العودة   جمهرة العلوم > جمهرة علوم الاعتقاد > قواعد الأسماء والصفات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #2  
قديم 25 محرم 1439هـ/15-10-2017م, 09:15 PM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي

أسماء الله أعلام دالة على معان هي بها أوصاف

قال ابن القيم محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي (ت:751هـ) كما في المرتبع الأسنى: (
[الثامنُ]: ([أنَّ] أسماءَ الربِّ تعالى... أعلامٌ دالَّةٌ على مَعَانٍ هيَ بها أوصافٌ فلا تُضادُّ فيها العَلَمِيَّةُ الوَصْفَ، بخِلافِ غيرِها مِنْ أسماءِ المخلوقينَ؛ فهوَ: اللهُ الخالقُ البارئُ الْمُصَوِّرُ، القَهَّارُ. فهذه أسماءٌ لهُ دَالَّةٌ على مَعَانٍ هيَ صفاتُهُ ([17])...
و[مِمَّا يُبَيِّنُ ذلكَ أنَّ]... أسماءَ الربِّ تعالى كلَّها أسماءُ مَدْحٍ، فلوْ كانتْ أَلْفَاظاً مُجَرَّدةً، لا معانيَ لها لَمْ تَدُلَّ على الْمَدْحِ، وقدْ وَصَفَها اللهُ سُبحانَهُ بأنَّها حُسْنَى كلَّها فقالَ: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)} [الأعراف: 180] فهيَ لم تكنْ حُسْنَى لِمُجَرَّدِ اللَّفظِ, بلْ لدَلالتِها على أوصافِ الكمالِ، ولهذا لَمَّا سَمِعَ بعضُ العربِ قَارِئاً يَقرأُ [المائدة: 38]:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ} -واللهُ غفورٌ رحيمٌ - قالَ: ليسَ هذا كلامَ اللهِ تعالى، فقالَ القارئُ: أَتُكَذِّبُ بِكَلامِ اللهِ تعالى؟ فقالَ: لا، ولكنْ ليسَ هذا بكلامِ اللهِ، فعادَ إلى حِفْظِهِ وقَرَأَ: {وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} فقالَ الأعرابيُّ: صَدَقْتَ، عَزَّ فَحَكَمَ فَقَطَعَ، وَلَوْ غَفَرَ وَرَحِمَ لَمَا قَطَعَ.
ولهذا إذا خُتِمَتْ آيَةُ الرحمةِ باسمِ عذابٍ أوْ بالعكسِ، ظَهَرَ تَنَافُرُ الكلامِ وعَدَمُ انتظامِهِ. وفي السُّنَنِ مِنْ حديثِ أُبَيِّ بنِ كعبٍ حديثُ:((قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ)) ثُمَّ قالَ:((لَيْسَ مِنْهَا إِلاَّ شَافٍ كَافٍ إِنْ قُلْتَ سَمِيعاً عَلِيماً عَزِيزاً حَكِيماً مَا لَمْ تَخْتِمْ آيَةَ عَذَابٍ بِرَحْمَةٍ، أَوْ آيَةَ رَحْمَةٍ بِعَذَابٍ))([18]). ولوْ كانت هذهِ الأسماءُ أَعلاماً مَحْضَةً لا مَعْنَى لها لم يكنْ فَرْقٌ بينَ خَتْمِ الآيَةِ بهذا أوْ بهذا.
(([و] لوْ كانت ألفاظاً لا مَعانِيَ فيها لم تكنْ حُسْنَى، ولا كانتْ دَالَّةً على مَدْحٍ ولا كمالٍ. ولَسَاغَ وُقوعُ أسماءِ الانتقامِ والغضَبِ في مَقامِ الرحمةِ والإحسانِ، وبالعكسِ. فيقالُ: اللَّهمَّ إني
ظَلمتُ نفسِي، فاغْفِرْ لي إنكَ أنتَ المنتقِمُ، واللَّهمَّ أَعْطِنِي، فإنكَ أنتَ الضارُّ المانعُ، ونحوَ ذلكَ)) ([19])
- وأيضاً فإنَّهُ سبحانَهُ يُعَلِّلُ أحكامَهُ وأفعالَهُ بأسمائِهِ، ولوْ لم يكنْ لها معنًى لَمَا كانَ التعليلُ صحيحاً كقولِهِ: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10)} [نوح: 10]) ([20]).
(وفي هذا أَظهرُ الدَّلالةِ على أنَّ أسماءَ الربِّ تعالى مُشْتَقَّةٌ مِنْ أوصافٍ وَمَعَانٍ قامَتْ بهِ، وأنَّ كلَّ اسمٍ يُناسِبُ ما ذُكِرَ مَعَهُ، واقْتَرَنَ بِهِ، مِنْ فِعْلِهِ وَأَمْرِهِ). ([21])
- (وأيضاً فإنَّهُ سُبحانَهُ يُسْتَدَلُّ بأسمائِهِ على توحيدِهِ ونَفْيِ الشريكِ عنهُ - ولوْ كانتْ أسماءً لا مَعْنَى لها لم تَدُلَّ على ذلكَ - كقولِ هارونَ لِعَبَدَةِ العِجْلِ: {يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ}[طه: 90] وقولِهِ سُبحانَهُ في القِصَّةِ: {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا (98)} [طه: 98] وقولـِهِ تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163)}[البقرة: 163] وقولـِهِ سُبحانَهُ في آخِرِ سُورةِ الحشْرِ: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23)} [الحشر: 22-23] فسَبَّحَ نفسَهُ عنْ شِرْكِ المشركينَ بهِ عَقِبَ تَمَدُّحِهِ بأسمائِهِ الْحُسْنَى الْمُقْتَضِيَةِ لتوحيدِهِ واستحالةِ إثباتِ شريكٍ لهُ.
ومَنْ تَدَبَّرَ هذا المعنى في القرآنِ هَبَطَ بهِ على رِياضٍ مِن العلْمِ حَمَاهَا اللهُ عنْ كلِّ أَفَّاكٍ مُعْرِضٍ عنْ كتابِ اللهِ واقتباسِ الْهُدَى منهُ. ولوْ لم يكنْ في كتابِنا هذا إلاَّ هذا الفضْلُ وحدَهُ لكَفَى مَنْ لهُ ذَوقٌ ومَعرفةٌ، واللهُ الموَفِّقُ للصوابِ) ([22]).
- (وأيضاً: لوْ لم تكنْ أسماؤُهُ مُشتمِلَةً على مَعَانٍ وصِفَاتٍ لم يَسُغْ أن يُخْبَرَ عنهُ بأفعالِها. فلا يقالُ: يَسْمَعُ ويَرَى، ويَعْلَمُ ويُقَدِّرُ ويُريدُ. فإنَّ ثُبوتَ أحكامِ الصِّفَاتِ فرْعُ ثبوتِها. فإذا انْتَفَى أَصْلُ الصفةِ استحالَ ثُبوتُ حُكْمِها.
- وأيضاً فلوْ لم تكنْ أسماؤُهُ ذواتِ معانٍ وأوصافٍ لكانتْ جامدةً كالأعلامِ الْمَحضةِ التي لم تُوضَعْ لِمُسَمَّاهَا باعتبارِ معنًى قامَ بهِ. فكانتْ كلُّها سواءً، ولم يكنْ فرْقٌ بينَ مدلولاتِها. وهذا مكابَرَةٌ صريحةٌ، وبُهْتٌ بَيِّنٌ. فإنَّ مَنْ جَعَلَ معنى اسمِ ((القديرِ)) هوَ معنى اسمِ ((السميعِ، البصيرِ)) ومعنى اسمِ ((التوَّابِ)) هوَ مـــعنَى اسـمِ ((المنتقِمِ)) ومـعـنى اسمِ ((المعـطِي)) هوَ معـنى اسمِ ((المانـعِ)) فقدْ كابَرَ العقلَ واللغةَ والفطرةَ) ([23]).
- (وأيضاً فإنَّ اللهَ سُبحانَهُ يُعَلِّقُ بأسمائِهِ المعمولاتِ مِن الظروفِ والجارِّ والمجرورِ وغيرِهما, ولوْ كانتْ أعلاماً مَحْضَةً لم يَصِحَّ فيها ذلكَ كقولِهِ: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35)}[النور: 35]{وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47)}[التوبة: 47]، {فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (63)} [آل عمران: 63]،{وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43)} [الأحزاب: 43]، {إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117)} [التوبة: 117]، {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284)} [البقرة: 284]، {وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19)}[البقرة: 19]، {وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا (39)} [النساء: 39]، {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا (45)}[الكهف: 45]، {إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (111)}[هود: 111]، {وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)}[الحجرات: 18]، {إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27)} [الشورى: 27] ونظائرُهُ كثيرةٌ.
- وأيضاً فإنَّهُ سبحانَهُ يَجعلُ أسماءَهُ دَليلاً على ما يُنكرُهُ الجاحدونَ مِنْ صفاتِ كمالِهِ كقولِهِ تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)} [الملك: 14]). ([24])
[والمقصودُ] أنَّ أسماءَهُ الْحُسْنَى... أعلامٌ وأوصافٌ والوصفُ بها لا يُنافِي العَلَمِيَّةَ بخلافِ أوصافِ العِبادِ فإنَّها تُنافِي عَلَمِيَّتَهم؛ لأنَّ أوصافَهم مُشترِكَةٌ فنافَتْها العَلَميَّةُ المُخْتَصَّةُ بخلافِ أوصافِهِ تعالى). [المرتبع الأسنى: ؟؟]

(17) وقال -رَحِمَهُ اللهُ تَعالَى- في القصيدةِ النُّونِيَّةِ (210- 211):
وَالْوَصْفُ مَعْنًى قَائِمٌ بِالذَّاتِ وَالْـ = أَسْمَاءُ أَعْلامٌ لَهُ بِوِزَانِ
أَسْمَاؤُهُ دَلَّتْ عَلَى أَوْصَافِهِ = مُشْتَقَّةٌ مِنْهَا اشْتِقَاقَ مَعَانِ
وصِفَاتُهُ دَلَّتْ عَلَى أَسْمَائِهِ = والفِعْلُ مُرْتَبِطٌ بِهِ الأَمْرَانِ
وَالْحُكْمُ نِسْبَتُهَا إِلَى مُتَعَلِّقَا= تٍ تَقْتَضِي آثَارَهَا بِبَيَانِ
وَلَرُبَّمَا يَعْنِي بِهِ الإِخْبَارَ عَنْ = آثارِهَا يُعْنَى بِهِ أَمْرَانِ
والفِعْلُ إِعطاءُ الإِرادَةِ حُكْمَهَا = مَعَ قُدْرَةِ الأَفْعَالِ وَالإِمْكَانِ
فإذا انتَفَتْ أَوْصَافُهُ سُبْحَانَهُ = فَجَمِيعُ هَذَا بَيِّنُ البُطْلانِ)
([18]) رَوَاهُ الإمامُ أَحْمَدُ (20646)، ومسلمٌ في صلاةِ المسافرينَ / بابُ بيانِ أنَّ القرآنَ على سَبْعةِ أحرفٍ (1903)، والنَّسَائِيُّ في كتابِ الصلاةِ / بابُ جامعِ ما جاءَ في القرآنِ (938،939،940) بدون هذه الزيادةِ، وهي عند أبي داودَ في سُننِه في كتابِ الصلاةِ / بابُ: أُنْزِلَ القرآنُ على سَبْعَةِ أحرفٍ (1478).
([19]) مَدارِجُ السَّالكِينَ (1/ 52).
([20]) جلاءُ الأَفْهَامِ (88).
([21]) مَدارِجُ السَّالكِينَ (1/ 60).
([22]) جلاءُ الأَفْهَامِ (90).
([23]) مَدارِجُ السَّالكِينَ (1/ 53).
([24]) جلاءُ الأَفْهَامِ (90-91).

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 25 محرم 1439هـ/15-10-2017م, 09:17 PM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي

أفعال الله صادرة عن كماله وأسماؤه الحسنى تقتضي آثارها وتستلزمها

قال ابن القيم محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي (ت:751هـ) كما في المرتبع الأسنى: (
[الثالثَ عشرَ]: (أنَّ الربَّ سُبحانَهُ وتعالى لهُ الأسماءُ الْحُسْنَى، وأسماؤُهُ مُتضمِّنَةٌ لصفاتِ كمالِهِ، وأفعالُهُ ناشئةٌ عنْ صِفاتِهِ، فإنَّهُ سُبحانَهُ لم يَسْتَفِدْ كمالاً بأفعالِهِ، بلْ لهُ الكمالُ التامُّ المطلَقُ، وفِعَالُهُ عنْ كَمَالِهِ، والمخلوقُ كَمَالُهُ عَنْ فِعَالِهِ؛ فإنَّهُ فَعَلَ فَكَمُلَ بِفِعْلِهِ، وأسماؤُهُ الْحُسنى تَقتضِي آثارَها، وتَستلزِمُها استلزامَ المقتضِي الموجِبِ لموجَبِهِ ومُقتضاهُ، فلا بُدَّ مِنْ ظهورِ آثارِها في الوُجودِ، فإنَّ مِنْ أسمائِهِ الخلاَّقَ المقتضِيَ لوُجودِ الخلْقِ، ومِنْ أسمائِهِ الرزَّاقَ المقتضِيَ لوُجودِ الرزْقِ والمرزوقِ، وكذلكَ الغَفَّارُ والتوَّابُ والحكيمُ والعَفُوُّ، وكذلكَ الرحمنُ الرحيمُ، وكذلكَ الحَكَمُ العَدْلُ إلى سائرِ الأسماءِ، ومنها الحكيمُ المستلزِمُ لظهورِ حِكْمَتِهِ في الوُجودِ، والوجودُ مُتَضَمِّنٌ لخلْقِهِ وأَمْرِهِ، {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)}[الأعراف: 54]. فَخَلْقُهُ وأَمْرُهُ صَدَرَا عنْ حِكمتِهِ وعِلْمِهِ، وحِكمتُهُ وعِلْمُهُ اقْتَضَيَا ظُهورَ خَلْقِهِ وأَمْرِهِ، فمَصدَرُ الخلْقِ والأمْرِ عنْ هذينِ المتضَمِّنَيْنِ لهاتينِ الصفتينِ؛ ولهذا يَقْرِنُ سبحانَهُ بينَهما عندَ ذِكْرِ إنـزالِ كتابِهِ، وعندَ ذِكْرِ مُلْكِهِ ورُبوبيَّتِهِ؛ إذ هما مَصْدَرُ الخلْقِ والأمْرِ، ولَمَّا كانَ سُبحانَهُ كاملاً في جميعِ أوصافِهِ، ومِنْ أجَلِّها حِكمتُهُ كانتْ عامَّةَ التعلُّقِ بكلِّ مقدورٍ، كما أنَّ عِلْمَهُ عامُّ التَّعَلُّقِ بكلِّ معلومٍ، ومَشيئتَهُ عامَّةُ التعَلُّقِ بكلِّ موجودٍ، وسَمْعَهُ وبَصرَهُ عامُّ التعلُّقِ بكلِّ مسموعٍ ومَرْئِيٍّ، فهذا مِنْ لوازمِ صِفاتِهِ فلا بُدَّ أنْ تكونَ حِكمتُهُ عامَّةَ التَّعَلُّقِ بكلِّ ما خَلَقَهُ وقَدَّرَهُ وأَمَرَ بهِ ونَهَى عنهُ، وهذا أَمْرٌ ذاتِيٌّ للصفةِ يَمْتَنِعُ تَخَلُّفُهُ وانفكاكُهُ عنها، كما يَمتنِعُ تَخَلُّفُ الصفةِ نفسِها وانفكاكُها عنه) ([39]).
([والمقصودُ] أنَّ أفعالَ الربِّ تبارَكَ وتعالى صادرةٌ عنْ أسمائِهِ وصفاتِهِ، وأسماءَ المخلوقينَ صادرةٌ عنْ أفعالِهم.
فالربُّ تَبَارَكَ وتعالى فِعالُهُ عنْ كمالِهِ، والمخلوقُ كمالُهُ عنْ فِعالِهِ، فاشتُقَّتْ لهُ الأسماءُ بعدَ أنْ كَمُلَ بالفعْلِ. فالربُّ لم يَزَلْ كامِلاً فحَصَلَتْ أَفعالُهُ عنْ كمالِهِ؛ لأنَّهُ كاملٌ بذاتِهِ وصفاتِهِ، فأفعالُهُ صادرةٌ عنْ كمالِهِ، كَمُلَ فَفَعَلَ، والمخلوقُ فَعَلَ فَكَمُلَ الكمالَ اللائقَ به)([40]) ). [المرتبع الأسنى: ؟؟]

([39]) الصَّواعِقُ المُرْسَلَةُ (1563-1565).
([40]) بَدائِعُ الفَوائِدِ (1/ 162-163).

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 25 محرم 1439هـ/15-10-2017م, 09:18 PM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي

ظهور آثار صفات الله وأفعاله في خلقه

قال ابن القيم محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي (ت:751هـ) كما في المرتبع الأسنى: (
[الرابعَ عشرَ]: (أنَّ الربَّ سُبحانَهُ كاملٌ في أوصافِهِ وأسمائِهِ وأفعالِهِ فلا بُدَّ مِنْ ظهورِ آثارِها في العالمِ، فإنَّهُ محسنٌ، ويَستحيلُ وُجودُ الإحسانِ بدونِ مَنْ يُحْسِنُ إليهِ، ورَزَّاقٌ فلا بُدَّ مِنْ وُجودِ مَنْ يَرْزُقُهُ، وغَفَّارٌ، وحليمٌ، وجَوَادٌ، ولطيفٌ بعِبادِهِ، ومَنَّانٌ، ووَهَّابٌ، وقابضٌ، وباسطٌ، وخافضٌ، ورافعٌ، ومُعِزٌّ، ومُذِلٌّ، وهذه الأسماءُ تَقتضِي مُتَعَلِّقَاتٍ تَتَعَلَّقُ بها وآثاراً تَتَحَقَّقُ بها. فلم يكنْ بُدٌّ مِنْ وُجودِ مُتَعَلِّقَاتِها وإلاَّ تَعطَّلتْ تلكَ الأوصافُ وبَطَلَتْ تلكَ الأسماءُ، فتَوسُّطُ تلكَ الآثارِ لا بُدَّ منهُ في تَحَقُّقِ معاني تلكَ الأسماءِ والصفاتِ)([41]) .
([فإ]نه سُبحانَهُ أَبْرَزَ خَلْقَهُ مِن العَدَمِ إلى الوُجودِ ليُجْرِيَ عليهِ أحكامَ أسمائِهِ وصفاتِهِ، فيُظْهِرَ كمالَهُ الْمُقَدَّسَ، وإن كانَ لم يَزَلْ كاملاً، فمِنْ كمالِهِ ظُهورُ آثارِ كمالِهِ في خَلْقِهِ وأَمْرِهِ، وقضائِهِ وقَدَرِهِ، ووَعدِهِ ووَعيدِهِ، ومَنْعِهِ وإعطائِهِ، وإكرامِهِ وإهانتِهِ، وعَدْلِهِ وفضْلِهِ، وعَفْوِهِ وإنعامِهِ، وسَعَةِ حِلْمِهِ، وشِدَّةِ بَطْشِه)([42]) (فإنَّ لكلِّ صفةٍ مِن الصِّفَاتِ العُلْيَا حُكماً ومُقتضياتٍ وأَثَراً هوَ مَظْهَرُ كمالِها وإن كانت كاملةً في نفسِها، لكنَّ ظهورَ آثارِها وأحكامِها مِنْ كمالِها فلا يَجوزُ تَعطيلُهُ.
فإنَّ صِفةَ القادِرِ تَستدعِي مَقدوراً، وصِفَةَ الخالقِ تَستدعِي مَخلوقاً وصِفةَ الوَهَّابِ الرازقِ المعطِي المانعِ الضارِّ النافعِ المقدِّمِ المؤخِّرِ المعِزِّ المذِلِّ العفُوِّ الرؤوفِ تَستدعِي آثارَها وأحكامَها)([43]).
(وقد اقْتَضَى كمالُهُ المقدَّسُ سُبحانَهُ أنَّهُ كلَّ يومٍ هوَ في شأنٍ. فمِنْ جُملةِ شُؤونِهِ أن يَغْفِرَ ذَنْباً، ويُفَرِّجَ كَرْباً، ويَشْفِيَ مَرِيضاً، ويَفُكَّ عانِياً، ويَنْصُرَ مَظلوماً، ويُغيثَ مَلهوفاً، ويَجْبُرَ كسيراً، ويُغْنِيَ فَقيراً، ويُجيبَ دَعوةً، ويُقيلَ عَثرةً، ويُعِزَّ ذَليلاً، ويُذِلَّ مُتَكَبِّراً، ويَقْصِمَ جَبَّاراً، ويُميتَ ويُحْيِيَ، ويُضْحِكَ ويُبْكِيَ، ويَخْفِضَ ويَرفعَ، ويُعْطِيَ ويَمْنَعَ، ويُرْسِلَ رُسُلَهُ مِن الملائكةِ ومِن البَشَرِ في تَنفيذِ أوامِرِهِ، وسَوْقِ مَقاديرِهِ التي قَدَّرَها إلى مَواقيتِها التي وَقَّتَها لها. وهذا كلُّهُ لم يكنْ ليَحْصُلَ في دارِ البقاءِ، وإِنَّمَا اقْتَضَتْ حِكمتُهُ البالغةُ حصولَهُ في دارِ الامتحانِ والابتلاءِ) ([44]) ). [المرتبع الأسنى: ؟؟]

([41]) شِفَاءُ العَلِيلِ (2/ 143).
([42]) شِفَاءُ العَلِيلِ (2/ 198).
([43]) شِفَاءُ العَلِيلِ (2/ 150).
([44]) شِفَاءُ العَلِيلِ (2/ 198).

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 25 محرم 1439هـ/15-10-2017م, 09:19 PM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي

بيان دلالة أسماء الله وصفاته على خلق أفعال العباد وأن الطاعات والمعاصي كلها بتقدير الله تعالى

قال ابن القيم محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي (ت:751هـ) كما في المرتبع الأسنى
: (البابُ السابعُ والعشرونَ:
في بيانِ دَلالةِ أسماءِ اللهِ الحُسنَى

وصفاتِهِ العُلَى علَى خَلْقِ أفعالِ العِبادِ، وأنَّ الطاعاتِ والمعاصيَ كلَّها بتقديرِ اللهِ تعالَى
([إذا شَاهَدْتَ] تَعلُّقَ الوُجودِ خَلْقاً وأمراً بالأسماءِ الْحُسْنَى، والصفاتِ العُلَى، وارتباطَهُ بها، وأنَّ... العالمَ - بما فيهِ - مِنْ بعضِ آثارِها ومُقْتَضَياتِها. - وهذا مِنْ أَجَلِّ المعارِفِ وأَشْرَفِها -، و[أنَّ] كلَّ اسمٍ مِنْ أسمائِهِ سُبحانَهُ لهُ صِفةٌ خاصَّةٌ، فإنَّ أسماءَهُ أوصافُ مَدْحٍ وكمالٍ. وكلُّ صِفةٍ لها مُقْتَضًى وفِعلٌ: إمَّا لازمٌ وإما مُتَعَدٍّ. ولذلكَ الفعْلِ تَعَلُّقٌ بمفعولٍ هوَ مِنْ لوازمِهِ. وهذا في خَلْقِهِ وأَمْرِهِ، وثوابِهِ وعِقابِهِ. كلُّ ذلكَ آثارُ الأسماءِ الْحُسنَى ومُوجَبَاتُها.
ومِن الْمُحَالِ تعطيلُ أسمائِهِ عنْ أَوصافِها ومَعانِيهَا، وتعطيلُ الأوصافِ عما تَقتضيهِ وتَستدعيهِ مِن الأفعالِ، وتعطيلُ الأفعالِ عن المفعولاتِ، كما أنَّهُ يَستحيلُ تَعطيلُ مفعولِهِ عنْ أفعالِهِ وأفعالِهِ عنْ صفاتِهِ، وصفاتِهِ عنْ أسمائِهِ، وتعطيلُ أسمائِهِ وأوصافِهِ عنْ ذاتِهِ.
وإذا كانت أوصافُهُ صفاتِ كمالٍ، وأفعالُهُ حِكَماً ومَصالحَ، وأسماؤُهُ حُسْنَى: ففَرْضُ تعطيلِها عنْ مُوجَبَاتِها مُستحيلٌ في حَقِّهِ. ولهذا يُنْكِرُ سُبحانَهُ علَى مَنْ عَطَّلَهُ عنْ أَمْرِهِ ونَهْيِهِ، وثوابِهِ وعِقابِهِ، وأنَّهُ بذلكَ نَسَبَهُ إلَى ما لا يَليقُ بهِ وإلَى ما يَتَنَـزَّهُ عنهُ، أنَّ ذلكَ حُكْمٌ سَيِّئٌ مِمَّنْ حَكَمَ بهِ عليهِ، وأنَّ مَنْ نَسَبَهُ إلَى ذلكَ فما قَدَرَهُ حَقَّ قَدْرِهِ، ولا عَظَّمَهُ حقَّ تَعظيمِهِ، كما قالَ تعالَى في حَقِّ مُنْكِرِي النُّبُوَّةِ وإرسالِ الرسُلِ وإنـزالِ الكُتُبِ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 91] وقالَ تعالَى في حقِّ مُنْكِرِي الْمَعَادِ والثوابِ والعقابِ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67] وقالَ في حقِّ مَنْ جَوَّزَ عليهِ التسويَةَ بينَ المختلِفَيْنِ، كالأبرارِ والفُجَّارِ، والمؤمنينَ والكُفَّارِ: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21)} [الجاثيَة: 21] فأخبَرَ أنَّ هذا حُكْمٌ سَيِّئٌ لا يَليقُ بهِ، تَأباهُ أسماؤُهُ وصِفاتُهُ، وقالَ سُبحانَهُ: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116)} [المؤمنون: 115-116] عنْ هذا الظنِّ والْحِسبانِ، الذي تَأباهُ أسماؤُهُ وصِفاتُهُ.
ونظائرُ هذا في القرآنِ كثيرةٌ، يَنْفِي فيها عنْ نفسِهِ خِلافَ مُوجَبِ أسمائِهِ وصِفاتِهِ؛ إذْ ذلكَ مُستلزِمٌ تعطيلَها عنْ كمالِها ومُقتضياتِها.
فاسمُهُ (( الحميدُ، المجيدُ )) يَمنعُ تَرْكَ الإنسانِ سُدًى مُهْمَلاً مُعَطَّلاً، لا يُؤْمَرُ ولا يُنْهَى. ولا يُثابُ ولا يُعاقَبُ. وكذلكَ اسمُهُ (( الحكيمُ )) يَأْبَى ذلكَ. وكذلكَ اسمُهُ (( الملِكُ )) واسمُهُ ((الحَيُّ)) يَمْنَعُ أن يكونَ مُعَطَّلاً مِن الفعْلِ. بلْ حقيقةُ (( الحياةِ )) الفعلُ. فكُلُّ حيٍّ فَعَّالٌ. وكونُهُ سُبحانَهُ (( خَالِقاً قَيُّوماً )) مِنْ مُوجَباتِ حياتِهِ ومُقتضياتِها. واسمُهُ (( السميعُ البصيرُ )) يُوجِبُ مَسْمُوعاً ومَرْئِيًّا. واسمُهُ (( الخالقُ )) يَقتضِي مَخلوقاً، وكذلكَ (( الرزَّاقُ )) واسمُهُ (( الملِكُ )) يَقتضِي مَملكةً وتَصَرُّفاً وتَدبيراً، وإعطاءً ومَنْعاً، وإحساناً وعَدْلاً، وثواباً وعقاباً. واسمُ (( البَرِّ الْمُحْسِنِ، المُعطي، المنَّانِ )) ونحوِها تَقتضِي آثارَها ومُوجَبَاتِها.
إذا عُرِفَ هذا، فمِنْ أسمائِهِ سُبحانَهُ: (( الغَفَّارُ، التوَّابُ، العَفُوُّ )) فلا بُدَّ لهذه الأسماءِ مِنْ مُتَعَلِّقَاتٍ. ولا بُدَّ مِنْ جِنايَةٍ تُغْفَرُ، وتوبةٍ تُقْبَلُ، وجرائمَ يُعْفَى عنها. ولا بُدَّ لاسمِهِ ((الحكيمِ)) مِنْ مُتَعَلِّقٍ يَظْهَرُ فيهِ حُكْمُهُ. إذ اقتضاءُ هذهِ الأسماءِ لآثارِها كاقتضاءِ اسمِ (( الخالقِ، الرازقِ، المعطي المانعِ )) للمخلوقِ والمرزوقِ والمعطَى والممنوعِ. وهذه الأسماءُ كلُّها حُسْنَى([1]).
((و[كذلك]: ظهورُ آثارِ أسمائِهِ القَهْرِيَّةِ، مثلَ (( القَهَّارِ، المنتقِمِ، والعَدْلِ، والضارِّ، وشديدِ العِقابِ، وسريعِ الحسابِ، وذي البَطْشِ الشديدِ، والخافضِ، والمذِلِّ )) فإنَّ هذهِ الأسماءَ والأفعالَ كمالٌ، فلا بُدَّ مِنْ وُجودِ مُتَعَلِّقِها. ولوْ كانَ الخلْقُ كلُّهم علَى طبيعةِ المَلَكِ لم يَظهَرْ أثَرُ هذهِ الأسماءِ والأفعالِ...
و[كذلك]: ظهورُ آثارِ أسماءِ الحِكمةِ والخِبرةِ، فإنَّهُ سُبحانَهُ (( الحكيمُ الخبيرُ )) الذي يَضَعُ الأشياءَ مَواضِعَها. ويُنـْزِلُها مَنازِلَها اللائقةَ بها؛ فلا يَضَعُ الشيءَ في غيرِ مَوْضِعِهِ، ولا يُنْـزِلُهُ غيرَ مَنـزِلَتِهِ التي يَقتضيها كمالُ عِلْمِهِ وحِكْمَتِهِ وخِبرتِهِ؛ فلا يَضَعُ الْحِرمانَ والْمَنْعَ مَوْضِعَ العطاءِ والفضْلِ، ولا الفضلَ والعطاءَ مَوْضِعَ الْحِرمانِ والْمَنْعِ، ولا الثوابَ مَوْضِعَ العِقابِ، ولا العقابَ مَوْضِعَ الثوابِ، ولا الخفْضَ مَوْضِعَ الرفْعِ، ولا الرفْعَ مَوْضِعَ الخفْضِ، ولا العِزَّ مكانَ الذُّلِّ، ولا الذُّلَّ مكانَ العِزِّ، ولا يَأْمُرُ بما يَنبغِي النهيُ عنهُ، ولا يَنْهَى عما يَنبغِي الأمرُ بهِ))([2]).
والربُّ تعالَى يُحِبُّ ذاتَهُ وأوصافَهُ وأسماءَهُ ((و... يُحِبُّ ظُهورَ أسمائِهِ وصفاتِهِ في الخليقةِ))([3])، فهوَ عَفُوٌّ يُحِبُّ العفوَ، ويُحِبُّ المغفرةَ، ويُحِبُّ التوبةَ، ويَفْرَحُ بتوبةِ عبدِهِ حينَ يَتوبُ إليهِ أَعظمَ فَرَحٍ يَخْطُرُ بالبالِ.
وكان تقديرُ ما يَغفرُهُ ويَعفو عنْ فاعلِهِ، ويَحلمُ عنهُ، ويَتوبُ عليهِ ويُسامِحُهُ: مِنْ مُوجَبِ أسمائِهِ وصِفاتِهِ، وحصولُ ما يُحِبُّهُ ويَرضاهُ مِنْ ذلكَ. وما يَحْمَدُ بهِ نفسَهُ ويَحْمَدُهُ بهِ أهلُ سَمَاواتِهِ وأهلُ أَرْضِهِ: ما هوَ مِنْ مُوجَبَاتِ كمالِهِ ومُقْتَضَى حَمْدِهِ.
وهو سُبحانَهُ الحميدُ المجيدُ، وحمدُهُ ومَجْدُهُ يَقتضيانِ آثارَهما.
ومِنْ آثارِهما: مَغفرةُ الزَّلاَّتِ، وإقالةُ العَثَرَاتِ، والعفوُ عن السَّيِّئَاتِ، والمسامحةُ علَى الجناياتِ، معَ كمالِ القُدرةِ علَى استيفاءِ الحَقِّ، والعلْمِ منهُ سُبحانَهُ بالْجِنايَةِ ومِقدارِ عُقوبتِها، فحِلْمُهُ بعدَ عِلْمِهِ، وعَفْوُهُ بعدَ قُدرتِهِ، ومَغفرتُهُ عنْ كمالِ عِزَّتِهِ وحكمتِهِ، كما قالَ المسيحُ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118)} [المائدة:118]؛ أيْ: فمَغفرتُكَ عنْ كمالِ قُدرتِكَ وحِكمتِكَ. لستَ كمَنْ يَغفِرُ عَجْزاً. ويُسامحُ جَهْلاً بقَدْرِ الحقِّ، بلْ أنتَ عليمٌ بِحَقِّكَ، قادرٌ علَى استيفائِهِ، حكيمٌ في الأَخْذِ بهِ.
فمَنْ تأَمَّلَ سَريانَ آثارِ الأسماءِ والصفاتِ في العالمِ وفي الأَمْرِ، تَبَيَّنَ لهُ أن مَصْدَرَ قضاءِ هذهِ الْجِناياتِ مِن العبيدِ , وتقديرِها: هوَ مِنْ كمالِ الأسماءِ والصفاتِ والأفعالِ، وغاياتُها أيضاً: مُقْتَضَى حمْدِهِ ومَجْدِهِ، كما هوَ مُقْتَضَى رُبوبيَّتِهِ وإلهيَّتِهِ.
فلهُ في كلِّ ما قَضاهُ وقَدَّرَهُ الحكمةُ البالغةُ، والآياتُ الباهرةُ، والتعرُّفَاتُ إلَى عِبادِهِ بأسمائِهِ وصفاتِهِ، واستدعاءُ مَحَبَّتِهِم لهُ، وذِكْرُهُمْ لهُ، وشُكْرُهم لهُ، وتَعَبُّدُهم لهُ بأسمائِهِ الْحُسْنَى. إذْ كلُّ اسمٍ فلهُ تَعَبُّدٌ مُخْتَصٌّ بهِ، عِلْماً ومَعرفةً وحَالاً.
وأَكملُ الناسِ عُبوديَّةً: المتعبِّدُ بجميعِ الأسماءِ والصفاتِ التي يُطْلِعُ عليها البَشَرَ. فلا تَحْجُبُهُ عُبوديَّةُ اسمٍ عنْ عُبوديَّةِ اسمٍ آخَرَ، كمَنْ يَحْجُبُهُ التعبُّدُ باسمِهِ (( القديرِ )) عن التعبُّدِ باسمِهِ (( الحليمِ الرحيمِ ))، أوْ يَحْجُبُهُ عُبوديَّةُ اسمِهِ (( المعطي )) عنْ عُبوديَّةِ اسمِهِ (( المانعِ ))، أوْ عُبوديَّةُ اسمِهِ (( الرحيمِ والعفُوِّ والغفورِ )) عن اسمِهِ (( المنتقِمِ ))، أو التعبُّدُ بأسماءِ التوَدُّدِ والبِرِّ واللطْفِ والإحسانِ عنْ أسماءِ العَدْلِ والجبروتِ والعَظمةِ والكبرياءِ، ونحوُ ذلكَ.
وهذه طريقةُ الكُمَّلِ مِن السائرينَ إلَى اللهِ، وهيَ طريقةٌ مُشْتَقَّةٌ مِنْ قلْبِ القرآنِ؛ قالَ اللهُ تعالَى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180] والدعاءُ بها يَتناوَلُ دُعاءَ المسألةِ، ودعاءَ الثناءِ، ودعاءَ التعَبُّدِ. وهوَ سُبحانَهُ يَدعُو عِبادَهُ إلَى أن يَعْرِفُوهُ بأسمائِهِ وصِفاتِهِ، ويُثْنُوا عليهِ بها، ويَأْخُذُوا بِحَظِّهِم مِنْ عُبُودِيَّتِها.
وهوَ سُبحانَهُ يُحِبُّ مُوجَبَ أسمائِهِ وصفاتِهِ؛ فهوَ (( عليمٌ )) يُحِبُّ كلَّ عليمٍ، ((جَوَادٌ)) يُحِبُّ كلَّ جَوَادٍ، (( وِتْرٌ )) يُحِبُّ الوِتْرَ، (( جميلٌ )) يُحِبُّ الجمالَ، (( عَفُوٌّ )) يُحِبُّ العفْوَ وأَهْلَهُ، (( حَيِيٌّ )) يُحِبُّ الحياءَ وأهلَهُ، (( بَرٌّ )) يُحِبُّ الأبرارَ، (( شَكورٌ )) يُحِبُّ الشاكرينَ، (( صَبُورٌ )) يُحِبُّ الصابرينَ، (( حَليمٌ )) يُحِبُّ أهلَ الحلْمِ. فلمحبَّتِهِ سُبحانَهُ للتوبةِ والمغفرةِ، والعفْوِ والصفْحِ: خَلَقَ مَنْ يَغفرُ لهُ، ويَتوبُ عليهِ ويَعفو عنهُ، وقَدَّرَ عليهِ ما يَقتضِي وُقوعَ المكروهِ والمبغوضِ لهُ؛ ليَترتَّبَ عليهِ المحبوبُ لهُ الْمُرْضِي لهُ، فتَوَسُّطُهُ كتوسُّطِ الأسبابِ المكروهةِ الْمُفضيَةِ إلَى المحبوبِ.

فربما كانَ مكروهُ العِبادِ إلَى محبوبِها سَبَبٌ ما مِثْلُهُ سَبَبُ

والأسبابُ - معَ مُسَبَّبَاتِها - أربعةُ أنواعٍ:
- محبوبٌ يُفْضِي إلَى محبوبٍ.
- ومكروهٌ يُفْضِي إلَى محبوبٍ.
وهذانِ النوعانِ عليهما مَدارُ أَقْضِيَتِهِ وأقدارِهِ سُبحانَهُ بالنسبةِ إلَى ما يُحِبُّهُ وما يَكرهُهُ.
- والثالثُ: مكروهٌ يُفْضِي إلَى مَكروهٍ.
- والرابعُ: محبوبٌ يُفْضِي إلَى مَكروهٍ.
وهذانِ النوعانِ مُمتنعانِ في حَقِّهِ سُبحانَهُ؛ إذ الغاياتُ المطلوبةُ مِنْ قضائِهِ وقَدَرِهِ - الذي ما خَلَقَ ما خَلَقَ، ولا قَضَى ما قَضَى إلاَّ لأَجْلِ حصولِها - لا تكونُ إلاَّ محبوبةً للربِّ مَرْضِيَّةً لهُ، والأسبابُ الْمُوصِلَةُ إليها مُنقسِمَةٌ إلَى محبوبٍ لهُ ومكروهٍ لهُ.
فالطاعاتُ والتوحيدُ: أسبابٌ محبوبةٌ لهُ، مُوصِلَةٌ إلَى الإحسانِ، والثوابُ المحبوبُ لهُ أيضاً، والشرْكُ والمعاصي: أسبابٌ مَسخوطةٌ لهُ، مُوصِلَةٌ إلَى العَدْلِ المحبوبِ لهُ، وإن كانَ الفضْلُ أَحَبَّ إليهِ مِن العَدْلِ، فاجتماعُ العَدْلِ والفضْلِ أَحَبُّ إليهِ مِن انفرادِ أحدِهما عن الآخَرِ، لِمَا فيهما مِنْ كمالِ الملْكِ والحمدِ، وتَنَوُّعِ الثناءِ، وكمالِ القُدرةِ.
فإن قيلَ: كانَ يُمْكِنُ حصولُ هذا المحبوبِ مِنْ غيرِ تَوَسُّطِ المكروهِ.
قيلَ: هذا سؤالٌ باطلٌ؛ لأنَّ وُجودَ الملزومِ بدونِ لازِمِهِ مُمْتَنِعٌ، والذي يُقَدَّرُ في الذِّهْنِ وجودُهُ شيءٌ آخَرُ غيرُ هذا المطلوبِ المحبوبِ للربِّ، وحُكْمُ الذهْنِ عليهِ بأنَّهُ مَحبوبٌ للربِّ حُكْمٌ بلا عِلْمٍ، بلْ قدْ يكونُ مَبغوضاً للربِّ تعالَى لِمُنافاتِهِ حِكْمَتَهُ؛ فإذا حَكَمَ الذهْنُ عليهِ بأنَّهُ مَحبوبٌ لهُ كانَ نِسبةً لهُ إلَى ما لا يَليقُ بهِ ويَتعالَى عنهُ.
فَلْيُعْطِ اللبيبُ هذا الموضعَ حقَّهُ من التأمُّلِ فإنَّهُ مَزَلَّةُ أقدامٍ، ومَضَلَّة أفهامٍ، ولوْ أمسكَ عن الكلامِ مَنْ لا يعلمُ لقلَّ الخلافُ، وهذا المشهدُ أجلُّ منْ أنْ يحيطَ بهِ كتابٌ، أوْ يستوعبَهُ خطابٌ، وإِنَّمَا أشرنا إليهِ أدنَى إشارةٍ تُطْلِعُ علَى ما وراءَهَا، واللهُ الموفِّقُ والمُعينُ)([4])
).[المرتبع الأسنى: ؟؟]


([1]) وقال –رَحِمَهُ اللهُ تَعالَى- في مَدارجِ السَّالكِينَ (1/225) (ومنها: أن أسماءَهُ الحُسْنَى تَقتضِي آثارَها اقتضاءَ الأسبابِ التامةِ لمُسبِّباتِها. فاسمُ السميعِ البصيرِ يقتضِي مَسموعًا ومُبصَرًا. واسمُ (الرزاقِ) يقتضي مَرزوقًا. واسمُ الرحيمِ يقتضِي مَرحومًا. وكذلك أسماءُ الغفُورُ، والعفُوُّ، والتوَّابُ والحليمُ يقتضِي مَنْ يَغْفِرُ له، ويتوبُ عليه، ويَعفُو عنه، ويَحْلُمُ. ويستحيلُ تعطيلُ هذه الأسماءِ والصفاتِ، إذ هي أسماءٌ حُسْنَى وصفاتُ كمالٍ، ونعوتُ جلالٍ، وأفعالُ حِكمةٍ وإحسانٍ وجُودِهِ. فلا بد من ظُهورِ آثارِها في العالَمِ).
وقال رَحِمَهُ اللهُ تَعالَى في مِفتاحِ دارِ السعادةِ (2/261- 262): (ومنها أنه سُبحانَهُ له الأسماءُ الحُسنَى، ولكلِّ اسمٍ من أسمائِه أثرٌ من الآثارِ في الخلقِ والأمرِ، لا بد من تَرتُّبِه عليه كترتُّبِ المرزوقِ والرِّزْقِ على الرازقِ، وترتُّبِ المرحومِ وأسبابِ الرحمةِ على الراحمِ وترتُّبِ المرئياتِ والمسموعاتِ على السميعِ والبصيرِ، ونظائرُ ذلك في جميعِ الأسماءِ.
فلو لم يكن في عبادِه مَن يُخطِئُ ويُذنِبُ لِيَتُوبَ عليه ويَغْفِرَ له ويعفُوَ عنه لن يَظْهَرَ أثرُ أسمائِه الغفورِ والعفوِّ والحليمِ والتوابِ وما جَرى مَجرَاها، وظهورُ أثرِ هذهِ الأسماءِ ومُتعلِّقاتِها في الخليقةِ كظُهورِ آثارِ سائرِ الأسماءِ الحُسنَى ومُتعلِّقاتِها، فكما أن اسمَهُ الخالِقَ يَقتَضِي مَخلوقًا، والبارِيَ يَقْتَضِي مَبْرُوءًا، والمُصَوِّرَ يَقْتضِي مُصَوَّرًا ولا بُدَّ، فأسماؤُه الغفارُ التوابُ تقتَضِي مغفورًا له وما يَغْفِرُه له، وكذلك مَن يَتوبُ عليه، وأمورًا يَتُوبُ عليه من أَجْلِها ومَن يَحْلُم عنه ويَعفُو عنه، وما كانَ مُتَعَلِّقَ الحِلْمِ والعَفْوِ، فإن هذه الأمورَ مُتعَلِّقَةٌ بالغيرِ ومعانِيها مُستَلْزِمَةٌ لمُتعلِّقَاتِها. وهذا بابٌ أَوسَعُ مِن أن يُدْرَكَ، واللبيبُ يَكْتَفِي منه باليَسِيرِ، وغليظُ الحجابِ في وادٍ ونحن في وادٍ:
وَإِنْ كَانَ أَثْلُ الوَادِ يَجْمَعُ بَيْنَنَا = فَغَيْرُ خَفِيٍّ شِيحُهُ مِنْ خُزَامِهِ
فتأمَّلْ ظُهورَ هذينِ الاسمَينِ اسمِ الرزاقِ واسمِ الغفارِ في الخليقةِ تَرَى ما يُعْجِبُ العُقولَ، وتأمَّلْ آثارَهُما حَقَّ التأمُّلِ في أعظمِ مجامعِ الخليقةِ: وانظُرْ كَيفَ وَسِعَهُمْ رِزْقُهُ ومَغفِرَتُه، ولولا ذلك لمَا كانَ له مِن قيامٍ أصلاً، فلِكُلٍّ مِنْهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الرِّزقِ والمغفرةِ، فإما مُتَّصِلاً بنَشْأَتِهِ الثانيةِ، وإما مُختصًّا بهذهِ النشأةِ).
([2]) مَدارِجُ السَّالكِينَ (2/ 191).
([3]) شِفَاءُ العَلِيلِ (2/ 254).
([4]) مَدارِجُ السَّالكِينَ (1/ 418-422).

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 25 محرم 1439هـ/15-10-2017م, 09:20 PM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي

أسماء الله أعلام وأوصاف

قال محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ)
:
(القاعدة الثانية: أسماء الله تعالى أعلام وأوصاف:
أعلام باعتبار دلالتها على الذات، وأوصاف باعتبار ما دلت عليه من المعاني، وهي بالاعتبار الأول مترادفة لدلالتها على مسمى واحد، وهو الله - عز وجل - وبالاعتبار الثاني متباينة لدلالة كل واحد منهما على معناه الخاص فـ "الحي، العليم، القدير، السميع، البصير، الرحمن، الرحيم، العزيز، الحكيم". كلها أسماء لمسمى واحد، وهو الله سبحانه وتعالى، لكن معنى الحي غير معنى العليم، ومعنى العليم غير معنى القدير، وهكذا.
وإنما قلنا بأنها أعلام وأوصاف، لدلالة القرآن عليه. كما في قوله تعالى: (وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ). وقوله: (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَة). فإن الآية الثانية دلت على أن الرحيم هو المتصف بالرحمة. ولإجماع أهل اللغة والعرف أنه لا يقال: عليم إلا لمن له علم، ولا سميع إلا لمن له سمع، ولا بصير إلا لمن له بصر، وهذا أمر أبين من أن يحتاج إلى دليل.
وبهذا علم ضلال من سلبوا أسماء الله تعالى معانيها من أهل التعطيل وقالوا: إن الله تعالى سميع بلا سمع، وبصير بلا بصر، وعزيز بلا عزة وهكذا.. وعللوا ذلك بأن ثبوت الصفات يستلزم تعدد القدماء. وهذه العلة عليلة بل ميتة لدلالة السمع(1) والعقل على بطلانها.

أما السمع: فلأن الله تعالى وصف نفسه بأوصاف كثيرة، مع أنه الواحد الأحد. فقال تعالى: (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ* إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ* وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ* ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ* فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ). وقال تعالى: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى* الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى* وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى* وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى* فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى). ففي هذه الآيات الكريمة أوصاف كثيرة لموصوف واحد، ولم يلزم من ثبوتها تعدد القدماء.

وأما العقل: فلأن الصفات ليست ذوات بائنة من الموصوف، حتى يلزم من ثبوتها التعدد، وإنما هي من صفات من اتصف بها، فهي قائمة به، وكل موجود فلابد له من تعدد صفاته، ففيه صفة الوجود، وكونه واجب الوجود، أو ممكن الوجود، وكونه عيناً قائماً بنفسه أو وصفاً في غيره.
وبهذا أيضاً علم أن: "الدهر" ليس من أسماء الله تعالى؛ لأنه اسم جامد لا يتضمن معنى يلحقه بالأسماء الحسنى، ولأنه اسم للوقت والزمن، قال الله تعالى عن منكري البعث: (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ) يريدون مرور الليالي والأيام.
فأما قوله صلى الله عليه وسلم: "قال الله - عز وجل -: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر، وأنا الدهر، بيدي الأمر أقلب الليل والنهار"(2). فلا يدل على أن الدهر من أسماء الله تعالى؛ وذلك أن الذين يسبون الدهر إنما يريدون الزمان الذي هو محل الحوادث، لا يريدون الله تعالى، فيكون معنى قوله: "وأنا الدهر" ما فسره بقوله: "بيدي الأمر أقلب الليل والنهار"، فهو سبحانه خالق الدهر وما فيه، وقد بين أنه يقلب الليل والنهار، وهما الدهر، ولا يمكن أن يكون المقلب (بكسر اللام) هو المقلب (بفتحها) وبهذا تبين أنه يمتنع أن يكون الدهر في هذا الحديث مراداً به الله تعالى.) [القواعد المثلى: 13]


(1) السمع هو القرآن والسنة، وسيمر بك هذا التعبير كثيراً فانتبه له.
(2) رواه البخاري، كتاب التفسير (4826)، ومسلم، كتاب الألفاظ من الأدب (2246).


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:58 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة