العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الحج

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 ذو القعدة 1439هـ/30-07-2018م, 08:44 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 18 ذو القعدة 1439هـ/30-07-2018م, 08:51 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث} الآية. هذا احتجاج على العالم بالبدأة الأولى، وضرب الله تعالى في هذه الآية مثلين إذا اعتبرهما الناظر جوز في العقل البعثة من القبور، ثم ورد خبر الشرع بوجوب ذلك ووقوعه. و"الريب": الشك، وقوله: {إن كنتم} شرط مضمنه التوفيق، وقرأ الحسن بن أبي الحسن: "البعث" بفتح العين، وهي لغة في "البعث" عند البصريين، وهي عند الكوفيين تخفيف "بعث".
وقوله: {خلقناكم من تراب} يريد آدم، ثم سلط الفعل عليهم من حيث هم من ذريته، وقوله: {ثم من نطفة} يريد المني الذي يكون من البشر، و"النطفة" تقع على قليل الماء وكثيره، وقال النقاش: المراد نطفة آدم، وقوله: {ثم من علقة} يريد من الدم تعود النطفة إليه في الرحم، أو المقارن للنطفة، و"العلق": الدم العبيط، وقيل: "العلق": الشديد الحمرة، فسمي الدم لذلك، وقوله: "ثم من مضغة" يريد بضعة لحم على قدر ما يمضغ، وقوله: "مخلقة" معناه: متممة البنية "وغير مخلقة" غير متممة، أي التي تسقط، قاله مجاهد، وقتادة، والشعبي، وأبو العالية، فاللفظة بناء مبالغة من "خلق"، ولما كان الإنسان فيه أعضاء متباينة وكل منها مختص بخلق حسن، في جملته تضعيف الفعل؛ لأن فيه خلقا كثيرة، وقرأ ابن أبي عبلة: "مخلقة" بالنصب "وغير" بالنصب في الراء.
[المحرر الوجيز: 6/215]
ويتصل بهذا الموضع من الفقه أن العلماء اختلفوا في أم الولد إذا أسقطت بضعة لم تصور، هل تكون أم ولد بذلك؟ فقال مالك، والأوزاعي، وغيرهما: هي أم ولد بالمضغة إذا علم أنها مضغة الولد، وقال الشافعي، وأبو حنيفة: حتى يتبين فيه خلق ولو عضو واحد.
وقوله: {لنبين لكم}، قالت فرقة: معناه: لنبين أمر البعث، فهو اعتراض بين الكلامين، وقرأت هذه الفرقة بالرفع في "نقر"، المعنى: ونحن نقر، وهي قراءة الجمهور. وقالت فرقة: "لنبين لكم" معناه: تكون المضغة غير مخلقة وطرح النساء إياها، كذلك نبين للناس أن المناقل في الرحم هي هكذا، وقرأت هذه الفرقة: "ونقر" بالنصب، وكذلك قرأت: "نخرجكم" بالنصب، وهي رواية المفضل عن عاصم، وحكى أبو عمرو الداني أن رواية المفضل هذه هي بالياء في "يقر" "ويخرجكم"، والرفع على هذا التأويل شائع، ولا يجوز النصب على التأويل الأول. وقرأ ابن وثاب: "ما نشاء" بكسر النون. و"الأجل المسمى" هو مختلف بحسب جنين جنين، فثم من يسقط، وثم من يكمل أمره ويخرج حيا.
واختلف الناس في "الأشد" من ثمانية عشر، إلى ثلاثين، إلى اثنين وثلاثين، إلى ستة وثلاثين، إلى أربعين، إلى خمسة وأربعين، واللفظ تقال باشتراك، فأشد الإنسان على العموم غير أشد اليتيم الذي هو الاحتلام. و"الأشد" في الآية يحتمل المعنيين، والرد إلى أرذل العمر هو حصول الإنسان في زمانه واختلال قوته حتى لا يقدر على إقامة الطاعات، واختلال عقله حتى لا يقدر على إقامة ما يلزمه من المعتقدات، وهذا أبدا يلحق مع الكبر، وقد يكون أرذل العمر في قليل من السن بحسب شخص ما لحقته زمانة، وقد ذكر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن أرذل العمر خمسة وسبعون سنة، وهذا فيه نظر، وإن صح عن علي رضي الله عنه فلا يتوجه إلا أن يريد: على الأكثر، فقد نرى كثيرا أبناء ثمانين سنة ليسوا في أرذل العمر، وقرأ الجمهور: "العمر"
[المحرر الوجيز: 6/216]
مشبعة، وقرأ نافع: "العمر" مخففة الميم، واختلف عنه.
وقوله تعالى: {لكيلا يعلم} أي: لينسى معارفه وعلمه الذي كان معه فلا يعلم من ذلك شيئا، فهذا مثال واحد يقضي للمعتد به أن القادر على هذه المناقل المتقن لها قادر على إعادة تلك الأجساد التي أوجدها بهذه المناقل إلى حالها الأولى.
قوله عز وجل: {وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد}
هذا هو المثال الذي يعطي للمعتبر فيه جواز بعث الأجساد، وذلك أن إحياء الأرض بعد موتها بين، فكذلك الأجساد، و"هامدة" معناها: ساكنة دارسة بالية، ومنه قيل: همد الثوب إذا بلي، قال الأعشى:
قالت قتيلة ما لجسمك شاحبا وأرى ثيابك باليات همدا
و "اهتزاز الأرض" هو حركتها بالنبات وغير ذلك مما يعتريها بالماء، و"ربت" معناه: نشزت وارتفعت، ومنه الربوة، وهو المكان المرتفع، وقرأ جعفر بن القعقاع: "وربأت" بالهمز، ورويت عن أبي عمرو، وقرأها عبد الله بن جعفر،
[المحرر الوجيز: 6/217]
وخالد بن إلياس، وهي غير وجيهة، ووجهها أن تكون من: "ربأت القوم" إذا علوت شرفا من الأرض طليعة، فكأن الأرض بالماء تتطاول وتعلو. و"الزوج": النوع، و"البهيج" فعيل من البهجة وهي الحسن، قاله قتادة وغيره). [المحرر الوجيز: 6/218]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله: {ذلك بأن الله هو الحق} إشارة إلى ما تقدم ذكره، فـ "ذلك" ابتداء، وخبره "بأن"، أي: هو بأن الله حق محيي قادر). [المحرر الوجيز: 6/218]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (7)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله: {وأن الساعة آتية} ليس بسبب لما ذكر، لكن المعنى أن الأمر مرتبط بعضه ببعض، أو على تقدير: والأمر أن الساعة). [المحرر الوجيز: 6/218]

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 13 محرم 1440هـ/23-09-2018م, 05:23 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 13 محرم 1440هـ/23-09-2018م, 05:27 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({يا أيّها النّاس إن كنتم في ريبٍ من البعث فإنّا خلقناكم من ترابٍ ثمّ من نطفةٍ ثمّ من علقةٍ ثمّ من مضغةٍ مخلّقةٍ وغير مخلّقةٍ لنبيّن لكم ونقرّ في الأرحام ما نشاء إلى أجلٍ مسمًّى ثمّ نخرجكم طفلًا ثمّ لتبلغوا أشدّكم ومنكم من يتوفّى ومنكم من يردّ إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علمٍ شيئًا وترى الأرض هامدةً فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزّت وربت وأنبتت من كلّ زوجٍ بهيجٍ (5) ذلك بأنّ اللّه هو الحقّ وأنّه يحيي الموتى وأنّه على كلّ شيءٍ قديرٌ (6) وأنّ السّاعة آتيةٌ لا ريب فيها وأنّ اللّه يبعث من في القبور (7)}
لمّا ذكر تعالى المخالف للبعث، المنكر للمعاد، ذكر تعالى الدّليل على قدرته تعالى على المعاد، بما يشاهد من بدئه للخلق، فقال: {يا أيّها النّاس إن كنتم في ريبٍ} أي: في شكٍّ {من البعث} وهو المعاد وقيام الأرواح والأجساد يوم القيامة {فإنّا خلقناكم من ترابٍ} أي: أصل برئه لكم من ترابٍ، وهو الّذي خلق منه آدم، عليه السّلام {ثمّ من نطفةٍ} أي: ثمّ جعل نسله من سلالةٍ من ماءٍ مهينٍ، {ثمّ من علقةٍ ثمّ من مضغةٍ} ذلك أنّه إذا استقرّت النّطفة في رحم المرأة، مكثت أربعين يومًا كذلك، يضاف إليه ما يجتمع إليها، ثمّ تنقلب علقةً حمراء بإذن اللّه، فتمكث كذلك أربعين يومًا، ثمّ تستحيل فتصير مضغةً -قطعةً من لحمٍ لا شكل فيها ولا تخطيط-ثمّ يشرع في التّشكيل والتّخطيط، فيصوّر منها رأسٌ ويدان، وصدرٌ وبطنٌ، وفخذان ورجلان، وسائر الأعضاء. فتارةً تسقطها المرأة قبل التّشكيل والتّخطيط، وتارةً تلقيها وقد صارت ذات شكلٍ وتخطيطٍ؛ ولهذا قال تعالى: {ثمّ من علقةٍ ثمّ من مضغةٍ مخلّقةٍ وغير مخلّقةٍ} أي: كما تشاهدونها، {لنبيّن لكم ونقرّ في الأرحام ما نشاء إلى أجلٍ مسمًّى} أي: وتارةً تستقرّ في الرّحم لا تلقيها المرأة ولا تسقطها، كما قال مجاهدٌ في قوله تعالى: {مخلّقةٍ وغير مخلّقةٍ} قال: هو السّقط مخلوقٌ وغير مخلوقٍ. فإذا مضى عليها أربعون يومًا، وهي مضغةٌ، أرسل اللّه تعالى إليها ملكًا فنفخ فيها الرّوح، وسوّاها كما يشاء اللّه عزّ وجلّ، من حسنٍ وقبيحٍ، وذكرٍ وأنثى، وكتب رزقها وأجلها، وشقّيٌ أو سعيدٌ، كما ثبت في الصّحيحين، من حديث الأعمش، عن زيد بن وهبٍ، عن ابن مسعودٍ قال: حدّثنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم -وهو الصّادق المصدوق-:"إنّ خلق أحدكم يجمع في بطن أمّه أربعين ليلةً، ثمّ يكون علقةً مثل ذلك، ثمّ يكون مضغة مثل ذلك، ثمّ يبعث اللّه إليه الملك فيؤمر بأربع كلمّاتٍ: بكتب عمله وأجله ورزقه، وشقّيٌ أو سعيدٌ، ثمّ ينفخ فيه الرّوح".
وروى ابن جريرٍ، وابن أبي حاتمٍ من حديث داود بن أبي هندٍ، عن الشّعبيّ، عن علقمة، عن عبد اللّه قال: النّطفة إذا استقرّت في الرّحم، أخذها ملكٌ بكفّه قال: يا ربّ، مخلقة أو غير مخلّقةٍ؟ فإن قيل: "غير مخلّقةٍ" لم تكن نسمةٌ، وقذفتها الأرحام دمًا. وإن قيل: "مخلّقةٌ"، قال: أي ربّ، ذكرٌ أو أنثى؟ شقيٌّ أو سعيدٌ؟ ما الأجل؟ وما الأثر؟ وبأيّ أرضٍ يموت ؟ قال: فيقال للنّطفة: من ربّك؟ فتقول: اللّه. فيقال: من رازقك؟ فتقول: اللّه. فيقال له: اذهب إلى الكتاب، فإنّك ستجد فيه قصّة هذه النّطفة. قال: فتخلق فتعيش في أجلها، وتأكل رزقها، وتطأ أثرها، حتّى إذا جاء أجلها ماتت، فدفنت في ذلك المكان، ثمّ تلا عامرٌ الشّعبيّ: {يا أيّها النّاس إن كنتم في ريبٍ من البعث فإنّا خلقناكم من ترابٍ ثمّ من نطفةٍ ثمّ من علقةٍ ثمّ من مضغةٍ مخلّقةٍ وغير مخلّقةٍ} فإذا بلغت مضغةً نكّست في الخلق الرّابع فكانت نسمةً، فإن كانت غير مخلّقةٍ قذفتها الأرحام دمًا، وإن كانت مخلّقةً نكّست في الخلق.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن يزيد المقرئ، حدّثنا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، عن أبي الطّفيل، عن حذيفة بن أسيدٍ -يبلغ به النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم-قال: "يدخل الملك على النّطفة بعد ما تستقرّ في الرّحم بأربعين أو خمسٍ وأربعين، فيقول: أي ربّ، أشقيٌّ أم سعيدٌ؟ فيقول اللّه، ويكتبان، فيقول: أذكرٌ أم أنثى؟ فيقول اللّه ويكتبان، ويكتب عمله وأثره ورزقه وأجله، ثمّ تطوى الصّحف، فلا يزاد على ما فيها ولا ينتقص.
ورواه مسلمٌ من حديث سفيان بن عيينة، ومن طرقٍ أخر، عن أبي الطّفيل، بنحو معناه.
وقوله: {ثمّ نخرجكم طفلا} أي: ضعيفًا في بدنه، وسمعه وبصره وحواسّه، وبطشه وعقله. ثمّ يعطيه اللّه القوّة شيئًا فشيئًا، ويلطف به، ويحنن عليه والدّية في آناء اللّيل وأطراف النّهار؛ ولهذا قال: {ثمّ لتبلغوا أشدّكم} أي: يتكامل القوى ويتزايد، ويصل إلى عنفوان الشّباب وحسن المنظر.
{ومنكم من يتوفّى}، أي: في حال شبابه وقواه، {ومنكم من يردّ إلى أرذل العمر}، وهو الشّيخوخة والهرم وضعف القوّة والعقل والفهم، وتناقص الأحوال من الخرف وضعف الفكر؛ ولهذا قال: {لكيلا يعلم من بعد علمٍ شيئًا}، كما قال تعالى: {اللّه الّذي خلقكم من ضعفٍ ثمّ جعل من بعد ضعفٍ قوّةً ثمّ جعل من بعد قوّةٍ ضعفًا وشيبةً يخلق ما يشاء وهو العليم القدير} [الرّوم: 54].
وقد قال الحافظ أبو يعلى [أحمد] بن عليّ بن المثنّى الموصليّ في مسنده: حدّثنا منصور بن أبي مزاحمٍ، حدّثنا خالدٌ الزّيّات، حدّثني داود أبو سليمان، عن عبد اللّه بن عبد الرّحمن بن معمر ابن حزمٍ الأنصاريّ، عن أنس بن مالكٍ -رفع الحديث-قال: "المولود حتّى يبلغ الحنث، ما عمل من حسنةٍ، كتبت لوالده أو لوالدته وما عمل من سيّئةٍ لم تكتب عليه ولا على والديه، فإذا بلغ الحنث جرّى اللّه عليه القلم أمر الملكان اللّذان معه أن يحفظا وأن يشدّدا، فإذا بلغ أربعين سنة في الإسلام أمّنه اللّه من البلايا الثّلاث: الجنون، والجذام، والبرص. فإذا بلغ الخمسين، خفّف اللّه حسابه. فإذا بلغ ستّين رزقه اللّه الإنابة إليه بما يحبّ، فإذا بلغ السّبعين أحبّه أهل السّماء، فإذا بلّغ الثّمانين كتب اللّه حسناته وتجاوز عن سيئاته، فإذا بلغ التسعين غفر اللّه له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، وشفّعه في أهل بيته، وكان أسير اللّه في أرضه، فإذا بلغ أرذل العمر {لكيلا يعلم من بعد علمٍ شيئًا} كتب اللّه له مثل ما كان يعمل في صحّته من الخير، فإذا عمل سيّئةً لم تكتب عليه".
هذا حديثٌ غريبٌ جدًّا، وفيه نكارةٌ شديدةٌ. ومع هذا قد رواه الإمام أحمد بن حنبلٍ في مسنده مرفوعًا وموقوفًا فقال:
حدّثنا أبو النّضر، حدّثنا الفرج، حدّثنا محمّد بن عامرٍ، عن محمّد بن عبد اللّه العامريّ، عن عمرو بن جعفرٍ، عن أنسٍ قال: إذا بلغ الرّجل المسلم أربعين سنةً، أمّنه اللّه من أنواع البلايا، من الجنون والجذام والبرص، فإذا بلغ الخمسين ليّن اللّه حسابه، وإذا بلغ السّتّين رزقه اللّه إنابةً يحبّه عليها، وإذا بلغ السّبعين أحبّه اللّه، وأحبّه أهل السّماء، وإذا بلغ الثّمانين تقبّل اللّه حسناته، ومحا عنه سيّئاته، وإذا بلغ التّسعين غفر اللّه له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، وسمي أسير اللّه في الأرض، وشفّع في أهله.
ثمّ قال: حدّثنا هاشمٌ، حدّثنا الفرج، حدّثني محمّد بن عبد اللّه العامريّ، عن محمّد بن عبد اللّه بن عمرو بن عثمان، عن عبد الله بن عمر بن الخطاب، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، مثله.
ورواه الإمام أحمد أيضًا: حدّثنا أنس بن عياضٍ، حدّثني يوسف بن أبي ذرّة الأنصاريّ، عن جعفر بن عمرو بن أميّة الضّمري، عن أنس بن مالكٍ؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "ما من معمّرٍ يعمّر في الإسلام أربعين سنةً، إلّا صرف اللّه عنه ثلاثة أنواعٍ من البلاء: الجنون والجذام والبرص.. = وذكر تمام الحديث، كما تقدّم سواءً.
ورواه الحافظ أبو بكرٍ البزّار، عن عبد اللّه بن شبيبٍ، عن أبي شيبة، عن عبد اللّه بن عبد الملك، عن أبي قتادة العذري، عن ابن أخي الزّهريّ، عن عمّه، عن أنس بن مالكٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ما من عبدٍ يعمّر في الإسلام أربعين سنةً، إلّا صرف اللّه عنه أنواعًا من البلاء: الجنون والجذام والبرص، فإذا بلغ خمسين سنةً ليّن اللّه له الحساب، فإذا بلغ ستّين سنةً رزقه اللّه الإنابة إليه بما يحبّ، فإذا بلغ سبعين غفر اللّه له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، وسمي أسير اللّه، وأحبّه أهل السّماء، فإذا بلغ الثّمانين تقبّل اللّه منه حسناته وتجاوز عن سيّئاته، فإذا بلغ التّسعين غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، وسمي أسير اللّه في أرضه، وشفّع في أهل بيته".
وقوله: {وترى الأرض هامدةً}: هذا دليلٌ آخر على قدرته تعالى على إحياء الموتى، كما يحيي الأرض الميتة الهامدة، وهي القحلة الّتي لا نبت فيها ولا شيء.
وقال قتادة: غبراء متهشّمةٌ. وقال السّدّيّ: ميتةٌ.
{فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزّت وربت وأنبتت من كلّ زوجٍ بهيجٍ} أي: فإذا أنزل اللّه عليها المطر {اهتزّت} أي: تحرّكت وحييت بعد موتها، {وربت} أي: ارتفعت لـمّا سكن فيها الثّرى، ثمّ أنبتت ما فيها من الألوان والفنون، من ثمارٍ وزروعٍ، وأشتات النّباتات في اختلاف ألوانها وطعومها، وروائحها وأشكالها ومنافعها؛ ولهذا قال تعالى: {وأنبتت من كلّ زوجٍ بهيجٍ} أي: حسن المنظر طيّب الرّيح). [تفسير ابن كثير: 5/ 395-398]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ذلك بأنّ اللّه هو الحقّ} أي: الخالق المدبّر الفعّال لما يشاء، {وأنّه يحيي الموتى} [أي: كما أحيا الأرض الميتة وأنبت منها هذه الأنواع؛ {إنّ الّذي أحياها لمحيي الموتى}]، {إنّه على كلّ شيءٍ قديرٌ} [فصّلت: 39] فـ {إنّما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون} [يس: 82]). [تفسير ابن كثير: 5/ 398]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (7) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وأنّ السّاعة آتيةٌ لا ريب فيها} أي: كائنةٌ لا شكّ فيها ولا مرية، {وأنّ اللّه يبعث من في القبور} أي: يعيدهم بعد ما صاروا في قبورهم رممًا، ويوجدهم بعد العدم، كما قال تعالى: {وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميمٌ. قل يحييها الّذي أنشأها أوّل مرّةٍ وهو بكلّ خلقٍ عليمٌ. الّذي جعل لكم من الشّجر الأخضر نارًا فإذا أنتم منه توقدون} [يس: 78 -80] والآيات في هذا كثيرةٌ.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا بهز، حدّثنا حمّاد بن سلمة قال: أنبأنا يعلى عن عطاءٍ، عن وكيع بن حدس، عن عمّه أبي رزين العقيليّ -واسمه لقيط بن عامرٍ -أنّه قال: يا رسول اللّه، أكلّنا يرى ربّه عزّ وجلّ يوم القيامة؟ وما آية ذلك في خلقه؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أليس كلّكم ينظر إلى القمر مخليا به؟ " قلنا: بلى. قال: "فاللّه أعظم". قال: قلت: يا رسول اللّه، كيف يحيي اللّه الموتى، وما آية ذلك في خلقه؟ قال: "أما مررت بوادي أهلك محلًا " قال: بلى. قال: "ثمّ مررت به يهتزّ خضرًا؟ ". قال: بلى. قال: "فكذلك يحيي اللّه الموتى، وذلك آيته في خلقه".
ورواه أبو داود وابن ماجه، من حديث حمّاد بن سلمة، به.
ثمّ رواه الإمام أحمد أيضًا: حدّثنا عليّ بن إسحاق، أنبأنا ابن المبارك، أنبأنا عبد الرّحمن بن يزيد بن جابرٍ، عن سليمان بن موسى، عن أبي رزين العقيلي قال: أتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم فقلت: يا رسول اللّه، كيف يحيي اللّه الموتى؟ قال: "أمررت بأرضٍ من أرضك مجدبةً، ثم مررت بها مخصبةً؟ " قال: نعم. قال: "كذلك النّشور".
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا عبيس بن مرحومٍ، حدّثنا بكير بن أبي السّميط، عن قتادة، عن أبي الحجّاج، عن معاذ بن جبلٍ قال: من علم أنّ اللّه هو الحقّ المبين، وأنّ السّاعة آتيةٌ لا ريب فيها، وأنّ اللّه يبعث من في القبور -دخل الجنّة. [واللّه أعلم]).[تفسير ابن كثير: 5/ 398-399]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:56 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة