العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير جزء عم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 جمادى الآخرة 1434هـ/26-04-2013م, 07:31 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي تفسير سورة الليل [ من الآية (1) إلى الآية (11) ]

{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4) فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10) وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (11) }


روابط مهمة:
- القراءات
- توجيه القراءات
- الوقف والابتداء


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21 جمادى الآخرة 1434هـ/1-05-2013م, 10:23 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (قال أبو جعفرٍ رحمَهُ اللهُ: يقولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُقْسِماً باللَّيْلِ إذَا غَشِيَ النهارَ ظُلْمَتُهُ، فأَذْهَبَ ضَوْءَهُ، وجاءَتْ ظُلْمَتُهُ: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}؛ النهارَ). [جامع البيان: 24/ 455]
قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (قَوْلُهُ: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} أَيْ: يَغْشَى بِظُلْمَتِهِ النَّهَارَ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَفْعُولَهُ لِلْعِلْمِ بِهِ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: يَغْشَى الأُفُقَ وَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ). [عمدة القاري: 19/ 295]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ المُنْذِرِ عن ابنِ عبَّاسٍ: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}؛ قالَ: إِذَا أَظْلَمَ). [الدر المنثور: 15/ 466]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وَأخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِم عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْْشَى}؛ َقَالَ: إِذَا أَظْلَمَ). [الدر المنثور: 15/ 466]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عبدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ المُنْذِرِ، وابنُ أبي حَاتِمٍ، عن سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}؛ قالَ: إِذَا أَقْبَلَ فغَطَّى كلَّ شيءٍ). [الدر المنثور: 15/ 466-467]

تفسير قوله تعالى: {وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ({وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى}، وهذا أيضاً قَسَمٌ، أَقْسَمَ بالنهارِ إِذَا هوَ أضاءَ فأَنَارَ، وظَهَرَ للأبصارِ ما كانَت ظُلْمَةُ الليلِ قدْ حالَتْ بينَها وبينَ رُؤْيَتِهِ وإِتْيَانِهِ إِيَّاه عِياناً.
وكانَ قَتَادَةُ يَذْهَبُ فيما أَقْسَمَ اللَّهُ بهِ مِن الأشياءِ أنَّهُ إنَّما أَقْسَمَ بهِ لِعِظَمِ شَأْنِهِ عندَهُ.
كما حَدَّثَنَا بِشْرٌ قالَ: ثَنَا يَزِيدُ قالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عنْ قَتَادَةَ: قوْلُهُ: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى}، قالَ: آيَتَانِ عَظِيمتانِ يُكَوِّرُهُما اللَّهُ على الخلائِقِ). [جامع البيان: 24/ 455]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3)}
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة، في قوله تعالى: {وما خلق الذكر والأنثى}؛ قال: في بعض الحروف الذكر والأنثى). [تفسير عبد الرزاق: 2/ 377]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن ابن عيينة، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، أنه قدم الشام فأتاهم أبو الدرداء فقال هل فيكم أحد يقرأ كما كان عبد الله بن مسعود يقرأ، قالوا: نعم. فقالوا لعلقمة: اقرأ علينا، فقرأ: {والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى}؛ فقال أبو الدرداء: أأنت سمعت هذا من عبد الله بن مسعود؟ فقال: نعم. فقال أبو الدرداء: والله لسمعتها من رسول الله، ولكن هؤلاء لا يعلمون). [تفسير عبد الرزاق: 2/ 377-378]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب {والنّهار إذا تجلّى}
- حدّثنا قبيصة بن عقبة، حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، قال: دخلت في نفرٍ من أصحاب عبد اللّه الشّأم فسمع بنا أبو الدّرداء، فأتانا فقال: أفيكم من يقرأ؟ فقلنا: نعم، قال: فأيّكم أقرأ؟ فأشاروا إليّ، فقال: اقرأ، فقرأت: {واللّيل إذا يغشى، والنّهار إذا تجلّى} ، والذّكر والأنثى، قال: أنت سمعتها من في صاحبك؟ قلت: نعم، قال: «وأنا سمعتها من في النّبيّ [صلّى الله عليه وسلّم]» ، وهؤلاء يأبون علينا). [صحيح البخاري: 6 / 170]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قولُهُ: بَابٌ {والنَّهارِ إذا تَجَلَّى}؛ ذَكَرَ فِيه الحديثَ الآتِيَ في البَابِ الذي بعدَه، وسَقَطَتِ التَّرجَمَةُ لأبِي ذَرٍّ والنَّسَفِيِّ). [فتح الباري: 8/ 707]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (بَابٌ {وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى}؛
أَيْ: هَذَا بَابٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى}؛ أَيْ: إِذَا انْكَشَفَ بِضَوْئِهِ. وَلَمْ تَثْبُتْ هَذِهِ التَّرْجَمَةُ لأَبِي ذَرٍّ وَالنَّسَفِيِّ.
- حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: دَخَلْتُ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ الشَّأْمَ، فَسَمِعَ بِنَا أَبُو الدَّرْدَاءِ فَأَتَانَا فَقَالَ: أَفِيكُمْ مَنْ يَقْرَأُ ؟ فَقُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ: فَأَيُّكُمْ أَقْرَأُ ؟ فَأَشَارُوا إِلَيَّ، فَقَالَ: اقْرَأْ. فَقَرَأْتُ: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى}. قَالَ: آنْتَ سَمِعْتَهَا مِنْ فِي صَاحِبِكَ ؟ قُلْتُ نَعَمْ. قَالَ: وَأَنَا سَمِعْتُهَا مِنْ فِي النَّبِيِّ [صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ]، وَهَؤُلاَءِ يَأْبَوْنَ عَلَيْنَا.
مُطَابَقَتُهُ لِلتَّرْجَمَةِ ظَاهِرَةٌ، وَسُفْيَانُ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، وَالأَعْمَشُ: سُلَيْمَانُ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَعَلْقَمَةُ بْنُ قَيْسٍ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ: عُوَيْمِرُ بْنُ مَالِكٍ وَفِيهِ اخْتِلاَفٌ.
وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّلاَةِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرِهِ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْقِرَاءَةِ، عَنْ هَنَّادِ بْنِ السَّرِيِّ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي التَّفْسِيرِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ وَغَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: (مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ) أَيِ: ابْنِ مَسْعُودٍ.
قَوْلُهُ: (أَفِيكُمُ) الْهَمْزَةُ فِيهِ لِلاسْتِفْهَامِ عَلَى وَجْهِ الاسْتِخْبَارِ.
قَوْلُهُ: (فَأَيُّكُمْ أَقْرَأُ) أَيْ: أَقْوَى وَأَحْسَنُ قِرَاءَةً.
قَوْلُهُ: (إِلَيَّ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ.
قَوْلُهُ: (أَنْتَ سَمِعْتَهَا مِنْ فِي صَاحِبِكَ) أَيْ: عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ.
قَوْلُهُ: مِنْ فِي النَّبِيِّ [صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ] أَيْ: مِنْ فَمِهِ.
قَوْلُهُ: (وَهَؤُلاَءِ) أَيْ: أَهْلُ الشَّامِ، يَأْبَوْنَ أَيْ: يَمْنَعُونَ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ يَعْنِي: وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى والذَّكَرِ وَالأُنْثَى وَيَقُولُونَ: الْقِرَاءَةُ الْمُتَوَاتِرَةُ: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ الْوَاجِبَةُ. وَأَبُو الدَّرْدَاءِ كَانَ يَحْذِفُهُ). [عمدة القاري: 19/ 295]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (هذا بَابٌ بِالتَّنْوِينِ أي في قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى}؛ أي: ظَهَرَ بزوالِ ظُلمةِ اللَّيْلِ وثَبَتَ بَابٌ وما بعده لأَبِي ذَرٍّ. وبه قَالَ: حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ السُّوَائِيُّ الْعَامِرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الأَعْمَشِ سُلَيْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْتُ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ الشَّامَ فَسَمِعَ بِنَا أَبُو الدَّرْدَاءِ عُوَيْمِرُ بْنُ مَالِكٍ فَأَتَانَا فَقَالَ: أَفِيكُمْ -بِهَمْزَةِ الاسْتِفْهَامِ الاسْتِخْبَارِيِّ- مَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ فَقُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ: فَأَيُّكُمْ أَقْرَأُ؟ أي: أَحْفَظُ أو أَحْسَنُ قِرَاءَةً. قَالَ عَلْقَمَةُ: فَأَشَارَ إِلَيَّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ فَقَالَ: اقْرَأْ فَقَرَأْتُ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى بِحَذْفِ وَمَا خَلَقَ وَبِالْخَفْضِ قَالَ: أي أَبُو الدَّرْدَاءِ ولأبِي الْوَقْتِ: فَقَالَ: آنْتَ سَمِعْتَهَا -بمَدِّ الْهَمْزَةِ- مِنْ فِي صَاحِبِكَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ؟ أي من فَمِهِ قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: وَأَنَا سَمِعْتُهَا مِنْ فِي النَّبِيِّ. أي: من فَمِهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) كذلك (وَهَؤُلاءِ) يَعْنِي أَهْلَ الشَّامِ يَأْبَوْنَ عَلَيْنَا -بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ- ويَقُولُونَ –الْمُتَوَاتِرَةُ-: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} ). [إرشاد الساري: 7 / 420]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب {وما خلق الذّكر والأنثى}
- حدّثنا عمر بن حفصٍ، حدّثنا أبي، حدّثنا الأعمش، عن إبراهيم، قال: قدم أصحاب عبد اللّه على أبي الدّرداء فطلبهم فوجدهم، فقال: أيّكم يقرأ على قراءة عبد اللّه؟ قال: كلّنا، قال: فأيّكم أحفظ؟ فأشاروا إلى علقمة، قال: كيف سمعته يقرأ: {واللّيل إذا يغشى}؟ قال علقمة: والذّكر والأنثى، قال: «أشهد أنّي سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقرأ هكذا» ، وهؤلاء يريدوني على أن أقرأ: {وما خلق الذّكر والأنثى}؛ واللّه لا أتابعهم). [صحيح البخاري: 6 / 170]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قولُهُ: بَابٌ: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى}؛ حَدَّثَنَا عُمَرُ هُو ابنُ حَفْصِ بنِ غِياثٍ، وَوَقَعَ لأبِي ذَرٍّ حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ حفصٍ.
قولُهُ: قَدِمَ أصحابُ عبدِ اللهِ؛ أي ابنِ مَسْعُودٍ على أَبِي الدَّرْدَاءِ فطَلَبَهُم فوجَدَهم فقالَ: أيُّكُم يَقْرَأُ عَلى قراءةِ عبدِ اللهِ؟ قالوا: كُلُّنا. قَالَ فأيُّكُم أَحْفَظُ؟ وأَشارُوا إلى عَلْقَمةَ هَذَا صُورَتُهُ الإرسالُ؛ لأنَّ إبرَاهِيمَ مَا حضرَ القِصَّةَ، وقد وقعَ في رِوَايَةِ سُفْيَانَ عنِ الأعْمَشِ في البابِ الذي قَبلَه عن إبرَاهِيمَ عنَ عَلقمةَ، فتَبَيَّنَ أن الإرسالَ في هَذَا الحديثِ.
وَوَقَعَ في رِوَايَةِ البابِ عِندَ أَبِي نُعَيْمٍ أيضًا مَا يَقتضِي أن إبرَاهِيمَ سَمِعَه من عَلقمةَ.
وقولُهُ في آخرِهِ: وهؤلاءِ يُريدُونَنِي على أَنْ أقرأَ {ومَا خلَقَ الذَّكَرَ والأنثَى} واللهِ لا أُتابِعُهم.
وَوَقَعَ في رِوَايَةِ داودَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عن الشَّعْبِيِّ عن عَلْقَمَةَ في هَذَا الحديثِ: وإنَّ هؤلاءِ يُريدُونَنِي أن أَزُولَ عمَّا أَقرَأَنِي رَسُولُ اللهِ [صَلَّى اللهُ عَليَهِ وسَلَّمَ] ويقُولُون لِي: اقْرَأْ {ومَا خَلَقَ الذَّكَرَ والأنثَى} وإنِّي واللهِ لا أُطِيعُهُم. أَخْرَجَهُ مُسْلِم وابنُ مَرْدَوَيهِ وفي هَذَا بيانٌ واضحٌ أن قراءةَ ابنِ مَسْعُودٍ كانتْ كذلكَ والذي وقعَ في غيرِ هذهِ الطَّريقِ أنه قَرَأَ والذي خَلَقَ الذَّكَرَ والأنثَى كذا في كَثِيرٍ من كُتُبِ القِراءاتِ الشَّاذّةِ.
وهذه القراءةُ لم يَذكُرها أَبُو عُبَيدٍ إلا عنِ الحسنِ البَصرِيِّ وأما ابنُ مَسْعُودٍ فهذا الإسنادُ المَذْكُورُ في الصَّحِيحَينِ عنه من أصحِّ الأسانيدِ يَروي بهِ الأحادِيثَ.
قولُهُ: كيفَ سَمعتَهُ -أي ابنَ مَسْعُودٍ- يَقرأُ {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}؟ قَالَ عَلْقَمَةُ: والذَّكَرِ والأنثَى في رِوَايَةِ سُفْيَانَ فقَرَأْتُ: "وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى والذَّكَرِ وَالأُنْثَى " وهذا صريحٌ في أنَّ ابنَ مَسْعُودٍ كان يَقرَؤُها كذلك.
وفي روايةِ إسرائيلَ عن مُغيرَةَ في المَنَاقِبِ: وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى بحَذْفِ (وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى) كذا في رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ، وأَثبَتَها البَاقُونَ.
قولُهُ: وهؤلاءِ -أي أهْلُ الشامِ- يُريدُونَني على أَنْ أَقرأَ {وما خلقَ الذَّكرَ والأنثَى}، واللهِ لا أُتابِعُهُم. هَذَا أَبْيَنُ منَ الروايةِ التي قَبلَها حيثُ قَالَ: وهؤلاءِ يَأبَوْنَ عَلَيَّ، ثم هذه القراءةُ لم تُنْقَلْ إلا عمَّن ذَكرَ هنا، ومَن عَدَاهُم قَرؤُوا {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} وعليها استقَرَّ الأمرُ مَعَ قوَّةِ إِسنادِ ذلك إلى أَبِي الدَّرْدَاءِ ومَنْ ذُكِرَ مَعهُ.
ولعلَّ هَذَا مما نُسِخَت تِلاوتُه ولم يَبلُغِ النَّسخُ أبَا الدَّرْدَاءِ ومَن ذُكِر مَعَهُ.
والعَجَبُ مِن نَقْلِ الحُفَّاظِ منَ الكُوفِيِّينَ هذه القراءةِ عن عَلْقَمَةَ وعن ابنِ مَسْعُودٍ وإليهما تَنتَهِي القراءةُ بالكُوفَةِ، ثمَّ لمْ يَقْرَأْ بها أَحَدٌ منهم، وكذا أهْلُ الشَّامِ حمَلوا القراءةَ عن أَبِي الدَّرْدَاءِ، ولمْ يَقْرَأْ أحدٌ منهم بهذا، فهذا ممَّا يُقَوِّي أنَّ التِلاوةَ بها نُسِخَتْ). [فتح الباري: 8/ 707]
قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (بَابٌ {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى}
أَيْ: هَذَا بَابٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} يَعْنِي: وَمَنْ خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى.
- حَدَّثَنَا عُمَرُ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: قَدِمَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ عَلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ فَطَلَبَهُمْ فَوَجَدَهُمْ فَقَالَ: أَيُّكُمْ يَقْرَأُ عَلَى قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ ؟ قَالَ: كُلُّنَا. قَالَ: فَأَيُّكُمْ يَحْفَظُ ؟ وَأَشَارُوا إِلَى عَلْقَمَةَ. قَالَ: كَيْفَ سَمِعْتَهُ يَقْرَأُ: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}؛ قَالَ عَلْقَمَةُ: وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى قَالَ: أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ أَنَا النَّبِيَّ [صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ] يَقْرَأُ هَكَذَا، وَهَؤُلاَءِ يُرِيدُونِي عَلَى أَنْ أَقْرَأَ: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} لاَ أُتَابِعُهُمْ.
مُطَابَقَتُهُ لِلتَّرْجَمَةِ ظَاهِرَةٌ، وَعُمَرُ هُوَ ابْنُ حَفْصٍ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، يَذْكُرُ حَفْصًا صَرِيحًا، وَعُمَرُ يَرْوِي عَنْ أَبِيهِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَهَذَا صُورَتُهُ الإِرْسَالُ؛ لأَنَّ إِبْرَاهِيمَ مَا حَضَرَ الْقِصَّةَ، وَوَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ الْمَاضِيَةِ: عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، وَهَذِهِ تُبَيِّنُ أَنْ لاَ إِرْسَالَ، وَصَرَّحَ فِي رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ سَمِعَ عَلْقَمَةَ.
قَوْلُهُ: (عَلَى قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ) أَيِ: ابْنِ مَسْعُودٍ.
قَوْلُهُ: (قَالَ: كُلُّنَا) أَيْ: كُلُّنَا يَقْرَأُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ فَاعِلَ قَالَ هُوَ عَلْقَمَةُ.
قَوْلُهُ: (قَالَ: فَأَيُّكُمْ) أَيْ: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَهُمْ: فَأَيُّكُمْ يَحْفَظُ ؟ وَيُرْوَى فَأَيُّكُمْ أَحْفَظُ؟.
قَوْلُهُ: (وَأَشَارُوا) أَيْ: أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ أَشَارُوا إِلَى عَلْقَمَةَ.
قَوْلُهُ: (قَالَ: كَيْفَ سَمِعْتَهُ) أَيْ: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لِعَلْقَمَةَ: كَيْفَ سَمِعْتَ عَبْدَ اللَّهِ يَقْرَأُ:{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}؟؛ قَالَ عَلْقَمَةُ: وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى بِخَفْضِ الذَّكَرِ.
قَوْلُهُ: (قَالَ: أَشْهَدُ) أَيْ: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ [صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ] يَقْرَأُ هَكَذَا. يَعْنِي: وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى.
قَوْلُهُ: (وَهَؤُلاَءِ) أَيْ: أَهْلُ الشَّامِ يُرِيدُونِي وَيُرْوَى يُرِيدُونَنِي عَلَى أَنْ أَقْرَأَ:{وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} وَأَنَا لاَ أُتَابِعُهُمْ أَيْ: عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ. يَعْنِي: بِزِيَادَةِ وَمَا خَلَقَ وَإِنَّمَا قَالَ: لاَ أُتَابِعُهُمْ مَعَ كَوْنِ قِرَاءَتِهِمْ مُتَوَاتِرَةً لِكَوْنِ طَرِيقِهِ طَرِيقًا يَقِينِيًّا وَهُوَ سَمَاعُهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ فَإِنْ قُلْتَ: فَعَلَى هَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لاَ يُخَالِفُوهُ. قُلْتُ: لَهُمْ طَرِيقٌ يَقِينِيٌّ أَيْضًا، وَهُوَ ثُبُوتُ قِرَاءَتِهِمْ بِالتَّوَاتُرِ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: يَجِبُ أَنْ يُعْتَقَدَ فِي هَذَا وَمَا فِي مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ قُرْآنًا ثُمَّ نُسِخَ، وَلَمْ يَعْلَمْ مِمَّنْ خَالَفَ -النَّسْخَ فَبَقِيَ عَلَى النَّسْخِ قَالَ: أَوْ لَعَلَّهُ وَقَعَ مِنْ بَعْضِهِمْ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ مُصْحَفُ عُثْمَانَ -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ- الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ الْمَحْذُوفُ مِنْهُ كُلُّ مَنْسُوخٍ، وَأَمَّا بَعْدَ ظُهُورِ مُصْحَفِ عُثْمَانَ فَلاَ يُظَنُّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَنَّهُ خَالَفَ فِيهِ). [عمدة القاري: 19/ 296]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (هَذَا بَابٌ بِالتَّنْوِينِ أي في قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى}؛ ثَبَتَ بَابٌ لأَبِي ذَرٍّ وبه قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ سَقَطَ ابْنُ حَفْصٍ لِغَيْرِ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ سُلَيْمَانُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: قَدِمَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ هُمْ عَلْقَمَةُ بْنُ قَيْسٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَالأَسْوَدُ ابْنَا يَزِيدَ النَّخَعِيِّ عَلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ وهذا صُورَتُهُ صُورَةُ إِرْسَالٍ؛ لأنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَحْضُرِ الْقِصَّةَ لَكِنْ في الرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ عن إِبْرَاهِيمَ عن عَلْقَمَةَ، وحينئذ فلا إِرْسَالَ في هذه الرِّوَايَةِ (فَطَلَبَهُمْ فَوَجَدَهُمْ فَقَالَ: أَيُّكُمْ يَقْرَأُ عَلَى قِرَاءَةَ عَبْدِ اللَّهِ؟ يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ أي: عَلْقَمَةُ: كُلُّنَا يَقْرَأُ عَلَى قِرَاءَتِهِ قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: فَأَيُّكُمْ يَحْفَظُ ولأَبِي ذَرٍّ: أَحْفَظُ؟ وَأَشَارُوا ولأَبِي ذَرٍّ: فَأَشَارُوا إِلَى عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: كَيْفَ سَمِعْتَهُ يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ يَقْرَأُ {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}؛ قَالَ عَلْقَمَةُ: وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى بِالْخَفْضِ قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] يَقْرَأُ هكذا، وهؤلاءِ أي: أَهْلُ الشَّامِ يُرِيدُونِي ولأَبِي ذَرٍّ: يُرِيدُونَنِي على أن أَقْرَأَ {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} واللَّهِ لا أُتَابِعُهُمْ على هذه القراءةِ. قَالَ ذلك لِمَا تَيَقَّنَهُ من سَمَاعِ ذلك من رَسُولِ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ]، ولَعَلَّهُ لم يَعْلَمْ بنسْخِهِ، ولم يَبْلُغْهُ مُصْحَفُ عُثْمَانَ الْمُجْمَعُ عليه الْمَحْذُوفُ منه كُلُّ مَنْسُوخٍ). [إرشاد الساري: 7/ 420]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (أخبرنا أحمد بن سليمان، حدّثنا مسكين بن بكيرٍ، عن شعبة، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن علقمة، قال: " قدمنا الشّام، فدخلت مسجد دمشق على أبي الدّرداء، فقال: كيف يقرأ عبد الله: «واللّيل إذا يغشى والنّهار إذا تجلّى والذّكر والأنثى» ؟، قال: هكذا كان يقرؤها عبد الله، قال أبو الدّرداء: سمعتها هكذا من رسول الله [صلّى الله عليه وسلّم] "
- أخبرنا عليّ بن حجرٍ، أخبرنا إسماعيل، عن داود، وأخبرنا الحسن بن قزعة، أخبرنا مسلمة بن علقمة، عن داود، عن عامرٍ، أنّ علقمة بن قيسٍ، قال: قدمت الشّام فلقيت أبا الدّرداء، فقال: «من أين أنت؟»، قال: من أهل العراق، قال: «من أيّهم؟»، قلت: من أهل الكوفة، قال: «فتقرأ على قراءة ابن أمّ عبدٍ؟»، قلت: نعم، قال: " اقرأ عليّ واللّيل إذا يغشى، فقرأت عليه: (واللّيل إذا يغشى والنّهار إذا تجلّى والذّكر والأنثى)، قال: «سمعتها هكذا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم»، واللّفظ للحسن). [السنن الكبرى للنسائي: 10/ 336-337]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُهُ: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى}، محْتَمِلٌ الوجهيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفْتُ في قَوْلِهِ: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا}، وهوَ أنْ تُجْعَلَ: (مَا) بمعنَى (مَنْ)، فيكونَ ذلكَ قسَماً مِن اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بخَالِقِ الذَّكَرِ والأُنْثَى، وهوَ ذلكَ الخَالِقُ، وأنْ تُجْعَلَ (مَا) معَ ما بعدَها بِمَعْنَى المَصْدَرِ، ويكونَ قَسَماً بخَلْقِهِ الذَّكَرَ والأُنثى.
وقدْ ذُكِرَ عنْ عبدِ اللَّهِ بنِ مسعودٍ وأبي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُما كانَا يَقْرَآنِ ذلكَ: (وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى)، ويَأْثُرُهُ أبو الدَّرْدَاءِ عنْ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ذِكْرُ الخَبَرِ بذلكَ:
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى قالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ قالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عنْ أبي إِسحاقَ قالَ: في قِرَاءَةِ عبدِ اللَّهِ: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى).
- حَدَّثَنَا ابنُ المُثَنَّى قالَ: ثَنَا هشامُ بنُ عبدِ المَلِكِ قالَ: ثَنَا شُعْبَةُ قالَ: أخْبَرَنِي المُغِيرَةُ قالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ يقولُ: أَتَى عَلْقَمَةُ الشامَ، فقَعَدَ إلى أبي الدَّرْدَاءِ، فقالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ فَقُلْتُ: مِنْ أهْلِ الكوفَةِ. فقالَ: كيفَ كانَ عبدُ اللَّهِ يَقْرَأُ هذهِ الآيَةَ: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى}؟ فَقُلْتُ: (وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى)، قالَ: فما زالَ هَؤلاءِ حَتَّى كَادُوا يَسْتَضِلُّونَنِي، وقدْ سَمِعْتُها مِنْ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عبدِ الأعلَى قالَ: ثَنَا حاتِمُ بنُ وَرْدَانَ قالَ: ثَنَا أبو حَمْزَةَ، عنْ إِبراهِيمَ، عنْ عَلْقَمَةَ قالَ: أَتَيْنَا الشامَ، فدَخَلْتُ على أبي الدرْداءِ، فسأَلَنِي فقالَ: كيفَ سَمِعْتَ ابنَ مسعودٍ يَقْرَأُ هذهِ الآيَةَ: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى}؟ قالَ: قُلْتُ: (وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى)، قالَ: كَذاكَ، سَمِعْتُها مِنْ رسولِ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] يَقْرَؤُها.
- حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قالَ: ثَنَا ابنُ عُلَيَّةَ. وحَدَّثَنِي إسحاقُ بنُ شَاهِينٍ الوَاسِطِيُّ قالَ: ثَنَا خالِدُ بنُ عَبدِ اللَّهِ، عنْ دَاودَ، عنْ عامِرٍ، عنْ عَلْقَمَةَ بن قيسٍ قالَ: قَدِمْتُ الشامَ، فلَقِيتُ أبا الدَّرْدَاءِ، فقالَ:
«مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟» فقُلتُ: مِنْ أهلِ العِراقِ؟ قالَ:«مِنْ أَيِّها؟» قُلْتُ: مِنْ أهلِ الكوفَةِ، قالَ: «هلْ تَقْرَأَهُ قِراءَةَ ابنِ أُمِّ عَبْدٍ؟» قُلْتُ: نَعَمْ، قالَ: اقْرَأْ: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}. قالَ: فَقَرَأْتُ (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى). قالَ: فضَحِكَ، ثمَّ قالَ:«هكذا سَمِعْتُ مِنْ رسولِ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]».
- حَدَّثَنَا ابنُ المُثَنَّى قالَ: جدَّثنا عبدُ الأعلَى قالَ: أخبرنا داودُ، عنْ عامِرٍ، عنْ عَلْقَمَةَ، عنْ أبي الدرداءِ، عن النبيِّ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]، نَحْوَهُ.
- حَدَّثَنِي أبو السَّائِبِ قالَ: ثَنَا أبو معاويَةَ، عن الأعْمَشِ، عنْ إبراهيمَ، عنْ عَلْقَمَةَ قالَ: قَدِمْتُ الشامَ، فأتَانا أبو الدَّرْدَاءِ فقالَ: أفيكُمْ أَحَدٌ يَقْرَأُ عَلَيَّ قِراءَةَ عبدِ اللَّهِ؟ قالَ: فأشَارُوا إِلَيَّ. قالَ: قُلْتُ: أَنَا. قالَ: فكيفَ سَمِعْتَ عبدَ اللَّهِ يَقْرَأُ هذهِ الآيَةَ: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}؛ قال: سمعتُهُ يقرأ هذه الآيةَ: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى) (وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى). قالَ: وأنا هكذا سَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] يقولُ، فهؤلاءِ يُريدُونَنِي على أنْ أَقْرَأَ: {وَمَا خَلَقَ }، فَلا أَنَا أُتَابِعُهُمْ.
- حَدَّثَنَا ابنُ عَبْدِ الأَعْلَى قالَ: ثَنَا ابنُ ثَوْرٍ، عنْ مَعْمَرٍ، عنْ قَتَادَةَ: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى}، قالَ: في بعضِ الحروفِ: (وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى).
- حَدَّثَنَا بِشْرٌ قالَ: ثَنَا يَزِيدُ قالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ.
- حَدَّثَنِي أحمدُ بنُ يُوسُفَ قالَ: ثَنَا القاسِمُ قالَ: ثَنَا حَجَّاجٌ، عنْ هارُونَ، عنْ إِسماعيلَ، عن الحَسَنِ أنَّهُ كانَ يَقْرَؤُها: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى}، يقولُ: والذي خلَقَ الذَّكَرَ والأُنْثَى. قالَ هارونُ: قالَ أبو عمرٍو: وأهلُ مَكَّةَ يقولونَ للرَّعْدِ: سُبحانَ مَا سَبَّحْتَ لَهُ.
- حَدَّثَنَا ابنُ حُمَيْدٍ قالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عنْ مُغِيرَةَ، عنْ مِقْسَمٍ الضَّبِيِّ، عنْ إبراهيمَ بنِ يَزيدَ النخعيِّ أبي عِمْرانَ، عنْ عَلْقَمَةَ بنِ قَيْسٍ أبي شِبْلٍ أنَّهُ أتَى الشامَ، فدَخَلَ المسجِدَ فصلَّى فيهِ، ثمَّ قامَ إلى حَلْقَةٍ فجَلَسَ فيها. قالَ: فجاءَ رَجُلٌ قال: فعَرَفْتُ فيهِ تَحَوُّشَ القَوْمِ وهَيْئتَهم لهُ، فجلَسَ إلى جَنْبِي، فقُلْتُ: الحمدُ للَّهِ، إِنِّي لأرْجُو أنْ يَكونَ اللَّهُ قد اسْتَجَابَ دَعْوَتِي، فإذا ذلكَ الرجلُ أبو الدَّرْدَاءِ. قالَ: ومَا ذَاكَ؟ فقالَ عَلْقَمَةُ: دَعَوْتُ اللَّهَ أنْ يَرْزُقَنِي جَلِيساً صالِحاً، فأرْجُو أنْ يكونَ أَنْتَ. قالَ: مِنْ أينَ أَنْتَ؟ قلتُ: مِن أهل الكوفَةِ، أوْ مِنْ أهلِ العِراقِ ثم قال: مِن أهل الكوفَةِ. قالَ أبو الدَّرْدَاءِ: أَلَمْ يَكُنْ فيكم صاحِبُ النَّعْلَيْنِ والوِسادِ والمِطْهَرَةِ؟ يعني: ابنَ مسعودٍ. أَوَلَمْ يَكُنْ فيكم مَنْ أُجِيرَ على لسانِ النبيِّ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] مِن الشيطانِ الرجيمِ؟ يعنِي: عَمَّارَ بنَ ياسِرٍ. أَوَلَمْ يَكُنْ فيكم صَاحِبُ السِّرِّ الذي لا يَعْلَمُهُ غيرُهُ، أوْ أحدٌ غيرُهُ؟ يعني: حُذَيْفَةَ بنَ اليَمانِ.
ثمَّ قالَ: أَيُّكُم يَحْفَظُ كما كانَ عبدُ اللَّهِ يَقْرَأُ؟ قالَ: فَقُلْتُ: أنَا، قالَ: اقْرَأْ {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى}. قالَ عَلْقَمَةُ: فَقَرَأْتُ: (الذَّكَرِ وَالأُنْثَى).
فقالَ أبو الدَّرْدَاءِ: والذي لا إِلَهَ إِلاَّ هوَ، لهكَذَا أَقْرَأَنِيهَا رسولُ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] فُوهُ إِلَى فِي، فما زالَ هؤلاءِ حتَّى كادُوا يَرُدُّونَنِي عَنْها). [جامع البيان: 24/ 455-460]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ سعيدُ بنُ منصورٍ وأحمدُ، وعبدُ بنُ حُمَيْدٍ، والبخاريُّ ومسلمٌ، والترمذيُّ، والنسائيُّ، وابنُ جَرِيرٍ، وابنُ المُنْذِرِ، وابنُ مَرْدُويَهْ، وَابْنُ الأنبَاريِّ، عن عَلْقَمَةَ، أنَّه قَدِمَ الشامَ فجَلَسَ إلى أبي الدرداءِ، فقالَ له أبو الدرداءِ:
«مِمَّن أنتَ؟» فقالَ: مِن أهلِ الكوفةِ. قالَ:«كيفَ سَمِعْتَ عبدَ اللَّهِ يَقْرَأُ: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}؟»قالَ عَلْقَمَةُ: (وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى). فقالَ أبو الدرداءِ: «أَشْهَدُ أني سَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ هكذا. وهؤلاء يُرِيدُونِي على أَنْ أَقْرَأَهَا: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى}؛ واللَّهِ لا أُتَابِعُهُم»). [الدر المنثور: 15/ 467]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ النجَّارِ في "تاريخِ بَغْدَادَ" مِن طريقِ الضَّحَّاكِ، عن ابنِ عبَّاسٍ، أنَّه كانَ يَقْرَأُ القرآنَ على قِراءةِ زيدِ بنِ ثابتٍ، إلاَّ ثمانيةَ عَشَرَ حرفاً أَخَذَها مِن قراءةِ عبدِ اللَّهِ بنِ مسعودٍ، وقالَ ابنُ عبَّاسٍ:
«ما يَسُرُّنِي أني تَرَكْتُ هذه الحروفَ ولو مُلِئَتْ لي الدنيا ذَهَبَةً حَمْرَاءَ، مِنها حَرْفٌ في البقرةِ: {مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَثُومِهَا}؛ بالثاءِ، وفي الأعرافِ: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنَ رُسُلِنَا وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ}، وفي "بَرَاءَةٌ": {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}، وفي "إبراهيمَ": {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الْجِبَالُ} وفي "الأنبياءِ": {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ}، وفيها: {وَهُمْ مِنْ كُلِّ جَدْثٍ يَنْسِلُونَ} وفي "الحَجِّ": {يَأْتُونَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عمِيقٍ}، وفي "الشعراءِ": {فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَا مِنَ الْجَاهِلِينَ}، وفي "النملِ": {اعْبُدْ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةَ الَّتِي حَرَّمَهَا}، وفي الصافَّاتِ: {فَلَمَّا سَلَّمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ}، وفي "الفتحِ": {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ} بالتاءِ، وفي "النَّجْمِ": {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مِنْ رَبِّكُمُ الْهُدَى}، وفيها: {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ}، وفي "الحديدِ": {لِكَي يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ لاَ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ}، وفي "ن": {لَوْلاَ أَنْ تَدَارَكَتْهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ} على التأنيثِ، وفي "{إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} ، {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سَأَلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلْتُ}، وفِيها: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بَنِينٍ}، وفي "اللَّيْلِ": {وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى} قالَ: هو قَسَمٌ فلا تَقْطَعُوه»). [الدر المنثور: 15/ 467-469]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ جَرِيرٍ، عن أبي إسحاقَ، قالَ: في قراءةِ عبدِ اللَّهِ: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى) ). [الدر المنثور: 15/ 469]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ جَرِيرٍ، عن قَتَادَةَ، قالَ: فِي بَعْضِ الْحُرِوفِ: (وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى) ). [الدر المنثور: 15 / 469]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ جَرِيرٍ وابنُ أبي حَاتِمٍ، عن الحسَنِ، أنَّه كانَ يَقْرَؤُها: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى}؛ يقولُ: والذي خَلَقَ الذكرَ والأُنْثَى). [الدر المنثور: 15/ 470]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُهُ: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى}، يقولُ: إنَّ عَمَلَكُم لمُخْتَلِفٌ أيُّها الناسُ؛ لأَنَّ مِنْكُم الكافِرَ برَبِّهِ والعاصِيَ لهُ في أَمْرِهِ ونَهْيِهِ، والمُؤْمِنَ بهِ والمطيعَ لهُ في أمْرِهِ ونَهْيِهِ.
- كما حَدَّثَنَا بِشْرٌ قالَ: ثَنَا يَزِيدُ قالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عنْ قَتَادَةَ: قولُهُ: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى}، يقولُ: لَمُخْتَلِفٌ.
وقولُهُ: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} جوابُ القسَمِ، والكلامُ: والليلِ إذَا يغْشَى إِنَّ سَعْيَكم لشتَّى، وكذا قالَ أهلُ العِلْمِ.
ذِكْرُ مَنْ قالَ ذَلِكَ:
- حَدَّثَنَا بِشْرٌ قالَ: ثَنَا يَزِيدُ قالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عنْ قَتَادَةَ قالَ: وَقَعَ القسَمُ هاهُنا: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} ). [جامع البيان: 24/ 460]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ أبي حَاتِمٍ عن عِكْرِمَةَ في قَوْلِهِ: {إِنَّ سَعْيَكُمْ}؛ قالَ: السعيُ: العمَلُ). [الدر المنثور: 15/ 470]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ جَرِيرٍ، عن قَتَادَةَ، قالَ: وَقَعَ القَسَمُ هاهنا: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى}؛ يقولُ: مُخْتَلِفٌ). [الدر المنثور: 15 / 470]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ أبي حَاتِمٍ، وأبو الشيخِ، وابنُ عَسَاكِرَ، عن ابنِ مسعودٍ، أن أبا بكرٍ الصديقَ اشْتَرَى بلالاً مِن أُمَيَّةَ بنِ خَلَفٍ وأُبَيِّ بنِ خَلَفٍ بِبُرْدَةٍ وعشرَ أَوَاقٍ، فأَعْتَقَه للَّهِ، فأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}، إلى قولِهِ: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى}، سَعْيَ أبي بكرٍ وأُمَيَّةَ وأُبَيٍّ، إلى قوْلِه: {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى}؛ قالَ: لاَ إِلَهَ إلاَّ اللَّهُ، إلى قولِه: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}؛ قالَ: النارُ). [الدر المنثور: 15 / 470]

تفسير قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5)}
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب قوله: {فأمّا من أعطى واتّقى}؛
- حدّثنا أبو نعيمٍ، حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرّحمن السّلميّ، عن عليٍّ رضي اللّه عنه قال: كنّا مع النّبيّ [صلّى الله عليه وسلّم] في بقيع الغرقد في جنازةٍ، فقال: «ما منكم من أحدٍ إلّا وقد كتب مقعده من الجنّة، ومقعده من النّار» ، فقالوا: يا رسول اللّه أفلا نتّكل؟ فقال: «اعملوا فكلٌّ ميسّرٌ» ثمّ قرأ: {فأمّا من أعطى واتّقى (5) وصدّق بالحسنى}، إلى قوله: {للعسرى}،
حدّثنا مسدّدٌ، حدّثنا عبد الواحد، حدّثنا الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرّحمن، عن عليٍّ [رضي اللّه عنه]، قال: كنّا قعودًا عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فذكر الحديث نحوه). [صحيح البخاري: 6 / 170]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قولُهُ: بَابٌ قولُهُ: {فأمَّا مَن أعطَى واتَّقَى} ذكرَ فيه حَدِيثَ عَلِيٍّ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ [صَلَّى اللهُ عَليَهِ وسَلَّمَ] في بَقِيعِ الغَرقَدِ في جَنازةٍ فقالَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَمَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ
». الحديثَ. ذكَرهُ في خَمسَةِ تَراجِمَ أُخْرَى لا يأتِي في هذه السُّورةِ كُلِّها من طَرِيقِ الأعْمَشِ إلا الخَامِسُ؛ فمِن طريقِ مَنصورٍ كلاهما عن سَعْدِ بنِ عُبَيْدَةَ عن أَبِي عبدِ الرَّحمنِ السُّلَمِيِّ عن عَلِيٌّ. وصرَّح في التَّرجَمَةِ الأخيرةِ بسَماعِ الأعْمَشِ له من سَعْدٍ، وسيأتِي شرحُهُ مُستَوفًى في كتابِ القَدَرِ إن شاءَ اللهُ تَعَالَى). [فتح الباري: 8/ 708]
قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (بَابٌ قَوْلِهِ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى}؛
أَيْ: هَذَا بَابٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى}؛ أَيْ: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى مَالَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَاتَّقَى رَبَّهُ، وَاجْتَنَبَ مَحَارِمَهُ.
- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ [صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ] فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ فِي جَنَازَةٍ فَقَالَ:
«مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَمَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ». فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ نَتَّكِلُ ؟ فَقَالَ: «اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ». ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} إِلَى قَوْلِهِ: {لِلْعُسْرَى}.
مُطَابَقَتُهُ لِلتَّرْجَمَةِ ظَاهِرَةٌ، وَأَبُو نُعَيْمٍ -بِضَمِّ النُّونِ-: الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، وَسُفْيَانُ: هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، وَالأَعْمَشُ: سُلَيْمَانُ، وَسَعْدُ بْن عُبَيْدَةَ: أَبُو حَمْزَةَ -بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ- خَتَنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ وَالسُّلَمِيُّ بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ اللاَّمِ وَ عَلِيُّ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ.
وَالْحَدِيثُ مَضَى فِي الْجَنَائِزِ فِي بَابِ مَوْعِظَةِ الْمُحَدِّثِ عِنْدَ الْقَبْرِ، وَمَرَّ الْكَلاَمُ فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْلُهُ: (فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ) بِإِضَافَةِ الْبَقِيعِ -بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الْقَافِ- إِلَى الْغَرْقَدِ -بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ- وَهُوَ مَقْبَرَةُ الْمَدِينَةِ.
قَوْلُهُ: (أَفَلاَ نَتَّكِلُ) أَيْ: أَفَلاَ نَعْتَمِدُ عَلَى كِتَابِنَا الَّذِي قَدَّرَ اللَّهُ عَلَيْنَا ؟ فَقَالَ: أَنْتُمْ مَأْمُورُونَ بِالْعَمَلِ فَعَلَيْكُمْ بِمُتَابَعَةِ الأَمْرِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ وَقُدِّرَ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى} أَيْ: مَالَهُ، وَاتَّقَى رَبَّهُ، وَاجْتَنَبَ مَحَارِمَهُ، {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} أَيْ: بِالْخَلَفِ يَعْنِي: أَيْقَنَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَيُخْلِفُ عَلَيْهِ، وَعَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ وَالضَّحَّاكِ: {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} بِلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَعَنْ مُجَاهِدٍ: وَصَدَّقَ بِالْجَنَّةِ، وَعَنْ قَتَادَةَ وَمُقَاتِلٍ: بِمَوْعُودِ اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: {فَسَنُيَسِّرُهُ}؛ أَيْ: فَسَنُهَيِّئُهُ، {لِلْيُسْرَى} أَيْ: لِلْخَلَّةِ الْيُسْرَى وَهُوَ الْعَمَلُ بِمَا يَرْضَاهُ اللَّهُ تَعَالَى). [عمدة القاري: 19/ 296-297]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( قَوْلُهُ: {فَأَمَّا} ولأَبِي ذَرٍّ: بَابٌ بالتنوينِ أي في قولِهِ تَعَالَى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى} الطَّاعَةَ {واتَّقَى} الْمَعْصِيَةَ. وبه قَالَ:حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ بِسُكُونِ الْعَيْنِ في الأوَّلِ وَضَمِّهَا في الثَّانِي مُصَغَّرًا أَبِي حَمْزَةَ بالحاءِ المهملةِ والزَّايِ خَتَنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ -بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ اللاَّمِ- عن عَلِيٍّ هو ابْنُ أَبِي طَالِبٍ (رَضِيَ اللَّهُ عنه) أنه قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ [صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ] في بَقِيعِ الْغَرْقَدِ -مَقْبَرَةِ الْمَدِينَةِ - مَنَّ اللَّهُ عَلَيَّ بِالدَّفْنِ بِهَا مع خَاتِمَةِ الإِسْلامِ- فِي جِنَازَةٍ لَمْ يُسَمِّ صَاحِبَهَا فَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَمَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ» مَوْضِعُ قُعُودِهِ منهما كِنَايَةً عن كَوْنِهِ من أهلِ الجنَّةِ أو النَّارِ باستِقْرَارِهِ فيها، والواوُ المتوسِّطَةُ بينهما لا يُمْكِنُ أن تَجْرِيَ على ظَاهِرِهَا؛ فإنَّ "ما" النَّافيةَ و"مِن" الاستغراقِيَّةَ يَقْتَضِيَانِ أن يَكُونَ لِكُلِّ أَحَدٍ مَقْعَدٌ مِنَ النَّارِ وَمَقْعَدٌ مِنَ الْجَنَّةِ فَيَجِبُ أن يُقَالَ: إِنَّ الواوَ بمعْنَى أَوْ، وقد وَرَدَ بِلَفْظِ "أَوْ" مِن طريقِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عن الأَعْمَشِ في الْبَابِ الآتِي بَعْدَ البابِ اللاحِقِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلاَ نَتَّكِلُ؟ أي: أَفَلا نَعْتَمِدُ عَلَى كِتَابِنَا الَّذِي قَدَّرَ اللَّهُ علينا؟ وعِنْدَ ابْنِ مَرْدَوَيْهِ في تَفْسِيرِهِ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ أن السَّائِلَ عن ذلك سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ، وفي مُسْنَدِ أَحْمَدَ أنه أَبُو بَكْرٍ، وَفِي مُسْنَدِ عُمَرَ لأَبِي بَكْرٍ الْمَرْوَزِيِّ وَالْبَزَّارِ أنه عُمَرُ وقِيلَ: عَلِيٌّ الرَّاوِي فَقَالَ عليه الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: «اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ» أي مُهَيَّأٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ، ثم قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}، إِلَى قَوْلِهِ: {لِلْعُسْرَى} وسَقَطَ لأَبِي ذَرٍّ وَصَدَّقَ إلخ وَقَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ: {وَاتَّقَى} الآيَةَ. هَذَا بَابُ قَوْلِهِ: {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}؛ أي بالكلمةِ الْحُسْنَى وهي ما دَلَّ على حَقٍّ كَكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ، وَالْبَابُ وتَالِيهِ ثَابِتَانِ لأَبِي ذَرٍّ. وبه قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ هو ابْنُ مُسَرْهَدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ الْبَصْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ سُلَيْمَانُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدَةَ بِالتَّصْغِيرِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عن عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أنه قَالَ: كُنَّا قُعُودًا عِنْدَ النَّبِيِّ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] فَذَكَرَ الْحَدِيثَ السَّابِقَ، زَادَ أَبُو ذَرٍّ نَحْوَهُ). [إرشاد الساري: 7/ 420-421]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (قولُهُ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى}، يقولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فأمَّا مَنْ أعْطَى واتَّقَى مِنكم أيُّها الناسُ في سبيلِ اللَّهِ، ومَنْ أمَرَهُ اللَّهُ بإعطائِهِ مِنْ مَالِهِ، وما وَهَبَ لهُ مِنْ فضْلِهِ، واتَّقَى اللَّهَ واجْتَنَبَ مَحَارِمَهُ.
وبنحوِ الذي قُلْنَا في ذلكَ قالَ أهلُ التأويلِ.
ذِكْرُ مَنْ قالَ ذَلِكَ:
- حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بنُ مَسْعَدَةَ قالَ: ثَنَا بِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ قالَ: ثَنَا داودُ، عنْ عِكْرِمَةَ، عن ابنِ عبَّاسٍ في قَوْلِهِ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى}، قالَ: أعْطَى مَا عندَهُ، {واتَّقَى}، قالَ: اتَّقَى رَبَّهُ.
- حَدَّثَنَا ابنُ المُثَنَّى قالَ: ثَنَا عبدُ الرحمنِ بنُ مَهْدِيٍّ قالَ: ثَنَا خالِدُ بنُ عَبْدِ اللَّهِ، عنْ داودَ بنِ أبِي هِنْدٍ، عنْ عِكْرِمَةَ، عن ابنِ عبَّاسٍ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى}؛ قال: مِن الفَضْلِ، {وَاتَّقَى}: اتَّقَى ربَّهُ.
- حَدَّثَنَا بِشْرٌ قالَ: ثَنَا يَزِيدُ قالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عنْ قَتَادَةَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى} حَقَّ اللَّهِ، {وَاتَّقَى} محارِمَ اللَّهِ التي نَهَى عنها.
- حُدِّثْتُ عن الحُسَيْنِ قالَ: سَمِعْتُ أبا مُعاذٍ يقولُ: ثَنَا عَبِيدٌ قالَ: سَمِعْتُ الضحَّاكَ يقولُ قي قوْلِهِ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى}، يقولُ: مِنْ زكَّى اللَّهِ، واتَّقَى اللَّهَ). [جامع البيان: 24/ 460-461]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ سعيدُ بنُ منصورٍ وعبدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وابنُ المُنْذِرِ وابنُ أبي حَاتِمٍ ، والبَيْهَقِيُّ في شُعَبِ الإيمانِ مِن طريقِ عِكْرِمَةَ، عن ابنِ عبَّاسٍ في قَوْلِهِ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى}؛ مِنَ الفضْلِ، {وَاتَّقَى}؛ قالَ: اتَّقَى ربَّه). [الدر المنثور: 15/ 470] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عبدُ بنُ حُمَيْدٍ، وابنُ أبي حَاتِمٍ، عن قَتَادَةَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى}؛ قالَ: أَعْطَى حقَّ اللَّهِ عليه، {وَاتَّقَى}؛ مَحَارِمَ اللَّهِ). [الدر المنثور: 15/ 471] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ جَرِيرٍ وابنُ عَسَاكِرَ، عن عامرِ بنِ عبدِ اللَّهِ بنِ الزُّبَيْرِ قالَ: كانَ أبو بكرٍ يَعْتِقُ على الإسلامِ بِمَكَّةَ، فكانَ يَعْتِقُ عجائزَ ونساءً إذا أسْلَمْنَ، فقالَ له أبوه: أيْ بُنَيَّ، أراكَ تَعْتِقُ أُناساً ضعفاءَ، فلو أنك تَعْتِقُ رجالاً جُلَّداً يَقُومُونَ مَعَكَ، ويَمْنَعُونَكَ، ويَدْفَعُونَ عَنْكَ. قالَ: أيْ أَبَتِ، إنما أُرِيدُ ما عندَ اللَّهِ. قالَ: فحَدَّثَنِي بعضُ أهلِ بيتي أن هذه الآيةَ نزَلَتْ فيه: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} ). [الدر المنثور: 15/ 472]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عبدُ بنُ حُمَيْدٍ، وابنُ مَرْدُويَهْ، وابنُ عساكِرَ مِن طريقِ الكَلْبِيِّ، عن أبي صالحٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ في قَوْلِهِ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}؛ قالَ: أبو بكرٍ الصدِّيقُ، {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى}؛ قالَ: أبو سفيانَ بنُ حَرْبٍ). [الدر المنثور: 15/ 472]

تفسير قوله تعالى: {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6)}
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني شبيب بن سعيد، عن يحيى بن أبي أنيسة، أنه سأل عطاء بن أبي رباح، عن قول الله: {من جاء بالحسنة فله خيرٌ منها وهم من فزعٍ يومئذٍ آمنون}، قال عطاء: من جاء بالتوحيد فله خيرٌ وقوةٌ، {ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار}، فقال عطاء: من جاء بالشرك؛ قال: وسمعت عطاء يقول: ألم تسمع لقوله: {من أعطى واتقى (5) وصدق بالحسنى}، يقول: من صدق بالتوحيد، {وأما من بخل واستغنى (8) وكذب بالحسنى}، كذب بالتوحيد). [الجامع في علوم القرآن: 1/ 42-43] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة، في قوله تعالى: وكذب بالحسنى؛ وفي قوله: {وصدق بالحسنى}؛ قال: صدق المؤمن بموعد الله الحسن وكذب الكافر بموعد الله الحسن). [تفسير عبد الرزاق: 2/ 377]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب قوله: {فأمّا من أعطى واتّقى}؛
- حدّثنا أبو نعيمٍ، حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرّحمن السّلميّ، عن عليٍّ رضي اللّه عنه قال: كنّا مع النّبيّ [صلّى الله عليه وسلّم] في بقيع الغرقد في جنازةٍ، فقال: «ما منكم من أحدٍ إلّا وقد كتب مقعده من الجنّة، ومقعده من النّار» ، فقالوا: يا رسول اللّه أفلا نتّكل؟ فقال: «اعملوا فكلٌّ ميسّرٌ» ثمّ قرأ: {فأمّا من أعطى واتّقى (5) وصدّق بالحسنى}، إلى قوله: {للعسرى}،
- حدّثنا مسدّدٌ، حدّثنا عبد الواحد، حدّثنا الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرّحمن، عن عليٍّ رضي اللّه عنه، قال: كنّا قعودًا عند النّبيّ [صلّى الله عليه وسلّم]، فذكر الحديث نحوه). [صحيح البخاري: 6/ 170] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قولُه: بَابٌ قولُهُ: {وصدَّقَ بالحُسنَى} سَقَطَتْ هذه التَّرجَمَةُ لِغَيرِ أَبِي ذَرٍّ والنَّسَفِيِّ، وسَقطَ لفظُ بَابٍ من التَّراجمِ كُلِّها لِغَيرِ أَبِي ذَرٍّ). [فتح الباري: 8/ 708]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (بَابٌ قَوْلُهُ: {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}؛
أَيْ: هَذَا بَابٌ فِي قَوْلِهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} وَلَمْ تَثْبُتْ هَذِهِ التَّرْجَمَةُ إلاَّ لأَبِي ذَرٍّ وَالنَّسَفِيِّ وَسَقَطَ لَفْظُ
بَابٍ مِنَ التَّرَاجِمِ كُلِّهَا إِلاَّ لأَبِي ذَرٍّ.
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ:
«كُنَّا قُعُودًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ ».
هَذَا طَرِيقٌ آخَرُ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ الْمَذْكُورِ أَخْرَجَهُ مُخْتَصَرًا، عَنْ مُسَدَّدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ الْبَصْرِيِّ إِلَى آخِرِهِ). [عمدة القاري: 19/ 297]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (واخْتَلَفَ أهلُ التأوِيلِ في تَأْوِيلِ قوْلِهِ عزَّ وجلَّ: {وَصَدَّقَ بالْحُسْنَى}؛ فقالَ بعضُهم: معنى ذلكَ: وصَدَّقَ بالخَلَفِ مِن اللَّهِ على إعطائِهِ ما أَعْطَى مِنْ مالِهِ فيما أعْطَى فيهِ مِمَّا أَمَرَهُ اللَّهُ بإعطائِهِ فيهِ.
ذِكْرُ مَنْ قالَ ذَلِكَ:
- حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بنُ مَسْعَدَةَ قالَ: ثَنَا بِشْرُ بن المُفَضَّلِ قالَ: ثَنَا دوادُ، عنْ عِكْرِمَةَ، عن ابنِ عبَّاسٍ في قَوْلِهِ: {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}، قالَ: وَصَدَّقَ بالخَلَفِ مِن اللَّهِ.
- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى قالَ: ثَنِي عبدُ الأعلَى قالَ: ثَنَا داودُ، عنْ عِكْرِمَةَ، عن ابنِ عبَّاسٍ: {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}، يقولُ: وصَدَّقَ بالخَلَفِ مِن اللَّهِ.
- حَدَّثَنَا ابنُ المُثَنَّى قالَ: ثَنَا عبدُ الرحمنِ بنُ مَهْدِيٍّ قالَ: ثَنَا خالِدُ بنُ عبدِ اللَّهِ، عنْ دَاوُدَ بنِ أبِي هِنْدٍ، عنْ عِكْرِمَةَ، عن ابنِ عبَّاسٍ: {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}: بالخَلَفِ.
- حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قالَ: ثَنَا ابنُ عُلَيَّةَ، عنْ دَاودَ، عنْ عِكْرِمَةَ، عن ابنِ عبَّاسٍ، مِثْلَهُ.
- حَدَّثَنَا إسماعيلُ بنُ موسَى السُّدِّيُّ قالَ: أخْبَرَنا بِشْرُ بنُ الحَكَمِ الأَحْمَسِيُّ، عنْ سعيدِ بنِ الصَّلْتِ، عنْ إسماعيلَ بنِ أبي خالِدٍ، عنْ أبي صالِحٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ: {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}، قالَ: أَيْقَنَ بالخَلَفِ.
- حَدَّثَنَا ابنُ بَشَّارٍ قالَ: ثَنَا عبدُ الرحمنِ قالَ: ثَنَا سُفْيانُ، عنْ قَيْسِ بنِ مسلمٍ، عنْ عِكْرِمَةَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}، قالَ: بالخَلَفِ.
- حَدَّثَنَا ابنُ حُمَيْدٍ قالَ: ثَنَا مِهْرانُ، عنْ سُفْيَانَ، عنْ قيْسِ بنِ مُسْلِمٍ، عنْ عِكْرِمَةَ: {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}، قالَ: بأنَّ اللَّهَ سَيُخْلِفُ لهُ.
- حَدَّثَنَا ابنُ حُمَيْدٍ قالَ: ثَنَا مِهْرانُ، عنْ سُفْيَانَ، عنْ أبي هاشِمٍ المَكِّيِّ، عنْ مُجَاهِدٍ: {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}، قالَ: بالخَلَفِ.
- حَدَّثَنَا أبو كُرَيْبٍ قالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عنْ أبي بَكْرٍ الهُذَلِيِّ، عنْ شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ: {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}، قالَ: بالخَلَفِ.
- حَدَّثَنَا أبو كُرَيْبٍ قالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عنْ نَضْرِ بنِ عَرَبِيٍّ، عنْ عِكْرِمَةَ قالَ: بالخَلَفِ.
وقالَ آخَرُونَ: بلْ معنَى ذلكَ: وصَدَّقَ بأنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ لا شَرِيكَ لَهُ.
ذِكْرُ مَنْ قالَ ذَلِكَ:
- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ علِيٍّ المُقَدَّمِيِّ قالَ: ثَنَا أَشْعَثُ السِّجِسْتَانِيُّ قالَ: ثَنَا مِسْعَرٌ. وحَدَّثَنَا أبو كُرَيْبٍ قالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عنْ مِسْعَرٍ، عنْ أبي حُصَيْنٍ، عنْ أبي عبدِ الرحمنِ: {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}، قالَ: بِلا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ.
- حَدَّثَنَا ابنُ بَشَّارٍ قالَ: ثَنَا عبدُ الرحمنِ قالَ: ثَنَا سُفيانُ، عنْ أبي حُصَيْنٍ، عنْ أبي عبدِ الرحمنِ، مِثْلَهُ.
- حَدَّثَنَا ابنُ حُمَيْدٍ قالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عنْ سُفْيَانَ، عنْ أبي حُصَيْنٍ، عنْ أبي عَبْدِ الرحمنِ، مِثْلَهُ.
- حدَّثني المَرْوَزيُّ عن الحُسَيْنِ قالَ: سَمِعْتُ أبا مُعاذٍ يقولُ: ثَنَا عَبِيدٌ قالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يقولُ في قَوْلِهِ: {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}: بِلا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ.
- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ قالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عنْ أَبِيهِ، عن ابنِ عَبَّاسٍ: {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}، يقولُ: صَدَّقَ بِلا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ.
وقالَ آخَرُونَ: بلْ معنَى ذلكَ: وصَدَّقَ بالجَنَّةِ.
ذِكْرُ مَنْ قالَ ذَلِكَ:
- حَدَّثَنَا ابنُ حُمَيْدٍ قالَ: ثَنَا مِهْرانُ، عنْ سُفْيَانَ، عن ابنِ أبي نَجِيحٍ، عنْ مُجَاهِدٍ: {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}، قالَ: بالجَنَّةِ.
- حَدَّثَنَا ابنُ بَشَّارٍ قالَ: ثَنِي مُحَمَّدُ بنُ مُحَبَّبٍ قالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عن ابنِ أبي نَجِيحٍ، عنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ.
- حَدَّثَنَا أبو كُرَيْبٍ قالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عن سفيانَ عن ابنِ أبي نَجِيحٍ، عنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ.
وقالَ آخَرُونَ: بلْ معناهُ: وصَدَّقَ بموعودِ اللَّهِ.
ذِكْرُ مَنْ قالَ ذَلِكَ:
- حَدَّثَنَا بِشْرٌ قالَ: ثَنَا يَزِيدُ قالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عنْ قَتَادَةَ: {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}، وصدق بِمَوْعُودِ اللَّهِ على نفسِهِ، فعَمِلَ لذلكَ الموعودِ الذي وَعَدَهُ اللَّهُ.
- حَدَّثَنَا ابنُ عَبْدِ الأَعْلَى قالَ: ثَنَا ابنُ ثَوْرٍ، عنْ مَعْمَرٍ، عنْ قَتَادَةَ، في قوْلِهِ: {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}، قالَ: صَدَّقَ المُؤْمِنُ بِمَوْعُودِ اللَّهِ الحَسَنِ.
وأَشْبَهُ هذهِ الأقوالِ بما دَلَّ عليهِ ظاهِرُ التنْزِيلِ، وأَوْلاهَا بالصَّوَابِ عِندِي قَوْلُ مَنْ قالَ: عُنِيَ بهِ التصديقُ بالخَلَفِ مِن اللَّهِ على نَفَقَتِهِ.
وإنَّما قُلْتُ: ذلكَ أَوْلَى الأقوالِ بالصوابِ في ذلكَ؛ لأنَّ اللَّهَ جلَّ ثناؤُه ذَكَرَ قبلَهُ مُنْفِقاً أَنْفَقَ طَالِباً بِنَفَقَتِهِ الخَلَفَ مِنها، فكانَ أَوْلَى المعانِي بهِ أنْ يكونَ الذي عَقِيبُهُ الخَبَرَ عنْ تَصديقِهِ بوَعْدِ اللَّهِ إيَّاهُ بالخَلَفِ؛ إذْ كَانَت نَفَقَتُهُ على الوَجْهِ الذي يَرْضَاهُ، معَ أنَّ الخَبَرَ عنْ رسولِ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] بنحوِ الذي قُلْنَا في ذلكَ وَرَدَ.
ذِكْرُ الخَبَرِ الوارِدِ بذلكَ:
- حَدَّثَنِي الحسَينُ بنُ سَلَمَةَ بنِ أَبِي كَبْشَةَ قالَ: ثَنَا عبدُ المَلِكِ بنُ عمرٍو قالَ: ثَنَا عَبَّادُ بنُ رَاشِدٍ، عنْ قَتَادَةَ قالَ: ثَنِي خُلَيْدٌ الْعَصَرِيُّ، عنْ أبي الدرداءِ قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]:
«مَا مِنْ يَوْمٍ غَرَبَتْ فِيهِ شَمْسُهُ إِلاَّ وَبِجَنْبَيْهَا مَلَكَانِ يُنَادِيَانِ، يَسْمَعُهُ خَلْقُ اللَّهِ كُلُّهُمْ إِلاَّ الثَّقَلَيْنِ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقاً خَلَفاً، وَأَعْطِ مُمْسِكاً تَلَفاً». وَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ في الْقُرْآنَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخَلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}.
وذُكِرَ أنَّ هذهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي أبي بَكْرٍ الصدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ.
ذِكْرُ الخَبَرِ بِذَلِكَ:
- حَدَّثَنِي هارونُ بنُ إِدْرِيسَ الأَصَمُّ قالَ: ثَنَا عبدُ الرحمنِ بنُ مُحَمَّدٍ المُحَارِبِيُّ قالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسحاقَ، عنْ مُحَمَّدِ بنِ عبد اللَّهِ بنِ محمد بن عبدِ الرحمنِ بنِ أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، عنْ عامِرِ بنِ عبدِ اللَّهِ بنِ الزُّبَيْرِ قالَ: كانَ أبو بَكْرٍ الصدِّيقُ يَعْتِقُ على الإسلامِ بِمَكَّةَ، فكانَ يَعْتِقُ عَجَائِزَ وَنِساءً إِذَا أَسْلَمْنَ، فقالَ لهُ أَبُوهُ: أيْ بُنَيَّ، أَرَاكَ تَعْتِقُ أُنَاساً ضُعَفاءَ، فلوْ أنَّكَ أَعْتَقْتَ رِجَالاً جُلْداً يَقُومُونَ مَعَكَ، ويَمْنَعُونَكَ ويَدْفَعُونَ عنكَ، فقالَ: أيْ أَبَتِ، إِنَّما أُرِيدُ -أَظُنَّهُ قالَ- ما عندَ اللَّهِ. قالَ: فحَدَّثَنِي بَعْضُ أهلِ بيتِي أنَّ هذهِ الآيَةَ أُنْزِلَتْ فيهِ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} ). [جامع البيان: 24/ 461-466]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم، قال: ثنا آدم، قال: ثنا سليمان بن حبان، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس {وصدق بالحسنى}؛ قال: يقول: صدق بالخلف). [تفسير مجاهد: 2/ 765]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ سعيدُ بنُ منصورٍ وعبدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وابنُ المُنْذِرِ وابنُ أبي حَاتِمٍ ، والبَيْهَقِيُّ في شُعَبِ الإيمانِ مِن طريقِ عِكْرِمَةَ، عن ابنِ عبَّاسٍ في قَوْلِهِ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى}؛ مِنَ الفضْلِ، {وَاتَّقَى}؛ قالَ: اتَّقَى ربَّه، {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}؛ قالَ: صَدَّقَ بالخَلَفِ مِنَ اللَّهِ). [الدر المنثور: 15/ 470] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عبدُ بنُ حُمَيْدٍ، وابنُ أبي حَاتِمٍ، عن قَتَادَةَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى}؛ قالَ: أَعْطَى حقَّ اللَّهِ عليه، {وَاتَّقَى}؛ مَحَارِمَ اللَّهِ، {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}؛ قالَ: بِمَوْعُودِ اللَّهِ على نفسِه). [الدر المنثور: 15/ 471] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ جَرِيرٍ مِن طُرُقٍ عن ابنِ عبَّاسٍ: {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}؛ قالَ: أَيْقَنَ بالخَلَفِ). [الدر المنثور: 15/ 471]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ جَرِيرٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ: {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}؛ يقولُ: صَدَّقَ بـ: لا إلهَ إلاَّ اللَّهُ، {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى}؛ يقولُ: مَن أغناه اللَّهُ فبَخِلَ بالزكاةِ). [الدر المنثور: 15/ 471]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ الفِرْيَابِيُّ، وعبدُ بنُ حُمَيْدٍ، وابنُ جَرِيرٍ، وابنُ المُنْذِرِ، وابنُ أبي حَاتِمٍ، عن أبي عبدِ الرحمنِ السُّلَمِيِّ: {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}؛ قالَ: بـ: لا إلهَ إلا اللَّهُ). [الدر المنثور: 15/ 471]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ الفِرْيَابِيُّ، وعبدُ بنُ حُمَيْدٍ، وابنُ جَرِيرٍ، وابنُ المُنْذِرِ، وابنُ أبي حَاتِمٍ، عن مُجَاهِدٍ: {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}؛ قالَ: بالجنةِ). [الدر المنثور: 15/ 472]

تفسير قوله تعالى: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7)}
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب {فسنيسّره لليسرى}؛
- حدّثنا بشر بن خالدٍ، أخبرنا محمّد بن جعفرٍ، حدّثنا شعبة، عن سليمان، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرّحمن السّلميّ، عن عليٍّ رضي اللّه عنه ، عن النّبيّ [صلّى الله عليه وسلّم] أنّه كان في جنازةٍ، فأخذ عودًا ينكت في الأرض، فقال: «ما منكم من أحدٍ إلّا وقد كتب مقعده من النّار، أو من الجنّة» قالوا: يا رسول اللّه، أفلا نتّكل؟ قال:
«اعملوا فكلٌّ ميسّرٌ {فأمّا من أعطى واتّقى (5) وصدّق بالحسنى}» الآية، قال شعبة: وحدّثني به منصورٌ فلم أنكره من حديث سليمان). [صحيح البخاري: 6/ 170-171]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (بَابٌ: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}؛
أَيْ: هَذَا بَابٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}.
- حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ– عَنِ النَّبِيِّ [صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ] أَنَّهُ كَانَ فِي جِنَازَةٍ فَأَخَذَ عُودًا يَنْكُتُ فِي الأَرْضِ فَقَالَ:
«مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ أَوْ مِنَ الْجَنَّةِ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ نَتَّكِلُ ؟ قَالَ: «اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ» {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} الآيَةَ.
قَالَ شُعْبَةُ: وَحَدَّثَنِي بِهِ مَنْصُورٌ فَلَمْ أُنْكِرْهُ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ.
هَذَا طَرِيقٌ آخَرُ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ أَخْرَجَهُ، عَنْ بِشْرٍ -بِكَسْرِ الْيَاءِ الْمُوَحَّدَةِ- ابْنِ خَالِدٍ إلخ وَسُلَيْمَانُ هُوَ الأَعْمَشُ.
قَوْلُهُ: (يَنْكُتُ) مِنَ النَّكْتِ وَهُوَ أَنْ يَضْرِبَ الْقَضِيبَ فِي الأَرْضِ فَيُؤَثِّرَ فِيهَا.
قَوْلُهُ: قَالَ شُعْبَةُ، مُتَّصِلٌ بِالإِسْنَادِ الأَوَّلِ.
قَوْلُهُ: (وَحَدَّثَنِي بِهِ) أَيْ: بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ مَنْصُورٌ هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ فَلَمْ أُنْكِرْهُ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ يَعْنِي: الأَعْمَشَ، أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ وَافَقَ مَا حَدَّثَ بِهِ الأَعْمَشُ فَمَا أَنْكَرَ مِنْهُ شَيْئًا). [عمدة القاري: 19/ 297]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (هذا بَابٌ بالتَّنْوِينِ أي في قَوْلِهِ جَلَّ وَعَلا: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}؛ أي: لِلْجَنَّةِ وثَبَتَ بابٌ لأَبِي ذَرٍّ. وبه قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ -بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ- الْفَرَائِضِيُّ الْعَسْكَرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا ولأَبِي ذَرٍّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ، عَنْ سُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، عن سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عن أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عن عَلِيٍّ [رَضِيَ اللَّهُ عنه] عن النَّبِيِّ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] أَنَّهُ كَانَ في جِنَازَةٍ لَمْ يُسَمِّ صَاحِبَهَا فَأَخَذَ عُودًا يَنْكُتُ بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ يَضْرِبُ بِهِ فِي الأَرْضِ فِعْلَ الْمُتَفَكِّرِ فِي شَيْءٍ مُهِمٍّ فَقَالَ:
«مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ أَوْ مِنَ الْجَنَّةِ» قَالُوا: قِيلَ: السَّائِلُ: سُرَاقَةُ وقِيلَ: عَلِيٌّ الرَّاوِي، وقِيلَ: عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ نَتَّكِلُ؟ أي نَعْتَمِدُ على كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ قَالَ عليه الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: «اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ» زَادَ في رِوَايَةٍ في الْبَابِ اللاحِقِ: لِمَا خُلِقَ له أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَسَيَصِيرُ لِعَمَلِ السَّعَادَةِ وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ فَسَيَصِيرُ لِعَمَلِ الشَّقَاوَةِ ثُمَّ قَرَأَ {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} الآيَةَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: فِي قَوْلِهِمْ: أَلاَ نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا مُطَالَبَةٌ منهم بِأَمْرٍ يُوجِبُ تَعْطِيلَ العبودِيَّةِ وَرَوْمُ أَنْ يَتَّخِذُوا حُجَّةً لأَنْفُسِهِمْ في تَرْكِ الْعَمَلِ فَأَعْلَمَهُمْ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] بِقَوْلِهِ: «اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ» بأمْرَيْنِ لا يَبْطُلُ أَحَدُهُمَا بِالآخَرِ: بَاطِنٌ هو العلامَةُ الْمُوجِبَةُ في عِلْمِ الرُّبُوبِيَّةِ، وظَاهِرٌ هو الْقِسْمَةُ اللازِمَةُ في حَقِّ الْعُبُودِيَّةِ، وهي أمارَةٌ مُخَيَّلَةٌ غَيْرُ مُفِيدَةٍ حَقِيقَةً لِلْعِلْمِ، وَنَظِيرُهُ الرِّزْقُ الْمَقْسُومُ مع الأمْرِ بِالْكَسْبِ والأجَلِ الْمَضْرُوبِ فِي الْعُمُرِ مع الْمُعَالَجَةِ بِالطِّبِّ فَإِنَّكَ تَجِدُ الْمَغِيبَ فيهما عِلَّةً مُوجِبةً والظَّاهِرَ الْبَادِيَ سَبَبًا مُخَيَّلاً، وقد اصْطَلَحَ النَّاسُ خَاصَّتُهُمْ وَعَامَّتُهُمْ أن الظَّاهِرَ فيها لا يُتْرَكُ لِسَبَبِ الْبَاطِنِ قَالَ في فُتُوحِ الْغَيْبِ: تَلْخِيصُهُ: عَلَيْكُمْ بشأْنِ الْعُبُودِيَّةِ وَمَا خُلِقْتُمْ لأجْلِهِ وَأُمِرْتُمْ به وَكِلُوا أَمْرَ الرُّبُوبِيَّةِ الْغَيْبِيَّةِ إلى صَاحِبِهَا فلا عَلَيْكُمْ بِشَأْنِهَا. قَالَ شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ بالإسْنَادِ السَّابِقِ: وَحَدَّثَنِي بِهِ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ مَنْصُورٌ هو ابْنُ الْمُعْتَمِرِ فَلَمْ أُنْكِرْهُ، مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ أيِ: الأعْمَشِ بل وَافَقَ حَدِيثَهُ فما أَنْكَرَ مِنْه شَيْئًا). [إرشاد الساري: 7/ 421]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ): (حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، قال: حدّثنا زائدة بن قدامة، عن منصور بن المعتمر، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرّحمن السّلميّ، عن عليٍّ: قال: كنّا في جنازةٍ في البقيع، فأتى النّبيّ [صلّى اللّه عليه وسلّم] فجلس وجلسنا معه ومعه عودٌ ينكت به في الأرض، فرفع رأسه إلى السّماء فقال:
«ما من نفسٍ منفوسةٍ إلاّ قد كتب مدخلها»، فقال القوم: يا رسول الله، أفلا نتّكل على كتابنا، فمن كان من أهل السّعادة، فهو يعمل للسّعادة، ومن كان من أهل الشّقاء، فإنّه يعمل للشّقاء؟ قال: «بل اعملوا فكلٌّ ميسّرٌ، أمّا من كان من أهل السّعادة فإنّه ميسّر لعمل السّعادة، وأمّا من كان من أهل الشّقاء فإنّه ميسّر لعمل الشّقاء»، ثمّ قرأ: {فأمّا من أعطى واتّقى (5) وصدّق بالحسنى (6) فسنيسّره لليسرى (7) وأمّا من بخل واستغنى (8) وكذّب بالحسنى (9) فسنيسّره للعسرى}.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ). [سنن الترمذي: 5/ 298] (م)
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {فأمّا من أعطى واتّقى (5) وصدّق بالحسنى} ؛
- أخبرنا محمّد بن عبد الأعلى، حدّثنا المعتمر، قال: سمعت منصورًا، يحدّث عن سعد بن عبيدة، عن عبد الله بن حبيبٍ أبي عبد الرّحمن السّلميّ، عن عليّ بن أبي طالبٍ، قال: كنّا في جنازةٍ فيها رسول الله [صلّى الله عليه وسلّم] ببقيع الغرقد، فجاء رسول الله [صلّى الله عليه وسلّم]، فجلس ومعه مخصرةٌ، فنكّس ونكت بها، ثمّ رفع رأسه، فقال: «ما منكم من أحدٍ، ما من نفسٍ منفوسةٍ إلّا قد كتب الله مكانها من الجنّة والنّار، إلّا قد كتبت شقيّةً أو سعيدةً»، فقال رجلٌ من القوم: يا رسول الله، أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل، فمن كان من أهل السّعادة ليكوننّ إلى السّعادة، ومن كان من أهل الشّقاوة ليكوننّ إلى الشّقاوة؟، فقال رسول الله [صلّى الله عليه وسلّم]: «بل اعملوا، فكلٌّ ميسّرٌ، فأمّا أهل السّعادة فييسّرون للسّعادة، وأمّا أهل الشّقاوة فييسّرون للشّقاوة»، ثمّ قرأ رسول الله [صلّى الله عليه وسلّم] هذه الآية {فأمّا من أعطى واتّقى (5) وصدّق بالحسنى (6) فسنيسّره لليسرى (7) وأمّا من بخل واستغنى (8) وكذّب بالحسنى (9) فسنيسّره للعسرى}). [السنن الكبرى للنسائي: 10/ 337]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {وأمّا من بخل واستغنى وكذّب بالحسنى}؛
- أخبرنا إسماعيل بن مسعودٍ، عن المعتمر بن سليمان، عن شعبة، عن سليمان، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرّحمن السّلميّ، عن عليٍّ، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال وهو مع جنازةٍ: «ما منكم من أحدٍ إلّا وقد كتب مقعده من النّار ومقعده من الجنّة»، قالوا: يا رسول الله، أفلا نتّكل؟، قال:
«اعملوا، فكلٌّ ميسّرٌ { من أعطى واتّقى (5) وصدّق بالحسنى (6) فسنيسّره لليسرى (7) وأمّا من بخل واستغنى (8) وكذّب بالحسنى (9) فسنيسّره للعسرى}»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/ 338]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (أخبرنا محمّد بن النّضر بن مساورٍ، حدّثنا حمّاد بن زيدٍ، عن يزيد الرّشك، عن مطرّفٍ، عن عمران بن حصينٍ، قال: قيل: يا رسول الله، أعلم أهل الجنّة من النّار؟، قال: «نعم»، قال: ففيم يعمل العاملون؟، قال: «كلٌّ ميسّرٌ لما خلق له»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/ 338]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُهُ: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}، يقولُ: فسَنُهَيِّئُهُ لِلخَلَّةِ اليُسْرَى، وهيَ العَمَلُ بما يَرْضَاهُ اللَّهُ مِنهُ في الدُّنيا؛ لِيُوجِبَ لهُ بهِ في الآخِرَةِ الجنَّةَ). [جامع البيان: 24/ 466]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ سعيدُ بنُ منصورٍ وعبدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وابنُ المُنْذِرِ وابنُ أبي حَاتِمٍ ، والبَيْهَقِيُّ في شُعَبِ الإيمانِ مِن طريقِ عِكْرِمَةَ، عن ابنِ عبَّاسٍ في قَوْلِهِ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى}؛ مِنَ الفضْلِ، {وَاتَّقَى}؛ قالَ: اتَّقَى ربَّه، {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}؛ قالَ: صَدَّقَ بالخَلَفِ مِنَ اللَّهِ، {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}؛ قالَ: للخيرِ مِنَ اللَّهِ). [الدر المنثور: 15/ 470] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ أحمدُ، وعبدُ بنُ حُمَيْدٍ، والبخاريُّ، ومسلمٌ، وأبو داودَ والترمذيُّ، والنَّسائيُّ، وابنُ ماجهْ، وابنُ جَرِيرٍ، وابنُ مَرْدُويَهْ، عن عليِّ بنِ أبي طالِبٍ، قالَ: كنَّا معَ رسولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في جِنازَةٍ فقالَ:
«مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَمَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ». فقالَوا: يا رسولَ اللَّهِ، أفلا نَتَّكِلُ؟ قالَ: «اعْمَلُوا، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ؛ أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاءِ». ثُم قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}، إلى قولِه: {لِلْعُسْرَى} ). [الدر المنثور: 15/ 472-473]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ أحمدُ، ومسلمٌ، وابنُ حِبَّانَ، والطبرانيُّ، وابنُ مَرْدُويَهْ، عن جابِرِ بنِ عبدِ اللَّهِ: أنَّ سُرَاقَةَ بنَ مالِكٍ قالَ: يا رسولَ اللَّهِ، في أيِّ شيءٍ نَعْمَلُ؟ أفي شيءٍ ثَبَتَتْ فيه المقادِيرُ، وجَرَتْ به الأقلامُ أم في شيءٍ نَسْتَقْبِلُ فيه العملَ؟
قالَ:
«لا، بَلْ فِي شَيْءٍ ثَبَتَتْ فِيهِ الْمَقَادِيرُ وَجَرَتْ بهِ الأَقْلاَمُ».
قالَ سُرَاقَةُ: فَفِيمَ الْعَمَلُ إِذَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
قالَ:
«اعْمَلُوا، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ».
وقَرَأَ رسولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذه الآيةَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}، إلى قولِه: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} ). [الدر المنثور: 15 / 473]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ قَانِعٍ، وابنُ شَاهِينَ، وعَبْدَانُ كلُّهُم في الصحابةِ، عن بَشِيرِ بنِ كعبٍ الأَسْلَمِيِّ، أن سائلاً سأَلَ رسولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيم العملُ؟
قالَ:
«فِيمَا جَفَّتْ بِهِ الأَقْلاَمُ وَجَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ، فَاعْمَلُوا، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ».
ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} ). [الدر المنثور: 15/ 474]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ جَرِيرٍ، عن أبي عبدِ الرحمنِ السُّلَمِيِّ، قالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هذه الآيةُ: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}، قالَ رجلٌ: يا رسولَ اللَّهِ، ففيمَ العملُ، أفي شيءٍ نَسْتَأْنِفُه، أم في شيءٍ قد فُرِغَ منه؟ فقالَ رسولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«اعْمَلُوا، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ؛ نُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى، وَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى»). [الدر المنثور: 15/ 474]

تفسير قوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8)}
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب قوله: {وأمّا من بخل واستغنى}؛
- حدّثنا يحيى، حدّثنا وكيعٌ، عن الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرّحمن، عن عليٍّ عليه السّلام، قال: كنّا جلوسًا عند النّبيّ [صلّى الله عليه وسلّم] فقال: «ما منكم من أحدٍ إلّا وقد كتب مقعده من الجنّة، ومقعده من النّار» فقلنا: يا رسول اللّه أفلا نتّكل؟ قال: «لا، اعملوا فكلٌّ ميسّرٌ» ثمّ قرأ: {فأمّا من أعطى واتّقى (5) وصدّق بالحسنى (6) فسنيسّره لليسرى}إلى قوله:{فسنيسّره للعسرى}). [صحيح البخاري: 6/ 171]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (بَابٌ قَوْلُهُ: {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى}؛
أَيْ: هَذَا بَابٌ فِي قَوْلِهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى}؛ يَعْنِي: أَمَّا مَنْ بَخِلَ بِالنَّفَقَةِ فِي الْخَيْرِ وَاسْتَغْنَى عَنْ رَبِّهِ فَلَمْ يَرْغَبْ فِي ثَوَابِهِ، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى أَيْ: لِلْعَمَلِ بِمَا لاَ يَرْضَى اللَّهُ تَعَالَى حَتَّى يَسْتَوْجِبَ النَّارَ.
- حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ فَقَالَ:
«مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَمَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ» فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ نَتَّكِلُ ؟ قَالَ: «لاَ، اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ» ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}، إِلَى قَوْلِهِ: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}.
هَذَا طَرِيقٌ آخَرُ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ أَخْرَجَهُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ مُوسَى السَّخْتِيَانِيِّ البَجَليِّ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: خَتٌّ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ إِلَى آخِرِهِ.
قَوْلُهُ: (جُلُوسًا) أَيْ: جَالِسِينَ، وَفِي حَدِيثِ مُسَدَّدٍ الْمَذْكُورِ: كُنَّا قُعُودًا). [عمدة القاري: 19/ 297]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( بَابُ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ} بما أُمِرَ به {وَاسْتَغْنَى} بشَهَوَاتِ الدُّنْيَا وَثَبَتَ لأَبِي ذَرٍّ بَابُ قَوْلِهِ. وبه قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى هو ابْنُ مُوسَى الْبَلْخِيُّ الْمَشْهُورُ بِخَتٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ هو ابْنُ الْجَرَّاحِ الرُّؤَاسِيُّ -بِضَمِّ الرَّاءِ وَبِالْهَمْزَةِ بَعْدَهَا سِينٌ مُهْمَلَةٌ- عَنِ الأَعْمَشِ سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، خَتَنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عن عَلِيٍّ [رَضِيَ اللَّهُ عنه] وَفِي الْيُونِينِيَّةِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] في جِنَازَةٍ في بَقِيعِ الْغَرْقَدِ فَقَالَ:
«مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَمَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ».
فَقُلْنَا ولأَبِي ذَرٍّ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلاَ نَتَّكِلُ؟ أي على كِتَابِنَا وَنَدَعَ الْعَمَلَ.
قَالَ:
«لاَ اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ»أي: لِمَا خُلِقَ لَهُ ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} فَسَنُهَيِّئُهُ لِلْخَلَّةِ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى يُسْرٍ إِلَى قَوْلِهِ: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} لِلْخَلَّةِ الْمُؤَدِّيَةِ لِلْعُسْرِ وَالشِّدَّةِ لِدُخُولِ النَّارِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَأَمَّا وَجْهُ تَأْنِيثِ الْيُسْرَى وَالْعُسْرَى فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُمَا جَمَاعَةَ الأعْمَالِ؛ فذلك ظاهِرٌ، وإنْ كَانَ الْمُرَادُ عَمَلاً وَاحِدًا فَيَرْجِعُ التَّأْنِيثُ إلى الْحَالَةِ أو الْفَعْلَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ الطَّرِيقَةُ الْيُسْرَى وَالْعُسْرَى). [إرشاد الساري: 7/ 421-422]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُهُ: {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى}، يقولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وأَمَّا مَنْ بَخِلَ بالنَّفَقَةِ في سبيلِ اللَّهِ، ومَنَعَ ما وَهَبَ اللَّهُ لهُ مِنْ فَضْلِهِ، مِنْ صَرْفِهِ في الوجوهِ التي أَمَرَ اللَّهُ بصَرْفِهِ فيها، واسْتَغْنَى عنْ رَبِّهِ، فلمْ يَرْغَبْ إليهِ بالعَمَلِ لهُ بطَاعَتِهِ، بالزيادَةِ فيما خَوَّلَهُ مِنْ ذلكَ.
وبنحوِ الذي قُلْنَا في ذلكَ قالَ أهلُ التأوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قالَ ذَلِكَ:
- حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بنُ مَسْعَدَةَ قالَ: ثَنَا بِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ قالَ: ثَنَا داودُ، عنْ عِكْرِمَةَ، عن ابنِ عبَّاسٍ في قَوْلِهِ: {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى}، قالَ: بَخِلَ بِمَا عِنْدَهُ، واسْتَغْنَى في نفسِهِ.
- حَدَّثَنَا ابنُ المُثَنَّى قالَ: ثَنَا عبدُ الرحمنِ قالَ: ثَنَا خالِدُ بنُ عبدِ اللَّهِ، عنْ دَاوُدَ بنِ أبي هِنْدٍ، عنْ عِكْرِمَةَ، عن ابنِ عبَّاسٍ: {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى}، وأمَّا مَنْ بَخِلَ بِالْفَضْلِ، وَاسْتَغْنَى عَنْ رَبِّهِ.
- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ قالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عنْ أَبِيهِ، عن ابنِ عَبَّاسٍ: {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى}، يقولُ: مَنْ أَغْنَاهُ اللَّهُ فبَخِلَ بالزَّكَاةِ.
- حَدَّثَنَا بِشْرٌ قالَ: ثَنَا يَزِيدُ قالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عنْ قَتَادَةَ: قولُهُ: {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى}، يقول: وأمَّا مَنْ بَخِلَ بِحَقِّ اللَّهِ عليهِ، واسْتَغْنَى في نَفْسِهِ عنْ رَبِّهِ). [جامع البيان: 24/ 466-467]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ سعيدُ بنُ منصورٍ وعبدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وابنُ المُنْذِرِ وابنُ أبي حَاتِمٍ ، والبَيْهَقِيُّ في شُعَبِ الإيمانِ مِن طريقِ عِكْرِمَةَ، عن ابنِ عبَّاسٍ في قَوْلِهِ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى}؛ مِنَ الفضْلِ، {وَاتَّقَى}؛ قالَ: اتَّقَى ربَّه، {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}؛ قالَ: صَدَّقَ بالخَلَفِ مِنَ اللَّهِ، {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}؛ قالَ: للخيرِ مِنَ اللَّهِ، {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى}؛ قالَ: بَخِلَ بِمَالِهِ واسْتَغْنَى عن ربِّه). [الدر المنثور: 15/ 470] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عبدُ بنُ حُمَيْدٍ، وابنُ أبي حَاتِمٍ، عن قَتَادَةَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى}؛ قالَ: أَعْطَى حقَّ اللَّهِ عليه، {وَاتَّقَى}؛ مَحَارِمَ اللَّهِ، {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}؛ قالَ: بِمَوْعُودِ اللَّهِ على نفسِه، {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ}؛ قالَ: بحقِّ اللَّهِ عليه، {وَاسْتَغْنَى}؛ في نفسِه عن ربِّه). [الدر المنثور: 15 / 471] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ جَرِيرٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ: {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}؛ يقولُ: صَدَّقَ بـ: لا إلهَ إلاَّ اللَّهُ، {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى}؛ يقولُ: مَن أغناه اللَّهُ فبَخِلَ بالزكاةِ). [الدر المنثور: 15/ 471] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عبدُ بنُ حُمَيْدٍ، وابنُ مَرْدُويَهْ، وابنُ عساكِرَ مِن طريقِ الكَلْبِيِّ، عن أبي صالحٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ في قَوْلِهِ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}؛ قالَ: أبو بكرٍ الصدِّيقُ، {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى}؛ قالَ: أبو سفيانَ بنُ حَرْبٍ). [الدر المنثور: 15/ 472] (م)

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9)}
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني شبيب بن سعيد عن يحيى بن أبي أنيسة أنه سأل عطاء بن أبي رباح عن قول الله: {من جاء بالحسنة فله خيرٌ منها وهم من فزعٍ يومئذٍ آمنون}، قال عطاء: من جاء بالتوحيد فله خيرٌ وقوةٌ، {ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار}، فقال عطاء: من جاء بالشرك؛ قال: وسمعت عطاء يقول: ألم تسمع لقوله: {من أعطى واتقى (5) وصدق بالحسنى}، يقول: من صدق بالتوحيد، {وأما من بخل واستغنى (8) وكذب بالحسنى}، كذب بالتوحيد). [الجامع في علوم القرآن: 1/ 42-43] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة، في قوله تعالى: {وكذب بالحسنى}؛ وفي قوله: {وصدق بالحسنى}؛ قال: صدق المؤمن بموعد الله الحسن وكذب الكافر بموعد الله الحسن). [تفسير عبد الرزاق: 2/ 377] (م)
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (وقال ابن عبّاسٍ: {وكذّب بالحسنى}: «بالخلف»). [صحيح البخاري: 6 / 170]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قولُهُ: وقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: {وَكَذَّبَ بالحُسنَى} بالخَلَفِ وصَلَهُ ابنُ أَبِي حَاتِمٍ من طَرِيقِ حُصَينٍ عن عِكْرِمَةَ عنهُ، وإسنادُهُ صَحيحٌ). [فتح الباري: 8/ 706]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال ابن عبّاس: {بالحسنى}؛ بالخلف وقال مجاهد: تردى مات وتلظى توهج وقرأ عبيد بن عمير: تتلظى.
أما قول ابن عبّاس: فقال ابن أبي حاتم: ثنا أبو سعيد الأشج، ثنا أبو يحيي الرّازيّ، عن أبي جعفر، عن حصين، عن عكرمة، عن ابن عبّاس، في قوله: {بالحسنى}؛ قال: بالخلف). [تغليق التعليق: 4/ 370]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسِ: {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى}: بِالْخَلَفِ
أَيْ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى}؛ أَيْ: بِالْخَلَفِ عَنْ إِعْطَائِهِ وَالْعِوَضِ عَنْ إِنْفَاقِهِ، وَعَنْ مُجَاهِدٍ: وَكَذَّبَ بِالْجَنَّةِ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: بِلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ. وَالأَوَّلُ أَشْبَهُ؛ لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَعَدَ بِالْخَلَفِ لِلْمُعْطِي). [عمدة القاري: 19 / 295]
قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فيما وَصَلَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِالْحُسْنَى ولأَبِي ذَرٍّ: وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى بِالْخَلَفِ أي لم يُوقِنْ أَنَّ اللَّهَ سَيُخْلِفُ عليه ما أَنْفَقَهُ في طَاعَتِهِ). [إرشاد الساري: 7/ 420]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب قوله: {وكذّب بالحسنى}؛
- حدّثنا عثمان بن أبي شيبة، حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرّحمن السّلميّ، عن عليٍّ رضي اللّه عنه، قال: كنّا في جنازةٍ في بقيع الغرقد فأتانا رسول اللّه [صلّى الله عليه وسلّم]، فقعد وقعدنا حوله، ومعه مخصرةٌ فنكّس فجعل ينكت بمخصرته، ثمّ قال: «ما منكم من أحدٍ وما من نفسٍ منفوسةٍ إلّا كتب مكانها من الجنّة والنّار، وإلّا قد كتبت شقيّةً أو سعيدةً» قال رجلٌ: يا رسول اللّه، أفلا نتّكل على كتابنا، وندع العمل؟ فمن كان منّا من أهل السّعادة، فسيصير إلى عمل أهل السّعادة، ومن كان منّا من أهل الشّقاء، فسيصير إلى عمل أهل الشّقاوة، قال: «أمّا أهل السّعادة فييسّرون لعمل أهل السّعادة، وأمّا أهل الشّقاوة فييسّرون لعمل أهل الشّقاء» ، ثمّ قرأ: {فأمّا من أعطى واتّقى (5) وصدّق بالحسنى}الآية). [صحيح البخاري: 6 / 171]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (بَابٌ قَوْلُهُ: {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى}؛
أَيْ: هَذَا بَابٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَذَبَ بِالْحُسْنَى}.
- حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: كُنَّا فِي جِنَازَةٍ فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ [صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ] فَقَعَدَ وَقَعَدْنَا حَوْلَهُ وَمَعَهُ مِخْصَرَةٌ، فَنَكَّسَ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِمِخْصَرَتِهِ ثُمَّ قَالَ:
«مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ وَمَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلاَّ كُتِبَ مَكَانُهَا مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَإِلاَّ قَدْ كُتِبَتْ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً ». قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ؛ فَمَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَسَيَصِيرُ إِلَى أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ ؟ قَالَ: «أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُون لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاءِ ». ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} الآيَةَ.
هَذَا طَرِيقٌ آخَرُ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ أَخْرَجَهُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ مَنْصُورٍ إِلَى آخِرِهِ.
قَوْلُهُ: (مِخْصَرَةٌ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ مَا أَمْسَكَهُ الإِنْسَانُ بِيَدِهِ مِنْ عَصًا وَنَحْوِهِ، وَقَالَ الْقُتَبِيُّ: الْمِخْصَرَةُ إِمْسَاكُ الْقَضِيب بِالْيَدِ وَكَانَتِ الْمُلُوكُ تَتَخَصَّرُ بِقُضْبَانٍ يُشِيرُونَ بِهَا، وَالْمِخْصَرَةُ مِنْ شِعَارِ الْمُلُوكِ). [عمدة القاري: 19/ 298]
قَوْلُهُ: (مَنْفُوسَةٍ) أَيْ: مَوْلُودَةٍ، يُقَالُ: نَفِسَتِ الْمَرْأَةُ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ). [عمدة القاري: 19 / 297-298]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (قَوْلُهُ: {وَكَذَّبَ}
ولأَبِي ذَرٍّ: بَابٌ بِالتَّنْوِينِ أي: في قَوْلِهِ جَلَّ وَعَلا: {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى}. وبه قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ هُوَ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَنَسَبُهُ لِجَدِّهِ لِشُهْرَتِهِ به الْعَبْسِيُّ الْكُوفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ هو ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الرَّازِيُّ، عَنْ مَنْصُورٍ هو ابْنُ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] أنه قَالَ: كُنَّا فِي جِنَازَةٍ لَمْ يُسَمِّ صَاحِبَهَا فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ مَقْبَرَةِ الْمَدِينَةِ فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] فَقَعَدَ، وَقَعَدْنَا حَوْلَهُ، وَمَعَهُ مِخْصَرَةٌ -بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ-: عَصًا فَنَكَّسَ -بِفَتْحِ النُّونِ وَالْكَافِ مُشَدَّدَةً بَعْدَهَا سِينٌ مُهْمَلَةٌ-، فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِمِخْصَرَتِهِ في الأرْضِ ثُمَّ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ:
«مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ وَمَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ مَوْلُودَةٍ إِلاَّ كُتِبَ مَكَانُهَا الَّذِي تَصِيرُ إِلَيْهِ مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَإِلاَّ قَدْ كُتِبَتْ »، ولأَبِي ذَرٍّ عن الْكُشْمِيهَنِيِّ: وإِلاَّ كُتِبَتْ، بِإِسْقَاطِ "قَدْ"، وله عَنِ الْحَمَوِيِّ والْمُسْتَمْلِيِّ: أو قد كُتِبَتْ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً ولأَبِي ذَرٍّ: أو قَدْ كُتِبَتْ سَعِيدَةً، قَالَ ولأَبِي ذَرٍّ: فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ؟ فَمَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَسَيَصِيرُ إِلَى أَهْلِ السَّعَادَةِ ولأَبِي ذَرٍّ: إِلَى عَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ وَمَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ ولأَبِي ذَرٍّ: من أَهْلِ الشَّقَاوَةِ فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ ولأَبِي ذَرٍّ: أَهْلِ الشَّقَاءِ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: «أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاءِ»ولأَبِي ذَرٍّ عن الْكُشْمِيهَنِيِّ: الشَّقَاوَةِ ثُمَّ قَرَأَ عليه الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} الآيَةَ إلى آخِرِهَا). [إرشاد الساري: 7/ 421]
- قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (قوله: (مخصرة): بكسر الميم، أي عصى، وقوله: منفوسة: أي مولودة). [حاشية السندي على البخاري: 3/ 79]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وأمَّا قَوْلُهُ: {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى}؛ فإنَّ أهْلَ التأوِيلِ اخْتَلَفُوا في تأوِيلِهِ نحوَ اخْتِلافِهِم في قَوْلِهِ: {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}.
وأمَّا نَحْنُ فنَقُولُ: معناهُ: وَكَذَّبَ بالخَلَفِ، كما حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بنُ مَسْعَدَةَ قالَ: ثَنَا بِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ قالَ: ثَنَا داودُ، عنْ عِكْرِمَةَ، عن ابنِ عبَّاسٍ: {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى}: وكَذَّبَ بالخَلَفِ.
- حَدَّثَنَا ابنُ المُثَنَّى قالَ: ثَنَا عبدُ الرحمنِ قالَ: ثَنَا خالِدُ بنُ عبدِ اللَّهِ، عنْ داودَ بنِ أبي هِنْدٍ، عنْ عِكْرِمَةَ، عن ابنِ عَبَّاسٍ: {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى}: بالخَلَفِ مِن اللَّهِ.
- حَدَّثَنَا بِشْرٌ قالَ: ثَنَا يَزِيدُ قالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عنْ قَتَادَةَ: {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى}: وكَذَّبَ بِمَوْعُودِ اللَّهِ الذي وَعَدَ، قالَ اللَّهُ: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}؛
- حَدَّثَنَا ابنُ عَبْدِ الأَعْلَى قالَ: ثَنَا ابنُ ثَوْرٍ، عنْ مَعْمَرٍ، عنْ قَتَادَةَ: {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى}: وكَذَّبَ الكافِرُ بِمَوْعُودِ اللَّهِ الحَسَنِ.
وقالَ آخَرُونَ: معناهُ: وَكَذَّبَ بتَوْحِيدِ اللَّهِ.
ذِكْرُ مَنْ قالَ ذَلِكَ:
- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ قالَ: ثَنِي أبي قالَ: ثَنِي عَمِّي، قالَ ثَنِي أبي، عنْ أبِيهِ، عن ابنِ عبَّاسٍ: {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى}: وكَذَّبَ بلا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ.
- حُدِّثْتُ عَن الحُسَيْنِ قالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يقولُ: ثَنَا عَبِيدٌ قالَ: سَمِعْتُ الضحَّاكَ يَقُولُ في قَوْلِهِ: {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى}: بِلا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ.
وقالَ آخَرُونَ: بلْ مَعْنَى ذلكَ: وَكَذَّبَ بالجَنَّةِ.
ذِكْرُ مَنْ قالَ ذَلِكَ:
- حَدَّثَنَا ابنُ حُمَيْدٍ قالَ: ثَنَا مِهْرانُ، عنْ سُفْيَانَ، عن ابنِ أبِي نَجِيحٍ، عنْ مُجَاهِدٍ: {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى}، قالَ: بالجَنَّةِ). [جامع البيان: 24 / 467-469]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو عليٍّ الحسين بن عليٍّ الحافظ، أنبأ عبد اللّه بن محمّد بن وهبٍ الحافظ، أنبأ عبد اللّه بن محمّد بن يوسف الفريابيّ، حدّثني أبي، ثنا سفيان، عن عبيد اللّه بن عبد الرّحمن بن عبد اللّه بن موهبٍ، قال: سمعت عليّ بن الحسين، يحدّث عن أبيه، عن جدّه رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه [صلّى الله عليه وسلّم]: «ستّةٌ لعنتهم ولعنهم اللّه وكلّ نبيٍّ مجابٌ الزّائد في كتاب اللّه، والمكذّب بقدر اللّه، والمتسلّط بالجبروت ليذلّ من أعزّ اللّه ويعزّ من أذلّ اللّه، والتّارك لسنّتي، والمستحلّ من عترتي ما حرّم اللّه، والمستحلّ لحرم اللّه» قال سفيان: اقرءوا سورة واللّيل إذا يغشى، {فأمّا من أعطى واتّقى (5) وصدّق بالحسنى (6) فسنيسّره لليسرى (7) وأمّا من بخل واستغنى (8) وكذّب بالحسنى (9) فسنيسّره للعسرى} «هكذا حدّثناه أبو عليٍّ وله إسنادٌ صحيحٌ أخشى أنّي ذكرته فيما تقدّم»). [المستدرك: 2 / 571]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثناه عبد اللّه بن جعفر بن درستويه الفارسيّ، ثنا يعقوب بن سفيان، ثنا إسحاق بن محمّدٍ الفرويّ، ثنا عبد الرّحمن بن أبي الرّجال، عن عبيد اللّه بن موهبٍ، عن عمرة، عن عائشة رضي اللّه عنها، قالت: قال رسول اللّه [صلّى الله عليه وسلّم]: «ستّةٌ لعنتهم ولعنهم اللّه وكلّ نبيٍّ مجابٌ؛ الزّائد في كتاب اللّه تعالى، والمكذّب بأقدار اللّه، والمتسلّط بالجبروت ليذلّ من أعزّ اللّه ويعزّ من أذلّ اللّه، والمستحلّ لحرم اللّه، والمستحلّ من عترتي ما حرّم اللّه، والتّارك لسنّتي» قد احتجّ الإمام البخاريّ بإسحاق بن محمّدٍ الفرويّ وعبد الرّحمن بن أبي الرّجال في الجامع الصّحيح، وهذا أولى بالصّواب من الإسناد الأوّل "). [المستدرك: 2/ 572]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ أبي حَاتِمٍ، وأبو الشيخِ، وابنُ عَسَاكِرَ، عن ابنِ مسعودٍ، أن أبا بكرٍ الصديقَ اشْتَرَى بلالاً مِن أُمَيَّةَ بنِ خَلَفٍ وأُبَيِّ بنِ خَلَفٍ بِبُرْدَةٍ وعشرَ أَوَاقٍ، فأَعْتَقَه للَّهِ، فأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}، إلى قولِهِ: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى}؛ سَعْيَ أبي بكرٍ وأُمَيَّةَ وأُبَيٍّ، إلى قوْلِه: {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى}؛ قالَ: لاَ إِلَهَ إلاَّ اللَّهُ، إلى قولِه: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}؛ قالَ: النارُ). [الدر المنثور: 15 / 470] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ سعيدُ بنُ منصورٍ وعبدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وابنُ المُنْذِرِ وابنُ أبي حَاتِمٍ ، والبَيْهَقِيُّ في شُعَبِ الإيمانِ مِن طريقِ عِكْرِمَةَ، عن ابنِ عبَّاسٍ في قَوْلِهِ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى}؛ مِنَ الفضْلِ، {وَاتَّقَى}؛ قالَ: اتَّقَى ربَّه، {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}؛ قالَ: صَدَّقَ بالخَلَفِ مِنَ اللَّهِ، {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}؛ قالَ: للخيرِ مِنَ اللَّهِ، {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى}؛ قالَ: بَخِلَ بِمَالِهِ واسْتَغْنَى عن ربِّه، {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى}؛ قالَ: كَذَّبَ بالخَلَفِ مِنَ اللَّهِ). [الدر المنثور: 15/ 470-471] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عبدُ بنُ حُمَيْدٍ، وابنُ أبي حَاتِمٍ، عن قَتَادَةَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى}؛ قالَ: أَعْطَى حقَّ اللَّهِ عليه، {وَاتَّقَى}؛ مَحَارِمَ اللَّهِ، {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}؛ قالَ: بِمَوْعُودِ اللَّهِ على نفسِه، {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ}؛ قالَ: بحقِّ اللَّهِ عليه، {وَاسْتَغْنَى}؛ في نفسِه عن ربِّه، {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى}؛ قالَ: بموعودِ اللَّهِ الذي وَعَدَ). [الدر المنثور: 15 / 471]

تفسير قوله تعالى: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)}
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب {فسنيسّره للعسرى}؛
- حدّثنا آدم، حدّثنا شعبة، عن الأعمش، قال: سمعت سعد بن عبيدة، يحدّث عن أبي عبد الرّحمن السّلميّ، عن عليٍّ رضي اللّه عنه قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في جنازةٍ، فأخذ شيئًا فجعل ينكت به الأرض، فقال: «ما منكم من أحدٍ إلّا وقد كتب مقعده من النّار، ومقعده من الجنّة» قالوا: يا رسول اللّه، أفلا نتّكل على كتابنا، وندع العمل؟ قال: «اعملوا فكلٌّ ميسّرٌ لما خلق له، أمّا من كان من أهل السّعادة فييسّر لعمل أهل السّعادة، وأمّا من كان من أهل الشّقاء فييسّر لعمل أهل الشّقاوة» ، ثمّ قرأ: {فأمّا من أعطى واتّقى (5) وصدّق بالحسنى}الآية). [صحيح البخاري: 6 / 171]
قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (بَابٌ {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}؛
أَيْ: هَذَا بَابٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}
- حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَعْمَشِ قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ عُبَيْدَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ فِي جِنَازَةٍ فَأَخَذَ شَيْئًا فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهِ الأَرْضَ فَقَالَ:
«مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ وَمَقْعَدُهُ مِنَ الْجَنَّةِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ ؟ قَالَ: «اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ، أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ». ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} الآيَةَ.
هَذَا طَرِيقٌ سَادِسٌ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ، أَخْرَجَهُ مِنْ سِتَّةِ طُرُقٍ وَوَضَعَ عَلَى كُلِّ طَرِيقٍ تَرْجَمَةً مُقَطَّعَةً وَفِي هَذَا الطَّرِيقِ التَّصْرِيحُ بِسَمَاعِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ وَانْظُرِ التَّفَاوُتَ الْيَسِيرَ فِي مُتُونِهَا مِنْ بَعْضِ زِيَادَةٍ وَنُقْصَانٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ: "لِمَا خُلِقَ لَهُ" إِلاَّ فِي هَذَا الطَّرِيقِ وَمَضَى أَكْثَرُ الْكَلاَمِ فِيهَا فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ). [عمدة القاري: 19/ 298]
قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (هذا بَابٌ بِالتَّنْوِينِ أي في قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} وَسَقَطَ لِغَيْرِ أَبِي ذَرٍّ: بَابٌ وبه قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ، عَنِ الأَعْمَشِ سُلَيْمَانَ أنه قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ عُبَيْدَةَ -بِسُكُونِ الْعَيْنِ الأُولَى وَضَمِّ الثَّانِيَةِ- يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] أَنَّهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] فِي جِنَازَةٍ بِالْبَقِيعِ فَأَخَذَ شَيْئًا فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِالْفَوْقِيَّةِ بِهِ الأَرْضَ في الرِّوَايَةِ السابقةِ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِمِخْصَرَتِهِ في الأَرْضِ فَقَالَ:
«مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلا وَقَدْ، ولأَبِي ذَرٍّ: إِلاَّ قَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ -أي مَوْضِعُ قُعُودِهِ- مِنَ النَّارِ وَمَقْعَدُهُ -مَوْضِعُ قُعُودِهِ- مِنَ الْجَنَّةِ » قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا؟ الْمَكْتُوبِ في الأَزَلِ وَنَدَعُ الْعَمَلَ -أي: نَتْرُكُهُ إِذْ لا فَائِدَةَ فِيهِ مع سَبْقِ الْقَضَاءِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا بِالْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ- قَالَ عليه الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ مُجِيبًا لَهُمْ: «اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ-مُهَيَّأٌ-لِمَا خُلِقَ لَهُ، أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ» ولأَبِي ذَرٍّ عن الْكُشْمِيهَنِيِّ: فَسَيُيَسَّرُ بِسِينٍ بَعْدَ الْفَاءِ بَدَلَ الْيَاءِ، وَعَنِ الْحَمَوِيِّ وَالْمُسْتَمْلِيِّ: الشَّقَاءِ بِالْمَدِّ وَإِسْقَاطِ الْوَاوِ وَالْهَاءِ، وَسَقَطَ لأَبِي ذَرٍّ لَفْظُ "أَهْلِ" قَالَ الْمُظَهَّرِيُّ: جَوَابُهُ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ بِقَوْلِهِ: اعْمَلُوا هُوَ مِنْ أُسْلُوبِ الْحَكِيمِ، مَنْعَهُمْ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عن الاتِّكَالِ وَتَرْكِ الْعَمَلِ، وَأَمَرَهُمْ بِالْتِزَامِ مَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ مِنِ امْتِثَالِ أَمْرِ مَوْلاَهُ وَعُبُودِيَّتِهِ وَتَفْوِيضِ الأَمْرِ إِلَيْهِ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} وَلاَ يَدْخُلُ أَحَدٌ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ، ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَّدَقَ بِالْحُسْنَى} الآيَةَ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ أن هذه الآيَةَ نَزَلَتْ في الصِّدِّيقِ، ثُمَّ رَوَى بِسَنَدِهِ إلى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ يَعْتِقُ على الإسْلاَمِ بِمَكَّةَ، وكَانَ يَعْتِقُ عَجَائِزَ وَنِسَاءً إذا أَسْلَمْنَ فَقَالَ له أَبُوهُ: أي بُنَيَّ، أَرَاكَ تَعْتِقُ أُنَاسًا ضِعَافًا، فَلَوْ أَنَّكَ تَعْتِقُ رِجَالاً جُلَدَاءَ يَقُومُونَ مَعَكَ وَيَمْنَعُونَكَ وَيَدْفَعُونَ عَنْكَ فَقَالَ: أَيْ أَبَتِ، إِنَّمَا أُرِيدُ مَا عِنْدَ اللَّهِ. قَالَ: فَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ بَيْتِي أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ أُنْزِلَتْ فِيهِ {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى} إِلَى آخِرِهَا، وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى} إلى آخِرِهَا نَزَلَتْ فِيهِ أَيْضًا حَتَّى إن بَعْضَهُمْ حَكَى إِجْمَاعَ الْمُفَسِّرِينَ عليه، ولا شَكَّ أنه داخِلٌ فيها وأَوْلَى الأُمَّةِ بِعُمُومِهَا، ولكنه مُقَّدَمُ الأُمَّةِ وسَابِقُهُمْ في جميعِ الأوصافِ الحميدةِ). [إرشاد الساري: 7/ 422-423]
- قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (باب {فسنيسره للعسرى}؛
قوله: {فسنيسره للعسرى}؛ أي: للنار). [حاشية السندي على البخاري: 3 / 79]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ): (حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، قال: حدّثنا زائدة بن قدامة، عن منصور بن المعتمر، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرّحمن السّلميّ، عن عليٍّ: قال: كنّا في جنازةٍ في البقيع، فأتى النّبيّ [صلّى اللّه عليه وسلّم] فجلس وجلسنا معه ومعه عودٌ ينكت به في الأرض، فرفع رأسه إلى السّماء فقال:
«ما من نفسٍ منفوسةٍ إلاّ قد كتب مدخلها»، فقال القوم: يا رسول الله، أفلا نتّكل على كتابنا، فمن كان من أهل السّعادة، فهو يعمل للسّعادة، ومن كان من أهل الشّقاء، فإنّه يعمل للشّقاء؟ قال: «بل اعملوا فكلٌّ ميسّرٌ، أمّا من كان من أهل السّعادة فإنّه ميسّر لعمل السّعادة، وأمّا من كان من أهل الشّقاء فإنّه ميسّر لعمل الشّقاء، ثمّ قرأ: {فأمّا من أعطى واتّقى (5) وصدّق بالحسنى (6) فسنيسّره لليسرى (7) وأمّا من بخل واستغنى (8) وكذّب بالحسنى (9) فسنيسّره للعسرى}».
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ). [سنن الترمذي: 5 / 298]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {فأمّا من أعطى واتّقى (5) وصدّق بالحسنى}
- أخبرنا محمّد بن عبد الأعلى، حدّثنا المعتمر، قال: سمعت منصورًا، يحدّث عن سعد بن عبيدة، عن عبد الله بن حبيبٍ أبي عبد الرّحمن السّلميّ، عن عليّ بن أبي طالبٍ، قال: كنّا في جنازةٍ فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ببقيع الغرقد، فجاء رسول الله [صلّى الله عليه وسلّم]، فجلس ومعه مخصرةٌ، فنكّس ونكت بها، ثمّ رفع رأسه، فقال: «ما منكم من أحدٍ، ما من نفسٍ منفوسةٍ إلّا قد كتب الله مكانها من الجنّة والنّار، إلّا قد كتبت شقيّةً أو سعيدةً»، فقال رجلٌ من القوم: يا رسول الله، أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل، فمن كان من أهل السّعادة ليكوننّ إلى السّعادة، ومن كان من أهل الشّقاوة ليكوننّ إلى الشّقاوة؟، فقال رسول الله [صلّى الله عليه وسلّم]: «بل اعملوا، فكلٌّ ميسّرٌ، فأمّا أهل السّعادة فييسّرون للسّعادة، وأمّا أهل الشّقاوة فييسّرون للشّقاوة»، ثمّ قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذه الآية {فأمّا من أعطى واتّقى (5) وصدّق بالحسنى (6) فسنيسّره لليسرى (7) وأمّا من بخل واستغنى (8) وكذّب بالحسنى (9) فسنيسّره للعسرى}). [السنن الكبرى للنسائي: 10/ 337] (م)
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {وأمّا من بخل واستغنى وكذّب بالحسنى}؛
- أخبرنا إسماعيل بن مسعودٍ، عن المعتمر بن سليمان، عن شعبة، عن سليمان، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرّحمن السّلميّ، عن عليٍّ، أنّ رسول الله [صلّى الله عليه وسلّم] قال وهو مع جنازةٍ: «ما منكم من أحدٍ إلّا وقد كتب مقعده من النّار ومقعده من الجنّة»، قالوا: يا رسول الله، أفلا نتّكل؟، قال:
«اعملوا، فكلٌّ ميسّرٌ { من أعطى واتّقى (5) وصدّق بالحسنى (6) فسنيسّره لليسرى (7) وأمّا من بخل واستغنى (8) وكذّب بالحسنى (9) فسنيسّره للعسرى}». [السنن الكبرى للنسائي: 10/ 338] (م)
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (أخبرنا محمّد بن النّضر بن مساورٍ، حدّثنا حمّاد بن زيدٍ، عن يزيد الرّشك، عن مطرّفٍ، عن عمران بن حصينٍ، قال: قيل: يا رسول الله، أعلم أهل الجنّة من النّار؟، قال: «نعم»، قال: ففيم يعمل العاملون؟، قال: «كلٌّ ميسّرٌ لما خلق له»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/ 338] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقولُهُ: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}، يقولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فسَنُهَيِّئُهُ في الدُّنْيَا لِلْخَلَّةِ العُسْرَى، وهوَ مِنْ قَوْلِهِم: قدْ يَسَّرَتْ غَنَمُ فُلانٍ: إذَا وَلَدَتْ وَتَهَيَّأَتْ للوِلادَةِ، وكما قالَ الشاعِرُ:
هُمَا سَيِّدَانَا يَزْعُمَانِ وَإِنَّمَا ....... يَسُودَانَنَا أَنْ يَسَّرَتْ غَنَمَاهُمَا
وقيلَ: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}، ولا تَيَسُّرُ في العُسْرَى للَّذِي تَقَدَّمَ في أوَّلِ الكلامِ مِنْ قولِهِ: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}. وإِذَا جُمِعَ بينَ كلامَيْنِ: أَحَدُهُمَا ذِكْرُ الخَيْرِ والآخُر ذِكْرُ الشَّرِّ، جازَ ذَلِكَ بالتَّيْسِيرِ فيهما جميعاً. والعُسْرَى التي أخْبَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أنَّهُ يُيَسِّرُهُ لَها: العملُ بِمَا يَكْرَهُهُ ولا يَرْضَاهُ.
وبنحوِ الذي قُلْنَا في ذلكَ جاءَ الأَثَرُ عنْ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ذِكْرُ الخَبَرِ بذلكَ:
- حَدَّثَنِي وَاصِلُ بنُ عبدِ الأعلى وأبو كُرَيْبٍ، قَالا: ثَنَا وَكِيعٌ، عن الأَعْمَشِ، عنْ سَعْدِ بنِ عُبَيْدَةَ، عنْ أبي عبدِ الرحمنِ السُّلَمِيِّ، عنْ عليٍّ قالَ: كنَّا جُلُوساً عندَ النبيِّ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]، فنَكَتَ الأرْضَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فقالَ:
«مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَمَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ»، قُلْنَا: يا رَسُول‍َ اللَّهِ، أَفَلا نَتَّكِلُ؟ قالَ: «لا، اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ»، ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}.
- حَدَّثَنَا ابنُ بَشَّارٍ قالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قالَ: ثَنَا زَائِدَةُ بنُ قُدَامَةَ، عنْ مَنْصُورٍ، عنْ سَعْدِ بنِ عُبَيْدَةَ، عنْ أبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عنْ عليٍّ قالَ: كُنَّا فِي جَنَازَةٍ في البَقِيعِ، فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] فجَلَسَ وَجَلَسْنَا معَهُ، ومَعَهُ عُودٌ يَنْكُتُ في الأَرْضِ، فرَفَعَ رَأْسَهُ إلى السماءِ فقالَ:
«مَا مِنْكُمْ مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلاَّ قَدْ كُتِبَ مَدْخَلُهَا»، فقالَ القَوْمُ: يا رسولَ اللَّهِ، أَلا نَتَّكِلُ على كِتابِنا، فمَنْ كانَ مِنْ أهْلِ السعادَةِ فإنَّهُ يَعْمَلُ للسعادَةِ، ومَنْ كَانَ مِنْ أهْلِ الشَّقَاءِ فإِنَّهُ يَعْمَلُ للشَّقاءِ، فقالَ: «بَلِ اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ، فَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَإِنَّهُ يُيَسَّرُ لِعَمَلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَإِنَّهُ يُيَسَّرُ لِلشَّقَاءِ »، ثمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}.
- حَدَّثَنَا أبو السَّائِبِ قالَ: ثَنَا أبو مُعَاوِيَةَ، عن الأَعْمَشِ، عنْ سَعْدِ بنِ عُبَيْدَةَ، عنْ أبي عَبْدِ الرحمنِ السُّلَمِيِّ، عنْ عليٍّ، عن النبيِّ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] بنحوِهِ.
- حَدَّثَنَا ابنُ المُثَنَّى قالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ قالَ: ثَنَا شُعَبْةُ، عنْ منصورٍ والأَعْمَشِ، أَنَّهما سَمِعَا سَعْدَ بنَ عُبَيْدَةَ، عنْ أبي عَبْدِ الرحمنِ السُّلَمِيِّ، عنْ عليٍّ، عن النبيِّ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] أنَّهُ كانَ في جَنَازَةٍ، فأَخَذَ عُوداً فجَعَلَ يَنْكُتُ في الأرْضِ، فقالَ:
«مَا مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ أَوْ مِنَ الْجَنَّةِ»، فقالُوا: يَا رسولَ اللَّهِ، أَفَلا نَتَّكِلُ؟ قالَ: «اعْمَلُوا؛ فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ، {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}».
- حَدَّثَنَا ابنُ حُمَيْدٍ قالَ: ثَنَا مِهْرانُ، عنْ سُفْيَانَ، عنْ منصورٍ والأعمشِ، عنْ سَعْدِ بنِ عُبَيْدَةَ، عنْ أبي عبدِ الرحمنِ السُّلَمِيِّ، عنْ عليٍّ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ قالَ: كُنَّا جُلُوساً معَ النبيِّ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]، فتَنَاوَلَ شَيْئاً مِن الأرضِ بِيَدِهِ، فقالَ:
«مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَقَدْ عُلِمَ مَقْعَدُهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ »، قالُوا: يا نَبِيَّ اللَّهِ، أفلا نَتَّكِلُ؟ قالَ: «لا، اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ »، ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} الآيَتَيْنِ.
قالَ: ثَنَا مِهْرانُ، عنْ أبي سِنَانٍ، عنْ عبدِ المَلِكِ بنِ سَمُرَةَ بنِ أَبِي زَائِدَةَ، عن النَّزَّالِ بنِ سَبُرَةَ قالَ: قالَ النبيُّ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]:
«مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلاَّ قَدْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهَا مَا هِيَ لاقِيَتُهُ »، وأعرابيٌّ عندَ النبيِّ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] مُرْتَادٌ، فقالَ الأعرابيُّ: فما جَاءَ بِي أَضْرِبُ مِنْ وادِي كذا وكذا إِنْ كانَ قَدْ فُرِغَ مِن الأَمْرِ؟! فنَكَتَ النبيُّ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] في الأرْضِ، حتَّى ظَنَّ القَوْمُ أنَّهُ وَدَّ أنَّهُ لمْ يَكُنْ تَكَلَّمَ بشيءٍ مِنهُ، فقالَ النبيُّ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]: «كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ، فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْراً يَسَّرَهُ لِسَبِيلِ الْخَيْرِ، وَمَنْ يُرِدْ بِهِ شَرًّا يَسَّرَهُ لِسَبِيلِ الشَّرِّ».
فلَقِيتُ عَمْرَو بنَ مُرَّةَ، فعَرَضْتُ عليهِ هذا الحديثَ، فقالَ: قالَ النبيُّ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]، وزَادَ فيهِ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}.
- حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بنُ إِبراهِيمَ قالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ قالَ: ثَنَا حُصَيْنٌ، عنْ سَعْدِ بنِ عُبَيْدَةَ، عنْ أبي عبدِ الرحمنِ السُّلَمِيِّ قالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هذهِ الآيَةُ: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}؛ قالَ رَجُلٌ: يا رسولَ اللَّهِ، فَفِيمَ العَمَلُ؟ أَفِي شَيْءٍ نَسْتَأْنِفُهُ، أوْ في شَيْءٍ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ؟ قال: فقالَ رسولُ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]:
«اعْمَلُوا؛ فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ: سَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى، وَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى».
- حَدَّثَنِي عمرُو بنُ عبدِ المَلِكِ الطَّائِيُّ قالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدَةَ قالَ: ثَنَا الجَرَّاحُ، عنْ إبراهيمَ بنِ عبدِ الحميدِ، عن الحَجَّاجِ بنِ أَرْطَأَةَ، عنْ أبي إِسَحَاقَ الهَمْدَانِيِّ، عنْ سُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، رَفَعَ الحديثَ إلى عليِّ بنِ أبي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّهُ قالَ: كانَ رسولُ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] ذاتَ يومٍ جَالِساً وبِيَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ بهِ في الأرْضِ، فرَفَعَ رأْسَهُ فقالَ:
«مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ وَلا مِنَ النَّاسِ إِلاَّ وَقَدْ عُلِمَ مَقْعَدُهُ مِنَ الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ»، قُلْنَا: يا رسولَ اللَّهِ، أَفلا نَتَوَكَّلُ؟ قالَ لهم: «اعْمَلُوا؛ فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ»، ثمَّ قالَ: «أَمَا سَمِعْتُمُ اللَّهَ فِي كِتَابِهِ يَقُولُ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}؟!».
- حَدَّثَنَا ابنُ الْمُثَنَّى قالَ: ثَنَا عبدُ الرحمنِ بنُ مَهْدِيٍّ قالَ: ثَنَا خالِدُ بنُ عبدِ اللَّهِ، عنْ دَاوُدَ بنِ أبي هِنْدٍ، عنْ عِكْرِمَةَ، عن ابنِ عَبَّاسٍ: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}: للشرِّ مِن اللَّهِ.
- حَدَّثَنِي يُونُسُ قالَ: أَخْبَرَنَا ابنُ وَهْبٍ قالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بنُ الحارِثِ، عنْ أبي الزُّبَيْرِ، عنْ جابِرِ بنِ عبْدِ اللَّهِ أنَّهُ قالَ: يا رسولَ اللَّهِ، أَنَعْمَلُ لأَمْرٍ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ، أَوْ لأَمْرٍ نَأْتَنِفُهُ؟ فقالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«كُلُّ عَامِلٍ مُيَسَّرٌ لِعَمَلِهِ ».
- حَدَّثَنِي يُونُسُ قالَ: ثَنَا سُفيانُ، عنْ عَمْرِو بنِ دِينارٍ، عنْ طَلْقِ بنِ حَبِيبٍ، عنْ بَشِيرِ بنِ كَعْبٍ قالَ: سَأَلَ غُلامَانِ شَابَّانِ النبيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالا: يَا رسولَ اللَّهِ، أَنَعْمَلُ فيما جَفَّتْ بِهِ الأَقْلامُ، وجَرَتْ بِهِ المَقَادِيرُ، أوْ في شيءٍ يُسْتَأْنَفُ؟ فقالَ:
«بَلْ فِيمَا جَفَّتْ بِهِ الأَقْلامُ، وَجَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ»، قَالا: ففِيمَ العملُ إِذَنْ؟ قالَ: «اعْمَلُوا؛ فَكُلُّ عَامِلٍ مُيَسَّرٌ لِعَمَلِهِ الَّذِي خُلِقَ لَهُ»، قَالا: فالآنَ نَجِدُّ ونَعْمَلُ). [جامع البيان: 24 / 470-473]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ أبي حَاتِمٍ، وأبو الشيخِ، وابنُ عَسَاكِرَ، عن ابنِ مسعودٍ، أن أبا بكرٍ الصديقَ اشْتَرَى بلالاً مِن أُمَيَّةَ بنِ خَلَفٍ وأُبَيِّ بنِ خَلَفٍ بِبُرْدَةٍ وعشرَ أَوَاقٍ، فأَعْتَقَه للَّهِ، فأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}، إلى قولِهِ: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى}؛ سَعْيَ أبي بكرٍ وأُمَيَّةَ وأُبَيٍّ، إلى قوْلِه: {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى}؛ قالَ: لاَ إِلَهَ إلاَّ اللَّهُ، إلى قولِه: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}؛ قالَ: النارُ). [الدر المنثور: 15/ 470] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ سعيدُ بنُ منصورٍ وعبدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وابنُ المُنْذِرِ وابنُ أبي حَاتِمٍ ، والبَيْهَقِيُّ في شُعَبِ الإيمانِ مِن طريقِ عِكْرِمَةَ، عن ابنِ عبَّاسٍ في قَوْلِهِ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى}؛ مِنَ الفضْلِ، {وَاتَّقَى}؛ قالَ: اتَّقَى ربَّه، {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}؛ قالَ: صَدَّقَ بالخَلَفِ مِنَ اللَّهِ، {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}؛ قالَ: للخيرِ مِنَ اللَّهِ، {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى}؛ قالَ: بَخِلَ بِمَالِهِ واسْتَغْنَى عن ربِّه، {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى}؛ قالَ: كَذَّبَ بالخَلَفِ مِنَ اللَّهِ، {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}؛ قالَ: للشرِّ مِنَ اللَّهِ). [الدر المنثور: 15 / 470-471]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ أبي حَاتِمٍ، عن زيدِ بنِ أسْلَمَ: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}؛ قالَ: الجنَّةُ). [الدر المنثور: 15 / 472]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ أحمدُ، وعبدُ بنُ حُمَيْدٍ، والبخاريُّ، ومسلمٌ، وأبو داودَ والترمذيُّ، والنَّسائيُّ، وابنُ ماجهْ، وابنُ جَرِيرٍ، وابنُ مَرْدُويَهْ، عن عليِّ بنِ أبي طالِبٍ، قالَ: كنَّا معَ رسولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في جِنازَةٍ فقالَ:
«مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَمَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ ». فقالَوا: يا رسولَ اللَّهِ، أفلا نَتَّكِلُ؟ قالَ:«اعْمَلُوا، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ؛ أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاءِ». ثُم قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}، إلى قولِه: {لِلْعُسْرَى} ). [الدر المنثور: 15 / 472-473] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ أحمدُ، ومسلمٌ، وابنُ حِبَّانَ، والطبرانيُّ، وابنُ مَرْدُويَهْ، عن جابِرِ بنِ عبدِ اللَّهِ: أنَّ سُرَاقَةَ بنَ مالِكٍ قالَ: يا رسولَ اللَّهِ، في أيِّ شيءٍ نَعْمَلُ؟ أفي شيءٍ ثَبَتَتْ فيه المقادِيرُ، وجَرَتْ به الأقلامُ أم في شيءٍ نَسْتَقْبِلُ فيه العملَ؟
قالَ:
«لا، بَلْ فِي شَيْءٍ ثَبَتَتْ فِيهِ الْمَقَادِيرُ وَجَرَتْ بهِ الأَقْلاَمُ».
قالَ سُرَاقَةُ: فَفِيمَ الْعَمَلُ إِذَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
قالَ:
«اعْمَلُوا، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ».
وقَرَأَ رسولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذه الآيةَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}، إلى قولِه: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} ). [الدر المنثور: 15 / 473] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ قَانِعٍ، وابنُ شَاهِينَ، وعَبْدَانُ كلُّهُم في الصحابةِ، عن بَشِيرِ بنِ كعبٍ الأَسْلَمِيِّ، أن سائلاً سأَلَ رسولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيم العملُ؟
قالَ:
«فِيمَا جَفَّتْ بِهِ الأَقْلاَمُ وَجَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ، فَاعْمَلُوا، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ».
ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} ). [الدر المنثور: 15/ 474] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ جَرِيرٍ، عن أبي عبدِ الرحمنِ السُّلَمِيِّ، قالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هذه الآيةُ: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}؛ قالَ رجلٌ: يا رسولَ اللَّهِ، ففيمَ العملُ، أفي شيءٍ نَسْتَأْنِفُه، أم في شيءٍ قد فُرِغَ منه؟ فقالَ رسولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«اعْمَلُوا، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ؛ نُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى، وَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى» ). [الدر المنثور: 15 / 474] (م)

تفسير قوله تعالى: {وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (11)}
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة، في قوله تعالى: {إذا تردى}؛ قال: إذا تردى في النار). [تفسير عبد الرزاق: 2/ 377]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (وقال مجاهدٌ: {تردّى}: «مات»). [صحيح البخاري: 6 / 170]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله: وقَالَ مُجَاهِدٌ: {تَرَدَّى}؛ ماتَ، و{تَلَظَّى}؛ تَوَهَّجُ) وصَلَهُ الفِرْيَابِيُّ من طَرِيقِ مُجَاهِدٍ في قَولِهِ: {إذا تَرَدَّى}؛ إذا ماتَ وفي قولِهِ: {نَارًا تَلَظَّى}؛ تَوَهَّجُ). [فتح الباري: 8 / 706]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وأما قول مجاهد فقال الفريابيّ: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: {إذا تردى}، قال: إذا مات). [تغليق التعليق: 4 / 370]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {تَرَدَّى}: مَاتَ، وَ{تَلَظَّى}: تَوَهَّجُ).
أَيْ: قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى}؛ أَيْ: إِذَا مَاتَ، وَعَنْ قَتَادَةَ وَأَبِي صَالِحٍ: إِذَا هَوَى فِي جَهَنَّمَ. نَزَلَتْ فِي أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ). [عمدة القاري: 19 / 295]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( وَقَالَ مُجَاهِدٌ فيما وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ: {تَرَدَّى} أي (مَاتَ) وقِيلَ: تَرَدَّى في حُفْرَةِ القبْرِ وقِيلَ: في قَعْرِ جَهَنَّمَ). [إرشاد الساري: 7 / 420]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بقوْلِهِ: {وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ}: أَيَّ شَيْءٍ يَدْفَعُ عنْ هذا الذي بَخِلَ بِمالِهِ، واسْتَغْنَى عنْ ربِّهِ، مالُهُ يومَ القِيامَةِ {إِذَا} هوَ {تَرَدَّى}؟
ثمَّ اخْتَلَفَ أهلُ التأويلِ في تأويلِ قوْلِهِ: {إِذَا تَرَدَّى}، فقالَ بعضُهم: تَأْوِيلُهُ: إِذَا تَرَدَّى في جَهَنَّمَ؛ أيْ: سَقَطَ فِيها فَهَوَى.
ذِكْرُ مَنْ قالَ ذَلِكَ:
- حَدَّثَنَا أبو كُرَيْبٍ قالَ: ثَنَا الأَشْجَعِيُّ، عن ابنِ أبي خَالِدٍ، عنْ أبي صَالِحٍ: {وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى}، قالَ: في جَهَنَّمَ. قالَ أبو كُرَيْبٍ: قدْ سَمِعَ الأَشْجَعِيُّ مِنْ إسماعيلَ ذلكَ.
- حَدَّثَنَا ابنُ عَبْدِ الأَعْلَى قالَ: ثَنَا ابنُ ثَوْرٍ، عنْ مَعْمَرٍ، عنْ قَتَادَةَ في قَوْلُهُ: {إِذَا تَرَدَّى}، قالَ: إِذَا تَرَدَّى في النارِ.
وقالَ آخَرُونَ: بلْ معنَى ذلكَ: إذا مَاتَ.
ذِكْرُ مَنْ قالَ ذَلِكَ:
- حَدَّثَنَا أبو كُرَيْبٍ قالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عنْ سُفْيَانَ، عنْ لَيْثٍ، عنْ مُجَاهِدٍ: {وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى}، قالَ: إِذَا مَاتَ.
- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو قالَ: ثَنَا أبو عاصِمٍ قالَ: ثَنَا عيسَى. وحَدَّثَنِي الحارِثُ قالَ: ثَنَا الحَسَنُ قالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعاً عن ابنِ أَبِي نَجِيحٍ، عنْ مُجَاهِدٍ: قولُهُ: {إِذَا تَرَدَّى}، قالَ: إذا ماتَ.
- حَدَّثَنَا أبو كُرَيْبٍ قالَ: ثَنَا الأَشْجَعِيُّ، عنْ سُفْيَانَ، عنْ لَيْثٍ، عنْ مُجَاهِدٍ قالَ: إِذَا ماتَ.
وأَوْلَى القَوْلَيْنِ في ذلكَ بالصوابِ قوْلُ مَنْ قالَ: معناهُ: إِذَا تَرَدَّى في جَهَنَّمَ؛ لأنَّ ذلكَ هوَ المعروفُ مِن التَّرَدِّي، فأمَّا إذا أُرِيدَ مَعْنَى المَوْتِ؛ فإنَّهُ يُقَالُ: رَدِيَ فلانٌ، وقَلَّمَا يُقالُ: تَرَدَّى). [جامع البيان: 24 / 474-475]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم، قال: نا آدم، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: {وما يغني عنه ماله إذا تردى}؛ يعني إذا مات). [تفسير مجاهد: 765]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ الطَّسْتِيُّ في "مسائِلِه"، عن ابنِ عبَّاسٍ، أن نافعَ بنَ الأزرقِ قال له: أَخْبِرْنِي عن قوْلِه عَزَّ وجَلَّ: {إِذَا تَرَدَّى}؛ قالَ: إذَا تَرَدَّى ودَخَلَ في النارِ، نَزَلَتْ في أبي جَهْلٍ. قالَ: وهل تَعْرِفُ العربُ ذلك؟ قالَ: نَعَمْ، أمَا سَمِعْتَ قولَ عَدِيِّ بنِ زيدٍ:
خَطَفَتْهُ مَنِيَّةٌ فَتَرَدَّى ....... وَهْوَ فِي الْمُلْكِ يَأْمَلُ التَّعْمِيرَا).
[الدر المنثور: 15 / 474]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ عبدُ الرَّزَّاقِ، وعبدُ بنُ حُمَيْدٍ، عن قَتَادَةَ: {إِذَا تَرَدَّى}؛ قالَ: في النارِ). [الدر المنثور: 15 / 474]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ ابنُ أبي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ: {وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى}؛ قالَ: في النارِ). [الدر المنثور: 15 / 475]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأَخْرَجَ الفِرْيَابِيُّ، وعبدُ بنُ حُمَيْدٍ، وابنُ جَرِيرٍ، وابنُ المُنْذِرِ، وابنُ أبي حَاتِمٍ، عن مُجَاهِدٍ في قَوْلِهِ: {إِذَا تَرَدَّى}؛ قالَ: إذا ماتَ، وفي قَوْلِهِ: {نَاراً تَلَظَّى}؛ قالَ: تَوَهَّجُ). [الدر المنثور: 15 / 475]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 24 جمادى الآخرة 1434هـ/4-05-2013م, 03:01 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قوله تعالى: {واللّيل إذا يغشى (1) والنّهار إذا تجلّى (2)} هذا قسم، جوابه: {إنّ سعيكم لشتّى}، أي إن سعي المؤمن والكافر لمختلف بينهما بعد.
ومعنى {إذا يغشى} الليل الأرض توارى الأفق وجميع ما بين السماء والأرض، و{النهار إذا تجلى} إذا بأن وظهر).[معاني القرآن: 5/ 335]

تفسير قوله تعالى: {وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2)}

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({والنّهار إذا تجلّى * وما خلق الذّكر والأنثى}
قال: {والنّهار إذا تجلّى} {وما خلق الذّكر والأنثى} فهذه الواو واو عطف عطف بها على الواو التي في القسم الأول.
وقال بعضهم {وما خلق الذّكر والأنثى} فجعل القسم بالخلق كأنه أقسم بما خلق ثم فسره وجعله بدلا من {ما}). [معاني القرآن: 4/ 50-51]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قوله تعالى: {واللّيل إذا يغشى (1) والنّهار إذا تجلّى (2)}؛ هذا قسم، جوابه: {إنّ سعيكم لشتّى}، أي إن سعي المؤمن والكافر لمختلف بينهما بعد.
ومعنى {إذا يغشى}؛ الليل الأرض توارى الأفق وجميع ما بين السماء والأرض، و{النهار إذا تجلى}؛ إذا بأن وظهر). [معاني القرآن: 5/ 335](م)

تفسير قوله تعالى: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3)}

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (قوله عز وجل: {وما خلق الذّكر والأنثى...} هي في قراءة عبد الله (والذكر والأنثى)، فلو خفض في قراءتنا "الذكر والأنثى" يجعل {وما خلق} كأنه قال: والذي خلق من الذكر والأنثى، وقرأه العوام على نصبها، يريدون: وخلقه الذكر والأنثى). [معاني القرآن: 3/270]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({وما خلق الذّكر والأنثى} ومن خلق الذكر والأنثى). [مجاز القرآن: 2/ 301]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({والنّهار إذا تجلّى * وما خلق الذّكر والأنثى}
قال: {والنّهار إذا تجلّى} {وما خلق الذّكر والأنثى} فهذه الواو واو عطف عطف بها على الواو التي في القسم الأول.
وقال بعضهم {وما خلق الذّكر والأنثى} فجعل القسم بالخلق كأنه أقسم بما خلق ثم فسره وجعله بدلا من {ما}). [معاني القرآن: 4/ 50-51](م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ما ومن ما ومن، أصلهما واحد، فجعلت من للناس، وما لغير الناس. نقول: من مرّ بك من القوم؟ وما مرّ بك من الإبل؟.
وقال أبو عبيدة في قوله تعالى {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى}: أي ومن خلق الذّكر والأنثى. وكذلك قوله تعالى: {وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس: 6-8] هي عنده في هذه المواضع بمعنى «من».
وقال أبو عمرو: هي بمعنى (الذي). قال: وأهل مكة يقولون إذا سمعوا صوت الرعد: سبحان ما سبّحت له.
وقال الفرّاء: هو: وخلقه الذّكر والأنثى، وذكر أنها في قراءة عبد الله (والذكر والأنثى)). [تأويل مشكل القرآن: 533](م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({وما خلق الذّكر والأنثى (3)}كما فسرناها في قوله: {والسّماء وما بناها}). [معاني القرآن: 5/ 335]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4)}

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله عز وجل: {إنّ سعيكم لشتّى...} هذا جواب القسم، وقوله: {لشتى} يقول: لمختلف). [معاني القرآن: 3/ 270]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({إنّ سعيكم لشتّى} أي [إن] عملكم لمختلف). [تفسير غريب القرآن: 531]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقال: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى}، أي عملكم لشتّى، أي مختلف. وأصل هذا كله: المشي والإسراع فيه). [تأويل مشكل القرآن: 510]

تفسير قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7)}

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (نزلت في أبي بكر بن أبي قحافة رحمه الله، وفي أبي سفيان، وذلك أن أبا بكر الصديق [رضي الله عنه] اشترى تسعة رجال كانوا في أيدي المشركين من ماله يريد به الله تبارك وتعالى؛ فأنزل الله جل وعز فيه ذلك: {فأمّا من أعطى واتّقى...} {بالحسنى...} أبو بكر {فسنيسّره لليسرى...} للعود إلى العمل الصالح). [معاني القرآن: 3/ 270]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فسنيسّره لليسرى} أي للعود إلى العمل الصالح). [تفسير غريب القرآن: 531]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {فأمّا من أعطى واتّقى (5) وصدّق بالحسنى (6)} في التفسير أنها نزلت في أبي بكر الصديق -رحمه اللّه- وكان اشترى جماعة كان يعذبهم المشركون ليرتدّوا عن الإسلام فيهم بلال؛ فوصفه اللّه -عز وجل- على أنه أعطى تقوى، وصدّق بالحسنى، لأنه يجازى عليه. وقيل: صدّق لأنه يخلف عليه لقوله: {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه}). [معاني القرآن: 5/ 335]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقال: {فسنيسّره لليسرى (7)}أي للأمر السهل الذي لا يقدر عليه أحد إلّا المؤمنين). [معاني القرآن: 5/ 335]

تفسير قوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8)}

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وأمّا من بخل واستغنى (8) وكذّب بالحسنى (9) فسنيسّره للعسرى (10)}نزلت في رجل أكره ذكره، وهي جامعة لكل من بخل وكذّب لأن الله جلّ وعزّ يجازيه أو يخلف عليه). [معاني القرآن: 5/ 335-336]

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) }

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وكذّب بالحسنى} أي بالجنة والثواب). [تفسير غريب القرآن: 531]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وأمّا من بخل واستغنى (8) وكذّب بالحسنى (9) فسنيسّره للعسرى (10)}نزلت في رجل أكره ذكره، وهي جامعة لكل من بخل وكذّب لأن الله جلّ وعزّ يجازيه أو يخلف عليه). [معاني القرآن: 5/ 335-336](م)

تفسير قوله تعالى: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)}

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فسنيسّره للعسرى...} يقول: قد خلق على أنه شقي ممنوع من الخير، ويقول القائل: فكيف قال: {فسنيسّره[معاني القرآن: 3/ 270]
للعسرى} فهل في العسرى تيسير؟ فيقال في هذا إجازته بمنزلة قول الله تبارك وتعالى: {وبشّر الّذين كفروا بعذابٍ أليمٍ}. والبشارة في الأصل على المفرح والسار؛ فإذا جمعت في كلامين: هذا خير: وهذا شر جاز التيسير فيهما جميعا.وقوله عز وجل: {فسنيسّره} سنهيئه.
والعرب تقول: قد يسّرت الغنم إذا ولدت وتهيأت للولادة.
وقال الشاعر:
هـمــا سـيـدانـا يـزعـمـان وإنـمــا ....... يسوداننا أن يسّرت غنماها).
[معاني القرآن: 3/ 271]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وأمّا من بخل واستغنى (8) وكذّب بالحسنى (9) فسنيسّره للعسرى (10)}نزلت في رجل أكره ذكره، وهي جامعة لكل من بخل وكذّب لأن الله جلّ وعزّ يجازيه أو يخلف عليه). [معاني القرآن: 5/ 335-336](م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({فسنيسّره للعسرى (10)}العذاب والأمر العسير). [معاني القرآن: 5/ 336]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (11)}

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({إذا ترى}: مات). [غريب القرآن وتفسيره: 431]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ):
({تردّى} في النار، أي سقط.
ويقال: «تريّ»: تفعّل، من «الرّدي» وهو: الهلاك). [تفسير غريب القرآن: 531]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({وما يغني عنه ماله إذا تردّى (11)}قيل: إذا مات. وقيل: إذا تردّى في النار). [معاني القرآن: 5/ 336]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({إذا تَرَدَّى}: سقط في النار). [العمدة في غريب القرآن: 348]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 28 رجب 1434هـ/6-06-2013م, 11:46 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2)
وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3)}
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (وقال الخليل في قوله عز وجل: {والليل إذا يغشى * والنهار إذا تجلى * وما خلق الذكر والأنثى} الواوان الأخريان ليستا بمنزلة الأولى ولكنهما الواوان اللتان تضمان الأسماء إلى الأسماء في قولك مررت بزيدٍ وعمرٍ ووالأولى بمنزلة الباء والتاء ألا ترى أنك تقول والله لأفعلن ووالله لأفعلن فتدخل واو العطف عليها كما تدخلها على الباء والتاء.
قلت للخليل فلم لا تكون الأخريان بمنزلة الأولى فقال إنما أقسم بهذه الأشياء على شيء واحد ولو كان انقضى قسمه بالأول على شيء لجاز أن يستعمل كلاماً آخر فيكون كقولك بالله لأفعلن بالله لأخرجن اليوم ولا يقوى أن تقول وحقك وحق زيد لأفعلن والواو الآخرة واو قسمٍ لا يجوز إلا مستكرها لأنه لا يجوز هذا في محلوفٍ عليه إلا أن تضم الآخر إلى الأول وتحلف بهما على المحلوف عليه). [الكتاب: 3/ 501]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (واعلم أن القسم لا يقع إلا على مقسم به،و مقسم عليه، وأن قوله عز وجل: {والليل إذا يغشى * والنهار إذا تجلى * وما خلق الذكر والأنثى}. أن الواو الأولى واو قسم، وما بعدها من الواوات للعطف لا للقسم. ولو كانت للقسم لكان بعض هذا الكلام منقطعاً من بعض، الأول إلى آخر القسم على غير محلوف عليه، فكان التقدير: {والليل إذا يغشى}، ثم ترك هذا، وابتدأ {والنهار إذا تجلى}. ولكنه بمنزلة قولك: والله ثم الله لأفعلن، وإنما مثلت لك بثم؛ لأنها ليست من حروف القسم). [المقتضب: 2/ 335-336]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (واعلم أن قولك: أقسمت لأفعلن وأقسمت لا تفعل بمنزلة قولك: قلت: والله لا تفعل، وقلت: والله لتفعلن.
واعلم أنك إذا أقسمت على فعل ماضٍ، فأدخلت عليه اللام لم تجمع بين اللام والنون؛ لأن الفعل الماضي مبني على الفتح غير متغيرة لامه، وإنما تدخل النون على ما لم يقع كما ذكرت. فلما كانت لا تقع لما يكون في الحال كانت من الماضي أبعد. وذلك قولك: والله لرأيت زيداً يضرب عمراً، فأنكرت ذلك.
وإن وصلت اللام ب قد فجيد بالغ. تقول: والله لقد رأيت زيداً، والله لقد انطلق في حاجتك. وسنفسر الفصل بين الفعل ب قد وبين الفعل إذا لم تدخله.
أما قد فأصلها أن تكون مخاطبة لقوم يتوقعون الخبر. فإذا قلت: قد جاء زيد لم تضع هذا الكلام ابتداء على غير أمرٍ كان بينك وبينه، أو أمرٍ تعلم أنه لا يتوقعه. فإن أدخلت اللام على قد فإنما تدخلها على هذا الوجه.
فأما قولك: والله لكذب زيد كذباً ما أحسب الله يغفره له فإنما تقديره: لقد؛ لأنه الأول إلى آخر القسم على غير محلوف عليه، فكان التقدير: {والليل إذا يغشى}، ثم ترك هذا، وابتدأ {والنهار إذا تجلى}. ولكنه بمنزلة قولك: والله ثم الله لأفعلن، وإنما مثلت لك بثم؛ لأنها ليست من حروف القسم.
واعلم أن القسم قد يؤكد بما يصدق الخبر قبل ذكر المقسم عليه، ثم يذكر ما يقع عليه القسم. فمن ذلك قوله عز وجل: {والسماء ذات البروج * واليوم الموعود * وشاهدٍ ومشهود} ثم ذكر قصة أصحاب الأخدود توكيداً.
وإنما وقع القسم على قوله: {إن بطش ربك لشديدٌ} وقد قال قوم: إنما وقع على {قتل أصحاب الأخدود}، وحذفت اللام لطول الكلام. وليس القول عندنا إلا الأول؛ لأن هذه الاعتراضات توكيد.
فأما قوله: {والشمس وضحاها} فإنما وقع القسم على قوله: {قد أفلح من زكاها} وحذفت اللام لطول القصة، لأن الكلام إذا طال كان الحذف أجمل.
ألا ترى أن النحويين لا يقولون: قام هند، وذهب جاريتك، ويجيزون: حضر القاضي اليوم امرأةٌ يا فتى، فيجيزون الحذف مع طول الكلام؛ لأنهم يرون ما زاد عوضاً مما حذف.
وتقول: وحق الله ثم حقك لأفعلن ثم حقك تحمله على الموضع، كان جائزاً كما قال:
فلسنا بالجبال ولا الحديدا
وعلى هذا قرئ {فأصدق وأكن من الصالحين}؛ لأنه حمله على موضع الفاء). [المقتضب: 2/ 336-337]


تفسير قوله تعالى: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4)}

قال أبو فَيدٍ مُؤَرِّجُ بنُ عمروٍ السَّدُوسِيُّ (ت: 195هـ): (وقولُه: مِن شَتَّى، أيْ: مِن كُلِّ وجْهٍ). [شرح لامية العرب: --] (م)

تفسير قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5)}

تفسير قوله تعالى: {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6)}

تفسير قوله تعالى: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7)}

تفسير قوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8)}

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9)}

تفسير قوله تعالى: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)}

تفسير قوله تعالى: {وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (11)}
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ): (
ومستخلس الأرطى مخوف به الردى ....... بعيد المدى للعيس دفن المناهل
(الردى) الهلاك). [شرح أشعار الهذليين: 3/ 1026] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقوله: "وأردى" أي أهلك، يقال: ردي يردى إذا هلك، والردى: الهلاك، قال الله عز وجل: {وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى}، قيل فيه قولان: أحدهما إذا تردى في النار، والآخر إذا مات، وهو" تفعل" من الردى). [الكامل: 1/ 120]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقوله:
ومن هر أطراف القنا خشية الردى
يقول: من كره، قال عنترة بن شداد:
خلفت لهم والخيل تردى بنا معًا ....... نفارقهم حتى يهروا العواليا
عوالي زرقًا من رماح ردينةٍ
....... هرير الكلاب يتقين الأفاعيا
والردى: الهلاك، وأكثر ما يستعمل في الموت. يقال: ردي يردى ردًى، قال الله عز وجل: {وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى}، وهو "تفعل" من الردى في أحد التفسيرين، وقيل: إذا تردى في النار، أي إذا سقط فيها). [الكامل: 1/ 403-404]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقوله: أردين، يقول: أهلكنَ، والردى: الهلاكُ والموت من ذا). [الكامل: 2/ 866]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ (ت: 328هـ): ( وأرديت حرف من الأضداد. يقال: أرديت الرجل إذا أهلكته، ويقال: قد ردي الرجل يردى ردى، إذا هلك؛ قال علي بن أبي طالب رضوان الله عليه:
ولا تصحب أخا الجهل ....... وإياك وإياه
فكم من جاهل أردى
....... حليما حين آخاه
وقال الآخر:
لعل الذي يرجو رداي ويدعي .......به قبل موتي أن يكون هو الردي
وقال طالب بن أبي طالب:
إلا إن كعبا في الحروب تخاذلوا ....... فأردتهم الأيام واجترحوا ذنبا
وقال الله عز وجل: {وما يغني عنه ماله إذا تردى}، معناه إذا هلك. وقال بعضهم: معناه إذا تردى في النار، قال الشاعر:
خطفته منية فتردى ....... وهو في الملك يأمل التعميرا
ويقال: أرديت الرجل إذا أعنته، من قول الله عز وجل: {فأرسله معي ردءا يصدقني}، معناه عونا.
ويقال منه: أردأت الرجل وأرديته، فمن قال: (أرداته) لين الهمزة، ومن قال: (أرديته)، انتقل عن الهمز؛ وشبه (أرديت) بـ (أرضيت)؛ ومثل هذا قول العرب: قرأت بتحقيق الهمز، وقرأت بتليين الهمزة، وقريت بترك الهمز؛ والانتقال عنه إلى التشبيه بقضيت ورميت، وكذلك يقال: اقرأ رقعتي بالتحقيق، واقرأ رقعتي بالتليين، واقر رقعتي بالترك؛ وهو أقل الثلاثة.
وكذلك لم يجئ فلان، ولم يجي، بتسكين الياء، ولم، يجِ بحذف الياء وهي أقلها). [كتاب الأضداد: 207-209]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 3 محرم 1436هـ/26-10-2014م, 08:18 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري
...

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 3 محرم 1436هـ/26-10-2014م, 08:18 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 3 محرم 1436هـ/26-10-2014م, 08:18 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري
....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 3 محرم 1436هـ/26-10-2014م, 08:19 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عزّ وجلّ: {واللّيل إذا يغشى * والنّهار إذا تجلّى * وما خلق الذّكر والأنثى * إنّ سعيكم لشتّى * فأمّا من أعطى واتّقى * وصدّق بالحسنى * فسنيسّره لليسرى * وأمّا من بخل واستغنى * وكذّب بالحسنى * فسنيسّره للعسرى * وما يغني عنه ماله إذا تردّى * إنّ علينا للهدى * وإنّ لنا للآخرة والأولى * فأنذرتكم نارًا تلظّى * لا يصلاها إلّا الأشقى * الّذي كذّب وتولّى * وسيجنّبها الأتقى * الّذي يؤتي ماله يتزكّى * وما لأحدٍ عنده من نّعمةٍ تجزى * إلّا ابتغاء وجه ربّه الأعلى * ولسوف يرضى}
أقسم اللّه تعالى بالليل إذا غشى الأرض وجميع ما فيها، وبالنهار إذا تجلّى، أي: ظهر وضوّأ الآفاق، ومنه قول الشاعر:
تجلّى السّرى من وجهه عن صبيحةٍ.......على السّير مشراقٍ كريمٍ شجونها). [المحرر الوجيز: 8/ 632]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وما خلق الذّكر والأنثى} يحتمل أن تكون (ما) بمعنى (الذي)، كما قالت العرب: (سبحان ما سبّح الرّعد بحمده). وقال أبو عمرٍو وأهل مكّة: يقولون للرعد: (سبحان ما سبّحت له). ويحتمل أن تكون (ما) مصدريةً، وهو مذهب الزّجّاج.
وقرأ جمهور الصحابة: {وما خلق الذّكر}، وقرأ عليّ بن أبي طالبٍ، وابن عبّاسٍ، وعبد اللّه بن مسعودٍ، وأبو الدّرداء - وسمعها من النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم - وعلقمة، وأصحاب عبد اللّه: (والذّكر والأنثى) وسقط عندهم: (وما خلق).
وذكر ثعلبٌ أنّ من السّلف من قرأ: (وما خلق الذّكر والأنثى) بخفض (الذّكر) على البدل من (ما) على أن التقدير: وما خلق اللّه. وقراءة عليٍّ رضي اللّه عنه: (ومن ذكرٍ) تشهد لهذه، وقال الحسن: المراد هنا بالذكر والأنثى آدم وحوّاء عليهما السلام. وقال غيره: هو عامٌّ). [المحرر الوجيز: 8/ 632-633]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (و(السّعي) العمل، فأخبر اللّه تعالى مقسمًا أنّ أعمال العباد شتّى، أي: مفترقةٌ جدًّا؛ بعضها في رضى اللّه تعالى، وبعضها في سخطه). [المحرر الوجيز: 8/ 633]

تفسير قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم قسّم تعالى الساعين، فذكر أنّ من أعطى - وظاهر ذلك إعطاء المال، وهي أيضًا تتناول إعطاء الحقّ في كلّ شيءٍ؛ قولٍ أو فعلٍ، وكذلك البخل المذكور بعد - يكون بالإيمان وغيره من الأقوال التي حقّ الشريعة ألاّ يبخل بها.
ويروى أن هذه الآية نزلت في أبي بكرٍ الصدّيق رضي اللّه عنه؛ وذلك أنه كان يعتق ضعفة العبيد الذين أسلموا، وكان ينفق في رضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ماله، وكان الكفار بضدّ ذلك، وهذا قول من قال إنّ السورة كلّها مكّيّةٌ.
قال عبد اللّه بن أبي أوفى: «هذه السورة في أبي بكرٍ الصديق رضي اللّه عنه، وأبي سفيان بن حربٍ». وقال مقاتلٌ: «مرّ أبو بكرٍ رضي اللّه عنه على أبي سفيان وهو يعذّب بلالًا، فاشتراه منه».
وقال السّدّيّ: نزلت هذه الآية بسبب أبي الدّحداح الأنصاريّ رضي اللّه عنه، وذلك أنّ نخلةً لبعض المنافقين كانت مطلّةً على دار امرأةٍ من المسملين لها أيتامٌ، فكان الثّمر يسقط عليهم فيأكلونه، فمنعهم المنافق من ذلك، واشتدّ عليهم، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «بعنيها بنخلةٍ في الجنّة». فقال: لا أفعل. فبلغ ذلك أبا الدّحداح، فذهب إليه واشترى منه النخلة بحائطٍ له، وجاء إلى النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه، أنا أشتري النخلة التي في الجنة بهذه. ففعل ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يمرّ على ذلك الحائط الذي أعطى أبو الدّحداح، وقد تعلّقت أقناؤه، ويقول: «وكم قنوٍ تعلّق لأبي الدّحداح في الجنّة».
وفي البخاريّ أنّ هذا اللفظ كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقوله في الأقناء التي كان أبو الدّحداح يعلّقها في المسجد صدقةً، وهذا كلّه قول من يقول: بعض السورة مدنيٌّ). [المحرر الوجيز: 8/ 633-634]

تفسير قوله تعالى: {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (واختلف الناس في (الحسنى) في هذه السورة؛ فقال أبو عبد الرحمن السّلميّ وغيره: «هي لا إله إلا اللّه». وقال ابن عبّاسٍ، وعكرمة، وجماعةٌ: «هي الخلف الذي وعد اللّه به». وذلك نصٌّ في حديث الملكين؛ إذ يقول أحدهما: اللّهمّ أعط منفقًا خلفًا. ويقول الآخر: اللّهمّ أعط ممسكًا تلفًا. وقال مجاهدٌ، والحسن، وجماعةٌ:« الحسنى: الجنّة». وقال كثيرٌ من المتأولين: الحسنى: الأجر والثواب مجملًا). [المحرر الوجيز: 8/ 634-635]

تفسير قوله تعالى: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {فسنيسّره لليسرى} معناه: سيظهر تيسيرنا بما يتدرّج فيه من أعمال الخير. وحتم تيسيره قد كان في علم اللّه تعالى أزلًا.
و(اليسرى): الحال الحسنة المرضيّة في الدنيا والآخرة ، و(العسرى) الحال السيّئة في الدنيا والآخرة، ولا بدّ). [المحرر الوجيز: 8/ 635]

تفسير قوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ومن جعل {بخل} في المال خاصّةً جعل (استغنى) في المال أيضًا؛ لتعظم المذمّة، ومن جعل {بخل} عامًّا في جميع ما ينبغي أن نبذل من قولٍ وفعلٍ، قال: (استغنى) عن اللّه تعالى ورحمته بزعمه). [المحرر الوجيز: 8/ 635]

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9)}

تفسير قوله تعالى: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)}

تفسير قوله تعالى: {وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (11)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثمّ وقف تعالى على موضع غناء ماله عنه وقت تردّيه، وهذا يدلّ على أنّ الإعطاء والبخل المذكورين إنما هما في المال.
واختلف الناس في معنى {تردّى}؛ فقال قتادة وأبو صالحٍ: معناه: تردّى في جهنّم، أي: سقط من حافّاتها. وقال مجاهدٌ: {تردّى} معناه: هلك من الرّدى. وقال قومٌ: معناه: تردّى بأكفانه من الرّداء، ومنه قول مالك بن الرّيب:
وخطّا بأطراف الأسنّة مضجعي.......وردّا على عينيّ فضل ردائيا
ومنه قول الآخر:
نصيبك ممّا تجمع الدّهر كلّه.......رداءان تلوى فيهما وحنوط). [المحرر الوجيز: 8/ 635]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 3 محرم 1436هـ/26-10-2014م, 08:19 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 3 محرم 1436هـ/26-10-2014م, 08:19 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (بسم الله الرّحمن الرّحيم
{واللّيل إذا يغشى * والنّهار إذا تجلّى * وما خلق الذّكر والأنثى * إنّ سعيكم لشتّى * فأمّا من أعطى واتّقى * وصدّق بالحسنى * فسنيسّره لليسرى * وأمّا من بخل واستغنى * وكذّب بالحسنى * فسنيسّره للعسرى * وما يغني عنه ماله إذا تردّى}.
قال الإمام أحمد: حدّثنا يزيد بن هارون، حدّثنا شعبة، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن علقمة، أنه قدم الشام، فدخل مسجد دمشق فصلّى فيه ركعتين، وقال: «اللّهمّ ارزقني جليساً صالحاً». قال: فجلس إلى أبي الدّرداء، فقال له أبو الدرداء:« ممّن أنت؟» قال: «من أهل الكوفة». قال: «كيف سمعت ابن أمّ عبدٍ يقرأ: {واللّيل إذا يغشى * والنّهار إذا تجلّى}؟» قال علقمة:« (والذّكر والأنثى)». فقال أبو الدّرداء: «لقد سمعتها من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فما زال هؤلاء حتّى شكّكوني». ثمّ قال: «ألم يكن فيكم صاحب الوساد، وصاحب السّرّ الذي لا يعلمه أحدٌ غيره، والذي أجير من الشيطان على لسان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم؟».
وقد رواه البخاريّ ههنا، ومسلمٌ من طريق الأعمش، عن إبراهيم، قال: «قدم أصحاب عبد الله على أبي الدرداء، فطلبهم فوجدهم»، فقال: «أيّكم يقرأ على قراءة عبد الله؟» قالوا: «كلّنا». قال: «أيّكم أحفظ؟» فأشاروا إلى علقمة، فقال: «كيف سمعته يقرأ: {واللّيل إذا يغشى}؟» قال: «(والذّكر والأنثى)». قال: «أشهد أني سمعت رسول الله يقرأ هكذا، وهؤلاء يريدون أن أقرأ: {وما خلق الذّكر والأنثى}». والله لا أتابعهم.
هذا لفظ البخاريّ. هكذا قرأ ذلك ابن مسعودٍ، وأبو الدرداء، ورفعه أبو الدرداء، وأمّا الجمهور فقرؤوا ذلك كما هو المثبت في المصحف الإمام العثمانيّ في سائر الآفاق: {وما خلق الذّكر والأنثى}
فأقسم تعالى بالليل إذا يغشى، أي: إذا غشي الخليقة بظلامه {والنّهار إذا تجلّى} أي: بضيائه وإشراقه، {وما خلق الذّكر والأنثى} كقوله: {وخلقناكم أزواجاً} وكقوله: {ومن كلّ شيءٍ خلقنا زوجين}). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 416-417]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (فأقسم تعالى بالليل إذا يغشى، أي: إذا غشي الخليقة بظلامه {والنّهار إذا تجلّى} أي: بضيائه وإشراقه، {وما خلق الذّكر والأنثى} كقوله: {وخلقناكم أزواجاً} وكقوله: {ومن كلّ شيءٍ خلقنا زوجين}.
ولمّا كان القسم بهذه الأشياء المتضادّة كان المقسم عليه أيضاً متضادًّا، ولهذا قال: {إنّ سعيكم لشتّى} أي: أعمال العباد التي اكتسبوها متضادّةٌ أيضاً، ومتخالفةٌ؛ فمن فاعلٍ خيراً، ومن فاعلٍ شرًّا). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 417]

تفسير قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (قال الله تعالى: {فأمّا من أعطى واتّقى} أي: أعطى ما أمر بإخراجه، واتّقى الله في أموره). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 417]

تفسير قوله تعالى: {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وصدّق بالحسنى} أي: بالمجازاة على ذلك. قاله قتادة.
وقال خصيفٌ: بالثّواب. وقال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وعكرمة، وأبو صالحٍ، وزيد بن أسلم: {وصدّق بالحسنى} «أي: بالخلف».
وقال أبو عبد الرحمن السّلميّ والضّحّاك: {وصدّق بالحسنى}« أي: بلا إله إلاّ الله».
وفي روايةٍ عن عكرمة: {وصدّق بالحسنى} «أي: بما أنعم الله عليه».
وفي روايةٍ عن زيد بن أسلم: {وصدّق بالحسنى} قال: «الصلاة والزكاة والصوم». وقال مرّةً: «وصدقة الفطر».
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو زرعة، حدّثنا صفوان بن صالحٍ الدّمشقيّ، حدّثنا الوليد بن مسلمٍ، حدّثنا زهير بن محمّدٍ، حدّثني من سمع أبا العالية الرّياحيّ يحدّث عن أبيّ بن كعبٍ، قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الحسنى، قال: «الحسنى الجنّة» ). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 417]

تفسير قوله تعالى: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {فسنيسّره لليسرى} قال ابن عبّاسٍ:« يعني: للخير». وقال زيد بن أسلم: «يعني: للجنّة». وقال بعض السّلف:« من ثواب الحسنة الحسنة بعدها، ومن جزاء السيّئة السيّئة بعدها».
ولهذا قال تعالى: {وأمّا من بخل} أي: بما عنده {واستغنى} قال عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، أي: «بخل بماله، واستغنى عن ربّه عزّ وجلّ». رواه ابن أبي حاتمٍ). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 417]

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وكذّب بالحسنى} أي: بالجزاء في الدار الآخرة). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 417]

تفسير قوله تعالى: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فسنيسّره للعسرى} أي: لطريق الشرّ، كما قال تعالى: {ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أوّل مرّةٍ ونذرهم في طغيانهم يعمهون}.
والآيات في هذا المعنى كثيرةٌ دالّةٌ على أنّ الله عزّ وجلّ يجازي من قصد الخير بالتوفيق له، ومن قصد الشرّ بالخذلان، وكلّ ذلك بقدرٍ مقدّرٍ.
والأحاديث الدالّة على هذا المعنى كثيرةٌ:
رواية أبي بكرٍ الصّدّيق رضي الله عنه:
قال الإمام أحمد: حدّثنا عليّ بن عيّاشٍ، حدّثني العطّاف بن خالدٍ، حدّثني رجلٌ من أهل البصرة، عن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكرٍ الصدّيق، عن أبيه، قال: سمعت أبي يذكر أنّ أباه سمع أبا بكرٍ، وهو يقول: قلت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا رسول الله، أنعمل على ما فرغ منه، أو على أمرٍ مؤتنفٍ؟ قال: «بل على أمرٍ قد فرغ منه».
قال: ففيم العمل يا رسول الله؟ قال: «كلٌّ ميسّرٌ لما خلق له».
رواية عليٍّ رضي الله عنه:
قال البخاريّ: حدّثنا أبو نعيمٍ، حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن سعيد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السّلميّ، عن عليّ بن أبي طالبٍ، قال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بقيع الغرقد في جنازةٍ، فقال: «ما منكم من أحدٍ إلاّ وقد كتب مقعده من الجنّة ومقعده من النّار». فقالوا: يا رسول الله، أفلا نتّكل؟ فقال:«اعملوا، فكلٌّ ميسّرٌ لما خلق له». ثمّ قرأ: {فأمّا من أعطى واتّقى * وصدّق بالحسنى * فسنيسّره لليسرى} إلى قوله: {للعسرى}.
وكذا رواه من طريق شعبة ووكيعٍ، عن الأعمش بنحوه، ثمّ رواه عن عثمان بن أبي شيبة، عن جريرٍ، عن منصورٍ، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن، عن عليّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه: كنّا في جنازةٍ في بقيع الغرقد، فأتى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فقعد وقعدنا حوله، ومعه مخصرةٌ، فنكس فجعل ينكت بمخصرةٍ، ثمّ قال: «ما منكم من أحدٍ - أو: ما من نفسٍ منفوسةٍ - إلاّ كتب مكانها من الجنّة والنّار، وإلاّ قد كتبت شقيّةً أو سعيدةً».
فقال رجلٌ: يا رسول الله، أفلا نتّكل على كتابنا وندع العمل، فمن كان منّا من أهل السعادة فسيصير إلى أهل السعادة، ومن كان منّا من أهل الشّقاء فسيصير إلى أهل الشقاء؟ فقال: «أمّا أهل السّعادة فسييسّرون لعمل أهل السّعادة، وأمّا أهل الشّقاء فسييسّرون لعمل أهل الشّقاء». ثمّ قرأ: {فأمّا من أعطى واتّقى * وصدّق بالحسنى} الآية. وقد أخرجه بقيّة الجماعة من طرقٍ، عن سعيد بن عبيدة به.
رواية عبد الله بن عمر:
قال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الرحمن، حدّثنا شعبة، عن عاصم بن عبيد الله، قال: سمعت سالم بن عبد الله يحدّث عن ابن عمر، قال: قال عمر: يا رسول الله، أرأيت ما نعمل فيه، أفي أمرٍ قد فرغ أو مبتدأٍ أو مبتدعٍ؟ قال: «فيما قد فرغ منه، فاعمل يا بن الخطّاب؛ فإنّ كلاًّ ميسّرٌ لما خلق له، أمّا من كان من أهل السّعادة فإنّه يعمل للسّعادة، وأمّا من كان من أهل الشّقاء فإنّه يعمل للشّقاء».
ورواه التّرمذيّ في القدر، عن بندارٍ، عن ابن مهديٍّ به، وقال: حسنٌ صحيحٌ.
حديثٌ آخر من رواية جابرٍ:
قال ابن جريرٍ: حدّثني يونس، أخبرنا ابن وهبٍ، أخبرني عمرو بن الحارث، عن أبي الزّبير، عن جابر بن عبد الله، أنه قال: يا رسول الله، أنعمل لأمرٍ قد فرغ منه، أو لأمرٍ نستأنفه؟ فقال: ((لأمرٍ قد فرغ منه)). فقال سراقة: ففيم العمل إذاً؟ فقال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: «كلّ عاملٍ ميسّرٌ لعمله».
ورواه مسلمٌ، عن أبي الطّاهر، عن ابن وهبٍ به.
حديثٌ آخر:
قال ابن جريرٍ: حدّثني يونس، حدّثنا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، عن طلق بن حبيبٍ، عن بشير بن كعبٍ العدويّ، قال: سأل غلامان شابّان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالا: يا رسول الله، أنعمل فيما جفّت به الأقلام، وجرت به المقادير، أو في شيءٍ يستأنف؟ فقال: «بل فيما جفّت به الأقلام وجرت به المقادير» قالا: ففيم العمل إذاً؟ قال: «اعملوا فكلّ عاملٍ ميسّرٌ لعمله الّذي خلق له» قالا: فالآن نجدّ ونعمل.
رواية أبي الدّرداء:
قال الإمام أحمد: حدّثنا هيثم بن خارجة، حدّثنا أبو الرّبيع سليمان بن عتبة السّلميّ، عن يونس بن ميسرة بن حلبسٍ، عن أبي إدريس، عن أبي الدّرداء، قال: قالوا: يا رسول الله، أرأيت ما نعمل، أمرٌ قد فرغ منه، أم شيءٌ نستأنفه؟ قال: «بل أمرٌ قد فرغ منه». فقالوا: فكيف بالعمل يا رسول الله؟ قال: «كلّ امرئٍ مهيّأٌ لما خلق له».
تفرّد به أحمد من هذا الوجه.
حديثٌ آخر:
قال ابن جريرٍ: حدّثني الحسن بن سلمة، عن أبي كبشة، حدّثنا عبد الملك بن عمرٍو، حدّثنا عبّاد بن راشدٍ، عن قتادة، حدّثني خليدٌ العصريّ، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: «ما من يومٍ غربت فيه شمسه إلاّ وبجنبتيها ملكان يناديان، يسمعه خلق الله كلّهم إلاّ الثّقلين: اللّهمّ أعط منفقاً خلفاً، وأعط ممسكاً تلفاً. وأنزل الله في ذلك قرآناً: {فأمّا من أعطى واتّقى * وصدّق بالحسنى * فسنيسّره لليسرى * وأمّا من بخل واستغنى * وكذّب بالحسنى * فسنيسّره للعسرى}».
ورواه ابن أبي حاتمٍ، عن أبيه، عن أبي كبشة بإسناده مثله.
حديثٌ آخر: قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثني أبو عبد الله الطّهرانيّ، حدّثنا حفص بن عمر العدنيّ، حدّثنا الحكم بن أبانٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: «أن رجلاً كان له نخلٌ، ومنها نخلةٌ فرعها في دار رجلٍ صالحٍ فقيرٍ ذي عيالٍ. فإذا جاء الرجل فدخل داره فيأخذ الثمرة من نخلته فتسقط الثّمرة، فيأخذها صبيان الرجل الفقير، فينزل من نخلته فينزع الثمرة من أيديهم، وإن أدخل أحدهم التّمرة في فمه أدخل أصبعه في حلق الغلام، ونزع التّمرة من حلقه.
فشكا ذلك الرجل إلى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وأخبره بما هو فيه من صاحب النخلة، فقال له النبيّ: «اذهب». ولقي النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- صاحب النخلة فقال له: «أعطني نخلتك الّتي فرعها في دار فلانٍ، ولك بها نخلةٌ في الجنّة». فقال له: لقد أعطيت، ولكن يعجبني ثمرها، وإنّ لي لنخلاً كثيراً، ما فيها نخلةٌ أعجب إليّ ثمرةً من ثمرها.
فذهب النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، فتبعه رجلٌ كان يسمع الكلام من رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ومن صاحب النخلة، فقال الرجل: يا رسول الله، إن أنا أخذت النخلة فصارت لي النخلة فأعطيتكها، أتعطيني بها ما أعطيته بها؛ نخلةً في الجنّة؟ قال: «نعم».
ثمّ إنّ الرجل لقي صاحب النخلة، ولكلاهما نخلٌ، فقال له: أخبرك أن محمداً أعطاني بنخلتي المائلة في دار فلانٍ نخلةً في الجنة، فقلت له: قد أعطيت، ولكنّي يعجبني ثمرها. فسكت عنه الرجل فقال: أتراك إذا بعتها؟ قال: لا، إلاّ أن أعطى بها شيئاً، ولا أظنّني أعطاه. قال: وما مناك بها؟ قال: أربعون نخلةً. فقال الرجل: لقد جئت بأمرٍ عظيمٍ، نخلتك تطلب بها أربعين نخلةً؟!
ثمّ سكتا وأنشأ في كلامٍ آخر، ثمّ قال: فأنا أعطيك أربعين نخلةً. فقال: أشهد لي إن كنت صادقاً. فأمر بأناسٍ فدعاهم، فقال: اشهدوا أنّي قد أعطيته من نخلي أربعين نخلةً بنخلته التي فرعها في دار فلان بن فلانٍ.
ثمّ قال: ما تقول؟ فقال صاحب النخلة: قد رضيت.
ثمّ قال بعد: ليس بيني وبينك بيعٌ؛ لم نفترق.
فقال له: قد أقالك الله ولست بأحمق حين أعطيتك أربعين نخلةً بنخلتك المائلة.
فقال صاحب النخلة: قد رضيت على أن تعطيني الأربعين على ما أريد. قال: تعطينيها على ساقٍ. ثمّ مكث ساعةً، ثمّ قال: هي لك على ساقٍ.
وأوقف له شهوداً، وعدّ له أربعين نخلةً على ساقٍ، فتفرّقا.
فذهب الرجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، إنّ النخلة المائلة في دار فلانٍ قد صارت لي، فهي لك.
فذهب رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إلى الرجل صاحب الدار فقال له: «النّخلة لك ولعيالك».
قال عكرمة: قال ابن عبّاسٍ: فأنزل الله عزّ وجلّ: {واللّيل إذا يغشى} إلى قوله: {فأمّا من أعطى واتّقى * وصدّق بالحسنى * فسنيسّره لليسرى * وأمّا من بخل واستغنى * وكذّب بالحسنى * فسنيسّره للعسرى} إلى آخر السورة.
وهكذا رواه ابن أبي حاتمٍ، وهو حديثٌ غريبٌ جدًّا.
قال ابن جريرٍ: وذكر أن هذه الآية نزلت في أبي بكرٍ الصدّيق رضي الله عنه: حدّثني هارون بن إدريس الأصمّ، حدّثنا عبد الرحمن بن محمدٍ المحاربيّ، حدّثنا محمد بن إسحاق، عن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكرٍ الصدّيق، عن عامر بن عبد الله بن الزّبير، قال: «كان أبو بكرٍ رضي الله عنه يعتق على الإسلام بمكّة، فكان يعتق عجائز ونساءً إذا أسلمن، فقال له أبوه: أي بنيّ، أراك تعتق أناساً ضعفاء، فلو أنّك تعتق رجالاً جلداء يقومون معك ويمنعونك ويدفعون عنك. فقال: أي أبت، إنما أريد - أظنّه قال - ما عند الله».
قال: «فحدّثني بعض أهل بيتي أن هذه الآية أنزلت فيه: {فأمّا من أعطى واتّقى * وصدّق بالحسنى * فسنيسّره لليسرى}»). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 417-421]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (11)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وما يغني عنه ماله إذا تردّى} قال مجاهدٌ: أي: إذا مات. وقال أبو صالحٍ ومالكٌ، عن زيد بن أسلم: إذا تردّى في النار). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 421]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:00 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة