العودة   جمهرة العلوم > جمهرة علوم اللغة > جمهرة معاني الحرف وأسماء الأفعال والضمائر والظروف > جمهرة معاني الحروف

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #2  
قديم 24 ذو الحجة 1438هـ/15-09-2017م, 08:53 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

قال عبد الله بن يوسف بن أحمد ابن هشام الأنصاري (ت: 761هـ): (وهذا فصل عقدته لـ "ماذا"
اعلم أنّها تأتي في العربيّة على أوجه:
أحدها: أن تكون "ما" استفهامية، و"ذا" إشارة، نحو: "ماذا" التواني، و "ماذا" الوقوف.
والثّاني: أن تكون "ما" استفهامية، و"ذا" موصولة ،كقول لبيد رضي الله عنه:
ألا تسألان المرء ماذا يحاول ... أنحب فيقضى أم ضلال وباطل
"فما" مبتدأ بدليل إبداله المرفوع منها، و"ذا" موصول بدليل افتقاره للجملة بعده.
وهو أرجح الوجهين في:{ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو}، فيمن رفع العفو، أي: الّذي ينفقونه العفو، إذ الأصل أن تجاب الاسمية بالاسمية والفعلية بالفعلية.
الثّالث: أن يكون "ماذا" كله استفهاما على التّركيب، كقولك: "لماذا" جئت؟ وقوله:
يا خزر تغلب ماذا بال نسوتكم ...
وهو أرجح الوجهين في الآية في قراءة غير أبي عمرو: {قل العفو} بالنّصب، أي: ينفقون العفو.
الرّابع: أن يكون "ماذا" كله اسم جنس بمعنى شيء، أو موصولا بمعنى الّذي، على خلاف في تخريج قول الشّاعر:
دعي ماذا علمت سأتقيه ... ولكن بالمغيب نبئيني
فالجمهور على أن "ماذا" كله مفعول دعي، ثمّ اختلف فقال السيرافي وابن خروف: موصول بمعنى الّذي، وقال الفارسي نكرة بمعنى شيء، قال لأن التّركيب ثبت في الأجناس دون الموصولات.
وقال ابن عصفور: لا تكون "ماذا" مفعولا لـ دعي؛ لأن الاستفهام له الصّدر ولا لـ علمت؛ لأنّه لم يرد أن يستفهم عن معلومها ما هو، ولا لمحذوف يفسره سأتقيه؛ لأن علمت حينئذٍ لا محل لها، بل "ما" اسم استفهام مبتدأ، و"ذا" موصول خبر، وعلمت صلة، وعلق دعي عن العمل بالاستفهام انتهى.
ونقول إذا قدرت "ماذا" بمعنى الّذي، أو بمعنى شيء، لم يمتنع كونها مفعول دعي.
وقوله لم يرد أن يستفهم عن معلومها لازم له إذا جعل "ماذا" مبتدأ وخبرا، ودعواه تعليق دعي مردودة بأنّها ليست من أفعال القلوب، فإن قال إنّما أردت أنه قدر الوقف على دعي فاستأنف ما بعده رده قول الشّاعر، ولكن فإنّها لا بد أن يخالف ما بعدها ما قبلها، والمخالف هنا دعي، فالمعنى دعي كذا، ولكن افعلي كذا وعلى هذا فلا يصح استئناف ما بعد دعي؛ لأنّه لا يقال من في الدّار فإنني أكرمه، ولكن أخبرني عن كذا.
الخامس: أن تكون "ما" زائدة، و"ذا" للإشارة، كقوله:
أنورا سرع ماذا يا فروق ...
أنورا "بالنّون"، أي: أنفارا، وسرع أصله بضم "الرّاء"، فخفف يقال سرع "ذا" خروجًا، أي: أسرع هذا في الخروج، قال الفارسي: يجوز كون "ذا" فاعل سرع، و"ما" زائدة، ويجوز كون "ماذا" كله اسم، كما في قوله:
دعي ماذا علمت ...
السّادس: أن تكون "ما" استفهاما، و"ذا" زائدة أجازه جماعة، منهم ابن مالك في نحو: "ماذا" صنعت؟ وعلى هذا التّقدير فينبغي وجوب حذف "الألف" في نحو: "لم" "ذا" جئت؟ والتّحقيق أن الأسماء لا تزاد.

النّوع الثّاني الشّرطيّة وهي نوعان:
غير زمانية: نحو: {وما تفعلوا من خير يعلمه الله}،{ما ننسخ من آية}، وقد جوزت في: {وما بكم من نعمة فمن الله}، على أن الأصل و"ما" يكن، ثمّ حذف فعل الشّرط.
كقوله:
إن العقل في أموالنا لا نضق بها ... ذراعا وإن صبرا فنصبر للصبر
أي: إن يكن العقل، وإن نحبس حبسا.
والأرجح في الآية أنّها موصولة، وأن "الفاء" داخلة على الخبر لا شرطيّة، و"الفاء" داخلة على الجواب.
وزمانية أثبت ذلك الفارسي، وأبو البقاء، وأبو شامة، وابن بري، وابن مالك، وهو ظاهر في قوله تعالى: {فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم}، أي: استقيموا لهم مدّة استقامتهم لكم، ومحتمل في: {فما استمتعتم به منهنّ فآتوهنّ أجورهنّ}، إلّا أن "ما" هذه مبتدأ لا ظرفية، و"الهاء" من به راجعة إليها، ويجوز فيها الموصولية، و {فأتوهن} الخبر والعائد محذوف، أي: لأجله، وقال:
فما تك يا بن عبد الله فينا ... فلا ظلما نخاف ولا افتقارا
استدلّ به ابن مالك على مجيئها للزمان، وليس بقاطع لاحتماله للمصدر، أي: للمفعول المطلق، فالمعنى أي كون تكن فينا طويلا أو قصيرا.

وأما أوجه الحرفية:
أحدها: أن تكون نافية، فإن دخلت على الجملة الاسمية أعملها الحجازيون والتهاميون والنجديون عمل ليس بشروط معروفة، نحو:
{ما هذا بشرا}،{ما هن أمهاتهم}، وعن عاصم أنه رفع أمهاتهم على التميمية، وندر تركيبها مع النكرة تشبيها لها بـ "لا".
كقوله:
وما بأس لو ردّت علينا تحيّة ... قليل على من يعرف الحق عابها
وإن دخلت على الفعلية لم تعمل، نحو: {وما تنفقون إلّا ابتغاء وجه الله}، فأما: {وما تنفقوا من خير فلأنفسكم}،{وما تنفقوا من خير يوف إليكم}، فـ "ما" فيهما شرطيّة، بدليل "الفاء" في الأولى والجزم في الثّانية.
وإذا نفت المضارع تخلص عند الجمهور للحال، ورد عليهم ابن مالك بنحو: {قل ما يكون لي أن أبدله}.
وأجيب "بأن" شرط كونه للحال انتفاء قرينة خلافه.
والثّاني: أن تكون مصدريّة، وهي نوعان: زمانية وغيرها.
فغير الزمانية، نحو: {عزيز عليه ما عنتم}،{ودوا ما عنتم}، و {ضاقت عليهم الأرض بما رحبت}،{فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا}،
{لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب}،{ليجزيك أجر ما سقيت لنا}، وليست هذه بمعنى الّذي؛ لأن الّذي سقاه لهم الغنم، وإنّما الأجر على السّقي الّذي هو فعله لا على الغنم، فإن ذهبت تقدر أجر السّقي الّذي سقيته لنا، فذلك تكلّف لا محوج إليه، ومنه: {بما كانوا يكذبون}،{آمنوا كما آمن النّاس}، وكذا حيث اقترنت "بكاف" التّشبيه بين فعلين متماثلين، وفي هذه الآيات رد لقول السّهيلي إن الفعل بعد "ما" هذه لا يكون خاصّا، فتقول: أعجبني "ما" تفعل، ولا يجوز أعجبني "ما" تخرج.
والزمانية، نحو: {ما دمت حيا}، أصله مدّة دوامي حيا، فحذف الظّرف، وخلفته "ما" وصلتها كما جاء في المصدر الصّريح، نحو: جئتك صلاة العصر، وآتيك قدوم الحاج، ومنه:{إن أريد إلّا الإصلاح ما استطعت}،{فاتّقوا الله ما استطعتم}،وقوله:
أجارتنا إن الخطوب تنوب ... وإنّي مقيم ما أقام عسيب
ولو كان معنى كونها زمانية أنّها تدل على الزّمان بذاتها لا بالنيابة لكانت اسما، ولم تكن مصدريّة ،كما قال ابن السّكيت وتبعه ابن الشجري في قوله:
منا الّذين هو ما إن طر شاربه ... والعانسون ومنا المرد والشيب
معناه: حين طر.
قلت وزيدت "إن" بعدها لشبهها في اللّفظ "بما" النافية.
كقوله:
ورج الفتى للخير ما إن رأيته ... على السن خيرا لا يزال يزيد
وبعد فالأولى في البيت تقدير "ما" نافية؛ لأن زيادة "إن" حينئذٍ قياسية؛ ولأن فيه سلامة من الأخبار بالزّمان عن الجثة، ومن إثبات معنى
واستعمال "لما" لم يثبتا له، وهما كونها للزمان مجرّدة، وكونها مضافة، وكأن الّذي صرفهما عن هذا الوجه مع ظهوره أن ذكر المرد بعد ذلك لا يحسن إذ الّذي لم ينبت شاربه أمرد.
والبيت عندي فاسد التّقسيم بغير هذا، ألا ترى أن العانسين وهم الّذين لم يتزوجوا لا يناسبون بقيّة الأقسام، وإنّما العرب محميون من الخطأ في الألفاظ دون المعاني، وفي البيت مع هذا العيب شذوذان إطلاق العانس على المذكر، وإنّما الأشهر استعماله في المؤنّث، وجمع الصّفة "بالواو" و"النّون" مع كونها غير قابلة "للتاء"، ولا دالّة على المفاضلة، وإنّما عدلت عن قولهم ظرفية إلى قولي زمانية ليشمل نحو: {كلما أضاء لهم مشوا فيه}، فإن الزّمان المقدر هنا مخفوض، أي: كل وقت إضاءة، والمخفوض لا يسمى ظرفا، ولا تشارك "ما" في النّيابة عن الزّمان "أن" خلافًا لابن جني.
وحمل عليه قوله:
وتالله ما إن شهلة أم واحد ... بأوجد مني أن يهان صغيرها
وتبعه الزّمخشريّ، وحمل عليه قوله تعالى: {أن آتاه الله الملك}،{إلّا أن يصدقوا}،{أتقتلون رجلا أن يقول ربّي الله}.
ومعنى التّعليل في البيت والآيات ممكن، وهو متّفق عليه فلا معدل عنه.
وزعم ابن خروف أن "ما" المصدرية حرف باتّفاق، ورد على من نقل فيها خلافًا، والصّواب مع ناقل الخلاف فقد صرح الأخفش وأبو بكر باسميتها، ويرجحه أن فيه تخلصا من دعوى اشتراك لا داعي إليه.
فإن "ما" الموصولة الاسمية ثابتة باتّفاق، وهي موضوعة لما لا يعقل، والأحداث من جملة ما لا يعقل، فإذا قيل: أعجبني "ما" قمت، قلنا التّقدير: أعجبني الّذي قمته، وهو يعطي معنى قولهم أعجبني قيامك، ويرد ذلك أن نحو: جلست "ما" جلس زيد، تريد به المكان ممتنع مع أنه ممّا لا يعقل، وأنه يستلزم أن يسمع كثيرا أعجبني "ما" قمته؛ لأنّه عندهما الأصل، وذلك غير مسموع، قيل ولا ممكن؛ لأن قام غير متعدٍّ وهذا خطأ بين؛ لأن "الهاء" المقدرة مفعول مطلق لا مفعول به، وقال ابن الشجري أفسد النحويون تقدير الأخفش بقوله تعالى: {ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون}، فقالوا: إن كان الضّمير المحذوف للنّبي عليه السّلام أو للقرآن صحّ المعنى، وخلت الصّلة عن عائد أو للتكذيب فسد المعنى؛ لأنهم إذا كذبوا التّكذيب بالقرآن أو النّبي كانوا مؤمنين انتهى.
وهذا سهو منه ومنهم لأن كذبوا ليس واقعا على التّكذيب، بل مؤكد به لأنّه مفعول مطلق لا مفعول به، والمفعول به محذوف أيضا، أي: بما كانوا يكذبون النّبي أو القرآن تكذيبًا، ونظيره: {وكذبوا بآياتنا كذابا}، ولأبي البقاء في هذه الآية أوهام متعدّدة، فإنّه قال: "ما" مصدريّة
صلتها يكذبون، ويكذبون خبر "كان"، ولا عائد على "ما" ولو قيل باسميتها، فتضمنت مقالته الفصل بين "ما" الحرفية وصلتها "بكان"، وكون يكذبون في موضع نصب؛ لأنّه قدره خبر "كان"، وكونه لا موضع له لأنّه قدره صلة "ما"، واستغناء الموصول الاسمي عن عائد
وللزمخشري غلطة هذه الأخيرة، فإنّه جوز مصدريّة "ما" في: {وأتبع الّذين ظلموا ما أترفوا فيه}، مع أنه قد عاد عليها الضّمير،
وندر وصلها بالفعل الجامد في قوله:
أليس أميري في الأمور بأنتما ... بما لستما أهل الخيانة والغدر
وبهذا البيت رجح القول بحرفيتها، إذ لا يتأتّى هنا تقدير الضّمير.

الوجه الثّالث: أن تكون زائدة، وهي نوعان: كافّة، وغير كافّة.
والكافة ثلاثة أنواع:
أحدها: الكافة عن عمل الرّفع، ولا تتصل إلّا بثلاثة أفعال قل وكثر وطال، وعلة ذلك شبههن "بربّ"، ولا يدخلن حينئذٍ إلّا على
جملة فعلية صرح بفعلها، كقوله:
قلمّا يبرح اللبيب إلى ما ... يورث المجد داعيا أو مجيبا
فأما قول المرار:
صددت فأطولت الصدود وقلما ... وصال على طول الصدود يدوم
فقال سيبويه ضرورة، فقيل وجه الضّرورة أن حقّها أن يليها الفعل صريحًا، والشاعر أولاها فعلا مقدرا، وأن وصال مرتفع بيدوم محذوفا مفسرًا بالمذكور.
وقيل وجهها أنه قدم الفاعل، ورده ابن السّيّد بأن البصريين لا يجيزون تقديم الفاعل في شعر ولا نثر.
وقيل وجهها أنه أناب الجملة الاسمية عن الفعلية، كقوله:
... فهلا نفس ليلى شفيعها
وزعم المبرد أن "ما" زائدة.
ووصال فاعل لا مبتدأ، وزعم بعضهم أن "ما" مع هذا الأفعال مصدريّة لا كافّة.
والثّاني: الكافة عن عمل النصب والرّفع، وهي المتّصلة "بإن" وأخواتها، نحو: {إنّما الله إله واحد}،{كأنّما يساقون إلى الموت}، وتسمى المتلوة بفعل مهيئة.
وزعم ابن درستويه وبعض الكوفيّين أن "ما" مع هذه الحروف اسم مبهم بمنزلة ضمير الشّأن في التفخيم والإبهام، وفي أن الجملة بعده مفسرة له ومخبر بها عنه.
ويرده أنّها لا تصلح للابتداء بها، ولا لدخول ناسخ غير "إن" وأخواتها.
ورده ابن الخباز في شرح الايضاح بامتناع إنّما أين زيد مع صحة تفسير ضمير الشّأن بجملة الاستفهام، وهذا سهو منه إذ لا يفسر ضمير الشّأن بالجمل غير الخبرية اللّهمّ إلّا مع "أن" المخففة من الثّقيلة، فإنّه قد يفسر بالدّعاء، نحو: أما "أن" جزاك الله خيرا.
وقراءة بعض السّبعة (والخامسة أَنْ غضب الله عليها).
على أنا لا نسلم أن اسم "أن" المخففة يتعيّن كونه ضمير شأن، إذ يجوز هنا أن يقدر ضمير المخاطب في الأول، والغائبة في الثّاني.
وقد قال سيبويه في قوله تعالى: {أن يا إبراهيم قد صدقت الرّؤيا}، إن التّقدير: "إن" قد صدقت.
وأما {إن ما توعدون لآت}،{وأن ما يدعون من دونه هو الباطل}،{إن ما عند الله هو خير لكم}،{أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات}،{واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه}.
فـ "ما" في ذلك كله اسم باتّفاق، والحرف عامل.
وأما {إنّما حرم عليكم الميتة}، فمن نصب الميتة "فما" كافّة، ومن رفعها وهو أبو رجاء العطاردي، "فما" اسم موصول، والعائد محذوف.
وكذلك {إنّما صنعوا كيد ساحر}، فمن رفع كيد فـ "إن" عاملة، و"ما" موصولة، والعائد محذوف، لكنه محتمل للاسمي والحرفي، أي: "إن" الذي صنعوه، أو "إن" صنعهم، ومن نصب وهو ابن مسعود والربيع بن خيثم، فـ"ما" كافّة، وجزم النحويون بأن "ما" كافّة في: (إنّما يخشى الله من عباده العلماء)، ولا يمتنع أن تكون بمعنى الّذي، والعلماء خبر، والعائد مستتر في يخشى.
وأطلقت "ما" على جماعة العقلاء، كما في قوله تعالى: {أو ما ملكت أيمانكم}،{فانكحوا ما طاب لكم من النّساء}، وأما قول النّابغة:
قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا ...
فمن نصب الحمام وهو الأرجح عند النّحويين، في نحو: "ليتما" زيدا قائم، فـ"ما" زائدة غير كافّة، وهذا اسمها، ولنا الخبر، قال سيبويه: وقد كان رؤبة بن العجاج ينشده رفعا انتهى.
فعلى هذا يحتمل أن تكون "ما" كافّة، وهذا مبتدأ، ويحتمل أن تكون موصولة، وهذا خبر لمحذوف، أي: "ليت" الّذي هو هذا الحمام لنا،
وهو ضعيف لحذف الضّمير المرفوع في صلة غير، أي: مع عدم الطول، وسهل ذلك لتضمّنه إبقاء الإعمال.
وزعم جماعة من الأصوليّين والبيانيين أن "ما" الكافة الّتي مع "إن" نافية، وأن ذلك سبب إفادتها للحصر، قالوا لأن "إن" للاثبات و"ما" للنّفي، فلا يجوز أن يتوجها معًا إلى شيء واحد؛ لأنّه تناقض، ولا أن يحكم بتوجه النّفي للمذكور بعدها؛ لأنّه خلاف الواقع باتّفاق، فتعين صرفه لغير المذكور، وصرف الإثبات للمذكور فجاء الحصر.
وهذا البحث مبنيّ على مقدمتين باطلتين بإجماع النّحويين، إذ ليست "إن" للإثبات، وإنّما هي لتوكيد الكلام إثباتًا كان، مثل: "إن" زيدا قائم، أو نفيا مثل: "إن" زيدا ليس بقائم، ومنه {إن الله لا يظلم النّاس شيئا}، وليست "ما" للنّفي، بل هي بمنزلتها في أخواتها "ليتما" و"لعلما" و"لكنما" و"كأنما"، وبعضهم ينسب القول بأنّها نافية للفارسي في كتاب الشيرازيات، ولم يقل ذلك الفارسي لا في الشيرازيات ولا في غيرها ولا قاله نحوي غيره.
وإنّما قال الفارسي في الشيرازيات: إن العرب عاملوا "إنّما" معاملة النّفي و"إلّا" في فصل الضّمير، كقوله الفرزدق:
وإنّما ... يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي
فهذا كقول الآخر:
قد علمت سلمى وجاراتها ... ما قطر الفارس إلّا أنا
وقول أبي حيّان لا يجوز فصل الضّمير المحصور "بإنما" و"إن" الفصل في البيت الأول ضرورة، واستدلاله بقوله تعالى: {قل إنّما أعظكم بواحدة}،{إنّما أشكو بثي وحزني إلى الله}،{وإنّما توفون أجوركم يوم القيامة}، وهم لأن الحصر فيهنّ في جانب الظّرف لا الفاعل، ألا ترى أن المعنى "ما" أعظكم إلّا بواحدة، وكذلك الباقي.
والثّالث: الكافة عن عمل الجرّ، وتتصل بأحرف وظروف.
فالأحرف:
أحدها: "رب"، وأكثر "ما" تدخل حينئذٍ على الماضي، كقوله:
ربما أوفيت في علم ... ترفعن ثوبي شمالات
لأن التكثير والتقليل إنّما يكونان فيما عرف حده، والمستقبل مجهول، ومن ثمّ قال الرماني في: {ربما يود الّذين كفروا}، إنّما جاز لأن المستقبل معلوم عند الله تعالى كالماضي، وقيل هو على حكاية حال ماضية مجازًا، مثل :{ونفخ في الصّور}، وقيل التّقدير: "ربما"" كان" يود، وتكون "كان" هذه شأنية، وليس حذف كان بدون "إن" و"لو" الشرطيتين سهلا، ثمّ الخبر حينئذٍ، وهو يود مخرج على حكاية الحال الماضية، فلا حاجة إلى تقدير "كان"، ولا يمتنع دخولها على الجملة الاسمية خلافًا للفارسي، ولهذا قال في قول أبي دؤاد:
ربما الجامل المؤبل فيهم ...
"ما" نكرة موصوفة بجملة حذف مبتدؤها، أي: "رب" شيء هو الجامل.
الثّاني: "الكاف"، نحو: "كن" "كما" أنت، وقوله:
... كما سيف عمرو لم تخنه مضاربة
قيل ومنه: {اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة}، وقيل "ما" موصولة، والتّقدير: كالّذي هو آلهة لهم، وقيل لا تكف "الكاف" "بما" وإن "ما" في ذلك مصدريّة موصولة بالجملة الاسمية.
الثّالث: "الباء" كقوله:
فلئن صرت لا تحير جوابا ... لبما قد ترى وأنت خطيب
ذكره ابن مالك، وأن "ما" الكافة أحدثت مع "الباء" معنى التقليل، كما أحدثت مع "الكاف" معنى التّعليل، في نحو: {واذكروه كما هداكم}، والظّاهر أن "الباء" و"الكاف" للتّعليل، وأن "ما" معهما مصدريّة، وقد سلم أن كلا من "الكاف" و"الباء" يأتي للتّعليل مع عدم "ما"، كقوله تعالى: {فبظلم من الّذين هادوا حرمنا عليهم طيّبات أحلّت لهم}، {ويكأنه لا يفلح الكافرون}، وأن التّقدير أعجب لعدم فلاح الكافرين، ثمّ المناسب في البيت معنى التكثير لا التقليل.
الرّابع: من كقول أبي حيّة:
وإنّا لمما نضرب الكبش ضربة ...
قاله ابن الشجري، والظّاهر أن "ما" مصدريّة، وأن المعنى مثله في: {خلق الإنسان من عجل}، وقوله:
... وضنت علينا والضنين من البخل
فجعل الإنسان، والبخيل مخلوقين من العجل، والبخل مبالغة.
وأما الظروف:
فأحدها: "بعد"،كقوله:
أعلاقة أم الوليد بعدما ... أفنان رأسك كالثغام المخلس
المخلس بكسر "اللّام" المختلط رطبه بيابسه.
وقيل "ما" مصدريّة، وهو الظّاهر؛ لأن فيه إبقاء "بعد" على أصلها من الإضافة؛ ولأنّها لو لم تكن مضافة لنونت.
والثّاني: "بين" كقوله:
بينما نحن بالأراك معًا ... إذ أتى راكب على جملة
وقيل "ما" زائدة، و"بين" مضافة إلى الجملة، وقيل زائدة و"بين" مضافة إلى زمن محذوف مضاف إلى الجملة، أي: "بين" أوقات نحن بالأراك.
والأقوال الثّلاثة تجري في: "بين" مع "الألف" في نحو قوله:
فبينا نسوس النّاس والأمر أمرنا ... إذا نحن فيهم سوقة ليس ننصف
والثّالث والرّابع: "حيث" و"إذ"، ويضمنان حينئذٍ معنى "إن" الشّرطيّة فيجزمان فعلين.

وغير الكافة نوعان: عوض، وغير عوض.
فالعوض في موضعين:
أحدهما: في نحو قولهم: "أما" أنت منطلقًا انطلقت، والأصل انطلقت؛ لأن كنت منطلقًا، فقدم المفعول له للاختصاص، وحذف الجار، و"كان" للاختصار، وجيء بـ "ما" للتعويض، وأدغمت "النّون" للتقارب، والعمل عند الفارسي وابن جني لـ "ما" لا لـ"كان".
والثّاني: في نحو قولهم: افعل هذا "إمّا" لا، وأصله: "إن" "كنت" "لا" تفعل غيره.
وغير العوض:
أتقع بعد الرافع، كقولك: شتان "ما" زيد وعمرو، وقول مهلهل:
لو بأبانين جاء يخطبها ... ومل ما أنف خاطب بدم
وقد مضى البحث في قوله:
أنورا سرع ماذا يا فروق ...
وأن التّقدير: أنفارا سرع هذا.
وبعد الناصب الرافع، نحو: "ليتما" زيدا قائم.
وبعد الجازم، نحو: {وإمّا ينزغنك من الشّيطان نزغ}،{أيا ما تدعوا}،{أينما تكونوا}، وقول الأعشى:
متى ما تناخي عند باب ابن هاشم ... تراحي وتلقي من فواضله ندى
وبعد الخافض حرفا كان، نحو: {فبما رحمة من الله لنت لهم}،{عمّا قليل}،{ممّا خطيئاتهم}.
وقوله:
ربما ضربة بسيف صقيل ... بين بصرى وطعنة نجلاء
وقوله:
وننصر مولانا ونعلم أنه ... كما النّاس مجروم عليه وجارم
أو اسما، كقوله تعالى: {أيّما الأجلين قضيت}.
وقول الشّاعر:
نام الخلي وما أحس رقادي ... والهم محتضر لدي وسادي
من غير ما سقم ولكن شفني ... هم أراه قد أصاب فؤادي
وقوله:
... ولا سيما يوم بدارة جلجل
أي: ولا مثل الّذي يوم، وقوله: بدارة صفة ليوم، وخبر "لا" محذوف، ومن رفع يوم، فالتقدير: و"لا" مثل هو يوم، وحسن حذف العائد طول الصّلة بصفة يوم، ثمّ إن المشهور أن "ما" مخفوضة، وخبر "لا" محذوف.
وقال الأخفش: "ما" خبر لـ "لا"، ويلزمه قطع "سي" عن الإضافة من غير عوض.
قيل: و"كون" خبر "لا" معروفة، وجوابه أنه قد يقدر "ما" نكرة موصوفة، أو يكون قد رجع إلى قول سيبويه في: "لا" رجل قائم،
إن ارتفاع الخبر "بما" كان مرتفعا به لا بـ"لا" النافية.
وفي الهيتيات للفارسي إذا قيل قاموا "لا" "سيما" زيد، فـ "لا" مهملة، و"سي" حال، أي: قاموا غير مماثلين لزيد في القيام، ويرده صحة دخول "الواو"، وهي لا تدخل على الحال المفردة، وعدم تكرار "لا" وذلك واجب مع الحال المفردة.
وأما من نصبه فهو تمييز، ثمّ قيل "ما" نكرة تامّة مخفوضة بالإضافة، فكأنّه قيل: و"لا" مثل شيء، ثمّ جيء بالتمييز.
وقال الفارسي: "ما" حرف كاف "لسي" عن الإضافة، فأشبهت الإضافة في على التمرة مثلها زبدا.
وإذا قلت "لا" سيما زيد، جاز جر زيد ورفعه، وامتنع نصبه.
وزيدت قبل الخافض، كما في قول بعضهم: "ما" خلا زيد، و"ما""عدا" عمرو، بالخفض وهو نادر.
وتزاد بعد أداة الشّرط جازمة كانت، نحو: {وإمّا تخافن}،{أينما تكونوا يدرككم الموت}، أو غير جازمة: {حتّى إذا ما جاؤوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم}.
وبين المتبوع وتابعه، في نحو: {مثلا ما بعوضة}، قال الزّجاج: "ما" حرف زائد للتوكيد عند جميع البصريين انتهى.
ويؤيّده سقوطها في قراءة ابن مسعود: وبعوضة بدل، وقيل "ما" اسم نكرة صفة لمثلا أو بدل منه، وبعوضة عطف بيان على "ما"، وقرأ رؤية برفع بعوضة، والأكثرون على أن "ما" موصولة، أي: الّذي هو بعوضة، وذلك عند البصريين والكوفيين على حذف العائد مع عدم طول الصّلة، وهو شاذ عند البصريين قياس عند الكوفيّين، واختار الزّمخشريّ كون "ما" استفهامية مبتدأ، وبعوضة خبرها، والمعنى: أي شيء البعوضة "فما" فوقها في الحقارة.
وزادها الأعشى مرّتين في قوله:
إمّا ترينا حفاة لا نعال لنا ... إنّا كذلك ما نحفى وننتعل
وأميّة بن أبي الصّلت ثلاث مرّات في قوله:
سلع ما ومثله عشر ما ... عائل ما وعالت البيقورا
وهذا البيت قال عيسى بن عمر: لا أدري ما معناه، ولا رأيت أحدا يعرفه، وقال غيره: كانوا إذا أرادوا الاستسقاء في سنة الجدب عقدوا في أذناب البقر، وبين عراقيها السّلع بفتحتين، والعشر بضمة ففتحة، وهما ضربان من الشّجر، ثمّ أوقدوا فيها النّار، وصعدوا بها الجبال، ورفعوا أصواتهم بالدّعاء، قال:
أجاعل أنت بيقورا مسلعة ... ذريعة لك بين الله والمطر
ومعنى عالت البيقورا: أن السّنة أثقلت البقر "بما" حملتها من السّلع والعشر).[مغني اللبيب: 4 / 28 - 113]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 24 ذو الحجة 1438هـ/15-09-2017م, 08:55 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

(فصل) "ما"، و"ماذا"
قال جمال الدين محمد بن علي الموزعي المعروف بابن نور الدين (ت: 825هـ): (وأما "ماذا" فقال ابن هشام: تأتي على ستة أوجه وقد أحسن الشرح فيها وسأحكي كلامه إن شاء الله تعالى.
الأول: تكون "ما" استفهامًا و"ذا" إشارة كقولك: "ماذا" التواني؟
الثاني: تكون "ما" استفهامًا و"ذا" موصولة كقول لبيد:
ألا تسألان المرء ماذا يحاول ..... أنحب فيقضى أم ضلالٌ وباطل
وهو أرجح الوجهين في قوله تعالى: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} على قراءة الرفع، أي: الذي ينفقونه العفو؛ إذ الأصل: أن تجاب الجملة الاسمية بالاسمية والفعلية بمثلها.
الثالث: أن تكون مركبتين، والمراد بجملتها الاستفهام كقولك: "لماذا" جئت، وكقول الشاعر:
يا خزر تغلب ماذا بال نسوتكم
وهذا أرجح الوجهين في قراءة من نصب العفو، أي: ينفقون العفو.
الرابع: أن يكون المراد بجملتها اسم جنس بمعنى شيء، أو موصولًا بمعنى "الذي" على اختلاف تخريجهم، كقول الشاعر:
دعي ماذا علمت سأتقيه ..... ولكن بالمغيب نبئيني
فقال السيرافي وابن خروف: موصول بمعنى "الذي"، وقال الفارسي: نكرة بمعنى شيء قال: لأن التركيب ثبت في الأجناس دون الموصولات.
الخامس: أن تكون "ما" زائدة و"ذا" للإشارة كقول الباهلي:
أنورًا سرع ماذا يا فروق ..... وحبلُ الوصل منتكثُ حذيقُ
أراد: سُرْعَ فخفف، قال الفارسي: يجوز أن يكون "ذا" فاعل سرع و"ما" زائدة، ويجوز أن تكون "ماذا" كله اسمًا كما في قوله:
دعي ماذا علمت ....
السادس: أن تكون "ما" استفهامًا و"ذا" زائدة، جوزه جماعة منهم ابن مالك نحو: "ماذا" صنعت؟ قال ابن هشام: وعلى هذا التقدير فينبغي وجوب حذف "الألف" في نحو: "لم" "ذا" جئت؟ والتحقيق أن الأسماء لا تزاد. انتهى). [مصابيح المغاني: 488 - 491]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 24 ذو الحجة 1438هـ/15-09-2017م, 08:57 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي


شرح أحمد بن فارس الشدياق (ت: 1305هـ)

(فصل في "ما" "ذا")

قال أحمد بن فارس الشدياق (ت: 1305هـ): ( (فصل في "ما" "ذا")
اعلم أن "ما" "ذا" تأتي في العربية على أوجه:
أحدها: أن تكون
"ما" استفهامًا و"ذا" إشارة نحو: "ما" "ذا" التواني، و"ما" "ذا" الوقوف.
والثاني: أن تكون
"ما" استفهامًا و"ذا" موصولة، كقول لبيد رضي الله عنه:
ألا تسألان المرء ما ذا يحاول ..... انجب فيقضي أم ضلال وباطل
"فما" مبتدأ و"ذا" موصولة؛ بدليل افتقارها للجملة بعدها، وهو أرجح الوجهين في: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} "فيمن" رفع العفو، أي: الذي ينفقونه العفو، ومن قرأ بالنصب، فالمعنى: ينفقون العفو.
الثالث: أن يكون "ماذا" كله استفهامًا على التركيب، كقولك: "لماذا" جئت، وقوله:
يا خزر تغلب ما ذا بال نسوتكم ..... لا يستفقن إلى الديرين تحنانا
قوله: خزر، جمع أخزر، وهو الضيق "العين"، وتغلب: قبيلة من النصارى على النصرانية، والبال: الحال، يقال: "ما" بالك، أي: "ما" حالك، ويستفقن من استفاق من سكره بمعنى: أفاق، أي صحا، والديرين تثنية دير، وهو متعبد الرهبان والتحنان الشوق.
الرابع: أن يكون
"ما" "ذا" كله اسم جنس بمعنى: شيء، أو موصولًا بمعنى "الذي"، على خلاف في تخريج قول الشاعر:
دعي ماذا علمت سأتقيه ..... ولكن بالمغيب نبئيني
فالجمهور على أن "ماذا" كله مفعول دعي، وخالفهم ابن عصفور، فقال: لا يكون "ماذا" مفعولًا لدعى؛ لأن الاستفهام له الصدر، ولا لعلمت لأنه لم يرد أن يستفهم عن معلومها "ما" هو، بل "ما" استفهام مبتدأ و"ذا" موصول خبر، وعلمت صلته، وعلق دعي عن العمل بالاستفهام.
الخامس: أن تكون
"ما" زائدة و"ذا" للإشارة.
السادس: أن تكون
"ما" استفهامًا و"ذا" زائدة، أجازه جماعة منهم ابن مالك في نحو: "ماذا" صنعت، وعلى هذا التقدير ينبغي وجوب حذف "الألف" في نحو: "لم" "ذا" جئت، والتحقيق أن الأسماء لا تزاد.

"متى": على خمسة أوجه:
أحدها: أن تكون اسم استفهام، نحو: {متى نصر الله}.
والثاني: أن تكون اسم شرط كقوله:
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا ..... متى أضع العمامة تعرفونني
والثالث: أن تكون حرفًا بمعنى: "من" أوفى، وذلك في لغة هذيل، يقولون: أخرجها "متى" كمه، أي: "منه"، وقال ساعدة: أخيل برقا "متى" حاب له زجل، أي: "من" سحاب حاب، أي: ثقيل المشي له تصويت. واختلف في قول بعضهم وضعته "متى" كمي، فقال ابن سيدة بمعنى "في"، وقال غيره بمعنى وسط، وكذا اختلفوا في قول أبي ذؤيب يصف السحاب:
شربن بماء البحر ثم ترفعت ..... متى لجج خضر لهن نئيج
فقيل بمعنى "من"، وقال ابن سيدة بمعنى وسط.

"مذ": ومنذ لهما ثلاث حالات.
إحداها: أن يليهما اسم مجرور، فقيل: هما اسمان مضافان، والصحيح أنهما حرفا جر بمعنى: "من"، إن كان الزمن ماضيًا، وبمعنى: "في"، إن كان حاضرًا، وبمعنى: "من" و"إلى" جميعًا، إن كان معدودًا، أعني: إن دلا على مدة لها ابتداء وانتهاء نحو: "ما" رأيته "مذ" يوم الخميس، أو "مذ" يومنا، أو عامنا، أو "منذ" ثلاثة أيام.
وأكثر العرب على وجوب جرهما للحاضرة، وعلى ترجيح جر "منذ" للماضي على رفعه، وترجيح رفع "مذ" الماضي على جره، ومن الكثير في "منذ" قوله:
قفا نبك من ذكرى حبيب وعرفان ..... وربع عفت آثاره منذ أزمان
ومن القليل في "مذ" أقوين "مذ" حجح و"مذ" دهر.
والحالة الثانية: أن يليهما اسم مرفوع نحو:
"مذ" يوم الخميس، و"منذ" يومان، فمعنى ما لقيته "مذ" يومان بيني، وبين لقائه يومان، وفيه تعسف.
وقال الكوفيون:
"مذ" كان يومان، واختاره السهيلي وابن مالك، وقال بعض الكوفيين: خبر لمحذوف، أي: ما رأيته من الزمان الذي هو يومان، بناء على أن "منذ" مركبة من كلمتين، "من" و"ذو" الطائية.
والحالة الثالثة: أن تليهما الجملة الفعلية أو الاسمية، كقوله: ما زال
"مذ" عقدت يداه إزاره.
وقوله: وما زلت أبغي المال
"مذ" أنا يافع.
والمشهور أنهما حينئذ ظرفان مضافان، فقيل: إلى الجملة، وقيل: إلى زمن مضاف إلى الجملة، وقيل: مبتدآن، وأصل
"مذ": "منذ"؛ بدليل رجوعهم إلى ضم "ذال"، "مذ" عند ملاقاة الساكن نحو: "مذ" اليوم، ولولا أن الأصل الضم لكسروا، ولأن بعضهم يقول: "مذ" زمن طويل، فيضم مع عدم الساكن.
وقال ابن ملكون: هما أصلان، وقال المالقي: إذا كانت
"مذ" اسمًا فأصله "منذ"، أو حرفًا فهي أصل.

"مع": اسم بدليل التنوين في قولك: "معًا"، ودخول الجار في حكاية سيبويه: ذهبت "من" "معه"، أي: "من" "عنده"، وقراءة بعضهم: {هذا ذكر من معي}، وتسكين "عينه" لغة غنم وربيعة لا ضرورة، خلافًا لسيبويه، وعلى هذه اللغة يجوز كسرها قبل سكون ما بعدها، نحو: "مع" الرجل، ويسكنونها أيضًا قبل حركة نحو: "معك"، واسميتها حينئذٍ باقية، وقول النحاس: إنها حينئذٍ حرف بالإجماع مردود، وتستعمل مضافة، فتكون ظرفًا، ولها حينئذٍ ثلاثة معان:
أحدها: موضع الاجتماع، فتكون ظرف مكان، تقول: جلست "مع" زيد، أي: "في" مكان الاجتماع بزيد، أي: "في" مكان اجتمعت "فيه" "مع" زيد.
والثاني: أن تكون ظرف زمان نحو: جئتك
"مع" العصر، أي: وقت العصر.
والثالث: مرادفة "عند"، وعليه القراءة، وحكاية سيبويه السابقتان، وقد جاءت مفردة فتنون على الحالية، وجاءت ظرفًا مخبرًا به في قوله:
أفيقوا بني حرب وأهواؤنا معًا،
أي: أفيقوا في حال اجتماع أهوائنا قبل أن تتفرق.
وقيل: هي حال، والخبر محذوف، وهي في الإفراد بمعنى جميعًا، وتستعمل للجماعة كما تستعمل للاثنين، كقوله: إذا حنت الأولى سجعن لها "معًا". وقالت الخنساء:
وافني رجالي فبادوا معًا ..... فأصبح قلبي بهم مستفزا
قال أبو البقاء: وتأتي "مع" بمعنى "بعد"، نحو: {ودخل معه السجن فتيان}، وبمعنى "عند"، نحو: {مصدقًا لما معكم}، وبمعنى "سوى"، نحو {أأله مع الله}، وبمعنى العلم نحو: {وهو معهم إذ يبيتون}، وبمعنى المتابعة نحو: {طائفة من الذين معك}.

"من": حرف جر تأتي على خمسة عشر وجهًا.
أحدها: ابتداء الغاية، وهو الغالب عليها، نحو: سرت "من" البصرة، وقال الكوفيون والأخفش والمبرد وابن درستويه: إنها تأتي أيضًا في الزمان؛ بدليل: {من أول يوم}، وفي الحديث: «فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة»، وقال النابغة:
تخيرن من أزمان يوم حليمة ..... إلى اليوم قد جرين كل التجارب
الضمير في تخيرنا راجع إلى السيوف، وقيل: التقدير "من" مضى أزمان و"من" تأسيس أول يوم.
الثاني: التبعيض، نحو: {منهم من كلم الله} وعلامتها إمكان سد بعض مسدها، كقراءة ابن مسعود: {حتى تنفقوا بعض ما تحبون}.
الثالث: بيان الجنس، وكثيرًا ما تقع بعد
"ما" و"مهما" لإفراط إبهامهما نحو: {ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها}، {مهما تأتنا به من آية}، و"من" وقوعها "بعد" غيرهما: {يحلون فيها من أسوار من ذهب ويلبسون ثيابًا خضرًا من سندس واستبرق}، الشاهد في غير الأولى، فإن تلك للابتداء، وقيل: زائدة ، وأنكر قوم مجيئها للبيان.
الرابع: التعليل، نحو: {مما خطيئاتهم أغرقوا}، وكقول الفرزدق: يغضي حياء ويغضي
"من" مهابته.
الخامس: البدل، نحو: {أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخر}، ونحو: {لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئًا}، ولا ينفع ذا الجد
"منك" الجد، أي: لا ينفع ذا الحظ حظه من الدنيا بذلك، وأنكر قوم مجيء "من" للبدل، فقالوا: لتقدير: أرضيتم بالحياة بدلًا "من" الآخرة، فالمفيد للبدلية متعلقها المحذوف، وأما هي فللابتداء، وكذا الباقي.
ومن البدل أيضًا قولهم: خذ هذا
"من" دون هذا، أي: اجعله عوضًا "منه"، والأرجح أنه للمقابلة، ومنه: {أتأتون الرجال شهوة من دون النساء}.
السادس: مرادفة
"عن"، نحو: {يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا}، وقيل: هي للابتداء، وزعم ابن مالك أن "من" في قولك: زيد أفضل "من" عمر، وللمجاوزة فتكون بمعنى "عن"، وكأنه قيل: جاوز زيد عمرًا في الفضل، قال: وهو أولى من قول سيبويه وغيره: إنها لابتداء الارتفاع في نحو: أفضل "منه"، وابتداء الانحطاط في نحو: شر "منه"، وقد يقال: إنها لو كانت للمجاوزة لصح في موضعها "عن".
قال أبو البقاء في الكليات: دخول
"من" التفضيلية في غير المفضل عليه شائع في كلام المولدين، ومنه أظهر "من" أن يخفى، يعني: "من" أمر ذي خفاء.
السابع: مرادفة "الباء" نحو: {ينظرون من طرف خفي}، قال يونس: والظاهر أنها للابتداء.
الثامن: مرادفة "في"، نحو: {إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة}.
التاسع: مرادفة "عند"، نحو: {لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئًا}، قاله أبو عبيدة، وقد مضى أنها في ذلك للبدل.
العاشر: مرادفة "ربما"، وذلك إذا اتصلت "بما"، كقوله: وإنا لما نضرب الكبش ضربة. قاله السيرافي وغيره، وخرجوا عليه قول سيبويه، واعلم أنها مما يحذفون كذا.
الحادي عشر: مرادفة "على"، نحو: {ونصرناه من القوم}، وقيل: "على" التضمين، أي: منعناه
"منهم" بالنصر.
الثاني عشر: الفصل، وهي الداخلة على أحد المتضادين نحو: {والله يعلم المفسد من المصلح}، قاله ابن مالك، وفيه نظر.
الثالث عشر: الغاية، قال سيبويه: تقول: رأيته من ذلك الموضع فجعلته غاية لرؤيتك، أي: محلًا للابتداء والانتهاء.
الرابع عشر: التنصيص على العموم، وهي الزائدة في نحو: ما جاءني
"من" رجل، فإنه قبل دخولها يحتمل نفي الجنس ونفي الوحدة، ولهذا يصح: بل رجلان، ويمتنع ذلك بعد دخول "من".
الخامس عشر: توكيد العموم في نحو: ما جاءني
"من" أحد، أو "من" ديار، فإن أحدًا وديارًا صيغتا عموم.
وشرط زيادتها في النوعين تقدم نفي أو نهي أو استفهام "بهل"، نحو: {وما تسقط من ورقة إلا يعلمها}، ولا يقم
"من" أحد، {فارجع البصر هل ترى من فطور}، وزاد الفارسي تقدم الشرط عليها، كقوله:
ومهما تكن عند امرئ من خليقة ..... وإن خالها تخفى على الناس تعلم
وسيأتي في "مهما".
والثاني: تنكير مجرورها.
والثالث: كونه فاعلًا أو مفعولًا به نحو: {وما كان معه من إله}، {ما اتخذ الله من ولد}، ولم يشترط الأخفش النفي والنهي، واستدل بنحو: {ولقد جاءك من نبأ المرسلين}، {يغفر لكم من ذنوبكم}، {يحلون فيها من أسوار من ذهب}، {نكفر عنكم من سيئاتكم}، ولم يشترط الكوفيون الأول، واستدلوا بقولهم: قد كان
"من" مطر، ويقول عمرو بن أبي ربيعة:
وينمي لها حبها عندنا ..... فما قال من كاشح لم يضر
وخرج الكسائي على زيادتها: «إن من أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون»، وابن جني قراءة بعضهم: {لما أتيناكم من كتاب وحكمة} بتشديد "لما"، وجوز الزمخشري زيادتها مع المعرفة، وقال الفارسي في: {وننزل من السماء من جبال فيها من برد}، يجوز كون "من"، و"من" الأخيرتين زائدتين.

"من": على خمسة أوجه:
أحدها: أن تكون شرطية جازمة، نحو: {من يعمل سوءً يجز به}.
والثاني: أن تكون استفهامية نحو: {من بعثنا من مرقدنا}، وإذا قيل:
"من" يفعل هذا إلا زيد فهي "من" الاستفهامية، أشربت معنى النفي، ومنه: {ومن يغفر الذنوب إلا الله}، وإذا قيل: "من" ذا لقيت، "فمن" مبتدأ، و"ذا" خبر موصول، والعائد محذوف، أي: أي شخص الذي لقيته، ويجوز على قول الكوفيين في زيادة الأسماء أن تكون "ذا" زائدة، و"من" مفعولًا، أي: لقيت أي شخص.
قال أبو البقاء:
"من" لي بكذا، أي: "من" يتكفل لي به.
والثالث: أن تكون نكرة موصوفة، ولهذا دخلت عليها
"رب" في نحو قوله:
رب من أنضجت غيظًا قلبه ..... قد تمنى لي موتًا لم يطع
وقد وصفت بالنكرة في قولهم: مررت "بمن"، معجب لك.
والرابع: أن تكون اسمًا موصولًا، نحو: {ولله يسجد من في السموات}.
والخامس: أن تكون مثل
"ما" لما يعقل، نحو: {ومنهم من يمشي على بطنه}، وزعم الكسائي أنها ترد زائدة مثل "ما"، وذلك سهل على قاعدة الكوفيين في أن الأسماء تزاد، وأنشدوا عليه قول حسان:
فكفى بنا فضلًا على من غيرنا ..... حب النبي محمد إيانا
ويروى برفع غيرنا، فيحتمل أن "من" موصول، والتقدير: "من" هو غيرنا.

(تنبيه): إن قلت: "من" يكرمني أكرمه، فإن قدرت "من" شرطية جزمت الفعلين، أو موصولة رفعتهما، أو استفهامية رفعت الأول وجزمت الثاني؛ لأنه جواب بغير "الفاء"، وإذا قلت: "من" زارني زرته، لا تحسن الاستفهامية ويحسن ما عداها.

"مهما": كلمة تستعمل للشرط والجزاء لما لا يعقل، وهي لعود الضمير إليها في: {مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها}.
وقال الزمخشري وغيره: عاد عليها في الآية ضمير بها إلى آية، وزعم السهيلي أنها تأتي حرفًا وهي بسيطة لا مركبة من "مه" و"ما" الشرطية، ولا من "ما" الشرطية و"ما" الزائدة، وذكر جماعة منهم ابن مالك أنها تأتي للاستفهام، واستدلوا عليه بقوله:
مهما لي الليلة مهما ليه ..... أودى بنعلي وسرباليه
أي: أي شيء ثبت لي الليلة، وشدد الزمخشري الإنكار على من يستعملها بمعنى "متى"، فيقول: "مهما" جئتني أعطيتك). [غنية الطالب: 248 - 255]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:18 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة