العودة   جمهرة العلوم > جمهرة علوم القرآن الكريم > توجيه القراءات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م, 11:08 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة التوبة
[من الآية (11) إلى الآية (15)]
{فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11) وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12) أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13) قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15)}

قوله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11)}

قوله تعالى: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (قول الله جلّ وعزّ: (أئمّة الكفر... (12).
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب (أيمة) بهمزة واحدة مقصورة، بعدها ياء ساكنة.
وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي (أئمّة) بهمزتين.
قال أبو منصور: من قرأ (أيمة) بهمزة واحدة وياء بعدها فإنه كره الجمع بين همزتين، فجعل الأخيرة ياء، و(أيمة) كان في الأصل (أأممة) مثل: أعممة، فاستثقلوا الجمع بين الميمين متحركتين، فأسكنوا الميم الأولى، وأدغموها في الأخرى، فصارت ميمًا شديدة، وعوض الذين همزوا همزتين من الميم المدغمة همزة، فصارت ياء شديدة، وعوض الآخرون إحدى الهمزتين ياء). [معاني القراءات وعللها: 1/447]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (لا أيمان لهم... (12).
[معاني القراءات وعللها: 1/447]
قرأ ابن عامر وحده (لا إيمان لهم) بكسر الألف، وقرأ الباقون (لا أيمان لهم) بفتح.
قال أبو منصور: من قرأ (لا إيمان لهم) بالكسر فمعناه: لا تصديق لهم.
وقيل: معناه: لا إجارة لهم، من آمنه إيمانًا، إذ أجاره، ومن قرأ (لا أيمان لهم) فهي جمع يمين، المعنى: لا عهد لهم إذا أقسموا وحلفوا؛ لأنهم لا يدينون دين الحق). [معاني القراءات وعللها: 1/448]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (1- قوله تعالى: {أئمة الكفر} [12].
قرأ أهل الكوفة وابن عامر. بهمزتين، الأولى ألف الجمع، والثانية أصلية؛ لأنه جمع إمام مثل حمار وأحمرة ورداء وأردية، ووزنه: أفعله، والأصل: أأممه، فنقلوا كسرة الميم إلى الهمزة وأدغموا الميم في الميم.
والباقون كرهوا الجمع بين همزتين فلينوا الثانية فصارت لفظة كياء {أيمة الكفر} والياء ساكنة، وبعدها الميم المدغمة ساكنة. ولا بأس بالجمع بين الساكنين إذا كان أحدهما حرف لين نحو قولك في تصغير أصم: أصيم فاعلم، إلا المسيبي عن نافع فإنه قرأ {آئمة الكفر} ممدودة، كأنه أدخل بين الهمزتين ألفًا ولين الثانية). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/235]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (2- وقوله تعالى: {إنهم لا أيمان لهم} [12] قرأ ابن عامر وحده: {إنهم لا إيمان لهم} بكسر الهمزة جعله مصدرًا من آمن إيمانًا، وله حجتان:
إحداهما: أن يكون أراد: لا دين لهم.
والثانية: أن يكون أراد: لا [أمان] لهم.
وقرأ الباقون: {لا أيمان لهم} بالفتح جمع يمين، وهو الاختيار؛ لأنه في التفسير: لا عهد لهم ولا ميثاق). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/235]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الهمزتين، وإسقاط إحداهما من قوله [جلّ وعزّ]: أئمة [التوبة/ 12].
فقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: أيمة* بهمز الألف، وبعدها ياء ساكنة، على أنّ نافعا يختلف عنه في ذلك، فروى المسيّبي، وأبو بكر بن أبي أويس: آيمة ممدودة الهمزة، وياء بعدها كالساكنة، وقال أحمد بن صالح عن أبي بكر بن أبي أويس: أحفظ عن نافع: أئمة بهمزتين. وقال أبو عمارة عن يعقوب بن جعفر وإسحاق المسيّبي عن أهل المدينة: أيمة* همزوا الألف بفتحة شبه الاستفهام، أخبرني بذلك إسماعيل بن أحمد عن أبي عمر الدّوري، عن أبي عمارة عن يعقوب.
وقال القاضي إسماعيل، عن قالون بهمزة واحدة.
[الحجة للقراء السبعة: 4/167]
وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: أئمة بهمزتين.
قال أبو علي: المثلان إذا اجتمعا في كلمة، ولم يكن الثاني منهما للإلحاق، ولم يكن على فعل نحو: طلل وشرر؛ فحركة الأوّل منهما مرفوضة غير مستعملة، إلّا فيما لا اعتداد به من حرف شاذّ نحو: ألبب، ولححت عينه. وما يجيء في الشعر من نحو ذلك، فهو من الأصول المرفوضة التي لا تستعمل في حال السّعة والاختيار. وإذا كان كذلك، فالحركة المقدّرة في أول المثلين من مودّ لم تخرج إلى اللفظ في هذا البناء، وإذا لم تخرج إليه كان ساكنا، وإذا سكن كانت الواو في مودّ في تقدير الحركة من غير أن تنقل إليه، كما أن الحركة في زوج وزوجة وعود وعودة كذلك. وإذا كانت الحركة في حكم الثبات في الواو، لم يكن سبيل إلى قلبها، كما لم يكن لها إلى ذلك سبيل في زوجة، ولواذ، وعوض وحول، ونحو ذلك، ولو كان الأمر فيه على غير هذا المسلك، لكان ميدّ لأنّ الحركة لو كانت مقدرة على العين لنقلتها إلى الياء، وقد قلبتها الكسرة، ومثل هذا قولهم: إوزّ، ألا ترى أنه
[الحجة للقراء السبعة: 4/168]
افعل، فصحّحوا الواو، ولم تقلبها الكسرة كما قلبت نحو:
ميزان، أنشد أبو عثمان:
كأنّ خزّا تحته وقزّا* أو فرشا محشوّة إوزّا وقال آخر:
يلقى الإوزّون في أكناف دارتها وأما قولهم: أيمة*، فهو في الأصل أفعلة، وواحدها إمام، فإذا جمعته على أفعلة ففيه همزة، هي فاء الفعل، وتزيد عليها همزة أفعلة الزائدة، فتجتمع همزتان، واجتماع الهمزتين في كلمة لا يستعمل تحقيقهما، ولا تخلو الهمزة التي هي فاء الفعل في أيمة* من أن تكون الحركة نقلت إليها بعد أن كانت ساكنة، أو وقعت في أول حالها متحركة من غير تقدير سكون فيها، ونقل الحركة إليها بعد، فلو ثبتت ساكنة، ونقلت إليها الحركة بعد لوجب أن تبدل ألفا كما أبدلت في آنية،
[الحجة للقراء السبعة: 4/169]
وآزرة، ونحو ذلك، ولو أبدلت ألفا لجاز وقوع المدغم بعدها، ولم يحتج مع وقوع المدغم بعدها إلى القلب فيها، فلما لم تقلب ألفا ووقعت متحرّكة، ولم تحركها على أن الفتحة في الهمزة، صادفت الهمزة التي هي فاء متحركة بالكسر، ولو صادفتها ساكنة لقلبتها ألفا، فالحركة في أيمة* كالحركة في مودّ، ودلّ على هذا قولهم: إوزّ فلمّا لم تنقل الحركة إلى الفاء من العين، صارت الفاء كأنّها لم تزل مكسورة، فانقلبت ياء، لأنّ الهمزتين لمّا لم تجتمعا في كلمة واحدة لزم الثانية منهما البدل.
وإذا لزم الثانية البدل كان بمنزلة ما لم يزل حرف لين، يدلّك على ذلك قولهم: أوادم، ونحو ذلك: جاء، في قول عامة النحويّين. وعلى هذا قاس النحويون، فقالوا: لو بنيت من جاء مثل: فعلل، لقلت: جيئا، وقد علمت أن الحركات تنزّل منزلة الحروف، فكما تعتلّ بعض الحروف لمجاورة بعضها للتقريب نحو: حتى يصدر الرعاء [القصص/ 23] اعتلّت الصاد لمجاورة الدال، ونحو: اصطبر اعتلّت التاء لمجاورة المطبق، كذلك انقلبت الهمزة من أيمة* ياء لمجاورة الكسرة التي بعدها، كما انقلبت ياء لمجاورة الحركة التي قبلها في
[الحجة للقراء السبعة: 4/170]
ذيب. وأيضا فإن الهمزة تشبه الألف لأنها من مخرجها وتقاربها، لأن كلّ واحدة منهما تنقلب إلى صاحبتها في نحو: هو يضربها، وحبلأ، في وقف بعضهم، كما قلبت ألفا في الوقف عند أهل التخفيف في: لم يقرأ، وكما قلبت هي أيضا إليها في آدم، ورأس، والألف تعتلّ وتغيّر لما قبلها ولما بعدها في نحو: كتاب وعالم، كذلك قلبت الهمزة للحركة التي قبلها والتي بعدها في نحو: ذيب وأيمّة.
وكذلك الواو تعلّ للياء التي بعدها في نحو طوي طيّا، وللياء التي قبلها في مثل. ديّار وقيّام ونحوه، ولو كسّرت قولهم: أيمة* أو حقّرته، كما قلت: أسقية وأساق، لزم أن تقول: أويمة فتقلبها واوا لتحرّكها أيضا بالفتح، كما قلبتها واوا في أوادم وآخر وأواخر.
فإن كسّرت قلت: أوامّ، ولا تقول: أييمة، فتقرر الياء في التحقير على ما كانت عليه في التكبير، لزوال الكسرة الموجبة لانقلاب الهمزة إلى الياء، كما لا يجوز أن تقرّر الياء في ميزان ونحوه، إذا كسّرت أو حقّرت لزوال المعنى الموجب للياء وهو الكسر الذي في الميم، وكذلك الياء المنقلبة عن الهمزة في أيمة* ولا يجوز تقريرها في التحقير والتكسير، لزوال
[الحجة للقراء السبعة: 4/171]
الكسرة، كما لا يجوز أن تقرّر الياء إذا خفّفت ذئبا وبئرا في التحقير والتكسير، لزوال الكسرة الموجبة لقلبها، وكذلك في:
هذا أفعل من هذا من: أممت، تقول: هذا أومّ من هذا لتحركها بالفتح، وهذا قول أبي الحسن.
وقول أحمد بن موسى: قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو:
أيمة* بهمز الألف وبعدها ياء ساكنة، غير أن نافعا يختلف عنه إلى آخر الفصل.
فالقول فيه: أن هذه التراجم مضطربة، وفي هذه الكلمة همزتان: الأولى منهما همزة أفعلة، والثانية: فاء الفعل، فمن لم ير الجمع بينهما من النحويين، وهو أبو عمرو والخليل وسيبويه وأصحابهم، قال: أيمة* فأبدل من الهمزة التي هي فاء، الياء لانكسارها، فلم يجتمع همزتان، ومن لم ير الجمع بين الهمزتين لم يجعل الثانية بين بين، لأنّها إذا كانت كذلك كانت في حكم الهمزة، ألا ترى أن العرب قالوا في فاعل من جاء وشاء وناء، جاء، وشاء وناء؟ فقلبوا الثانية ياء محضة لانكسار ما قبلها، ولم يخفّفوا، ولو خفّفوها لزم أن
[الحجة للقراء السبعة: 4/172]
تكون بين الياء والهمزة في قول الخليل وسيبويه، وقول أبي عمرو والعرب فيما ذكر سيبويه، أو تقلب ياء في قول أبي الحسن؛ فإذا كان كذلك فما ذكره من أن نافعا وابن كثير وأبا عمرو قرءوا بهمز الألف، وبعدها ياء ساكنة غير مستقيم، لأن الياء التي بعد ألف أفعلة متحركة بالكسر، فكيف تكون ساكنة، ولا يجوز أن يكون المراد بقوله: بعدها ياء ساكنة. أنها همزة بين بين، لأنها لو كانت كذلك كانت في حكم أئمة المحقّقة، يدلّك على ذلك أنّ أبا عمرو إذا فصل بين الهمزتين بالألف في نحو:
أأنت أم أمّ سالم جعل الثانية بين بين، فلو لم يكن في حكم الهمزة في هذه الحال، لم يفصل بينهما بالألف، كما يفصل بينهما من يفصل، إذا حقّق الهمزتين، وشيء آخر يدلّك على أنّ المخففة في حكم المتحركة، وهو أنها لو كانت إذا خفّفت
[الحجة للقراء السبعة: 4/173]
ساكنة لم يستقم قوله:
أأن رأت رجلا أعشى إذا خففت الثانية، كما لم يستقم الشعر إذا أسكن، وكذلك قول الشاعر:
كلّ غرّاء إذا ما برزت لو كان إذا خفف الثانية كانت ساكنة لم يستقم، كما لم يستقم البيت الآخر.
فإذا لم يخل قوله: بعدها ياء ساكنة، من أن يريد به:
السكون الذي هو خلاف الحركة، أو يعني به: الهمزة التي تجعل بين بين، أو يعني به: إخفاء الحركة، ولم يجز واحد من الوجهين الأولين؛ ثبت أنه إخفاء الحركة، والإخفاء تضعيف الصوت بالحركة، فهو يضارع السكون من جهة الإخفاء، وإن كان المخفيّ في وزن المتحرك.
وأما ما ذكره من قوله أن نافعا يختلف عنه في ذلك، فروى المسيّبي وأبو بكر بن أبي أويس: آئمة ممدودة الهمزة مختل، ألا ترى أنه لا مدّ في هذه الهمزة، كما لا مدّ في همزة أبد، وأجل، وأمد؟
[الحجة للقراء السبعة: 4/174]
وقوله: وياء بعدها كالساكنة، يحتمل وجهين: أحدهما:
تخفيف الهمزة، والآخر إخفاء الحركة، وذلك أن الهمزة إذا خففت، صارت مضارعة للساكن، وإن كانت في الوزن متحركة، ولذلك لم تخفف مبتدأة، فهذا إن أريد كان صحيحا في العبارة، إلّا أنه يفسد في هذا الموضع لخروجه عن المذهبين، ألا ترى أن خلافهم فيها على ضربين، أحدهما:
إبدال الياء من الهمزة الثانية من أئمة، والآخر: تحقيقهما، وهو قراءة حمزة والكسائي وعاصم وابن عامر، فيفسد لخروجه عن المذهبين، وإن كان قد يستقيم في اللفظ؛ فإذا لم يجز ذلك لخروجه عن المذهبين، فينبغي أن يحمل ذلك على إخفاء حركة الياء المنقلبة عن الهمزة التي هي فاء الفعل.
وما حكاه من قوله: قال أبو عمارة عن يعقوب بن جعفر وإسحاق المسيبي، عن أهل المدينة: همزوا الألف بفتحة شبه الاستفهام، فإنه يفهم منه أنهم أثبتوا في أيمة* همزة مفتوحة كفتحة همزة الاستفهام، ولم يذكر في الذي بعد الهمزة شيئا، وكذلك قال القاضي إسماعيل عن قالون بهمزة واحدة، فهذا مستقيم لا اختلاف فيه، إلا أنه لا يفهم من ذلك حكم الثانية.
قال: وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: أئمة بهمزتين، فالقول فيه أن تحقيق الهمزتين فيها ليس بالوجه، ومما يضعّف الهمزتين أنه لا نعلم أحدا حكى التحقيق فيهما
[الحجة للقراء السبعة: 4/175]
في آدم، وآدر، وآخر، ونحو هذا، فكذلك ينبغي في القياس أن يكون أيمة*. فإن قلت: إن الثانية التي في آدم ساكنة، والثانية في أئمة متحركة، والمتحرك أقوى من الساكن. قيل:
المتحرك في هذا ليس بأقوى من الساكن، لأنك قد رأيت الكسرة توجب فيها الاعتلال والقلب، مع أنها متحركة في:
مئر، وذئب، فلم تكن الحركة لها مانعة من الاعتلال، كما كان جؤن، وتؤدة كذلك.
وحجتهم في الجمع بين الهمزتين في أإمة أن سيبويه زعم أن ابن أبي إسحاق كان يحقّق الهمزتين وناس معه.
قال سيبويه: وقد يتكلّم ببعضه العرب، وهو رديء، وقد تقدم القول في أوائل هذا الكتاب.
والدلالة على ضعف اجتماع الهمزتين، ووجهه من القياس، أن يقول: الهمزة حرف من حروف الحلق، كالعين وغيرها، وقد جمع بينهما في نحو: لعاعة، وكعّ، وكعّة، والفهّة، وكذلك في غير هذه الحروف، فكما جاء أن اجتماع العينين كذلك، يجوز اجتماع الهمزتين). [الحجة للقراء السبعة: 4/176]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح الألف وكسرها من قوله جلّ وعز: إنهم لا أيمان لهم [التوبة/ 12].
[الحجة للقراء السبعة: 4/176]
فقرأ ابن عامر وحده: لا إيمان لهم بكسر الألف.
وقرأ الباقون: لا أيمان لهم بفتح الألف.
قال أبو علي: حجة من قال: لا أيمان لهم، ففتح أن يقول: قد قال: إلا الذين عاهدتم [التوبة/ 4] والمعاهدة يقع فيها أيمان* فإذا كان كذلك ففتح الهمزة أشبه بالموضع وأليق وأيضا، فقد قال: ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم [التوبة/ 13]، ويقوي ذلك أن المتقدم ذكره، إنما هو أيمان نكثوها. ومما يقوي أيمان* بفتح الهمزة أن قوله: فقاتلوا أيمة الكفر يعلم منه أنه لا إيمان لهم؛ فإذا كان كذلك فالفتح في قوله جل وعزّ: لا أيمان لهم أولى، لأنه لا يكون تكريرا، ولم يقع عليه دلالة من الكلام الذي تقدمه.
فإن قلت: فكيف قال: إنهم لا أيمان لهم فنفى أيمانهم؟، ثم قال: ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم [التوبة/ 13] فأوجبها، فإنّما ذلك لأنّ المعنى لا أيمان لهم يفون بها، ولا أيمان لهم صادقة، كما أن قوله: وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا [مريم/ 9] معناه: شيئا مذكورا، ويبيّن ذلك في الأخرى بقوله: لم يكن شيئا مذكورا [الإنسان/ 1] وقد قالوا:
إنّك ولا شيئا سواء، فلو كان الكلام يراد به النفي، كان محالا، لأنّ لا شيء لا يساوي شيئا، وإنما جاز لما يراد بهذا الكلام من النقص المراد بهذا الكلام، فكذلك قوله: لا أيمان لهم على هذا الحد.
[الحجة للقراء السبعة: 4/177]
ووجه قول ابن عامر أنّه ذكر أن الكسر قراءة الحسن، ووجه: لا إيمان لهم أن يجعله مصدرا من آمنته إيمانا، يريد به خلاف التخويف، ولا يريد به مصدر آمن الذي هو صدّق، أي: ليس لأئمة الكفر من المشركين إيمان، كما يكون الإيمان الذي هو مصدر آمنته لذوي الذمّة من أهل الكتاب، لأنّ المشركين لا يقرّون، ولا يؤمنون إلّا أن يسلموا، فإن لم يسلموا فالسيف، ولا يؤمنون بتقرير بقبول جزية، كما يقرّ أهل الكتاب، ولا يكون على هذا الإيمان الذي هو خلاف الكفر، فيكون تكريرا لدلالة ما تقدم من قوله تعالى: فقاتلوا أيمة الكفر على أن أهل الكفر لا إيمان لهم، لأن الإيمان على هذا إنما هو مصدر. آمنت المنقول من أمن الذي هو خلاف خوّفت). [الحجة للقراء السبعة: 4/178]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فقاتلوا أئمّة الكفر إنّهم لا أيمان لهم لعلّهم ينتهون}
قرأ ابن عامر وأهل الكوفة {فقاتلوا أئمّة الكفر} بهمزتين الهمزة الأولى ألف الجمع والثّانية أصليّة لأنّها جمع إمام والأصل أأممة أفعله مثل حمار وأحمرة ولكن الميمين لما اجتمعا نقلوا كسرة الميم إلى الهمزة فأدغموا الميم في الميم فصارت أئمّة بهمزتين
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو (أيمة) بغير مد بهمزة واحدة كأنّهم كرهوا الجمع بين همزتين في بنية واحدة ولا اعتبار بكون الأولى زائدة كما لم يكن بها اعتبار في آدم
قرأ ابن عامر {إنّهم لا أيمان لهم} بكسر الألف أي لا إسلام ولا دين لهم وقال آخرون معناه لا أمان لهم مصدر آمنته أومنه إيمانًا المعنى إذ كنتم أنتم آمنتموهم فنقضوا هم عهدهم فقد بطل الأمان الّذي أعطيتموهم
وقرأ الباقون {لا أيمان لهم} بالفتح جمع يمين وحجتهم قوله {اتّخذوا أيمانهم جنّة} وهو الاختيار لأنّه في التّفسير لا عهود لهم ولا ميثاق ولا حلف فقد وصفهم بالنكث في العهود). [حجة القراءات: 315]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (1- قوله: {أئمة} حيث وقع، قرأ الكوفيون وابن عامر بهمزتين محققتين، وقرأ الباقون بهمزة وبعدها ياء مكسورة كسرة خفيفة.
وحجة من حقق الهمزتين أنه شبهها بهمزة الاستفهام الداخلة على همزة أخرى في قولك: «أئذا، أئفكا» فالهمزة المفتوحة الزائدة، التي للاستفهام، دخلت على همزة «إذا» وعلى همزة «إفك» التي هي فاء الفعل، كذلك الهمزة المفتوحة الزائدة في «أئمة»، دخلت على همزة «إمام» التي هي فاء الفعل، فلما اشتبها في الزيادة حققا، وكان الأصل في «أئمة» ألا يحقق همزته الثانية، لأن أصلها السكون؛ لأنه جمع «إمام» على «أفعله»، كحمار أحمرة ومن شأن العرب ألا يجتمع مثلان متحركان إلا ويدغمون الأول في الثاني، إلا أن يكون الثاني للإلحاق، فلا يدغم، أو يكون الاسم على «فعل» فلا يدغم، فالذي هو للإلحاق نحو: مهدد ومردد، فهذا لا يُدغم، لئلا ينقص عما هو ملحق به؛ لأنه ملحق بـ «جعفر»، ولا إدغام في «جعفر»، وكذلك يجب أن يكون ما ألحق به، والذي هو على «فعل» نحو: شرر وطلل، فأصل «أئمة» أأممة، ثم وجب الإدغام في المثلين، وهما الميمان، فألقيت كسرة الميم الأولى على الهمزة الساكنة التي هي فاء الفعل، وهي في الأصل همزة «إمام»، إلا أنها تغيرت في الجمع إلى السكون؛ لأن فاء الفعل في الجمع ساكنة، كالحاء من «أحمرة» فلما ألقيت الكسرة على الهمزة الساكنة انكسرت، فصار لفظها كلفظ «أئذا» فحملت في التحقيق محمل «أئذا» وليست مثلها، لأن كسرة الهمزة الثانية في «أئذا» أصلية، وكسرة الهمزة الثانية من «أئمة» عارضة،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/498]
إذ أصلها السكون، ومن الأصول، في كلام العرب على ما قدمنا، أنه لا يجمع بين همزتين في التحقيق، إذا كانت الثانية ساكنة، وقد فعل ذلك في «أئمة» لأن الثانية، وإن انكسرت، فأصلها السكون، فقد جمع بين تحقيق الهمزتين، والثانية أصلها السكون، فهو خارج عن الأصول، محمول على شبه لفظه بلفظ «أئذا وأئفكا» ولهذه العلة وجب أن تكون الهمزة المكسورة، في قراءة من خفف، ياء خفيفة الكسرة، ولأن باب الساكنة في التخفيف البدل، فجرت على أصلها في البدل بخلاف «أئذا وأئفكا»؛ لأن كسرة الهمزة، في ذلك، أصلية، فجرت في التخفيف على أصل تخفيف المكسورة، التي قبلها متحرك بين بين، وقد تقدم ذكر هذه الأصول فالقراءة بالتحقيق في «أئمة» فيه من الضعف ما ذكرته لك.
2- وحجة من أبدل من الهمزة المكسورة ياء خفيفة الكسرة، ولم يحقق الهمزتين، أنه لما كان يستبعد التحقيق في الهمزتين اللتين أصلهما الحركة، ويخفف الثانية استثقالًا لتحقيقهما، فإذا وقعت همزتان محققتان لا أصل للثانية في الحركة، كان ذلك عنده أبعد من التحقيق، إذ لا يوجد في كلام العرب همزتان محققتان، والثانية ساكنة، هذا أمر قد ترك استعماله العرب والقراء، وعلة ذلك أن الهمزتين في «أئمة» كلمة لا يُقدر فيها أن الثانية من الهمزتين، دخلت عليها الأولى، فصارت ككلمتين مثل ما يقدر في «أئذا وأأنذرتهم» لأن الأولى دخلت على الثانية، فصارت الهمزتان كأنهما من كلمتين، فحسن التحقيق فيهما كما يحسن في الهمزتين من كلمتين، وقد مضى ذكر هذا في علل تحقيق الهمز وتخفيفه، فوجب أن لا يحقق الثانية في «أئمة» لأن أصلها السكون، ولما وجب تخفيفها خففت على ما يجب للساكنة من التخفيف وهو البدل، فأبدل منها ياء مكسورة، لأنها مكسورة، كما يبدل منها ألف لو كانت ساكنة، وعلى ذلك
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/499]
جرى: أأدم وأأتى وأأمن، وشبهه، وقد مضى الكلام على هذا). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/500]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (3- قوله: {لا أيمان لهم} قرأه ابن عامر بكسر الهمزة، جعله مصدر «أمنته» من الأمان، أي: لا يؤمنون في أنفسهم، وقيل معناه: لا يوفون لأحد بأمان يعقدونه له، ويبعد في المعنى أن يكون من الإيمان الذي هو التصديق، لأنه قد وصفهم بالكفر قبله، فتبعد صفتهم بنفي الإيمان عنهم؛ لأنه معنى قد ذكر إذ أضاف الكفر إليهم، فاستعماله بمعنى آخر أولى، ليفيد الكلام فائدتين، ودل على أنه من الأمان قوله عنهم: {لا يرقبون في مؤمنٍ إلا ولا ذمة} «10» أي: لا يفون لأحد بعهد، ولا يحفظون ذمام أحد، وقرأ الباقون بفتح الهمزة، جعلوه جمع «يمين»، ودل على ذلك قوله قبل ذلك: {إلا الذين عاهدتم} «7» والمعاهدة بالأيمان تكون، ودل على ذلك قوله: {ألا تقاتلون قومًا نكثوا أيمانهم} «13» والفتح الاختيار؛ لأن المعنى عليه، ولأن الجماعة عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/500]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (1- {أَيمَّةَ} [آية/ 12] بهمزة واحدة مقصورة وبعدها همزة ملينة:
قرأها ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب- يس-.
والوجه أن أصله أأممة على أفعلة؛ لأنه جمع إمام، فنقلت كسرة الميم الأولى إلى الهمزة الثانية، فأدغمت الميم في الميم لاجتماع الميمين، فبقي أإمة بهمزتين الأولى مفتوحة والثانية مكسورة كسرة منقولة من الميم، ثم قلبت هذه الهمزة المكسورة ياء لأجل الكسرة الحاصلة فيها، وإن كانت كسرة ما بعدها لا كسرة لها، فبقي أئمة، ثم أخفيت هذه الحركة التي هي كسرة، فصارت الياء في صورة الهمزة الملينة، ويجوز أن تكون الهمزة الثانية من أإمة جعلوها بين بين، فصارت بين الهمزة والياء الساكنة، وهذا ضعيف؛ لأن الهمزة المخففة في زنة المحققة، فتجتمع الهمزتان.
وقرأ الباقون {أَئِمَّةَ} بهمزتين، وكذلك ح عن يعقوب.
والوجه أنه الأصل في هذه الكلمة، إلا أن الجمع بين الهمزتين فيها ضعيف، ووجهه أن الهمزة حرف من حروف الحلق كالعين ونحوه، وقد جُمع
[الموضح: 587]
بين العينين في نحو كع كعه ولعاعة البقل، وكذلك الهاء في نحو الفهة، فإذا جاز الجمع بين العينين والهاءين، فكذلك يجوز الجمع بين الهمزتين). [الموضح: 588]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (2- {لا إِيْمَانَ لَهُمْ} [آية/ 12] بكسر الهمزة:
قرأها ابن عامر وحده.
والوجه أنه مصدر من آمنته إيمانًا ضد خوفته، والمعنى ليس لهم أن يؤمنوا ويجاروا إلى أن يسلموا، فليس من الإيمان الذي هو التصديق.
وجوز الزجاج أن يكون المعنى لا إسلام لهم، أي أنهم لا يؤمنون.
وقرأ الباقون {لا أَيْمَانَ لَهُمْ} بفتح الهمزة.
والوجه أن المراد جمع يمين، فهو أليق بالموضع لقوله تعالى {أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُوا أَيْمَانَهُمْ} فقال {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الكُفْرِ إنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ} أي لا عهود لهم، يعني أنهم نكثوا العهود فجازت مقاتلتهم). [الموضح: 588]

قوله تعالى: {أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13)}

قوله تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14)}

قوله تعالى: {وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الأعرج وابن أبي إسحاق وعيسى الثقفي وعمرو
[المحتسب: 1/284]
ابن عبيد، ورُويت عن أبي عمرو: [ويتوبَ اللهُ] بالنصب.
قال أبو الفتح: إذا نَصب فالتوبة داخلة في جواب الشرط معنى، وإذا رفع كقراءة الجماعة فقال: {وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ} فهو استئناف؛ وذلك أن قوله: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ} فهو كقولك: إن تزرني أُحسن إليك وأُعطيَ زيدًا درهمًا، فتنصبه على إضمار أن؛ أي: إن تزرني أجمع بين الإحسان إليك والإعطاء لزيد.
والوجه قراءة الجماعة على الاستئناف؛ لأنه تم الكلام على قوله تعالى: {وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ}، ثم استأنف فقال: {وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ}، فالتوبة منه سبحانه على من يشاء ليست مسببة عن قتالهم، هذا هو الظاهر؛ لأن هذه حال موجودة من الله تعالى قاتَلوهم أو لم يقاتلوهم، فلا وجه لتعليقها بقاتِلوهم، فإن ذهبتَ تعلِّق هذه التوبة بقتالهم إياهم كان فيه ضرب من التعسف بالمعنى). [المحتسب: 1/285]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م, 01:29 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة التوبة
[ من الآية (16) إلى الآية (18) ]
{ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (16) مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17) إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18) }

قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (16)}

قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد اللّه... (17).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب (أن يعمروا مسجد اللّه) على واحد.
و (إنّما يعمر مساجد اللّه) " جماعة، وقرأ الباقون (مساجد اللّه) جميعًا.
قال أبو منصور: من قرأ (أن يعمروا مسجد الله) فهو المسجد الحرام، ومن قرأ (مساجد اللّه) فهو كل موضع يتخذ مسجدًا يصلى فيه لله، وجائز في اللغة، أن يكون المعنى في قوله: (مسجد الله) يعني به الجمع، ويقال فلان يعمر مسجد الله، أي: يصلي فيه ويعبد الله). [معاني القراءات وعللها: 1/448]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (3- وقوله تعالى: {ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله} [17].
قرأ ابن كثير وأبو عمرو بالتوحيد، أراد: بيت [الله] الحرام خاصة؛ لأن الله تعالى ذكر بعده: {إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام} [28] و{أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام} [19].
وقرأ الباقون {مساجد} جمعًا، وحجتهم أن الخاص يدخل في العام والعام لا يدخل في الخاص فأما الثاني: {إنما يعمر مساجد الله} فأتفق القراء على جمعه، لأنهم أرادوا كل مسجد؛ لأنه كلام مستأنف، إلا ما رواه حماد بن سلمة عن ابن كثير أنه قرأ بالتوحيد أيضًا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/236]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الجمع والتّوحيد من قوله [جلّ وعزّ]: أن يعمروا مسجد الله [التوبة/ 17].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: أن يعمروا مسجد الله على واحد، إنما يعمر مساجد الله [التوبة/ 18] على الجمع.
أخبرني أبو حمزة الأنسي، قال: حدّثنا حجّاج بن المنهال عن حمّاد بن سلمة عن ابن كثير أنه قرأ: مسجد الله إنما يعمر مسجد الله بغير ألف على التوحيد.
[الحجة للقراء السبعة: 4/178]
وقرأ نافع وعاصم وابن عامر، وحمزة، والكسائيّ على الجمع فيهما.
قال أبو علي: حجّة من أفرد فقال: مسجد الله أنه يعني به ما تأخر من قوله تعالى: وعمارة المسجد الحرام [التوبة/ 19]، فقال: ما كان للمشركين أن يعمروا مسجد الله واستغنى عن وصفه بالحرام بما تقدّم من ذكره، ثم قال:
إنما يعمر مساجد الله يعني به: المسجد الحرام وغيره.
ويدل على أنهم ليس لهم عمارته كالمسلمين: قوله في الأخرى: وما كانوا أولياءه، إن أولياؤه إلا المتقون [الأنفال/ 34].
ووجه من قرأ: أن يعمروا مسجد الله إنما يعمر مسجد الله أنه عنى بالمسجد الثاني الأول في قوله: أن يعمروا مسجد الله فكرره، وسائر المساجد حكمه حكم المسجد الحرام، في أنه ينبغي أن يكون عمّاره أهله الذين هم أولى به.
ومن جمع فقال: مساجد الله بعد قوله: ما كان للمشركين أن يعمروا مسجد الله. فلأنّ الجمع يشمل المسجد الحرام وغيره.
[الحجة للقراء السبعة: 4/179]
ووجه قول من جمع في الموضعين: أن المشركين ليسوا بأولياء لمساجد المسلمين، لا المسجد الحرام ولا غيره، فإذا لم يكونوا أولياءها لم تكن لهم عمارتها، وإنّما عمارتها للمسلمين الذين هم أولياؤه، فدخل في ذلك المسجد الحرام وغيره). [الحجة للقراء السبعة: 4/180]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله} {إنّما يعمر مساجد الله من آمن باللّه واليوم الآخر} 17 و18
[حجة القراءات: 315]
قرأ ابن كثير وأبو عمرو (ما كان للمشركين أن يعمروا مسجد الله) على التّوحيد يعني المسجد الحرام وحجتهما قوله {إنّما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام} قال أبو عمرو وتصديقها قول {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام} قال والثّانية {إنّما يعمر مساجد الله} على الجمع في كل مكان {من آمن باللّه} على هذا المعنى
وقرأ الباقون {أن يعمروا مساجد الله} بالألف وحجتهم إجماع الجميع على قوله {إنّما يعمر مساجد الله} على الجمع فرد ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه وأخرى وهي أنه إذا قرئ على الجمع دخل المسجد الحرام فيه وغير المسجد الحرام وإذا قرئ على التّوحيد لم يدخل فيه غير المسجد الحرام وإنّما عني به المسجد الحرام فحسب). [حجة القراءات: 316] (م)
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (4- قوله: {أن يعمروا مساجد الله} قرأه ابن كثير وأبو عمرو بالتوحيد، وجهاه إلى المسجد الحرام بدلالة قوله: {وعمارة المسجد الحرام} «19»، وقرأ الباقون بالجمع، على العموم، لمنع المشركين من عمارة المسجد الحرام وغيره، ودل على ذلك قوله: {إنما يعمر مساجد الله} «18» وهو الاختيار). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/500]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (3- {أَن يَعْمُرُوا مَسَجِدَ الله} [آية/ 17] بالتوحيد:
قرأها ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب.
[الموضح: 588]
والوجه أن المراد هو المسجد الحرام، وهو الذي ذكره في قوله تعالى {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الحَاجِّ وعِمَارَةَ المَسْجِدِ الحَرَامِ والمراد بمسجد الله هو هذا المسجد، فلهذا اختاروا التوحيد، والمعنى ليس للمشركين عمارة المسجد الحرام.
وقرأ الباقون {مَسَاجِدَ الله} بالجمع، ولم يختلفوا في {إنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ الله} أنها على الجمع، إلا ما رواه حماد بن سلمة عن ابن كثير أنه بالتوحيد في الحرفين.
والوجه في الجمع أن اللفظ يشمل المسجد الحرام وغيره من المساجد؛ لأن المشركين ليس لهم عمارة المسجد الحرام ولا غيره من المساجد؛ لأنهم ليسوا بأولياء بها، والحكم شامل للجميع، فلذلك اختاروا الجمع). [الموضح: 589]

قوله تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18)}
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله} {إنّما يعمر مساجد الله من آمن باللّه واليوم الآخر} 17 و18
[حجة القراءات: 315]
قرأ ابن كثير وأبو عمرو (ما كان للمشركين أن يعمروا مسجد الله) على التّوحيد يعني المسجد الحرام وحجتهما قوله {إنّما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام} قال أبو عمرو وتصديقها قول {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام} قال والثّانية {إنّما يعمر مساجد الله} على الجمع في كل مكان {من آمن باللّه} على هذا المعنى
وقرأ الباقون {أن يعمروا مساجد الله} بالألف وحجتهم إجماع الجميع على قوله {إنّما يعمر مساجد الله} على الجمع فرد ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه وأخرى وهي أنه إذا قرئ على الجمع دخل المسجد الحرام فيه وغير المسجد الحرام وإذا قرئ على التّوحيد لم يدخل فيه غير المسجد الحرام وإنّما عني به المسجد الحرام فحسب). [حجة القراءات: 316] (م)

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م, 01:31 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة التوبة
[ من الآية (19) إلى الآية (22) ]

{أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22) }


قوله تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن الزبير وأبي وجزة السعدي ومحمد بن علي وأبي جعفر القاري: [أَجَعَلْتُمْ سُقَاةَ الْحَاجِّ وَعَمَرَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ] وقرأ: [سُقَايَةَ الْحَاجِّ وَعَمَرَةَ الْمَسْجِدِ] الضحاك.
[المحتسب: 1/285]
قال أبو الفتح: أما [سُقاة] فجمع ساقٍ، كقاضٍ وقضاة وغازٍ وغزاة. و[عَمَرَة] جمع عامر، ككافر وكفرة وبارٍّ وبررة.
وأما [سُقاية] ففيه النظر، ووجهه أن يكون جمع ساق، إلا أنه جاء على فُعال كعَرق وعُراق، ورَخِل ورُخال، وتوءَم وتُؤام، وظِئر وظُآر، وإنسان وأُناس، وثَنِي وثُناء، وبرئ وبُرَاء. فكان قياسه إذا جاء به على فُعال أن يكون سُقاء، إلا أنه أنثه كما يؤنَّث من الجمع أشياء غيره، نحو: حِجارة وعِيارة وقَصير وقِصارة. وجاءت في شعر الأعشى وعُيُورة وخُيوطة، وقد جاء هذا التأنيث أيضًا في فُعَال هذا. ذهب أبو علي في قولهم: نُقاوة المتاع إلى أنه جمع نَقوة، فعلى هذا جاء سُقاية الحاج، فهو كتأنيث ظُؤار وتُؤام ونحو ذلك.
وكأن الذي آنس مَن قرأ [سُقاة] و[عَمَرَة] و[سُقاية] وعدل إليه عن قراءة الجماعة: {سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} هربه من أن يقابل الحدث بالجوهر؛ وذلك أن السقاية والعمارة مصدران، و{مَن آمن بالله} جوهر، فلا بد إذن من حذف المضاف؛ أي: أجعلتم هذين الفعلين كفعل من آمن بالله؟ فلما رأى أنه لا بد من حذف المضاف قرأ: [سقاة] و[عَمَرَة] و[سُقاية] على ما مضى.
ولست أدفع مع هذا أن يكون {سِقَايَةَ الْحَاجِّ} جع ساق {وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} جمع عامر، فيكون كقائم وقيام وصاحب وصِحاب وراع ورِعاء، إلا أنه أنث فِعالًا على ما مضى، فصار كحِجارة وعِيارة، وأن يكونا مصدرَي سقيت وعمرت أقيس؛ لأن ذلك في اللغة أفشى، وبَنَى سقاية وهو جمع ساق على التأنيث لا على أنه أنث سِقاء؛ لأنه لو أراد ذلك لقال: سِقَاءَة فهمر، كعَظَاءة إذا بنيت على العَظاءِ، ويكون كل واحد منهما قائمًا برأسه). [المحتسب: 1/286]

قوله تعالى: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20)}

قوله تعالى: {يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21)}
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (5- {يَبَشُرُهُمْ رَبُّهُم} [آية/ 21] بفتح الياء وسكون الباء وضم الشين خفيفة:
قرأها حمزة وحده، وقرأ الباقون {يُبَشِّرُهُمْ} بضم الياء وفتح الباء وتشديد الشين.
وقد مضى الكلام في هذه الكلمة أعني بشر وبشر بما فيه غنية عن الإعادة). [الموضح: 590]

قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م, 01:34 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة التوبة
[ الآيتين (23) ، (24) ]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آَبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23) قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)}

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آَبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23)}

قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وعشيرتكم... (24).
روى أبو بكر عن عاصم (وعشيراتكم) وفي المجادلة (أو عشيراتهم) على الجميع فيهما، هذه رواية الأعشى عن أبي بكر.
وفي رواية يحيى (وعشيراتكم) بالألف على الجميع في هذه وحدها.
وقرأ الباقون (وعشيرتكم)، (أو عشيرتهم) موحدتين.
قال أبو منصور: العشيرة: اسم جامع لأهل البيت من قرب أو بعد.
وقال أبو العباس: عشيرة الرجل: أهل بيته الأدنون، سمّوا عشيرة لمعاشرة بعضهم بعضًا، والقراءة بالتوحيد.
قال أبو منصور: ولما نزلت (وأنذر عشيرتك الأقربين (214).
أنذر النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم الأدنى والأبعد، - فيما حدثنا السعدي قال: حدثنا ابن عفان قال حدثنا عبد الله بن نمير عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما أنزل الله تعالى: (وأنذر عشيرتك الأقربين).
أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصفا فصعد عليه، ثم نادى:
[معاني القراءات وعللها: 1/449]
يا صباحاه، فاجتمع إليه الناس بين رجل يجيء وبين رجل يبعث رسوله، فقال رسول الله: يا بني عبد المطلب، يا بني فهر، يا بني لؤي، لو أخبرتكم أن خيلاً بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم صدقتموني؟ قالوا: نعم.
قال: فإني نذيرٌ لكم بين يدي عذابٍ شديدٍ.
فقال أبو لهب: تبًّا لكم سائر اليوم، أما جمعتنا إلا لهذا.
فأنزل الله تبارك وتعالى: (تبّت يدا أبي لهبٍ)، وقد تبّ.
قال أبو منصور: فأنذر بني فهر وبني لؤي كما أنذر الأقربين، ومن قرأ (أو عشيراتكم) فهو جائز في العربية، ويجمع العشيرة: عشائر أيضًا، والجمع بالتاء قليل). [معاني القراءات وعللها: 1/450]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في الجمع والتوحيد من قوله [جلّ وعز]: وعشيرتكم [التوبة/ 24].
فقرأ عاصم وحده في رواية أبي بكر: وعشيراتكم على الجمع. وقرأ الباقون: وعشيرتكم واحدة، وقال حفص عن عاصم: واحدة.
قال أبو علي: وجه الجمع: أن كل واحد من المخاطبين له عشيرة، فإذا جمعت قال: عشيراتكم من حيث كان المراد بهم الجمع.
وقول من أفرد: أن العشيرة واقعة على الجمع، فاستغني بذلك فيها عن جمعها، ويقوّي ترك الجمع بالتاء أن أبا الحسن قال: لا تكاد العرب تجمع عشيرة عشيرات، إنّما يجمعونها على: عشائر). [الحجة للقراء السبعة: 4/180]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وأزواجكم وعشيرتكم}
قرأ أبو بكر (وعشيراتكم) بالألف وقرأ الباقون {وعشيرتكم} بغير ألف كما تقول قرابتكم وقراباتكم). [حجة القراءات: 316]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (5- قوله: {وعشيرتكم} قرأه أبو بكر بالجمع، لأن لكل واحد من المخاطبين عشيرة، فجمع لكثرة عشائرهم، وقرأه الباقون بالتوحيد، لأن العشيرة واقعة على الجمع، فاستغنى بذلك لفخته، وهو الاختيار، لأن الجماعة عليه، وقد حكى الأخفش أن العرب لا تجمع عشيرة إلا على عشائر، ولا تُجمع
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/500]
بالألف والتاء سماعًا، والقياس لا يمنع من جمعها بألف وتاء). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/501]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (4- {وَعَشِيرَاتُكُمْ} [آية/ 24] بالجمع:
قرأها عاصم- ياش-.
والوجه أن كل واحد من المخاطبين له عشيرة، فجاء بها على الجمع.
وقرأ الباقون {وَعَشِيرَتُكُمْ} بغير ألف على التوحيد؛ لأن العشيرة واقعة
[الموضح: 589]
على الجمع، فاستغنى بها عن جمعها، ويقوي هذه القراءة أن أبا الحسن قال: لا تكاد العرب تجمع العشيرة على العشيرات إنما تجمعها على العشائر، وسميت العشيرة عشيرة لمعاشرة بعضهم بعضًا، وهم أهل بيت الرجل الأدنون). [الموضح: 590]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م, 01:35 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة التوبة
[ من الآية (25) إلى الآية (27) ]

{لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (26) ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (27) }

قوله تعالى: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25)}

قوله تعالى: {ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (26)}

قوله تعالى: {ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (27)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م, 01:42 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة التوبة
[ الآيتين (28) ، (29) ]

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28) قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29) }

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن مسعود: [وَإِنْ خِفْتُمْ عَائلةً].
قال أبو الفتح: هذا من المصادر التي جاءت على فاعلة كالعاقبة والعافية. وذهب الخليل في قولهم: ما باليت بالة، أنها في الأصل بالية كالعاقبة والعافية، فحذفت لامها تخفيفًا. ومنه قوله سبحانه: {لا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً} أي: لغوًا. ومنه قولهم: مررت به خاصة؛ أي: خصوصًا. وأما قوله تعالى: {وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ} فيجوز فيه أن يكون مصدرًا؛ أي: خيانة منهم، ويجوز أن يكون على أن معناه على نية خائنة أو عقيدة خائنة. وكذلك أيضًا يجوز أن يكون: لا تسمع فيها كلمة لاغية. وكذلك الآخر على: إن خفتم حالًا عائلة، فالمصدر هنا أعذب وأعلى). [المحتسب: 1/287]

قوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م, 01:44 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة التوبة
[ من الآية (30) إلى الآية (33) ]

{ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33) }

قوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وقالت اليهود عزيرٌ ابن اللّه... (30).
قرأ عاصم والكسائي والحضرمي (عزيرٌ ابن اللّه) منونًا، وكذلك روى عبد الوارث عن أبي عمرو، وقرأ الباقون بغير تنوين.
وقال الفراء: الوجه التنوين؛ لأن الكلام ناقص، و(ابن) موضع خبر لـ (عزيز)، فوجه العمل في ذلك أن تنون ما رأيت من الكلام محتاجًا إلى (ابن)، فإذا اكتفى دون (ابن) فوجه الكلام أن لا تنوّن، وذلك
[معاني القراءات وعللها: 1/450]
مع ظهور اسم أب الرجل أو كنيته، فإذا جاوزت ذلك فأضفت (ابن) إلى المكنى عنه مثل ابنك أو ابنه، أو قلت: ابن الرجل، أو ابن الصالح، أدخلت النون في التام منه والناقص وذلك أن الحذف في النون إنما كان في الموضع الذي يجرى في الكلام كثيرًا فيستخف طرحها في الموضع المستعمل، وقد ترى الرجل يذكر بالنسب إلى أبيه كثيرًا، فيقال من فلان بن فلان إلى فلان فلا يجرى كثيرًا بغير ذلك، وربما حذفت النون وإن لم يتم الكلام لسكون الباء من (ابن) فيستثقل النون إذا كانت ساكنة لقيت ساكنًا فحذفت استثقالاً لتحريكها، من ذلك قراءة القراء (عزير ابن اللّه) بغير تنوين، وأنشدني بعضهم:
لتجدنّي بالأمير برّا... وبالقناة مدعساً مكرّا
إذا غطيف السّلميّ فرّا
فحذف النون الساكن الذي استقبلها). [معاني القراءات وعللها: 1/451]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (قوله جلّ وعزّ: (يضاهئون... (30).
قرأ عاصم وحده (يضاهئون) مهموزًا، وقرأ الباقون (يضاهون) بغير همز.
[معاني القراءات وعللها: 1/451]
قال أبو منصور: من العرب من يهمز ضاهأت، أقرأني الإيادي لشمر عن أبي عبيد عن أصحابه قال: ضاهأت الرجل، إذا دفعت به - وأكثر العرب يقولون: ضاهيته، وقال أبو إسحاق: أصل المضاهات – في اللغة -: المشابهة.
قال: والأكثر ترك الهمز فيه.
قال: واشتقاقه من قولهم: امرأة ضهياء: وهي التي لا يظهر لها ثدي.
وقيل: هي التي لا تحيض، ومعناها: أنها أشبهت الرجال؛ لأنها لا ثدي لها يظهر وضهياء (فعلاء) ). [معاني القراءات وعللها: 1/452]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (4- وقوله تعالى: {وقالت اليهود عزير ابن الله} [30].
قرأ عاصم والكسائي بالتنوين.
وقرأ الباقون بغير تنوين.
فمن نون قال: وإن كان الاسم أعجميًا فهو خفيف، وتمام الاسم في الابن.
وحجة أخرى: أن تجعله عربيًا؛ لأنه على مثال المصغرات من الأسماء العربية، وله اشتقاق، «وعزير»: رفع بالابتداء «وابن» خبره، وإنما يحذف التنوين من الاسم لكثرة الاستعمال إذا كان الابنُ نعتًا للاسم نحو جاءني زيد بن عبد الله فإن قلت: كان زيد بن عبد الله فلا بد من التنوين؛ لأنه خبره.
وحجة أخرى: أن عزيرًا قد أضيف إلى غير أبيه، والعرب إذا أضافت الاسم إلى غير أبيه نونوا لقلة الاستعمال.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/236]
فأما حجة من لم ينون فإنه جعله اسمًا أعجميًا، وإن كان لفظه مصغرًا وقال: إن كان الأعجمي ثلاثيًا نحو عاد ونوح ولوط من العرب من يدع صرفه). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/237]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (5- وقوله تعالى: {يضاهئون قول الذين كفروا} [30].
قرأ عاصم وحده {يضاهئون} بالهمز.
وقرأ الباقون بغير همز، وهما لغتان؛ ضاهيت وضاهأت.
قال الشاعر:
وضاهاني الثريد وكل حلو = من الفالوذ والعيش الرقيق
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/246]
يقال: فالوذ وفالوذق وفالوذج، فأما العرب فتسميه السرطراط واللمص والرعدد الأصفر). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/247]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في التنوين وتركه من قوله جلّ وعزّ: عزير ابن الله [التوبة/ 30].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحمزة: عزير ابن الله بغير تنوين. وروى عبد الوهاب عن أبي عمرو منوّنا، حدّثني ابن أبي خيثمة قال: حدثني القصبيّ عن عبد الوارث عن أبي عمرو بذلك.
وقرأ عاصم والكسائي: عزير منوّن.
قال أبو علي: من نوّن عزيرا، جعله مبتدأ، وجعل: ابنا خبره، وإذا كان كذلك فلا بدّ من إثبات التنوين في حال السّعة والاختيار، لأن عزيرا ونحوه ينصرف؛ عجميّا كان أو عربيّا.
فأمّا من حذف التنوين، فإنّ حذفه على وجهين:
أحدهما: أنه جعل الصفة والموصوف بمنزلة اسم واحد، كما جعلهما كذلك في قولهم: لا رجل ظريف، وحذف التنوين ولم يحرّك لالتقاء الساكنين، كما يحرّك في:
[الحجة للقراء السبعة: 4/181]
زيدن العاقل، لأن الساكنين كأنّهما التقيا في تضاعيف كلمة واحدة، فحذف الأول منهما، ولم يحرّك لكثرة الاستعمال، فصار آخر الاسم في اتباعه حركة ما قبله بمنزلة إتباع الآخر ما قبله فيما حكاه أبو عثمان عن ابن إسحاق من قولهم: هذا مرء، ورأيت مرءا، ومررت بمرء.
فإن قلت: فقد تخالف الحركة الأولى الحركة الآخرة في المرء، وقولهم: امرؤ، وامرأ، وامرئ في نحو: مررت بعمر بن زيد، وإبراهيم بن عمرو، فلا تتبع الحركة الأولى الآخرة.
قيل: الفتح في هذا الموضع بمنزلة الكسر وفي حكمه، كما كان في قولهم: بمسلمات ورأيت مسلمات، كذلك فكما اتفقا في هذا الموضع، وإن اختلف لفظاهما. كذلك اتفقا في
[الحجة للقراء السبعة: 4/182]
نحو: عمر بن زيد، وعمرو بن بشر. ولا يجوز إثبات التنوين في هذا الباب إذا كان صفة، وإن كان الأصل، لأنهم جعلوه من الأصول المرفوضة، كما أن إظهار الأوّل من المثلين في نحو: ضننوا، لا يجوز في الكلام، وإن كانا بمنزلة اسم مفرد، والاسم المفرد لا يكون جملة مستقلة مفيدة في هذا النحو، فلا بد من إضمار جزء آخر [يقدر انضمامه إليه ليتمّ جملة]، وتجعل الظاهر إمّا مبتدأ وإما خبر مبتدأ، فيكون التقدير: صاحبنا، و نسيبنا أو نبيّنا عزير بن الله، إن قدّرت المضمر المبتدأ، وإن قدّرته بعكس ذلك جاز، فهذا أحد الوجهين.
والوجه الآخر: أن لا تجعلهما اسما واحدا، ولكن تجعل الأول من الاسمين المبتدأ والآخر الخبر، فيكون المعنى فيه على هذا كالمعنى في إثبات التنوين، وتكون القراءتان متّفقين، إلّا أنّك حذفت التنوين لالتقاء الساكنين، كما تحذف حروف اللين لذلك، ألا ترى أنه قد جرى مجراها في نحو: لم يك زيد منطلقا، وفي نحو: صنعانيّ، وبهرانيّ، وقد أدغمت في الواو والياء كما أدغم كلّ واحد من الواو والياء في الأخرى
[الحجة للقراء السبعة: 4/183]
بعد قلب الحرف إلى ما يدغم فيه، وقد وقعت زيادة لمعاقبة الألف في: جرنفس، وجرافس، وحذفوها في عزير كما حذفوا الألف من علبط، وأبدلوا الألف من النون في نحو: رأيت زيدا، ولنسفعا [العلق/ 15]، فلمّا اجتمعت مع حروف اللين في هذه المواضع، وشابهتها كذلك يجوز أن تتّفق معها في الحذف لالتقاء الساكنين، وعلى هذا ما يروى من قراءة بعضهم: أحد الله، [الإخلاص/ 1 - 2]، فحذف النون لالتقاء الساكنين وقد جاء ذلك في الشعر كثيرا، قال:
حميد الذي أمج داره... أخو الخمر ذو الشّيبة الأصلع
[الحجة للقراء السبعة: 4/184]
وقال:
إذا غطيف السلميّ فرّا وقال:
وحاتم الطائيّ وهّاب المئي وقال:
[الحجة للقراء السبعة: 4/185]
تذهل الشيخ عن بنيه وتبدي... عن خدام العقيلة العذراء
وهذا النحو في الشعر كثير، والوجه فيه الحمل على الوجه الآخر، لأنه لم يستقر حذفه في الكلام، وإن حصلت المشابهات بين النون وحروف اللين فيما رأيت). [الحجة للقراء السبعة: 4/186]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الهمز وإسقاطه من قوله جلّ وعزّ: يضاهون [التوبة/ 30].
فقرأ عاصم وحده: يضاهئون بالهمز. وقرأ الباقون:
يضاهون بغير همز.
قال أبو عبيدة: المضاهاة: التشبيه، ولم يحك الهمزة، وقال أحمد بن يحيى: لم يتابع عاصما أحد على الهمزة.
والذين كفروا [التوبة/ 30] يشبه أن يكونوا المشركين الذين لا كتاب لهم، لأنهم ادّعوا في الملائكة أنها بنات، قال: ويجعلون لله البنات [النحل/ 57] وقال: ألكم الذكر وله الأنثى [النجم/ 21]، وقال: وإذا بشر أحدهم بما ضرب
[الحجة للقراء السبعة: 4/186]
للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا [الزخرف/ 17] وقال: وخرقوا له بنين وبنات بغير علم [الأنعام/ 6].
وليس يضاهئون فيمن همز من لفظ: ضهياء، لأن الهمزة في ضهياء زائدة بدلالة ضهيأ، والياء أصل ألا ترى أنها لو كانت الياء فيها زائدة لكانت مكسورة الصدر؟ وأشبه أن يكون ما قرأ به عاصم من الهمز في يضاهئون لغة وهي فيما زعم الفرّاء عنه لغة الطائف، فيكون في الكلمة لغتان مثل: أرجيت وأرجأت، ولا يجوز أن يكون من قولهم: امرأة ضهياء، وذلك أن الهمزة في ضهياء قد قامت الدلالة على زيادتها، ألا ترى أنهم قالوا: ضهيأ ؟ فاشتقّوا من الكلمة ما سقطت فيه هذه الهمزة، فاشتقاقهم ضهيأ من ضهياء وهو بمنزلة اشتقاقهم جرواض من جرائض، ...
[الحجة للقراء السبعة: 4/187]
وشنذارة من شئذارة، وزوبر من زئبر، وزعموا أنهم يقولون:
زوبر الثوب إذا خرج زئبره؛ [فكذلك يعلم من ضهيأ زيادة الهمزة في ضهياء] وأمر آخر يعلم منه زيادة الهمزة في ضهياء، وذلك أنه لا يخلو من أن يكون فعلا مقصورا أو فعيلا، فلا يجوز أن يكون فعيلا لأن ذلك بناء لم يجيء في كلامهم، وما كان من هذا النحو الياء زائدة فيه، كان مكسور الصدر، نحو:
حذيم، وعثير، وحمير، وطريم وقالوا في مريم، ومزيد، ومدين: إنها مفعل جاءت على الأصل وليس بفعيل، لأنّ ذلك لو كان إياه، لكان مكسور الصدر، ومن ثمّ قالوا في يهيرّى: إن الياء الأولى زائدة، ولو خفّفت فقلت: يهيرّ كانت
[الحجة للقراء السبعة: 4/188]
الأولى أيضا هي الزائدة، دون الثانية، لأنك لو حكمت بزيادة الثانية، لوجب أن يكون فعيلا، وذلك بناء قد رفضوه فلم يستعملوه.
وأما من قال: يجوز أن يكون فعيلا ويضاهئون مشتق منه؛ فقول لم يذهب إليه أحد علمناه، وهو ظاهر الفساد، لإتيانه ببناء لم يجيء في كلامهم.
فإن قال: فقد جاء أبنية في كلامهم لا نظير لها، مثل:
كنهبل، فأجوّز فعيل، وإن لم يجيء كما جاء: كنهبل ونحوه.
قيل له: فأجز في غزويت أن يكون: فعويلا أو فعليلا، وإن كان فعويل لم يجيء واستدلّ على ذلك بمجيء كنهبل، كما استدللت على جواز فعيل: بقرنفل وكنهبل، وجوّز أن يكون فعويل، وإن لم يجيء ذلك في كلامهم، كما جاء قرنفل وكنهبل، وجوّز أيضا أن يكون فعليلا، وإن كان حروف اللين لم تجىء أصولا في بنات الأربعة، واستدلّ عليه كما جاز أن يكون: رنوناة، فعوعلة، من الرنا مثل: غدودن، وكما جاز
[الحجة للقراء السبعة: 4/189]
أن يكون فعلعل مثل: حبربر. وكما جاز أن يكون فعلنا مثل: عفرنا، وعرضنا، وهذا نقض للأصول التي عليها عمل العلماء، وهدم لها، وإنّما أدخله في هذا ما رامه من اشتقاق يضاهئون، وقد يجوز أن تجيء الكلمة غير مشتقة، وذلك أكثر من أن يحصى.
وأما ما ذهب إليه من أن الهمزة زائدة في: غرقئ فخطأ قد قامت الدلالة على فساده، وذلك أن أبا زيد قد حكى أنهم يقولون: غرقأت الدجاجة بيضها، والبيضة مغرقأة به وليس في الكلام شيء على فعلأت، إلا أن يزعم أنه يثبت هذا أو يجيزه، كما جاء، كنهبل، فإن ركّب هذا قيل له: فجوّز في منجنيق أن يكون: منفعيلا، وإن كان لم يجيء هذا النحو، على أن هذا أشبه مما ارتكبه، لأنه يكون في توالي الزائدتين في أوّلها مثل: انقحل. وليس هذا بقول يعرّج عليه، ولا يصغى إليه، ويلزمه أن يكون حماطة: فعللة، وقد انقلبت
[الحجة للقراء السبعة: 4/190]
الألف عن حرف علة.
فإن قال: هذا بناء لم يجيء؛ قيل له: جوّز مجيئه، واجعله بمنزلة كنهبل، وما ذكرته). [الحجة للقراء السبعة: 4/191]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وقالت اليهود عزير ابن الله}
قرأ عاصم والكسائيّ {وقالت اليهود عزير ابن الله} بالتّنوين وحجته أنه اسم خفيف فوجهه الصّرف تخفته وإن كان أعجميا وقال قوم يجوز أن تعجله عربيا لأنّه على مثال المصغرات من الأسماء العربيّة
[حجة القراءات: 316]
وهو يشبه في التصغير نصيرًا أو بكيرا فأجري وإن كان في الأصل أعجميا وأخرى أن الكلام عند السّكوت على عزير بن الله ناقص وأن قوله {ابن} خبر عن عزير فنون من أجل حاجة الكلام إليه كقولك زيد ابن عمنا فلمّا كانت الفائدة في ابن أوقعت التّنوين وإذا تركت التّنوين كان الابن نعتا وكانت الفائدة بعد النّعت كقولك زيد ابن عمنا ظريف
وقرأ الباقون {عزير ابن الله} بغير تنوين وحجتهم أن التّنوين حرف الإعراب مشبه للواو والياء والألف فكما يسقطن إذا سكن وسكن ما بعدهن كذلك يسقط التّنوين إذا سكن وأتى بعده ساكن فكأنهم ذهبوا إلى أنه مصروف وأن التّنوين سقط الساكنين أنشد الفراء:
إذا غطيف السّلميّ فرا
فأسقط التّنوين من غطيف والدّليل على صحة هذا القول أن هارون قال سألت أبا عمرو عن عزير فقال أنا أصرف
[حجة القراءات: 317]
عزيرًا ولكنّي أقول هذا الحرف {عزير ابن الله} فدلّ قوله أنا أصرف عزيرًا على أنه عنده مصروف وأنه حذف التّنوين عنده لغير ترك صرفه بل هو لما أخبرتك به من حذفه للساكنين
ويجوز أن نقول إن عزير اسم أعجمي غير مصروف قال الزّجاج يجوز حذف التّنوين لإلتقاء الساكنين وقد روي {قل هو الله أحد الله الصّمد} فحذف التّنوين لسكونه وسكون اللّام فكذلك حذف التّنوين من {عزير ابن الله} لسكونه وسكون الباء
وفيه وجه آخر أن يكون الخبر محذوفا فيكون معناه عزير ابن الله معبودنا فيكون ابن نعتا ولا اختلاف بين النّحويين أن إثبات التّنوين أجود قال والوجه إثبات التّنوين لأن ابن خبر وإنّما يحذف التّنوين في الصّفة نحو قولك جاءني زيد بن عمرو فيحذف التّنوين لالتقاء الساكنين ولأن ابن مضاف إلى علم وأن النّعت والمنعوت كالشيء الواحد وإذا كان خبرا فالتنوين). [حجة القراءات: 318]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (6- قوله: {عزير ابن} قرأه عاصم والكسائي «عزير» بالتنوين جعلاه مبتدأ و«ابنا» خبره، فثبت التنوين فيه، وقرأ الباقون بغير تنوين في «عزير»، جعلوا «عزيرا» مبتدأ و«ابنا» صفة له، فحذف التنوين فيه لكثرة الاستعمال، ولأن الصفة والموصوف كاسم واحد، ويجوز أن يكون حذف التنوين لسكونه، وسكون الباء من «ابن» وإثبات التنوين مع كون «ابن» صفة، لا يحسن، لأنه مرفوض غير مستعمل وهو الأصل، إذا جعلت «ابنا» خبرًا أثبت ألف الوصل في الخط في «ابن»، فإذا جعلته صفة لم تثبت الألف في الخط في «ابن»، و«عزير» على هذا مبتدأ، والخبر محذوف، تقديره: عزير بن الله نبينا، أو صاحبنا، ويجوز أن يكون «عزير» مع حذف التنوين، خبر ابتداء محذوف، تقديره: صاحبنا عزير، ونبينا عزير، فإذا قدّرت حذف التنوين، لالتقاء الساكنين، جاز أن يكون «عزير » مبتدأ و«ابن» خبره، كالقراءة الأولى، وجاز حذف التنوين لالتقاء الساكنين، لأنه مشبه بحروف اللين، ألا ترى أن النون قد حذفت في «لم يك» كما حذفت الألف في «لم أبل»، وتبدل الألف من التنوين، والاختيار حذف التنوين؛ لأنه يجمع الوجهين، وعليه أكثر القراء، واختار أبو عبيد التنوين على الصرف؛ لأنه أعجمي خفيف كـ «نوح ولوط»، وتعقب عليه ابن قتيبة، واختار ترك التنوين لأنه أعجمي على أربعة أحرف، وليس هو عنده تصغيرًا، إنما أتى في كلام العجم على هيئة التصغير، وليس بتصغير، والقول فيه
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/501]
ما قدمنا من العلة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/502]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (7- قوله: {يضاهئون} قرأه عاصم بهمزة مضمومة، وكسر الهاء، وقرأ الباقون بضم الهاء، من غير همز، وهو معتل اللام، كقولك: «قاضون» وهما لغتان: يقال ضاهيت وضاهأت، وترك الهمز أكثر، وهو الاختيار والمضاهاة المشابهة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/502]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (6- {وقَالَتِ اليَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ الله} [آية/ 30] بالتنوين:
قرأها عاصم والكسائي ويعقوب.
والوجه أن عزيرا مبتدأ، و{ابْنُ} خبره، ويلحقه التنوين في حال الاختيار والسعة، كما تقول زيد بن عمرو، إذا جعلت زيداً مبتدأ، وابن عمرو خبره؛ لأن عزيرا منصرف، فلابد من إلحاق التنوين به.
[الموضح: 590]
وقرأ الباقون {عُزَيْرُ ابْنُ الله} غير منون.
والوجه أنه مثل الأول في أن عزيراً مبتدأ وابنًا خبره، إلا أن التنوين حذف لالتقاء الساكنين، والأصل عزير ابن، مثل القراءة (الأولى)، وهذا كقوله تعالى {أَحَدُ الله الصَّمَدُ} في قراءة من قرأ بحذف التنوين، وقال الشاعر:
42- إذا غطيف السلمي فرا
وقال:
43- عمرو الذي هشم الثريد لقومه
وقال:
44- تذهل الشيخ عن بنيه وتبدي = عن خدام العقيلة العذراء
[الموضح: 591]
والأصل: غطيف السلمي، وعمرو الذي، وعن خدام العقيلة.
ويجوز أن يكون {ابْنُ} صفة لعزير، كما تقول: جاءني زيد بن عمرو، بغير تنوين، إذا أردت الصفة تحذف التنوين من اللفظ، وألف ابن من الخط؛ لكثرة الاستعمال؛ ولأن العلم مع ابن كالشيء الواحد، فحذف التنوين إنما هو لالتقائه مع باء ابن وهما ساكنان، والساكنان كأنهما التقيا في تضاعيف كلمة واحدة، وإذا كان عزير مع ابن كالشيء الواحد مثل زيد بن عمرو لم يكن بد من ضم جزء آخر إليه حتى يتم الكلام، فكأن التقدير: عزير بن الله إلهنا أو معبودنا أو نبينا، فيكون عزير بن الله مبتدأ، وإلهنا خبره، ويكون الخبر محذوفًا.
وقد زيف أحد المتأخرين هذا الوجه وقال: ينصرف في هذا التقدير الإنكار المذكور فيما بعد إلى الأخبار، فيبقى النسب مسلما، تعالى عن ذلك). [الموضح: 592]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (7- {يُضَاهِئُونَ} [آية/ 30] بكسر الهاء مع الهمز:
قرأها عاصم وحده، وقرأ الباقون {يُضَاهُونَ} بضم الهاء من غير همز.
والوجه أن ضاهأت وضاهيت بالهمز وبغير الهمز لغتان، كأرجأت وأرجيت، و{يضاهُون} بغير الهمز أولى لكثرة من قرأ بها.
[الموضح: 592]
وقال الزجاج: المضاهاة في اللغة المشابهة، مهموزة وغير مهموزة، والأكثر ترك الهمز فيها). [الموضح: 593]

قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)}

قوله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32)}

قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م, 01:45 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة التوبة

[ الآيتين (34) ، (35) ]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)}

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34)}

قوله تعالى: {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م, 01:52 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة التوبة
[ الآيتين (36) ، (37) ]

{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36) إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا َيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (37)}

قوله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36)}

قوله تعالى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا َيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (37)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (إنّما النّسيء زيادةٌ في الكفر... (37).
روي عن ابن كثير أنه قرأ (إنّما النّسيّ) مشددا بغير همز، وروى عنه وجه آخر (إنّما النّسأ) بوزن (النسع).
وقرأ الباقون (إنّما النّسيء) بكسر السين بالمد والهمز.
قال الأزهري: من قرأ (إنّما النّسيّ) بتشديد الياء غير مهموز فالأصل فيه: النسيء، بالمد والهمز، ولكن القارئ به آثر ترك الهمز على لغة من يخفف الهمز ويحذفه، والنسيء اسم على (فعيل)، من قولك: أنسأت الشيء، إذا أخّرته، أنسأ نسيئا.
قال أبو عبيد: قال أبو عبيدة: أنسأ الله فلانًا: أجّله. ونسأ الله في أجله - بغير ألف - والنسيئة: التأخير، ومنه قوله: (إنّما النّسيء زيادةٌ في الكفر)
[معاني القراءات وعللها: 1/452]
إنما هو تأخيرهم تحريم المحرّم إلى صفر ومن قرأ (النسيء) فهو مصدر نسات نسأً، على فعلت فعلا.
القراءة الجيدة (النسيء) بالهمز والمد، وبها قرأ أكثر القراء). [معاني القراءات وعللها: 1/453]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (يضلّ به الّذين كفروا... (37).
قرأ حفص عن عاصم وحمزة والكسائي (يضلّ) بضم الياء وفتح الضاد.
وقرأ الحضرمي (يضلّ) بضم الياء وكسر الضاد، وقرأ الباقون (يضلّ) بفتح الياء وكسر الضاد.
قال أبو منصور: من قرأ (يضلّ) فهو على ما لم يسم فاعله، و(الذين) في موضع الرفع، لأنه مفعول لم يسم فاعله.
ومن قرأ (يضلّ به الّذين كفروا) فمعناه أن الكفار يضلون بالنسيء أتباعهم في إحلالهم المحرّم مرة، وتحريمهم إياه أخرى.
ومن قرأ (يضلّ) فالفعل للكفار الضالين، و(الذين) في موضع الرفع على قراءة من قرأ (يضلّ) ). [معاني القراءات وعللها: 1/453]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (6- وقوله تعالى: {إنما النسيء زيادة في الكفر} [37]
روي عن ابن كثير ثلاثة أوجه. النسيء على فعيل مهموز ممدود، وكذلك قرأ الباقون، والأصل : منسوء مفعول، فرد إلى فعيل كما يقال: رجل جريح وصريع، والأصل: مجروح ومصروع، وكانت العرب تعظم أشهر الحرم فتدع فيها الغارة والقتال، فإذا أحبوا ذلك أخروا المحرم إلى صفر من قولك: نسأ الله في أجلك. وروى عبيد بن عقيل عن شبل عن ابن كثير (إنما النسي) مشددة الياء، ومثله خطيئة وخطية وهنيئا وهنيا. وروي عنه أيضا: (إنما النسء) على وزن النسع، جعله مصدرا مثل الضرب، ضربت ضربا ونسأت نسأ. وروي عنه وجه رابع (إنما النسى) بالياء على وزن الدمى.
فمن قرأ (النسي) جعل الهمز ياء، والاختيار (النسيء) ما عليه الناس. النسيء: اللين المتغير قال جرير:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/247]
بلغت نسيئ العنبري كأنما = ترى بنسيء العنبري جنى النحل
فأما (النسيء) بإسكان السين فقيل: الخمر فيمن همز، وقيل: هي ما يُنسى العقل لمن لم يهمز). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/248]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (7- وقوله تعالى: {يضل به الذين كفروا} [37].
قرأ حمزة والكسائي {نضل}. وحفص عن عاصم أيضًا بضم الياء وفتح الضاد، واحتجوا بقراءة ابن مسعود، وهو قرأها كذلك، وبقوله تعالى: {زين لهم سوء أعمالهم} على ما لم يُسم فاعله.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/248]
وقرأ الباقون {يضل} بفتح الياء وكسر الضاد جعل الفعل لهم وإن كان الله يضل ويهدي؛ لأن الله تعالى أضلهم عقوبة لما ضلوا هم، فاستوجبوا العقوبة بالعمل. وقيل: أضلهم سماهم ضالين. وقيل: أضلهم صادفهم كذلك). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/249]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واتفقوا على همز النسيء [التوبة/ 37] وحده، وكسر سينه، إلا ما حدّثني به محمد بن أحمد بن واصل قال: حدثنا محمد بن سعدان، عن عبيد بن عقيل عن شبل عن ابن كثير أنه قرأ: إنما النسء زيادة على وزن النّسع.
حدثني ابن أبي خيثمة، وإدريس، عن خلف، عن عبيد، عن شبل، أنه قرأ: النسي مشدّدة الياء بغير همز. وقد روي عن ابن كثير: النسي بفتح النون وسكون السين وضم الياء مخففة، قال أبو بكر: والذي قرأت به على قنبل النسيء بالمد والهمز مثل أبي عمرو، وكذلك الناس عليه بمكة.
قال أبو عبيدة فيما روى عنه التوّزيّ في قوله تعالى: إنما النسيء زيادة في الكفر: كانوا قد وكّلوا قوما من بني كنانة يقال لهم: بنو فقيم، فكانوا يؤخّرون المحرّم، وذلك نسء الشهور، ولا يفعلون ذلك إلا في ذي الحجة إذا اجتمعت
[الحجة للقراء السبعة: 4/191]
العرب للموسم، فينادي مناد: [أن افعلوا ذلك لحرب أو لحاجة وليس كلّ سنة يفعلون ذلك]؛ فإذا أرادوا أن يحلّوا المحرّم، نادوا: هذا صفر، وإن المحرم الأكبر صفر، وربّما جعلوا صفرا محرّما مع ذي القعدة، حتى يذهب الناس إلى منازلهم، إذا نادى المنادي بذلك، وكانوا يسمّون المحرم وصفرا: الصّفرين، ويقدّمون صفرا سنة ويؤخرونه، والذي كان ينسؤها، حتى جاء الإسلام: جنادة بن عوف بن أبي أميّة، وكان في بني عدوان قبل بني كنانة.
[قال أبو علي]: ووجه قراءة ابن كثير: النسء أن هذا تأخير، وقد جاء النّسء في أشياء معناها التأخير. قال أبو زيد: نسأت الإبل في ظمئها، فأنا أنسؤها نس ءا: إذا زدتها في ظمئها يوما أو يومين، أو أكثر من ذلك، والمصدر: النّسء.
قال أبو زيد: ويقال: نسأت الإبل عن الحوض فأنا أنسؤها نس ءا إذا أخّرتها عنه.
وحجة من قرأ: النسيء أنه كأنّه أكثر في
[الحجة للقراء السبعة: 4/192]
هذا المعنى، قال أبو زيد: أنسأته الدّين إنساء إذا أخرته عنه. واسم ذلك النسيئة، والنّساء؛ فكأنّ النسيء في الشهور: تأخير حرمة شهر إلى شهر آخر ليست له تلك الحرمة، فيحرّمون بهذا التأخير ما أحلّ الله، ويحلّون ما حرّم الله، كما قال تعالى: يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله [التوبة/ 37] ألا ترى أن المحرم عين الشهر لا ما يوافقه في العدة، كما أن المحرّم فيه الإفطار على غير المريض والمسافر عين رمضان.
والنسيء: مصدر كالنذير والنّكير، وعذير الحي، ولا يجوز أن يكون فعيلا بمعنى مفعول، كما قال بعض الناس لأنه إن حمل على ذلك، كان معناه: إنما المؤخّر زيادة
في الكفر، والمؤخّر الشهر وليس الشهر نفسه بزيادة في الكفر، وإنّما الزيادة في الكفر تأخير حرمة الشهر إلى شهر آخر ليست له تلك الحرمة؛ فأما نفس الشهر فلا.
وأما ما روي عن ابن كثير إنما النسي بالياء، فذلك يكون على إبدال الياء من الهمزة، ولا أعلمها لغة في التأخير، كما أنّ أرجيت: لغة في أرجأت.
وما روي عنه من قوله: النسيء بتشديد الياء، فعلى تخفيف الهمزة، وليس هذا القلب مثل القلب في النّسيء لأن
[الحجة للقراء السبعة: 4/193]
النسيّ بتشديد الياء: على وزن فعيل، تخفيف قياسيّ، وليس النّسي كذلك، كما أن مقروّة في مقروءة: تخفيف قياسي، وسيبويه لا يجيز نحو هذا القلب الذي في النسي إلا في ضرورة الشعر، وأبو زيد يراه ويروي كثيرا منه عن العرب). [الحجة للقراء السبعة: 4/194]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح الياء وكسر الضّاد وضمّ الياء وفتح الضّاد من قوله تعالى: يضل به الذين كفروا [التوبة/ 37].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر يضل به* بفتح الياء وكسر الضاد.
وقرأ عاصم في رواية حفص وحمزة والكسائي: يضل به بضم الياء وفتح الضاد.
قال أبو علي: وجه من قرأ: يضل* أن الذين كفروا لا يخلون من أن يكونوا مضلّين لغيرهم، أو ضالين هم في أنفسهم، وإذا كان كذلك، لم يكن في إسناد الضلال إليهم في قوله: يضل* إشكال ألا ترى أن المضلّ لغيره ضالّ بفعله إضلال غيره؟ كما أنّ الضالّ في نفسه الذي لم يضلّه غيره لا يمتنع إسناد الضلال إليه.
وأما يضل فالمعنى فيه أنّ كبراءهم أو أتباعهم
[الحجة للقراء السبعة: 4/194]
يضلّونهم بأمرهم إياهم بحملهم على هذا التأخير في الشهور، وزعموا أنّ في التفسير: أنّ رجلا من كنانة يقال له:
أبو ثمامة، كان يقول للناس في منصرفهم من الحج: إن آلهتكم قد أقسمت لتحرّمنّ، وربما قال: لتحلّنّ، هذا الشهر، يعني:
المحرم، فيحلّونه ويحرّمون صفرا، وإن حرّموه أحلّوا صفرا، وكانوا يسمّونهما الصّفرين، فهذا إضلال من هذا المنادي لهم، يحملهم بندائه على ذلك، وقوله تعالى: يضل يفعل من هذا.
وزعموا أنّ في حرف ابن مسعود يضل به الذين كفروا، ويقوّي ذلك: ما أتبع هذا من الفعل المسند إلى المفعول، وهو قوله: زين لهم سوء أعمالهم [التوبة/ 31]. أي: زيّن لهم ذلك حاملوهم عليه، وداعوهم إليه. ولو قرئ: يضل به الذين كفروا لكان الذين كفروا في موضع رفع، بأنهم الفاعلون، والمفعول به محذوف تقديره: يضلّ به الذين كفروا تابعهيم والآخذين بذلك، ومعنى: يضل به الذين كفروا يضلّ بنسء الشهور). [الحجة للقراء السبعة: 4/195]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة جعفر بن محمد والزهري والعلاء بن سَيَّابه والأشهب: [إنما النَّسْي] مخففًا في وزن الْهَدْي بغير همز. قال أبو الفتح: تحتمل هذه القراءة ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يكون أراد النَّسْء على ما يُحكى عن ابن كثير بخلاف أنه قرأ به، ثم أُبدلت الهمزة ياء، كما أُبدلت منها فيما رويناه من قول الشاعر:
أَهبَى التراب فوقه إهبايا
[المحتسب: 1/287]
يريد: إهباء، ونحو منه قوله:
كفِعل الهِر يحترش العَظَايا
يريد: العَظَاءَة، لا على قول أبي عثمان من أنه شبه ألف النصب بهاء التأنيث، ولا على ما رأيته من كونه تكسير العَظاية كإداوة وأداوَى.
والوجه الثاني: أن يكون فَعْلًا من نَسِيء؛ وذلك أن النسيء من نسأت: أي أخرت، والشيء إذا أُخر ودوفع به فكأنه منسي.
والثالث: وفيه الصنعة أنه أراد النسيء على فعيل، ثم خفف الهمزة وأبدلها ياء، وأدغم فيها ياء فعيل فصارت النَّسِيّ، ثم قصَر فعيلًا بحذف يائه فصار نَسٍ، ثم أسكن عين فعيل فصار نَسْيٌ.
ومثله مما قُصر من فَعيل ثم أسكن بعد الحذف قولهم في سميح: سَمْح، وفي رطيب: رَطْب، وفي جديب: جدب، ومما قصر ولم يسكن قولهم في لبيق: لَبِق، وفي سميج: سَمِج، وقد ذكرنا ذلك). [المحتسب: 1/288]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي رجاء: [يَضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا] بفتح الياء والضاد.
قال أبو الفتح: هذه لغة؛ أعني: ضَلِلت أَضَلّ. واللغة الفصحى ضَلَلت أَضِل. وقراءة
[المحتسب: 1/288]
الحسن بخلاف وابن مسعود ومجاهد وأبي رجاء بخلاف وقتادة وعمرو بن ميمون ورواه عباس عن الأعمش: {يُضَلُّ بِه}.
وفيه تأويلان: إن شئت كان الفاعل اسم الله تعالى مضمرًا؛ أي: يُضل الله الذين كفروا، وإن شئت كان تقديره: يُضِل به الذين كفروا أولياءَهم وأتباعَهم). [المحتسب: 1/289]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({إنّما النسيء زيادة في الكفر يضل به الّذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما} {زين لهم سوء أعمالهم} 37
قرأ حمزة والكسائيّ وحفص {إنّما النسيء زيادة في الكفر يضل} بضم الياء وفتح الضّاد على ما لم يسم فاعله إن الكافرين يضلون وحجتهم أن الكلام أتى عقيب ذلك بترك تسمية الفاعل وهو قوله {زين لهم سوء أعمالهم} فدلّ على أن ما تقدمه من الفعل جرى بلفظه إذا كان التزيين إضلالا في الحقيقة فجعل ما قبل التزيين
[حجة القراءات: 318]
مشاكلا للفظه ليأتلف الكلام على نظام واحد
وقرأ الباقون {يضل} بفتح الياء وكسر الضّاد أي هم يضلون لا يهتدون وحجتهم قوله {يحلونه عاما ويحرمونه عاما} فجعل الفعل لهم فكذلك {يضل به الّذين كفروا} وكانوا يؤخرون شهر الحج ويقدمون فضلوا هم بتأخيرهم شهرا وبتقديمهم شهرا). [حجة القراءات: 319]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (8- قوله: {النسيء} قرأه ورش بتشديد الياء، من غير همز، وذلك أنه خفف الهمزة على ما يجب من الأصول المذكورة، فلما أراد تخفيفها وجد قبلها ياء زائدة، كياء «هنيئا» لأن قولك «نسيء» وزنه «فعيل» كـ «هني» فأبدل من الهمزة ياء، وأدغم فيها الياء التي قبلها، كقولك في تخفيف «خطيئة» «خطية»، وقرأ الباقون بالهمز على الأصل، لأنه «فعيل» من «أنسأته الدين» أي أخرته عنه، فمعناه أنهم أخروا حُرمة شهر حرام، جعلوا ذلك في شهر ليس بحرام ليبيحوا لأنفسهم القتال والغارات في الشهر الحرام، وقد كان ذلك محرمًا في الشهر الحرام وغيره، ولكن كانت حرمة الشهر الحرام في ذلك أعظم، والذنب فيه أكبر منهم في غيره، و«النسيء» مصدر كالنذير والنكير، والهمز فيه هو الاختيار، لكون الجماعة عليه، ولأنه الأصل، وقد روي عن ورش الهمز أيضًا، ولم أقرأ به). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/502]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (9- قوله: {يضل به الذين كفروا} قرأه حفص وحمزة والكسائي
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/502]
بضم الياء، وفتح الضاد، على ما لم يُسم فاعله، على معنى أن كبراءهم يحملونهم على تأخير حرمة الشهر الحرام، فيضلونهم بذلك، وقرأ الباقون بفتح الياء، وكسر الضاد، أضافوا الفعل إلى الكفار؛ لأنهم هم الضالون في أنفسهم بذلك التأخير، لأنهم يحلون ما رحم الله من الشهور). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/503]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (8- {إنَّمَا النَّسِيُّ} [آية/ 37] بكسر السين وتشديد الياء من غير همز:
قرأها نافع وحده- ش-.
والوجه أن أصله النسئ بمد السين والهمز، فخفف همزه؛ لأن النسيء فعيل من نسأت الإبل عن الحوض إذا أخرتها، فالنسيء مصدر على فعيل كالنذير والنكير، ثم إن الهمزة خففت تخفيفًا قياسيًا بأن قلبت ياء وأدغمت الياء في الياء، كما قالوا في خطيئة خطية.
وروى- ن- و- يل- عن نافع {النَّسِيءُ} بالمد والهمز، وكذلك قراءة الباقين.
والوجه أنه هو الأصل الذي قلب عنه النسي مشدداً غير ممدود، وقد ذكرناه.
وروى- ل- عن ابن كثير {النَسْيءُ} بفتح النون وإسكان السين وبالهمز، على وزن النسع، وهو مصدر من نسأت الشيء إذا أخرته نسئاً، والمراد بالنسإ وبالنسئ: تأخير حرمة شهر إلى شهر آخر.
وروى أيضًا عن ابن كثير {إنَّمَا النَسْيُ} بالياء، وهذا على إبدال الياء من
[الموضح: 593]
الهمزة من غير قياس، وسيبويه لا يجيز نحو هذا الإبدال إلا في ضرورة الشعر، وأبو زيد يجيزه، وليس هذا لغة في النسإ، كما في أرجأت وأرجيت، إنما هو إبدال كما ذكرنا). [الموضح: 594]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (9- {يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا} [آية/ 37] بضم الياء وفتح الضاد:
قرأها حمزة والكسائي وعاصم- ص-.
والوجه أن الفعل لما لم يسم فاعله، والمعنى فيه أن سادتهم وكبراءهم يضلونهم بحملهم إياهم على النسيء، وقال بعضهم: يضلون على معنى إضلال الله، وقيل إضلال الشيطان.
وقرأ يعقوب- ح- و- يس- {يُضِلَّ} بضم الياء وكسر الضاد.
والوجه أنه على معنى يضل الذين كفروا تابعيهم، فـ {الَّذِينَ كَفَرُوا} فاعل، والمفعول محذوف، وهو تابعوهم، وقيل: التقدير: يضل به الذين كفروا، فيكون الفاعل مضمراً، وهو اسم الله عز وجل.
وقرأ الباقون و- ان- عن يعقوب {يَضِلّ} بفتح الياء وكسر الضاد.
والوجه أن الضلال مسند إليهم بأن يكونوا ضالين في أنفسهم أو مضلين لغيرهم، وأيا ما كانوا من كونهم ضالين أو مضلين صح إسناد الضلال إليهم، فالمضل لا يضل غيره إلا إذا كان ضالاً في نفسه). [الموضح: 594]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 20 ( الأعضاء 0 والزوار 20)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:14 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة