العودة   جمهرة العلوم > جمهرة علوم القرآن الكريم > أحكام المصاحف

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 1 ربيع الأول 1436هـ/22-12-2014م, 10:18 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

كرسي المصحف | غير مصنف
قال صَالِحٌ بْنُ مُحَمَّدِ الرَّشيدِ(م): (الكلام على هذه المسألة يتناول ثلاثة أمور:
أحدها: ماهية الكرسي المذكور.
وثانيها: حكم اتخاذه لجعل المصحف عليه، والفرق بين الكرسي الصغير والكبير.
وثالثها: حكم مس كرسي المصحف إذا كان المصحف موضوعا عليه وكان الماس له ممنوعا من مس المصحف.
أولا: ماهية الكرسي المذكور:
كرسي المصحف أو وسادته أو متكأته عيدان يوضع عليها المصحف عند نشره للقراءة، الغرض منه إمساك المصحف واعتماده عليه.
قال النووي في تهذيب الأسماء: (الكرسي معروف هو بضم الكاف وكسرها لغتان الضم أفصح وأشهر. قال الجوهري: هو مضموم وربما كسروه، وجمعه كراسي بتشديد الياء وتخفيفها لغتان ذكرهما ابن السكيت في كل ما كان من هذا القبيل مفرده مشددا كالسراري والبخاتي والعواري).
وقال ابن منظور في اللسان: (والكرسي في اللغة والكراسة إنما هو الشيء الذي قد ثبت ولزم بعضه بعضا. وعن الزجاج أن الذي نعرفه من الكرسي في اللغة الشيء الذي يعتمد عليه ويجلس عليه).
[685]
وقد يكون الكرسي للمصحف من الخشب أو الجريد أو ما يقوم مقامهما.

ثانيا: اتخاذ الكرسي للمصحف:
صرح غير واحد من أهل العلم بأنه لا يكره اتخاذ كرسي للمصحف يوضع عليه عند نشره للقراءة فيه؛ بل يباح ذلك ما دام الكرسي المذكور في حدود الحاجة ولائقا بالمصحف، فإن كان الكرسي كبيرا خارجا عن حدود المألوف فقد ذكر ابن الحاج في المدخل أنه معدود في البدع التي أحدثت في المساجد، قال: (ومن هذا الباب الكرسي الكبير الذي يعملونه في الجامع ويؤبدونه وعليه المصحف لكي يقرأ على الناس ولا ضرورة تدعو إلى ذلك لوجهين:
الأول: أنه يمسك به من المسجد موضع كبير وهو وقف على المصلين، فمنهم المصلي، ومنهم التالي، ومنهم الذاكر، ومنهم المفكر، فإذا قرأ القاريء إذ ذاك قطع عليهم ما هم فيه. وقد نهى عليه الصلاة والسلام عن رفع الصوت بالقراءة في المسجد بقوله عليه الصلاة والسلام: "لا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن"، وهو نص في عين المسألة ولا التفات إلى من فرق بين أن يكون المستمعون أكثر ممن يتشوش من المشتغلين بالصلاة وغيرها مما تقدم ذكره). ثم ذكر أن هذه البدعة من بدع الحجاج بن يوسف فقط..وقد يأتي بأبسط من هذا في مسألة وضع المصحف في المسجد من هذا البحث إن شاء الله.
ثالثا: حكم مس الكرسي في حق الممنوع من مس المصحف:
وقد أعطى فريق من أهل العلم حكم المصحف لكرسيه إذا كان عليه المصحف
[686]
في باب المس والحمل، وهذا الذي عليه جمهور الشافعية.
أما المالكية فقد سهلوا في باب المس ومنعوا من حمل الكرسي وعليه المصحف في حق من منع من حمل المصحف، وجوز الحنفية والحنابلة مس وحمل كرسي المصحف في حق الممنوع من مس المصحف قياسا على جواز مس المصحف من وراء الحوائل؛ بل أولى... والله أعلم بالصواب.
[687]


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 1 ربيع الأول 1436هـ/22-12-2014م, 10:30 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

محو المصحف | غير مصنف
قال صَالِحٌ بْنُ مُحَمَّدِ الرَّشيدِ(م): (لا يخلو محو المصحف من أن يكون لمصلحة دينية اقتضتها صيانته، أو أن يكون محوه على سبيل الاستخفاف به والإسقاط لحرمته، فإن كان الغرض من محوه صيانة القرآن كإتلاف ما كان مخالفا للمصحف الإمام أو المتضمن لتحريف أو كثير لحن، أو كان خطه بالغ الرداءة بحيث لا يمكن الانتفاع به فلا ريب بوجوب إتلافه بحرقه أو غسله أو محوه، وقد فعل الخليفة الراشد عثمان ذلك بالمصاحف المخالفة للمصحف الإمام في حضرة الصحابة رضوان الله عليهم ووافقوه عليه، وقد مر ذلك مفصلا في مسألة إتلاف المصحف ومسألة إحراق المصاحف في موضعهما من هذا البحث.
فقد أخرج ابن أبي داود في كتاب المصاحف في قصة جمع الناس على المصحف الإمام من رواية أبي قلابة عن مالك بن أنس جد الإمام مالك بن أنس قال: (كنت فيمن أملي عليهم- يعني حين كتب المصحف الإمام في عهد عثمان رضي الله عنه- فلما فرغ من المصحف كتب إلى أهل الأمصار إني قد صنعت كذا محوت ما عندي فامحوا ما عندكم).
وأما إن كان محو المصحف من مستخف به مسقط لحرمته فلا شك في كفره وردته على ما مر بيانه في مسألة الاستخفاف بالمصحف في موضعها من هذا البحث.
قال أبو الوفاء بن عقيل في تذكرته: (قال أصحابنا: فإن قال: محوت المصحف لم يكن يمينا، وروي عن أحمد مثله. وعندي أنه يمين، لأن الحالف لم يقصد بقوله محوته إلا لإسقاط الحرمة والإهانة فصار يمينا به كقوله هو يهودي
[688]
لأن من أسقط حرمته كان كافرا).
وقد ذكر بعض الأصحاب أيضا أن أبا الوفاء قد أجرى الروايتين في قوله: محوت المصحف لإسقاط حرمته وعصيت الله في كل ما أمرني به، واختار وجوب الكفارة في قوله محوت المصحف كذا في الإنصاف. وقد مر في مسألة الحلف بالصحف طرف من هذا فليعاود في موضعه من هذا البحث والله أعلم بالصواب.
[689]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 1 ربيع الأول 1436هـ/22-12-2014م, 10:40 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

المصحف في رحل الغال | غير مصنف
قال صَالِحٌ بْنُ مُحَمَّدِ الرَّشيدِ(م): (لا خلاف بين أهل العلم في أن المصحف في رحل الغال لا يحرق حتى على القول بإحراق رحل الغال.
[695]
وذلك لحرمة المصحف ولما روي أبو واقد الليثي صالح بن محمد بن زائدة قال: (دخلت مع مسلمة بن عبد الملك أرض الروم، فأتى برجل قد غل، فسأل سالما عنه فقال: سمعت أبي يحدث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا وجدتم الرجل قد غل فأحرقوا متاعه واضربوه". قال: فوجدنا في متاعه مصحفا، فسأل سالما عنه فقال: بعه وتصدق بثمنه).
وذكر الإمام محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة في كتابه السير الكبير أثرا آخر في المسألة قال: (فأما أهل الشام كانوا يقولون يحرق رحل الغال، ويروون
[696]
فيه حديثا عن الحسن رضي الله عنه قال: "يؤخذ الغلول من رحله ثم يحرق رحله إلا أن يكون فيه مصحف"، وأصحاب الحسن يروونه عنه موقوفا. وقد ذكر الأوزاعي عن الحسن هذا الحديث مرفوعا، ولكن الفقهاء لم يصححوا هذا الحديث لأنه شاذ يرويه مجهول لا يعرف، فإن الأوزاعي لم يذكر اسم الرجل الذي بينه وبين الحسن، ثم هو مخالف للآثار المشهورة).
وقد أشار بعض المحدثين إلى هذه الرواية حيث قال: (وعن الحسن: "يحرق متاعه كله إلا الحيوان والمصحف"). وقال الطحاوي: (لو صح الحديث لاحتمل أن يكون حين كانت العقوبة بالمال انتهى).
مآل مصحف الغال:
قال أبو الوفاء بن عقيل في كتابه السير من الفصول: (قال أصحابنا ويحتمل أن يباع ما لا يحرق ويتصدق بثمنه لتعم العقوبة أمواله، ويحترم الحيوان والمصحف بحسب ما أمكن، وتدخل العقوبة عليه بحسب ما أمكن.
ووجهه أنه لما تعذر في حقه العقوبة استوفيناها بنوع ولم يسقط أصلها كالعدول في حق المرضى إلى أطراف الثياب ولم يسقط أصل الحد. وهذا عندي ليس بصحيح؛
[697]
بل يسقط ذلك، ويعتصم الحيوان والمصحف لحرمتها عن التبع وإبدال الإتلاف سعة لأن التحريق عقوبة ليس يقتضيها القياس، لأن القياس في كل مال أنه يترك على ما هو من الانتفاع به ويحرم مالكه عينه بنقلها إلى غيره وحرمانه في نفسه.
فأما إتلاف الأعيان فلا يقع إلا ردعا إذا كان الإتلاف مما يردع كالقود الواجب عن القتل. فأما إذا كان الضرر ناشئا من غير المال كدفع الصائل من الحيوان بهيمة وآدمية، فأما مال ينتفع به وليس الضرر الذي نشأ منه؛ بل من مالكه... فالقياس حرمان مالكه نفعه، فإذا كان التحريق على غير القياس، فإذا اعتصم بعض أمواله بمعنى فيه وحرمة له في نفسه بقيت المالية التي فيه معصومة من تلك العقوبة، فلا يقاس عليها عقوبة أخرى هي تفويت يخص المالك).
وذكر ابن مفلح في الفروع: أن كتب العلم كالمصحف في الأصح. ولم أقف على إيضاح لمقابل الأصح أو من قال به من الأصحاب.
وقال الموفق في المغني: (فالمصحف لا يحرق إذا غل، وكذلك لا ينبغي أن تحرق كتب العلم والحديث. قال: وهذا لا خلاف فيه، وكذا ما كان تابعا للمصحف كجلد المصحف وكيسه حيث تثبت لهما الحرمة تبعا). والله أعلم بالصواب.
[698]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 1 ربيع الأول 1436هـ/22-12-2014م, 10:41 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

المصحف في الغنيمة | غير مصنف

قال صَالِحٌ بْنُ مُحَمَّدِ الرَّشيدِ(م): (لا تخلو المصاحف في الغنائم من أن تكون مصاحف قرآنية قد كتبت بالرسم المعتبر شرعا وأمن فيها التحريف والتغيير أو أن تكون من مصاحف أهل الكتاب المتضمنة للتوراة والإنجيل مثلا مما يعد من الكتب المنسوخة والشرائع المبدلة.
فإن كانت المصاحف من النوع الأول أعني المصاحف الإسلامية وكان التحريف فيها مأمونا فإن أهل العلم قد اختلفوا في هذه المصاحف متى وجدت في الغنائم؛ وقد حكى موفق الدين بن قدامة في المغني عن الثوري والأوزاعي أنهما قالا في المصحف يحصل في الغنائم يباع. وقال الشافعي: يوقف حتى يجيء صاحبه.
وإن كانت المصاحف من النوع الثاني بأن كانت قد تعرضت لتحريف وتبديل أو كانت من الكتب السماوية السابقة على القرآن كالتوراة والإنجيل ونحوهما أو كانت كتبا لأهل الكفر تتعلق بمللهم وتحكي معتقداتهم أو تتضمن ما ينافي الإسلام فإن إتلافها يكون متعينا حينئذ إما بمحوها وغسلها أو بتخريقها رعاية لماليتها فإن تعذر ذلك تعين إحراقها. وقد جرى بسط هذه المسألة في موضعها من مصنف أفردته في أحكام الخط.
[699]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 1 ربيع الأول 1436هـ/22-12-2014م, 11:02 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

نزع القرآن من المصاحف | غير مصنف
قال صَالِحٌ بْنُ مُحَمَّدِ الرَّشيدِ(م): (أخرج عبد الرزاق في مصنفه[عن الثوري عن أبيه عن المسيب ابن رافع عن شداد بن معقل قال الثوري: وحدثني عبد العزيز بن رفيع عن شداد أن ابن مسعود قال: [لينتزعن هذا القرآن من بين أظهركم، قال: قلت: يا أبا عبد الرحمن، كيف ينتزع وقد أثبتناه في صدورنا وأثبتناه في مصاحفنا؟ قال: يسري عليه في ليلة فلا يبقى في قلب عبد منه ولا مصحف منه شيء ويصبح الناس فقراء كالبهائم ثم قرأ عبد الله (ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلا).
وأخرج عبد الرزاق أيضا[عن إسرائيل عن عبد العزيز بن رفيع عن شداد بن معقل قال: سمعت ابن مسعود يقول: [إن أول ما تفقدون من دينكم الأمانة، وإن آخر ما يبقى من دينكم الصلاة، وليصلين القوم الذين لا دين لهم ولينتزعن القرآن من بين أظهركم، قالوا يا أبا عبد الرحمن، ألسنا نقرأ القرآن وقد أثبتناه في مصاحفنا؟ قال يسري عليه ليلا فيذهب من أجواف الرجال فلا يبقى منه شيء].
[704]
وأثر ابن مسعود هذا قد أخرجه أيضا الدارمي في سننه من طريق حماد بن سلمة عن عاصم عن زر عن ابن مسعود [ليسرين على القرآن ذات ليلة ولا يترك آية في مصحف ولا في قلب أحد إلا رفعتا].
وأخرجه أيضا من حديث ناجية بن عبد الله بن عتبة عن أبيه عن ابن مسعود وفيه ["يسرى عليه ليلا فيصبحون منه فقراء"].
وأخرج الديلمي في الفردوس عن أبي هريرة مرفوعا [يسرى على كتاب الله عزوجل ليل فيصبح الناس ليس منه آية ولا حرف في جوف مسلم إلا نسخت].
وقد ساق السيوطي في الدر المنثور في هذا المعنى بضعة عشر أثرا ما بين مرفوع وموقوف معزوة إلى جملة من المصنفات الحديثية فذكر من المرفوع حديث حذيفة عند الحاكم والبيهقي وصححه. وحديث أبي هريرة عند ابن عدي والديلمي وأبي الشيخ وابن مردويه. وحديث معاذ بن جبل عند الديلمي أيضا وحديث جابر بن عبد الله عند ابن مردويه، وحديثي ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم عند ابن مردويه.
[705]


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 1 ربيع الأول 1436هـ/22-12-2014م, 11:04 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

نشر المصحف | غير مصنف

قال صَالِحٌ بْنُ مُحَمَّدِ الرَّشيدِ(م): (المراد بنشر المصحف فتحه إما للتلاوة فيه وإما على سبيل الدعوة إلى تحكيمه وإما أن يكون فتحه رمزا لإعطاء الأمان وإما على أن يراد بنشر المصحف مجرد التبرك به والنظر فيه على سبيل التبرك وبنية التعبد وإما أن يكون المراد بنشره تركه على الأرض مفتوحا على سبيل الإهمال والتفريط.
وقد مر في غير موضع من هذا البحث بيان حكم معظم تلك المسائل كمسألة اتخاذ فأل منه ومسألة تحكيمه ومسألة التبرك به ومسألة القراءة منه في الصلاة ومسألة تركه على الأرض منشورا وأما مسألة نشره للنظر فيه وتعهده فسيأتي لها مزيد بيان في موضعها من هذا البحث إن شاء الله تعالى.
[607]


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 1 ربيع الأول 1436هـ/22-12-2014م, 11:14 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

النظر في المصحف | غير مصنف
قال صَالِحٌ بْنُ مُحَمَّدِ الرَّشيدِ(م): (الكلام على مسألة النظر في المصحف يتناول أمورا ثلاثة أحدها: فضل النظر في المصحف وكونه عبادة مقصودة.
والثاني: المفاضلة بين القراءة نظرا في المصحف وبين القراءة عن ظهر قلب وإيراد الآثار المروية في ذلك مرفوعها وموقوفها وبيان الصحيح والسقيم منها.
والأمر الثالث: حكم النظر في المصحف من غير مس له في حق من كان ممنوعا من مسه مسا مباشرا لقيام حدث في الماس أو لكونه كافرا ممنوعا من مس المصحف.
فضل النظر في المصحف وكونه عبادة مقصودة:
لا خلاف بين أهل العلم في فضل تعهد المصحف والنظر فيه لغرض التلاوة منه لما في القراءة فيه من فائدة الاستثبات فلا يخلط بزيادة حرف ولا إسقاط حرف، أو تقديم آية أو تأخيرها.
واستثنى بعض أهل العلم من إطلاق الفضل مسألتين:
أولاهما: مسألة نظر المصلي في المصحف أثناء صلاته، وقد مضى بسط الكلام.
[708]
فيها في مسألة القراءة من المصحف في الصلاة، فلتطلب في موضعها من هذا البحث.
وثانيتهما: مسألة القراءة من مصحف موضوع في المسجد في أوقات خاصة وعلى كيفية معينة.
لكون ذلك محدثا قد عده الإمام مالك وأصحابه من بدع الحجاج بن يوسف، وإن لم يسلم غيرهم بوجه المنع هنا على ما سيأتي تفصيله في مسألة وضع المصحف في المسجد ثم إن أهل العلم حين صرحوا بفضل النظر في المصحف قد اختلفوا في التعبير عن درجة هذا الفضل فمنهم من وصفه بالاستحباب، ومنهم من وصفه بالسنية. والظاهر أن الوصف الأول: قد بنة على اعتبار اجتهادي.
والوصف الثاني: قد عول على حجج نقلية تتمثل في جملة من الآثار المرفوعة والموقوفة وهي أثار قد ضرب عنها أهل التحقيق صفحا لعلل تمس متونها وأسانيدها على ما سيأتي بيانه عند الكلام على هاتيك الآثار وقد يقول قائل أي فائدة ترجى من إيراد مالا حجة في إيراده أصلا؟ فأقول أنما آثرت ذكرها لتعلم وليكون القاريء على بينة منها ولإن طال البحث بذكر هذه وأمثالها مما لا ضرورة لذكره فإن اختصاص هذا البحث بتناول الأحكام المتعلقة بالمصحف والآداب المرعية في حقه ينتصب شافعا لهذه الإطالة ومسوغا لطلب اتساع صدر القاريء لها.
[708]

الآثار الواردة في فضل النظر في المصحف:
وهاك جملة من الآثار المرفوعة والموقوفة المروية في فضل النظر في المصحف وفضل تعهده.
أ- الآثار المرفوعة:
1- [(أدم النظر في المصحف)] قاله لمن رمد، ذكره الشوكاني في الفوائد المجموعة غفلا عن راويه ومخرجه قال: (وفي إسناده من لا يحتج به). وذكر الفتني في تذكرته في هذا المعنى ما نصه: [رمدت فشكوت ذلك إلى جبرائيل فقال لي أدم النظر في المصحف) هو مسلسل منكر، وأورده ابن عراق في التنزيه على النحو التالي"81" (حديث) عبد الله بن مسعود رمدت فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: أدم النظر في المصحف] (البيهقي) في الشعب مسلسلا هكذا بشكاية الرمد والأمر بإدامة النظر إلى المصحف. وقال هذا منكر، ولعل البلاء فيه من محمد بن حميد الرازي (قلت) هذا عجب من السيوطي الشافعي، وهو يتعقب كثيرا على أحاديث ذكرها ابن الجوزي في الموضوعات بأن البيهقي أخرجها في الشعب أو في غيره. وأنه التزم أن لا يذكر في كتبه حديثا يعلمه موضوعا، وهذا قد أخرجه البيهقي واقتصر على وصفه بالنكارة، ومحمد بن حميد مختلف فيه، لكن لوائح الوضع ظاهرة على الحديث، فأين كان في العهد النبوي مصحف حتى يؤمر ويأمر بإدامة النظر فيه، والله أعلم.أهـ كلام ابن عراق في التنزيه، وأورد الذهبي في الطب النبوي نحوا من هذا الأثر بما نصه: (ويقال إن رجلا شكى وجع عينيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له أنظر في المصحف).
2- [أديموا النظر في المصحف] أخرجه عبد الرزاق في المصنف، وأبو
[709]
عبيد في فضائل القرآن، والطبراني في الكبير، وابن أبي شيبة في فضائل القرآن في مصنفه، وابن أبي داود في المصاحف، واللفظ لعبد الرزاق قال: (أخبرنا الثوري عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش قال: قال عبد الله بن مسعود: (أديموا النظر في المصحف فإذا اختلفتم في ياء وتا فاجعلوها ياء، ذكروا القرآن).
وذكر الحافظ في الفتح صدره وعزاه إلى أبي عبيد وصحح إسناده.
3- "أعطوا أعينكم حظها من العبادة، قالوا يارسول الله وما حظها من العبادة؟ قال: النظر في المصحف والتفكر فيه والاعتبار عند عجائبه". من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا وقد أخرجه ابن أبي الدنيا ومن طريقه أبو الشيخ ابن حبان في كتاب
[710]
العظمة بإسناد ضعيف على ما ذكره العراقي في تخريج الإحياء وأخرجه الحكيم الترمذي في النوادر والبيهقي في الشعب والقرطبي في التذكار من طريق زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعطوا أعينكم حظها من العبادة).فذكره وأخرجه العجلوني في كشف الخفا من طريق الحكيم الترمذي والبيهقي بلفظ (أعطوا العين حظها من العبادة) الحديث، قال العجلوني (رواه الحكيم الترمذي في النوادر والبيهقي عن أبي سعيد بسند ضعيف.
4- (أفضل عبادة أمتي قراءة القرآن نظرا)أخرجه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول والقرطبي في التذكار عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه مرفوعا.
5- (من أدام النظر في المصحف متع ببصره) أخرج القرطبي في التذكار قال: (وروى ابن جريج، عن أبي مليكة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أدام النظر في المصحف متع ببصره وذكره ابن عراق في التنزيه من قول سفيان وعبارته (وعن سفيان قال: (من أدام النظر في المصحف متع ببصره وخفف عن والديه العذاب وكان يقال أربعة تزيد في النظر أو في البصر، النظر إلى الوجه الحسن وإلى الخضرة وإلى الماء، والنظر في المصحف).
[711]
6- (من حفظ القرآن نظرا خفف عن أبويه العذاب، وإن كانا كافرين) ذكره الشوكاني في الفوائد المجموعة من غير ذكر لراويه أو مخرجه وذكره ابن عراق في التنزيه باللفظ المذكور أعلاه ورمز إليه ب (حب) من حديث ابن عمر، وفيه محمد بن مهاجر الطالقاني "تعقب" بأن له شاهد من حديث أبي الدرداء: (ومن قرأ مائتي آية في يوم نظرا، شفع في سبع قبور حول قبره وخفف الله العذاب عن والديه، وإن كانا مشركين) أخرجه ابن أبي داود في المصاحف. "قلت" هو من طريق خلف بن يحي أحد الكذابين فلا يصح شاهدا والله أعلم.
وأخرج ابن أبي داود عن الليث بن سعد عن بعض شيوخ أهل المدينة، قال كان يقال: كلما قرأ الرجل في المصحف خفف عن أبويه في قبورهما) أ ه كلام بن عراق.
وذكره القاضي أبو يعلي في جملة أخبار للدلالة على فضل القراءة نظرا في المصحف فقال (فروى ابن أبي داود بإسناده عن أبي داود مرفوعا (من قرأ مائتي آية كل يوم نظرا شفع في سبعة قبور حول قبره وخفف العذاب عن والديه وإن كانا مشركين). وحكاه عن القاضي، ابن مفلح في آدابه.
وأورده الزركشي في البرهان وعزاه إلى ابن أبي داود في المصاحف أيضا من حديث أبي الدرداء مرفوعا وباللفظ المذكور آنفا ومثله في الكنز وأورده القرطبي في التذكار من طريق ابن شاهين حيث أخرج من حديث إسماعيل بن عياش، عن يحي بن سعيد، عن خالد بن سعدان، عن أبي الدرداء، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ مائتي آية في المصحف كل يوم نظرا شفع في
[712]
سبع قبور حول قبره، وخفف الله عزوجل-عن والديه وإن كانا مشركين.
7- (من سره أن يحبه الله عزوجل فليقرأ في المصحف) أخرجه الديلمي في الفردوس وابن شاهين على ما في التذكار من رواية أبي الأحوص عن ابن مسعود وأورده في الكنز وعزاه إلى أبي نعيم في الحلية والبيهقي في الشعب وأخرجه ابن عدي أيضا وقال في الفتوحات الربانية (وأخرج الحافظ عن ابن مسعود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سره أن يحبه الله ورسوله فليقرأ في المصحف) وأشار إلى أنه منكر السند.
8- (من قرأ مائتي آية في المصحف كل يوم نظرا شفع في سبع قبور حول قبره وخفف الله – عزوجل عن والديه وإن كانا مشركين ).وقد مر الكلام عليه في تخريج حديث من حفظ القرآن نظرا فليعاود.
9- (النظر في المصحف عبادة) وقد روي مرفوعا عن جماعة من الصحابة منهم عائشة عند ابن لأبي داود في المصاحف وأبي الشيخ وأبي نعيم في الحلية والديلمي في الفردوس.
[713]
وروي أيضا من حديث جابر وأبي هريرة
[714]
وصحابي لم يسم بيد أن هذه الروايات جميعا قد وردت من طرق وأسانيد لا يحتج بمثلها.
10- (من علم ابنه القرآن نظرا غفر له ما تقدم وما تأخر) أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث أنس رضي الله عنه وقال الهيثمي في المجمع في باب:
[715]
"فيمن علم ولده القرآن" إثر إيراده لحديث أنس المذكور: (رواه الطبراني في الأوسط وفيه من لم أعرفه).
11- (من قرأ القرآن ظاهرا أو ناظرا حتى يختمه غرس الله له به شجرة في الجنة) إلخ أخرجه الحاكم في المستدرك وابن عدي في الكامل والطبراني في الكبير ، والبيهقي في الشعب وأورده في الكنز بما نصه: (من قرأ القرآن ظاهرا أو ناظرا حتى يختمه غرس الله له به شجرة في الجنة ولو أن غرابا أفرخ في ورقة منها ثم نهض يطير لأدركه الهرم قبل أن يقطع تلك الورقة من تلك الشجرة) "الرافعي عن حذيفة" "طب ك وتعقب هب وابن مردوية"عن ابن الزبير.
ب) الآثار الموقوفة في فضل النظر في المصحف:
1- قال عبد الله بن حسان (اجتمع اثنا عشر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن أفضل العبادات قراءة القرآن نظرا).
2- وكان عثمان رضي الله عنه يقول: ( ما أحب أن يأتي على يوم ولا ليلة إلا أنظر في كتاب الله يعني القراءة في المصحف) أخرجه عنه بهذا اللفظ الإمام أحمد في الزهد.
وذكره القرطبي بلفظ (والله إني لأكره أن يأتي على يوم لا أنظر في عهد الله عز
[716]
وجل. وذكر أبو حامد الغزالي: أن عثمان رضي الله عنه خرق مصحفين لكثرة قراءته منهما.
3- قال أبو حامد وكان كثير من الصحابة يقرءون في المصاحف ويكرهون أن يخرج يوم ولم ينظروا في المصحف.
4- (أديموا النظر في المصحف) : وقد مر تخريجه في المرفوعات وأن وقفه على عبد الله بن مسعود أصح، وقد روي عن عبد الله بن مسعود أيضا أنه كان يقول: "تعاهدوا هذه المصاحف" ، " وكان ابن مسعود إذا أصبح أمر غلامه فنشر المصحف فقرأه عليه".
" وروي أن مصحف عبد الله كان منشورا في بيته، وكان إذا اجتمع إليه إخوانه نشروا المصحف فقرؤوا وفسر لهم". كذا في فضائل القرآن لأبي عبيد، والطبري في تفسيره وابن كثير في فضائل القرآن، وقال صحيح.
5- ["إذا رجع أحدكم من سوقه فلينشر المصحف فليقرأ".. أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن قال: (حدثنا حجاج عن حماد بن سلمة عن حجاج بن أرطأة
[717]
عن ثوير بن أبي فاختة، عن ابن عمر، أنه قال: [(إذا رجع...)]فذكره. وأخرجه أيضا ابن كثير في فضائل القرآن.
6- وكان ابن عمر إذا نظر في المصحف ليقرأ بدأ فقال: اللهم أنت هديتني ولو شئت لم أهتد، لا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب وقد مر في مسألة الدعاء عند أخذ المصحف بأبسط من هذا.
7- (أفضل العبادة قراءة مائتي آية في المصحف) أخرجه في التذكار من قول عائشة رضي الله عنها.
8- وروي (أنها كانت تقرأ في المصحف فإذا انتهت إلى السجدة قامت فسجدت) ذكره غير واحد من الأصحاب عن إسحاق بن راهويه بإسناده عنها.
9- (إني لأستحي أن لا أنظر كل يوم في عهد ربي عزوجل مرة) حكاه في التذكار عن أبي موسى بلفظ (وكان أبو موسى يقول: (إني لأستحي أن لا أنظر كل يوم في عهد ربي عزوجل مرة) وقد مر مثله عن عثمان رضي الله عنه من ذات المصدرين.
10- وكان عمر بن الخطاب إذا دخل بيته نشر المصحف وقرأ فيه" أخرجه أبو
[718]
عبيد في فضائل القرآن وابن أبي داود في المصاحف والزركشي في البرهان.
وابن كثير في فضائل القرآن واللفظ لأبي عبيد قال: (حدثنا حجاج، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس، عن عمر كرم الله وجهه، أنه: "كان إذا دخل بيته نشر المصحف فقرأ فيه" . وأخرجه أيضا القرطبي في تفسيره وتذكاره.
11- "ليس من العبادات أشد على الشيطان من قراءة القرآن نظرا" حكاه القرطبي في التذكار عن شداد ابن أوس موقوفا.
12- وكان عبد الله بن عمرو بن العاص يقرأ حزبه في المصحف كل ليلة ..
فقد أخرج أبو عبيد في فضائل القرآن الأثر عنه في هذا قال: (حدثنا قبيصة عن سفيان عن الأعمش عن خيثمة قال: (دخلت على عبد الله بن عمرو وهو يقرأ في المصحف فقال: ("هذا حزبي الذي أقرأ به الليلة").
وأخرج ابن أبي شيبة في فضائل القرآن نحوا منه.
قال ابن كثير في فضائل القرآن: (فهذه الآثار تدل على أن هذا أمر مطلوب لئلا
[719]
يعطل المصحف فلا يقرأ منه ولعله قد يقع لبعض الحفظة نسيان فيستذكر منه، أو تحريف كلمة أو آية أو تقديم أو تأخير فالاستثبات أولى والرجوع إلى المصحف أثبت من أفواه الرجال).
النقول عن السلف في فضل القراءة والنظر في المصحف:
1- ذكر القاضي أبو يعلي أن ابن أبي داود قد ذكر بإسناده عن الاوزاعي قال: (كان يعجبهم النظر في المصحف بعد القراءة هية) كذا في الآداب، وعبارة الزركشي في البرهان وعن الأوزاعي: (كان يعجبهم النظر في المصحف بعد القراءة هنيهة).
2- وقد قيل: (الختمة في المصحف بسبع). ذكره الغزالي في الإحياء.
3- قال أبو حامد: (ودخل فقهاء مصر على الشافعي رضي الله عنه في السحر وبين يديه مصحف فقال له الشافعي: شغلكم الفكر عن القرآن إني لأصلي العتمة وأضع المصحف بين يدي فما أطبقه حتى أصبح.
4- وقال عبد الله ابن الإمام أحمد كان أبي يقرأ كل يوم سبعا لا يكاد يتركه نظرا.
5- وقال ابن الجوزي (وينبغي لمن كان عنده مصحف أن يقرأ فيه كل يوم آيات
[720]
يسيره لئلا يكون مهجورا.
6- وقال القرطبي وهو بصدد الكلام عن حقوق المصحف (أن لا يخلي يوما من أيامه من النظر في المصحف مرة أو مرتين واستدل بالآثار السالف ذكرها.
7- وقال ابن مفلح في الفروع – عن القراءة- :( ويستحب في المصحف ذكره الآمدي وغيره).
8- وقال شارح المنتهى (وتسن القراءة في المصحف لاشتغال حاسة البصر بالعبادة)... وجزم به في مطالب أولي النهى.
9- وقد صرح غير واحد من فقهاء الأحناف بفضل القراءة في المصحف قال في البزازية (والقراءة في الأسباع جائزة لكن الأفضل القراءة من المصحف لكون الأسباع محدثة).
المفاضلة بين القراءة نظرا في المصحف وبين القراءة عن ظهر قلب:
لأهل العلم في مسالة المفاضلة بين القراءة نظرا في المصحف وبين القراءة عن ظهر قلب أقوال ثلاثة:
أحدها: أنها من المصحف أفضل.
والثاني: أن القراءة عن ظهر قلب أفضل.
والثالث: أن ذلك يختلف باختلاف القاريء، فإن كان القاريء من حفظه يحصل له من التدبر والتفكر وجمع القلب أكثر مما يحصل له من المصحف فالقراءة من الحفظ أفضل وإن استويا فمن المصحف أفضل.
وقد ذهب إلى القول الأول جمهور أهل العلم وهو ظاهر الأخبار والآثار السالف
[721]
ذكرها الدالة على أن أفضل العبادات النظر في المصحف، يؤيده حرص الصحابة رضوان الله عليهم ومواظبتهم على تعاهد المصاحف والنظر فيها كل يوم مرة أو مرتين وعدم ورود ما يعارض تلك الآثار ولأن القراءة من المصحف تجتمع فيها القراءة والنظر، قالوا ولإن كانت فائدة القراءة من الحفظ قوة الحفظ، وثبات الذكر، وهي أمكن للتفكر فيه. ففائدة القراءة في المصحف الاستثبات، لا يخلط بزيادة حرف ولا إسقاط حرف، أو تقديم آية أو تأخيرها. وأيضا فإنه يعطي عينيه حظها منه فإن العين تؤدي للنفس، وبين النفس والصدر حجاب، والقرآن في الصدر فإذا قرأه عن ظهر قلبه، فأنه يسمع أذنه فيؤدي إلى النفس، وإذا نظر في الخط كانت العين والأذن قد اشتركتا في الأداء، وذلك أوفى للأداء، وكانت العين قد أخذت حظها كالأذن، ويقضي حق المصحف، لإن المصحف لم يتخذ ليمهل وله على الانفراد حق فلا يقرأ إلا على طهارة، ألا ترى أن المحدث منهي عن مسه فكانت القراءة في المصحف أولى وأفضل قالوا ويتأكد هذا التفضيل بما ورد من الآثار التى تعتبر نصا في المطلوب، بيد أن المخالف لم يسلم بثبوت الآثار المشار إليها لأنها آثار قد تكلم في أسانيدها ومتونها حتى عدت في الموضوعات ووصفت بالنكارة على ما مر بيانه عند تخريج هاتيك الآثار..وسيأتي لذلك مزيد بيان.
قالوا واسم المصحف لم يكن معهودا في زمن النبوة وإنما حدث في عهد أبي بكر على ما سبق بيانه في موضعه في هذا البحث نهايك عن أن القول بتفضيل القراءة نظرا على القراءة حفظا يقتضي أن تكون قراءة النبي عليه الصلاة والسلام مفضولة لكونه عليه السلام أميا ولا قائل بذلك بل ولا جائز أن يقال به.
رأي ابن عبد السلام:
ولهذا قال أبو محمد بن عبد السلام الشافعي في "أماليه" : (قيل القراءة في
[722]
المصحف أفضل لأنه يجمع فعل الجارحتين وهما اللسان والعين، والأجر على قدر المشقة، وهذا باطل لأن المقصود من القراءة التدبر لقوله تعالى: (ليدبروا ءاياته) والعادة تشهد أن النظر في المصحف يخل بهذا المقصود، فكان مرجوحا.
رأي النووي:
ومع أن النووي قد قدم في غير موضع من كتبه قول الجمهور في تفضيل القراءة نظرا في المصحف على القراءة على ظهر قلب إلا أنه اختار القول بالتفصيل فقال في التبيان (ولو قيل: إنه يختلف باختلاف الأشخاص فيختار القراءة في المصحف لمن استوى خشوعه وتدبره في حالتي القراءة من المصحف وعن ظهر القلب ويختار القراءة عن ظهر القلب لمن يكمل بذلك خشوعه وتدبره ويزيد على خشوعه وتدبره لو قرأ من المصحف لكان هذا قولا حسنا، والظاهر أن كلام السلف وفعلهم محمول على هذا التفصيل). قال الأنصاري في شرح الروض بعد أن قدم رأي الجمهور: (نعم إن زاد خشوعه وحضور قلبه في االقراءة عن ظهر القلب فهي أفضل في حقه قاله النووي في مجموعه وغيره تفقها وهو حسن).
قال الحافظ بن حجر في الفتح: (وقد صرح كثير من العلماء بأن القراءة من المصحف نظرا أفضل من القراءة عن ظهر قلب). ثم ذكر بعض الآثار الواردة في ذلك على ما مضى بيانه، ثم استدل بعد الأثر بالنظر فقال: (ومن حيث المعنى أن القراءة في المصحف أسلم من الغلط، لكن القراءة عن ظهر قلب أبعد من الرياء وأمكن للخشوع والذي يظهر أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص).
[723]
تنبيه:
ومما ينبغي التنبيه عليه أن الإمام مالكا رحمه الله قد نص على مسألة خالف بها الجمهور حين قال بكراهة القراءة من المصحف في المسجد خاصة لأن وضع المصاحف في المساجد لم يكن معهودا في الصدر الأول وإنما هو بدعة من بدع الحجاج، وقد سئل الإمام مالك عن ذلكط فكرهه وقال:( هذا لم يكن من عمل الناس).. وسيأتي لهذه المسألة مزيد بيان عند الكلام على مسألة وضع المصحف في المسجد.
الآثار المقتضية لتفضيل النظر في المصحف:
وردت جملة من الآثار في تفضيل القراءة من المصحف على القراءة عن ظهر قلب وهاك طرفا من تلك الآثار:
1- حديث: "فضل من يقرأ القرآن نظرا على الذي يقرؤه ظاهرا كفضل الفريضة على النافلة" أخرجه أبو عبيد ومن طريقه الطبراني وأبو نعيم والديلمي
[724]
والقرطبي وابن كثير وابن مفلح والحافظ في الفتح والسيوطي في الجامع الصغير وأورده في الكنز في موضعين: الأول منهما عن عمرو بن أوس عند ابن مردويه وثانيهما عن عثمان بن عبد الله بن أوس الثقفي عن عمروو بن أوس عند ابن مردوية أيضا ولفظه في الموضعين (قراءتك نظرا تضاعف على قراءتك ظاهرا، كفضل المكتوبة على النافلة) وضعفه في الجامع من رواية عمرو بن أوس، قال الألباني في ضعيف الجامع عند إيراده لهذا الحديث من رواية عمرو بن أوس، قال الألباني في ضعيف الجامع عند إيراده لهذا الحديث من رواية عمرو بن أوس قال: (هو الطائفي الثقفي، وهو تابعي، فكان الواجب الإشارة إلى ذلك بقوله: "مرسلا" كما هي عادته.).
[725]
2- وحديث: "قراءة الرجل القرآن في غير المصحف ألف درجة وقراءته في المصحف تضاعف على ذلك إلى ألفي درجة". أخرجه الطبراني في الكبير وابن عدي في الكامل والبيهقي في الشعب والقرطبي في التذكار والزركشي في البرهان والهيثمي في المجمع والسيوطي في الجامع الصغير والمتقي في الكنز واللفظ للطبراني قال: (ثنا إبراهيم بن دحيم الدمشقي ثنا أبي وحدثنا عبدان بن حمدان ثنا دحيم الدمشقي ثنا مروان ابن معاوية ثنا أبو سعيد بن عوذ المكي عن عثمان بن عبد الله بن أوس الثقفي عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قراءة الرجل القرآن في غير المصحف ألف درجة وقراءته في المصحف تضاعف على ذلك إلى ألفي درجة) ونقله ابن مفلح في الآداب كما مر ثم قال: (كذا نقلته من خط الحافظ ضياء الدين وإنما هو أبو سعيد بن عوذ روى ابن أبي مريم عن ابن معين: ليس به بأس، وروى غيره عنه: ضعيف وروى ابن عدي خبره هذا واختلف عليه في متنه وقال مقدار ما يرويه محفوظ، وذكر هذه المسألة الآمدي من أصحابنا. وذكر الحافظ أبو موسى في "الوظائف" في ذلك أثرا.
قال الزركشي في البرهان بعد أن ساق رواية الطبراني الآنفة الذكر: (وأبو
[726]
سعيد قال فيه ابن معين: لا بأس به وروي البيهقي في "شعب الإيمان" من طريقين إلى عثمان بن عبد الله بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قرأ القرآن في المصحف كانت له (ألف ألف) حسنة، ومن قرأه في غير المصحف فأظنه قال: (كألفي حسنة) . وفي الطريق الأخرى قال: (درجة) وجزم بألف إذا لم يقرأ في المصحف.
وقال ابن علان في الفتوحات (في الشعب للبيهقي بأسانيد ضعيفة حديث (قراءة القرآن في غير المصحف ألف درجة وقراءته في المصحف تضعف على ذلك إلى ألفي درجة) قلت قال الحافظ حديث غريب أخرجه ابن عدي في الكامل).
النظر في المصحف من غير مس:
صرح جمع من الفقهاء بأنه لا يكره للجنب، أو الحائض، أو النفساء النظر في المصحف أو القرآن المكتوب من غير مس له وعلل بعضهم الجواز بأن الجنابة وما في حكمها لا تحل العين. مستدلا بعدم وجوب غسلها ولكن بعض الفقهاء لم يرتض هذا التعليل، ولم يسلم بكون الجنابة لا تحل العين، وفسر عدم وجوب غسلها بالحرج المترتب على القول: بالوجوب لمشقة
[727]
غسلها بل لاحتمال الضرر الناجم عن غسلها على القول بوجوبه ورجح أن علة القول بجواز النظر إلى المصحف، وما في حكمه حال الجنابة انتفاء كون النظر مسا فالناظر في المكتوب لا يكون ماسا له، لا شرعا، ولا لغة، ولا عرفا، وقد مضى القول: بجواز كتابة المحدث للقرآن من غير مس، بل وإن كان الكاتب ذميا على ما مر تفصيله في مواضعه من هذا البحث. على أن الكتابة أبلغ من مجرد النظر بالعين، إذ في الكتابة نوع مس لأن القلم يمس الحروف حال الكتابة، وهو في يد الكاتب وقد يقال "بأن ذلك منه نوع مس بواسطة بخلاف مجرد النظر بالعين لعدم المحظور هنا. ومثل الجنب في عدم كراهة النظر من غير مس الحائض والنفساء، ولكن الوضوء لمطلق الذكر مندوب وتركه خلاف الأولى.
[728]


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 1 ربيع الأول 1436هـ/22-12-2014م, 11:16 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

النقص في المصحف | غير مصنف
قال صَالِحٌ بْنُ مُحَمَّدِ الرَّشيدِ(م): (لا يخلو النقص في المصحف من أن يكون متعمدا أو أن يكون غير متعمد، فإن كان النقص متعمدا فقد حكى القاضي عياض في كتابه الشفا إجماع أهل العلم على القول بكفر فاعله وقد مضى كلام القاضي في غير موضع من هذا البحث مستوفي وأما إن كان النقص الحاصل في المصحف نتيجة سهو من الناسخ وعدم شعور منه فقد صرح غير واحد من أهل العلم بعدم تأثيمه بذلك لكن يتعين
[729]
حينئذ استدراك القدر الناقص وإصلاح الخلل الحادث إن كان ذلك ممكنا فإن تعذر لكثرة السقط وتفشي الخلل تعين المصير إلى إتلافه درءا للمفاسد التي قد تترتب على استبقائه في الحال أو المآل على ما مضى بيانه في موضعه من مسألة إتلاف المصاحف ومتى يكون ذلك متعينا هذا في النقص من نظمه وأما النقص في حجمه فقد مضى في مسألتي أجزاء المصحف وتصغيره.
استشكال وجوابه:
ولما كان النقص في المصحف بهذه المثابة، استشكل البعض ما روي من إسقاط ابن مسعود من مصحفه سورة الفاتحة والمعوذتين فقد أخرج عبد بن حميد، ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة، وابن الأنباري في المصاحف عن محمد بن سيرين (أن أبي بن كعب وعثمان بن عفان كانا يكتبان فاتحة الكتاب والمعوذتين ولم يكتب ابن مسعود شيئا منهن).
وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم قال: (كان عبد الله بن مسعود لا يكتب فاتحة الكتاب في المصحف، وقال لو كتبتها لكتبت في أول كل شيء وأخرج أحمد والبزار والطبراني وابن مردويه من طرق. قال السيوطي: صحيحة (عن ابن مسعود أنه كان يحك المعوذتين في المصحف يقول: (لا تخلطوا القرآن بما ليس منه إنهما ليستا من كتاب الله، إنما أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يتعوذ بهما، وكان ابن مسعود لا يقرأ بهما) قال البزار: (لم يتابع ابن مسعود أحد من الصحابة، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قرأ بهما في الصلاة) وأثبتتا في المصحف.
[730]
وأخرج أحمد والبخاري والنسائي وغيرهم عن زر بن حبيش قال: (أتيت المدينة فلقيت أبي ابن كعب، فقلت له أبا المنذر إني رأيت ابن مسعود لا يكتب المعوذتين في مصحفه، فقال: أما والذي بعث محمدا بالحق لقد سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنهما وما سألني عنهما أحد منذ سأله غيرك، قال: (قيل لي قل. فقلت: فقولوا).فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن هاتين السورتين فقال: قيل لي، فقلت فقولوا كما قلت").
ثبوت قرآنية المعوذتين:
وأخرج مسلم والترمذي والنسائي وغيرهم عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " أنزلت على الليلة آيات لم أر مثلهن قط (قل أعوذ برب
[731]
الفلق) و (قل أعوذ برب الناس) وقد رويت قرآنية المعوذتين عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا من حديث جابر وأبي حابس الجهمي، وأبي سعيد الخدري، وزيد بن أرقم، وأم سلمة، وعائشة.. رضي الله عنهم أجمعين.
رجوع ابن مسعود عن القول بعدم قرآنية المعوذتين:
قال ابن كثير بعد حكايته المروي عن ابن مسعود آنفا من عدم قرآنية المعوذتين:
(ثم قد رجع عن قوله إلى قول الجماعة).
الجواب عن الاستشكال:
أ) من أهل العلم من بنى جوابه عن الاستشكال المذكور على تقدير صحة المروي عن ابن مسعود وثبوته فقال في شأن المعوذتين وإنكار ابن مسعود لقرآنيتهما أنه قد ظن أن المعوذتين ليستا من القرآن، لأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ بهما الحسن والحسين، فأقام على ظنه، ولا نقول: إنه أصاب في ذلك وأخطأ المهاجرون والأنصار، وبمثل هذا أجاب ابن قتيبة في غير موضع من كتبه. ثم قال: (وأما إسقاطه الفاتحة من مصحفه فليس لظنه أنها ليست من
[732]
القرآن – معاذ الله- ولكنه ذهب إلى أن القرآن إنما كتب وجمع بين اللوحين مخافة الشك والنسيان والزيادة والنقصان، ورأى أن ذلك مأمون في سورة الحمد لقصرها ووجوب تعلمها على كل أحد.
ب) ومن أهل العلم من لم يرتض هذا الجواب أو يسلم بهذا الاعتذار بل ذهب إلى رد هذه الآثار لكونها أخبار آحاد لا تقوى على معارضة المتواتر ولا تقاوم بها قواطع الشرع وما انعقد عليه إجماع الأمة وقد سلك هذا المسلك في الجواب غير واحد من أهل العلم كابن الأنباري والقاضي الباقلاني وأبي عبد الله القرطبي فقد جاء في تفسيره ما نصه [وزعم ابن مسعود أنهما دعاء تعوذ به، وليستا من القرآن، خالف به الإجماع من الصاحبة وأهل البيت. قال ابن قتيبة: لم يكتب عبد الله بن مسعود في مصحفه المعوذتين، لأنه كان يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين – رضي الله عنهما- بهما، فقدر أنهما بمنزلة: [أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة]. قال أبو بكر الأنباري: وهذا مردود على ابن قتيبة، لأن المعوذتين من كلام رب العالمين، المعجز لجميع المخلوقين. " وأعيذكما بكلمات الله التامة" من قول البشر بين. وكلام الخالق الذي هو آية لمحمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، وحجة له باقية على جميع الكافرين، لا يلتبس بكلام الآدميين، على مثل عبد الله بن مسعود الفصيح اللسان، العالم باللغة، العارف بأجناس الكلام، وأفانين القول قال القرطبي " وقال بعض الناس:
[733]
لم يكتب عبد الله المعوذتين لأنه أمن عليهما من النسيان، فأسقطهما وهو يحفظهما، كما أسقط فاتحة الكتاب من مصحفه وما يشك في حفظه وإتقانه لها. فرد هذا القول على قائله، واحتج عليه بأنه قد كتب: (إذا جاء نصر الله والفتح) و (إنا أعطيناك الكوثر) و (قل هو الله أحد) وهن يجرين مجرى المعوذتين في أنهن غير طوال، والحفظ إليهن أسرع، ونسيانهن مأمون، وكلهن يخالف فاتحة الكتاب، إذ الصلاة لا تتم إلا بقراءتها وسبيل كل ركعة أن تكون المقدمة فيها قبل ما يقرأ من بعدها، فإسقاط فاتحة الكتاب من المصحف، على معنى الثقة ببقاء حفظها، والأمن من نسيانها، صحيح، وليس من السور ما يجري في هذا المعنى مجراها، ولا يسلك به طريقها... وقد مضى هذا المعنى في سورة "الفاتحة" والحمد لله.
جواب القاضي الباقلاني:
وقد أجاب أبو بكر الباقلاني في غير موضع من كتابه "الانتصار لنقل القرآن" عن دعوى عدم قرآنية المعوذتين لأجل أن النبي صلى الله عليه وسلم ما بين ذلك، ولأجل خلاف ابن مسعود في ذلك وجحده أن تكونا من القرآن. أجاب بأن هذا باطل وزور ولا ينبغي لمسلم أن يثبته على عبد الله بن مسعود بأخبار آحاد معارضة بما هو أقوى منها عن رجال عبد الله في إثباتها قرآنا وقال في موضع من الانتصار.
[734]
أيضا [وأما المعوذتان فكل من ادعى معارضة أن عبد الله بن مسعود أنكر أن تكونا من القرآن فقد جهل وبعد عن التحصيل، لأن سبيل نقلهما سبيل نقل القرآن ظاهرا ومشهورا وفيهما الإيجاز الذي لا خفاء لذي فهم عنه، فكيف يحمل على ابن مسعود إنكار كونهما قرآنا مع ما ذكرنا من النقل والإعجاز، هذا غاية الغباوة من مضيفه إليه وكيف ينكر كونها قرآنا منزلا ولا ينكر عليه الصحابة، وقد أنكرت عليه أقل من هذا وكرهته من قوله حيث قال: [معشر المسلمين، أعزل عن كتابة المصحف، والله لقد أسلمت وإن زيدا لفي صلب رجل كافر].
قال ابن شهاب وغيره: لقد كره مقالته هذه الأماثل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكيف يصح ذلك قد كان مشهورا بإتقان القراءة منتصبا للإقراء فلو أنكرها لم يستبعد ممن قرأ عليه أن يروي ذلك عنه ويذكره، فلما لم يرو عنه ولا نقل مع جريان العادة دل على بطلانه وفساده. فإن قيل فلعلهم لم يرووا عنه هذا لشناعته وبشاعته وخروج فاعله عن مذهب الأمة. قيل: فقد كانوا مع هذا خيارا وأبرارا، فكان يجب انحرافهم عنه وتفنيدهم له.
وفي إطباق أهل السيرة والرواية على أنه لا شيء يروى عن أصحاب عبد الله في هذا دليل على بطلانه. وهذا سبيل القول عندنا في كل أمر يروى عن الصحبة أو عن أحدهم يوجب تفسيقه أو تضليله، لا يجب قبوله ولا العمل به، لأنهم قد تثبت عدالتهم بالنقل الموجب للعلم القاطع للعذر فلا يثبت جرحهم بخبر واحد مطعون]. ثم مضى في ذكر الروايات المثبتة لقرآنية المعوذتين كما ذكر بعض أوجه التأويل للمروي عن ابن مسعود رضي الله عنه.
وقد مر أن جمعا من أهل العلم قد سلكوا مسلك الباقلاني في إبطال المروي عن ابن مسعود من إنكار قرآنية المعوذتين فمنهم الطحاوي وابن الأنباري
[735]
وابن حزم في المحلى والقاضي عياض والفخر الرازي في تفسيره والنووي في مجموعه وغيرهم. لكن الحافظ في الفتح لم يسلم ما ذهبوا إليه من القول بعدم صحة المروي عن ابن مسعود ومال إلى الجواب القائل باحتمال أن نقل الفاتحة والمعوذتين أنه كان متواترا في عصر ابن مسعود لكن لم يتواتر عند ابن مسعود قال: [فانحلت العقدة بعون الله تعالى].
[736]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 1 ربيع الأول 1436هـ/22-12-2014م, 11:18 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

نقط المصحف | غير مصنف
قال صَالِحٌ بْنُ مُحَمَّدِ الرَّشيدِ(م): (مرت الإشارة إلى مسألة نقط المصاحف في غير موضع من هذا البحث بيد أن الكلام عنها هنا سيكون مقصورا على قضايا أربع:
إحداها: ماهية النقط أو تعريفه.
والثانية: سببه والباعث عليه وأول من نقط المصاحف.
والثالثة: جملة ما في المصحف من النقط.
والرابعة: حكم نقط المصاحف واختلاف أهل العلم في ذلك.
ماهية النقط:
قال العيني في البناية (والنقط بفتح النون وسكون القاف مصدر من نقط المكتوب ينقط وبعضهم ضبطه بضم النون وفتح القاف، وقال: جمع نقطة وهو تصحيف على ما لا يخفى وذكر أبو عمرو الداني في المحكم أن النقط يطلق على معنيين، أحدهما نقط الإعجام، وهو نقط الحروف في سمتها للتفريق بين الحروف المشتبهة في الرسم، كنقط الباء بنقطة من تحت، ونقط التاء باثنتين من فوق ونقط الثاء بثلاث نقط من فوق؟
والثاني: نقط الإعراب، أو نقط الحركات، وهو نقط الحروف للتفريق بين
[737]
الحركات المختلفة في اللفظ، كنقط الفتحة بنقطة من فوق الحرف، ونقط الكسرة بنقطة من تحت الحرف، ونقط الضمة بنقطة أمام الحرف أو بين يديه.
وقد أشرك الأقدمون النوعين في الصورة بجعلها نقطا مدورا من حيث اشتراكهما في المعنى والغاية، وهي التفريق والتبيين. تفريق الحروف المتشابهة ببعضها من بعض ، وتفريق الحركات المختلفة بعضها من بعض. قال أبو عمرو الداني في " المحكم": على أن اصطلاحهم على جعل الحركات نقطا كنقط الإعجام قد يتحقق من حيث كان معنى الإعراب التفريق بالحركات. وكان الإعجام أيضا يفرق بين الحروف المشتبهة في الرسم. وكان النقط يفرق بين الحركات المختلفة في اللفظ. فلما اشتركا في المعنى أشرك بينهما في الصورة ونقط الحركات هو المقصود بنقط المصاحف. وقد أحدثه المسلمون لضبط ألفاظ القرآن، وتصحيح قراءتها.
وقد ذكر محقق المحكم أن النقط كان معروفا في كتب الأمم السابقة وبخاصة ما كان منها مقدسا لديهم.

الباعث على نقط المصحف وأول من نقطها:
قال أبو عمرو الداني في "المحكم": "اعلم أيدك الله بتوفيقه أن الذي دعا السلف، رضي الله عنهم، إلى نقط المصحف ما شاهدوه من أهل عصرهم، من فساد ألسنتهم واختلاف ألفاظهم، وتغير طباعهم، ودخول اللحن على كثير من خواص الناس وعوامهم، وما خافوه مع مرور الأيام وتطاول الأزمان، من تزيد ذلك وتضاعفه فيمن يأتي بعد، ممن هو- لاشك- في العلم والفصاحة والفهم والدراية دون من شاهدوه ممن عرض له الفساد، ودخل عليه اللحن، لكي يرجع إلى نقطها ويصار إلى شكلها عند دخول الشكوك وعدم
[738]
المعرفة ويتحقق بذلك إعراب الكلم، وتدرك به كيفية الألفاظ.
وقد اختلف الناس في ماهية السابق إلى نقط المصاحف وهل كان من الصحابة رضوان الله عليهم وكما هو اختيار أبي عمرو الداني في المحكم استنادا إلى قول قتادة [بدؤوا فنقطوا، ثم خمسوا، ثم عشروا أم كان من التابعين على ما هو مشهور عند الجمهور. قال أبو عمرو: هذا يدل على أن الصحابة وأكابر التابعين، رضوان الله عليهم، هم المبتدئون بالنقط ورسم الخموس والعشور، لأن حكاية قتادة لا تكون إلا عنهم، إذ هو من التابعين. قوله "بدؤوا إلى آخره" دليل على أن ذلك كان عن اتفاق من جماعتهم وما اتفقوا عليه أو أكثرهم فلا شكول في صحته، ولا حرج في استعماله. وإنما أخلى الصدر منهم المصاحف من ذلك ومن الشكل من حيث أرادوا الدلالة على بقاء السعة في اللغات والفسحة في القراءات التي أذن الله تعالى لعباده في الأخذ بها والقراءة بما شاءت منها. فكان الأمر على ذلك إلى أن حدث في الناس ما أوجب نقطها وشكلها.
ثم ذكر أبو عمرو قصة احتيال زياد بن أبي سفيان على أبي الأسود الدؤلي لاضطراره إلى تلبية رغبته في نقط المصاحف على ما مر بيانه في غير موضع من هذا البحث. ثم إن الجمهور الكاتبين حين اتفقوا على أن نقط المصاحف إنما أحدث في عهد التابعين قد اختلفوا في ماهية من قام بهذا الصنيع وهل كان أبا الأسود الدؤلي. أم نصر بن عاصم الليثي. أم يحي بن يعمر العدواني أم
[739]
الخليل بن أحمد الفراهيدي وقد جمع الداني بين هذه الأقوال المختلفة فقال: [قال أبو عمرو: يحتمل أن يكون يحي ونصر أول من نقطاها للناس بالبصرة وأخذ ذلك عن أبي الأسود، إذا كان السابق إلى ذلك والمبتديء به، وهو الذي جعل الحركات والتنوين لا غير على ما تقدم في الخبر عنه. ثم جعل الخليل بن أحمد الهمز والتشديد والروم والإشمام. وقفا الناس في ذلك أثرهما واتبعوا فيه سنتهما، وانتشر ذلك في سائر البلدان وظهر العمل به في كل عصر وأوان. والحمد لله على كل حال].
جملة ما في المصحف من النقاط:-
قال الفيروزآبادي في كتابه "بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز" :
[وأما نقطه فجملة نقط القرآن مائة ألف وخمسون ألفا وستة آلاف وإحدى وثمانون نقطة].
حكم نقط المصاحف واختلاف أهل العلم في ذلك:-
ولما كان المصحف الإمام خاليا عن النقط والشكل على ما مضى بيانه في غير موضع من هذا البحث ولورود الأمر بتجريد المصاحف مرفوعا وموقوفا كما مر في مسألة
[740]
تجريد المصحف، فقد اختلفت كلمة أهل العلم في مسألة نقط المصاحف حيث منع منها فريق من أهل العلم ورخص فيها آخرون، وممن حكى عنه المنع ابن عمر وابن مسعود من الصحابة رضي الله عنهم وهو محكي عن قتادة وإبراهيم وابن سيرين والحسن البصري
[741]
في رواية عنهما، وعباد بن عباد الخواص والقول بكراهة النقط هو مذهب أبي حنيفة والإمام مالك في المصاحف الأمهات خاصة. وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد غير أن جمهور أهل العلم على القول بجواز نقط المصاحف لكونه يعين على جودة التلاوة فيها ويقي التالي من الوقوع في اللحن والتصحيف بل صرح بعضهم باستحبابه قال النووي في التبيان [قال العلماء: ويستحب نقط المصحف وشكله فإنه صيانة من اللحن فيه والتصحيف وأما كراهة الشعبي والنخعي النقط فإنما كرهاه في ذلك الزمان خوفا من التغيير فيه وقد أمن ذلك اليوم فلا منع، ولا يمتنع من ذلك لكونه محدثا فإنه من المحدثات الحسنة فلم يمنع منه كنظائره مثل تصنيف العلم، وبناء المدارس والرباطات وغير ذلك والله أعلم].
وذكر أبو العباس ابن تيمية أن من أسباب ترك الصحابة المصاحف أول ما كتبت غير مشكولة ولا منقوطة، لتكون صورة الرسم محتملة للأمرين كالتاء، والياء والفتح والضم. اهـ وقد سبقه إلى نحو ذلك أبو عمرو الداني في المحكم حيث قال: [وإنما أخلى الصدر منهم المصاحف من ذلك ومن الشكل من حيث أرادوا الدلالة على بقاء السبعة في اللغات والفسحة في القراءات التي أذن الله تعالى لعباده في الأخذ
[742]
بها والقراءة بما شاءت منها. فكان الأمر على ذلك إلى أن حدث في الناس ما أوجب نقطها وشكلها]. وقال أبو العباس ابن تيمية: [الصحابة كتبوا المصاحف بغير شكل ولا نقط لأنهم لا يلحنون] وقال في موضع آخر: [وإن كتبت بنقط وشكل أو بدونهما جاز] وقال ف ي موضع آخر: [لما حدث اللحن في زمن التابعين صار بعضهم يشكل المصاحف وينقطها بالحمرة] وقال في موضع آخر [حكم الشكل والنقط حكم الحروف المكتوبة من كلام الله، الشكل يبين إعراب القرآن والنقط يبين الحروف والصحابة لم يشكلوها ولم ينقطوها لأنهم لا يلحنون]. وقال في موضع آخر[يجب احترام المصاحف واحترام المصاحف واحترام الشكل والنقط إذا كانت مشكولة ومنقوطة لامتيازها عما سواها في المعاني والمتكلم بها.] وقد مضى في مسألة تشكيل المصحف بأبسط من هذا.
[743]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 31 ( الأعضاء 0 والزوار 31)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:32 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة