العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة النمل

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24 رجب 1434هـ/2-06-2013م, 10:19 AM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآَنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {وإنّك لتلقّى القرءان} [النمل: 6] لتقبل القرآن في تفسير الحسن.
وقال قتادة: وإنّك لتأخذ القرآن.
وقال السّدّيّ: وإنّك لتؤتى القرآن.
قال: {من لدن} [النمل: 6]، أي: من عند.
{حكيمٍ عليمٍ} [النمل: 6]، يعني: نفسه، حكيمٌ في أمره عليمٌ بخلقه). [تفسير القرآن العظيم: 2/533]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ)
: ( {وإنّك لتلقّى القرآن}: أي : تأخذه عنه , ويلقى عليك.). [مجاز القرآن: 2/92]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وإنّك لتلقّى القرآن}: أي : يلقي عليك , فتلقّاه أنت، أي: تأخذه.).[تفسير غريب القرآن: 322]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ:{وإنّك لتلقّى القرآن من لدن حكيم عليم}
أي: يلقى إليك القرآن وحيا من عند الله، أنزله بعلمه، وحكمته ).[معاني القرآن: 4/108]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم}: أي يلقى عليك، فتتلقاه ). [معاني القرآن: 5/114]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {لتلقى}: أي: لتناول، {من لدن حكيم عليم} أي: من عند حكيم عليم ). [ياقوتة الصراط: 391]

تفسير قوله تعالى:{إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {إذ قال موسى لأهله إنّي آنست نارًا} [النمل: 7] قال قتادة: إنّي أحسست نارًا.
وقال في آيةٍ أخرى: {إذ رأى نارًا} [طه: 10] رآها نارًا عند نفسه، وإنّما كانت نورًا.
وتفسير السّدّيّ: {إنّي آنست نارًا} [النمل: 7]، يعني: أنّي رأيت نورًا.
{سآتيكم منها بخبرٍ} [النمل: 7] الطّريق، وكان على غير طريقٍ.
وقال في آيةٍ أخرى: {أو أجد على النّار هدًى} [طه: 10]، أي: هداةً يهدون إلى الطّريق.
[تفسير القرآن العظيم: 2/533]
{أو آتيكم بشهابٍ قبسٍ} [النمل: 7] وقال في آيةٍ أخرى: {أو جذوةٍ من النّار} [القصص: 29] وهو أصل الشّجرة.
{لعلّكم تصطلون} [النمل: 7] لكي تصطلوا.
قال قتادة: وكان شاتيًا). [تفسير القرآن العظيم: 2/534]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {أو آتيكم بشهابٍ قبسٍ...}

نوّن عاصم، والأعمش في الشهاب، والقبس، وأضافه أهل المدينة:{بشهاب قبس} وهو بمنزلة قوله: {ولدار الآخرة} ممّا يضاف إلى اسمه إذا اختلف أسماؤه ). [معاني القرآن: 2/286]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({إنّي آنست ناراً } أي: أبصرت وأحسست بها، {بشهابٍ قبسٍ} أي : بشعالة نارٍ، ومجاز {قبس}: ما اقتبست منها من الجمر، قال:
في كفّه صعدة مثقفة= فيها سنانٌ كشعلة القبس.).
[مجاز القرآن: 2/92]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {إذ قال موسى لأهله إنّي آنست ناراً سآتيكم مّنها بخبرٍ أو آتيكم بشهابٍ قبسٍ لّعلّكم تصطلون}
وقال: {بشهابٍ قبسٍ}، إذا جعل "القبس" بدلا من "الشّهاب"، وإن أضاف "الشّهاب" إلى "القبس" لم ينون "الشّهاب"، وكلٌّ حسن ).[معاني القرآن: 3/19]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {آنست نارا}: أبصرت وأحسست.
{بشهاب قبس}: الشهاب النار. والقبس الاقتباس). [غريب القرآن وتفسيره: 286]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ)
: ( (الشهاب): النار، والشهاب: الكوكب، في موضع آخر، و(القبس): النار تقبس.
يقال: قبست النار قبساً، واسم ما قبست: «قبس» ).[تفسير غريب القرآن: 322]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ:{إذ قال موسى لأهله إنّي آنست نارا سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلّكم تصطلون}:
موضع (إذ) نصب.
المعنى : اذكر إذ قال موسى لأهله، أي : اذكر قصة موسى.
ومعنى :{آنست ناراً}: رأيت ناراً.
وقوله عزّ وجلّ : {أو آتيكم بشهاب قبس}: يقرأ بالتّنوين وبالإضافة، فمن نوّن جعل { قبس }من صفة شهاب، وكل أبيض ذي نور، فهو شهاب.
وقوله عزّ وجلّ:{لعلّكم تصطلون} جاء في التفسير : أنهم كانوا في شتاء، فلذلك احتاجوا إلى الاصطلاء ). [معاني القرآن: 4/108]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إذ قال موسى لأهله إني آنست ناراً}
قال أبو عبيدة : أي: أبصرت.
قال أبو جعفر : ومنه قيل : إنس ؛ لأنهم مرئيون .
ثم قال جل وعز: {سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس}
قال أبو عبيدة : الشهاب : النار .
قال أبو إسحاق : قال لكل ذي نور : شهاب.
قال أحمد بن يحيى : أصل الشهاب : عود في أحد طرفيه جمرة , والآخر لا نار فيه، والجذوة كذلك إلا أنها أغلظ من الشهاب، سميت جذوة لأنها أصل الشجرة كما هي .
قال أبو جعفر : يقال: قبست النار، أقبسها قبساً، والاسم القبس.
ثم قال جل وعز: {لعلكم تصطلون}
روى عكرمة , عن ابن عباس قال : كانوا شاتين، وكانوا قد أخطأوا الطريق ). [معاني القرآن: 5/114-115]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : ({آنَسْتُ}: أبصرت.
(الشِهَابٍ): النار
(القَبَسٍ): النار
{تصْطَلُونَ}: تسخنون بها ). [العمدة في غريب القرآن: 229]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {فلمّا جاءها} [النمل: 8] جاء إلى النّار عند نفسه.
{نودي أن بورك من في النّار} [النمل: 8]، أي: أنّها عند موسى نارٌ، يعني بقوله: {بورك من في النّار} [النمل: 8] نفسه، وإنّما كان ضوء نور ربّ العالمين، في تفسير سعيدٍ عن قتادة.
{ومن حولها} [النمل: 8] قال قتادة: {ومن حولها} [النمل: 8] الملائكة، وهي في مصحف أبيّ بن كعبٍ: نودي أن بوركت النّار ومن حولها.
{وسبحان اللّه ربّ العالمين {8} يا موسى إنّه أنا اللّه العزيز الحكيم {9}). [تفسير القرآن العظيم: 2/534]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {نودي أن بورك من في النّار...}

تجعل (أن) في موضع نصب إذا أضمرت اسم موسى في {نودي} , وإن لم تضمر اسم موسى كانت (أن) في موضع رفع: نودي ذلك , وفي حرف أبيّ: {أن بوركت النار}،
{ومن حولها} : يعني: الملائكة، والعرب تقول: باركك الله، وبارك فيك، وبارك عليك ). [معاني القرآن: 2/286]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {فلمّا جاءها نودي أن بورك من في النّار ومن حولها وسبحان اللّه ربّ العالمين}
قال: {نودي أن بورك أي: نودي بذلك ). [معاني القرآن: 3/19]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ:{فلمّا جاءها نودي أن بورك من في النّار ومن حولها وسبحان اللّه ربّ العالمين}
أي : فلمّا جاء موسى النار{نودي أن بورك من في النّار ومن حولها}.
فموضع " أن " إن شئت كان نصباً، وإن شئت كان رفعاً، فمن حكم عليها بالنصب، فالمعنى نودي موسى، بأنّه بورك من في النّار، واسم ما لم يسمّ فاعله مضمر في {نودي},
ومن حكم عليها بالرفع، كانت اسم ما لم يسمّ فاعله، أي : نودي أن بورك، وجاء في التفسير أن {من في النار} ههنا نور اللّه عزّ وجلّ .
{ومن حولها} قيل : الملائكة، وقيل: نور اللّه.
وقوله: {وسبحان اللّه ربّ العالمين}معناه : تنزيه اللّه تبارك وتعالى عن السوء، كذلك جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا فسّره أهل اللغة ). [معاني القرآن: 4/108-109]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها}
أي : فلما جاءها موسى نودي : {أن بورك من في النار ومن حولها}.
روى عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: النار نور الله جل وعز نادى موسى صلى الله عليه وسلم , وهو في النور , {ومن حولها }: الملائكة .
وروى موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب : النار : نور الله جل وعز، ومن حولها : موسى والملائكة صلى الله عليه وسلم .
وقيل : {من في النار }: الملائكة الموكلون بها، {ومن حولها }:ىالملائكة أيضاً، والمعنى يقولون : سبحان الله رب العالمين
وروى ابن أبي نجيح، عن مجاهد :{ولم يعقب}: ولم يرجع ).[معاني القرآن: 5/116-117]

تفسير قوله تعالى: {يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إنّه أنا اللّه...}
هذه الهاء: هاء عماد، وهو اسم لا يظهر، وقد فسّر.).[معاني القرآن: 2/287]

تفسير قوله تعالى: {وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (11)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({وألق عصاك} [النمل: 10] فألقاها.
{فلمّا رآها تهتزّ كأنّها جانٌّ} [النمل: 10] كأنّها حيّةٌ، وقال في آيةٍ أخرى: {فإذا هي حيّةٌ تسعى} [طه: 20].
{ولّى مدبرًا} [النمل: 10] من الفرق.
{ولم يعقّب} [النمل: 10] وقال قتادة: أي: ولم يلتفت.
[تفسير القرآن العظيم: 2/534]
وقال مجاهدٌ: ولم يرجع.
{يا موسى لا تخف إنّي لا يخاف لديّ المرسلون} [النمل: 10] قال قتادة: عندي.
{إلا من ظلم ثمّ بدّل حسنًا بعد سوءٍ فإنّي غفورٌ رحيمٌ} [النمل: 11] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/535]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (تفسير الحسن: {لا يخاف لديّ المرسلون} [النمل: 10] في الآخرة وفي الدّنيا، لأنّهم أهل الولاية وأهل المحبّة: {إلا من ظلم ثمّ بدّل حسنًا بعد سوءٍ} [النمل: 11] فإنّه لا يخاف عندي، وكان موسى ممّن ظلم ثمّ بدّل حسنًا بعد سوءٍ، فغفر اللّه له، وهو قتل ذلك القبطيّ، لم يتعمّد قتله ولكن تعمّد وكزه). [تفسير القرآن العظيم: 2/535]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {كأنّها جانٌّ...}

الجانّ: الحيّة: التي ليست بالعظيمة, لا الصّغيرة، وقوله: {ولّى مدبراً ولم يعقّب}: لم يلتفت، وقوله: {إنّي لا يخاف لديّ المرسلون}، ثم استثنى، فقال: {إلاّ من ظلم ثمّ بدّل حسناً بعد سوءٍ...} فهذا مغفور له، فيقول القائل. كيف صيّر خائفاً؟ قلت: في هذه وجهان: أحدهما أن تقول: إن الرّسل معصومة، مغفور لها، آمنة يوم القيامة, ومن خلط عملاً صالحاً وآخر سيّئاً، فهو يخاف، ويرجو: فهذا وجه، والآخر أن تجعل الاستثناء من الذين تركوا في الكلمة؛ لأنّ المعنى: لا يخاف المرسلون إنما الخوف على غيرهم ). [معاني القرآن: 2/287]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (ثم استثنى فقال: {إلاّ من ظلم}، فإنّ هذا لا يخاف يقول: كان مشركاً, فتاب، وعمل حسناً، فذلك مغفور له، ليس بخائف.
وقد قال بعض النحويّين: إن (إلا) في اللغة بمنزلة الواو، وإنما معنى هذه الآية: لا يخاف لديّ المرسلون، ولا من ظلم ثم بدّل حسنا، وجعلوا مثله قول الله: {لئلاّ يكون للناس عليكم حجّةٌ إلاّ الّذين ظلموا} أي : ولا الذين ظلموا، ولم أجد العربيّة تحتمل ما قالوا، لأني لا أجيز قام الناس إلا عبد الله، وهو قائم؛ إنما الاستثناء أن يخرج الاسم الذي بعد إلاّ من معنى الأسماء قبل إلاّ.
وقد أراه جائزاً أن تقول: عليك ألف سوى ألفٍ آخر، فإن وضعت (إلاّ) في هذا الموضع صلحت , وكانت (إلاّ) في تأويل ما قالوا, فأما مجرّدةً قد استثنى قليلها من كثيرها فلا, ولكن مثله ممّا يكون في معنى إلاّ كمعنى الواو , وليست بها، قوله: {خالدين فيها ما دامت السّموات والأرض إلاّ ما شاء ربّك}، هو في المعنى: إلاّ الذي شاء ربّك من الزيادة، فلا تجعل إلا {في منزلة}الواو، ولكن بمنزلة سوى, فإذا كانت سوى في موضع إلاّ صلحت بمعنى الواو؛ لأنك تقول: عندي مال كثير سوى هذا، أي : و هذا عندي؛ كأنك قلت: عندي مال كثير وهذا، وهو في سوى أنفذ منه في إلاّ لأنك قد تقول: عندي سوى هذا، ولا تقول: إلاّ هذا ). [معاني القرآن: 2/288]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({كأنّها جانٌّ}: وهي جنس من الحيات، "ولم يعقّب " أي : ولم يرجع، يقال: عقب عليه، فأخذه ).[مجاز القرآن: 2/92]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {إلاّ من ظلم ثمّ بدّل حسناً بعد سوءٍ فإنّي غفورٌ رّحيمٌ}
وقال: {إلاّ من ظلم ثمّ بدّل حسناً بعد سوءٍ}: لأن {إلاّ} تدخل في مثل هذا الكلام كمثل قول العرب: "ما أشتكي إلاّ خيراً" , فلم يجعل قوله "إلاّ خيراً" على الشكوى، ولكنه علم إذا قال لهم "ما أشتكي شيئاً" أنه يذكر من نفسه خيراً، كأنه قال "ما أذكر إلاّ خيراً".). [معاني القرآن: 3/19]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( (الجان): الحيّة التي ليست بعظيمة، {ولم يعقّب}: لم يرجع، ويقال: لم يلتفت، يقال: كرّ على القوم، وما عقّب،
ويرى أهل النظر: أنه مأخوذ من «العقب» ). [تفسير غريب القرآن: 322]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {يا موسى لا تخف إنّي لا يخاف لديّ المرسلون إلّا من ظلم}: مفسر في كتاب «تأويل المشكل».). [تفسير غريب القرآن: 322]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وكقوله سبحانه:{إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} لم يقع الاستثناء من المرسلين، وإنما وقع من معنى مضمر في الكلام، كأنه قال: لا يخاف لديّ المرسلون، بل غيرهم الخائف، إلا من ظلم ثم تاب فإنه لا يخاف.
وهذا قول الفراء، وهو يبعد: لأن العرب إنما تحذف من الكلام ما يدل عليه ما يظهر، وليس في ظاهر هذا الكلام- على هذا التأويل- دليل على باطنه.
قال أبو محمد:
والذي عندي فيه، والله أعلم، أنّ موسى عليه السلام، لما خاف الثعبان وولّى ولم يعقّب، قال الله عز وجل: {يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ}
وعلم أن موسى مستشعر خيفة أخرى من ذنبه في الرّجل الّذي وكزه فقضى عليه، فقال: {إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ} أي توبة وندما، فإنه يخاف، وإني غفور رحيم. وبعض النحويين يحمل (إلّا من ظلم) بمعنى: ولا من ظلم، كقوله: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ}.
على مذهب من تأول هذا في (إلّا): كقوله في سورة الأنفال، بعد وصف المؤمنين: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ}. ولم يشبّه قصة المؤمنين بإخراج الله إيّاه، ولكن الكلام مردود إلى معنى في أول السورة ومحمول عليه، وذلك: أن النبي صلّى الله عليه وسلم، رأى يوم بدر قلّة المسلمين وكراهة كثير منهم للقتال، فنفّل كلّ امرئ منهم ما أصاب، وجعل لكل من قتل قتيلا كذا، ولمن أتى بأسير كذا، فكره ذلك قوم فتنازعوا واختلفوا وحاجّوا النبي، صلّى الله عليه وسلم، وجادلوه، فأنزل الله سبحانه: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} يجعلها لمن يشاء {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ}. أي فرّقوها بينكم على السواء {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}،
ووصف المؤمنين ثم قال: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} يريد: أن كراهتهم لما فعلته في الغنائم ككراهتهم للخروج معك،
كأنه قال: هذا من كراهيتهم كما أخرجك وإيّاهم ربّك وهم كارهون.
ومن تتبع هذا من كلام العرب وأشعارها وجده كثيرا.
قال الشاعر:
فلا تدفنوني إنّ دفني محرّم = عليكم، ولكنْ خامِرِي أمَّ عامِر
يريد: لا تدفنوني ولكن دعوني للتي يقال لها إذا صيدت: خامري أمّ عامر، يعني الضّبع، لتأكلني.
وقال عنترة:
هل تبلغنِّي دارَها شَدَنِيَّة = لُعِنَتِ بمحرومِ الشَّرابِ مُصَرَّمِ
يريد: دُعيَ عليها بأن يحرم ضرعها أن يدرَّ فيه لَبَن، فاستجيب للداعي، فلم تحمل ولم ترضع.
ومثله قول الآخر:
ملعونة بعقر أو خادج
أي: دعي عليها أن لا تحمل، وإن حملت: أن تلقي ولدها لغير تمام، فإذا لم تحمل الناقة ولم ترضع كان أقوى لها.
ومن أمثال العرب: (عسى الغوير أبؤسا) أي: أن يأتينا من قبل الغوير بأس ومكروه. والغوير: ماء، ويقال: هو تصغير غار). [تأويل مشكل القرآن: 219-220]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وكقوله سبحانه: {إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ * إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ}
لم يقع الاستثناء من المرسلين، وإنما وقع من معنى مضمر في الكلام، كأنه قال: لا يخاف لديّ المرسلون، بل غيرهم الخائف، إلا من ظلم ثم تاب فإنه لا يخاف.
وهذا قول الفراء، وهو يبعد: لأن العرب إنما تحذف من الكلام ما يدل عليه ما يظهر، وليس في ظاهر هذا الكلام- على هذا التأويل- دليل على باطنه.
قال أبو محمد:
والذي عندي فيه، والله أعلم، أنّ موسى عليه السلام، لما خاف الثعبان وولّى ولم يعقّب، قال الله عز وجل: {يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ}
وعلم أن موسى مستشعر خيفة أخرى من ذنبه في الرّجل الّذي وكزه فقضى عليه، فقال: {إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ} أي توبة وندما، فإنه يخاف، وإني غفور رحيم. وبعض النحويين يحمل (إلّا من ظلم) بمعنى: ولا من ظلم، كقوله: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ}. على مذهب من تأول هذا في (إلّا): كقوله في سورة الأنفال، بعد وصف المؤمنين: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ}. ولم يشبّه قصة المؤمنين بإخراج الله إيّاه، ولكن الكلام مردود إلى معنى في أول السورة ومحمول عليه، وذلك: أن النبي صلّى الله عليه وسلم، رأى يوم بدر قلّة المسلمين وكراهة كثير منهم للقتال، فنفّل كلّ امرئ منهم ما أصاب، وجعل لكل من قتل قتيلا كذا، ولمن أتى بأسير كذا، فكره ذلك قوم فتنازعوا واختلفوا وحاجّوا النبي، صلّى الله عليه وسلم، وجادلوه، فأنزل الله سبحانه: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} يجعلها لمن يشاء {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ}. أي فرّقوها بينكم على السواء {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}، ووصف المؤمنين ثم قال: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} يريد: أن كراهتهم لما فعلته في الغنائم ككراهتهم للخروج معك، كأنه قال: هذا من كراهيتهم كما أخرجك وإيّاهم ربّك وهم كارهون.
ومن تتبع هذا من كلام العرب وأشعارها وجده كثيرا.
قال الشاعر:
فلا تدفنوني إنّ دفني محرّم = عليكم، ولكنْ خامِرِي أمَّ عامِر
يريد: لا تدفنوني ولكن دعوني للتي يقال لها إذا صيدت: خامري أمّ عامر، يعني الضّبع، لتأكلني.
وقال عنترة:
هل تبلغنِّي دارَها شَدَنِيَّة = لُعِنَتِ بمحرومِ الشَّرابِ مُصَرَّمِ
يريد: دُعيَ عليها بأن يحرم ضرعها أن يدرَّ فيه لَبَن، فاستجيب للداعي، فلم تحمل ولم ترضع.
ومثله قول الآخر:
ملعونة بعقر أو خادج
أي: دعي عليها أن لا تحمل، وإن حملت: أن تلقي ولدها لغير تمام، فإذا لم تحمل الناقة ولم ترضع كان أقوى لها.
ومن أمثال العرب: (عسى الغوير أبؤسا) أي: أن يأتينا من قبل الغوير بأس ومكروه. والغوير: ماء، ويقال: هو تصغير غار). [تأويل مشكل القرآن: 221-219] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
: (وقوله: {وألق عصاك فلمّا رآها تهتزّ كأنّها جانّ ولّى مدبرا ولم يعقّب يا موسى لا تخف إنّي لا يخاف لديّ المرسلون}
{فلمّا رآها تهتزّ كأنّها جانّ ولّى مدبراً}:أي: تتحرك كما يتحرك الجانّ حركة خفيفة، وكانت في صورة الثعبان، وهو؛ العظيم من الحيات.
{ولّى مدبرا ولم يعقّب}: جاء في التفسير : {لم يعقب}: لم يلتفت، وجاء أيضًا : لم يرجع.
وأهل اللغة يقولون : لم يرجع، يقال: قد عقّب فلان إذا رجع يقاتل بعد أن ولى.
قال لبيد:
حتّى تهجّر في الرّواح وهاجه= طلب المعقّب حقّه المظلوم
وقوله عزّ وجلّ: {إنّي لا يخاف لديّ المرسلون}:معناه : لا يخاف عندي المرسلون.). [معاني القرآن: 4/110]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إلّا من ظلم ثمّ بدّل حسنا بعد سوء فإنّي غفور رحيم}
(إلّا) استثناء ليس من الأوّل، والمعنى، واللّه أعلم، لكن من ظلم , ثم تاب من المرسلين وغيرهم، وذلك قوله: {ثمّ بدّل حسنا بعد سوء فإنّي غفور رحيم} ). [معاني القرآن: 4/110]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إني لا يخاف لدي المرسلون إلا من ظلم}
في معناه أقوال:
أ- منها: أن في الكلام حذفاً, والمعنى :إني لا يخاف لدي المرسلون, إنما يخاف غيرهم ممن ظلم إلا من ظلم , ثم تاب ؛ فإنه لا يخاف .
ب- وقيل : المعنى : لا يخاف لدي المرسلون , لكن من ظلم من المرسلين وغيرهم, ثم تاب , فليس يخاف.
ج- وقيل :إلا بمعنى الواو , وذا ليس بجيد في العربية.). [معاني القرآن: 5/117]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({ولَمْ يُعَقِّبْ}: أي : لم يرجع , ولم يلتفت.).[تفسير المشكل من غريب القرآن: 179]

تفسير قوله تعالى: {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آَيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (12)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {وأدخل يدك} [النمل: 12] قال السّدّيّ: يعني: يده بعينها.
{في جيبك} [النمل: 12] قال قتادة: أي: في جيب قميصك.
{تخرج بيضاء من غير سوءٍ} [النمل: 12] قال: من غير برصٍ، في تفسير قتادة والسّدّيّ.
قال: وحدّثني قرّة بن خالدٍ عن الحسن، قال: أخرجها واللّه كأنّها مصباحٌ، فعلم موسى أن قد لقي ربّه.
وقوله عزّ وجلّ: {في تسع آياتٍ} [النمل: 12] قال السّدّيّ: مع تسع آياتٍ.
[تفسير القرآن العظيم: 2/535]
{إلى فرعون وقومه إنّهم كانوا قومًا فاسقين} [النمل: 12] قال مجاهدٌ: التّسع الآيات: يده، وعصاه، والطّوفان، والجراد، والقمّل والضّفادع، والدّم، {ولقد أخذنا آل فرعون بالسّنين ونقصٍ من الثّمرات} [الأعراف: 130].
الحسن بن دينارٍ، عن يزيد الرّقاشيّ، قال: الطّوفان، والجراد، والقمّل، والضّفادع، والدّم، ويده، وعصاه، والسّنين، ونقصٌ من الثّمرات). [تفسير القرآن العظيم: 2/536]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوءٍ في تسع آياتٍ...}

معناه: افعل هذا , فهي آية في تسع, ثم قال: {إلى فرعون} , ولم يقل: مرسل , ولا مبعوث؛ لأنّ شأنه معروف أنه مبعوث إلى فرعون. وقد قال الشاعر:
رأتني بحبليها فصدّت مخافةً = وفي الحبل روعاء الفؤاد فروق
أراد: رأتني أقبلت بحبليها: بحبلي النّاقة , فأضمر فعلاً، كأنه قال: رأتني مقبلاً.
وقوله: {وإلى ثمود أخاهم صالحاً} , نصب بإضمار {أرسلنا} ). [معاني القرآن: 2/288]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({تخرج بيضاء من غير سوءٍ في تسع آياتٍ} : أي: هذه الآية مع تسع آيات ). [تفسير غريب القرآن: 323]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقال تعالى: {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آَيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ}.
أراد في تسع آيات إلى هذه الآية، أي معها. ثم قال: إلى فرعون ولم يقل مرسلا ولا مبعوثا، لأن ذلك معروف.
ومثله: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} أي: أرسلنا.
قال الشاعر:
رأتني بحبلَيْها فصدَّتْ مَخافةً = وفي الحبلِ رَوعاءُ الفؤادِ فَرُوقُ
أراد مقبلا بحبليها). [تأويل مشكل القرآن: 217-218]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
: (وقوله عزّ وجلّ: {وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات إلى فرعون وقومه إنّهم كانوا قوما فاسقين}
المعنى : أدخل يدك في جيبك , وأخرجها , تخرج بيضاء من غير سوء.
جاء في التفسير {من غير سوء}: من غير برص، وجاء أيضا، أنه كانت عليه مدرعة صوف بغير كمّين.
وقوله عزّ وجلّ: {في تسع آيات إلى فرعون وقومه}
{في}: من صلة قوله: وألق عصاك، وأدخل يدك.
فالتأويل: وأظهر هاتين الآيتين في تسع آيات , وتأويله من بين آيات.
وجاء في التفسير : أنّ التّسع :كون يده بيضاء من غير سوء، وكون العصا حيّة وما أصاب آل فرعون من الجدب في بواديهم، ونقص الثّمار من مزارعهم، وإرسال الجراد عليهم، والقمّل، والضفادع، والدّم والطوفان, فهذه تسع آيات.
ومثل قوله: {في تسع آيات}, ومعناه، من تسع قولهم: خذ لي عشرا ًمن الإبل فيها فحلان، المعنى : منها فحلان ). [معاني القرآن: 4/110]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء}
المعنى : وأخرجها : تخرج بيضاء .
وروى مقسم , عن ابن عباس : من غير سوء : من غير برص .
ثم قال جل وعز: {في تسع آيات}
المعنى : من تسع آيات , وفي : بمعنى من , لقربها منها , كما تقول: خذ لي عشراً من الإبل , فيها فحلان, أي: منها , وقال الأصمعي في قول امرئ القيس:
وهل ينعمن من كان آخر عهده= ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال
في بمعنى من، ويجوز أن تكون بمعنى مع، والمعنى : وألق عصاك، وأدخل يدك في جيبك، آيتان من تسع آيات .
والتسع الآيات فيما روي : كون العصا حية، وكون يده بيضاء من غير سوء، والجدب الذي أصابهم في بواديهم، ونقص الثمرات، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم .
ثم قال جل وعز: {إلى فرعون وقومه} : تخرج بيضاء إلى فرعون وقومه .
وقيل المعنى : إلى فرعون وقومه : مبعوث , ومرسل , وهذا قول الفراء). [معاني القرآن: 5/117-119]

تفسير قوله تعالى:{فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آَيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {فلمّا جاءتهم آياتنا مبصرةً} [النمل: 13] قال قتادة: أي: بيّنةٌ.
{قالوا هذا سحرٌ مبينٌ {13}). [تفسير القرآن العظيم: 2/536]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ)
: ( {فلمّا جاءتهم آياتنا مبصرةً قالوا هذا سحرٌ مّبينٌ}

وقال: {آياتنا مبصرةً} : أي: إنّها تبصّرهم حتّى أبصروا, وإن شئت قلت : {مبصرةً} , ففتحت فقد قرأها بعض الناس وهي جيدة , يعني : مبصرةً مبيّنةً ). [معاني القرآن: 3/19]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله:{فلمّا جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين}
أي: واضحة، ويجوز مبصرة، ومعناها : مبيّنة : تبصر، وترى ). [معاني القرآن: 4/110-111]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فلما جاءتهم آياتنا مبصرة}: أي: واضحة .
و{مبصرة}: أي : مبينة.). [معاني القرآن: 5/119]

تفسير قوله تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم} [النمل: 14] أنّها من عند اللّه.
قال قتادة: والجحد لا يكون إلا من بعد المعرفة.
{ظلمًا} [النمل: 14] لأنفسهم، وقال في آيةٍ أخرى: {وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} [الأعراف: 160] قال: {وعلوًّا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين} [النمل: 14] المشركين، يعنيهم، كان عاقبتهم أن دمّر اللّه عليهم ثمّ صيّرهم إلى النّار). [تفسير القرآن العظيم: 2/536]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلوّاً...}

يقول: جحدوا بالآيات التسع بعدما استيقنتها أنفسهم أنها من عند الله، ظلما وعلوّاً, وفي قراءة عبد الله :{ظلماً علياً}، مثل قوله: {وقد بلغت من الكبر عتيّاً}، و{عتيّا}).
[معاني القرآن: 2/288]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}.
يريد: أنهم كانوا لا ينسبونك إلى الكذب ولا يعرفونك به، فلما جئتهم بآيات الله، جحدوها، وهم يعلمون أنك صادق.
والجحد يكون ممن علم الشيء فأنكره، بقول الله عز وجل: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا}). [تأويل مشكل القرآن: 322] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
: (وقوله عزّ وجلّ:{وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوّا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين}
المعنى: وجحدوا بها ظلماً, وعلواً، أي: ترفعا عن أن يؤمنوا بما جاء به موسى عليه السلام, فجحدوا بها , وهم يعلمون أنها من عند اللّه.). [معاني القرآن: 4/111]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا}
أي: تكبرا ً أن تؤمنوا بموسى صلى الله عليه وسلم , وقد جاءهم بالبراهين والآيات ). [معاني القرآن: 5/119]

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 24 رجب 1434هـ/2-06-2013م, 10:23 AM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآَنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6) }

تفسير قوله تعالى: {إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) }
قال أبو عبيدةَ مَعمرُ بنُ المثنَّى التيمي (ت:209هـ): (
نحن الولاة لكل جرب تتقى = إذ أنت محتضر لكيرك صال
...
صالٍ ومصطلِ واحد أي إذ كنت عند كيرك تصطلي به). [نقائض جرير والفرزدق: 298] (م)
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (

فأدبر يكسوها الرغام كأنه = على القور والآكام جذوة مقبس
...
مقبس: معطي النار. قال: والقابس: آخذ النار. يقال: قبس مني نارا يقبسها قبسا، وأقبس. والقبس: الشعلة، وإنما شبهها بالجذوة في بريقه). [شرح ديوان امرئ القيس: 531] (م)

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقوله "حوالكا" يقال: هو يطوف واله وحوله وحواليه. ومن قال: حواليه بالكسر: فقد أخطأ، وفي القرآن {نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا} وحواليه: تثنية حوال، كما تقول: حنانية، الواحد حنان، قال الشاعر:
فقالت حنان ما أتى بك ههنا = أذو نسب أم أنت بالحي عارف?).
[الكامل: 2/732-733] (م)

تفسير قوله تعالى: {يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) }

تفسير قوله تعالى: {وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) }
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (قال أوس:
فجال ولم يعكم
(وشيع إلفه = بمنقطع الغضراء شد مؤالف)
يقول: هرب ولم يكر وعقب مثله تعقيبا. قال لبيد:
طلب المعقب حقه المظلوم
ومنه قوله (عز وجل): {ولى مدبرا ولم يعقب}). [الغريب المصنف: 3/733-734]
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : ( (ويقال: هرب ولم يكر وعقب مثله تعقيبا، قال لبيد:
طلب المعقب حقه المظلوم
ومنه قوله عز وجل: {ولى مدبرا ولم يعقب} ). [الغريب المصنف: 3/799-800]

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (11) }

تفسير قوله تعالى: {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آَيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (12) }
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (وقولهم ما أنكرك من سوء أي ليس إنكارى إياك من سوء رأيته بك إنما هو لقلة المعرفة ويقال إن السوء البرص قال الله جل ثناؤه: {أدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء} أي من غير برص). [إصلاح المنطق: 323]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آَيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13) }

تفسير قوله تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14) }

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) }

تفسير قوله تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) }

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 21 ذو الحجة 1439هـ/1-09-2018م, 07:11 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 21 ذو الحجة 1439هـ/1-09-2018م, 07:11 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 21 ذو الحجة 1439هـ/1-09-2018م, 07:21 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآَنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم}
"تلقى" تفعل، مضاعف، ومعناه: تعطى، كما قال سبحانه: وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم، قال الحسن: المعنى: أنك لتقبل القرآن.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ولا شك أنه يفيض عليه فضل الله تعالى فيقلبه صلى الله عليه وسلم، وهذه الآية رد على كفار قريش في قولهم: إن القرآن من تلقاء محمد بن عبد الله. و"من لدن" معناه: من عنده ومن جهته، و"الحكيم": ذو الحكمة في معرفته حيث يجعل رسالاته، وفي غير ذلك، لا إله إلا هو). [المحرر الوجيز: 6/516]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم قص تعالى خبر موسى، والتقدير: اذكر إذ قال موسى، وكان من أمر موسى عليه
[المحرر الوجيز: 6/516]
السلام أنه حين خرج بزوجته بنت شعيب عليهما السلام يريد مصر -وقد قرب وقت نبوته- مشوا في ليلة ظلماء ذات برد ومطر، ففقدوا النار ومسهم البرد واشتدت عليهم الظلمة وضلوا الطريق، وأصلد زناد موسى عليه السلام، فبينا هو في هذه الحال إذ رأى نارا على بعد. و"آنست" معناه: رأيت، ومنه قول حسان بن ثابت:
انظر خليلي بباب جلق هل تؤنس دون البلقاء من أحد؟
فلما رأى موسى ذلك قال لأهله ما في الآية، ومشى نحوها، فلما دنا منها بعدت هي منه، وكان ذلك نورا من نور الله عز وجل، ولم يكن نارا في نفسه، لكن ظنه موسى نارا، فناداه الله تبارك وتعالى عند ذلك، وسمع موسى عليه السلام النداء من جهة الشجرة، وأسمعه الله تعالى كلامه. و"الخبر" الذي رجاه موسى عليه السلام هو الإعلام بالطريق. وقوله: {بشهاب قبس}، شبه النار التي توجد في طرف عود أو غيره بالشهاب، ثم خصصه بأنه مما اقتبس؛ إذ الشهب قد تكون من غير اقتباس، والقبس اسم لقطعة النار تقتبس في عود أو غيره، كما أن القبض اسم ما يقبض، ومنه قول أبي زيد:
في كفة صعدة مثقفة ... فيها سنان كشعلة القبس
[المحرر الوجيز: 6/517]
وقول الآخر:
من شاء من نار الجحيم استقبسا
وأصل الشهاب الكوكب المنقض في أثر مسترق السمع، وكل ما يقال له شهاب من النيرات فعلى التشبيه، قال الزجاج: كل أبيض ذي نور فهو شهاب، وكلامه معترض، والقبس يحتمل أن يكون اسما غير صفة أضاف إليه، بمعنى: بشهاب اقتبسه أو اقتبسته، وعلى كونه صفة يكون ذلك كإضافة الدار إلى الآخرة، والصلاة إلى الأولى، وغير ذلك. وقرأ الجمهور بإضافة "شهاب" إلى "قبس"، وهي قراءة الحسن وأهل المدينة ومكة والشام، وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي: "بشهاب قبس" بتنوين "شهاب"، وهذا على الصفة، ويجوز أن تكون مصدر: قبس يقبس، كما الحلب مصدر حلب يحلب، وقال أبو الحسن: الإضافة أجود وأكثر في القراءة، كما تقول: دار آجر وسوار ذهب، حكاه أبو علي. و"تصطلون" معناه: تستدفئون من البرد). [المحرر الوجيز: 6/518]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (والضمير في "جاءها" للنار التي رآها موسى عليه السلام، وقوله تبارك وتعالى: {أن بورك} يحتمل أن تكون "أن" مفسرة، ويحتمل أن تكون في موضع نصب على تقدير: "بأن بورك"، ويحتمل أن تكون في موضع رفع على تقدير: "نودي أنه"، قاله الزجاج. وقوله: "بورك" معناه:، قدس وضوعف خيره ونمي، والبركة مختصة بالخير، ومن هذا قول أبي طالب بن عبد المطلب:
بورك الميت الغريب كما بو ... رك نبع الرمان والزيتون
و "بارك" متعد بغير حرف، تقول العرب: باركك الله.
[المحرر الوجيز: 6/518]
وقوله تعالى: {من في النار} اضطرب المتأولون فيه، فقال ابن عباس، وابن جبير، والحسن، وغيرهم: أراد عز وجل نفسه، وعبر بعضهم في هذا القول عبارات مردودة شنيعة. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: أراد النور. وقال الحسن، وابن عباس: أراد بـ "من حولها" الملائكة وموسى.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
فأما قول الحسن وغيره فإنما يتخرج على حذف مضاف، بمعنى: بورك من قدرته وسلطانه في النار، والمعنى: في النار على ظنك وما حسبت، وأما القول بأن " من في النار " النور، فهذا على أن يعبر عن النور من حيث كان أنه من نور الله تعالى، ويحتمل أن يكون من الملائكة؛ لأن ذلك النور الذي حسبه موسى نارا لم يخل من الملائكة. و" من حولها " يكون موسى والملائكة المطيفين بها. وقرأ أبي بن كعب "بوركت النار". و" من حولها " يكون موسى والملائكة، كذا حكى أبو حاتم، وحكى ابن مكي أنه قرأ: "تباركت النار ومن حولها"، وحكى الداني أبو عمرو أنه قرأ: "ومن حولها من الملائكة"، قال: وكذلك قرأ ابن عباس وعكرمة ومجاهد.
وقوله تعالى: {وسبحان الله رب العالمين} يحتمل أن يكون مما قيل في النداء لموسى
[المحرر الوجيز: 6/519]
عليه السلام، ويحتمل أن يكون خطابا لمحمد صلى الله عليه وسلم اعتراضا بين الكلامين، والمقصد به -على كلا الوجهين- تنزيه الله عز وجل مما عسى أن يخطر ببال في معنى النداء في الشجرة، وكون قدرته وسلطانه في النار. وعود "من" عليه، أي: هو منزه -في جميع هذه الحالات- عن التشبيه والتكييف، قال الثعلبي: وإنما الأمر -كما روي في التوراة-: (جاء الله من سيناء، وأشرق من ساعير، واستعلى من فاران)، المعنى: ظهرت أوامره بأنبيائه في هذه الحالات). [المحرر الوجيز: 6/520]

تفسير قوله تعالى: {يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (والضمير في "إنه" للأمر والشأن، قال الطبري: ويسميها أهل الكوفة المجهولة، آنسه الله تعالى بصفاته من العزة التي لا خوف معها، والحكمة، أي: لا نقص في أفعاله). [المحرر الوجيز: 6/520]

تفسير قوله تعالى: {وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات إلى فرعون وقومه إنهم كانوا قوما فاسقين}
أمره الله تعالى بهذين الأمرين تدريبا له في استعمالهما، وفي الكلام حذف تقديره: "فألقى موسى العصا"، فلما رآها تهتز. وأمال "رآها" بعض القراء، و"الجان": الحيات؛ لأنها تخفي أنفسها، أي: تسترها، وقالت فرقة: "الجان": صغار الحيات، وعصا موسى عليه السلام صارت حية ثعبانا وهو العظيم، وإنما شبهت بالجان في سرعة الاضطراب؛ لأن الصغار أكثر حركة من الكبار، وعلى كل قول فإن الله تبارك وتعالى خلق في العصا وغير أوصافها وأعراضها فصارت حية. وقرأ الزهري، وعمرو بن عبيد: "جأن" بالهمز.
فلما أبصر موسى عليه السلام هول ذلك المنظر ولى مدبرا ولم يعقب، قال مجاهد: لم يرجع، وقال قتادة: ولم يلتفت.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وعقب الرجل: إذا ولي عن أمر ثم صرف بدنه أو وجهه إليه كأنه انصرف على
[المحرر الوجيز: 6/520]
عقبيه، وناداه الله مؤنسا ومقويا على الأمر: يا موسى لا تخف فإن رسلي الذين اصطفيتهم للنبوة لا يخافون عندي ومعي، فأخذ موسى عليه السلام الحية فرجعت عصاه، ثم صارت له عادة). [المحرر الوجيز: 6/521]

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (11)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (واختلف الناس في الاستثناء في قوله تعالى: {إلا من ظلم}، فقال مقاتل وغيره: الاستثناء متصل، وهو من الأنبياء، وروى الحسن أن الله تعالى قال لموسى: أخفتك لقتلك النفس، وقال الحسن أيضا: كانت الأنبياء تذنب فتعاقب، ثم تذنب -والله- فتعاقب، فكيف بنا؟، وقال ابن جريج: لا يخيف الله تعالى الأنبياء إلا بذنب يصيبه أحدهم، فإن أصابه أخافه حتى يأخذه منه، قال كثير من العلماء: لم يعرف أحد من البشر لهم من ذنب إلا ما روي عن يحيى بن زكريا عليهما السلام.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وأجمع العلماء أن الأنبياء عليهم السلام معصومون من الكبائر ومن الصغائر التي هي رذائل، واختلف فيما عدا هذا، فعسى أن يشير الحسن وابن جريج إلى ما عدا ذلك.
وفي الآية -على هذا التأويل- حذف اقتضى الإيجاز والفصاحة ترك نصه، تقديره: فمن ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء. وقال الفراء وجماعة: الاستثناء منقطع، وهو إخبار عن غير الأنبياء، كأنه قال: من ظلم من الناس ثم تاب فإني غفور رحيم، وقالت فرقة: "إلا" بمعنى الواو.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا قول لا وجه له. وقرأ أبو جعفر بن القعقاع، وزيد بن أسلم: "ألا من
[المحرر الوجيز: 6/521]
ظلم" على الاستفتاح. وقوله تعالى: {ثم بدل حسنا} معناه: عملا صالحا مقترنا بتوبة، وهذه الآية تقتضي حتم المغفرة للتائب، وأجمع الناس على ذلك في التوبة من الشرك، وأهل السنة في التائب من المعاصي، على أنه في المشيئة كالمصر، لكن يغلب الرجاء على التائب والخوف على المصر، وقوله تعالى: {ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} عمت الجميع من التائب والمصر، ولا فرق بين المشرك وغيره؛ لأنه يذهب فائدته، إذ الشرك يغفر للتائب، وما دونه كذلك على تأويلهم، فما فائدة التفصيل في الآية، وهذا الاحتجاج لازم فتأمله. وروي عن أبي عمرو أنه قرأ: "حسنا بعد سوء" بفتح الحاء والسين، وهي قراءة مجاهد، وابن أبي ليلى، وقرأ محمد بن عيسى الأصبهاني: "حسنى" مثل فعلى). [المحرر الوجيز: 6/522]

تفسير قوله تعالى: {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آَيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (12)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم أمر الله تعالى موسى عليه السلام بأن يدخل يده في جيب جبته لأنها لم يكن لها كم كما قال ابن عباس رضي الله عنهما، وقال مجاهد: مدرعة صوف إلى بعض يده، و"الجيب": الفتح في الثوب لرأس الإنسان، وروي أن يد موسى عليه السلام كانت تخرج كأنها قطعة نور تلألأ، ومعنى إدخال اليد في الجيب ضم الآية إلى موسى، وإظهار تلبسها به؛ لأن المعجزات من شروطها أن يكون لها اتصال بالرائي. وقوله تعالى: {من غير سوء} أي: من غير برص ولا علة، وإنما هي آية تجيء وتذهب، وقوله: {وأدخل يدك في} متصل بقوله: "ألق" و"أدخل"، وفيه اقتضاب وحذف، تقديره: تمهد وتيسر لك ذلك في جملة تسع آيات، وهي: العصا، واليد البيضاء، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والطمس، والحجر، وفي هذين الأخيرين اختلاف، والمعنى: يجيء بهن إلى فرعون وقومه). [المحرر الوجيز: 6/522]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آَيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين}
الضمير في قوله تعالى: {جاءتهم} لفرعون وقومه، و"مبصرة" معناه: معها الإبصار
[المحرر الوجيز: 6/522]
والوضوح، وعلى هذا نحو قولهم: نهار صائم، وليل قائم ونائم، وقرأ قتادة والحسن: "مبصرة" بفتح الميم والصاد). [المحرر الوجيز: 6/523]

تفسير قوله تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وظاهر قوله تعالى: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا} حصول الكفر عنادا، وهي مسألة فيها قولان: هل يجوز أن يقع أم لا؟ فجوزت ذلك فرقة وقالت: يجوز أن يكون الرجل عارفا إلا أنه يجحد عنادا ويموت على معرفته وجحوده، فهو بذلك في حكم الكافر المخلد، قالوا: وهذا حكم إبليس، وحكم حيي بن أخطب وأخيه حسب ما روي عنهما.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وإن عورض هذا المثال فرض إنسان يجوز ذلك فيه. وقالت فرقة: لا يصح لوجهين: أحدهما أن هذا لا يجوز وقوعه من عاقل، والوجه الآخر أن المعرفة تقتضي أن يحل في القلب، وذلك إيمان، وحكم الكفر لا يلحقه إلا بأن يحل في القلب كفر، ولا يصح اجتماع الضدين في محل، قالوا: ويشبه في هذا العارف الجاحد أن يسلب عند الموافاة تلك المعرفة ويحل بدلها الكفر.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والذي يظهر عندي في هذه الآية وما جرى مجراها أن هؤلاء الكفرة إذا نظروا في آيات موسى أعطتهم قولهم: "إن هذا ليس تحت قدرة البشر"، وحصل لهم اليقين أنها من عند الله تعالى، فيغلبهم أثناء ذلك الحسد، ويتمسكون بالظنون في أنها سحر وغير ذلك حتى يسلب ذلك اليقين أو يدفع، وحكمه حكم المستلب في وجوب عذابهم.
و "ظلما" معناه: على غير استحقاق للجحد، و"العلو" في الأرض أعظم آفة على طالبه، قال الله تعالى: {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا}.
[المحرر الوجيز: 6/523]
ثم عجبه تعالى من عاقبة المفسدين قوم فرعون، وسوء منقلبهم حين كذبوا موسى، وفي هذا تمثيل لكفار قريش إذ كانوا مفسدين مستعلين. وقرأ ابن وثاب، وطلحة، والأعمش: "وعليا"، وحكى أبو عمرو الداني عنهم وعن أبان بن تغلب أنهم كسروا العين من "عليا"). [المحرر الوجيز: 6/524]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:07 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة