العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > التفسير اللغوي > جمهرة التفسير اللغوي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13 محرم 1432هـ/19-12-2010م, 08:42 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 34 إلى 48]

{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (35) وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37) إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38) أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ (42) وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (43) وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (44) فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (48)}

تفسير قوله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولكلّ أمّةٍ} [الحج: 34] يعني: ولكلّ قومٍ.
تفسير السّدّيّ.
{جعلنا منسكًا} [الحج: 34] نا سعيدٌ عن قتادة قال: أي حجًّا وذبحًا.
قوله: {ليذكروا اسم اللّه على ما رزقهم من بهيمة الأنعام} [الحج: 34] وقد فسّرناه في الآية الأولى.
[تفسير القرآن العظيم: 1/374]
قوله: {فإلهكم إلهٌ واحدٌ فله أسلموا} [الحج: 34] يقوله للمشركين.
قوله: {وبشّر المخبتين} [الحج: 34] يعني بالجنّة.
تفسير الحسن: أنّ المخبتين الخاشعين الخائفين.
والخشوع المخافة الثّابتة في القلب.
وبعضكم يقول: {وبشّر المخبتين} [الحج: 34] يعني المطمئنّين بالإيمان.
قال: {فتخبت له قلوبهم} [الحج: 54] فتطمئنّ إليه قلوبهم.
وقال: {الّذين آمنوا وتطمئنّ قلوبهم بذكر اللّه} [الرعد: 28] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/375]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
(وقوله عزّ وجلّ:{ولكلّ أمّة جعلنا منسكا ليذكروا اسم اللّه على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فإلهكم إله واحد فله أسلموا وبشّر المخبتين}

وتقرأ منسكا، والمنسك في هذا الموضع يدل على معنى النحر فكأنه قال جعلنا لكل أمّة أن تتقرب بأن تذبح الذبائح للّه، ويدل على ذلك قوله تعالى {ليذكروا اسم اللّه على ما رزقهم من بهيمة الأنعام} المعنى ليذكروا اسم الله على نحر ما رزقهم من بهيمة الأنعام.
وقال بعضهم: المنسك الموضع الذي يجب تعهده، وذلك جائز.
ومن قال منسك فمعناه مكان نسك مثل مخلس مكان خلوس.
ومن قال منسك فهو بمعنى المصدر نحو النّسك والنّسوك.
وقوله: {فإلهكم إله واحد} أي لا ينبغي أن تذكروا على ذبائحكم إلا اللّه وحده.
وقوله: {وبشّر المخبتين}.
قيل المخبتون المتواضعون، وقيل المخبتون المطمئنون بالإيمان بالله عزّ وجلّ، وقيل المخبتون الذين لا يظلمون وإذا ظلموا لم ينتصروا.
وكل ذلك جائز.
واشتقاقه من الخبت من الأرض وهي المكان المنخفض منها، فكل مخبت متواضع). [معاني القرآن: 3/427-426]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ولكل أمة جعلنا منسكا}
روى سفيان عن أبيه عن عكرمة قال مذبحا
وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يقول عيدا
قال أبو إسحاق المنسك موضع الذبح والمنسك المصدر). [معاني القرآن: 4/409]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال تعالى: {وبشر المخبتين}
روى سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال المخبتون المطمئنون بأمر الله جل وعز
وقال عمرو بن أوس المخبتون الذين لا يظلمون وإذا ظلموا لم ينتصروا
قال أبو جعفر وأصل هذا من الخبت وهو ما اطمأن من الأرض). [معاني القرآن: 4/410]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( و{الْمُخْبِتِينَ}: الخاشعين وقيل: الخائفين، وقيل: المطمئنين إلى الله. وقيل: المتواضعين. وقيل: هم الذين لا يظلمون الناس، وإذا ظلموا لم ينتصروا. وقد فسرهم الله عز وجل بعد الآية بقوله: {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ...} إلى قوله: {يُنفِقُونَ} ). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 160]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (35)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم} [الحج: 35] يعني خافت قلوبهم.
{والصّابرين على ما أصابهم والمقيمي الصّلاة} [الحج: 35] المفروضة، الصّلوات الخمس يحافظون على وضوئها، ومواقيتها، وركوعها، وسجودها.
{وممّا رزقناهم ينفقون} [الحج: 35] يعني الزّكاة المفروضة). [تفسير القرآن العظيم: 1/375]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {والمقيمي الصّلاة...}

خفضت (الصلاة) لمّا حذفت النون وهي في قراءة عبد الله (والمقيمين الصلاة) ولو نصبت (الصلاة) وقد حذفت النون كان صواباً.
أنشدني بعضهم:

أسيّد ذو خريّطةٍ نهاراً =من المتلقّطي قرد القمام

(وقرد) وإنما جاز النصب مع حذف النون لأن العرب لا تقول في الواحد إلاّ بالنصب. فيقولون: هو الآخذ حقّه فينصبون الحقّ، لا يقولون إلاّ ذلك والنون مفقودة، فبنوا الاثنين والجميع على الواحد، فنصبوا بحذف النون. والوجه في الاثنين والجمع الخفض؛ لأن نونهما قد تظهر إذا شئت، وتحذف إذا شئت، وهي في الواحد لا تظهر. فذلك نصبوا. ولو خفض في الواحد لجاز ذلك. ولم أسمعه إلا في قولهم: هو الضارب الرجل، فإنهم يخفضون الرجل وينصبونه فمن خفضه شبهّه بمذهب قولهم: مررت بالحسن الوجه فإذا أضافوه إلى مكنّى قالوا: أنت الضاربه وأنتما الضارباه، وأنتم الضاربوه. والهاء في القضاء عليها خفض في الواحد والاثنين والجمع. ولو نويت بها النصب كان وجهاً، وذلك أنّ المكنّى لا يتبيّن فيه الإعراب. فاغتنموا الإضافة لأنها تتّصل بالمخفوض أشدّ ممّا تتصل بالمنصوب، فأخذوا بأقوى الوجهين في الاتّصال.
وكان ينبغي لمن نصب أن يقول: هو الضارب إيّاه، ولم أسمع ذلك). [معاني القرآن: 2/226-225]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: لّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم والصّابرين على ما أصابهم والمقيمي الصّلاة وممّا رزقناهم ينفقون}
{والمقيمي الصّلاة}.
القراءة الخفض وإسقاط التنوين، والخفض على الإضافة، ويجوز: والمقيمين الصّلاة، إلا أنه بخلاف المصحف.
ويجوز أيضا على بعد والمقيمي الصّلاة، على حذف النون ونصب الصلاة لطول الاسم،
وأنشد سيبويه:
الحافظو عورة العشيرة لا= يأتيهم من ورائهم نطف
وزعم أنه شاذّ). [معاني القرآن: 3/427]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( وأصله في اللغة: المكان المطمئن المنخفض). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 160]

تفسير قوله تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {والبدن جعلناها لكم من شعائر اللّه لكم فيها خيرٌ} [الحج: 36] يعني أجرٌ في نحرها والصّدقة منها تتقرّبون بها إلى اللّه.
تفسير السّدّيّ: {لكم فيها} [الحج: 36] يعني في البدن أجرٌ.
نا سفيان، عن منصورٍ، عن إبراهيم قال: {لكم فيها خيرٌ} [الحج: 36] قال: البدنة.
إن احتاج ركب وإن احتاج إلى اللّبن شرب.
[تفسير القرآن العظيم: 1/375]
قوله: فاذكروا اسم اللّه عليها صوافٍ نا سعيدٌ، عن قتادة، عن الحسن قال: مخلصين للّه.
قال يحيى: مقرأها على هذا التّفسير غير مثقّلةٍ صوافٍ.
نا المعلّى، عن عبد الكريم، عن مجاهدٍ قال: معقّلةً قيامًا.
- حدّثنا أشعث، عن عبيد اللّه بن أبي يزيد، عن ابن عبّاسٍ قال: {فاذكروا اسم اللّه عليها صوافّ} [الحج: 36] قال: قائمةً.
حدّثنا المعلّى، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ قال: معقّلةً خالصةً للّه.
- عثمان، عن نافعٍ، عن ابن عمر أنّه كان يجلّلها القباطيّ إذا راح إلى منًى فإذا أراد أن ينحرها استقبل بها القبلة قال بسم اللّه واللّه أكبر، وينزع عنها جلالها لكي لا يختضب بالدّم، ويتصدّق بجلالها، ويلي نحرها بنفسه.
هذا الحديث حديث عثمان عن نافعٍ عن ابن عمر هو بعد حديث عثمان عن عائشة ابنة سعدٍ.
- نا عثمان، عن نافعٍ، عن ابن عمر أنّه كان ينحرها وهي قائمةٌ يصفّ بين أيديها بالقيود.
وكان يتلو هذه الآية: {فاذكروا اسم اللّه عليها صوافّ} [الحج: 36] قال يحيى: هي على هذا التّفسير غير خفيفةٍ: {صوافّ} [الحج: 36]
[تفسير القرآن العظيم: 1/376]
نا سعيدٌ عن قتادة قال: مصفوفةٌ بالحبال، معقولةٌ يدها اليمنى وهي قائمةٌ على ثلاثٍ.
كذلك ينحرها من نحرها في دار المنحر بمنًى.
وهي في قراءة ابن مسعودٍ: صوافن.
قال يحيى: هي مثل قوله: {الصّافنات الجياد} [ص: 31] الفرس إذا صفن رفع إحدى رجليه فقام على طرف الحافر.
- نا أشعث، عن جعفر بن أبي وحشيّة، عن سعيد بن جبيرٍ قال: رأيت ابن عمر ينحر بدنته وقد ثنّى يدها وهي على ثلاثٍ.
وقال سعيد بن جبيرٍ هو قول اللّه: {فاذكروا اسم اللّه عليها صوافّ} [الحج: 36]
نا أشعث عن عمرو بن دينارٍ قال: رأيت عبد اللّه بن الزّبير على برذونٍ أشعر أوجرها الحربة وهي قائمةٌ.
- نا حمّادٌ عن عمرو بن دينارٍ قال: رأيت ابن عمر ينحر البدن وهي باركةٌ ورجلٌ يعينه.
- نا عثمان، عن عائشة ابنة سعد بن مالكٍ أنّ أباها كان ينحر البدن وهي مباركةٌ.
- نا إبراهيم بن محمّدٍ، عن جعفر بن محمّدٍ، عن أبيه، عن جابر بن عبد اللّه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نحر من بدنه بيده ثلاثًا وستّين، ثمّ أعطى عليًّا الحربة فنحر ما بقي.
- نا عثمان، عن نافعٍ، عن ابن عمر أنّه كان يجلّلها القباطيّ إذا راح إلى منًى،
[تفسير القرآن العظيم: 1/377]
فإذا أراد أن ينحرها استقبل بها القبلة ويقول: بسم اللّه واللّه أكبر، وينزع عنها جلالها لكي لا تختضب بالدّم.
وكان يستحبّ أن يلي إشعارها.
وكان إذا فرغ من نحرها تصدّق بجلالها، ويلي نحرها بنفسه.
قوله: {فإذا وجبت جنوبها} [الحج: 36]
نا المعلّى، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ قال: إذا نحرت فسقطت جنوبها على الأرض من قيامٍ أو بروكٍ.
{فكلوا منها وأطعموا} [الحج: 36]
حدّثني أفلح بن حميدٍ، عن القاسم بن محمّدٍ أنّه كان إذا أراد أن ينحرها يصفّ بين يديها وهي قائمةٌ، ويمسك رجلٌ بخطامها ورجلٌ بذنبها، ثمّ يطعنها بالحربة ثمّ يجبذانها حتّى يصرعاها.
وكان يكره أن تعرقب.
قوله: {فكلوا منها وأطعموا القانع والمعترّ} [الحج: 36]
حدّثنا سعيدٌ عن قتادة قال: القانع الفقير المتعفّف القاعد في بيته لا يسأل، والمعترّ الّذي يعتريك يسألك في كفّه.
ولكلٍّ عليك حقٌّ.
نا حمّادٌ، عن حميدٍ الطّويل، عن بكر بن عبد اللّه المزنيّ قال: القانع السّائل، والمعترّ الّذي يتعرّض لك ولا يسألك.
[تفسير القرآن العظيم: 1/378]
نا الحسن بن دينارٍ عن الحسن قال: المعلّى، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ قال: القانع السّائل الّذي يقنع بما أعطي، والمعترّ القاعد في بيته لم يشعر به اعتراه.
وقد فسّرناه في إطعامهما في الآية الأولى في البائس الفقير.
قوله: {كذلك سخّرناها لكم لعلّكم تشكرون} [الحج: 36] الأنعام.
{لعلّكم تشكرون} [الحج: 36] لكي تشكروا). [تفسير القرآن العظيم: 1/379]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {صوافّ...}:

معقولة وهي في قراءة عبد الله (صوافن) وهي القائمات. قرأ الحسن (صوافي) يقول: خوالص لله.
وقوله: {القانع والمعترّ} القانع: الذي يسألك (فما أعطيته من شيء) قبله. والمعترّ: ساكت يتعرّض لك عند الذبيحة، ولا يسألك). [معاني القرآن: 2/226]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فاذكروا اسم الله عليها صوافّ} أي مصطفة وتصف بين أيديها وهو من المضاعف، وبعضهم يجعلها من باب الياء
فيقول صواف يتركون الياء من الكتاب كما يقول: هذا قاض، وواحدتها صافية لله). [مجاز القرآن: 2/50]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فإذا وجبت جنوبها} أي سقطت، ومنها وجوب الشمس إذا سقطت لتغيب،
وقال أوس بن حجر:
ألم تكسف الشمس والبدر والك= واكب للجبل الواجب
أي الواقع: " وأطعموا القانع والمعترّ " مجازه السائل الذي قنع إليكم تقدير فعله: ذهب يذهب ومعناه سأل وخضع ومصدره القنوع،
قال الشماخ:
لمال المرء يصلحه فيغني=مفاقره أعّف من القنوع
أي من الفقر والمسألة والخضوع. والمعتر الذي يعتريك يأتيك لتعطيه تقول: اعترني وعرني واعتريته واعتقيته إذا ألممت به قال حسان:
لعمرك ما المعتّر يأتي بلادنا= لنمنعه بالضايع المتهضّم
وقال لبيد في القنوع:
وإعطائي المولى على حين فقره=إذا قال أبصر خلّتي وقنوعي
وأما القانع في معنى الراضي فإنه من قنعت به قناعة وقناعا وقناعا وقنعا، تقديره علمت، يقال من القنوع: قنع يقنع قنوعاً، والقانع قنع يقنع قناعة وقنعاناً وقنعاً وهو القانع الراضي). [مجاز القرآن: 2/52-51]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {والبدن جعلناها لكم مّن شعائر اللّه لكم فيها خيرٌ فاذكروا اسم اللّه عليها صوافّ فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعترّ كذلك سخّرناها لكم لعلّكم تشكرون}
وقال: {صوافّ} وواحدتها: "الصافّة"). [معاني القرآن: 3/10]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {صواف}: مصطفة والواحدة صافة. وقرأ بعضهم {صوافي} واحدها صافية أي خالصة لله.[غريب القرآن وتفسيره: 261]
{وجبت جنوبها}: أي سقطت. ومنه وجبت الشمس ووجب القلب.
{القانع والمعتر}: {القانع} السائل الخاضع، ويقال قنع الرجل قنوعا إذا فعل ذلك، والقانع الراضي، يقال قنعت قناعة.
{والمعتر} الذي يأتيك فتعطيه). [غريب القرآن وتفسيره: 262]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {صوافّ} أي قد صفّت أيديها. وذلك إذا قرنت أيديها عند الذبح.
{فإذا وجبت جنوبها} أي سقطت. ومنه يقال: وجبت الشمس: إذا غابت.
{القانع} السائل. يقال: قنع يقنع قنوعا، ومن الرّضا قنع يقنع قناعة.
{المعترّ} الذي يعتريك: أي يلمّ بك لتعطيه ولا يسأل. يقال: اعترّني وعرّني، وعراني واعتراني). [تفسير غريب القرآن: 293]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله تعالى: {والبدن جعلناها لكم من شعائر اللّه لكم فيها خير فاذكروا اسم اللّه عليها صوافّ فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعترّ كذلك سخّرناها لكم لعلّكم تشكرون}
النصب أحسن لأن قبله فعلا، المعنى وجعلنا البدن، فنصب بفعل مضمر الذي ظهر يفسره.
وإن شئت رفعت على الاستئناف.
والبدن بتسكين الدال وضمها. بدنة وبدن، وبدن مثل قوله ثمرة وثمر وثمر.
وإنما سميت بدنة لأنها تبدن، أي تسمن.
وقوله: {فاذكروا اسم اللّه عليها صوافّ}.
{صوافّ} منصوبة على الحال، ولكنها لا تنون لأنها لا تنصرف، أي قد صفّت قوائمها، أي فاذكروا اسم الله عليها في حال نحرها.
والبعير ينحر قائما، وهذه الآية تدل على ذلك، وتقرأ صوافن، والصافن الذي يقوم على ثلاث، فالبعير إذا أرادوا نحره تعقل إحدى يديه فهو صافن، والجمع صوافن يا هذا، وقرئت صوافي بالياء وبالفتح بغير تنوين وتفسيره خوالص - أي خالصة لله عزّ وجلّ، لا تشركوا في التسمية على نحرها أحدا.
وقوله: {فإذا وجبت جنوبها}.
أي إذا سقطت إلى الأرض.
{فكلوا منها وأطعموا القانع والمعترّ}.
بتشديد الراء، ويجوز والمعتري بالماء، ويقال: وجب الحائط يجب وجبة إذا سقط، ووجب القلب يجب وجبا ووجيبا إذا تحرك من فزع، ووجب البيع يجب وجوبا وجبة، والمستقبل في ذلك كله يجب.
وقيل في القانع الذي يقنع بما تعطيه، وقيل الذي يقنع باليسير.
وقيل وهو مذهب أهل اللغة السائل، يقال قنع الرجل قنوعا إذا سأل، فهو قانع،
وأنشدوا للشماخ:
لمال المرء يصلحه فيغني=مفاقره أعفّ من القنوع
أي أعفّ من السؤال، وقنع قناعة إذا رضي فهو قنع، والمعتر: الذي يعتريك فيطلب ما عندك، سألك إذ سئلت عن السؤال وكذلك المعتري). [معاني القرآن: 3/429-427]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {والبدن جعلناها لكم من شعائر الله}
وقرأ ابن أبي إسحاق والبدن والمعنى واحد
قال مجاهد قيل لها بدن للبدانة
قال أبو جعفر البدانة السمن يقال بدن إذا سمن وبدن إذا أسن فقيل لها بدن لأنه تسمن). [معاني القرآن: 4/411-410]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {لكم فيها خير}
قال إبراهيم يركب إذا احتاج ويشرب من اللبن
وقيل خير في الآخرة وذا أولى لأنه لو كان للدنيا كان ألا يجعلها بدنة خيرا له). [معاني القرآن: 4/411]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فاذكروا اسم الله عليها صواف}
وقرأ عبد الله بن مسعود صوافن
وقرأ الحسن وزيد بن أسلم والأعرج صوافي
روى نافع عن ابن عمر فاذكروا اسم الله عليها صواف قال قياما مصفوفة
وروى أبو ظبيان عن ابن عباس فاذكروا اسم الله عليها قال بسم الله والله أكبر اللهم منك ولك
قال وصوافن قائمة على ثلاث
قال قتادة معقولة اليد اليمنى
قال الحسن وزيد بن أسلم صوافي أي خالصة لله من الشرك
قال أبو جعفر صواف جمع صافة وصافة مصفوفة ومصطفة بمعنى واحد
وصوافن جمع صافنة يقال للقائم صافن ويستعمل لما قام على ثلاث
وصوافي جمع صاف وهو الخالص أي لا تذكروا عليها غير اسم الله جل وعز حتى تكون التسمية خالصة الله جل وعز). [معاني القرآن: 4/413-411]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {فإذا وجبت جنوبها}
قال مجاهد أي خرت إلى الأرض). [معاني القرآن: 4/413]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر}
قال أبو جعفر أحسن ما قيل في هذا وهو الصحيح في اللغة أن ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن
قالوا القانع الذي يسأل
والمعتر الذي يتعرض ولا يسأل
وقال مالك بن أنس أحسن ما سمعت أن القانع هو الفقير وأن المعتر هو الزائر
وقال أبو جعفر يقال قنع الرجل يقنع قنوعا فهو قانع إذا سأل وأنشد أهل اللغة:
لمال المرء يصلحه فيغني = مفاقرة أعف من القنوع
وروي عن أبي رجاء أنه قرأ وأطعموا القنع
ومعنى هذا مخالف للأول يقال قنع الرجل إذا رضي فهو قنع
وروى عن الحسن أنه قرأ والمعتري معناه كمعنى المعتر يقال اعتره واعتراه وعراه إذا تعرض لما عنده أو طلبه). [معاني القرآن: 4/414-413]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {فإذا وجبت} أي: سقطت بعد النحر). [ياقوتة الصراط: 370]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {القانع} الذي يسأل: وترده اللقمة والتمرة). [ياقوتة الصراط: 370]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {والمعتر}: الذي لا يسأل، فيبدأ بالصدقة). [ياقوتة الصراط: 370]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {صَوَافَّ}: أي قد صفت أيديها، وذلك إذا قرنت أيديها عند النحر.
{وَجَبَتْ جُنُوبُهَا}: أي سقطت، ومنه قيل: وجبت الشمس، إذا غابت.
و{الْقَانِعَ}: السائل، و{الْمُعْتَرَّ}: الذي يلم بك لتعطيه ولا يسأل
وقيل: القانع: الذي يسأل، وفيه اختلاف). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 161]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {صَوَافَّ}: مصطـفّة.
{وَجَبَتْ}: سَقَطت.
{القَانِعَ}: الراضـي.
{المُعْتَرَّ}: الذي يأتيك فتعطيه). [العمدة في غريب القرآن: 213]

تفسير قوله تعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {لن ينال اللّه لحومها ولا دماؤها} [الحج: 37] يقول: لا يصعد إلى اللّه لحومها ولا دماؤها.
وقد كان المشركون يذبحون لآلهتهم ثمّ ينضحون دماءها حول البيت.
قوله: {ولكن يناله التّقوى منكم} [الحج: 37] يصعد إليه التّقوى منكم.
يعني من آمن.
{كذلك سخّرها لكم} [الحج: 37] الأنعام.
{لتكبّروا اللّه على ما هداكم} [الحج: 37].
وقال في الآية الأولى {ليذكروا اسم اللّه على ما رزقهم من بهيمة الأنعام} [الحج: 34] إذا ذبحوا.
فالسّنّة إذا ذبح أو نحر أن يقول: بسم اللّه، واللّه أكبر.
- حدّثنا هشامٌ، عن قتادة، عن أنس بن مالكٍ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يضحّي بكبشين أملحين، أقرنين، يذبحهما بيده، ويطأ على صفحتيهما، ويسمّي ويكبّر.
سعيدٌ، عن قتادة أنّ الحسن كان إذا ذبح الأضحية قال: بسم اللّه واللّه أكبر اللّهمّ منك ولك.
- الخليل بن مرّة، عن أبان بن أبي عيّاشٍ، عن أنس بن مالكٍ قال: أهدي للنّبيّ عليه السّلام كبشان أملحان، أقرنان فضحّى بهما، فذبحهما بيده، فوضع رجله
[تفسير القرآن العظيم: 1/379]
اليمنى على كتف الكبش اليمنى ثمّ قال: «بسم اللّه واللّه أكبر، اللّهمّ منك ولك عنّي وعن أمّتي».
قوله: {وبشّر المحسنين} [الحج: 37] بالجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 1/380]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {لن ينال اللّه لحومها...}

اجتمعوا على الياء. ولو قيل (تنال) كان صواباً. ومعنى ذلك أن أهل الجاهلية كانوا إذا نحروها نضحوا الدماء حول البيت. فلمّا حجّ المسلمون أرادوا مثل ذلك
فأنزل الله عز وجل: {لن ينال اللّه لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التّقوى منكم}: الإخلاص إليه). [معاني القرآن: 2/227]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {لن ينال اللّه لحومها ولا دماؤها} كانوا في الجاهلية: إذا نحروا البدن نضحوا دماءها حول الكعبة، فأراد المسلمون أن يصنعوا ذلك، فأنزل اللّه تبارك وتعالى: {لن ينال اللّه لحومها ولا دماؤها} ). [تفسير غريب القرآن: 293]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {لن ينال اللّه لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التّقوى منكم كذلك سخّرها لكم لتكبّروا اللّه على ما هداكم وبشّر المحسنين}
وقرئت: {لن تنال اللّه لحومها} بالتاء، فمن قرأ بالياء فلجمع اللحوم.
ومن قرأ بالتاء فلجماعة اللحوم - وكانوا إذا ذبحوا لطخوا البيت بالدم، فأعلم اللّه - عزّ وجلّ - أنّ الّذي يصل إليه تقواه وطاعته فيما يأمر به.
{ولكن يناله التقوى منكم}.
وتناله - التقوى منكم - بالياء والتاء - فمن أنث فللفظ التقوى، ومن ذكر
فلأن معنى التقوى والتقى واحد). [معاني القرآن: 3/429]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {لن ينال الله لحومها ولا دماؤها}
يروى عن ابن عباس أنهم كانوا في الجاهلية ينضحون بدماء البدن ما حول البيت فأراد المسلمون أن يفعلوا ذلك فأنزل الله جل وعز هذه الآية
قال إبراهيم في قوله: {ولكن يناله التقوى منكم} قال التقوى ما أريد به وجه الله عز وجل). [معاني القرآن: 4/414-415]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا}: كان المشركون ينضحون الدم حول الكعبة دم البدن، فنهي المسلمون عن ذلك).
[تفسير المشكل من غريب القرآن: 161]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {إنّ اللّه يدافع عن الّذين آمنوا} [الحج: 38] تفسير الحسن يدافع عنهم فيعصمهم من الشّيطان في دينهم.
سعيدٌ عن قتادة قال: واللّه ما ضيّع اللّه رجلًا بشيءٍ حفظ له دينه.
قوله: {إنّ اللّه لا يحبّ كلّ خوّانٍ كفورٍ} [الحج: 38]
أبو الأشهب عن الحسن في قوله: {إنّا عرضنا الأمانة على السّموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنّه كان ظلومًا جهولا {72} ليعذّب اللّه المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات} [الأحزاب: 72-73] قال: هما اللّذان ظلماها، هما اللّذان خاناها: المنافق والمشرك). [تفسير القرآن العظيم: 1/380]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {إنّ اللّه يدافع...}

و(يدفع) وأكثر القراء على (يدافع) وبه أقرأ. وقرأ أبو عبد الرحمن السّلمي (يدافع)، (ولولا دفاع الله) وكلّ صواب). [معاني القرآن: 2/227]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إنّ اللّه يدافع عن الّذين آمنوا إنّ اللّه لا يحبّ كلّ خوّان كفور}
ويدفع عن الذين آمنوا.
هذا يدل على النصر من عنده، أي فإذا دفعتم، أي فإذا فعلتم هذا، وخالفتم الجاهلية فيما تفعلونه في نحرهم.
وإشراكهم بالله، فإنّ اللّه يدفع عن حزبه.
وقوله: {كلّ خوّان كفور}.
(خوّان) فعّال من الخيانة، أي من ذكر اسم غير الله وتقرّب إلى الأصنام بذبيحته فهو خوّان كفور.
والبدن قيل إنها الإبل خاصّة، وقيل إنها الإبل والبقر، ولا أعلم أحدا قال: إن الشاء داخلة فيها، فأمّا من قال إنها الإبل والبقر فهم أكبر فقهاء الأمصار، ولكن الاستعمال في السّياقة إلى البيت الإبل فلذلك قال من قال إنها - الإبل). [معاني القرآن: 3/429]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {إن الله يدافع عن الذين آمنوا}
وعدهم جل وعز النصر ثم أخبرهم أنه لا يحب من ذكر غير اسمه على الذبيحة فقال إن الله لا يحب كل خوان كفور
و{خوان} فعال من الخيانة). [معاني القرآن: 4/415]

تفسير قوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {أذن للّذين يقاتلون بأنّهم ظلموا} [الحج: 39] وهي قراءة أبيّ بن كعبٍ: أذن للّذين يقاتلون في سبيل اللّه بأنّهم ظلموا، ظلمهم المشركون وأخرجوهم من ديارهم، يعني من مكّة في تفسير مجاهدٍ.
خرجوا من مكّة إلى المدينة مهاجرين وكانوا يمنعون من الخروج إلى المدينة، فأدركهم المشركون فأذن للمؤمنين بقتالهم فقاتلوهم.
قال يحيى: وكان من كان يومئذٍ بمكّة من المسلمين قد وضع اللّه عنهم القتال فهو قوله: {أذن للّذين يقاتلون بأنّهم ظلموا} [الحج: 39].
وهذا تفسير قتادة.
قال قتادة: أذن لهم بالقتال بعد ما أخرجهم المشركون وشرّدوا حتّى لحق طوائف منهم بالحبشة). [تفسير القرآن العظيم: 1/380]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله:
{أذن للّذين يقاتلون...}

{يقاتلون} ومعناه: أذن الله للذين يقاتلون أن يقاتلوا هذا إذ أنزلت {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} وقرئت {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا} والمعنى إذن لهم أن يقاتلوا وكلٌّ صواب). [معاني القرآن: 2/227]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {أذن للّذين يقاتلون بأنّهم ظلموا وإنّ اللّه على نصرهم لقدير}
ويقرأ (أذن للّذين يقاتلون)، ويقرأ (أذن للّذين يقاتلون) ويقاتلون.
والمعنى أذن للذين يقاتلون أن يقاتلوا.
ويروى أنّها أول آية نزلت في القتال.
{بأنّهم ظلموا} أي أذن لهم أن يقاتلوا بسبب ما ظلموا
وقوله: {وإنّ اللّه على نصرهم لقدير}.
وعدهم الله النصر، ولا يجوز أن يقرأ و " أنّ " اللّه - بفتح أنّ، ولا بين أهل اللغة خلاف في أن هذا لا يجوز لأن " أنّ " إذا كانت معها اللام لم تفتح أبدا). [معاني القرآن: 3/430]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا}
في الكلام حذف والمعنى أذن للذين يقاتلون أن يقاتلوا
وروى الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير أنه قرأ أذن بفتح الهمزة يقاتلون بكسر التاء وقال هي أول آية نزلت في القتال لما أخرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة).
[معاني القرآن: 4/416]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {الّذين أخرجوا من ديارهم بغير حقٍّ إلا أن يقولوا ربّنا اللّه} [الحج: 40] قال قتادة: لمّا قال المسلمون: لا إله إلا اللّه، أنكرها المشركون وضاقها إبليس وجنوده.
وقال الحسن: ما سفكوا لهم من دمٍ، ولا أخذوا لهم من مالٍ، ولا قطعوا لهم من رحمٍ وإنّما أخرجوهم لأنّهم قالوا: ربّنا اللّه كقوله: {وما نقموا منهم إلا أن
[تفسير القرآن العظيم: 1/380]
يؤمنوا باللّه العزيز الحميد} [البروج: 8] قوله: {ولولا دفع اللّه النّاس بعضهم ببعضٍ} [الحج: 40] يدفع عن المؤمنين بدينهم ويدفع عن الكافرين بالمؤمنين.
وقال قتادة: يبتلى المؤمن بالكافر، ويعافى الكافر بالمؤمن.
قال: {لهدّمت صوامع} [الحج: 40] قال مجاهدٌ: صوامع للرّهبان.
وقال قتادة: الصّوامع للصّابئين.
{وبيعٌ} [الحج: 40] للنّصارى، يعني كنائس النّصارى.
{وصلواتٌ} [الحج: 40] الصّلوات لليهود يعني كنائسهم.
{ومساجد} [الحج: 40] فيها مساجد المسلمين.
قوله: {يذكر فيها اسم اللّه كثيرًا} [الحج: 40] يعني المساجد.
قوله: {ولينصرنّ اللّه من ينصره} [الحج: 40] يعني من ينصر دينه.
النّصر في الدّنيا والحجّة في الآخرة.
{إنّ اللّه لقويٌّ عزيزٌ} [الحج: 40] في نقمته). [تفسير القرآن العظيم: 1/381]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {الّذين أخرجوا من ديارهم بغير حقٍّ...}

يقول لم يخرجوا إلاّ بقولهم: لا إله إلا الله. فإن شئت جعلت قوله: {لاّ أن يقولوا ربّنا اللّه} في موضع خفضٍ تردّه على الباء في (بغير حقٍّ) وإن شئت جعلت (أن) مستثناةً؛ كما قال {إلاّ ابتغاء وجه ربّه الأعلى}.
وقوله: {لّهدّمت صوامع وبيعٌ} وهي مصلّى النصارى والصوامع للرهبان وأما الصلوات فهي كنائس اليهود والمساجد (مساجد الإسلام) ومعنى التهديم أن الله قال قبل ذلك {ولولا دفع اللّه النّاس بعضهم ببعضٍ} يدفع بأمره وأتباعه عن دين كل نبيّ؛ إلى أن بعث الله محمّد صلى الله عليه وسلم). [معاني القرآن: 2/227]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {الّذين أخرجوا من ديارهم بغير حقّ إلاّ أن يقولوا ربّنا الله} مجازه مجاز المختصر الذي فيه ضمير كقولك:
إلا أنهم يقولون الحق). [مجاز القرآن: 2/52]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لهدّمت صوامع وبيعٌ وصلواتٌ} مجازها مصليات). [مجاز القرآن: 2/52]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {الّذين أخرجوا من ديارهم بغير حقٍّ إلاّ أن يقولوا ربّنا اللّه ولولا دفع اللّه النّاس بعضهم ببعضٍ لّهدّمت صوامع وبيعٌ وصلواتٌ ومساجد يذكر فيها اسم اللّه كثيراً ولينصرنّ اللّه من ينصره إنّ اللّه لقويٌّ عزيزٌ}
وقال: {لّهدّمت صوامع وبيعٌ وصلواتٌ ومساجد} فالصّلوات لا تهدم ولكن حمله على فعل آخر كأنه قال "وتركت صلواتٌ" وقال بعضهم: "إنّما يعني مواضع الصلوات" وقال رجل من رواة الحسن {صلوتٌ} وقال: "هي كنائس اليهود تدعى بالعبرانية "صلوثا" فهذا معنى الصلوات فيما فسروا".
وقال: {ولولا دفع اللّه النّاس بعضهم ببعضٍ} لأنّ {بعضهم} بدل من {الناس} ). [معاني القرآن: 3/10]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد}: قالوا الصلوات في هذا الموضع مصلى الراهب). [غريب القرآن وتفسيره: 262]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {لهدّمت صوامع} للصّابئين.
{وبيعٌ} للنّصاري.
{وصلواتٌ} يريد بيوت صلوات، يعني كنائس اليهود.
{ومساجد} للمسلمين. هذا قول قتادة وقال: الأديان ستة: خمسة للشيطان، وواحد للرحمن، فالصابئون: قوم يعبدون الملائكة، ويصلون للقبلة ويقرأون الزّبور. والمجوس: يعبدون الشمس والقمر، والذين أشركوا: يعبدون الأوثان. واليهود، والنصارى). [تفسير غريب القرآن: 294-293]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقوله سبحانه: {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ} فالصلوات لا تهدّم، وإنما أراد بيوت الصلوات.
قال المفسرون: الصوامع للصّابئين، والبيع للنّصارى، والصلوات: كنائس اليهود، والمساجد للمسلمين). [تأويل مشكل القرآن: 210]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {الّذين أخرجوا من ديارهم بغير حقّ إلّا أن يقولوا ربّنا اللّه ولولا دفع اللّه النّاس بعضهم ببعض لهدّمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم اللّه كثيرا ولينصرنّ اللّه من ينصره إنّ اللّه لقويّ عزيز }
(الذين) في موضع جر، المعنى " أذن للذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا اللّه "
" أن " في موضع جر، المعنى أخرجوا بلا حقّ، إلّا بقولهم ربّنا اللّه أي لم يخرجوا إلا بأن وحدوا اللّه، فأخرجتهم عبدة الأوثان لتوحيدهم.
وقوله.: {ولولا دفع اللّه النّاس بعضهم ببعض لهدّمت صوامع}.
المعنى: ولولا أن دفع اللّه بعض الناس ببعض لهدّمت صوامع.
وتقرأ (لهدمت) وهي صوامع الرهبان.
{وبيع وصلوات ومساجد}.
والبيع بيع النصارى، والصّلوات كنائس اليهود، وهي بالعبرانية صلوتا،
وقرئت صلاة ومساجد، وقيل إنها موضع صلوات الصّابئين.
وتأويل هذا: لولا أن الله - عزّ وجل - دفع بعض الناس ببعض لهدّم في شريعة كلّ نبيّ المكان الّذي كان يصلّي فيه، فكان لولا الدفع لهدم في زمن موسى عليه السلام الكنائس التي كان يصلي فيها في شريعته، وفي زمن عيسى الصوامع والبيع، وفي زمن محمد - صلى الله عليه وسلم - المساجد.
وقوله.: {ولينصرنّ اللّه من ينصره} أي من أقام شريعة من شرائعه، نصر على إقامة ذلك، إلا أنّه لا يقام في شريعة نبيّ إلّا ما أتي به ذلك النبي وينتهى عما نهى عنه).
[معاني القرآن: 3/431-430]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق}
روى علي بن الحكم عن الضحاك قال هو النبي صلى الله عليه وسلم ومن خرج معه من مكة
ثم قال جل وعز: {إلا أن يقولوا ربنا الله}
هذا عند سيبويه استثناء ليس من الأول
وقال غيره المعنى إلا بأن يقولوا ربنا الله على البدل). [معاني القرآن: 4/417-416]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا}
حدثنا سعيد بن موسى بـ «قرقيسياء» قال حدثنا مخلد بن مالك عن محمد بن سلمة عن خصيف قال
أما الصوامع فصوامع الرهبان
وأما البيع فكنائس النصارى
وأما الصلوات فكنائس اليهود
وأما المساجد فمساجد المسلمين
قال أبو جعفر والمعنى على هذا لولا أن الله جل وعز يدفع بعض الناس ببعض لهدم في وقت كل نبي المصليات التي يصلي فيها
وقيل يذكر فيها اسم الله كثيرا راجع إلى المساجد خاصة هذا قول قتادة
فأما قوله: {وصلوات} والصلوات لا تهدم ففيه ثلاثة أقوال :
قال الحسن هدمها تركها
قال الأخفش هو على إضمار أي وتركت صلوات
وقال أبو حاتم هو إن شاء الله بمعنى موضع صلوات
وروي عن عاصم الجحدري أنه قرأ وصلوب بالباء المعجمة من تحت
وروي عنه أنه قرأ وصلوت بضم الصاد والتاء معجمة بنقطتين وقال هي للنصارى
وروي عن الضحاك أنه قرأ وصلوث بالثأء معجمة ولا أدري أفتح الصاد أم ضمها
إلا أن الحسن قال وصلوات هم كنائس اليهود وهي بالعبرانية صلوثا). [معاني القرآن: 4/419-417]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {صَوَامِعُ}: للصابئين. {وبِيَعٌ}: للنصارى، {وصَلَوَاتٌ}: أي: بيوت صلوات
يعني كنائس اليهود، {ومَسَاجِدُ}: للمسلمين). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 161]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {صَلَـوَات}: مصلى الراهب). [العمدة في غريب القرآن: 213]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {الّذين إن مكّنّاهم في الأرض} [الحج: 41] يعني أصحاب النّبيّ.
{أقاموا الصّلاة وآتوا الزّكاة وأمروا بالمعروف} [الحج: 41] بعبادة اللّه.
{ونهوا عن المنكر} [الحج: 41] عن عبادة الأوثان.
{وللّه عاقبة الأمور} [الحج: 41] إليه تصير الأمور كقوله: {إنّا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون} [مريم: 40] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/381]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ):
(وكقوله: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ} أي: مكنّا لهم.

والعرب تقول: عددتك مائة، أي عددت لك، وأستغفر الله ذنبي.
قال الشاعر:
أستغفر الله ذنباً لستُ محصيَهُ = ربَّ العبادِ إليهِ الوجهُ والعملُ
وشبعت خبزا ولحما، وشربت ورويت ماء ولبنا وتعرّضت معروفك، ونزلتك ونأيتك، وبتّ القوم، وغاليت السلعة، وثويت البصرة وسرقتك مالا، وسعيت القوم، واستجبتك.
قال الشاعر:
وداعٍ دعا يا من يجيب إلى النَّدى = فلم يستجبْهُ عند ذاكَ مجيبُ
وقوله جل وعزّ: {إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا}. أي: مسؤولا عنه.
قال أبو عبيدة: يقال: (لتسألنّ عهدي) أي عن عهدي). [تأويل مشكل القرآن: 229-230]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {الّذين إن مكّنّاهم في الأرض أقاموا الصّلاة وآتوا الزّكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وللّه عاقبة الأمور}
(الذين) في موضع نصب على تفسير من، المعنى ولينصرن اللّه من ينصره ثم بين صفة ناصريه فقال:
{الّذين إن مكّنّاهم في الأرض أقاموا الصّلاة وآتوا الزّكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر}.
فصفة حزب اللّه الذين يوحدونه، إقامة الصلاة، وإيتاء الزّكاة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وهما واجبان كوجوب الصلاة والزكاة أعني الأمر بالمعروف والّنهي عن المنكر).
[معاني القرآن: 3/431]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة}
قال الحسن هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم
وقال ابن أبي نجيح هم الولاة
قال أبو جعفر الذين بدل من من والمعنى ولينصرن الله الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة). [معاني القرآن: 4/420-419]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ (42)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {كذّبت قبلهم قوم نوحٍ وعادٌ} قوم، يذكّر ويؤنّث).[مجاز القرآن: 2/52]

تفسير قوله تعالى: {وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (43)}

تفسير قوله تعالى: {وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (44)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وإن يكذّبوك فقد كذّبت قبلهم قوم نوحٍ وعادٌ وثمود {42} وقوم إبراهيم وقوم لوطٍ {43} وأصحاب مدين} [الحج: 42-44] يعني الّذين بعث اللّه إليهم شعيبًا.
قال: {وكذّب موسى} [الحج: 44] كذّبه فرعون.
[تفسير القرآن العظيم: 1/381]
{فأمليت للكافرين} [الحج: 44] يعني جميع هؤلاء ثمّ لم أهلكهم عند تكذيبهم رسلهم حتّى جاء الوقت الّذي أردت أن أهلكهم فيه.
{ثمّ أخذتهم} [الحج: 44] بالعذاب حين جاء الوقت.
{فكيف كان نكير} [الحج: 44] يعني عقابي، أي كان شديدًا.
يحذّر بذلك المشركين). [تفسير القرآن العظيم: 1/382]

تفسير قوله تعالى: (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {فكأيّن من قريةٍ} [الحج: 45] يعني كم من قريةٍ.
{أهلكناها} [الحج: 45] يعني أهلكها.
{فهي خاويةٌ} [الحج: 45] فالقرية خاويةٌ.
قال قتادة: ليس فيها أحدٌ، قد هلك أهلها.
{على عروشها} [الحج: 45] يعني على بنيانها.
وبعضهم يقول: العروش السّقوف، فصار أعلاها أسفلها.
{وبئرٍ معطّلةٍ} [الحج: 45] قد باد أهلها فعطّلت.
{وقصرٍ مشيدٍ} [الحج: 45] مبنًى معطّلٌ.
وقال الكلبيّ: المشيّد الحصين). [تفسير القرآن العظيم: 1/382]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {فهي خاويةٌ على عروشها وبئرٍ مّعطّلةٍ وقصرٍ مّشيدٍ...}

البئر والقصر يخفضان على العطف على العروش وإذا نظرت في معناها وجدتها ليست تحسن فيها (على) لأن العروش أعالي البيوت، والبئر في الأرض وكذلك القصر، لأن القرية لم تخو على القصر. ولكنه أتبع بعضه بعضاً، كما قال {وحورٍ عينٍ كأمثال اللؤلؤ} ولو خفضت البئر والقصر - إذا نويت أنهما ليسا من القرية - بمن كأنك قلت: كم من قرية أهلكت، وكم من بئر ومن قصرٍ. والأول أحبّ إليّ). [معاني القرآن: 2/228]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فكأيّن من قريةٍ} الياء من فكأيّن مثقلة وهي قراءة الستة ويخففها آخرون
قال ذو الرمة:
وكائن تخطّت ناقتي من مفازة=وهلباجةٍ لا يطلع الهمّ رامك
أي يطلب ومعناها وكم من قرية). [مجاز القرآن: 2/53-52]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وقصر مشيدٍ} مجازه مجاز مفعول من " شدت نشيد " أي زينته بالشيد وهو الجص والجيار والملاط الجيار الصاروج وهو الكلس وقال عدي بن زيد العبادي:
شاده مرمراً وجلّله كلسا فللطير في ذراه وكور
وهو الكلس وقال:
كحيّة الماء بين الطّيّ والشّيد). [مجاز القرآن: 2/53]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {فكأيّن مّن قريةٍ أهلكناها وهي ظالمةٌ فهي خاويةٌ على عروشها وبئرٍ مّعطّلةٍ وقصرٍ مّشيدٍ}
وقال: {وبئرٍ مّعطّلةٍ وقصرٍ مّشيدٍ} حمله على {كأيّن} والمشيد هو المفعول من "شدته" فـ"أنا أشيده" مثل "عنته" فـ"أنا أعينه" فـ"هو معين"). [معاني القرآن: 3/10]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({قصر مشيد}: مزين، والشيد الجص). [غريب القرآن وتفسيره: 262]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وقصرٍ مشيدٍ} يقال: هو المبني بالشّيد. وهو الجصّ.
والمشيد: المطوّل. ويقال: المشيد المشيّد سواء في معنى المطول، وقال عدي بن زيد:
شاده مرمرا وجلّله كلـ =ـسا فللطير في ذراه وكور).
[تفسير غريب القرآن: 294]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (... وليس جهلُهم بما في هذه الآية من لطيف المعنى بأعجب من هذا جهلهم بمعنى قوله: {وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ} حتى أبدأوا في التعجّب منه وأعادوا، حتى ضربه بعض المجّان لبارد شعره مثلا.
وهل شيء أبلغ في العبرة والعظة من هذه الآية؟ لأنه أراد: أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها، أو آذان يسمعون بها، فينظروا إلى آثار قوم أهلكهم الله بالعتوّ، وأبادهم بالمعصية، فيروا من تلك الآثار بيوتا خاوية قد سقطت على عروشها، وبئراً كانت لشرب أهلها قد عطّل رشاؤها، وغار معينُها، وقصراً بناه ملكه بالشِّيدِ قد خلا من السَّكَنِ، وتداعى بالخراب، فيتَّعِظوا بذلك، ويخافوا من عقوبةِ الله وبأسه، مثل الذي نزل بهم.
ونحوه قوله: {فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ}
ولم يزل الصالحون يعتبرون بمثل هذا، ويذكرونه في خطبهم ومقاماتهم: فكان سليمان صلّى الله عليه وآله وسلّم، إذا مرَّ بخرابٍ قال: يا خَرِبَ الخَرِبين أين أهلُكَ الأوّلون؟.
وقال: أبو بكر رضي الله عنه، في بعض خُطَبهِ: أين بانو المدائنِ ومحصّنوها بالحوائط؟ أين مشيّدو القصورِ، وعامروها؟! أين جاعلو العَجَبَ فيها لمن بعدهم؟! تلك منازلهم خالية، وهذه منازلهم في القبور خاوية، هل تحسّ منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا؟.
وهذا الأسود بن يعفر يقول:

ماذا أؤمّل بعد آل محرّق = تركوا منازلهم وبعد إياد
أهل الخورنق والسّدير وبارق = والقصر ذي الشّرفات من سنداد
نزلوا بأنقرة يسيل عليهم = ماء الفرات يجيء من أطواد
أرض تخيّرها لطيب مقيظها = كعب بن مامة وابن أم دؤاد
جرت الرياح على محلّ ديارهم = فكأنهم كانوا على ميعاد
فأرَى النعيم وكلَّ ما يُلهى به = يوماً يصير إلى بِلَىً ونفادِ
وهذه الشّعراء تبكي الديار، وتصف الآثار، وإنما تسمعهم يذكرون دمنا وأوتادا، وأثافيّ ورمادا، فكيف لم يعجبوا من تذكّرهم أهل الديار بمثل هذه الآثار، وعجبوا من ذكر الله، سبحانه أحسن ما يذكر منها وأولاه بالصّفة، وأبلغه في الموعظة؟ ). [تأويل مشكل القرآن:10- 11]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {فكأيّن من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطّلة وقصر مشيد}
ويقرأ أهلكتها، المعنى فكيف كان نكير أي ثم أخذتهم فأبلغت أبلغ الإنكار.
فأهلكت قرى كثيرة، لأن معنى {فكأيّن من قرية} معنى فكم من قرية، ومعنى كم من قرية عدد كثير من القرى.
ويجوز كائن بتشديد الياء، ويجوز كائن من قرية، وهو عند البصريين في معنى العدد الكبير، نقول: وكائن من رجل جاءني معناه العدد الكثير من الرجال.
{فهي خاوية على عروشها}
والعروش السقوف، فالمعنى أنها قد خربت وخلت فصارت على سقوفها كما قال في موضع آخر: {فجعلنا عاليها سافلها}، يقال خوت الدار والمدينة خواء، ممدود، فهي خاوية، وخويت المرأة وخوي الإنسان إذا خلا من الطعام خوى، مقصور فهو خو.
وقوله: {وبئر معطّلة وقصر مشيد}.
أكثر ما جاء في مشيد من التفسير مجصّص، والشيد الجصّ والكلس أيضا شيد، وقيل مشيد محصّن مرتفع، والمشيد إذا قيل مجصّص فهو مرتفع في قدره وإن لم يرتفع في سمكه، وأصل الشيد الجصّ والنورة، وكل ما بني بهما أو بأحدهما فهو مشيد). [معاني القرآن: 3/432-431]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فكأين قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها }
قال أهل التفسير المعنى فكم وهي عند النحويين أي دخلت عليها كاف التشبيه فصار التقدير كالعدد الكثير والمعنى معنى كم
وقوله جل وعز: {فهي خاوية على عروشها}
وروي معمر عن قتادة قال خالية ليس فيها أحد
قال أبو جعفر يقال خوت الدار تخوي خواء إذا خلت وخوى الرجل يخوي خوى إذا جاع والعروش السقوف). [معاني القرآن: 4/420]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {وبئر معطلة }
قال الضحاك أي لا أهل لها
وقصر مشيد قال عكرمة أي مجصص
قال ابن أبي نجيح أي بالقصة وهي الجص
وروي علي بن الحكم عن الضحاك وقصر مشيد قال طويل
والقول الأول أولى لأنه يقال شاده يشيده إذا بناه بالشيد وهو الجص كما قال عدي بن زيد:
شاده مرمرا وجلله كلسا = فللطين في ذاره وكور
فأما إذا طوله ورفعه فإنما يقال فيه شيده وأشاده ومنه أشاد فلان بذكر فلان). [معاني القرآن: 4/420-422]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وقَصْرٍ مَّشِيدٍ}: المبني بالشيد وهو الجص، والمشيد: المطول). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 161]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مَشِيـد}: مجصّـص). [العمدة في غريب القرآن: 214]

تفسير قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {أفلم يسيروا في الأرض} [الحج: 46] يعني المشركين.
{فتكون لهم قلوبٌ يعقلون بها} [الحج: 46] أي لو ساروا فتفكّروا ما نزل بإخوانهم من الكفّار فيتوبون لو كانت {لهم قلوبٌ يعقلون بها أو آذانٌ يسمعون بها} [الحج: 46] قال: {فإنّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب الّتي في الصّدور} [الحج: 46] إنّما أتوا من قبل قلوبهم، ولو أنّ رجلًا كان أعمى بعد أن يكون مؤمنًا لم يضرّه شيئًا وكان قلبه بصيرًا.
وقال قتادة: إنّما هذه الأبصار الّتي الرّءوس جعلها اللّه منفعةً وبلغةً، وأمّا البصر النّافع فهو في القلب.
قال: وذكر لنا أنّها نزلت في عبد اللّه بن زيدٍ.
حمّادٌ، عن أبي بكرٍ، عن مجاهدٍ قال: لكلّ عينٍ، يعني لكلّ نفسٍ أربع أعينٍ:
[تفسير القرآن العظيم: 1/382]
عينان في رأسه لدنياه وعينان في قلبه لآخرته، فإن عميت عينا رأسه وأبصرت عينا قلبه لم يضرّه عماه شيئًا، وإن أبصرت عينا رأسه وعميت عينا قلبه لم ينفعه شيئًا.
قال اللّه: {فإنّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب الّتي في الصّدور} [الحج: 46] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/383]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {فإنّها لا تعمى الأبصار...}

الهاء (هاء عماد) توفّى (بها) إنّ. يجوز مكانها (إنّه) وكذلك هي قراءة عبد الله {فإنه لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصّدور} والقلب لا يكون إلا في الصدر، وهو توكيد ممّا تزيده العرب على المعنى المعلوم؛ كما قيل {فصيام ثلاثة أيّامٍ في الحجّ وسبعةٍ إذا رجعتم تلك عشرةٌ كاملةٌ} والثلاثة والسّبعة معلوم أنهما عشرة. ومثل ذلك نظرة إليك بعيني. ومثله قول الله {يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم} وفي قراءة عبد الله (إنّ هذا أخي له تسعٌ وتسعٌ وتسعون نعجةً ولي نعجةٌ أٌنثى) فهذا أيضاً من التوكيد وإن قال قائل.
{كيف انصرف من العذاب} إلى أن قال: {وإنّ يوماً عند ربّك} فالجواب في ذلك أنهم استعجلوا العذاب في الدنيا فأنزل الله على نبيّه {ولن يخلف الله وعده} أي في أن ينزل بهم العذاب في الدنيا. فقوله: {وإنّ يوماً عند ربّك} من عذابهم أيضاً. فهو متّفق: أنهم يعذّبون في الدنيا والآخرة أشدّ). [معاني القرآن: 2/229-228]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقوله: {وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}. كما تقول: نفسي التي بين جنبيّ). [تأويل مشكل القرآن: 243]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب الّتي في الصّدور}
{ولكن تعمى القلوب الّتي في الصّدور}.
القلب لا يكون إلا في الصدر - ولكن جرى على التوكيد كما قال عز وجل {يقولون بأفواههم}، وكما قال: {ولا طائر يطير بجناحيه}.
وكما قرأ بعضهم: {له تسع وتسعون نعجة}.
فالتوكيد جار في الكلام مبالغ في الإفهام). [معاني القرآن: 3/432]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور}
وفي قراءة عبد الله {فإنه لا تعمى} والمعنى واحد
قال أبو جعفر التذكير على الخبر والتأنيث على القصة
قال قتادة البصر الناظر جعل بلغة ومنفعة، والبصر النافع في القلب). [معاني القرآن: 4/422]

تفسير قوله تعالى: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ويستعجلونك بالعذاب} [الحج: 47] وذلك منهم استهزاءٌ وتكذيبٌ بأنّه لا يكون.
{ولن يخلف اللّه وعده} [الحج: 47] تفسير الحسن يعني: هلاكهم بالسّاعة قبل عذاب الآخرة.
{وإنّ يومًا عند ربّك كألف سنةٍ ممّا تعدّون} [الحج: 47] يومٌ من أيّام الآخرة كألف سنةٍ من أيّام الدّنيا). [تفسير القرآن العظيم: 1/383]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وإنّ يوماً عند ربّك كألف سنةٍ مّمّا تعدّون...}.

ويقال يوم من أيّام عذابهم في الآخرة كألف سنة ممّا تعدون في الدنيا). [معاني القرآن: 2/229]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف اللّه وعده وإنّ يوماً عند ربّك كألف سنةٍ مّمّا تعدّون} [معاني القرآن: 3/10]
وقال: {وإنّ يوماً عند ربّك كألف سنةٍ مّمّا تعدّون} يقول: "هو في الثقل ومما يخاف منه كألف سنة"). [معاني القرآن: 3/11]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف اللّه وعده وإنّ يوما عند ربّك كألف سنة ممّا تعدّون}
قيل إن يوما من أيام عذابهم كألف سنة، ويدل على ذلك الحديث الذي يروى أن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم.
وجاء في حديث آخر تفسير هذا القول بخمسمائة عام.
فهذا يدل على أنّ اليوم من أيام القيامة ألف سنة، والذي تدل عليه الآية - واللّه أعلم - أنهم استعجلوا فأعلم اللّه عز وجلّ أنه لا يفوته شيء وأن يوما عنده وألف سنة في قدرته واحد، وأن الاستعجال في ميعادهم لا فرق فيه بين وقوع ما يستعجلون به من العذاب وتأخره في القدرة إلّا أنّ اللّه - جل ثناؤه - تفضل بالإمهال، وغفر بالتوبة، فالتأخير الفرق بينه وبين التقديم تفضل الله عزّ وجل بالنظرة). [معاني القرآن: 3/433]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (ثم أعلم - عزّ وجل - أنّه قد أخذ قوما بعد الإملاء والتأخير عقوبة منه ليزدادوا إثما فقال بعد قوله: {ويستعجلونك بالعذاب}، وبعد تمام الآية {وكأيّن من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثمّ أخذتها وإليّ المصير}.
المعنى ثم أخذتها بالعذاب، واستغني عن ذكر العذاب لتقدم ذكره في قوله: {ويستعجلونك بالعذاب} ). [معاني القرآن: 3/433]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون}
روى إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال يوم من الأيام التي خلق الله فيها السموات والأرض كألف سنة مما تعدون
وروى شعبة عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال يوم من أيام الآخرة كألف سنة مما تعدون
قال ويوم كان مقداره خمسين ألف سنة يوم القيامة
قال أبو جعفر والقول الثاني حسن جدا لأنه عليه يتصل بالكلام الأول لأنهم استعجلوا بالعذاب فقال ولن يخلف الله وعده أي في عذابهم وإن يوما من أيام عذابهم في الآخرة كألف سنة مما تعدون في الدنيا فصار المعنى إن الله لن يخلف وعده في عذابهم في الدنيا وعذابهم في الآخرة أشد
قال أبو جعفر وفي معناه قول آخر بين وهو أنهم استعجلوا بالعذاب فأعلمهم الله جل وعز أنه لا يفوته شيء وإن يوما عنده وألف سنة واحد إذ كان ذلك غير فائته).
[معاني القرآن:4/ 424-422]

تفسير قوله تعالى: {وكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (48)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وكأيّن من قريةٍ أمليت لها} [الحج: 48] إلى الوقت الّذي أخذتها فيه.
{وهي ظالمةٌ} [الحج: 48] مشركةٌ يعني أهلها.
{ثمّ أخذتها} [الحج: 48] يعني بالعذاب.
{وإليّ المصير} [الحج: 48] في الآخرة). [تفسير القرآن العظيم: 1/383]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
(ثم أعلم - عزّ وجل - أنّه قد أخذ قوما بعد الإملاء والتأخير عقوبة منه ليزدادوا إثما فقال بعد قوله: {ويستعجلونك بالعذاب}،

وبعد تمام الآية {وكأيّن من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثمّ أخذتها وإليّ المصير}.
المعنى ثم أخذتها بالعذاب، واستغني عن ذكر العذاب لتقدم ذكره في قوله: {ويستعجلونك بالعذاب} ). [معاني القرآن: 3/433] (م)


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 13 محرم 1432هـ/19-12-2010م, 08:44 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 49 إلى آخر السورة]

{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (49) فَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (50) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آَيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (51) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52) لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (54) وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (55) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (56) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (57) وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58) لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59) ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (61) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (63) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (64) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (65) وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ (66) لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ (67) وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (68) اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (69) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (70) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (71) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (72) يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73) مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74) اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (75) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (76) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)}

تفسير قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (49)}

تفسير قوله تعالى: {فَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (50)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {قل يا أيّها النّاس إنّما أنا لكم نذيرٌ مبينٌ {49} فالّذين آمنوا وعملوا الصّالحات لهم مغفرةٌ} [الحج: 49-50] لذنوبهم.
{ورزقٌ كريمٌ} [الحج: 50] الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 1/383]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ):
(الكريم: الشريف الفاضل...، والكريم: الكثير الكرم، قال الله تعالى: {وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}

أي: كثير). [تأويل مشكل القرآن: 494] (م)

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آَيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (51)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {والّذين سعوا في آياتنا معاجزين} [الحج: 51] يظنّون أنّهم يعجزونا فيسبقوننا في الأرض حتّى لا نقدر عليهم فنعذّبهم.
هذا تفسير الحسن.
وفي تفسير مجاهدٍ: {معاجزين} [الحج: 51] مبطئين أي عن الإيمان.
{أولئك أصحاب الجحيم} [الحج: 51] والجحيم اسمٌ من أسماء جهنّم). [تفسير القرآن العظيم: 1/383]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {معاجزين...}

قراءة العوامّ {معاجزين} ومعنى معاجزين معاندين ودخول (في) كما تقول: سعيت في أمرك وأنت تريد: أردت بك خيراً أو شراً.
وقرأ مجاهد وعبد الله بن الزبير (معجّزين) يقول: مثبّطين). [معاني القرآن: 2/229]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( (معجزين): مثبطين وقالوا مبطئين.[غريب القرآن وتفسيره: 262]
{معاجزين}: معاندين مشاقين.
{معجزين}: من فائتين {فليس بمعجز في الأرض} منه). [غريب القرآن وتفسيره: 263]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {معاجزين} مسابقين). [تفسير غريب القرآن: 294]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقال: {وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آَيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ}، أي جدّوا في ذلك). [تأويل مشكل القرآن: 510]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {والّذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك أصحاب الجحيم}
أي ظانّين أنهم يعجزوننا لأنهم ظنوا أنهم لا يبعثون، وأنّه لا جنّة ولا نار.
وقيل في التفسير معاجزين معاندين، وليس بخارج من القول الأول.
وقرئت معجّزين، وتأويلها أنهم كانوا يعجّزون من اتبع النبي - صلى الله عليه وسلم - ويثبّطونهم عنه). [معاني القرآن: 3/433]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {والذين سعوا في آياتنا معاجزين}
قال عبد الله بن الزبير إنما هي معجزين أي مثبطين عن الإيمان
قال ابن عباس معاجزين أي مشاقين
قال الفراء معاندين
وروى معمر عن قتادة في قوله تعالى: {معاجزين} قال كذبوا بآيات الله عز وجل وظنوا أنهم يعجزون الله ولن يعجزوه
قال أبو جعفر وهذا قول بين، والمعنى عليه والذين سعوا في آياتنا ظانين أنهم يعجزوننا لأنهم لا يقرون ببعث ولا بجنة ولا نار أولئك أصحاب الجحيم). [معاني القرآن: 4/425-424]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مُعَاجِزِينَ}: مسابقين). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 161]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مُعَجِّـزِين}: مثبطين.
{مُعْجِزِيـنَ}: فائتيـن.
{مُعَاجِزيـنَ}: معاندين). [العمدة في غريب القرآن: 214]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبيٍّ إلا إذا تمنّى ألقى الشّيطان في أمنيّته} [الحج: 52] نفسه، يعني: إذا قرأ، في تفسير قتادة.
وقال مجاهدٌ: إذا قال.
وقال الكلبيّ: إذا حدّث نفسه.
[تفسير القرآن العظيم: 1/383]
- حمّادٌ، عن داود بن أبي هندٍ، عن أبي العالية الرّياحيّ قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قائمًا في المسجد الحرام يصلّي وهو يقرأ سورة النّجم، فلمّا أتى على هذه الآيات: {أفرأيتم اللّات والعزّى {19} ومناة الثّالثة الأخرى {20}} [النجم: 19-20] فألقى الشّيطان على لسانه: إنّهنّ من الغرانيق العلى وإنّ شفاعتهنّ ترتجى.
فأعجب ذلك المشركين.
فقرأ السّورة حتّى ختمها.
فسجد وسجد المؤمنون والمشركون إلا أبا أحيحة أخذ كفًّا من ترابٍ فسجد عليه.
وبلغ ذلك من كان بالجيش من أصحاب النّبيّ، فشقّ على النّبيّ عليه السّلام ما جاء على لسانه، فأنزل اللّه تبارك وتعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبيٍّ إلا إذا تمنّى ألقى الشّيطان في أمنيّته فينسخ اللّه ما يلقي الشّيطان ثمّ يحكم اللّه آياته واللّه عليمٌ حكيمٌ {52} ليجعل ما يلقي الشّيطان فتنةً للّذين في قلوبهم} [الحج: 52-53] يعني المشركين.
- سعيدٌ، عن قتادة قال: بينما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عند المقام إذ نعس، فألقى الشّيطان على لسانه كلمةً فتكلّم بها، فتعلّقها المشركون عليه وإنّه قرأ: {أفرأيتم اللّات والعزّى {19} ومناة الثّالثة الأخرى {20}} [النجم: 19-20] فألقى الشّيطان على لسانه: فإنّ شفاعتها هي المرتجى وإنّها لمع الغرانيق العلى.
فحفظها المشركون وأخبرهم الشّيطان أنّ نبيّ اللّه قد قرأها.
قالت ألسنتهم لها؟ فأنزل اللّه: {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبيٍّ} [الحج: 52] إلى آخر الآية.
وفي تفسير الكلبيّ أنّ النّبيّ عليه السّلام كان يصلّي عند البيت والمشركون جلوسٌ فقرأ: {والنّجم} [النجم: 1]، فحدّث نفسه حتّى إذا بلغ: {أفرأيتم اللّات والعزّى {19} ومناة الثّالثة الأخرى {20}} [النجم: 19-20] ألقى الشّيطان على لسانه: فإنّها مع الغرانيق العلى وإنّ شفاعتها هي المرتجى.
فلمّا انصرف قالوا: قد ذكر محمّدٌ آلهتنا.
فقال النّبيّ: واللّه ما كذلك نزلت عليّ.
فنزل عليه جبريل فأخبره النّبيّ فقال: واللّه ما هكذا علّمتك وما جئت بها هكذا، فأنزل اللّه تبارك وتعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبيٍّ} [الحج: 52] إلى آخر الآية). [تفسير القرآن العظيم: 1/384]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وما أرسلنا من قبلك من رّسولٍ ولا نبيٍّ إلاّ...}

فالرسول النبي المرسل، والنبي: المحدّث الذي لم يرسل.
وقوله: {إلاّ إذا تمنّى} التمنّي: التلاوة، وحديث النفس أيضاً). [معاني القرآن: 2/229]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {إذا تمنى}: أي قرأ.
{ألقى الشيطان في أمنيته}: في قراءته). [غريب القرآن وتفسيره: 263]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {إلّا إذا تمنّى} أي تلا القرآن.
{ألقى الشّيطان في أمنيّته} في تلاوته). [تفسير غريب القرآن: 294]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبيّ إلّا إذا تمنّى ألقى الشّيطان في أمنيّته فينسخ اللّه ما يلقي الشّيطان ثمّ يحكم اللّه آياته واللّه عليم حكيم}
معنى {إذا تمنّى} إذا تلا، ألقى الشيطان في تلاوته، فذلك محنة من اللّه، - عزّ وجلّ - وله أن يمتحن بما شاء، فألقى الشيطان على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئا من صفة الأصنام فافتتن بذلك أهل الشقاق والنفاق ومن في قلبه مرض فقال اللّه عر وجل:
{ليجعل ما يلقي الشّيطان فتنة للّذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم}
ثم أعلم أنهم ظالمون، وأنهم في شقاق دائم، والشقاق غاية العداوة فقال -: {وإنّ الظّالمين لفي شقاق بعيد}.
ثم أعلم أن هؤلاء لا يتوبون فقال: (ولا يزال الّذين كفروا في مرية منه) أي في شك منه.
{حتّى تأتيهم السّاعة بغتة} أي مفاجأة.
{أو يأتيهم عذاب يوم عقيم}.
أصل العقم، العقم في الولادة، يقال: هذه امرأة عقيم، كما قال اللّه - عز وجل -: {قالت عجوز عقيم}.
وكذلك رجل عقيم إذا كان لا يولد
قال الشاعر:

عقم النّساء فلن يلدن شبيهه=إن النّساء بمثله عقم
والريح العقيم التي لا تأتي بسحاب يمطر، وإنما تأتي بالعذاب، واليوم العقيم هو الّذي لا يأتي فيه خير، فيوم القيامة عقيم على الكفار كما قال اللّه - عزّ وجلّ - {على الكافرين غير يسير}.وليس هو على المؤمنين الذين أدخلوا في رحمة اللّه كذلك.
وأنشد بعض أهل اللغة في قوله تمنى في معنى تلا قول الشاعر:
تمنّى كتاب الله أوّل ليله=وآخره لاقى حمام المقادر
أي تلا كتاب اللّه مترسلا فيه كما تلا داود الزبور مترسّلا فيه). [معاني القرآن: 3/435-433]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل عز: {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته}
قال بن أبي نجيح تمنى أي قال
وقال أهل اللغة تمنى أي تلا والمعنى واحد
ثم قال جل وعز: {فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله آياته}
روى الليث عن يونس عن الزهري قال أخبرني أبو بكر ابن عبد الرحمن ابن الحارث بن هشام أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بمكة والنجم إذا هوى، فلما بلغ إلى قوله تعالى:
{أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى} سها فقال فإن شفاعتهم ترتجى فلقيه المشركون والذين في قلوبهم مرض فسلموا عليه فقال إن ذلك من الشيطان،
فأنزل الله جل وعز: {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته} إلى آخر الآية
قال قتادة قرأ النبي صلى الله عليه وسلم فأغفى ونعس فقال أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى فإنها ترتجى وإنها الغرانيق العلى فوقرت في قلوب المشركين فسجدوا معه أجمعون وأنزل الله جل وعز: {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته} إلى آخر الآية). [معاني القرآن: 4/427-425]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {تَمَنَّى}: تلا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 161]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {إذا تَمَنَّـى}: قرأ.
{فيِ أُمْنِيَتِـهِ}: في قراءتـه). [العمدة في غريب القرآن: 214]

تفسير قوله تعالى: {لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبيٍّ إلا إذا تمنّى ألقى الشّيطان في أمنيّته} [الحج: 52] نفسه، يعني: إذا قرأ، في تفسير قتادة.
وقال مجاهدٌ: إذا قال.
وقال الكلبيّ: إذا حدّث نفسه.
[تفسير القرآن العظيم: 1/383]
- حمّادٌ، عن داود بن أبي هندٍ، عن أبي العالية الرّياحيّ قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قائمًا في المسجد الحرام يصلّي وهو يقرأ سورة النّجم، فلمّا أتى على هذه الآيات: {أفرأيتم اللّات والعزّى {19} ومناة الثّالثة الأخرى {20}} [النجم: 19-20] فألقى الشّيطان على لسانه: إنّهنّ من الغرانيق العلى وإنّ شفاعتهنّ ترتجى.
فأعجب ذلك المشركين.
فقرأ السّورة حتّى ختمها.
فسجد وسجد المؤمنون والمشركون إلا أبا أحيحة أخذ كفًّا من ترابٍ فسجد عليه.
وبلغ ذلك من كان بالجيش من أصحاب النّبيّ، فشقّ على النّبيّ عليه السّلام ما جاء على لسانه، فأنزل اللّه تبارك وتعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبيٍّ إلا إذا تمنّى ألقى الشّيطان في أمنيّته فينسخ اللّه ما يلقي الشّيطان ثمّ يحكم اللّه آياته واللّه عليمٌ حكيمٌ {52} ليجعل ما يلقي الشّيطان فتنةً للّذين في قلوبهم} [الحج: 52-53] يعني المشركين.
- سعيدٌ، عن قتادة قال: بينما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عند المقام إذ نعس، فألقى الشّيطان على لسانه كلمةً فتكلّم بها، فتعلّقها المشركون عليه وإنّه قرأ: {أفرأيتم اللّات والعزّى {19} ومناة الثّالثة الأخرى {20}} [النجم: 19-20] فألقى الشّيطان على لسانه: فإنّ شفاعتها هي المرتجى وإنّها لمع الغرانيق العلى.
فحفظها المشركون وأخبرهم الشّيطان أنّ نبيّ اللّه قد قرأها.
قالت ألسنتهم لها؟ فأنزل اللّه: {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبيٍّ} [الحج: 52] إلى آخر الآية.
وفي تفسير الكلبيّ أنّ النّبيّ عليه السّلام كان يصلّي عند البيت والمشركون جلوسٌ فقرأ: {والنّجم} [النجم: 1]، فحدّث نفسه حتّى إذا بلغ: {أفرأيتم اللّات والعزّى {19} ومناة الثّالثة الأخرى {20}} [النجم: 19-20] ألقى الشّيطان على لسانه: فإنّها مع الغرانيق العلى وإنّ شفاعتها هي المرتجى.
فلمّا انصرف قالوا: قد ذكر محمّدٌ آلهتنا.
فقال النّبيّ: واللّه ما كذلك نزلت عليّ.
فنزل عليه جبريل فأخبره النّبيّ فقال: واللّه ما هكذا علّمتك وما جئت بها هكذا، فأنزل اللّه تبارك وتعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبيٍّ} [الحج: 52] إلى آخر الآية). [تفسير القرآن العظيم: 1/384] (م)
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وإنّ الظّالمين} [الحج: 53] يعني المشركين.
{لفي شقاقٍ بعيدٍ} [الحج: 53] يعني لفي فراقٍ بعيدٍ إلى يوم القيامة.
يعني بذلك فراقهم الحقّ). [تفسير القرآن العظيم: 1/385]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) :
( وقوله جل وعز: {ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض}

فتنة أي اختبار وامتحانا والله جل وعز يمتحن بما يشاء
وقوله جل وعز: {وإن الظالمين لفي شقاق بعيد} الشقاق أشد العداوة). [معاني القرآن: 4/427]

تفسير قوله تعالى: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (54)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وليعلم الّذين أوتوا العلم} [الحج: 54] يعني المؤمنين.
{أنّه الحقّ من ربّك فيؤمنوا به} [الحج: 54] يعني القرآن فيصدّقوا به.
{فتخبت له قلوبهم} [الحج: 54] فتطمئنّ به قلوبهم في تفسير الكلبيّ.
وقال الحسن: فتخشع له قلوبهم.
قوله: {وإنّ اللّه لهاد الّذين آمنوا إلى صراطٍ مستقيمٍ} [الحج: 54] إلى طريقٍ مستقيمٍ إلى الجنّة.
سعيدٌ عن قتادة قال: قاتل اللّه قومًا يزعمون أنّ المؤمن يكون ضالًّا، ويكون فاسقًا ويكون خاسرًا.
قال اللّه تبارك وتعالى: {اللّه وليّ الّذين آمنوا يخرجهم من الظّلمات إلى النّور} [البقرة: 257].
وقال: {ومن يؤمن باللّه يهد قلبه} [التغابن: 11] وقال: {وإنّ اللّه لهاد الّذين آمنوا إلى صراطٍ مستقيمٍ} [الحج: 54] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/385]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) :
( {فتخبت له قلوبهم} أي تخضع وتذلّ). [تفسير غريب القرآن: 294]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {فَتُخْبِتَ}: أي تخضع، وتذل، وتخاف). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 161]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (55)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولا يزال الّذين كفروا في مريةٍ منه} [الحج: 55] في شكٍّ منه، من القرآن.
{حتّى تأتيهم السّاعة بغتةً} [الحج: 55] يعني فجأةً.
{أو يأتيهم عذاب يومٍ عقيمٍ} [الحج: 55] تفسير الحسن يعني الّذين تقوم عليهم السّاعة، الدّائنين بدين أبي جهلٍ وأصحابه.
وقوله {عذاب يومٍ عقيمٍ} [الحج: 55] يوم بدرٍ قبل قيام السّاعة.
قوله: {يومٍ عقيمٍ} [الحج: 55] لا غدًا له، أي يهلكون فيه، يومٌ يهلكون فيه.
وقال الحسن: العقيم، الشّديد). [تفسير القرآن العظيم: 1/385]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) :
( {عذاب يومٍ عقيمٍ} كأنه عقم عن أن يكون فيه خير أو فرج للكافرين). [تفسير غريب القرآن: 294]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم أخبر تعالى أن هؤلاء لا يتوبون ولا يزالون في شك فقال جل وعز: {ولا يزال الذين كفروا في مرية منه}
أي: في شك {حتى تأتيهم الساعة بغتة} أي فجأة {أو يأتيهم عذاب يوم عقيم}
قيل هو يوم القيامة
وأهل التفسير على أنه يوم بدر قال ذلك سعيد بن جبير وقتادة
وقال قتادة وبلغني عن أبي بن كعب أنه قال أربع آيات نزلت في يوم بدر
{عذاب يوم عقيم} يوم بدر
واللزام القتال في يوم بدر
و يوم نبطش البطشة الكبرى يوم بدر
ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر يوم بدر
قال أبو جعفر أصل العقم في اللغة الامتناع ومنه قولهم امرأة عقيم رجل عقيم إذا منعا الولد
وريح عقيم لا يأتي بسحاب فيه مطر أي فيه العذاب
ويوم عقيم لا خير فيه لقوم
فيوم القيامة ويوم بدر قد عقم فيهما الخير والفرح عن الكفار). [معاني القرآن: 4/427-428]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يَوْمٍ عَقِيمٍ}: أي كأنه عقم عن أن يكون فيه خير للكافرين). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 162]

تفسير قوله تعالى: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (56)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {الملك يومئذٍ للّه} [الحج: 56] يوم القيامة.
{يحكم بينهم} [الحج: 56] بين المؤمنين والكافرين). [تفسير القرآن العظيم: 1/385]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (57)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {فالّذين آمنوا وعملوا الصّالحات في جنّات النّعيم {56} والّذين كفروا وكذّبوا بآياتنا فأولئك لهم عذابٌ مهينٌ {57}} [الحج: 56-57] من الهوان). [تفسير القرآن العظيم: 1/385]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {والّذين هاجروا في سبيل اللّه ثمّ قتلوا} [الحج: 58] في سبيل اللّه بعد الهجرة.
{أو ماتوا} [الحج: 58] على فرشهم بعد الهجرة.
{ليرزقنّهم اللّه رزقًا حسنًا} [الحج: 58] الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 1/386]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) :
( {وإن الله لهو خير الرازقين} قال أبو العباس: يقال: إن كل إنسانا إذا كان يرزق إنسان رزقا قد سماه له، ثم غضب عليه قطع ذلك الرزق، والله - عز وجل - إذا غضب على عبده لم يقطع رزقه ما دام حيا). [ياقوتة الصراط: 371]


تفسير قوله تعالى: {لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({وإنّ اللّه لهو خير الرّازقين {58} ليدخلنّهم مدخلا يرضونه} [الحج: 58-59] في الجنّة.
{وإنّ اللّه لعليمٌ حليمٌ} [الحج: 59] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/386]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {ليدخلنّهم مدخلاً} الميم مضمومة لأنها من " أدخلت " والخاء مفتوحة وإذا كان من دخلت فالميم والخاء مفتوحتان).

[مجاز القرآن: 2/53]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثمّ بغي عليه} [الحج: 60] يعني بذلك مشركي العرب أنّهم عوقبوا، فقتلهم اللّه بجحودهم النّبيّ وظلمهم إيّاه وأصحابه، وبغيهم عليهم.
قال: {لينصرنّه اللّه إنّ اللّه لعفوٌّ غفورٌ} [الحج: 60] النّصر في الدّنيا: الظّهور على المشركين، والحجّة عليهم في الآخرة كقوله: {إنّا لننصر رسلنا والّذين آمنوا في الحياة الدّنيا ويوم يقوم الأشهاد} [غافر: 51] يوم القيامة). [تفسير القرآن العظيم: 1/386]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
(وقوله: {ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثمّ بغي عليه لينصرنّه اللّه إنّ اللّه لعفوّ غفور}

(ذلك) في موضع رفع، المعنى الأمر ذلك، أي الأمر، قصصنا لحيكم.
قوله: {ومن عاقب بمثل ما عوقب به}.
الأول لم يكن عقوبة، وإنما العقوبة الجزاء، ولكنه سمّي عقوبة لأن الفعل الذي هو عقوبة كان جزاء فسمّي الأول الذي جوزي عليه عقوبة لاستواء الفعلين في جنس المكروه.
كما قال عزّ وجلّ: {وجزاء سيّئة سيّئة مثلها}.
فالأول سيئة والمجازاة عليها حسنة من حسنات المجازي عليها إلا أنها سمّيت سيئة بأنها وقعت إساءة بالمفعول به، لأنه فعل به ما يسوءه.
وكذلك قوله {مستهزئون* اللّه يستهزئ بهم}، جعل مجازاتهم باستهزائهم مسمّى بلفظ فعلهم لأنه جزاء فعلهم). [معاني القرآن: 3/435]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به}
والأول ليس بعقوبة فسمي الأول باسم الثاني لأنهما من جنس واحد على الازدواج كما يسمى الثاني باسم الأول). [معاني القرآن: 4/429]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (61)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ذلك بأنّ اللّه يولج اللّيل في النّهار ويولج النّهار في اللّيل} [الحج: 61] هو آخذٌ كلّ واحدٍ منهما من صاحبه). [تفسير القرآن العظيم: 1/386]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({وأنّ اللّه سميعٌ بصيرٌ {61} ذلك بأنّ اللّه هو الحقّ} [الحج: 61-62] والحقّ اسمٌ من أسماء اللّه.
قوله: {وأنّ ما يدعون من دونه هو الباطل} [الحج: 62] قال الحسن: الأوثان.
وقال قتادة: إبليس.
قوله: {وأنّ اللّه هو العليّ الكبير} [الحج: 62] لا شيء أكبر منه). [تفسير القرآن العظيم: 1/386]

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (63)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ألم تر أنّ اللّه أنزل من السّماء ماءً فتصبح الأرض مخضرّةً} [الحج: 63] يعني نباتها، ليس يعني من ليلتها ولكن إذا أنبتت.
[تفسير القرآن العظيم: 1/386]
{إنّ اللّه لطيفٌ} [الحج: 63] بخلقه فيما رزقهم.
{خبيرٌ} [الحج: 63] بأعمالهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/387]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {فتصبح الأرض مخضرّةً...}

رفعت (فتصبح) لأنّ المعنى في {ألم تر} معناه خبر كأنك قلت في الكلام: اعلم أنّ الله ينزل من السّماء ماء فتصبح الأرض.
وهو مثل قول الشاعر:
ألم تسأل الربع القديم فينطق =فهل تخبرنك اليوم بيداءٌ سملق
أي قد سألته فنطق. ولوجعلته استفهاماً وجعلت الفاء شرطاً لنصبت: كما قال الآخر:
ألم تسأل فتخبرك الديارا =عن الحيّ المضلّل حيث سارا
والجزم في هذا البيت جائز كما قال:
فقلت له صوّب ولا تجهدنّه =فيذرك من أخرى العطاة فتزلق
فجعل الجواب بالفاء كالمنسوق على ما قبله). [معاني القرآن: 2/230-229]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ألم تر أنّ اللّه أنزل من السّماء ماء فتصبح الأرض مخضرّة إنّ اللّه لطيف خبير}
وقرئت مخضرة.
ذكر الله جل ثناؤه - ما يدل على توحيده من إيلاج الليل في النّهار والنهار في الليل، وذكر إنزاله الماء ينبت وذكر تسخير الفلك في البحر وإمساك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، فدل أنه الواحد الّذي خلق الخلق وأتى بما لا يمكن البشر أن يأتوا بمثله). [معاني القرآن: 3/436-435]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة}
قال سيبويه سألت الخليل عن قوله تعالى: {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة} فقال هذا واجب وهو تنبيه
والمعنى انتبه أنزل الله من السماء ماء فكان كذا وكذا
وقال الفراء هو خبر
ويقرأ فتصبح الأرض مخضرة أي ذات خضر كما يقول مبقلة ومسبعة أي ذات بقل وسباع). [معاني القرآن: 4/430-429]

تفسير قوله تعالى: {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (64)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {له ما في السّموات وما في الأرض وإنّ اللّه لهو الغنيّ الحميد} [الحج: 64] {الغنيّ} [الحج: 64] عن خلقه {الحميد} [الحج: 64] المستحمد إلى خلقه، استوجب عليهم أن يحمدوه). [تفسير القرآن العظيم: 1/387]

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (65)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ألم تر أنّ اللّه سخّر لكم ما في الأرض} [الحج: 65] خلق لكم ما في الأرض كقوله: {هو الّذي خلق لكم ما في الأرض جميعًا} [البقرة: 29] {والفلك تجري في البحر بأمره ويمسك السّماء أن تقع على الأرض} [الحج: 65] يعني لئلا تقع على الأرض.
{إلا بإذنه إنّ اللّه بالنّاس لرءوفٌ رحيمٌ} [الحج: 65] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/387]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
(وقوله عزّ وجلّ: {ألم تر أنّ اللّه سخّر لكم ما في الأرض والفلك تجري في البحر بأمره ويمسك السّماء أن تقع على الأرض إلّا بإذنه إنّ اللّه بالنّاس لرءوف رحيم}

(الفلك) بالنصب نسق - على " ما " المعنى وسخر لكم الفلك.
ويكون (تجري) حالا، أي وسخر لكم الفلك في حال جريها.
ويقرأ: {والفلك تجري في البحر بأمره}، فيكون الفلك مرفوعا بالابتداء، وتجري هو الخبر، والمعنى معنى التسخير لأن جريها بأمره هو التسخير.
وقوله: {ويمسك السّماء أن تقع على الأرض إلّا بإذنه}.
على معنى كراهة أن تقع على الأرض، وموضع " أن " نصب بيمسك.
وهي مفعول. المعنى لكراهة أن تقع). [معاني القرآن: 3/437-436]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه}
والمعنى كراهية أن تقع). [معاني القرآن: 4/430]

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ (66)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وهو الّذي أحياكم} [الحج: 66] من النّطف.
{ثمّ يميتكم ثمّ يحييكم} [الحج: 66] يعني البعث وهو كقوله: {كيف تكفرون باللّه وكنتم أمواتًا فأحياكم ثمّ يميتكم ثمّ يحييكم} [البقرة: 28] قوله: {إنّ الإنسان لكفورٌ} [الحج: 66] يعني الكافر). [تفسير القرآن العظيم: 1/387]

تفسير قوله تعالى: {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ (67)}

يققال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {لكلّ أمّةٍ جعلنا منسكًا} [الحج: 67] حجًّا وذبحًا في تفسير قتادة.
قوله: {هم ناسكوه} [الحج: 67] قال مجاهدٌ: هراقة الدّماء.
قال يحيى: يعني النّسك.
قوله: {فلا ينازعنّك في الأمر} [الحج: 67] أي لا يحوّلنّك المشركون عن هذا
[تفسير القرآن العظيم: 1/387]
الدّين الّذي أنت عليه.
يقوله للنّبيّ.
{وادع إلى ربّك} [الحج: 67] أي إلى الإخلاص له.
- عثمان، عن نعيم بن عبد اللّه، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يقولوا لا إله إلا اللّه فإذا قالوها عصموا بها دماءهم وأموالهم إلا بحقّها وحسابهم على اللّه».
قوله: {إنّك لعلى هدًى مستقيمٍ} [الحج: 67] يعني على دينٍ مستقيمٍ، الإسلام تستقيم به حتّى يهجم بك على الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 1/388]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {منسكاً...}

و{منسكاً} قد قرئ بهما جميعاً. والمنسك لأهل الحجاز والمنسك لبني أسد، والمنسك في كلام العرب: والموضع الذي تعتاده وتألفه ويقال: إن لفلان منسكا يعتاده في خير كان أو غيره. والمناسك بذلك سميت - والله أعلم - لترداد الناس عليها بالحجّ والعمرة). [معاني القرآن: 2/230]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {جعلنا منسكاً} أي عيدا). [تفسير غريب القرآن: 294]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {لكلّ أمّة جعلنا منسكا هم ناسكوه فلا ينازعنّك في الأمر وادع إلى ربّك إنّك لعلى هدى مستقيم}
ومنسكا، وقد تقدم الشرح في هذا.
وقوله: {فلا ينازعنّك في الأمر}
أي لا يجادلنّك فيه، ومعناه لا تنازعهم، والدليل عنى أن المعنى لا يجادلنّك ولا تجادلنّهم قوله: {وإن جادلوك فقل اللّه أعلم بما تعملون}.
هذا قبل القتال.
فإن قال قائل: فهم قد جادلوه فلم قيل {فلا ينازعنّك في الأمر} وهم قد نازعوه؟
فالمعنى أنه نهي له - صلى الله عليه وسلم - عن منازعتهم كما يقول: لا يخاصمنّك فلان في هذا أبدا، وهذا جائز في الفعل الذي لا يكون إلا من اثنين لأن المجادلة والمخاصمة لا تتم إلا باثنين، فإذا قلت لا يجادلنك فلان فهو بمنزلة لا تجادلنّه، ولا يجوز هذا في قوله: لا يضربنّك فلان، وأنت تريد لا تضربه.
ولكن لو قلت لا يضاربنّك فلان لكان كقولك لا تضاربنّ فلانا.
ويقرأ: {فلا ينزعنّك في الأمر}: معناه لا يغلبنّك في المنازعة فيه، يقال: نازعني فلان فنزعته وعازّني فعززته، أنزعه وأغلبه، المعنى فلا يغلبنّك في الأمر). [معاني القرآن: 3/437]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فلا ينازعنك في الأمر}
أي فلا يجادلنك ودل على هذا وان جادلوك ويقال قد نازعوه فكيف قال فلا ينازعنك فالجواب أي المعنى فلا تنازعهم
ولا يجوز هذا إلا فيما لا يكون إلا من اثنين نحو المنازعة والمخاصمة وما أشبهها ولو قلت لا يضربنك تريد لا تضربهم لم يجز
ويقرأ فلا ينزعنك في الأمر قرأ به أبو مجلز أي فلا يغلبنك
وحكى أهل اللغة نازعني فنزعته). [معاني القرآن: 4/431-430]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مَنسَكًا}: أي عيداً). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 162]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (68)}

تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (69)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وإن جادلوك فقل اللّه أعلم بما تعملون {68} اللّه يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون {69}} [الحج: 68-69] يقوله للمشركين يعني ما اختلف فيه المؤمنون والكافرون فيكون حكمه فيهم أن يدخل المؤمنين الجنّة ويدخل الكافرين النّار). [تفسير القرآن العظيم: 1/388]

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (70)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ألم تعلم أنّ اللّه يعلم ما في السّماء والأرض} [الحج: 70] أي قد علمت أنّ اللّه يعلم ما في السّموات والأرض.
{إنّ ذلك في كتابٍ إنّ ذلك على اللّه يسيرٌ} [الحج: 70]
- نعيم بن يحيى، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عبّاسٍ قال: أوّل ما خلق اللّه القلم فقال: اكتب.
قال: ربّ ما أكتب؟ قال: ما هو كائنٌ.
قال: فجرى القلم بما هو كائنٌ إلى يوم القيامة.
فأعمال العباد تعرض كلّ يوم اثنين وخميسٍ فيجدونه على ما في الكتاب). [تفسير القرآن العظيم: 1/388]

تفسير قوله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (71)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ويعبدون من دون اللّه ما لم ينزّل به سلطانًا} [الحج: 71] حجّةً بعبادتهم.
{وما ليس لهم به علمٌ} [الحج: 71] أنّ الأوثان خلقت مع اللّه شيئًا ولا رزقت معه شيئًا.
{وما للظّالمين} [الحج: 71] للمشركين.
{من نصيرٍ} [الحج: 71] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/388]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) :
( {ما لم ينزّل به سلطاناً} أي برهانا ولا حجّة). [تفسير غريب القرآن: 294]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (ثم ذكر جهل المشركين في عبادتهم الأصنام فقال عزّ وجل:
{ويعبدون من دون اللّه ما لم ينزّل به سلطانا وما ليس لهم به علم وما للظّالمين من نصير}أي ما لم ينزل به حجة وما ليس لهم به علم.
ثم ضرب لهم مثل ما يعبدون، وأنه لا ينفع ولا يضر.
وأما القراءة: (فتصبح الأرض مخضرّة) لا غير قال سيبويه: سألت الخليل عن قوله تعالى: {ألم تر أنّ اللّه أنزل من السّماء ماء فتصبح الأرض مخضرّة}
فقال هذا واجب ومعناه التنبيه كأنّه قال: أتسمع؟
أنزل الله من السماء ماء، فكان كذا وكذا، وقال غيره مثل قوله.
قال مجاز هذا الكلام مجاز الخبر كأنه قال: الله ينزل من السماء ماء، فتصبح الأرض مخضرة.
وأنشدوا:
ألم تسأل الرّبع القواء فينطق= وهل تخبرنك اليوم بيداء سملق؟
قال الخليل: المعنى فهو مما ينطق، وأما من قرأ مخضرة فهو على معنى ذات مخضرة مثل مبقلة ذات بقل، ومشبعة ذات شبع، ولا يجوز مخضرّة - بفتح الميم وتشديد الراء - لأن مفعلّة ليس في الكلام ولا معنى له). [معاني القرآن: 3/436]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (72)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وإذا تتلى عليهم آياتنا بيّناتٍ} [الحج: 72] القرآن.
{تعرف في وجوه الّذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالّذين يتلون عليهم آياتنا} [الحج: 72] يكادون يقعون بهم بأنبيائهم فيقتلونهم في تفسير الحسن.
وهو كقوله: {وهمّت كلّ أمّةٍ برسولهم ليأخذوه} [غافر: 5] وقال مجاهدٌ: يعني كفّار قريشٍ.
قوله: {قل أفأنبّئكم بشرٍّ من ذلكم} [الحج: 72] يعني بشرٍّ من قتل أنبيائهم.
{النّار} [الحج: 72] في تفسير الحسن هي شرٌّ ممّا صنعوا بأنبيائهم، من قتلهم أنبياءهم أنّهم يخلدون في النّار أبدًا.
قال: {وعدها اللّه الّذين كفروا وبئس المصير} [الحج: 72] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/389]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {يكادون يسطون بالّذين يتلون عليهم آياتنا...}

يعني مشركي أهل مكّة، كانوا إذا سمعوا الرجل من المسلمين يتلو القرآن كادوا يبطشون به.
وقوله: {النّار وعدها اللّه} ترفعها لأنها معرفة فسّرت الشرّ وهو نكرة. كما تقول: مررت برجلين أبوك وأخوك. ولو نصبتها بما عاد من ذكرها ونويت بها الاتّصال بما قبلها كان وجهاً. ولو خفضتها على الباء {فأنبئكم بشرّ من ذلكم بالنار} كان صواباً. والوجه الرفع). [معاني القرآن: 2/230]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يكادون يسطون} أي يفرطون عليه ومنه السطوة). [مجاز القرآن: 2/54]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {بشرّ مّن ذلكم النّار} مرفوعة على القطع من شركة الباء ولكنه مستأنف خبر عنه ولم تعمل الباء فيه وقال:
وبلد بآله مؤزّر= إذا استقلوا من مناخٍ شمّروا
وإن بدت أعلام أرض كبّروا
مؤزر مرفوع على ذلك القطع). [مجاز القرآن: 2/54]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وإذا تتلى عليهم آياتنا بيّناتٍ تعرف في وجوه الّذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالّذين يتلون عليهم آياتنا قل أفأنبّئكم بشرٍّ مّن ذلكم النّار وعدها اللّه الّذين كفروا وبئس المصير}
وقال: {بشرٍّ مّن ذلكم النّار} رفع على التفسير أي: هي النار. ولو جر على البدل كان جيدا). [معاني القرآن: 3/11]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {يكادون يسطون}: من السطوة وهي الإفراط). [غريب القرآن وتفسيره: 263]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {يكادون يسطون بالّذين يتلون عليهم آياتنا} أي يتناولونهم بالمكروه من الشتم والضرب). [تفسير غريب القرآن: 295]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وإذا تتلى عليهم آياتنا بيّنات تعرف في وجوه الّذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالّذين يتلون عليهم آياتنا قل أفأنبّئكم بشرّ من ذلكم النّار وعدها اللّه الّذين كفروا وبئس المصير}
أي يكادون يبطشون بسطوة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، والذين يتلون عليهم القرآن.
وقوله: {قل أفأنبّئكم بشرّ من ذلكم النّار وعدها اللّه}.
القراءة بالرفع وهي أثبت في النحو من الجر والنصب والخفض.
والنّصب جائز، فأمّا من رفع فعلى معنى هو النّار، وهي النّار، كأنّهم قالوا: ما هذا الذي هو شرّ؟ فقيل النّار. ومن قال النّار بالجر، فعلى البدل من شرّ، ومن قال النّار بالنصب، فهو على معنى أعني النّار، وعلى معنى أنبئكم بشرّ من ذلكم كأنّه قال أعرفكم شرّا من ذلكم النّار). [معاني القرآن: 3/438-437]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا}
قال محمد بن كعب أي يقعون بهم
وقال الضحاك أي يأخذونهم أخذا باليد
وحكى أهل اللغة سطا به يسطو إذا بطش به كان ذلك بضرب أو بشتم). [معاني القرآن: 4/431]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يَسْطُونَ}: يتناولونهم بالمكروه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 162]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يَسْطُـونَ}: من السطوة). [العمدة في غريب القرآن: 214]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {يا أيّها النّاس ضرب مثلٌ فاستمعوا له} [الحج: 73] يعني المشركين.
{إنّ الّذين تدعون من دون اللّه} [الحج: 73] يعني الأوثان.
{لن يخلقوا ذبابًا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذّباب شيئًا لا يستنقذوه منه} [الحج: 73] يعني أنّ الذّباب يقع على تلك الأوثان فتنقر أعينها ووجوهها، فيسلبها ما أخذ من وجوهها وأعينها.
وسمعت بعضهم يقول: إنّهم كانوا يطلونها بخلوقٍ.
قال اللّه تبارك وتعالى: {ضعف الطّالب والمطلوب} [الحج: 73] والطّالب هو الوثن والمطلوب الذّباب). [تفسير القرآن العظيم: 1/389]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {الطّالب والمطلوب...}

الطالب الآلهة والمطلوب الذباب. وفيه معنى المثل). [معاني القرآن: 2/230]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {يا أيّها النّاس ضرب مثلٌ فاستمعوا له إنّ الّذين تدعون من دون اللّه لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذّباب شيئاً لاّ يستنقذوه منه ضعف الطّالب والمطلوب}
وقال: {ضرب مثلٌ فاستمعوا له إنّ الّذين تدعون من دون اللّه لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له} فإن قيل: "فأين المثل" قلت: ليس ههنا مثل لأنه تبارك وتعالى قال: "ضرب لي مثلٌ فجعل مثلاً عندهم لي فاستمعوا لهذا المثل الذي جعلوه مثلي في قولهم واتخاذهم الآلهة وأنهم لن يقدروا على خلق ذباب ولو اجتمعوا له وهم أضعف لو سلبهم الذباب شيئاً فاجتمعوا جميعاً ليستنقذوه منه لم يقدروا على ذلك. فكيف تضرب هذه الآلهة مثلا لربها وهو رب كل شيء الواحد الذي ليس كمثله شيء وهو مع كل شيء، وأقرب من كل شيء وليس له شبه ولا مثل ولا كفء وهو العلي العظيم الواحد الرب الذي لم يزل ولا يزال"). [معاني القرآن: 3/11]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقوله: وقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ}، ثم قال: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ}، ولم يأت بالمثل، لأن في الكلام معناه، كأنه قال: يا أيها الناس، مثلكم مثل من عبد آلهة اجتمعت لأن تخلق ذبابا لم تقدر عليه، وسلبها الذباب شيئا فلم تستنقذه منه). [تأويل مشكل القرآن: 83] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {يا أيّها النّاس ضرب مثل فاستمعوا له إنّ الّذين تدعون من دون اللّه لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذّباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطّالب والمطلوب}
لأنهم عبدوا من دون اللّه ما لا يسمع ولا يبصر وما لم ينزّل به حجة.
فأعلمهم اللّه عزّ وجل الجواب فيما جعلوه للّه مثلا، وجعلوه له نيرا، فقال: {إنّ الّذين تدعون من دون اللّه لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له}.
يعنى الأصنام، وكل من دعي من دون اللّه إلها لا إله إلا اللّه وحده.
وقوله: {وإن يسلبهم الذّباب شيئا لا يستنقذوه منه}.
أعلم اللّه - جلّ ثناؤه - أنه الخالق، ودل على وحدانيته بجميع ما خلق ثم أعلم أن الذين عبدوا من دونه لا يقدرون على خلق واحد قليل ضعيف من خلقه، ولا على استنقاذ تافه حقير منه). [معاني القرآن: 3/438]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له}
قال الأخفش إن قيل فأين المثل
فالجواب أنه ليس ثم مثل والمعنى إن الله جل وعز قال ضربوا لي مثلا على قولهم
وقال القتبي يا أيها الناس مثلكم مثل من عبد آلهة لم تستطع أن تخلق ذبابا وسلبها الذباب شيئا فلم تستطع أن تستنقذه منه
فذهب إلى أن في الكلام ما دل على المثل من قوله: {لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له} إلى آخر الآية
ومذهب الأخفش أن الكفار ضربوا لله جل وعز مثلا أي جعلوا لله مثلا بعبادتهم غيره كما يعبد هو جل وعز كما قال أين شركائي
والذباب عند أهل اللغة واحد وجمعه أذبة وذبان
وقوله جل وعز: {ضعف الطالب والمطلوب}
الطالب الآلهة والمطلوب الذباب). [معاني القرآن: 4/433-431]


تفسير قوله تعالى: {مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ما قدروا اللّه حقّ قدره} [الحج: 74] ما عظّموا اللّه حقّ عظمته أن عبدوا الأوثان من دونه الّتي إن سلبها الذّباب الضّعيف لم تستطع أن تمتنع منه.
{إنّ اللّه لقويٌّ عزيزٌ} [الحج: 74] فبقوّته وعزّته ذلّ من دونه). [تفسير القرآن العظيم: 1/389]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله:{ما قدروا اللّه حقّ قدره...}

أي ما عظّموا الله حقّ تعظيمه. وهو كما تقول في الكلام: ما عرفت لفلان قدره أي عظمته وقصّر به صاحبه). [معاني القرآن: 2/230]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ما قدرو اللّه حقّ قدره} مجازه ما عرفوا الله حق معرفته، ولا وصفوفه مبلغ صفته). [مجاز القرآن: 2/54]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (ثم قال: {ما قدروا اللّه حقّ قدره إنّ اللّه لقويّ عزيز}
أي ما عظموه حقّ عظمته، ثم أعلم بعد ذكره ضعف قوة المعبودين قوّته فقال: {إنّ اللّه لقويّ عزيز}.
وقوله {ضعف الطّالب والمطلوب}
يجوز ضعف، وضعف الطالب والمطلوب، أي فهم يضعفون عن أن يخلقوا ذبابا، وعن أن يستنقذوا من الذباب شيئا ضعف الذباب). [معاني القرآن: 3/439-438]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ما قدروا الله حق قدره} أي ما عظموه حق عظمته
ولما خبر بضعف ما يعبدون أخبر بقوته فقال جل وعز إن الله قوي عزيز). [معاني القرآن: 4/433]

تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (75)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {اللّه يصطفي} [الحج: 75] يختار). [تفسير القرآن العظيم: 1/389]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {اللّه يصطفي من الملائكة رسلاً...}

اصطفى منهم جبريل وميكائيل وملك الموت وأشباههم. ويصطفي من الناس الأنبياء). [معاني القرآن: 2/230]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله - عزّ وجلّ -: {اللّه يصطفي من الملائكة رسلا ومن النّاس إنّ اللّه سميع بصير}
اصطفى اللّه من الملائكة جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت واصطفى من الناس النبيين والمرسلين صلى الله عليهم وسلم أجمعين). [معاني القرآن: 3/439]

تفسير قوله تعالى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (76)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {من الملائكة رسلا ومن النّاس إنّ اللّه سميعٌ بصيرٌ {75} يعلم ما بين أيديهم} [الحج: 75-76] من أمر الآخرة.
{وما خلفهم} [الحج: 76] من أمر الدّنيا إذا كانوا في الآخرة.
{وإلى اللّه ترجع الأمور} [الحج: 76] يوم القيامة). [تفسير القرآن العظيم: 1/390]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا اركعوا واسجدوا} [الحج: 77] يعني الصّلاة المكتوبة.
{واعبدوا ربّكم وافعلوا الخير} [الحج: 77] في وجهتكم.
{لعلّكم تفلحون} [الحج: 77] لكي تفلحوا). [تفسير القرآن العظيم: 1/390]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {يا أيّها الّذين آمنوا اركعوا واسجدوا...}

كان الناس يسجدون بلا ركوع، فأمروا أن تكون صلاتهم بركوع قبل السجود). [معاني القرآن: 2/231]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {يا أيّها الّذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربّكم وافعلوا الخير لعلّكم تفلحون}أي اقصدوا بركوعكم وسجودكم الله وحده.
{وافعلوا الخير}.
والخير كل ما أمر اللّه به.
وقوله: {لعلّكم تفلحون}
هذا ليس بشك، ولكن معناه لترجوا أن تكونوا على فلاح، كما قال لموسى وهارون: {اذهبا إلى فرعون إنّه طغى * فقولا له قولا ليّنا لعلّه يتذكّر أو يخشى}.
أي اذهبا على رجائكما كما كما يرجو النبي ممن يبعث إليه، واللّه عز وجلّ من وراء العلم بما يؤول إليه أمر فرعون إلا أن الحجة لا تقوم إلا بعد الإبانة). [معاني القرآن: 3/439]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {يا أيها الناس اركعوا واسجدوا}
فلا يكون ركوع إلا بسجود ثم قال تعالى: {واعبدوا ربكم} أي أخلصوا عبادتكم لله وحده ثم قال جل وعز: {وافعلوا الخير} أي كل ما أمر الله به
ثم قال جل وعز: {لعلكم تفلحون} أي لتكونوا على رجاء من الفلاح). [معاني القرآن: 4/434-433]

تفسير قوله تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وجاهدوا في اللّه حقّ جهاده} [الحج: 78] وهي مثل قوله: {اتّقوا اللّه حقّ تقاته} [آل عمران: 102].
وهما منسوختان نسختهما الآية الّتي في التّغابن: {فاتّقوا اللّه ما استطعتم} [التغابن: 16] قوله: {هو اجتباكم} [الحج: 78] اصطفاكم، ويقال: اختاركم لدينه.
وهو واحدٌ.
{وما جعل عليكم في الدّين من حرجٍ} [الحج: 78] من ضيقٍ.
- ابن لهيعة، عن عبد اللّه بن هبيرة، عن أبي تميمٍ الجيشانيّ، عن سعيد بن المسيّب أنّه سمع حذيفة بن اليمان يقول: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «لقد أعطاني ربّي بأنّي أوّل الأنبياء دخولا الجنّة، وطيّب لي ولأمّتي الغنيمة، وأحلّ لنا كثيرًا ممّا شدّد به على من قبلنا، ولم يجعل علينا في الدّين من حرجٍ».
- ابن لهيعة، عن زيد بن أبي حبيبٍ، عن ابن شهابٍ، عن عليّ بن عبد اللّه بن عبّاسٍ، عن أبيه قال: {وما جعل عليكم في الدّين من حرجٍ} [الحج: 78] يعني من ضيقٍ.
جعل اللّه الكفّارات مخرجًا من ذلك.
- همّامٌ، عن قتادة، عن سعيد بن المسيّب قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «خير دينكم أيسره».
قال قتادة: إنّ كتاب اللّه قد جاءكم بذاك وربّ الكعبة: {يريد اللّه بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} [البقرة: 185]
[تفسير القرآن العظيم: 1/390]
- أبو أميّة، عن الحسن قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «والّذي نفس محمّدٍ بيده ما اجتمع أمران في الإسلام إلا كان أحبّهما إلى اللّه أيسرهما».
- بحرٌ السّقّاء، عن الزّهريّ، عن عروة بن الزّبير، عن عائشة قالت: ما عرض لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أمران قطّ إلا أخذ بأيسرهما ما لم يكن إثمًا.
وكان أبعد النّاس من الإثم.
قوله: {ملّة أبيكم إبراهيم هو سمّاكم المسلمين} [الحج: 78] اللّه سمّاكم المسلمين.
{من قبل} [الحج: 78] هذا أي من قبل هذا القرآن في الكتب كلّها الأولى، وفي الذّكر.
{وفي هذا} [الحج: 78] القرآن.
قوله: {ليكون الرّسول شهيدًا عليكم} [الحج: 78] بأنّه قد بلّغ.
{ليكون الرّسول شهيدًا عليكم} [الحج: 78] على الأمم بأنّ الرّسل قد بلّغت قومها.
سعيدٌ، عن قتادة أنّ كعبًا قال: إنّ اللّه تبارك وتعالى أعطى هذه الأمّة ثلاثًا لم يعطهنّ قبلهم إلا نبيًّا مرسلًا: كان يبعث النّبيّ فيقول: أنت شاهدي على أمّتك، وإنّ اللّه جعلكم شهداء على النّاس.
ويبعث النّبيّ فيقول: ادعني استجب لك وقال: {ادعوني أستجب لكم} [غافر: 60].
ويبعث النّبيّ فيقول: ليس عليك في الدّين من حرجٍ وقال: {وما جعل عليكم في الدّين من حرجٍ} [الحج: 78] قوله: {فأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة} [الحج: 78] هما فريضتان واجبتان.
أمّا الصّلاة فالصّلوات الخمس يقيمونها على وضوئها، ومواقيتها، وركوعها وسجودها.
وأمّا الزّكاة فقد فسّرناها في أحاديث الزّكاة على ما سنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيها.
قوله: {واعتصموا باللّه} [الحج: 78] بدين اللّه، فهو اعتصامكم باللّه في تفسير الحسن.
وقال الكلبيّ: بتوحيد اللّه.
وهو واحدٌ.
قوله: {هو مولاكم} [الحج: 78] وليّكم.
{فنعم المولى ونعم النّصير} [الحج: 78] وعدهم النّصر على أعدائه المشركين). [تفسير القرآن العظيم: 1/391]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {في الدّين من حرجٍ...}
من ضيق.
وقوله: {مّلّة أبيكم} نصبتها على: وسّع عليكم كملّة أبيكم إبراهيم؛ لأن قوله: {وما جعل عليكم في الدّين من حرجٍ} يقول: وسّعه وسمّحه كملّة إبراهيم، فإذا ألقيت الكاف نصبت، وقد تنصب {ملّة إبراهيم} على الأمر بها؛ لأن أول الكلام أمر كأنّه قال: اركعوا والزموا ملّة إبراهيم.
وقوله: {من قبل وفي هذا} يعني القرآن). [معاني القرآن: 2/231]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فنعم المولى} أي الرب). [مجاز القرآن: 2/54]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وجاهدوا في اللّه حقّ جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدّين من حرجٍ مّلّة أبيكم إبراهيم هو سمّاكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرّسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على النّاس فأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة واعتصموا باللّه هو مولاكم فنعم المولى ونعم النّصير}
وقال: {مّلّة أبيكم إبراهيم} نصب على الأمر). [معاني القرآن: 3/12]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {وما جعل عليكم في الدين من حرج}: من ضيق). [غريب القرآن وتفسيره: 263]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {هو اجتباكم} أي اختاركم.
{وما جعل عليكم في الدّين من حرجٍ} أي ضيق.
{هو سمّاكم المسلمين من قبل وفي هذا} يعني القرآن.
{ليكون الرّسول شهيداً عليكم} أي قد بلغكم.
{وتكونوا شهداء على النّاس} بأن الرسل قد بلغتهم.
{فنعم المولى} أي الولي.
{ونعم النّصير} أي الناصر. مثل قدير وقادر، وسميع وسامع). [تفسير غريب القرآن: 295]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وأما الضيق بعينه فقوله: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} أي ضيق.
و{يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} وحَرِجًا. ومنه الحرجة وهي: الشجر الملتفّ). [تأويل مشكل القرآن: 484] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجل: {وجاهدوا في اللّه حقّ جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدّين من حرج ملّة أبيكم إبراهيم هو سمّاكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرّسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على النّاس فأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة واعتصموا باللّه هو مولاكم فنعم المولى ونعم النّصير}
قيل إنه بمنزلة قوله: {اتّقوا اللّه حقّ تقاته} وأن نسخها قوله: {فاتّقوا اللّه ما استطعتم}.
وقوله: {هو اجتباكم} معناه: اختاركم.
وقوله: {وما جعل عليكم في الدّين من حرج} أي من ضيق، جعل الله على من لم يستطع الشيء الذي يثقل في وقت، ما هو أخف منه، فجعل للصائم الإفطار في السفر،
وبقصر الصلاة للمصلّي إذا لم يطق القيام أن يصلّي قاعدا، وإن لم يطق القعود أن يومئ إيماء، وجعل للرجل أن يتزوج أربعا، وجعل له جميع ما ملكته يمينه.
فوسّع اللّه - عزّ وجلّ - على خلقه.
وقوله: {ملّة أبيكم إبراهيم} معناه اتبعوا ملّة أبيكم إبراهيم.
وجائز أن يكون منصوبا بقوله: اعبدوا ربكم وافعلوا الخير فعل أبيكم إبراهيم.
وقوله: {هو سمّاكم المسلمين من قبل وفي هذا}." هو " راجعة إلى اللّه - عر وجل - المعنى: اللّه سمّاكم المسلمين من قبل أن ينزّل القرآن، وفي هذا القرآن سمّاكم المسلمين.
وجائز أن يكون إبراهيم عليه السلام سمّاكم المسلمين من قبل، وفي هذا، أي حكم إبراهيم أن كل من آمن بمحمد موحّدا للّه فقد سمّاه إبراهيم مسلما.
وقوله: {وتكونوا شهداء على النّاس} يروى أن الله سبحانه أعطى هذه الأمة ثلاثة أشياء لم يعطها إلا الأنبياء.
جعلت شهيدة على سائر الأمم، والشهادة لكل نبيّ على أمّته.
وأن يقال للنبي عليه السلام: اذهب ولا حرج عليك، وقال اللّه لهذه الأمّة: {وما جعل عليكم في الدّين من حرج}، وأنه قال لكل نبيّ سل تعطه،
وقال لهذه الأمّة: {وقال ربّكم ادعوني أستجب لكم} ). [معاني القرآن: 3/440-439]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {وجاهدوا في الله حق جهاده}
قيل هذا منسوخ وهو مثل قوله: {اتقوا الله حق تقاته} نسخه {فاتقوا الله ما استطعتم}
ثم قال جل وعز: {هو اجتباكم أي اختاركم ثم قال وما جعل عليكم في الدين من حرج}
قال أبو هريرة الإصر الذي كان على بني إسرائيل وضع عنكم
روى يونس عن الزهري قال سأل عبد الملك بن مروان علي ابن عبد الله ابن عباس عن قوله تعالى: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} فقال هو الضيق جعل لكفارات الأيمان مخرجا سمعت ابن عباس يقول ذلك قال أبو جعفر أصل الحرج في اللغة أشد الضيق وقد قيل إن المعنى أنه جعل للمسافر الإفطار وقصر الصلاة ولمن لم يقدر أن يصلي قائما الصلاة قاعدا وإن لم يقدر أومأ فلم يضيق جل وعز
وروى معمر عن قتادة قال أعطيت هذه الأمة ثلاثا لم يعطها إلا نبي
أ-كأن يقال للنبي اذهب فلا حرج عليك وقيل لهذه الأمة وما جعل عليكم في الدين من حرج
ب-والنبي صلى الله عليه وسلم شهيد على أمته وقيل لهذه الأمة {وتكونوا شهداء على الناس}
ج- ويقال للنبي صلى الله عليه وسلم سل تعطه وقيل لهذه الأمة وقال ربكم ادعوني استجب لكم
وقال كعب الأحبار نحو هذا
وقال عكرمة أحل النساء مثنى وثلاث ورباع
وروى عن ابن عباس جعل التوبة مقبولة
وقوله جل وعز: {ملة أبيكم إبراهيم}
أي وسع عليكم كما وسع عليه صلى الله عليه وسلم وقيل افعلوا الخير فعل أبيكم إبراهيم
ثم قال تعالى: {هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا}
روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال يقول الله جل وعز: {سماكم}
قال مجاهد من قبل أي في الكتب والذكر
قال أبو جعفر وفي هذا يعني القرآن
ثم قال جل وعز: {ليكون الرسول شهيدا عليكم}
قال سفيان أي بأعمالكم وتكونوا شهداء على الناس بأن الرسل قد بلغتهم
وقوله جل وعز: {فنعم المولى} أي الولي {ونعم النصير} أي الناصر كما يقول قدير وقادر ورحيم وراحم). [معاني القرآن: 4/437-434]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مِنْ حَرَجٍ}: ضيق). [العمدة في غريب القرآن: 214]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:12 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة