسماء والصفات، ومما يدخل في أحكامه [ويتعلق به من شرائط] أنه لا يتجاوز فيها التوقيف ولا يستعمل فيها القياس؛ فيلحق بالشيء نظيره في ظاهر وضع اللغة ومتعارف الكلام، فالجواد: لا يجوز أن يقاس عليه: السخي وإن كانا متقاربين في ظاهر الكلام. وذلك أن السخي، لم يرد به التوقيف كما ورد بالجواد، ثم إن السخاوة موضوعة في باب الرخاوة واللين، يقال: أرض سخية وسخاوية إذا كان فيها لين ورخاوة وكذلك لا يقاس عليه السمح لما يدخل السماحة من معنى اللين والسهولة. وأما الجود فإنما هو سعة العطاء من قولك: جاد السحاب إذا أمطر فأغزر، ومطر جود، وفرس جواد؛ إذا: بذل ما في وسعه من الجري.
وقد جاء في الأسماء: «القوي» ولا يقاس عليه الجلد وإن كانا يتقاربان في نعوت الآدميين، لأن باب التجلد يدخله التكلف والاجتهاد ولا يقاس على «القادر» المطيق ولا المستطيع لأن الطاقة والاستطاعة إنما تطلقان على معنى قوة البنية، وتركيب الخلقة ولا يقاس على «الرحيم» الرقيق، وإن كانت الرحمة في نعوت الآدميين نوعًا من رقة القلب، وضعفه عن احتمال القسوة.
وفي صفات الله سبحانه: «الحليم» و«الصبور» فلا يجوز أن يقاس عليها الوقور والرزين.
وفي أسمائه «العليم» ومن صفته العلم؛ فلا يجوز قياسه عليه أن يسمى «عارفًا» لما تقتضيه المعرفة من تقديم الأسباب التي بها يتوصل إلى علم الشيء. وكذلك لا يوصف بالعاقل. وهذا الباب يجب أن يراعى، ولا يغفل، فإن عائدته عظيمة، والجهل به ضار [وبالله التوفيق].
[وصلى الله على محمد وآله وسلم كثيرًا] ).[شأن الدعاء: 111-113]


رد مع اقتباس
  #24  
قديم 14 رمضان 1438هـ/8-06-2017م, 07:15 PM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي

من باب ما يقول إذا أصبح

قال أبو سليمان حَمْدُ بن محمد بن إبراهيم الخطابي (ت: 388هـ): (بسم الله الرحمن الرحيم
[قال الشيخ]: فهذا ما حضرني في تفسير الأسماء ومعانيها، ونحن نتبعه الآن: تفسير الدعوات المأثورة فصلا فصلا على نظم الكتاب وترتيبه، بعون الله وتوفيقه، [إن شاء الله، وهو المستعان].
من باب ما يقول إذا أصبح
[44] [قال]: إذا أصبحت فقل: «الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور» قال الشيخ: معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «أحيانا بعدما أماتنا» مع إحاطة العلم منا أن الحياة في حالتي اليقظة والنوم قائمة غير زائلة، هو أنه جعل النوم الذي يكون معه زوال العقل، وسكون الحركات بمنزلة الموت الذي يكون به عدمها وبطلانها، وهذا على سبيل التشبيه، والتمثيل لا على وجه التحقيق. وقال بعض أهل اللغة أصل الموت في الكلام السكون
يقال: ماتت الريح إذا ركدت، وأنشد
يا ليت شعري هل تموت الريح
فأسكن اليوم وأستريح
ثم عقبه بقوله صلى الله عليه وسلم: «وإليه النشور» ليدل بإعادة اليقظة بعد النوم على إثبات البعث بعد الموت. والنشور مصدر، يقال: أنشر الله الميت [إنشارًا: إذا أحياه، فنشر الميت] نشورًا، فهو ناشر بلفظ فاعل. قال الأعشى:
حتى تقول الناس مما رأوا
يا عجبًا للميت الناشر
[45] [وقوله]: [وأصبحنا على فطرة الإسلام، وكلمة الإخلاص، وعلى دين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: معنى الفطرة: ابتداء الخلقة، وهي إشارة إلى كلمة التوحيد حين أخذ الله العهد من ذرية آدم، [فقال]: {ألست بربكم قالوا بلى} [الأعراف: 172] وقد تكون الفطرة بمعنى السنة، ومن هذا قوله صلى الله عليه وسلم:
[46] «عشر من الفطرة فذكر السواك والمضمضة وأخواتها»[.
[47] وقوله صلى الله عليه وسلم: «نسألك من خير هذا اليوم وخير ما قبله وخير ما بعده ونعود بك من شر هذا اليوم وشر ما قبله وشر ما بعده». قد يسأل عن هذا فيقال: ما معنى استعاذته من سوء زمان قد مضى وقته وتقضى حكمه؟ والمعنى: أنه طلب عفو الله عن ذنب كان [قد] قارفه في أمسه. والوقت وإن كان قد مضى فإن تبعته باقية. ومعنى مسألته خير ما قبله: قبول الحسنة التي كان قدمها في أمسه. والزمان وإن كان فائتًا فإن الحسنة التي عملها فيه موجودة وبركتها مرجوة والخير والشر لا يتعلقان بأعيان الأيام، وإنما أضيفا إليها على معنى أنها أوقات وظروف لها يوجدان فيها بكسب الفاعلين لهما.
[48] وقوله: «وأعوذ بك من الكسل والهرم، وسوء الكبر»، الكسل: خصلة ذميمة تصد عن الحقوق، وتحرم صاحبها خير الدنيا والآخرة، وهو عدم انبعاث النفس للخير، وقلة الرغبة فيه مع وجود الاستطاعة له. والعجز: عدم القوة والاستطاعة له، والعاجز معذور، والكسلان غير معذور.
[49] وأخبرني أبو محمد [أحمد بن محمد] الكراني، قال: حدثنا عبد الله بن مسيب، قال: حدثنا زكريا بن يحيى المنقري، قال: حدثنا الأصمعي، قال: قال الأحنف بن قيس: «إياك والكسل والضجر؛ فإنك إن كسلت لم تطلب حقًا وإن ضجرت لم تؤد حقًا».
وأما سوء الكبر فإنما استعاذ بالله من آفات طول العمر، وما يجلبه الكبر من الخرف، وذهاب العقل وضعف القوى.
[50] وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما أنزل الله [من] داء إلا جعل له دواء إلا الهرم»، فجعل الهرم [داء من لا دواء له].
[51] [قال أبو سليمان]: وأخبرني إبراهيم بن عبد الرحيم العنبري، قال: حدثني ابن أبي قماش، قال: حدثنا ابن عائشة، قال: حدثنا حماد عن حميد عن الحسن، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو لم يكن لابن آدم إلا السلامة والصحة لكان كفى بهما داء قاضيًا» قال ابن عائشة: فحدثت به أبي فقال: يا بني ما علمت أن هذا خبرًا، وإنما كنت أعرف فيه قول حميد بن ثور:
أرى بصري قد رابني بعد صحة
وحسبك داء أن تصح وتسلما
وقد رواه بعضهم: من سوء الكبر، ساكنة الباء. من كبر النخوة. والصواب هو الأول.
[52] وقوله: «أعوذ بك من شر نفسي، وشر الشيطان وشركه» يروى هذا على وجهين. أحدهما: الشرك، بكسر الشين وسكون الراء، ومعناه: ما يدعو إليه الشيطان ويوسوس به من الإشراك بالله سبحانه. والوجه الآخر: وشركه، بفتح الشين والراء، يريد: حبائل الشيطان ومصايده.
[53] [وقوله]: «وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت» يحتمل وجهين مختلفي المحلين.
أحدهما: إني مقيم على ما عاهدتك عليه من الإيمان بك والاعتقاد لوحدانيتك لا أزول عنه ما استطعت، وإنما استثنى بقوله: ما استطعت موضع القدر السابق في أمره، يقول: إن كان قد تقدم القدر في أمري، وجرى القضاء بأني انقض العهد يوما ما، وأزول عنه فإني أفزع عند ذلك إلى التنصل، والاعتذار بعدم الاستطاعة لدفع ما قضيته علي والامتناع من وقوعه بي.
والوجه الآخر: أن يكون معناه: إني متمسك بما عهدته إلي من أمرك، ونهيك، ومبل العذر في الوفاء به قدر الوسع، والاستطاعة، وإن كنت لا أبلغ كنه الواجب من حقك ولا أفي بما يلزمني من مواجب طاعتك. ونظير هذا.
[18 مكرر] قوله صلى الله عليه وسلم: «استقيموا ولن تحصوا» أي: لن تطيقوا كل الاستقامة. أي: فاجتهدوا وأبلوا العذر فيما تطيقون منها.
[54] وقوله صلى الله عليه وسلم: «أبوء بنعمتك علي وأبوء بذنبي» معناه: التزام المنة بحق النعمة والاعتراف بالتقصير في شكرها واحتمال اللائمة فيه، وأصله من قولك: بؤت بكذا، إذا احتملته، ومنه قول الله سبحانه: {فباؤوا بغض من الله} [آل عمران: 112] قال [بعض] أهل التفسير، [معناه]: احتملوه ورجعوا به.
[55] وقوله: «اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي» أقسام الجهات ستة وكلها سبل للآفات، وطرق لها لا يؤمن ورودها منها، وقد روي عن غير واحد من أهل التفسير في قوله جل وعز: {ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين} [الأعراف: 17] قالوا: «من بين أيدهم»: الدنيا. «ومن خلفهم»: الآخرة. «وعن أيمانهم»: الحسنات. «وعن شمائلهم»: السيئات. والمعنى: أنه يزين: لهم الدنيا، ويثبطهم عن الآخرة، ويصدهم عن الحسنات، ويدعوهم إلى السيئات.
وأما جهة فوق: فمنها ينزل البلاء، والعذاب والصواعق.
ومن تحت: تقع الزلازل والخسف، وقد يكون معناه: أن يستدرج، فيؤتي من حيث لا يشعر؛ فيغتال، ويهلك.
[56] وأخبرني أبو عمر عن أبي العباس أحمد بن يحيي، قال: العرب تقول: «اللهم واقية كواقية الوليد». قال: وذلك أن الصبي قد يتعرض للآفات فيقيه الله، ويحفظه من غير حذر ولا اتقاء.
[57] وحدثني في إسناد له أن بعض الأنبياء صلوات الله عليهم كان يقول في دعائه: «اللهم احفظني حفظ الصبي» وهذا قد يكون من الوجه الذي ذكرناه، وهو ما يحدث عليه في الدنيا من آفاتها. وقد يتأول أيضًا على معنى طلب العصمة وأن يحفظ من الذنوب كما حفظ الصبي؛ فلم يكتب عليه ذنب.
والاغتيال: أن يؤتى المرء من حيث لا يشعر وأن يدهى بمكروه لم يرتقبه، ويقالك قتل فلان غيلة إذا ظفر به في حال غرة، وأوان غفلة فقتل. وأصل هذا من الغول، الذي يقال: إنها تغول الناس، وتضلهم، ويقال: الخمر غول العقل؛ وذلك أنها تذهب العقل، ومن هذا قولهم: غالت فلانا غائلة إذا أصابته داهية قال ذو الرمة:
فأيقن قلبي أنني لاحق أبي
وغائلتي غول الرجال الأوائل
يريد الموت.
[58] وقوله: «اللهم عافني في سمعي، اللهم عافني في بصري. لا إله إلا أنت» قد تكون العافية في السمع والبصر بأن يسلما من الآفات، كالصمم والعمى، والرمد والأوجاع، [وتكون بمعنى السلامة مما يسوء السامع له والناظر إليه، وقد] تكون بمعنى العصمة من المآثم فلا ينظر بعينه إلى محظور ولا يصغي بأذنه إلى مكروه.
[59] وقوله: «لبيك اللهم لبيك وسعديك». لبيك: كلمة معناها سرعة الإجابة، وإظهار الطاعة. وقال النحويون: أصله مأخوذ من لب الرجل بالمكان، وألب به، إذا لزمه وأقام به؛ ومنه قول الشاعر:
لب بأرض ما تخطاها الغنم
أي: أقام بها. وأخبرني ابن مالك، قال: أخبرنا محمد بن إبراهيم بن سعيد العبدي، قال: سمعت ابن عائشة يقول: دعا أعرابي غلامًا فه فأبطأ في الإجابة، ثم قال: لبيك. فقال: لب عمود جنبيك. دعا عليه بأن يضرب على جنبيه فيلزمهما العمود بالضرب، قالوا: وكان الأصل في لبى لبب فأبدلوا من إحدى الباءات ياء طلبًا للخفة كما قالوا: تقضي [البازي] [الطائر] من تقضض. وتظني من تظنن. كقول النابغة:
قواف كالسلام إذا استمرت
فليس يرد مذهبها التظني
قالوا: ومعنى التثنية فيه: التوكيد، كأنه قال: إلبابا ببابك بعد إلباب، ولزومًا لطاعتك بعد لزوم، وكذلك قوله: وسعديك، معناه: إسعادًا بعد إسعاد وطاعة لك بعد طاعة. كما قالوا: حنانيك، أي: تحننا بعد تحنن. وهذا ذيك، أي: هذا بعد هذ وأصل الهذ: الإسراع.
[60] وقوله: «اللهم ما قلت من قول أو حلفت من حلف أو نذرت من نذر فمشيئتك بين يدي ذلك كله». الصواب: أن تنصب المشيئة على إضمار فعل، كأنه قال: فإني أقدم مشيئتك في ذلك [كله] وأنوي الاستثناء فيه طرحًا للحنث عني عند وقوع الخلف. وفيه حجة لمن ذهب مذهب المكيين في جواز الاستثناء منفصلاً عن اليمين. ومما يحتجون به في ذلك.
[61] حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والله لأغزون قريشا، والله لأغزون قريشا، والله لأغزون قريشًا». ثم سكت ساعة ثم قال: «إن شاء الله». أخبرناه ابن الأعرابي. قال: حدثنا الحسن بن مكرم، قال: حدثنا الحسن بن قتيبة، قال: حدثنا مسعر عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس. ومن رواه، بضم المشيئة كان معناه الاعتذار بسابق الأقدار العائقة عن الوفاء بما ألزمه نفسه منها وفيه طرف من مذهب الجبر، والأول أحسن وأصوب. والله تعالى أعلم).[شأن الدعاء: 114-131]


رد مع اقتباس
  #25  
قديم 14 رمضان 1438هـ/8-06-2017م, 07:20 PM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي

وقوله: اللهم ما صليت من صلاة

قال أبو سليمان حَمْدُ بن محمد بن إبراهيم الخطابي (ت: 388هـ)
: ([62] وقوله: «اللهم ما صليت من صلاة فعلى من صليت، وما لعنت [من لعنة] فعلى من لعنت». [و] الوجه أن ترفع التاء من «صليت» ومن «لعنت» في الأول وأن تنصبها منهما في الآخر، والمعنى كأنه يقول: اللهم اصرف صلاتي ودعائي إلى من أحققته لصلاتك، ورحمتك، واجعل لعني على من استحق اللعن عندك، واستوجب الطرد والإيعاد في حكمك، ولا تؤاخذني بالخطأ مني في وضعهما غير موضعهما، وإحلالهما في غير ملحهما. وهو إنما يصح على هذا التأويل إذا كان قد سبقت منه صلاة، أو بدر منه لعن الغير المستحقين، وقد يحتمل أن يكون إنما دعا بالتوفيق واشترط في مسألته العصمة؛ لأن لا يجري على لسانه ثناء إلا لمن يستحق الثناء من أوليائه، ولا ذم إلا لم يستحقه من أعدائه، كأنه يقول: اللهم احفظني حتى لا أوالي إلا أولياءك، ولا أعادي إلا أعداءك. فالوجه الأول إنما ينصرف إلى الماضي، و[الوجه] الآخر إلى المستقبل. والله أعلم.
[63] وقوله: «اللهم إني أسألك الرضى بعد [نزول] القضاء، وبرد العين بعد الموت» إنما سأل الرضى بعد نزول القضاء به لأن الرضى قبل ذلك دعوى من العبد، وإنما يتحقق ذلك عند وقوع القضاء به، وورود كراهته عليه، سأل الله [تعالى] التثبيت له، وتوطين النفس عليه. وبرد العيش: خفضه، ونعمته. وأصل البرد في الكلام: السهولة. ومنه:
[64] قول النبي صلى الله عليه وسلم: [«الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة» أي: السهلة. وقال بعضهم: إنما قيل له: الغنيمة الباردة؛ لأنه لم يشهد فيه حر قتال. وقيل: لأن حرة العطش لا تنال الصائم فيه. قال الشاعر:
قليلة لحم الناظرين يزينها
شباب ومخفوض من العيش بارد
أي: ناعم سهل.
[65] وقوله عند سماع الأذان: «اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه المقام المحمود الذي وعدته».
[66] قال: وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من صلى علي صلاة صلى الله عليه عشرًا».
قال الشيخ أبو سليمان: إنما وصف هذه الدعوة بالتمام لأنها ذكر الله تعالى يدعا بها إلى طاعة الله، وعبادته، وهذه الأمور هي التي تستحق صفة الكمال، والتمام وما سواها من أمور الدنيا فإنها بعرض النقض والفساد، وكانت دعواتهم في الجاهلية إنما هي دعوى القبائل، كقولهم: يا لبكر ويا آل خندف، أو دعوة نعي [وندبة]، كقولهم عند موت الرجل الشريف منهم: يا نعاء فلانا، ويا فلاناه، أو دعوة إلى طعام ونحوه.
وكل هذه الأمور لا تخلو من آفة أو نقص يدخلها، ودعوة الأذان إنما شرعت في الإسلام لإقامة ذكر الله جل وعز فوصفها بالتمام تحريضًا عليها، وترغيبًا فيها، وصرفًا للوجوه إليها. والله أعلم.
ونظير هذا
[67] قوله صلى الله عليه وسلم: «أعوذ بكلمات الله التامات كلها من شر ما خلق، وذرأ، وبرأ» فوصفها بالتمام؛ إذ لا يجوز [أن يكون] في شيء من كلامه عيب، أو نقص، كما يكون ذلك في كلام الآدميين. وقيل فيه وجه آخر، وهو أن كل كلمة كانت على حرفين؛ فإنها عندهم ناقصة، والتامة منها ما كان أقله على ثلاثة أحرف، وقد أخبر الله سبحانه أنه إذا أراد أمرًا قال له: {كن فيكون} [يس: 82]، وكلمة (كن) ناقصة في الهجاء. فنفى صلى الله عليه وسلم النقص عن كلمات الله قطعًا للأوهام.
نسخة الشيخ: قال أبو سليمان أحمد بن إبراهيم الخطابي رحمه الله:
واعلم أن حكم كلامه.
[خلاف حكم كلام بني آدم، وإن نقص الهجاء [في الكتابة] لا يسلبه صفة الكمال والتمام، وقيل: إن معنى التمام فيها أنها تنفع المتعوذ بها، وتشفيه، وتحفظه [من الآفات]، وتكفيه. وكان أحمد بن حنبل رحمه الله يستدل به على أن القرآن غير مخلوق، قال: وذلك لأنه ما من مخلوق إلا وفيه نقص.
وأما الوسيلة: فقد
[68] روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عنها فقال: «هي درجة في الجنة لا ينالها عبد غيري».
وقيل في «المقام المحمود»: إنه الشفاعة.
وأما قوله
[66 مكرر] صلى الله عليه وسلم: «من صلى علي صلاة صلى الله عليه عشرا» فإن هذه فضيلة عظيمة، ومرتبة في الاختصاص والاصطفاء جليلة، وهو مشبه في عرف أهل الدنيا وعاداتهم بالرجل يكون له الحميم والصديق، قد غاب عنه، فيذكره بعض من يحضره بالجميل من القول فيرد عليه صاحبه جميلاً، ويضاعف الثناء عليه مجازاة له ونيابة في الشكر عنه]).[شأن الدعاء: 131-139]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:38 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة