العودة   جمهرة العلوم > المنتديات > منتدى جمهرة التفاسير

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #51  
قديم 7 صفر 1439هـ/27-10-2017م, 07:48 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

النوع الثاني: بيان معاني الحروف
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: ( النوع الثاني: بيان معاني الحروف
علم معاني الحروف من العلوم اللغوية المهمّة للمفسّر، وهو مفيد في حلّ كثير من الإشكالات، واستخراج الأوجه التفسيرية، ومعرفة أوجه الجمع والتفريق بين كثير من أقوال المفسرين.

والغفلة عن معاني الحروف قد توقع في خطأ في فهم معنى الآية، وقد يقع ذلك لبعض كبار المفسّرين.
قال مالك بن دينار: كنا نعرض المصاحف أنا والحسن وأبو العالية الرياحي ونصر بن عاصم الليثي وعاصم الجحدري، قال: سأل رجل أبا العالية عن قول الله عز وجل {الذين هم عن صلاتهم ساهون} ما هو؟
فقال أبو العالية: «هو الذي لا يدري عن كم انصرف؟ عن شفع أو عن وتر»
فقال الحسن: مَهْ! ليس كذلك، {الذين هم عن صلاتهم ساهون}: «الذي يسهو عن ميقاتها حتى تفوت» رواه عبد الرزاق.
قال الزركشي: (لو كان المراد ما فهم أبو العالية لقال: "في صلاتهم" فلما قال "عن صلاتهم" دل على أن المراد به الذهاب عن الوقت)ا.هـ.
وفهم أبي العالية قد يصحّ على معنى السهو عن معنى الصلاة وإرادتها بالقلب، ولو صلاها بجوارحه مع المسلمين كما يصلّي المنافقون من غير إرادة التقرّب إلى الله تعالى بالصلاة، بل قلوبهم في غفلة عن ذلك، وإنما يصلون رياءً، كما قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: (يُصلّون وليست الصلاة من شأنهم).
وأما مجرّد السهو في الصلاة فليس مما يتناوله الوعيد في الآية). [طرق التفسير: 146 - 147]

رد مع اقتباس
  #52  
قديم 7 صفر 1439هـ/27-10-2017م, 07:58 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

أمثلة لدراسة مسائل معاني الحروف في التفسير:
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (أمثلة لدراسة مسائل معاني الحروف في التفسير:

المسألة الأولى: معنى الباء في {بسم الله}
اختلف اللغويون في معنى الباء في (بسم الله) على أقوال أقربها للصواب أربعة أقوال، وهي أشهر ما قيل في هذه المسألة، وإليك بيان هذه الأقوال:
القول الأول: الباء للاستعانة، وهو قول أبي حيان الأندلسي، والسمين الحلبي، وقال به جماعة من المفسّرين.
والقول الثاني: الباء للابتداء، وهو قول الفراء، وابن قتيبة، وثعلب، وأبي بكر الصولي، وأبي منصور الأزهري، وابن سيده، وابن يعيش، وجماعة.
والقول الثالث: الباء للمصاحبة والملابسة، واختاره ابن عاشور.
والقول الرابع: الباء للتبرك، أي أبدأ متبركاً، وهذا القول مستخرج من قول بعض السلف في سبب كتابة البسملة في المصاحف، وأنها كتبت للتبرّك، وهذا المعنى يذكره بعض المفسرين مع بعض ما يذكرونه من المعاني.
والأظهر عندي أن هذه المعاني الأربعة كلها صحيحة لا تعارض بينها، وما ذكر من اعتراضات على بعض هذه الأقوال فله توجيه يصحّ به القول.
ومن ذلك اعتراض بعضهم على معنى الاستعانة بأنّ الاستعانة تكون بالله وليست باسم الله؛ قالوا: الأشهر أن يقول المستعين إذا أراد الاستعانة: أستعين بالله، ولا يقول: أستعين باسم الله.
وهذا الاعتراض يدفعه أنّ الذي يذكر اسم ربّه لا ريب أنّه يستعين بذكر اسمه على ما عزم عليه؛ فمعنى الاستعانة متحقق.
فهو يستعين بالله تعالى حقيقة، ويذكر اسمه متوسّلاً به إلى الله تعالى ليعينه؛ وهذا هو مراد من قال بمعنى الاستعانة.
وقد أرجع سيبويه معاني الباء إلى أصل واحد وهو الإلزاق؛ فقال في الكتاب: (وباء الجر إنما هي للإلزاق).
وهذا مقبول من حيث الأصل لكن يُعبَّر عن المعنى في كلّ موضع بما يناسبه، ولذلك استبدل ابن عاشور عبارة الإلزاق في هذا الموضع بالمصاحبة والملابسة وذكر أنها مترادفة، ومن أهل اللغة من يذكر بينها فروقاً دقيقة.
والإلزاق ينقسم إلى حسيّ ومعنوي؛ فالحسيّ للمحسوسات نحو: أمسكت بالقلم، والمعنويّ نحو: قرأتُ بِنَهَمٍ.
ثمّ يتفرَّع على الإلزاق الحسي والمعنوي أنواع أخرى؛ فقد يكون للاستعانة وقد يكون للتبرك، وقد يكون للاستفتاح، وقد يكون لغير ذلك، وقد تجتمع بعض هذه المعاني.
فما اجتمع منها من غير تنافر فيصحّ القول به، ولذلك يصحّ أن يستحضرَ المبسملَ عندَ بسملته هذه المعاني جميعاً، ولا يجد في نفسه تعارضاً بينها.
والغرض من التفصيل في هذه المسألة أن يتبيّن طالب علم التفسير أنّ من الأقوال في معاني الحروف ما يجتمع ولا يتنافر، وهذه قاعدة مهمة في التفسير ولها تطبيقات كثيرة في مسائل التفسير.
ومن أمثلة ذلك الجمع بين أقوال العلماء في معنى الباء في قوله تعالى: {ألا بذكر الله تطمئنّ القلوب}
فقيل: الباء للاستعانة، وقيل: للمصاحبة، وقيل: للملابسة، وقيل: للسبيية، وقيل: للتبرّك.
وهذه كلها معانٍ صحيحة لا تعارض بينها.
لكن مما يُنبَّه عليه ضعف بعض الأقوال التي قيلت في معنى الباء في قوله تعالى: {بسم الله الرحمن الرحيم}
فقيل: زائدة، وقيل: هي للقسم؛ وقيل: للاستعلاء.
فأمّا القول بالزيادة فضعيف جداً، وكذلك القول بأنّها للقسم، والقسم يفتقر إلى جواب، ولا ينعقد إلا معلوماً.
وأما القول بالاستعلاء فيكون صحيحاً إذا كان معنى الاستعلاء عند التسمية مطلوباً؛ كالتسمية عند الرمي، وفي أعمال الجهاد، وسائر ما يطلب فيه الاستعلاء كما قال الله تعالى: {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون}
وهذا المعنى لا يُراد إذا كانت التسمية لما يراد به التذلل لله تعالى والتقرّب إليه كما في التسمية لقراءة القرآن.
وبهذا تعلم أن معاني الحروف تتنوّع بحسب السياق والمقاصد وما يحتمله الكلام، وليست جامدة على معانٍ معيَّنة يكرر المفسّر القول بها في كلّ موضع(1)). [طرق التفسير: 147 - 149]


(1) هذه المسألة مستلة من مسائل تفسير سورة الفاتحة من كتاب "زاد المفسّر" يسّر الله إتمامه.


رد مع اقتباس
  #53  
قديم 7 صفر 1439هـ/27-10-2017م, 08:05 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

المسألة الثانية: معنى "ما" في قول الله تعالى: {إِنَّ الله يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ}
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: ( المسألة الثانية: معنى "ما" في قول الله تعالى: {إِنَّ الله يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ}
اختلف في معنى "ما" ههنا على ثلاثة أقوال:
القول الأول: "ما" موصولة لإفادة العموم؛ والمعنى: إن الله يعلم كلَّ ما تعبدون من دونه من حجر أو شجر أو نجم أو نار أو جنّ أو إنس؛ فكلّ ما يُعبد من دون الله تعالى فالله محيط به علماً.
وإيماء هذا المعنى أنّ الله يعلم حال تلك المعبودات ونقصها وفقرها إليه وأنّها لا تستحقّ من العبادة شيئاً، وأنّ كلّ من أشرك بالله شيئاً في عبادته فهو بعلم الله وسيجازيه على شركه.
والقول الثاني: "ما" نافية ، والنفي متجّه لنفع تلك المعبودات؛ فكأنّها لمّا لم تنفعهم شيئاً نزّلت منزلة المعدوم، ومن حسن بيان العرب تنزيل عديم الفائدة منزلة عديم الوجود، وهذا فيه تبكيت عظيم الأثر على قلوب المشركين.
وهذا المعنى نظير قول الله تعالى: { مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ}
وقول الله تعالى: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ...}
وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الكهّان: ((ليسوا بشيء)).
والقول الثالث: "ما" استفهامية، والاستفهام إنكاري، و"يعلم" معلّقة، والمعنى: أيّ شيء تدعون من دون الله؟
القول الأول قول ابن جرير الطبري وجماعة من المفسرين فسّروا الآية على هذا المعنى، وذكره أبو سعيد السيرافي في شرح كتاب سيبويه.
والقول الثاني ذكره أبو البقاء العكبري وأبو حيّان الأندلسي والسمين الحلبي وابن عاشور وشرحه شرحاً حسناً، واختاره الأستاذ محمود صافي.
والقول الثالث ذكره سيبويه عن الخليل بن أحمد، وقال به أبو علي الفارسي والراغب الأصبهاني وأبو البقاء العكبري وجماعة). [طرق التفسير: 150 - 151]

رد مع اقتباس
  #54  
قديم 7 صفر 1439هـ/27-10-2017م, 08:12 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

المسألة الثالثة: معنى "من" في قول الله تعالى: {يحفظونه من أمر اللّه}
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: ( المسألة الثالثة: معنى "من" في قول الله تعالى: {يحفظونه من أمر اللّه}
في هذه المسألة أقوال لأهل العلم:
القول الأول: "من" للتعدية، كما في قول الله تعالى: {قالت إني أعوذ بالرحمن منك} وقوله تعالى: { قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق}، وقوله تعالى: {لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم} ؛ فكذلك قول الله تعالى: {يحفظونه من أمر الله}.
وهو أظهر المعاني في مثل هذا السياق، وهذا القول هو معنى قول جماعة من المفسّرين، وهو معنى رواية سماك عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله تعالى: {يحفظونه من أمر الله} قال: (ملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه، فإذا جاء قدره خلوا عنه). رواه عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم.
وقال المعتمر بن سليمان: سمعت ليثا يحدث، عن مجاهد أنه قال: (ما من عبد إلا له ملك موكل يحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوام، فما منها شيء يأتيه يريده إلا قال: وراءك! إلا شيئا يأذن الله فيه فيصيبه). رواه ابن جرير.
وقال إبراهيم النخعي: (يحفظونه من أمر الله) قال: من الجن). رواه ابن جرير وابن أبي حاتم، وهو مخرّج على أنّ "من" للتعدية.
وروي معنى هذا القول عن عليّ بن أبي طالب وأبي هريرة وأبي أمامة وعكرمة وغيرهم.
القول الثاني: "من" سببية، أي بسبب أمر الله لهم بحفظه يحفظونه، وهذا معنى قول الفراء وأبي عمر الزاهد غلام ثعلب، وذكره أبو حيان، وجماعة من المفسرين.
وقال عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير: (الملائكة: الحفظة، وحفظهم إيّاه من أمر اللّه) رواه ابن جرير.
قال ابن الجوزي: (فيكون تقدير الكلام : هذا الحفظ مما أمرهم الله به).
القول الثالث: "من" بمعنى الباء، أي: يحفظونه بأمر الله، وهذا قول قتادة، رواه عنه عبد الرزاق وابن جرير، ورواية عن مجاهد من طريق ورقاء عن ابن أبي نجيح عنه، وقال به الخليل بن أحمد، ومقاتل بن سليمان، وهارون الأعور، وأبو عبيدة، وابن قتيبة، والمبرّد في المقتضب، وأبو البقاء العكبري، وجماعة.
وهذا القول صحيح، ويتفرّع إلى معنيين:
- أحدهما أن تكون الباء سببية؛ فيكون بمعنى القول الثاني، وهذا معنى قول الفرّاء: (و{يحفظونه} ذلك الحفظ من أمر الله وبأمره وبإذنه عز وجلَّ؛ كما تقول للرجل: أجيئِك مِنْ دعائِك إِيَّاى وبدعائِك إيَّاي)ا.هـ.
- والآخر: أن تكون الباء للتعدية، أي يحفظونه بما مكَّنهم الله به من أسباب الحفظ.
القول الرابع: بمعنى "عن"، وهي رواية عن ابن عباس أخرجها ابن أبي حاتم من طريق عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وذكره ابن جرير الطبري عن بعض نحاة البصرة، وأنهم قالوا: (معنى ذلك: يحفظونه عن أمر الله، كما قالوا:"أطعمني من جوع، وعن جوع" و"كساني عن عري، ومن عري").
وهذا القول يرجع إلى معنى القول الثاني، وهو كقوله تعالى حكاية عن الخضر: {وما فعلته عن أمري}.
القول الخامس: في الكلام تقديم وتأخير، والمعنى: (له معقِّبات من أمر الله يحفظونه) ، وهي رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قال في قوله تعالى: {يحفظونه من أمر اللّه} يقول: بإذن اللّه، فالمعقّبات: هي من أمر اللّه، وهي الملائكة) رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.
وقال ابن وهب: أخبرني الحارث بن نبهان عن عطاء بن السائب عن ابن عباس قال: (الملائكة من أمر الله يحفظونه).
وقال أيضا: أخبرني سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عبد الله ابن عباس أنه كان يقرأ: {له معقبات من بين يديه}، ورقباء، {من خلفه} من أمر الله {يحفظونه}.
وقال خصيف عن مجاهد: (الملائكة من أمر الله) رواه ابن جرير، وروى نحوه عن ابن جريج عن ابن عباس، وهو منقطع.
والتقدير على هذا القول له معقبات من أمر الله يحفظونه، ومتعلق الحفظ محذوف لإرادة العموم في كل ما يحتاج فيه إلى الحفظ.
والتحقيق أنّ هذه المعاني كلّها صحيحة، واختلافها كاختلاف الأقوال الصحيحة في المشترك اللفظي، وكاختلاف القراءات.
واختلاف التنوّع تقبل الأقوال فيه بثلاثة شروط:
- أحدها أن يكون القول في نفسه صحيحاً.
- والثاني: أن تكون دلالة الآية عليه دلالة صحيحة من جهة اللغة.
- والثالث: أن يصحّ عن السّلف.
وشرح الأقوال الخمسة وبيان الفروق بينها، ودلالة الآية عليها يطول، لكن مما ينبّه عليه أثر الاختلاف في مرجع الضمير في قوله تعالى: {له معقبات}، والمراد بالمعقبات، ومعنى الحفظ في قوله تعالى: {يحفظونه}.
ففيه قولان:
أحدهما: حفظ عناية ووقاية.
والآخر: حفظ رقابة وكتابة كما في قول الله تعالى: {وإن عليكم لحافظين . كراماً كاتبين}.
قال ابن جريج: {يحفظونه من بين يديه ومن خلفه} مثل قوله: {عن اليمين وعن الشمال قعيد} قال: الحسنات من بين يديه، والسيئات من خلفه، الذي عن يمينه يكتب الحسنات والذي عن شماله يكتب السيئات). رواه ابن جرير.
وكلّ قول من هذين القولين ومن الأقوال في المسألتين الأخريين يخرّج عليه ما يناسبه من الأقوال في معنى "من".
وقد كثرت الأقوال في تفسير هذه الآية لسعة معانيها، وتعدد دلائلها، وعامّتها أقوال صحيحة، إلا ما ذكر عن بعضهم من أنّ في الآية نفياً محذوفا والتقدير: (لا يحفظونه من أمر الله) وهذا القول ذكره أبو إسحاق الزجاج عن بعض أهل اللغة، وهو تحريف لا يصحّ، ولا يُؤثر عن أحد من السلف، وإنما قاد إليه استشكال معنى الحفظ من أمر الله على القول بأنّ "من" للتعدية.
والصواب أنه لا إشكال فيه؛ فكلّ الأقدار من أوامر الله تعالى الكونية، والأوامر الكونية قد أجرى الله فيها سنن التدافع، كما تدفع الأمراض بالتداوي والرقى؛ ويتّقى البرد باللباس، والحرّ بالظلال والأكنان، وقد روى الترمذي وابن ماجة وغيرهما من حديث الزهري عن أبي خزامة عن أبيه أنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقلت: يا رسول الله أرأيت رقى نسترقيها ودواء نتداوى به وتقاة نتقيها هل ترد من قدر الله شيئا؟
قال: ((هي من قدر الله)).
وروي نحوه من حديث كعب بن مالك وحكيم بن حزام وابن عباس رضي الله عنهم أجمعين.
ولمّا بلغ عمر نزول الوباء بالشام ونادى بالرحيل قال له أبو عبيدة بن الجراح: أفرارا من قدر الله؟
فقال عمر: (لو غيرك قالها يا أبا عبيدة!! نعم، نفر من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت لو كان لك إبل هبطت واديا له عدوتان إحداهما خصبة والأخرى جدبة؛ أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله). رواه البخاري.
وقال كعب الأحبار: (لو تجلَّى لابن آدم كل سهل وحزن لرأى على كل شيء من ذلك شياطين، لولا أن الله وكل بكم ملائكة يذبون عنكم في مطعمكم ومشربكم وعوراتكم إذا لتُخُطِّفتُم). رواه ابن جرير.
فالمعقّبات التي يدفع الله بها الشرور وتحفظ بني آدم كثيرة، وهي مأمورة بالحفظ، كما أمر الله الجفن أن يحفظ العين، لكن إذا قضى الله أمراً يصيب العبد فلا رادّ لقضائه، ولا تنفعه حفظته إذا نزل به قضاء الله). [طرق التفسير: 151 - 156]


رد مع اقتباس
  #55  
قديم 7 صفر 1439هـ/27-10-2017م, 08:17 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

عناية المفسّرين ببيان معاني الحروف
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (
عناية المفسّرين ببيان معاني الحروف
وقد اعتنى المفسّرون ببيان معاني الحروف عناية حسنة لاتّصالها بالتفسير، ولا سيّما بعض من كتب في معاني القرآن كالفراء والأخفش وابن قتيبة والزجاج والنحاس وغيرهم.

ولابن جرير وابن عطية والقرطبي وأبي حيان وأبي السعود والألوسي وابن عاشور عناية حسنة بالتنبيه على معاني الحروف في التفسير. [طرق التفسير: 156]


رد مع اقتباس
  #56  
قديم 7 صفر 1439هـ/27-10-2017م, 08:27 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

أنواع المؤلّفات في شرح معاني الحروف
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: ( أنواع المؤلّفات في شرح معاني الحروف
سلك العلماء طرقاً متنوعة في التأليف في شرح معاني الحروف، وسأوجز الحديث عن أشهر تلك الأنواع:

النوع الأول: إدراجها في كتب الوجوه والنظائر، وهو أوّل ما ظهر من الكتابة في معاني الحروف، وسبب ذلك أنّ الحروف ترد على وجوه متعددة من المعاني، غير أنّ هذا النوع من التأليف لا يختص بالحروف ولا يتقصّاها؛ ومن أشهر الكتب المؤلفة في هذا النوع:
1. كتاب "الوجوه والنظائر" لمقاتل بن سليمان البلخي(ت:150هـ)، وقد ذكر فيه معاني بعض الحروف مثل: "إلى"، و"إلا" و"إن"، و"أو" و"أم" و"حتى"، و"لولا"، و"لما" وغيرها.
2. "الوجوه والنظائر" لهارون بن موسى النحوي(ت:170هـ) ، وقد ذكر فيه معاني بعض الحروف ومنها: "إن" و"أنى" و"أم" و"أو" و"من" و"في" "ولما" وغيرها، وفيه اعتماد كبير على كتاب مقاتل، وزيادة عليه.
3. التصاريف ليحيى بن سلام البصري(ت:200هـ)، وقد ذكر فيه معاني بعض الحروف مثل معاني "من" و"في" و"إن" و"أن" وغيرها.
4. كتاب "وجوه القرآن" لإسماعيل بن أحمد الحيري الضرير(ت:431هـ).
5. "الوجوه والنظائر" للقاضي أبي عبد الله محمد بن علي الدامغاني(ت:478هـ)
6. "نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر" لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي(ت:597هـ).
7. "كشف السرائر في معنى الوجوه والأشباه والنظائر"، لشمس الدين محمد بن محمد البلبيسي المعروف بابن العماد المصري(ت:887هـ).

النوع الثاني: إدراج شرحها في معاجم اللغة
وسبب ذلك أنّ الحروف من المفردات التي يكثر دورانها في الاستعمال؛ فكان من عناية أصحاب المعاجم اللغوية شرحها فيما يشرحون من المفردات على تفاوت ظاهر بينهم في ذلك، ومن أشهر المعاجم اللغوية:
1. كتاب "العين"، للخليل بن أحمد الفراهيدي (ت:170هـ) وقد شرح معاني بعض الحروف كما في شرحه لـ"أو" و"أم" و"أي" وغيرها.
وهذا الكتاب أصله للخليل بن أحمد، وأتمّه تلميذه الليث بن المظفر بن نصر بن سيار، وقد تتبعَّه ونقده الإمام أبو منصور الأزهري في كتابه الجليل "تهذيب اللغة"؛ فلذلك أوصي من يرجع إلى شرح مفردة في كتاب "العين" أن يطالع شرح تلك المفردة في "تهذيب اللغة".
2. جمهرة اللغة"، لأبي بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي(ت:321هـ).
3. "تهذيب اللغة" لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري(ت:370هـ).
4. "المحيط في اللغة"، لأبي القاسم إسماعيل بن عباد الطالقاني المعروف بالصاحب بن عباد (ت:385هـ).
5. "تاج اللغة وصحاح العربية"، لأبي نصر إسماعيل بن حماد الجوهري (ت: 393هـ )
6. "مجمل اللغة"، لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا الرازي(ت: 395هـ) ، وله أيضاً "مقاييس اللغة" ، لكن تناوله لمعاني الحروف في "مجمل اللغة" أكثر.
7. "المخصص"، لأبي الحسن علي بن إسماعيل المرسي المعروف بابن سيده الأندلسي(ت:458هـ)، وله أيضاً "المحكم والمحيط الأعظم"
8. "لسان العرب"، لأبي الفضل محمد بن مكرم بن منظور الأنصاري الأفريقي(ت:711هـ)
9. "القاموس المحيط"، لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي (ت:817هـ)
10. "تاج العروس من جواهر القاموس"، لأبي الفيض مرتضى الزبيدي(ت:1205هـ).
فهذه أشهر المعاجم اللغوية، وفيها تناول لمعاني بعض الحروف بالشرح والتمثيل، واستخراج كلام أصحاب المعاجم في معاني الحروف، وترتيبه على حروف المعجم عمل نافع لو تصدّى له أحد.

النوع الثالث: التأليف المفرد في معاني الحروف
وقد صنّف في معاني الحروف جماعة من أهل العلم، ومن أشهر كتبهم وأهمّها:
1: الحروف، لأبي حاتم سهل بن محمد السجستاني (ت: 255هـ)، وهو جزء صغير نقله ياقوت الحموي من كتاب مفقود لأبي حاتم اسمه «لحن العامة».
2: المحلّى، لأبي بكر أحمد بن الحسن بن شقير النحوي البغدادي(ت:317هـ)، وقد بدأه بتفسير وجوه النصب والرفع والخفض والجزم، ثمّ أخذ في شرح أنواع الحروف ومعانيها.
3: حروف المعاني والصفات، لأبي القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي (ت 340 هـ).
4: الحروف، لأبي الحسن علي بن الفضل المزني النحوي (ت: ق4)، وكان معاصراً لابن جرير الطبري.
5: منازل الحروف، لأبي الحسن علي بن عيسى الرُّمَّاني(ت:388ه).
6: الأُزهية في علم الحروف، لأبي الحسن علي بن محمد الهروي النحوي (ت: 415هـ).
7: رصف المباني في حروف المعاني، لأبي جعفر أحمد بن عبد النور المالقي(ت:702ه)
8: التحفة الوفية بمعاني حروف العربية، لأبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الصفاقسي(ت:742هـ) تلميذ أبي حيان الأندلسي.
9: الجنى الداني في حروف المعاني، لأبي محمد الحسن بن قاسم المرادي المراكشي(ت:749ه) المشتهر بابن أمّ قاسم.
10: مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، لأبي محمد جمال الدين عبد الله بن يوسف بن هشام الأنصاري(ت:761ه).
11: جواهر الأدب في معرفة كلام العرب، لعلاء الدين بن عليّ بن بدر الدين الإربلي(ت:ق8 هـ)، وفي اسم مؤلّفه خلاف، وقال الأستاذ محمّد عبد الخالق عضيمة: (الظاهر أن مؤلف الكتاب هو: العلاء بن أحمد بن محمد بن أحمد السيرامي المتوفي سنة 790).
12: مصابيح المغاني في حروف المعاني، لجمال الدين محمد بن علي المَوزعي المعروف بابن نور الدين (ت 825 هـ).
13: فتح الرؤوف في أحكام الحروف وما في معناها من الأسماء والظروف، لجمال الدين محمد بن عمر بن مبارك الحميري الحضرمي المعروف بِبَحْرَق(ت: 930هـ) ، وهي منظومة شرحها في كتاب لطيف.
14. كفاية المُعاني في حروف المعاني، وهي منظومة حسنة لأبي محمد عبد الله بن محمد البيتوشي الكردي (ت:1211ه)، وقد ذُكر عنه أنه كان يحفظ "القاموس المحيط" عن ظهر قلب، وقد اعتنى بمنظومته هذه عناية فائقة، وألّف في شرحها ثلاثة كتب:
أ: الحفاية بتوضيح الكفاية، وهو شرح كبير طُبع في نحو ثمانمائة صفحة.
ب: والكفاية لراغب الحفاية، وهي تعليقات مختصرة.
ج: وصرف العناية في كشف الكفاية، وهو شرح متوسط أودع فيه زبدة ما في الحفاية مع زوائد وفوائد.
15: غنية الطالب ومنية الراغب في الصرف والنحو وحروف المعاني، للأستاذ أحمد بن فارس الشدياق(ت:1305هـ).
وعامّة هذه الكتب مطبوعة.
هذا ، وقد ذُكر عن جماعة من العلماء المتقدمين أنّهم ألّفوا في الحروف كالخليل بن أحمد والكسائي والنضر بن شميل وأبي عمرو الشيباني وابن السكّيت والمبرّد وأبي علي الفارسي وغيرهم إلا أنّ ما ذكر عنهم على ثلاثة أصناف:
أ: صنف لا تصحّ نسبته إليهم، ومن ذلك:
- كتاب الحروف المنسوب إلى الخليل بن أحمد، وقد طبع بتحقيق د.رمضان عبد التواب، وقال: (ويبدو أن الكتاب مزيّف) وذكر أنّ الحافظ الذهبي قد اختصره، وأن الفيروزآبادي والسيوطي قد نقلا عنه.
- ورسالة في الحروف العربية، طبعت منسوبة إلى النضر بن شميل المازني(ت: 204هـ) بتحقيق: هبة الدين الحسيني، في مجلة العلم ببغداد، ونشرها المستشرق أوغست هفنر في المجموع الذي سمّاه "البلغة في شذور اللغة".
ب: وصنف وإن كان عنوانه في الحروف إلا أنّ موضوعه في غير بيان معاني الحروف؛ ومن ذلك:
- كتاب ابن السكيت في "الحروف التي يُتكلّم بها في غير موضعها" لم يُرِدْ فيه حروف المعاني، وإنما أطلق لفظ الحرف على ما نسمّيه الجُملة.
- وكتاب الحروف لأبي عمرو الشيباني(ت:213هـ) إنما هو كتاب "الجيم" له، وهو معجم لغوي.
- وكتاب الحروف المنسوب لأبي نصر الفارابي(ت:339هـ) كتاب فلسفي لم يجر فيه على طريقة أهل اللغة في شرح حروف المعاني.
- وكتاب الحروف لابن الطحّان (ت:560هـ) هو في صفاتها ومخارجها.
- وكتاب الحروف لأبي الفضائل الرازي(ت: ق7 هـ) وهو كتاب فيه فصول عن علم الحروف الهجائية وصفاتها وأنواعها ومخارجها، وليس فيه حديث عن حروف المعاني.
ج: وصنف لم يصل إلينا، ولا أعرف عنه سوى اسمه، ككتب الكسائي والمبرّد وأبي علي الفارسي.

النوع الرابع: إفراد بعض الحروف بالتأليف.
ومن الكتب المفردة في معاني بعض الحروف:
1: الهمز، لأبي زيد سعيد بن أوس الأنصاري(ت:215هـ).
2: الألفات، لأبي محمد بن القاسم بن بشار ابن الأنباري: (ت: 328 هـ)
3: الألفات، لأبي عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني(ت:370هـ)
4: كتاب "اللامات"، لأبي القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي(ت: 340هـ).
5:اللامات، لأبي جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النحاس(ت:338هـ).
6: واللامات، لأبي زكريا أحمد بن فارس بن زكريا الرازي (ت:395هـ)، وله "مقالة كلا".
7: ولأبي البركات عبد الرحمن بن محمد الأنباري(ت:577هـ) كتب مفردة في بعض الحروف منها: كتاب "كلا وكلتا"، كتاب "لو وما" ، وكتاب "كيف" ، وكتاب "الألف واللام".
8. الفصول المفيدة في الواوات المزيدة، لأبي سعيد خليل بن كيلكلدى بن عبدالله العلائي(ت:761هـ).
وتتبع ما كتب في هذا النوع من الرسائل والكتب وجمعه نافع جداً لو تصدّى له أحد.
). [طرق التفسير: 156 - 163]


رد مع اقتباس
  #57  
قديم 7 صفر 1439هـ/27-10-2017م, 08:33 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

الدراسات المعاصرة لمعاني الحروف في القرآن الكريم
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (الدراسات المعاصرة لمعاني الحروف في القرآن الكريم
لعلماء هذا العصر جهود مشكورة في إعداد موسوعات علمية في معاني الحروف في القرآن الكريم، ومن أهمّ تلك الأعمال:

1. قسم معاني الحروف من كتاب "دراسات لأسلوب القرآن الكريم" للأستاذ الجليل محمد عبد الخالق عضيمة، وهو عمل جليل أمضى فيه نحو خمسة وعشرين عاماً، وبذل وسعه في حصر مواضع حروف المعاني في القرآن الكريم، وأقوال العلماء في معانيها من مراجع كثيرة.
وقدّم لكل حرف بلمحات معرّفة عن مواضع وروده في القرآن الكريم ومعانيها.
2. معجم الأدوات والضمائر في القرآن الكريم، إعداد الدكتور إسماعيل عمايرة والدكتور عبد الحميد السيد.
3. معجم حروف المعاني في القرآن الكريم، للأستاذ محمد حسن الشريف). [طرق التفسير: 163 - 164]


رد مع اقتباس
  #58  
قديم 7 صفر 1439هـ/27-10-2017م, 08:56 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

النوع الثالث: إعراب القرآن
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (النوع الثالث: إعراب القرآن
علم إعراب القرآن من العلوم التي يُعنى بها نحاة المفسّرين وأئمتهم لأسباب من أجلّها الكشف عن المعاني، والتعرّف على علل الأقوال، وترجيح بعض الأقوال وأوجه المعاني على بعض، وتخريج أقوال المفسّرين.

وقد كان لجماعة من علماء اللغة المتقدّمين عناية بمسائل الإعراب في التفسير، وكان منهم من تُحفظ أقواله وتروى في كتب التفسير وكتب العربية، ومنهم من كانت له كتب يعرض فيها لبعض مسائل إعراب القرآن.
ومن هؤلاء العلماء:
عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي(ت: 129هـ) وعيسى بن عمر الثقفي(ت: 149هـ) وأبو عمرو بن العلاء(ت:154هـ) ، والخليل بن أحمد (ت:170هـ) وهارون الأعور (ت:170هـ)، وسيبويه (ت: 180هـ)، ويونس بن حبيب (ت:183هـ)، وأضرابهم). [طرق التفسير:165]

رد مع اقتباس
  #59  
قديم 7 صفر 1439هـ/27-10-2017م, 09:01 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تاريخ التأليف في إعراب القرآن
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (ثمّ ظهر في أواخر القرن الثاني وأوائل القرن الثالث التأليف في معاني القرآن وإعرابه:

- فكان للإمام الكسائي (ت:189هـ) كتاب في معاني القرآن لكنّه مفقود.
- ولأبي زكريا يحيى بن زياد الفرَّاء (ت:207هـ) كتاب قيّم في معاني القرآن، وكان كتابه من أجمع الكتب في زمانه في إعراب القرآن، وقد عني العلماء به.
- وكتب أبو عبيدة معمر بن المثني(ت:209هـ) مجاز القرآن، وفيه مسائل في إعراب القرآن.
- وكتب محمد بن المستنير البصري المعروف بقطرب(ت: بعد 211هـ) كتاباً في معاني القرآن، وقد حقق بعضه مؤخراً.
- وكتب الأخفش الأوسط سعيد بن مسعدة (ت: ٢١٥هـ) كتاباً في "معاني القرآن" وهو مطبوع.
- ثمّ برز في منتصف القرن الثالث وآخره جماعة من علماء اللغة الذين كانت لهم أقوال مأثورة في إعراب القرآن، ومنهم: ابن السكيت، وأبو حاتم السجستاني، وابن قتيبة، والمبرّد، وثعلب.

ثمّ اتّسع التأليف في إعراب القرآن في القرن الرابع الهجري؛ واشتهرت فيه كتب منها:
-
فكتب أبو إسحاق إبراهيم بن السريّ الزجاج(ت:311هـ) كتابه الحافل ""معاني القرآن وإعرابه" وهو من أجمع كتب إعراب القرآن في زمانه، واشتهر كتابه شهرة كبيرة وعني به العلماء.
- وكتب أبو جعفر أحمد بن إسماعيل النحاس (ت:338هـ)، وهو من أوسع الكتب في إعراب القرآن، وله كتابان آخران فيهما مسائل كثيرة في إعراب القرآن، وهما "معاني القرآن" و"القطع والائتناف".
- وكتب أبو عبد الله الحسينُ بنُ أحمدَ ابنُ خالويه الهمَذاني(ت:370هـ) كتابيه "إعراب ثلاثين سورة من القرآن الكريم" و"إعراب القراءات السبع وعللها" وهما من أجلّ كتب إعراب القرآن.
- ولأبي منصور الأزهري (ت:370هـ) كتاب حسن في "معاني القراءت وعللها" تعرّض فيه لبعض مسائل الإعراب.

ثمّ تتابع التأليف في إعراب القرآن في القرون التالية، ومن أجود المؤلفات فيه:
-
كتاب حافل في إعراب القرآن لعلي بن إبراهيم بن سعيد الحوفي(ت:430هـ)، قال فيه الذهبي: (له " إعراب القرآن " في عشر مجلدات ، تخرّج به المصريون)ا.هـ.
وهذا الكتاب عرف باسم "البرهان في علوم القرآن" ، وقد طبع بعضه في رسائل جامعية، وهو كتاب جامع في التفسير والقراءات وتوجيهها والإعراب والغريب والاشتقاق، ولمؤلفه عناية ظاهرة بالإعراب.
- وكتاب "مشكل إعراب القرآن" لمكي بن أبي طالب القيسي (ت: 437هـ).
- وكتاب "البيان في غريب إعراب القرآن" لأبي البركات ابن الأنباري (ت:577هـ).
- و"الملخص في إعراب القرآن"، للخطيب يحيى بن علي التبريزي (ت: 502هـ).
- و"كشف المشكلات وإيضاح المعضلات"، لعلي بن الحسين الباقولي (ت: 543هـ)
- و"إملاء ما مَنَّ به الرحمن" لأبي البقاء عبدالله بن الحسين العكبري (ت: 616هـ)، وله كتاب "إعراب القراءات الشواذ"
- و"الفريد في إعراب القرآن المجيد"، لحسين بن أبي العز المنتجب الهمذاني (ت: 643هـ)،
- و"المجيد في إعراب القرآن المجيد" لإبراهيم بن محمد الصفاقسي (ت: 742هـ).

وقد كان لجماعة من المفسّرين عناية حسنة بمسائل الإعراب وأثرها على التفسير والترجيح بين الأقوال، ومن هؤلاء المفسّرين:
-
أبو جعفر محمد بن جرير الطبري(ت:310هـ) في تفسيره الكبير "جامع البيان عن تأويل آي القرآن".
- وأبو الحسن علي بن أحمد بن محمد الواحدي (ت: 468هـ) في تفسيره البسيط، وقد طبع مؤخراً.
- وأبو حيان محمد بن يوسف الأندلسي (ت: 745هـ) في تفسيره الحافل "البحر المحيط" ، وهو من أجود التفاسير التي عنيت بإعراب القرآن.
- وأحمد بن يوسف المعروف بالسمين الحلبي (ت: 756هـ) في كتابه "الدرّ المصون".
- والأستاذ محمد الطاهر بن عاشور(ت:1393هـ) في تفسيره القيّم الذي سماه "التحرير والتنوير".

وأُلّف في هذا العصر مؤلفات كثيرة في إعراب القرآن، ومن أشهرها وأجودها:
-
"الجدول في إعراب القرآن" للأستاذ محمود بن عبد الرحيم الصافي(ت:1376هـ) ، وقد اجتهد فيه اجتهاداً بالغاً، وتوفّي - رحمه الله- بعد ساعة من دفع الكتاب للمطبعة.
- و"إعراب القرآن وبيانه"، لمحيي الدين درويش (ت:1402هـ) ، وقد أمضى في تأليفه نحو عشرين عاماً.
- و"المعجم النحوي لألفاظ القرآن الكريم"
، للأستاذ محمد عبد الخالق عضيمة (ت:1404هـ) وهو أحد أقسام موسوعته الكبيرة في دراسة أساليب القرآن، وقد أمضى في تأليف تلك الموسوعة أكثر من ثلاثة وثلاثين عاماً.
وقد جمع في كتابه واستقصى ما شاء الله له أن يستقصي من مسائل النحو وإعراب القرآن وأقوال العلماء في تلك المسائل من كتب التفسير وإعراب القرآن ومعاني القرآن وكتب النحو والصرف ومعاجم اللغة، وغيرها، مع ما عرف عنه رحمه الله من سعة الاطلاع، والجلَد على البحث والدراسة، وحسن المعرفة بعلوم العربية.
وقال رحمه الله في خاتمة موسوعته: (لم أقتصر على كتب النحو وحدها، ولا على كتب الإعراب وحدها، ولا على كتب التفسير وحدها، وإنما شملت القراءات كثيراً من الكتب المختلفة)ا.هـ). [طرق التفسير:165 - 169]


رد مع اقتباس
  #60  
قديم 7 صفر 1439هـ/27-10-2017م, 09:13 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

أنواع مسائل إعراب القرآن
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (أنواع مسائل إعراب القرآن
مسائل الإعراب منها مسائل بيّنة عند النحاة والمفسّرين لا يختلفون فيها، ومنها مسائل مشكلة على بعضهم يختلف فيها كبار النحاة،
وهذا الاختلاف على صنفين:
الصنف الأول: الاختلاف الذي لا أثر له على المعنى، وإنما يختلفون فيه لاختلافهم في بعض أصول النحو وتطبيقات قواعده، وتخريج ما أشكل إعرابه، كاختلافهم في قوله تعالى: {إن هذان لساحران}.
فقد اختلف النحاة في إعراب "هذان" اختلافاً كثيراً على أقوال عديدة.
قال أبو إسحاق الزجاج: (وهذا الحرف من كتاب اللَّه عزَّ وجلَّ مُشْكِل على أهل اللغة، وقد كثر اختلافهم في تفسيره، ونحن نذكر جميع ما قاله النحويون ونخبر بما نظن أنه الصواب واللَّه أعلم).
ثم خلص بعد بحثه المسألة إلى قوله: (والذي عندي - واللّه أعلم - وكنتُ عرضتُه على عالميَنا محمد بن يزيد وعلى إسماعيل بن إسحاق بن حماد بن زيد القاضي فقَبِلاه وذكرا أنّه أجود ما سمعاه في هذا، وهو أنّ "إنْ" قد وقعت موقع "نعم"، وأنَّ اللام وقعت موقعها، وأن المعنى هذان لهما ساحران)ا.هـ.
محمّد بن يزيد هو المبرّد شيخ الزجاج.
وأفرد شيخ الإسلام ابن تيمية رسالة في هذه المسألة بسط القول فيها بسطاً حسناً، وناقش الأقوال والعلل، وخلص من بحث بقوله: (فهذه القراءة هي الموافقة للسماع والقياس ولم يشتهر ما يعارضها من اللغة التي نزل بها القرآن)ا.هـ.
وليس المقصود هنا تفصيل الكلام في هذه المسألة، وإنما المراد التنبيه على الصنف الأول من أصناف الاختلاف في مسائل الإعراب في القرآن، وأنّ
الاختلاف في هذا الصنف من المسائل ليس له أثر على المعنى سوى الفوارق البيانية التي تقتضيها معاني الحروف والأساليب.
والصنف الثاني: الاختلاف الذي له أثر على المعنى، وهذا له أمثلة كثيرة:
منها: اختلاف العلماء في إعراب "مَن" في قوله تعالى: {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} ؛ فمَن جعلها فاعلاً ذهب إلى أنّ المراد هو الله تعالى لأنه الخالق.
ومن جعلها مفعولاً ذهب إلى أن المعنى: ألا يعلم اللهُ الذين خلقهم.
قال ابن القيّم رحمه الله: (وقد اختلف في إعراب {من خلق} هل هو على النصب أو الرفع؟
فإن كان مرفوعا فهو استدلال على علمه بذلك لخلقه له، والتقدير: أنه يعلم ما تضمنته الصدور، وكيف لا يعلم الخالق ما خلقَه، وهذا الاستدلال في غاية الظهور والصحة؛ فإن الخلق يستلزم حياة الخالق وقدرته وعلمه ومشيئته.
وإن كان منصوبا؛ فالمعنى ألا يعلم مخلوقَه، وذكر لفظة {من} تغليبا ليتناول العلمُ العاقلَ وصفاته.
وعلى التقديرين فالآية دالة على خلق ما في الصدور كما هي دالة على علمه سبحانه به)ا.هـ.
ومنها: اختلافهم في إعراب "نافلة" في قوله تعالى: {ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة}
فمن أعربها نائب مفعول مطلق؛ ذهب إلى أنّ المراد بالنافلة الهبة.
ومن أعربها حالاً من يعقوب ذهب إلى أن المراد بالنافلة الزيادة، أي وهبنا له إسحاق، وزدناه يعقوب زيادة.
قال الأمين الشنقيطي: (وقوله: نافلة فيه وجهان من الإعراب؛ فعلى قول من قال: النافلة العطية فهو ما ناب عن المطلق من {وهبنا} أي: وهبنا له إسحاق ويعقوب هبة، وعليه النافلة مصدرٌ جاء بصيغة اسم الفاعل كالعاقبة والعافية.
وعلى أن النافلة بمعنى الزيادة فهو حال من {يعقوب} أي: وهبنا له يعقوب في حال كونه زيادة على إسحاق)ا.هـ.
والأمثلة على الصنفين كثيرة جداً، والذي يتّصل بالتفسير اللغوي هو الصنف الثاني دون الأوّل.
ومن فوائد معرفة الإعراب أنّه يعين على استكشاف علل بعض الأقوال الخاطئة في التفسير.
ومن أمثلة ذلك قول الرازي في معنى "ما" في قوله تعالى: {فبما رحمة من الله لنت لهم} إذ قال: (هنا يجوز أن تكون {ما} استفهاما للتعجب تقديره: فبأي رحمة من الله لنت لهم)ا.هـ.
وقد ردّه ابن هشام في قواعد الإعراب من وجهين؛ فقال: (والتوجيه المذكور في الآية باطل لأمرين:
أحدهما: أن (ما) الاستفهامية إذا خُفضت وجب حذف ألفها نحو: {عم يتساءلون}.
الثاني: أن خفض {رحمة} حينئذ يشكل؛ لأنه لا يكون بالإضافة، إذ ليس في أسماء الاستفهام ما يضاف إلا (أي) عند الجميع، و(كم) عند الزجاج.
- ولا بالإبدال من (ما) لأنَّ المبدل من اسم الاستفهام، لابد أن يقرن بهمزة الاستفهام، نحو: كيف أنت، أصحيح أم سقيم؟
- ولا صفة لأن (ما) لا توصف إذا كانت شرطية أو استفهامية.
- ولا بياناً لأنَّ ما لا يوصف لا يعطف عليه عطف البيان كالمضمرات)ا.هـ). [طرق التفسير:169 - 173]

رد مع اقتباس
  #61  
قديم 7 صفر 1439هـ/27-10-2017م, 09:24 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

النوع الرابع: توجيه القراءات:
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (النوع الرابع: توجيه القراءات:
توجيه القراءات علم شريف لطيف عُني به جماعة من المفسّرين والقرّاء واللغويين، ومن العلماء من أفرده بالتصنيف كما فعل أبو منصور الأزهري، وابن خالويه، وأبو علي الفارسي، وابن جنّي، وابن زنجلة، ومكي بن أبي طالب، وابن أبي مريم الفسوي، وغيرهم.

واختلاف القراءات على نوعين:
النوع الأول:
ما ليس له أثر على المعنى، وهذا النوع يعنى به القرّاء لضبط القراءات، ويعنى ببعضه النحويون والصرفيون لاتّصاله بمسائل النحو والصرف.
والنوع الثاني:
ما له أثر على المعنى وهو الجانب الذي يُعنى به المفسّرون
، ولذلك أمثلة كثيرة مبثوثة في كتب التفسير واللغة وكتب توجيه القراءات.
والعلم بتوجيه القراءات يعتمد على جملة من العلوم اللغوية ، لكن لما تميّزت مسائله بغرض توجيه القراءات أفرده بعض العلماء بالتصنيف، وهو مما يعين المفسّر على الكشف عن الأوجه التفسيرية، والتعرّف على بعض أسباب اختلاف أقوال المفسّرين، ومعرفة بعض دقائق الفروق بين القراءات المتشابهة). [طرق التفسير:174]


رد مع اقتباس
  #62  
قديم 7 صفر 1439هـ/27-10-2017م, 09:26 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

أمثلة على فائدة معرفة توجيه القراءات للمفسّر:
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (أمثلة على فائدة معرفة توجيه القراءات للمفسّر:
قال أبو علي الفارسي:
(قوله تعالى: {مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} يُقرأ بإثبات الألف وطَرْحِها؛ فالحجة لمن أثبتها: أن الملك داخل تحت المالك، والدّليل له: قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ}.

والحجة لمن طرحها: أنَّ الملك أخصّ من المالك وأمدح؛ لأنه قد يكون المالك غير مَلِك، ولا يكون المَلِكُ إلا مالكا)ا.هـ.
هكذا قال رحمه الله، وأولى منه أن يقال: إن لكلا القراءتين من المعنى ما ليس للآخر:
-
أمَّا المَلِك فهو ذو المُلك، وهو كمال التصرّف والتدبير ونفوذ أمره على من تحت ملكه وسلطانه، وأنّ إضافة المَلِك إلى يوم الدين {ملك يوم الدين} تفيد الاختصاص؛ لأنه اليوم الذي لا مَلِكَ فيه إلا الله؛ فكلّ ملوك الدنيا يذهب مُلْكُهم وسلطانهم، ويأتونه كما خلقهم أوَّل مرة مع سائر عباده عراة حفاة غرلاً؛ كما قال الله تعالى: {يوم هم بارزون لا يخفى على اللّه منهم شيءٌ لمن الملك اليوم للّه الواحد القهّار}.
- وأمَّا المالك فهو الذي يملِكُ كلَّ شيء يوم الدين، فيظهر في ذلك اليوم عظمة ما يَـمْلِكه جلَّ وعلا، ويتفرّد بالمِلك التامّ فلا يملِك أحدٌ دونه شيئاً إذ يأتيه الخلق كلّهم فرداً فرداً لا يملكون شيئاً، ولا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً، ولا يملك بعضهم لبعضٍ شيئاً {يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله}.
- فالمعنى الأولّ صفة كمال فيه ما يقتضي تمجيد الله تعالى وتعظيمه والتفويض إليه.
- والمعنى الثاني صفة كمال أيضاً وفيه تمجيد لله تعالى وتعظيم له وتفويض إليه من أوجه أخرى.
- والجمع بين المعنيين فيه كمال آخر وهو اجتماع المُلك والمِلك في حقّ الله تعالى على أتمّ الوجوه وأحسنها وأكملها؛ فإذا كان من الناس من هو مَلِكٌ لا يملِك، ومنهم من هو مالكٌ لا يملُك، فالله تعالى هو المالك الملِك، ويوم القيامة يضمحلّ كلّ مُلك دون ملكه، ولا يبقى مِلكٌ غير مِلكه.(1)

وقال أبو منصور الأزهري: (وقوله جلَّ وعزَّ: {حَتَّى يَطْهُرْنَ ... (222)}.
قرأ عاصم وحمزة والكسائي: (حَتَّى يَطَّهَّرْنَ) بتشديد الطاء والهاء.
وقرأ الباقون: (حَتَّى يَطْهُرْنَ) مخففا.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ {حَتَّى يَطَّهَّرْنَ} والأصل: يَتَطهَّرنَ والتطهرُ يكون بالماء، فأُدْغِمَت التاء في الطاء فشددت.
وَمَنْ قَرَأَ {حَتَّى يَطْهُرْنَ} فالمعنى: يَطهُرنَ مِن دَم المحِيض إذا انقَطع الدم، وجائزٌ أن يكون {يَطهُرن} الطهر التام بالماء بعد انقِطاع الدم)ا.هـ.
ومن الاختلاف في القراءات ما لا أثر له على المعنى عند المفسّرين، وقد يُعنى به بعض القرّاء والنحاة؛ كما
قال
ابن خالويه: (قوله تعالى: {الصِّراطَ} تقرأ بالصاد والسّين وإشمام الزّاي:
- فالحجة لمن قرأ بالسّين: أنه جاء به على أصل الكلمة.
- والحجة لمن قرأ بالصّاد: أنه أبدلها من السّين لتؤاخي السّين في الهمس والصّفير، وتؤاخي الطاء في الإطباق؛ لأن السين مهموسة والطاء مجهورة.
- والحجة لمن أشمّ الزّاي: أنها تؤاخي السّين في الصفير، وتؤاخي الطّاء في الجهر)ا.هـ.
وكلام العلماء في توجيه القراءات منه ما تكون الحجّة فيه بيّنة ظاهرة، ومنه ما هو اجتهاد قد يصيب فيه المجتهد، وقد يُخطئ، وقد يصيب بعض المعنى.

والغرض هنا التعريف بعلم توجيه القراءات
وبيان أنواع مسائله، وصلته بالتفسير اللغوي، ؛ وذِكْر أبرز الكتب المؤلفة فيه، والعلماء الذين لهم عناية به، وأمّا جمع مسائل توجيه القراءات ودراستها وتصنيفها فله مقام آخر). [طرق التفسير:174 - 177]


رد مع اقتباس
  #63  
قديم 7 صفر 1439هـ/27-10-2017م, 09:32 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

النوع الخامس: التفسير البياني
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (النوع الخامس: التفسير البياني
التفسير البياني هو التفسير الذي يُعنى بالكشف عن حسن بيان القرآن، ولطائف عباراته، وحِكَم اختيار بعض الألفاظ على بعض، ودواعي الذكر والحذف، ولطائف التشبيه والتمثيل، والتقديم والتأخير، والإظهار والإضمار، والتعريف والتنكير، والفصل والوصل، واللف والنشر، وتنوّع معاني الأمر والنهي، والحصر والقصر، والتوكيد والاستفهام إلى غير ذلك من أبواب البيان الكثيرة.

وكلام العلماء في هذا النوع كثير مستفيض، وقد عُني المفسّرون ببيان بعض ما حضرهم من ذلك، والإحاطة بهذا النوع غير ممكنة، لأنّ منه أبواباً يتفاضل العلماء في إدراكها، والتفطّن لها لدقّة مأخذها؛ فإذا أُثير السؤال عنها تبيّن للعلماء عند التأمّل ما يقفون به على بعض بدائع القرآن.
وقد قال ابن عطية رحمه الله في مقدّمة تفسيره: (كتاب الله لو نُزِعَت منه لفظة، ثم أُديرَ لسانُ العرب في أن يوجد أحسن منها لم يوجد)ا.ه.

وتقرير هذا الكلام من وجهين:
أحدهما: قدرة الله تعالى المطلقة على كلّ شيء، ومن ذلك بلوغ الغاية في حسن البيان بما لا تطيقه قدرة المخلوقين ولو اجتمعوا وكان بعضهم لبعض ظهيراً؛ فالله تعالى أقدر منهم على حسن البيان، بل لا تبلغ نسبة قدرتهم ولو اجتمعوا نسبة سراج ضعيف إلى قوّة نور الشمس وإشراقها.
والوجه الآخر: سَعَة علم الله تعالى وإحاطته بجميع الألفاظ وأنواع دلالاتها وأوجه استعمالاتها، وأنّه لا يغيب عن علمه شيء من ذلك، ولا يحتاج إلى ما يحتاج إليه المخلوق من التذكّر والموازنة والتحقق.
ولو قُدِّرَ وجود لفظة أحسن لكان إدراك علم الله تعالى لها سابق على إدراك المخلوقين، وقدرته عليها أمكن من قدرتهم ولو اجتمعوا.
وفي هذا ما يُقطع به على انتفاء إمكان الإتيان بمثل هذا القرآن، وأن الله تعالى لم يذكر فيه ما ذكر إلا عن علم، ولم يترك ما ترك إلا عن علم، كما قال الله تعالى: {ولقد جئناهم بكتاب فصّلناه على علم}.
). [طرق التفسير:178 - 179]


رد مع اقتباس
  #64  
قديم 7 صفر 1439هـ/27-10-2017م, 09:32 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

أمثلة للتفسير البياني
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: ( أمثلة للتفسير البياني
ومن هذا الباب ما يكون من لطائف اختيار بعض الألفاظ على بعض كما في قوله تعالى: {والفتنة أشدّ من القتل} ، وقوله: {والفتنة أكبر من القتل}، وكثيراً ما تعرف لطائف الفروق بالنظر إلى السياق؛ فالسياق في الآية الأولى في حث المؤمنين على القتال وترغيبهم فيه وتحذيرهم من تركه، حيث قال تعالى:{ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ}.

فكان من أوجه حثّهم على القتال أن بيّن لهم أن الفتنة في الدين أشدّ من القتل وأعظم ضرراً من القتل، وما يحصل لمن فُتن في دينه من العذاب عند الله لا يوازي ما يحصل له من ألم القتل وهو ثابت على دينه.
قال ابن جرير: (فتأويل الكلام: وابتلاء المؤمن في دينه حتى يرجع عنه فيصير مشركاً بالله من بعد إسلامه أشد عليه وأضرّ من أن يقتل مقيماً على دينه متمسكاً بملته محقاً فيه)ا.هـ.
فالمراد بالفتنة في هذه الآية الافتتان في الدين، والخطاب فيها للمؤمنين فلما كانت الموازنة بين ألم القتل وعاقبة الفتنة ناسب أن يكون التفضيل بأشد، حتى يقدم المؤمن على القتال موقناً بأن ما يصيبه من أذى هو أخف من عاقبة ترك القتال والافتتان في الدين، كما قال تعالى: {كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم..} الآية.
ويوضّحه أيضاً معنى قوله تعالى: {وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حراً لو كانوا يفقهون} وكذلك نظائرها في القرآن الكريم.
وأما الآية الأخرى فسياقها في تعداد الآثام الكبار التي وقع فيها المشركون؛ حيث قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ}.
فلمّا ذكر الصدَّ عن سبيل الله والكفر به وإخراج المؤمنين من مكة؛ ناسب أن يكون التفضيل بـ(أكبر) أي أكبر إثماً.
قال ابن عاشور: (والتفضيل في قوله: {أكبر} تفضيل في الإثم )
هذا من جهة.
ومن جهة أخرى فالخطاب في هذه الآية للمشركين فلم يناسب أن يقال لهم إن الفتنة أشد على المسلمين من هذه الآثام فيحصل لهم بذلك نوع شماتة بالمسلمين، بل المراد أن الفتنة التي أنتم مقيمون عليها وهي الشرك، أكبر إثماً من قتلكم من قتلتم من المؤمنين.). [طرق التفسير:179 - 180]

أصول التفسير البياني
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: ( أصول التفسير البياني

ومسائل التفسير البياني ترجع إلى خمسة أصول:
الأصل الأول: مقدّمات التفسير البياني، من نشأته، وتدرّج التأليف فيه، وأشهر العلماء المعتنين به، وإجمال مناهجهم، وضوابط ومحاذير البحث في مسائل التفسير البياني، وما إلى ذلك.
والأصل الثاني: دلالات المفردات القرآنية، وذلك أنّ كلّ مفردة في القرآن لها أنواع من الدلالات؛ فتدلّ بوضعها اللغوي، وبصيغتها الصرفية، واشتقاقها إن كانت مشتقة، وإعرابها إن كانت معربة.
والأصل الثالث: دلالات تراكيب الجمل، فمن المعلوم أنّ لكلّ جملة متركبة من مفردات؛ ولهذه التراكيب أنواع وتفصيلات تقتضي أنواعاً من الدلالات البيانية.
والأصل الرابع: دلالات الأساليب البيانية، ومن ذلك: أسلوب الاستفهام، وأسلوب الشرط، وأسلوب الأمر، وأسلوب النهي، وأسلوب التوكيد، وأسلوب الاستثناء، وأسلوب التعجب، وأسلوب الحصر، وغيرها.
والأصل الخامس: مسالك التفريق البياني، وفيه تبحث أنواع الفروق بين المفردات، والأساليب، وطرق العلماء في استخراج تلك الفروق.
وقد كتبت في شرح هذه الأصول كتاب "أصول التفسير البياني" نفع الله به). [طرق التفسير:179 - 180]


رد مع اقتباس
  #65  
قديم 7 صفر 1439هـ/27-10-2017م, 09:32 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

عناية العلماء بالتفسير البياني

قال عبد العزيز بن داخل المطيري:(عناية العلماء بالتفسير البياني
والتفسير البياني له صلة بالكشف عن المعاني المرادة، ورفع الإشكال، ويُستعمل في الترجيح بين الأقوال التفسيرية، واختيار بعضها على بعض، وله صلة وثيقة بعلم مقاصد القرآن.
غير أن كلام العلماء في هذا الباب منه ما هو ظاهر الدلالة بيّن الحجّة، ومنه ما يدقّ مأخذه ويلطف منزعه، ومنه ما هو محلّ نظر وتأمل لا يُجزم بثبوته ولا نفيه، ومنه ما هو خطأ بيّن لمخالفته لنصّ أو إجماع أو قيامه على خطأ ظاهر.
وكلام العلماء في هذا النوع كثير مستفيض، وممن عُني بالتفسير البياني من المفسرين: الزمخشريّ، والرازي، وأبو السعود، والآلوسي، وابن عاشور، غير أنه ينبغي أن يُحذر من بعض ما يُذكر في التفسير البياني مما يخالف صحيح الاعتقاد، كتأويل بعض الصفات، والأمور الغيبية، وما يكون لدى بعضهم من تكلّف وتمحّل في بعض المواضع.
ولشيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيّم كلامٌ حسنٌ كثيرٌ في هذا النوع متفرّق في كتبهم.
ولشرف الدين الطيبي حاشية نفيسة على الكشاف للزمخشري عني فيها بالتفسير البياني.
ولجلال الدين السيوطي كتاب في التفسير البياني سماه "قطف الأزهار في كشف الأسرار" بلغ فيه إلى سورة التوبة ولم يتمّه.

وممن أفرد التصنيف في هذا النوع: ابن قتيبة، وابن المنادَى، والخطيب الإسكافي، وعبد القاهر الجرجاني، وابن أبي الإصبع المصري، ومحمد بن أبي بكر الرازي، وابن الزبير الغرناطي، وابن تيمية، وابن جماعة، وابن ريان، وزكريا الأنصاري، وغيرهم.
فلهؤلاء كتب في متشابه القرآن، ومشكل القرآن، وبديع القرآن، وكثيراً ما يعرضون في كتبهم لمثل هذا النوع من التفسير اللغوي.
وللعلماء المتقدّمين كلام مقتضب يندرج في هذا النوع، ثم توسّع العلماء فيه بعد تأسيس علم البلاغة والبيان، وإفراد التصنيف فيه، وتدريس أبوابه وقواعده وأمثلته، واشتهار مصطلحاته.
قال عبد القاهر الجرجاني: (قوله تعالى: {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب} أي لمن أعملَ قلبَه فيما خُلق القلب له من التدبر والتفكر والنظر فيما ينبغي أن ينظر فيه.
فهذا على أن يجعل الذي لا يعي ولا يسمع ولا ينظر ولا يتفكر كأنه قد عُدِم القلب من حيث عدم الانتفاع به، وفاته الذي هو فائدة القلب والمطلوب منه كما يجعل الذي لا ينتفع ببصره وسمعه ولا يفكر فيما يؤديان إليه، ولا يحصل من رؤية ما يرى وسماع ما يسمع على فائدة بمنزلة من لا سمع له ولا بصر)ا.هـ.

وحجة ما ذهب إليه ظاهرة من أن العرب تُسمّي من لا ينتفع بالآلة باسم فاقدها؛ فيقال لمن لا يبصر الحق مع وضوحه: أعمى، ومن لا يسمعه: أصمّ، وقد قال الله تعالى في الكفار: {صمّ بكم عمي فهم لا يعقلون}.
وقال ابن القيّم رحمه الله في كتاب الفوائد: (وقوله {لمن كان له قلب} .. المراد به القلب الحي الذي يعقل عن الله كما قال تعالى: {إن هو إلا ذكر وقرآن مبين لينذر من كان حيا} أي حيّ القلب..).
وقال في مدراج السالكين: (وقال تعالى في آياته المشهودة {وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد هل من محيص إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد}.
والناس ثلاثة: رجل قلبه ميت، فذلك الذي لا قلب له، فهذا ليست هذه الآية ذكرى في حقه.
الثاني: رجل له قلب حي مستعد، لكنه غير مستمع للآيات المتلوة التي يخبر بها الله عن الآيات المشهودة إما لعدم ورودها، أو لوصولها إليه ولكن قلبه مشغول عنها بغيرها، فهو غائب القلب، ليس حاضرا، فهذا أيضا لا تحصل له الذكرى مع استعداده ووجود قلبه.
الثالث: رجل حي القلب مستعد، تليت عليه الآيات، فأصغى بسمعه، وألقى السمع وأحضر قلبه، ولم يشغله بغير فهم ما يسمعه، فهو شاهد القلب، ملق السمع، فهذا القسم هو الذي ينتفع بالآيات المتلوة والمشهودة.
فالأول: بمنزلة الأعمى الذي لا يبصر.
والثاني: بمنزلة البصير الطامح ببصره إلى غير جهة المنظور إليه، فكلاهما لا يراه.
والثالث: بمنزلة البصير الذي قد حدق إلى جهة المنظور، وأتبعه بصره، وقابله على توسط من البعد والقرب، فهذا هو الذي يراه.
فسبحان من جعل كلامه شفاء لما في الصدور.
فإن قيل: فما موقع " أو " من هذا النظم على ما قررت؟
قيل: فيها سر لطيف، ولسنا نقول: إنها بمعنى الواو، كما يقوله ظاهرية النحاة.
فاعلم أن الرجل قد يكون له قلب وقاد، مليء باستخراج العبر، واستنباط الحكم، فهذا قلبه يوقعه على التذكر والاعتبار، فإذا سمع الآيات كانت له نورا على نور، وهؤلاء أكمل خلق الله، وأعظمهم إيمانا وبصيرة، حتى كأن الذي أخبرهم به الرسول مشاهد لهم، لكن لم يشعروا بتفاصيله وأنواعه، حتى قيل: إن مثل حال الصديق مع النبي صلى الله عليه وسلم، كمثل رجلين دخلا دارا، فرأى أحدهما تفاصيل ما فيها وجزئياته، والآخر وقعت يده على ما في الدار ولم ير تفاصيله ولا جزئياته، لكن علم أن فيها أمورا عظيمة، لم يدرك بصره تفاصيلها، ثم خرجا، فسأله عما رأى في الدار؟ فجعل كلما أخبره بشيء صدقه، لما عنده من شواهده، وهذه أعلى درجات الصديقية، ولا تستبعد أن يمن الله المنان على عبد بمثل هذا الإيمان، فإن فضل الله لا يدخل تحت حصر ولا حسبان.
فصاحب هذا القلب إذا سمع الآيات وفي قلبه نور من البصيرة ازداد بها نورا إلى نوره، فإن لم يكن للعبد مثل هذا القلب فألقى السمع وشهد قلبه ولم يغب حصل له التذكر أيضا {فإن لم يصبها وابل فطل} والوابل والطل في جميع الأعمال وآثارها وموجباتها. وأهل الجنة سابقون مقربون، وأصحاب يمين، وبينهما في درجات التفضيل ما بينهما، حتى إن شراب أحد النوعين الصرف يطيب به شراب النوع الآخر ويمزج به مزجا، قال الله تعالى {ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحميد} فكل مؤمن يرى هذا، ولكن رؤية أهل العلم له لون، ورؤية غيرهم له لون آخر)ا.هـ.
ثم انتقد عبد القاهر من اقتصر على تفسير القلب في هذه الآية بالعقل.
ثم قال: (ومن عادة قوم ممن يتعاطى التفسير بغير علم، أن يتوهموا أبدا في الألفاظ الموضوعة على المجاز والتمثيل، أنها على ظواهرها، فيفسدوا المعنى بذلك، ويبطلوا الغرض، ويمنعوا أنفسهم والسامع منهم العلم بموضع البلاغة، ومكان الشرف. وناهيك بهم إذا هم أخذوا في ذكر الوجوه، وجعلوا يكثرون في غير طائل، هناك ترى ما شئت من باب جهل قد فتحوه، وزند ضلالة قد قدحوا به، ونسأل الله تعالى العصمة والتوفيق)ا.هـ.
). [طرق التفسير:181 - 184]


رد مع اقتباس
  #66  
قديم 7 صفر 1439هـ/27-10-2017م, 09:32 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

سمات التفسير البياني عند السلف
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: ( سمات التفسير البياني عند السلف
وها هنا أمر ينبغي التوقف عنده والتنبيه عليه، وهو أن من المتأخّرين من يظهر له معنى يراه بديعاً في بيان الآية فيتعصّب له ويشنّع على من لم يفسّر الآية به، وقد يكون ما رآه مسبوقاً إليه بعبارة منبّهة موجزة؛ فإنّ السلف لم يكن من عادتهم التطويل في التفسير، وإنما يستعملون التنبيه والإيجاز والإلماح إلى ما يُعرف به المعنى؛ ويترك للسامع تأمّل ما وراء ذلك إذ فتح له الباب وأبان له السبيل.

وقد روى ابن جرير بسند صحيح عن قتادة في تفسير قول الله تعالى: {إنّ في ذلك لذكرى لمن كان له قلبٌ}: أي من هذه الأمّة، يعني بذلك القلب: القلب الحيّ).
وروى عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله: {لمن كان له قلبٌ} قال: (قلبٌ يعقل ما قد سمع من الأحاديث الّتي عذّب اللّه بها من عصاه من الأمم).
وهذا هو أصل هذا القول إلا أنّ عبد القاهر الجرجانيّ حبّره ببيانه، ثمّ زاده ابن القيّم رحمه الله شرحاً وتحبيراً.
). [طرق التفسير: 185]


رد مع اقتباس
  #67  
قديم 7 صفر 1439هـ/27-10-2017م, 09:34 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

التحذير من الانحراف في التفسير البياني
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: ( التحذير من الإنحراف في التفسير البياني
وقد يكون في بعض اجتهادات المتأخّرين ما يخطئون فيه مع تشنيعهم على السلف ورميهم بضعف التأمّل وقلّة الدراية بأساليب البيان، ويكثر هذا من أهل البدع والأهواء، ويتوصّلون بذلك إلى ردّ بعض ما تقرر من مسائل الاعتقاد لدى أهل السنة والجماعة.

ومن ذلك قول الزمخشري في تفسير قول الله تعالى: { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ}.
قال: (فإن قلت: ما فائدة قوله وَيُؤْمِنُونَ بِهِ ولا يخفى على أحد أنّ حملة العرش ومن حوله من الملائكة الذين يسبحون بحمد ربهم مؤمنون؟
قلت: فائدته إظهار شرف الإيمان وفضله، والترغيب فيه كما وصف الأنبياء في غير موضع من كتابه بالصلاح لذلك، وكما عقب أعمال الخير بقوله تعالى ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا فأبان بذلك فضل الإيمان.
وفائدة أخرى: وهي التنبيه على أن الأمر لو كان كما تقول المجسّمة ، لكان حملة العرش ومن حوله مشاهدين معاينين، ولما وصفوا بالإيمان، لأنه إنما يوصف بالإيمان: الغائب، فلما وصفوا به على سبيل الثناء عليهم، علم أنّ إيمانهم وإيمان من في الأرض وكل من غاب عن ذلك المقام سواء: في أنّ إيمان الجميع بطريق النظر والاستدلال لا غير، إلا هذا، وأنه لا طريق إلى معرفته إلا هذا).ا.هـ.

يريد بالمجسّمة أهلَ السنّة والجماعة.
وهذا القول خطأ بيّن، والذي حمله عليه اعتقاده نفي صفة العلوّ لله تعالى واستوائه على العرش حقيقة كما هو حال المعتزلة.
وهذا القول المنكر الذي شانَ الزمخشريُّ تفسيرَه به وبمثله مما يُلحق بما يستخرج بالمناقيش من اعتزالياته كما ذكر السيوطي عن البلقيني أنه قال: (استخرجت من الكشاف اعتزالاً بالمناقيش)ا.هــ.
ومنشأ الخطأ أنّ الزمخشريّ ظنَّ أن وصف الملائكة الذين يحملون العرش ومن حوله بالإيمان إنما سببه أنهم لا يرون الله تعالى، ثمّ فرّع على هذا الاستنتاج أنه ليس على العرش إله حقيقةً تعالى الله عما يقول.
وهذه الفائدة المتوهّمة أعجبت الرازيَّ صاحب التفسير الكبير، وهو من كبار متكلّمي الأشاعرة، وطار بها فرحاً لأن من الأشاعرة من ينكر صفة استواء الله على عرشه حقيقة، ويتأوّل معنى الاستواء الوارد في النصوص بالاستيلاء.
فنقل الرازي كلام الزمخشري وزاد فيه شرحاً وتوضيحاً وبالغ في الثناء عليه بما قال؛ فقال: ( فإنْ قيل فأي فائدة في قوله: {ويؤمنون به}؛ فإن الاشتغال بالتسبيح والتحميد لا يمكن إلا وقد سبق الإيمان بالله؟
قلنا: الفائدة فيه ما ذكره صاحب «الكشاف» ، وقد أحسن فيه جداً؛ فقال: إن المقصود منه التنبيه على أن الله تعالى لو كان حاضرا بالعرش لكان حملة العرش والحافون حول العرش يشاهدونه ويعاينونه، ولما كان إيمانهم بوجود الله موجبا للمدح والثناء لأن الإقرار بوجود شيء حاضر مشاهد معاين لا يوجب المدح والثناء، ألا ترى أن الإقرار بوجود الشمس وكونها مضيئة لا يوجب المدح والثناء، فلما ذكر الله تعالى إيمانهم بالله على سبيل الثناء والمدح والتعظيم، علم أنهم آمنوا به بدليل أنهم ما شاهدوه حاضرا جالسا هناك، ورحم الله صاحب «الكشاف» فلو لم يحصل في كتابه إلا هذه النكتة لكفاه فخرا وشرفا)ا.هـ.

وتناقل عدد من مفسري المعتزلة والأشاعرة القول في هذه المسألة التي أثارها الزمخشري وزادها الرازيّ إثارة؛ فكان لأهل السنة ردود على ما أثاروه؛ من أحسنها وأجمعها ردّ ابن القيّم رحمه الله تعالى عليه في الصواعق المرسلة في معرض ردّه في الوجه التاسع والثلاثين بعد المئتين على شُبَه الذين ينصبون التعارض بين العقل والنقل؛ فقال في بيان حال طائفتين حاولتا منع دلالة القرآن على صحّة ما جاءت به أحاديث الصفات: (الطائفة الثانية: من يعتقد أنَّ لكلامه باطناً يخالف ظاهره وتأويلا يخالف حقيقته فالطريقة الأولى للمتفلسفة ومن يتتلمذ لهم، والطريقة الثانية للجهمية ومن اقتفى آثارهم، وكثير من المتأخرين يجمع بين الطريقتين؛ فيتفلسف تارة، ويتجهّم تارة، ويجمع بين الإدامين تارة؛ فهذه درجات المنع.

وأما درجات المعارضة فثلاثة أيضا:
إحداها: أن يعارض المنقول بمثله ويسقط دلالتهما أو يرجح دلالة المعارض كما عارض الجهمي قوله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} بقوله {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وزعم أنه لو كان على العرش لم يكن أحداً وعارضه بقوله {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} وزعم أنه لو كان على عرشه لم يكن معنا وعارضه بقوله {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ} وهذه معارضة الزمخشري في كشافه قال: وفيها التنبيه على أن الأمر لو كان كما يقوله المجسمة كان حملة العرش ومن حوله مشاهدين معاينين ولما وصفوا بالإيمان لأنه إنما يوصف بالإيمان الغائب ولما وصفوا به على سبيل الثناء عليهم علم أن إيمانهم وإيمان من في الأرض وكل من غاب عن ذلك المقام سواء في إيمان الجميع بطريق النظر والاستدلال لا غير وأنه لا طريق إلى معرفته إلا هذا وأنه منزه عن صفات الأجرام.
فلو كان المجسم - بزعمك - جسما حقيقة لما رضي لنفسه ولمن يخاطبه بمثل هذا الكلام الذي هو من أقبح الكلام وأبطله ولشحّ على زمانه وأوراقه أن يضيعه بمثله، ولمنعه وقار القرآن وعظمته في صدره أن يفسره بمثل هذا الكلام الذي هو كما قيل: مثل حجارة الكنيف ترجع وتنجس؛ فقد صرح قائله بأنّ إيمان محمد بن عبد الله وإبراهيم الخليل وموسى الكليم وجميع الأنبياء والمرسلين إنما هو عن نظر واستدلال وهم بسعادتهم قد سدوا جميع طرق الإيمان والمعرفة إلا طريق الجواهر والأعراض والاجتماع والافتراق وإبطال حوادث لا أول لها وزعموا أن من لم يعرف ربه من تلك الطريق مات ولم يعرف له رباً، ولم يقرّ بأن له إلها وخالقا، وزادوا في الافتراء والكذب والبهت؛ فزعموا أن إيمان جبريل وميكائيل والملائكة المقربين وجميع المرسلين مبني على هذه الطريقة، وأن إيمانهم كلهم سواء، وأنهم لا طريق لهم إلى معرفته إلا هذا النظر والاستدلال الذي وضعه لهم شيوخ الجهمية ومبتدعة المتكلمين وضلال أهل الاعتزال؛ فهاهنا يسجد المجسّم - بزعمكم- شكرا لله إذ عافاه الله من مثل هذا البلاء العظيم، وهذا القول أقلّ وأحقر من أن يتكلف للوجوه التي تدل على بطلانه بأكثر من حكايته)ا.هـ.

وخلاصة الردّ على شبهة الزمخشري:
1
. أن رؤية حملة العرش لربّهم أو عدم رؤية أمر غيبي لا نثبته ولا ننفيه إلا بدليل شرعي، والعرش عظيم جداً؛ بل قد ورد أنه أعظم المخلوقات، وليس بلازم في العقل أن من يطوف حوله يرى من عليه؛ فانتفت الشبهة من أصلها.
2. أنهم لو صحّ الدليل بأنّهم رأوه فهذا لا ينفي وصفهم بالإيمان؛ والله تعالى قد وصفهم بأنّهم يؤمنون به؛ فلا حجّة لأحد يعارض وصف الله لهم بالإيمان.
3. أنّ الملائكة يسمعون تكلّم الله تعالى بالوحي كما صحّت الأحاديث بذلك؛ فسماعهم كلام الله تعالى لم ينفِ وصف الإيمان عنهم، وما يقال في السمع يقال نظيره في الرؤية إذ لا فرق مع تحققهم من أنّ الكلام كلام الله تعالى.
4. أن الإيمان لا يُقصر على الإقرار بالوجود؛ فهذا القدْر يقرّ به أكثر أهل الأرض؛ ولم ينكر وجود الله تعالى إلا فئة قليلة جداً من الملاحدة؛ فالإيمان الذي أثنى الله تعالى عليهم به هو ما فسّرته النصوص الأخرى من دأبهم في طاعته وذكره وأنهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون لا على مجرّد أنهم يقرّون بوجوده.

والمقصود التنبيه على وجوب الاحتراز مما يتكلّم به أهل البدع في تقرير بدعهم بسلوك مسلك التفسير البياني.
ومما ينبغي أن يحترز منه مَن يسلك مسلك التفسير البياني أيضاً: الجزم بما لا دليل عليه سوى ذوقه وتأمّله واجتهاده؛ فكثيراً ما يغيب عن بعض المتأملين معارضة بعض الأوجه التي استخرجوها لنصّ صحيح أو إجماع، وكل تفسير عارض نَصّاً أو إجماعاً فهو تفسير باطل.
والحديث عن التفسير البياني يطول، والمقصود التعريف به، فنكتفي بهذا القدر). [طرق التفسير:185 - 190]


رد مع اقتباس
  #68  
قديم 7 صفر 1439هـ/27-10-2017م, 09:40 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

النوع السادس: الوقف والابتداء
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (النوع السادس: الوقف والابتداء
من أنواع عناية علماء اللغة بالقرآن الكريم عنايتهم بعلم الوقف والابتداء في القرآن، ويسمّى علم الوقوف، وعلم التمام، والقطع والائتناف، والمقاطع والمبادي.
ولهذا العلم صلة وثيقة بالتفسير لتعلّقه ببيان المعنى؛ حتى كان يوصف من يُتقنه بأنّه يفسّر القرآن بتلاوته.
وقد روى الليث بن سعد عن عبد الله ابن أبي مُليكَة عَن يعلى بن مملك أنه قال: (سألتُ أمَّ سلمة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل وقراءته قالت: (( ما لكم ولصلاته ولقراءته؟
قد كان يصلي قدر ما ينام، وينام قدر ما يصلي))
وإذا هي تَنْعَتُ قراءته، فإذا قراءة مفسّرة حرفا حرفا). أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن وأحمد والترمذي والنسائي.
وروى ابنُ جريج، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن أم سلمة، أنها سُئلت عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، فقالت: ( كان يقطع قراءته آية آية: {بسم الله الرحمن الرحيم} . {الحمد لله رب العالمين} . {الرحمن الرحيم} .{مالك يوم الدين}). أخرجه الإمام أحمد وأبو داوود والترمذي.
ولفظ الترمذي: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع قراءته يقرأ: {الحمد لله رب العالمين}، ثم يقف، {الرحمن الرحيم}، ثم يقف).
وإبهام السائل في هذه الرواية لا يضرّ؛ لأنّه قد سُمّي في الرواية الأخرى، ومن حذف ذكر السائل فقد اختصر الإسناد فلا تعلّ به الرواية الموصولة المعيّنة للمبهم، وهذه الروايات يفسّر بعضها بعضاً.
وكان للقرّاء اللغويين عناية بالغة بعلم الوقف والابتداء؛ يتعلّمونه مع القراءة، ويعرفون أحكامه وأحواله وعلله وأسبابه.
قال ابن مجاهد فيما ذكره عنه أبو جعفر النحاس: (لا يقوم بالتمام في الوقف إلا نحوي عالم بالقراءات عالم بالتفسير والقصص وتخليص بعضها من بعض، عالم باللغة التي نزل بها القرآن)ا.هـ.
وذلك لاستلزامه المعرفة بمعاني الأساليب، وأوجه التفسير والإعراب، والمقطوع والموصول، ومواضع الوقف والسكت ، مع المعرفة الحسنة بأوجه القراءات ورسم المصاحف.
وقال ابن الأنباري: (ومن تمام معرفة إعراب القرآن ومعانيه وغريبه معرفة الوقف والابتداء فيه).
وقال أبو جعفر النحاس: (فقد صار في معرفة الوقف والائتناف التفريق بين المعاني، فينبغي لمن قرأ القرآن أن يتفهَّم ما يقرأه، ويشغل قلبه به، ويتفقد القطع والائتناف، ويحرص على أن يُفهِمَ المستمعين في الصلاة وغيرها، وأن يكون وَقْفُه عند كلام مستقرٍّ أو شبيهٍ، وأن يكون ابتداؤه حسنًا، ولا يقف على مثل {إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى} لأن الواقف ها هنا قد أشرك بين المستمعين وبين الموتى، والموتى لا يسمعون ولا يستجيبون، وإنما أخبر عنهم أنهم يُبعثون)ا.هـ.
وقال علم الدين السخاوي رحمه الله: (ففي معرفة الوقف والابتداء الذي دوَّنه العلماء تبيينُ معاني القرآن العظيم، وتعريفُ مقاصده، وإظهارُ فوائدِه، وبه يتهيَّأ الغوصُ على دُرره وفرائده)ا.ه
وقال أيضاً: (وقد اختار العلماء وأئمة القراء تبيين معاني كلام الله عز وجل وتكميل معانيه، وجعلوا الوقف منبّهاً على المعنى، ومفصّلا بعضه عن بعض، وبذلك تَلَذُّ التلاوة، ويحصل الفهم والدراية، ويتّضح منهاج الهداية)ا.هـ.
والمقصود أن عناية علماء اللغة بالوقف والابتداء كانت لأجل إفادة القارئ بما يُحسن به أداءَ المعنى عند قراءته، ويُفهم المراد، ولأنّه إذا أخطأ في الوقف أو الوصل أو الابتداء أوهمَ معنى غير صحيح.
وقد حذّر العلماء من الوقف القبيح، وهو الذي يوهم معنى لا يصحّ، كالوقف على قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ...}.
فمثله هذا الوقف لا يوقف عليه إلا لضرورة انقطاع النفس أو التعليم ثم يبتدئ بما قبله.
ونظير الوقف القبيح الابتداء القبيح، وهو الذي يوهم معنى فاسداً كما لو قرأ قارئ قول الله تعالى: { يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ..} فوقف على {الرسول} وابتدأ بما بعده؛ فإنّه يوهم بقراءته غير المعنى المراد.
وكذلك الوصل القبيح، وهو الذي يوهم معنى غير مراد كما لو وصل قارئ قول الله تعالى:{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ} وقوله تعالى: {فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (76)}. والصواب أن يقف على {عنهم} ويقف على {قولهم}.
قال ابن الأنباري رحمه الله: (اعلم أنه لا يتم الوقف على المضاف دون ما أُضيف إليه، ولا على المنعوت دون النعت، ولا على الرافع دون المرفوع، ولا على المرفوع دون الرافع، ولا على الناصب دون المنصوب ولا على المنصوب دون الناصب، ولا على المؤكد دون التوكيد...) إلى آخر ما قال، وهو فصل طويل في كليّات الوقف والابتداء، وقواعده العامة.
وكثير من مسائل الوقف والوصل والابتداء متّفق عليها عند العلماء، ومنها مسائل يختلفون فيها لاختلافهم في فهم المعنى، واختلاف ترجيحاتهم بين أوجه التفسير، فإنّ تعلّق علم الوقف والابتداء بالتفسير تعلّق ظاهر، وكلام العلماء فيه إنما هو بحسب ما بلغهم من العلم بالقراءة والتفسير وما أدّاه اجتهادهم فيه.
ومن أمثلة اختلافهم في الوقف بناءً على التفسير اختلافهم في الوقف في قوله تعالى: {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً}.
فإذا وصل القارئ أفاد توقيت التحريم عليهم بأربعين سنة، وهذا قول الربيع بن أنس البكري، وهو ظاهر النسق القرآني.
وإذا وقف على {عليهم} وابتدأ بقوله: {أربعين سنة يتيهون في الأرض} أفاد تعلّق التوقيت بالتّيه لا بالتحريم، فيكون التحريم مؤبّداً عليهم، والتيه مؤقتاً بأربعين سنة.
قال قتادة: {فإنّهما محرمة عليهم} قال: أبداً، {أربعين سنة يتيهون في الأرض} قال: يتيهون في الأرض أربعين سنة). رواه ابن جرير، وروى ابن منيع وابن عديّ وابن عساكر نحوه عن عكرمة من طريق الزبير بن الخرّيت البصري وهو ثقة من رجال الصحيحين.
قال ابن الأنباري: (وقوله: {أربعين سنة} يُنصب من وجهين:
- إن شئت نصبتها بـ{محرمة عليهم} فلا يتم الوقف على {عليهم}.
- وإن شئت نصبتها بـ{يتيهون في الأرض}؛ فعلى هذا المذهب يتمّ الوقف على {عليهم} )ا.هـ.
والراجح أن التحريم عامّ على المعنيّين في الآية، وهم الذين امتنعوا من دخول الأرض المقدّسة خوفاً من الجبّارين وعصياناً لأمر الله، وجملة {يتيهون في الأرض} في محلّ نصب حال، أي: تائهين في الأرض، والإتيان بالفعل المضارع الدالّ على التجدد في موضع الحال لإفادة تجدّد التيه عليهم في تلك المدة؛ يتيهون تيها بعد تيه إلى الأمد الذي جعله الله لهم.
وجائز أن يكون جميع من عُنوا بالتحريم ماتوا في زمن التيه كما ذكره غير واحد من المفسّرين إلا أنّ هذا ليس بلازم في ظاهر النسق القرآني.
ومن الأمثلة على ذلك أيضاً الوقف في قوله تعالى: {قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92)} فمن وقف على {اليوم} كان الابتداء بما بعدها دعاء من يوسف عليه السلام لإخوته، وهو أرجح الوجهين في التفسير.
قال الأخفش: (وقال: {لا تثريب عليكم اليوم} (اليوم) وقفٌ ثم استأنف فقال: {يغفر اللّه لكم} فدعا لهم بالمغفرة مستأنفاً)ا.هـ.
ومن وقف على {عليكم اليوم} ثمّ ابتدأ {اليوم يغفر الله لكم..} كان المعنى خبرٌ من يوسف عليه السلام – وهو نبيّ يوحى إليه – بمغفرة الله تعالى لهم في ذلك اليوم.
والغرض من ذكر هذين المثالين بيان عناية علماء اللغة بعلم الوقف والابتداء، وبيان ترتّبه على التفسير، وأثره في إفادة المعنى). [طرق التفسير:191 - 196]

رد مع اقتباس
  #69  
قديم 7 صفر 1439هـ/27-10-2017م, 09:43 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

مناهج العلماء في تقسيم الوقوف
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (مناهج العلماء في تقسيم الوقوف
وللعلماء مناهج يتوخّونها في تقسيم الوقوف، وتعداد مراتبه، وقد اختلف اجتهادهم في تسمية تلك المراتب، وتفصيل حدودها اختلافاً كثيراً، فخرجوا بتقسيمات متقاربة في أصول أحكامها؛ ومختلفة في بعض تفصيلها.

فقسّم ابن الأنباري الوقوف إلى: تامّ، وكافٍ، وقبيح.
وقسمها أبو عمرو الداني إلى: تامّ مختار، وكافٍ جائز، وصالح مفهوم، وقبيح متروك، وربمّا سمّى الصالح بالحسَن.
وقسّمها ابن الطحّان وعلم الدين السخاوي إلى: تام، وكافٍ، وحسن، وقبيح.
وقسّمها السجاوندي إلى: لازم، ومطلق، وجائز، ومجوَّز لوجه، ومرخّص ضرورة، وقبيح.
وقسّمها ابن الفرُّخان في آخر كتابه "المستوفى في النحو" إلى اضطراري واختياري، ثم قسّم الاختياري إلى تام وناقص وأنقص؛ ثم جعل كلّ قسم على مراتب.
وقسمها الأشموني إلى: تام، وأتم، وكاف، وأكفى، وحسن، وأحسن، وصالح، وأصلح، وقبيح، وأقبح.
قال ابن الجزري: (أكثر ما ذكر الناس في أقسامه غير منضبط ولا منحصر، وأقرب ما قلته في ضبطه أن الوقف ينقسم إلى اختياري واضطراري....)
ثم ذكر أقسام الاختياري وهي: التام، والكافي، والحسن، وبيّن حدودها.
ثم قال: (وإن لم يتم الكلام كان الوقف عليه اضطرارياً وهو المصطلح عليه بالقبيح، لا يجوز تعمّد الوقف عليه إلا لضرورة من انقطاع نفس ونحوه لعدم الفائدة أو لفساد المعنى)ا.ه.
ومما ينبغي التنبّه له أنّ كلام العلماء في مسائل الوقوف يدخله الاجتهاد كثيراً، ومن أكثر ما وسّع الخلاف في الوقوف التوسّع في ما يحتمله الإعراب من غير نظر في التفسير، فمن استرسل مع احتمالات الإعراب وغفل عن مراعاة الأوجه الصحيحة في التفسير والأحكام وقع في أخطاء كثيرة.
وقد استرسل قوم من المتصوّفة في التفسير الإشاري حتى خرجوا بوقوف قبيحة فيها إشارات تحيل تركيب الآية وتوقع صاحبها في لحن جليّ، ومعنى فاسد، فليحذر من ذلك.
والغلوّ في الوقوف قد يفضي بصاحبه إلا تمحّلات وتعسفات متكلّفة باردة، ولذلك أمثلة كثيرة ذكر السخاوي وابن الجزري والسيوطي طائفة منها.
قال ابن الجزري في مقدمته:
وليس في القرآن من وقف وَجَبْ ... ولا حرام غيرُ ما له سبب
وهذه قاعدة جليلة من قواعد علم الوقف والابتداء.
ومما ينبغي أن يُعلم أن المراد بالوجوب في الوقف هو الوجوب الأدائي، وليس التكليفي الذي يأثم مخالفه، وهذا كما تقول: يجب رفع الفاعل؛ فهو وجوب من جهة الأداء.
وإنما يأثم من يتعمّد الوقف القبيح، والابتداء القبيح.
ومسائل الوقف والابتداء منها ما يعتني به المفسّرون في تفاسيرهم، ولا سيّما من كتب في معاني القرآن من علماء اللغة.
وقد أفرد بعض العلماء هذا العلم بالتأليف، ومن أشهر الكتب المؤلفة فيه: كتاب الوقف والابتداء في كتاب الله عز وجل لابن سعدان الضرير، وإيضاح الوقف والابتداء لابن الأنباري، والقطع والائتناف لأبي جعفر النحاس، والمكتفى في الوقف والابتداء لأبي عمرو الداني، ونظام الأداء لابن الطحان، وعلل الوقوف لابن طيفور السجاوندي، والمرشِد للعماني، والهادي إلى معرفة المقاطع والمبادي لأبي العلاء الهمذاني، وعلَم الاهتداء لعلَم الدين السخاوي، والمقصد لتلخيص ما في المرشد لزكرياء الأنصاري، ومنار الهدى للأشموني المتقدّم، ومعالم الاهتداء للحصري.
وقد ذُكر من الكتب المفقودة في هذا العلم: كتاب المقطوع والموصول لعبد الله بن عامر القارئ، وكتاب الوقف والابتداء لأبي عمرو بن العلاء، وكتاب مقطوع القرآن وموصوله للكسائي، وكتاب المقاطع والمبادئ لأبي حاتم السجستاني، وكتاب الاهتداء إلى معرفة الوقف والابتداء لابن الجزري). [طرق التفسير:196 - 198]

رد مع اقتباس
  #70  
قديم 7 صفر 1439هـ/27-10-2017م, 09:48 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

النوع السابع: التصريف
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (النوع السابع: التصريف
علم الصرف من العلوم المهمّة للمفسّر، يكشف له كثيراً من المعاني والأوجه التفسيرية، ويعرّفه علل بعض الأقوال الخاطئة في التفسير، ويعينه على معرفة التخريج اللغوي لكثير من أقوال السلف في التفسير.

وهو علم يتعلّق ببنية الكلمة، وتمييز حروفها الأصلية، وما يلحقها من زيادة وإعلال، وقلب وإبدال، وحذفٍ وتغيير بالحركات والحروف لإفادة معانٍ تتعلّق بأصل الكلمة وتختلف باختلاف صيغتها.
قال عبد القاهر الجرجاني: (اعلم أن التصريف "تفعيل " من الصرف، وهو أن تصرف الكلمة المفردة؛ فتتولد منها ألفاظ مختلفة، ومعان متفاوتة)ا.هـ.
وهذا كما تصرّف الفعل "ضرب" إلى اضربْ للأمر، ويضربُ للمضارع، و"ضرْب" للمصدر، و"ضارب" لاسم الفاعل، و"ضرَّاب" للمبالغة، و"ضرَّابة" لزيادة المبالغة، "وضاربين" للجمع المذكر، و"ضاربات" للجمع المؤنث، "ومضروب" للمفعول، "وتضارَب" للتفاعل بين اثنين بالضرب، "وضَرْبَة" لاسم المرَّة، و"ضِرْبة" لاسم الهيئة.
وكما تصرّف لفظ "رجل" إلى "رجلين" للمثنَّى، و"رجال" للجمع، و"رجالات" لجمع الجمع، "ورُجَيل" للتصغير، "وأرجلة" لجمع القلة، وغير ذلك من أوجه تصريف الكلمة وتقليبها على تراكيب مفيدة لمعانٍ مختلفة.
ولضبط هذه التغييرات ابتكر الصرفيون: الميزان الصرفي، والقياس اللغوي.
- فأمّا الميزان الصرفي فهو تمثيل الكلمات بحروف "الفاء والعين واللام" ( فعل) ؛ فتقول في "ضَرَبَ يَضْرِبُ": ميزانها الصرفي: "فَعَلَ يفعِلُ" ، وتقول في "رَجُل ورِجَال": "فَعُل وفِعَال".
وهذا الميزان يميزون به الحروف الأصلية من المزيدة، ويعرفون به ما يلحق الكلمة من تغيير في بنيتها.
- وأمّا القياس اللغوي فيراد به إجراء ما لم يُعْرف بالسماع مجرى ما عُرف به في نظائره واطّردت به قواعد التصريف.
وأبواب علم الصرف لا تخرج عن تصريف الأسماء وتصريف الأفعال.
- ويشترك القسمان في أبواب كثيرة؛ كالأبنية، وأحرف الزيادة، والقلب والإبدال، والإلحاق والإعلال، والحذف والنقل، والهمز والتخفيف، والإمالة والإدغام، وعوارض الوقف والابتداء، والتقاء الساكنين، وغير ذلك.

- ويشتمل تصريف الأفعال على أبنية الأفعال وأنواعها باعتبار الصحة والإعلال، وباعتبار الدلالة على الزمن، وباعتبار التجريد والزيادة، ويشتمل أيضاً على أبواب الإسناد والتوكيد، وأبواب معاني صيغ الأفعال وما يتركّب منها.
- ويشتمل تصريف الأسماء على معاني أبنية الأسماء، والمقصور والممدود، والتذكير والتأنيث، والتثنية والجمع، والتصغير والتكبير، والتقليل والتكثير، والنسب، والتعريب، والمصادر، والمشتقات وهي: اسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة باسم الفاعل، واسم التفضيل، واسم الزمان، والمكان، واسم الآلة، وغير ذلك.
وفي كتب الصرف اختلاف كثير في ترتيب أبوابه وعرض مسائله، والمقصود هنا التعريف بأهمّ أبواب هذا العلم.
وقد كانت عناية العلماء بعلم الصرف مصاحبة لعنايتهم بعلم النحو؛ إذ كان اللحن يقع فيهما، والقياس جارٍ عليهما، ولذلك كانت عامّة كتب النحو حافلة بأبواب من علم الصرف). [طرق التفسير:199 - 201]

رد مع اقتباس
  #71  
قديم 7 صفر 1439هـ/27-10-2017م, 09:52 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

عناية العلماء بعلم الصرف:
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (واشتهر بالعناية بعلم الصرف جماعة من العلماء منهم:
1. عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي(ت:129هـ)، وله كتاب "الهمز" مفقود.
2. وعمرو بن عثمان بن قنبرٍ المعروف بسيبوبه ت:180هـ) ، وقد ذكر في كتابه أبواباً كثيرة في علم الصرف، وعني به عناية حسنة.
3. ومعاذ بن مسلم الهراء (ت:190هـ) شيخ الكسائي، وهو ممن اشتهر بالعناية بعلم الصرف، ومسائله وتمريناته.
4
. وعلي بن المبارك الأحمر (ت:194هـ)، وله كتاب في التصريف مفقود.
5
. ويحيى بن زياد الفراء (ت:207هـ)، وله كتاب "التصريف" مفقود، وكتاب "المقصور والممدود" وكتاب"المذكر والمؤنث"، مطبوعان، وله الكتاب المشهور في "معاني القرآن" وقد أكثر فيه من الكلام عن مسائل الصرف.
6. ويعقوب بن إسحاق ابنُ السِّكِّيتِ البغدادِيُّ (ت: 244هـ)، وله "إصلاح المنطق"، و"الألفاظ"، و"القلب والإبدال" ، و"المقصور والممدود"، وكلها مطبوعة.
7. وأبو عثمان بكر بن محمد المازني (ت:249هـ)، وله كتاب "التصريف"، وهو كتاب مشهور عُني به العلماء شرحاً وتدريساً.
8. ومحمّد بن يزيدَ المبرّد (ت: 285هـ) ، وقد ذكر في كتابه المقتضب أبواباً كثيرة في علم الصرف.
9. وأبو العباس أحمد بن يحيى الشيباني المعروف بثعلب (ت:291هـ)، وله كتاب "الفصيح"
10. وأبو بكر محمد بن سهل بن السراج النحوي (ت: 316هـ)، وله كتاب "الأصول في النحو" ضمّنه أبواباً كثيرة في علم الصرف.
11. وأبو علي الحسن بن أحمد الفارسي (ت: 377هـ)، وله كتاب "التكملة على الإيضاح"، فالإيضاح في علم النحو، والتكملة في علم الصرف.
12. وأبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ) ، وله "التصريفي الملوكي"، و"الخصائص"، و"المنصف" وغيرها.
13. وعبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني (ت: 471هـ)، وله كتاب "المفتاح في الصرف"
14. وأبو البركات عبد الرحمن بن محمد الأنباري (ت:577هـ)، وله "الوجيز في التصريف" و"أسرار العربية" و"المذكر والمؤنث".
15. وعثمان بن عمرو بن أبي بكر ابن الحاجب (ت: 646هـ)، وله "الشافية في علم التصريف".
16. وعز الدين عبدالوهاب بن إبراهيم الزنجاني (ت:655هـ) صاحب "تصريف العزي" المشهور.
17. وعلي بن مؤمن ابن عصفور الإشبيلي (ت: 669هـ) ، وله "الممتع في التصريف".
18. ومحمد بن عبد الله ابن مالك الطائي الأندلسي (ت: 672هـ)، صاحب الألفية المعروفة في النحو، وقد ذكر فيها أبواباً من تصريف الأسماء، وأفرد تصريف الأفعال في منظومته "لامية الأفعال"، وله كتاب "إيجاز التعريف في علم التصريف".
ثمّ توالى التأليف في علم التصريف، وكثرت فيها المؤلفات واشتهرت، وما يزال أهل العلم يعنون به شرحاً وتقريراً، وتحريراً وتحبيراً). [طرق التفسير:201 - 203]


رد مع اقتباس
  #72  
قديم 7 صفر 1439هـ/27-10-2017م, 09:56 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

المفسّرون الذين لهم عناية بالتصريف في تفاسيرهم:
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (ومن المفسّرين الذين لهم عناية ظاهرة بالتصريف في تفاسيرهم:
1. ابن عطية الأندلسي(ت:542هـ) ، وكثيراً ما يعلّ بعض الأقوال بمخالفتها قواعد التصريف.
2. وأبو حيان الأندلسي (ت:745هـ) في تفسيره "البحر المحيط" ، وله تعقّبات حسنة للزمخشري
3. ومحمد الطاهر ابن عاشور (ت:1394هـ) في "التحرير والتنوير"
4. ومحمد الأمين الشنقيطي (ت:1393هـ) في "أضواء البيان" وفي مجالسه في التفسير التي طبعت باسم "العذب النمير".
5. ومحمد الأمين الهرري في تفسيره "حدائق الروح والريحان" ، وهو تفسير حافل بشرح مسائل التصريف في القرآن، ولمؤلفه عناية بعلم الصرف، وله شرح على "لامية الأفعال" لابن مالك سماه "مناهل الرجال ومراضع الأطفال بلبان معاني لامية الأفعال"
وهو من علماء الحبشة الموصوفين بالعلم والعبادة، والجلَد في البحث والتأليف والتدريس، تصدّر للتدريس والإفادة في الحبشة عام 1373هـ، وهو ابن خمسة وعشرين عاماً، ولم يزل معتنياً بالتدريس والدعوة في بلده حتى حاصره الشيوعيون وحاولوا قتله؛ فهاجر إلى مكة؛ وابتدأ التدريس في المسجد الحرام سنة 1400هـ، ثم انتقل إلى التدريس بدار الحديث بمكة المكرمة، وألّف كتباً كثيرة في فنون عديدة، منها تفسيره المذكور في اثنين وثلاثين مجلداً). [طرق التفسير:203 - 204]


رد مع اقتباس
  #73  
قديم 7 صفر 1439هـ/27-10-2017م, 09:59 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

عناية علماء العصر بأحكام التصريف في القرآن:
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (ولعلماء هذا العصر عناية حسنة بأحكام التصريف في القرآن؛
فألّفت المعاجم والموسوعات والكتب التعليمية المتخصصة في تصريف ألفاظ القرآن، ومن أجود تلك المؤلفات:

1. المعجم الصرفي لألفاظ القرآن الكريم، وهو القسم الثاني من أقسام كتاب "دراسات في أساليب القرآن الكريم" للدكتور محمد عبد الخالق عضيمة (ت:1404هـ) ويقع هذا القسم في أربع مجلدات كبار ؛ حرص فيها المؤلف على تقصّي المسائل الصرفية في القرآن، وأبنية الأسماء والأفعال ومعانيها، وقدّم بين يدي كلّ صيغة مقدّمة شرح فيها معانيها وخلاصة بحثه لمواضع ورودها في القرآن، ونتائج استقرائه، فكان عملاً كبيراً عظيم النفع للدارسين، وقد أفنى في إعداده سنوات كثيرة من عمره.
2. والبيان والتعريف بما في القرآن من أحكام التصريف، للدكتور: محمد بن سيدي بن الحبيب الشنقيطي.
3. والصرف التعليمي والتطبيق في القرآن الكريم للدكتور: محمود سليمان ياقوت.
4. ومعجم الأوزان الصرفية لكلمات القرآن الكريم، للدكتور: حمدي بدر الدين إبراهيم). [طرق التفسير:204 - 205]


رد مع اقتباس
  #74  
قديم 7 صفر 1439هـ/27-10-2017م, 10:01 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

فائدة علم الصرف للمفسّر:
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (فائدة علم الصرف للمفسّر:
وعلم التصريف يفيد المفسّر فوائد جليلة:

منها: معرفة أوجه المعاني التي تتصرّف بها الكلمة، وفائدة اختيار تلك التصاريف في القرآن الكريم على غيرها.
ومنها: معرفة التخريج اللغوي لكثير من أقوال السلف في التفسير.
ومنها: أنّه يكشف عن علل بعض الأقوال الخاطئة في التفسير التي قد يقع فيها بعض المفسّرين ممن أتوا بعد عصر الاحتجاج، أو مما يروى بأسانيد لا تصحّ عن بعض الصحابة والتابعين ممن كانوا في عصر الاحتجاج.
قال بدر الدين الزركشي: (وفائدة التصريف حصول المعاني المختلفة المتشعبة عن معنى واحد فالعلم به أهم من معرفة النحو في تعرف اللغة لأن التصريف نظر في ذات الكلمة والنحو نظر في عوراضها وهو من العلوم التي يحتاج إليها المفسر)ا.هـ.
ومسائل الصرف منها مسائل بيّنة يتّفق عليها الصرفيون، ومنها مسائل يختلفون فيها ؛ كسائر العلوم التي يقع في مسائلها اتفاق واختلاف، لكن ما اتفقوا عليه فهو حجة لغوية، يعدّ ما خالفه خطأ). [طرق التفسير:205 - 206]

رد مع اقتباس
  #75  
قديم 7 صفر 1439هـ/27-10-2017م, 10:03 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

أمثلة لفائدة علم الصرف للمفسّر:
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (أمثلة لفائدة علم الصرف للمفسّر:
سأذكر ثلاثة أمثلة لمسائل تظهر فيها فائدة علم الصرف للمفسّر، آمل أن تنبّه اللبيب على ما وراءها، وأن تعينه على تصوّر بحث المسائل الصرفية في التفسير، وأن تعرّفه بأئمة هذا العلم ومصادره، لعلّها تحثّه على العناية بهذا العلم العزيز، وتعرّف السبيل إلى إتقان معرفته.


المثال الأول: معنى {يتساءلون}
اختلف المفسّرون في معنى {يتساءلون} في قول الله تعالى: {عمّ يتساءلون} على ثلاثة أقوال:
القول الأول: يتساءلون: أي يسأل بعضهم بعضاً، وهذا قول جمهور المفسرين.
القول الثاني: يتساءلون أي يتحدثون، وإن لم يكن من بعضهم لبعض سؤال.
وهذا القول أخذه الرازي ومن تبعه من المفسّرين من قول أبي زكريا الفراء في معاني القرآن إذ قال: (ويقال: عم يتحدث به قريش في القرآن. ثم أجاب، فصارت: {عم يتساءلون}، كأنها [في معنى]: لأي شيء يتساءلون عن القرآن)ا.هـ.
وكلام الفراء ليس فيه نصّ على هذا المعنى، لكن استدلّ له الرازي بقوله تعالى: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ . قالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ . يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ}
قال: (فهذا يَدُلُّ على معنى التحَدُّثِ، فيكونُ معنى الكلامِ: عَمَّ يَتحدثونَ)ا.هـ.
وعلى هذا القول يكون التعبير عن التحدّث بالتساؤل في الآية مبناه على أنّ ذلك التحدّث منهم قائم مقام السؤال؛ لأنّ كل متحدّث منهم يتطلّب من سامعه تأييداً لقوله أو مساعدة له على ما يحاول من إيجاد مطعن في القرآن ودعوة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فهو تساؤل في حقيقة الأمر، وإن لم يكن في ألفاظهم سؤال صريح.
القول الثالث: أي أن المشركينَ يتساءلونَ الرَّسولَ والمؤمنينَ؛ فيقدّر أصحاب هذا القول للكلام مفعولاً محذوفاً.
وهذا القول ذكره الزمخشري احتمالاً؛ فقال في الكشّاف: (({يَتَسَاءَلُونَ}: يَسْأَلُ بعضُهم بعضاً‏،‏ أو يَتَسَاءَلُونَ غيرَهم مِن رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمؤمنينَ، نحوَ‏:‏ يَتَدَاعَوْنَهُم ويَتَرَاءَوْنَهم)ا.هـ.
ثم ذكره جماعة من المفسّرين بعده، منهم: الرازي، والبيضاوي، والنسفي، وابن عادل الحنبلي وغيرهم.
وأتى بعدهم أبو السعود الحنفي فنصرَ هذا القول واحتجّ له بما ملخّصه أنّه كمثل قول القائل: "تراءوا الهلال"، وأنّ المفعول محذوف لظهور العلم به.
قال: (فالمعنى: عنْ أيِّ شيءٍ يَسْأَلُ هؤلاءِ القومُ الرسولَ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ والمؤمنينَ؟)ا.هـ.
فهذا القول مبناه على أنّ الفعل "يتساءلون" متعدّ لإفادة تكرر وقوع السؤال منهم، وأنّ المفعول محذوف تقديره: يتساءلون الرسولَ صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.

وقواعد التصريف تدلّ على خطأ هذا القول من وجهين:
الوجه الأول:
أنّ "تساءل" على وزن "تفاعَل"، وهذه الصيغة ترد في كلام العرب لمعان إجمالها فيما يلي:

- المعنى الأول: إفادة وقوع الفعل من طرفين على جهة التقابل، ومثاله: تراءى الجمعان، وتقابل الخصمان، وتجادلا، وتناظرا.
- المعنى الثاني: إفادة وقوع الفعل من متعدد في طرف واحد على مفعول واحد، ومثاله: تراءوا الهلالَ.
- المعنى الثالث: إفادة وقوع الفعل من متقابلين على مفعول مشترك، ومثاله: تنازعا الحديث، وتعاطيا الكأس، وتقاسما المال، وهو قريب من المعنى الثاني، وبينهما فرق دقيق.
- المعنى الرابع: إفادة قوة وقوع الفعل من الفاعل، مثاله: تعالى الله، تبارك الله.
- المعنى الخامس: إفادة تكرر وقوع الفعل من فاعل واحد، ومثاله: تمارى، تثاءب.
- المعنى السادس: إفادة تدرج وقوع الفعل، ومثاله: تعافى المريض، وتوافد القوم، وتناسى الأمر.
- المعنى السابع: إظهار خلاف الحقيقة، ومثاله: تمارض، وتماوت، وتغافل، وتغابى، وتعاظم، وتجاهل.
- المعنى الثامن: مُطاوَعَةُ "فاعَلَ" الذي بمعنى "أَفْعَلَ"، ومثاله: ناولته فتناول، وباعدته فتباعد، وضاعفت الحساب فتضاعف.
- المعنى التاسع: "تفاعَل" بمعنى "فَعَل"، ويمثّل له بعض الصرفيين بـ "توانى" بمعنى: ونى، و"تبدّى" بمعنى "بدا"،
ومنه قول قيس بن الخطيم:
ولم أرها إلا ثلاثاً على منى ... وعهدي بها عذراء ذات ذوائب
تبدَّت لنا كالشمس تحت غمامة ... بدا حاجب منها وضنت بحاجب

فأوقع "بدا" في تفسير "تبدّى".
وفي هذا المعنى الأخير خلاف، إذ يفهم منه الإقرار بالترادف، وهو قول يأباه جماعة من أهل اللغة، ويذكرون بين ما يُدّعى فيه الترادف فروقاً دقيقة؛ منها ما هو صحيح مُسلَّم، ومنها ما فيه نظر وله احتمال، ومنها ما هو ظاهر التكلّف.
وهذه المعاني مبثوثة في كتب الصرف، وإنما لخّصتها هنا لتقريب تصوّر أصل المسألة، وإلا فإنّ المفسّر العالم بالصرف؛ يُفتَرض أن تكون هذه المعاني حاضرة في ذهنه، ولو على وجه الإجمال والتقريب.
وثمرة هذا المبحث أنّ التساؤل في الآية علمي لا طلبي، ويدلّ على وجود سائل ومسؤول، وإبهام السائل والمسؤول من الطرفين يدلّ على جواز وقوعه من أيّ واحد منهما على الآخر على جهة التقابل؛ فيكون المعنى الأوّل هو المتعيّن حمل الآية عليه.
والوجه الثاني: أنّ "تساءَل" قبول دخول تاء التفاعل عليها "ساءل"، و"ساءَل" فعلٌ متعدٍّ، والفعل المتعدّي قبل دخول تاء التفاعل عليه منه ما يتعدّى إلى مفعولين، ومنه ما يتعدّى إلى مفعول واحد.
1. فإذا دخلت التاء على المتعدّي إلى مفعولين قصرته على مفعول واحد؛ كما تقول: نازعتُ زيداً الحديثَ، فالفعل "نازَع" متعدٍّ إلى مفعولين: زيد والحديث ؛ فإذا أدخلتَ تاء التفاعل عليه قلت: تنازعنا الحديثَ؛ فصار الفعل متعدّياً إلى مفعول واحد.
2. وإذا دخلت التاء على المتعدّي إلى مفعول واحد صار لازماً، كما تقول في "ضارَب زيدٌ عمراً":" تضارب زيدٌ وعمرو"؛ فلما دخلت تاء التفاعل على "ضارب" صيّرته لازماً.
إذا تبيّن ذلك فكلمة "يتساءلون" أصلها ساءل، وهو متعدّ إلى مفعول واحد؛ فيكون لازماً بعد دخول التاء عليه.
فيكون ما ذكره الزمخشريّ احتمالاً في تفسير الآية، ونصره أبو السعود من أنّ المعنى: يتساءلون الرسولَ صلى الله عليه وسلم والمؤمنين خطأ مخالف لتصاريف كلام العرب.
والمعنى الصحيح: يسأل بعضُهم بعضاً، وهو الذي عليه جمهور المفسّرين.
وهذا بخلاف ساءَل التي فيها معنى الطلب؛ كما يقال: ساءل بنو زيد بني عمروٍ أموالهم، ومنه قوله تعالى: {ولا يسألكم أموالكم}
فإنها عند دخول التاء عليها تقصر على مفعول واحدٍ، فيقال: يتساءلون أموالهم، ويقال في الاستفهام: ماذا يتساءلون؟
ولا يقال -عند إرادة هذا المعنى -:عمّ يتساءلون؟
فلمّا كان الاستفهام بـ"عن" تحققنا أن ساءل هنا علمية لا طلبية). [طرق التفسير:206 - 211]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 4 ( الأعضاء 0 والزوار 4)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:20 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة