العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الأعراف

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 2 جمادى الأولى 1434هـ/13-03-2013م, 09:47 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) }

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197) }

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (198) }

تفسير قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (والعفوة إنما هو ما عفا، أي ما فضل، {خُذِ الْعَفْوَ}، قالوا: الفضل، وكذلك قوله جل اسمه: {وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} ). [الكامل: 3/ 1364]
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): ( {خُذِ الْعَفْوَ} قال: ما صفا). [مجالس ثعلب: 582-583]

تفسير قوله تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) }
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (مقامات الزهاد عند الخلفاء والملوك.
مقام صالح بن عبد الجليل بين يدي المهديّ.
قام فقال: إنه لما سَهُلَ علينا ما توعَرَ علىِ غيرنا من الوصول إليك، قُمنا مَقَامَ الأداء عنهم وعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإظهار ما في أعناقنا من فريضةِ الأمر والنهي عند انقطاع عُذر الكِتمان ولاسَيما حين اتسَمْتَ بِمَيسَم التواضع ووَعَدتَ الله وحَمَلَةَ كتابه إيثار الحق على ما سواه، فجمعنَا وإياكَ مَشْهد من مشاهد التمحيص لِيُتَمَ مُؤَدينا على موعود الأداء وقابِلُنَا على موعود القبول، أو يَزيدنا تَمحِيصُ الله إيانا في اختلاف السر والعلانية، ويُحَلَينا حِليةَ الكذابين، فقد كان أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقولون: مَنْ حجب اللُه عنه العلم عذبه على الجهل، وأشَدُّ منه عذابًا مَنْ أقبل إليه العلمُ وأدبرَ عنه، ومن أهدى الله إليه علمًا فلم يعمَل به فقد رَغِبَ عن هديه الله وقصَر بها، فأقبل ما أهدَى الله إليكَ من ألسنتنا قبولَ تحقيقٍ وعمل لا قبولَ سمعةٍ ورياءٍ فإنه لا يعلَمك منَا إعلامٌ لما تَجهَلُ أو مواطأةٌ على ما تعلمُ أو تذكيرٌ من غفلةَ؛ فقد وطًنَ اللّه عز وجل نبيه عليه السلام على نزولها تعزية عما فات وتحصينًا من التمادي ودلالةً على المخرَج فقال: {وإما يَنْزَغنك مِن الشَيْطَانِ نَزْغٌ فاسْتَعِذْ بِاللّه} فأطْلِع الله على قلبكَ بما يُنَوٌرهُ من إيثار الحق ومًنَابذةِ الأهواء. ولا حول ولا قوة إلا بالله). [عيون الأخبار: 6/ 333]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) }
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (
أفي كل ممسى طيف طارقي ....... وإن شحطتنا دارها فمؤرقي
...
و(الطيف) الخيال الذي تراه في المنام ممن تحب وغيره). [شرح أشعار الهذليين: 2/ 655]

تفسير قوله تعالى: {وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ (202) }


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 16 شعبان 1435هـ/14-06-2014م, 09:29 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 16 شعبان 1435هـ/14-06-2014م, 09:29 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 16 شعبان 1435هـ/14-06-2014م, 09:30 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 16 شعبان 1435هـ/14-06-2014م, 09:30 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {إنّ وليّي اللّه ... الآية}، أحالهم على الاستنجاد بآلهتهم في ضره وأراهم أن الله هو القادر على كل شيء لا تلك، عقب ذلك بالإسناد إلى الله والتوكل عليه بأنه وليه وناصره، وقرأ جمهور الناس والقراءة «إن وليّي الله» بياء مكسورة مشددة وأخرى مفتوحة، وقرأ أبو عمرو فيما روي عنه «إن وليّ الله» بياء واحدة مشددة ورفع الله، قال أبو علي لا تخلو هذه القراءة من أن تدغم الياء التي هي لام الفعل في ياء الإضافة أو تحذف الياء التي هي لام الفعل وتدغم ياء فعيل في ياء الإضافة، ولا يجوز أن تدغم الياء التي هي لام الفعل في ياء الإضافة لأنه إذا فعل ذلك انفك الإدغام الأول، فليس إلا أنه حذف لام الفعل وأدغم ياء فعيل في ياء الإضافة، وقرأ ابن مسعود «الذي نزل الكتاب بالحق وهو يتولى الصالحين»، وقرأ الجحدري فيما ذكر أبو عمرو الداني «أن ولي إله» على الإضافة وفسر ذلك بأن المراد جبريل صلى الله عليه وسلم، ذكر القراءة غير منسوبة أبو حاتم وضعفها وإن كانت ألفاظ هذه الآية تلائم هذا المعنى وتصلح له، فإن ما قبلها وما بعدها يدافع ذلك). [المحرر الوجيز: 4/ 115]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {والّذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون (197) وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون (198) خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين (199) وإمّا ينزغنّك من الشّيطان نزغٌ فاستعذ باللّه إنّه سميعٌ عليمٌ (200)}
الضمير في قوله: {من دونه}؛ عائد على اسم الله تعالى وهذا الضمير مصرح بما ذكرناه من ضعف قراءة من قرأ «إن ولي الله» أنه جبريل صلى الله عليه وسلم، وهذه الآية أيضا بيان لحال تلك الأصنام وفسادها وعجزها عن نصرة أنفسها فضلا عن غيرها). [المحرر الوجيز: 4/ 115]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (198) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وإن تدعوهم ... الآية}، قالت فرقة: المخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم وأمته،
والهاء والميم في قوله: {تدعوهم}؛ للكفار ووصفهم بأنهم لا يسمعون ولا يبصرون إذ لم يتحصل لهم عن النظر والاستماع فائدة ولا حلوا منه بطائل، قاله السدي ومجاهد، وقال الطبري: المراد بالضمير المذكور الأصنام، ووصفهم بالنظر كناية عن المحاذاة والمقابلة وما فيها من تخييل النظر كما تقول دار فلان تنظر إلى دار فلان، ومعنى الآية على هذا تبين جمودية الأصنام وصغر شأنها، وذهب بعض المعتزلة إلى الاحتجاج بهذه الآية على أن العباد ينظرون إلى ربهم ولا يرونه، ولا حجة لهم في الآية لأن النظر في الأصنام مجاز محض.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وإنما تكرر القول في هذا وترددت الآيات فيه لأن أمر الأصنام وتعظيمها كان متمكنا من نفوس العرب في ذلك الزمن ومستوليا على عقولها فأوعب القول في ذلك لطفا من الله تعالى بهم). [المحرر الوجيز: 4/ 115-116]

تفسير قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {خذ العفو ... الآية}، وصية من الله عز وجل لنبيه -صلى الله عليه وسلم- تعم جميع أمته وأخذ بجميع مكارم الأخلاق، وقال الجمهور في قوله خذ العفو إن معناه اقبل من الناس في أخلاقهم وأقوالهم ومعاشرتهم ما أتى عفوا دون تكلف، فالعفو هنا الفضل والصفو الذي تهيأ دون تحرج، قاله عبد الله بن الزبير في مصنف البخاري، وقاله مجاهد وعروة، ومنه قول حاتم الطائي: [الطويل]
خذي العفو مني تستديمي مودتي ....... ولا تنطقي في سورتي حين أغضب
وقال ابن عباس والضحاك والسدي: هذه الآية، في الأموال،
وقيل هي فرض الزكاة أمر بها صلى الله عليه وسلم أن يأخذ ما سهل من أموال الناس، وعفا أي فضل وزاد من قولهم عفا النبات والشعر أي كثر، ثم نزلت الزكاة وحدودها فنسخت هذه الآية، وذكر مكي عن مجاهد أن خذ العفو معناه خذ الزكاة المفروضة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا شاذ، وقوله وأمر بالعرف معناه بكل ما عرفته النفوس مما لا ترده الشريعة، ويروى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لجبريل: «ما هذا العرف الذي أمر به؟»، قال: لا أدري حتى أسأل العالم، فرجع إلى ربه فسأله ثم جاءه فقال له: يا محمد هو أن تعطي من حرمك وتصل من قطعك وتعفو عمن ظلمك.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فهذا نصب غايات والمراد فما دون هذا من فعل الخير. وقرأ عيسى الثقفي فيما ذكر أبو حاتم «بالعرف» بضم الراء والعرف والعرف بمعنى المعروف، وقوله وأعرض عن الجاهلين حكم مترتب محكم مستمر في الناس ما بقوا، هذا قول الجمهور من العلماء، وقال ابن زيد في قوله خذ العفو- إلى- الجاهلين إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك مداراة لكفار قريش ثم نسخ ذلك بآية السيف.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وحديث الحر بن قيس حين أدخل عمه عيينة بن حصن على عمر دليل على أنها محكمة مستمرة، لأن الحر احتج بها على عمر فقررها ووقف عندها). [المحرر الوجيز: 4/ 116-117]

تفسير قوله تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وإمّا ينزغنّك من الشّيطان نزغٌ}؛ وصية من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم تعم أمته رجلا رجلا، والنزغ حركة فيها فساد، وقلّما تستعمل إلا في فعل الشيطان لأن حركاته مسرعة مفسدة، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يشر أحدكم على أخيه بالسلاح، لا ينزغ الشيطان في يده»
فالمعنى في هذه الآية: فإما تلمن بك لمة من الشيطان فاستعذ بالله. ونزع الشيطان عام في الغضب وتحسين المعاصي واكتساب الغوائل وغير ذلك»، وفي مصنف الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن للملك لمة وإن للشيطان لمة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وعن هاتين اللمتين هي الخواطر من الخير والشر، فالأخذ بالواجب هذه الآية يصلح مع الاستعاذة ويصلح أيضا مع ما يقول فيه الكفار من الأقاويل فيغضبه الشيطان لذلك، وعليم كذلك وبهذه الآية تعلق ابن القاسم في قوله: إن الاستعاذة عند القراءة أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم). [المحرر الوجيز: 4/ 118-119]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {إنّ الّذين اتّقوا إذا مسّهم طائفٌ من الشّيطان تذكّروا فإذا هم مبصرون (201) وإخوانهم يمدّونهم في الغيّ ثمّ لا يقصرون (202) وإذا لم تأتهم بآيةٍ قالوا لولا اجتبيتها قل إنّما أتّبع ما يوحى إليّ من ربّي هذا بصائر من ربّكم وهدىً ورحمةٌ لقومٍ يؤمنون (203)}
اتّقوا هنا عامة في اتقاء الشرك واتقاء المعاصي بدليل أن اللفظة إنما جاءت في مدح لهم، فلا وجه لقصرها على اتقاء الشرك وحده، وأيضا فالمتقي العائذ قد يمسه طائف من الشيطان إذ ليست العصمة إلا للأنبياء عليهم السلام وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة «طائف»، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي «طيّف»، وقرأ سعيد بن جبير «طيف»، واللفظة إما من طاف يطوف وإما من طاف يطوف وإما من طاف يطيف بفتح الياء، وهي ثابتة عن العرب، وأنشد أبو عبيدة في ذلك:
أنى المّ بك الخيال يطيف ....... ومطافه لك ذكرة وشغوف
ف «طائف» اسم فاعل كقائل من قال يقول وكبائع من باع يبيع و «طيّف» اسم فاعل أيضا كميت من مات يموت أو كبيع ولين من باع يبيع ولان يلين و «طيّف» يكون مخففا أيضا من طيف كميت من ميت، وإذا قدرنا اللفظة من طاف يطيف فطيف مصدر، وإلى هذا مال أبو علي الفارسي وجعل الطائف كالخاطر والطيف كالخطرة، وقال الكسائي: الطيف اللمم والطائف ما طاف حول الإنسان.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وكيف هذا وقد قال الأعشى: [الطويل]
وتصبح عن غب السرى وكانّما ....... ألمّ بها من طائف الجن أولق
ومعنى الآية: إذا مسهم غضب وزين الشيطان معه ما لا ينبغي، وقوله تذكّروا إشارة إلى الاستعاذة المأمور بها قبل، وإلى ما لله عز وجل من الأوامر والنواهي في النازلة التي يقع تعرض الشيطان فيها، وقرأ ابن الزبير «من الشيطان تأملوا فإذا هم»، وفي مصحف أبي بن كعب «إذا طاف من الشيطان طائف تأملوا»، وقال النبي صلى الله عليه وسلم إن الغضب جند من جند الجن، أما ترون حمرة العين وانتفاخ العروق؟ فإذا كان ذلك فالأرض الأرض، وقوله مبصرون من البصيرة أي فإذا هم قد تبينوا الحق ومالوا إليه). [المحرر الوجيز: 4/ 119-121]

تفسير قوله تعالى: {وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ (202) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وإخوانهم يمدّونهم في الغيّ ... الآية}، في هذه الضمائر احتمالات، قال الزجاج:
هذه الآية متصلة في المعنى بقوله: ولا يستطيعون لهم نصراً ولا أنفسهم ينصرون .
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: في هذا نظر، وقال الجمهور: إن الآية مقدرة موضعها إلا أن الضمير في قوله: {وإخوانهم}؛ عائد على الشياطين والضمير في قوله يمدّونهم عائد على الكفار وهم المراد بالإخوان، والشّيطان في الآية قبل هذه للجنس فلذلك عاد عليهم هاهنا ضمير جميع فالتقدير على هذا التأويل وإخوان للشياطين يمدونهم الشياطين في الغي، وقال قتادة إن الضميرين في الهاء والميم للكفار.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فتجيء الآية على هذه معادلة للتي قبلها أي إن المتقين حالهم كذا وكذا وهؤلاء الكفار يمدهم إخوانهم من الشياطين ثم لا يقصرون، وقوله في الغيّ يحتمل أن يتعلق بقوله يمدّونهم وعليه يترتب التأويل الذي ذكرنا أولا عن الجمهور، ويحتمل أن يتعلق بالإخوان فعلى هذا يحتمل أن يعود الضميران جميعا على الكفار كما ذكرناه عن قتادة ويحتمل أن يعودا جميعا على الشياطين ويكون المعنى وإخوان الشياطين في الغي بخلاف الأخوة في الله يمدون الشياطين أي بطاعتهم لهم وقبولهم منهم، ولا يترتب هذا التأويل على أن يتعلق في الغي بالإمداد لأن الإنس لا يغوون الشياطين، والمراد بهذه الآية وصف حالة الكفار مع الشياطين كما وصف حالة المتقين معهم قبل، وقرأ جميع السبعة غير نافع «يمدونهم» من مددت، وقرأ نافع وحده «يمدونهم» بضم الياء من أمددت، فقال أبو عبيدة وغيره:
مد الشيء إذا كانت الزيادة من جنسه وأمده شيء آخر.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا غير مطرد، وقال الجمهور هما بمعنى واحد إلا أن المستعمل في المحبوب أمد فمنه قوله تعالى: {أنّما نمدّهم به من مالٍ وبنين} [المؤمنون: 55] وقوله: {وأمددناهم بفاكهةٍ} [الطور: 22] وقوله: {أتمدّونن بمالٍ} [النمل: 36] والمستعمل في المكروه مد فمنه قوله تعالى: {ويمدّهم في طغيانهم} [البقرة: 15] ومد الشيطان للكفرة في الغي هو التزيين لهم والإغواء المتتابع: فمن قرأ في هذه الآية «يمدونهم» بضم الميم فهو على المنهاج المستعمل، ومن قرأ «يمدونهم» فهو مقيد بقوله في الغي كما يجوز أن تقيد البشارة فتقول بشرته بشر، وقرأ الجحدري «يمادّونهم»، وقوله ثمّ لا يقصرون عائد على الجمع أي هؤلاء لا يقصرون في الطاعة للشياطين والكفر بالله عز وجل، وقرأ جمهور الناس «يقصرون» من أقصر، وقرأ ابن أبي عبلة وعيسى بن عمر «يقصرون» من قصر). [المحرر الوجيز: 4/ 121-122]


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 16 شعبان 1435هـ/14-06-2014م, 09:31 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 16 شعبان 1435هـ/14-06-2014م, 09:31 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إنّ وليّي اللّه الّذي نزل الكتاب وهو يتولّى الصّالحين}؛ أي: اللّه حسبي وكافيّ، وهو نصيري وعليه متّكلي، وإليه ألجأ، وهو وليّي في الدّنيا والآخرة، وهو وليّ كلّ صالحٍ بعدي. وهذا كما قال هودٌ، عليه السّلام، لمّا قال له قومه: {إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوءٍ قال إنّي أشهد اللّه واشهدوا أنّي بريءٌ ممّا تشركون * من دونه فكيدوني جميعًا ثمّ لا تنظرون * إنّي توكّلت على اللّه ربّي وربّكم ما من دابّةٍ إلا هو آخذٌ بناصيتها إنّ ربّي على صراطٍ مستقيمٍ} [هودٍ: 54-56]، وكقول الخليل [عليه السّلام]: {أفرأيتم ما كنتم تعبدون * أنتم وآباؤكم الأقدمون * فإنّهم عدوٌّ لي إلا ربّ العالمين * الّذي خلقني فهو يهدين * والّذي هو يطعمني ويسقين * وإذا مرضت فهو يشفين} [الشّعراء: 75-80] الآيات، وكقوله لأبيه وقومه: {إنّني براءٌ ممّا تعبدون * إلا الّذي فطرني فإنّه سيهدين * وجعلها كلمةً باقيةً في عقبه لعلّهم يرجعون} [الزّخرف: 26-28]). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 530]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {والّذين تدعون من دونه} إلى آخر الآية، مؤكّدٌ لما تقدّم، إلّا أنّه بصيغة الخطاب، وذلك بصيغة الغيبة؛ ولهذا قال: {لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون}).[تفسير القرآن العظيم: 3/ 530]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (198) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون} كقوله تعالى: {إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبّئك مثل خبيرٍ} [فاطرٍ: 14]
وقوله: {وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون} إنّما قال: {ينظرون إليك}؛ أي: يقابلونك بعيونٍ مصوّرةٍ كأنّها ناظرةٌ، وهي جمادٌ؛ ولهذا عاملهم معاملة من يعقل؛ لأنّها على صورٍ مصوّرةٍ كالإنسان، فقال: {وتراهم ينظرون إليك} فعبّر عنها بضمير من يعقل.
وقال السّدّيّ: المراد بهذا المشركون وروي عن مجاهدٍ نحوه. والأوّل أولى، وهو اختيار ابن جريرٍ، وقاله قتادة). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 530]

تفسير قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين (199) وإمّا ينزغنّك من الشّيطان نزغٌ فاستعذ باللّه إنّه سميعٌ عليمٌ (200)}
قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: {خذ العفو}؛ يعني: خذ ما عفا لك من أموالهم، وما أتوك به من شيءٍ فخذه. وكان هذا قبل أن تنزل "براءةٌ" بفرائض الصّدقات وتفصيلها، وما انتهت إليه الصّدقات. قاله السّدّيّ.
وقال الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: {خذ العفو}؛ أنفق الفضل. وقال سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ: قال الفضل.
وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قوله: {خذ العفو}؛ أمره اللّه بالعفو والصّفح عن المشركين عشر سنين، ثمّ أمره بالغلظة عليهم. واختار هذا القول ابن جريرٍ.
وقال غير واحدٍ، عن مجاهدٍ في قوله تعالى: {خذ العفو}؛ قال: من أخلاق النّاس وأعمالهم من غير تحسّسٍ
وقال هشام بن عروة، عن أبيه: أمر اللّه رسوله -صلّى اللّه عليه وسلّم- أن يأخذ العفو من أخلاق النّاس. وفي روايةٍ قال: خذ ما عفي لك من أخلاقهم.
وفي صحيح البخاريّ، عن هشامٍ، عن أبيه عروة، عن أخيه عبد اللّه بن الزّبير قال: إنّما أنزل: {خذ العفو} من أخلاق النّاس وفي روايةٍ لغيره: عن هشامٍ، عن أبيه، عن ابن عمر. وفي روايةٍ: عن هشامٍ، عن أبيه، عن عائشة أنّهما قالا مثل ذلك واللّه أعلم.
وفي رواية سعيد بن منصورٍ، عن أبي معاوية، عن هشامٍ، عن وهب بن كيسان، عن ابن الزّبير: {خذ العفو} قال: من أخلاق النّاس، واللّه لآخذنّه منهم ما صحبتهم. وهذا أشهر الأقوال، ويشهد له ما رواه ابن جريرٍ وابن أبي حاتمٍ جميعًا: حدّثنا يونس حدّثنا سفيان -هو ابن عيينة -عن أميٍّ قال: لمّا أنزل اللّه، عزّ وجلّ، على نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «ما هذا يا جبريل؟
» قال: إنّ اللّه أمرك أن تعفو عمّن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك.
وقد رواه ابن أبي حاتمٍ أيضًا، عن أبي يزيد القراطيسيّ كتابةً، عن أصبغ بن الفرج، عن سفيان، عن أميّ عن الشّعبيّ. نحوه، وهذا -على كلّ حالٍ -مرسلٌ، وقد روي له شاهدٌ من وجوهٍ أخر، وقد روي مرفوعًا عن جابرٍ وقيس بن سعد بن عبادة، عن النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم-، أسندهما ابن مردويه
وقال الإمام أحمد: حدّثنا أبو المغيرة، حدّثنا معاذ بن رفاعة، حدّثني عليّ بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة الباهليّ، عن عقبة بن عامرٍ، رضي اللّه عنه، قال: لقيت رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- فابتدأته، فأخذت بيده، فقلت: يا رسول اللّه، أخبرني بفواضل الأعمال. فقال:
«يا عقبة، صل من قطعك، وأعط من حرمك، وأعرض عمّن ظلمك».
وروى التّرمذيّ نحوه، من طريق عبيد اللّه بن زحر عن عليّ بن يزيد، به. وقال حسنٌ
قلت: ولكن "عليّ بن يزيد" وشيخه "القاسم أبو عبد الرّحمن"، فيهما ضعف.
وقال البخاريّ قوله: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} "العرف": المعروف. حدّثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيبٌ، عن الزّهريّ، أخبرني عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة، أنّ ابن عبّاسٍ قال: قدم عيينة بن حصن بن حذيفة، فنزل على ابن أخيه الحرّ بن قيسٍ -وكان من النّفر الّذين يدنيهم عمر -وكان القرّاء أصحاب مجالس عمر ومشاورته -كهولا كانوا أو شبابًا -فقال عيينة لابن أخيه: يابن أخي، لك وجهٌ عند هذا الأمير، فاستأذن لي عليه. قال: سأستأذن لك عليه. قال ابن عبّاسٍ: فاستأذن الحرّ لعيينة، فأذن له عمر [رضي اللّه عنه] فلمّا دخل عليه قال: هي يا ابن الخطّاب، فواللّه ما تعطينا الجزل، ولا تحكم بيننا بالعدل. فغضب عمر حتّى همّ أن يوقع به، فقال له الحرّ: يا أمير المؤمنين، قال اللّه لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} وإنّ هذا من الجاهلين، واللّه ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقّافًا عند كتاب اللّه، عزّ وجلّ. انفرد بإخراجه البخاريّ
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً، أخبرنا ابن وهبٍ، أخبرني مالك بن أنسٍ، عن عبد اللّه بن نافعٍ؛ أنّ سالم بن عبد اللّه بن عمر مرّ على عيرٍ لأهل الشّام وفيها جرسٌ، فقال: إنّ هذا منهيّ عنه، فقالوا: نحن أعلم بهذا منك، إنّما يكره الجلجل الكبير، فأمّا مثل هذا فلا بأس به. فسكت سالمٌ وقال: {وأعرض عن الجاهلين}.
وقول البخاريّ: "العرف: المعروف" نصّ عليه عروة بن الزّبير، والسّدّي، وقتادة، وابن جريرٍ، وغير واحدٍ. وحكى ابن جريرٍ أنّه يقال: أوليته عرفًا، وعارفًا، وعارفةً، كلّ ذلك بمعنى: "المعروف". قال: وقد أمر اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يأمر عباده بالمعروف، ويدخل في ذلك جميع الطّاعات، وبالإعراض عن الجاهلين، وذلك وإن كان أمرًا لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم فإنّه تأديبٌ لخلقه باحتمال من ظلمهم واعتدى عليهم، لا بالإعراض عمّن جهل الحقّ الواجب من حقّ اللّه، ولا بالصّفح عمّن كفر باللّه وجهل وحدانيّته، وهو للمسلمين حربٌ.
وقال سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة في قوله: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} قال: هذه أخلاقٌ أمر اللّه [عزّ وجلّ] بها نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ودلّه عليها.
وقد أخذ بعض الحكماء هذا المعنى، فسبكه في بيتين فيهما جناسٌ فقال:
خذ العفو وأمر بعرفٍ كما ....... أمرت وأعرض عن الجاهلين
ولن في الكلام لكلّ الأنام
....... فمستحسن من ذوي الجاه لين
وقال بعض العلماء: النّاس رجلان: فرجلٌ محسنٌ، فخذ ما عفا لك من إحسانه، ولا تكلّفه فوق طاقته ولا ما يحرجه. وإمّا مسيءٌ، فمره بالمعروف، فإن تمادى على ضلاله، واستعصى عليك، واستمرّ في جهله، فأعرض عنه، فلعلّ ذلك أن يردّ كيده، كما قال تعالى: {ادفع بالّتي هي أحسن السّيّئة نحن أعلم بما يصفون * وقل ربّ أعوذ بك من همزات الشّياطين * وأعوذ بك ربّ أن يحضرون} [المؤمنون: 96-98] وقال تعالى: {ولا تستوي الحسنة ولا السّيّئة ادفع بالّتي هي أحسن فإذا الّذي بينك وبينه عداوةٌ كأنّه وليٌّ حميمٌ * وما يلقّاها}؛ أي هذه الوصيّة {إلا الّذين صبروا وما يلقّاها إلا ذو حظٍّ عظيمٍ * وإمّا ينزغنّك من الشّيطان نزغٌ فاستعذ باللّه إنّه هو السّميع العليم}[فصّلت: 34-36] وقال في هذه السّورة الكريمة أيضًا: {وإمّا ينزغنّك من الشّيطان نزغٌ فاستعذ باللّه إنّه سميعٌ عليمٌ} فهذه الآيات الثّلاث في "الأعراف" و "المؤمنون" و "حم السّجدة"، لا رابع لهنّ، فإنّه تعالى يرشد فيهنّ إلى معاملة العاصي من الإنس بالمعروف والّتي هي أحسن، فإنّ ذلك يكفّه عمّا هو فيه من التّمرّد بإذنه تعالى؛ ولهذا قال: {فإذا الّذي بينك وبينه عداوةٌ كأنّه وليٌّ حميمٌ} ثمّ يرشد تعالى إلى الاستعاذة به من شيطان الجانّ، فإنّه لا يكفّه عنك الإحسان، وإنّما يريد هلاكك ودمارك بالكلّيّة، فإنه عدو مبين لك ولأبيك من قبلك.
قال ابن جريرٍ في تفسير قوله: {وإمّا ينزغنّك من الشّيطان نزغٌ}، وإمّا يغضبنّك من الشّيطان غضبٌ يصدّك عن الإعراض عن الجاهلين ويحملك على مجازاتهم {فاستعذ باللّه}؛ يقول: فاستجر باللّه من نزغه {سميعٌ عليمٌ}؛ يقول: إنّ اللّه الّذي تستعيذ به من نزغ الشّيطان سميعٌ لجهل الجاهل عليك، والاستعاذة به من نزغه، ولغير ذلك من كلام خلقه، لا يخفى عليه منه شيءٌ، عليمٌ بما يذهب عنك نزغ الشّيطان، وغير ذلك من أمور خلقه.
وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: لمّا نزل: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «يا ربّ، كيف بالغضب؟
» فأنزل اللّه: {وإمّا ينزغنّك من الشّيطان نزغٌ فاستعذ باللّه إنّه سميعٌ عليمٌ}.
قلت: وقد تقدّم في أوّل الاستعاذة حديث الرّجلين اللّذين تسابّا بحضرة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فغضب أحدهما حتّى جعل أنفه يتمزّع غضبًا، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
«إنّي لأعلم كلمةً لو قالها لذهب عنه ما يجد: أعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم ». فقيل له، فقال: ما بي من جنونٍ
وأصل "النّزغ": الفساد، إمّا بالغضب أو غيره، قال اللّه تعالى: {وقل لعبادي يقولوا الّتي هي أحسن إنّ الشّيطان ينزغ بينهم}[الإسراء: 53] و"العياذ": الالتجاء والاستناد والاستجارة من الشّرّ، وأمّا "الملاذ" ففي طلب الخير، كما قال أبو الطّيب [الحسن بن هانئٍ] المتنبّي:
يا من ألوذ به فيما أؤمّله ....... ومن أعوذ به ممّا أحاذره
لا يجبر النّاس عظمًا أنت كاسره ....... ولا يهيضون عظمًا أنت جابره

وقد قدّمنا أحاديث الاستعاذة في أوّل التّفسير، بما أغنى عن إعادته هاهنا). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 530-533]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إنّ الّذين اتّقوا إذا مسّهم طائفٌ من الشّيطان تذكّروا فإذا هم مبصرون (201) وإخوانهم يمدّونهم في الغيّ ثمّ لا يقصرون (202)}
يخبر تعالى عن المتّقين من عباده الّذين أطاعوه فيما أمر، وتركوا ما عنه زجر، أنّهم {إذا مسّهم} أي: أصابهم "طيفٌ" وقرأ آخرون: "طائفٌ"، وقد جاء فيه حديثٌ، وهما قراءتان مشهورتان، فقيل: بمعنًى واحدٍ. وقيل: بينهما فرقٌ، ومنهم من فسّر ذلك بالغضب، ومنهم من فسّره بمسّ الشّيطان بالصّرع ونحوه، ومنهم من فسّره بالهمّ بالذّنب، ومنهم من فسّره بإصابة الذّنب.
وقوله: {تذكّروا}؛ أي: عقاب اللّه وجزيل ثوابه، ووعده ووعيده، فتابوا وأنابوا، واستعاذوا باللّه ورجعوا إليه من قريبٍ. {فإذا هم مبصرون} أي: قد استقاموا وصحوا ممّا كانوا فيه.
وقد أورد الحافظ أبو بكر بن مردويه هاهنا حديث محمّد بن عمرٍو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، قال: جاءت امرأةٌ إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وبها طيفٌ فقالت: يا رسول اللّه، ادع اللّه أن يشفيني. فقال:
«إن شئت دعوت اللّه فشفاك، وإن شئت فاصبري ولا حساب عليك». فقالت: بل أصبر، ولا حساب عليّ.
ورواه غير واحدٍ من أهل السّنن، وعندهم: قالت يا رسول اللّه، إنّي أصرع وأتكشّف، فادع اللّه أن يشفيني. فقال:
«إن شئت دعوت اللّه أن يشفيك، وإن شئت صبرت ولك الجنّة؟» فقالت: بل أصبر، ولي الجنّة، ولكن ادع اللّه أن لا أتكشّف، فدعا لها، فكانت لا تتكشّف.
وأخرجه الحاكم في مستدركه، وقال: صحيحٌ على شرط مسلمٍ، ولم يخرّجاه
وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة "عمرو بن جامعٍ" من تاريخه: أنّ شابًّا كان يتعبّد في المسجد، فهويته امرأةٌ، فدعته إلى نفسها، وما زالت به حتّى كاد يدخل معها المنزل، فذكر هذه الآية: {إنّ الّذين اتّقوا إذا مسّهم طائفٌ من الشّيطان تذكّروا فإذا هم مبصرون} فخرّ مغشيًّا عليه، ثمّ أفاق فأعادها، فمات. فجاء عمر فعزّى فيه أباه وكان قد دفن ليلًا فذهب فصلّى على قبره بمن معه، ثمّ ناداه عمر فقال: يا فتى {ولمن خاف مقام ربّه جنّتان} [الرّحمن: 46] وأجابه الفتى من داخل القبر: يا عمر، قد أعطانيهما ربّي، عزّ وجلّ، في الجنّة مرّتين). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 534]

تفسير قوله تعالى: {وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ (202) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وإخوانهم}؛ أي: وإخوان الشّياطين من الإنس، كقوله: {إنّ المبذّرين كانوا إخوان الشّياطين} [الإسراء:27] وهم أتباعهم والمستمعون لهم القابلون لأوامرهم {يمدّونهم في الغيّ} أي: تساعدهم الشّياطين على [فعل] المعاصي، وتسهّلها عليهم وتحسنها لهم.
وقال ابن كثيرٍ: المدّ: الزّيادة. يعني: يزيدونهم في الغيّ، يعني: الجهل والسّفه.
{ثمّ لا يقصرون}؛ قيل: معناه إنّ الشّياطين تمدّ، والإنس لا تقصر في أعمالهم بذلك. كما قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: {وإخوانهم يمدّونهم في الغيّ ثمّ لا يقصرون}؛ قال: لا الإنس يقصرون عمّا يعملون من السّيّئات، ولا الشّياطين تمسك عنهم.
قيل: معناه كما رواه العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {يمدّونهم في الغيّ ثمّ لا يقصرون}؛ قال: هم الجنّ، يوحون إلى أوليائهم من الإنس {ثمّ لا يقصرون}؛ يقول: لا يسأمون.
وكذا قال السّدّي وغيره: يعني إنّ الشّياطين يمدّون أولياءهم من الإنس ولا تسأم من إمدادهم في الشّرّ؛ لأنّ ذلك طبيعةٌ لهم وسجيّة، لا تفتر فيه ولا تبطل عنه، كما قال تعالى: {ألم تر أنّا أرسلنا الشّياطين على الكافرين تؤزّهم أزًّا}[مريم: 83] قال ابن عبّاسٍ وغيره: تزعجهم إلى المعاصي إزعاجًا). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 534-535]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:39 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة