العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الإسراء

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 27 جمادى الأولى 1434هـ/7-04-2013م, 05:22 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي تفسير سورة الإسراء [ من الآية (13) إلى الآية (17) ]

{وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14) مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15) وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16) وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (17)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 27 جمادى الأولى 1434هـ/7-04-2013م, 05:24 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه قال عمله ويخرج ذلك العمل كتابا يلقاه منشورا قال معمر وقال الحسن طائره عمله شقاوة أو سعادة). [تفسير عبد الرزاق: 1/374]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن منصورٍ عن مجاهدٍ في قوله: {وكل إنسانٍ ألزمناه طائره في عنقه} قال: عمله [الآية: 13]). [تفسير الثوري: 169]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا وكيعٌ، عن يزيد بن درهمٍ، قال: سمعت أنس بن مالكٍ يقول في قوله: {وكلّ إنسانٍ ألزمناه طائره في عنقه} قال: كتابه). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 239]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({طائره} [الإسراء: 13] : «حظّه»). [صحيح البخاري: 6/83]

- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (طائره حظّه
أشار به إلى قوله تعالى: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه} (الإسراء: 13) الآية وفسّر (طائره) بقوله: (حظه) ، وكذا فسره أبو عبيدة والقتبي، وقالا: أراد بالطائر حظه من الخير والشّر، من قولهم: طار بهم فلان بكذا، وإنّما خص عنقه دون سائر أعضائه لأن العنق موضع السمات وموضع القلادة وغير ذلك ممّا يزين أو يشين، فجرى كلام العرب بنسبة الأشياء اللّازمة إلى الأعناق، فيقولون: هذا الشّيء لك في عنقي حتّى أخرج منه، وعن ابن عبّاس: طائره عمله، وعن الكلبيّ ومقاتل: خيره وشره معه لا يفارقه حتّى يحاسب عليه، وعن الحسن: يمنه وشومه، وعن مجاهد: رزقه). [عمدة القاري: 19/22]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({طائره}) في قوله تعالى: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه} [الإسراء: 13] هو (حظه) بالحاء المهملة والظاء المعجمة وقال ابن عباس خيره وشره مكتوب عليه لا يفارقه. وقال الحسن فيما رواه السمرقندي: عمله. زاد في الأنوار وما قدر له كأنه طير إليه من عش الغيب، والمعنى أن عمله لازم له لزوم القلادة أو الغل لا ينفك عنه وخص العنق حيث قال في عنقه من بين سائر الأعضاء لأن الذي عليه إما أن يكون خيرًا يزينه أو شرًّا يثينه وما يزين يكون كالطوق والحلي وما يشين يكون كالغل). [إرشاد الساري: 7/200]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وكلّ إنسانٍ ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابًا يلقاه منشورًا}.
يقول تعالى ذكره: وكلّ إنسانٍ ألزمناه ما قضي له أنّه عامله، وما هو صائرٌ إليه من شقاءٍ أو سعادةٍ بعمله في عنقه لا يفارقه. وإنّما قوله {ألزمناه طائره} مثلٌ لما كانت العرب تتفاءل به أو تتشاءم من سوانح الطّير وبوارحها، فأعلمهم جلّ ثناؤه أنّ كلّ إنسانٍ منهم قد ألزمه ربّه طائره في عنقه نحسًا كان ذلك الّذي ألزمه من الطّائر، وشقاءً يورده سعيرًا، أو كان سعدًا يورده جنّات عدنٍ.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك، قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك
- حدّثني محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا معاذ بن هشامٍ، قال: حدّثني أبي، عن قتادة، عن جابر بن عبد اللّه، أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: " لا عدوى ولا طيرة وكلّ إنسانٍ ألزمناه طائره في عنقه "
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، {وكلّ إنسانٍ ألزمناه طائره في عنقه} قال: الطّائر: عمله، قال: والطائر في أشياء كثيرةٍ، فمنه التّشاؤم الّذي يتشاءم به النّاس بعضهم من بعضٍ
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: أخبرني عطاءٌ الخراسانيّ عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وكلّ إنسانٍ ألزمناه طائره في عنقه} قال: عمله وما قدر عليه، فهو ملازمه أينما كان، وزائلٌ معه أينما زال قال ابن جريجٍ: وقال: طائره: عمله
- قال: ابن جريجٍ: وأخبرني عبد اللّه بن كثيرٍ، عن مجاهدٍ، قال: عمله وما كتب اللّه له
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: طائره: عمله
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، وحدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عمرٍو جميعًا عن منصورٍ، عن مجاهدٍ {وكلّ إنسانٍ ألزمناه طائره في عنقه} قال: عمله.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني واصل بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن فضيلٍ، عن الحسن بن عمرٍو الفقيميٍّ، عن الحكم، عن مجاهدٍ، في قوله: {وكلّ إنسانٍ ألزمناه طائره في عنقه} قال: ما من مولودٍ يولد إلاّ وفي عنقه ورقةٌ مكتوبٌ فيها شقيّ أو سعيدٌ. قال: وسمعته يقول: أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب، قال: هو ما سبق
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وكلّ إنسانٍ ألزمناه طائره في عنقه} إي واللّه بسعادته وشقائه بعمله
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: طائره: عمله.
فإن قال قائلٌ: وكيف قال: ألزمناه طائره في عنقه إن كان الأمر على ما وصفت ولم يقل: ألزمناه في يديه ورجليه أو غير ذلك من أعضاء الجسد؟ قيل: لأنّ العنق هو موضع السّمات، وموضع القلائد والأطوقة، وغير ذلك ممّا يزيّن أو يشين، فجرى كلام العرب بنسبة الأشياء اللاّزمة بني آدم وغيرهم من ذلك إلى أعناقهم وكثر استعمالهم ذلك حتّى أضافوا الأشياء اللاّزمة سائر الأبدان إلى الأعناق، كما أضافوا جنايات أعضاء الأبدان إلى اليد، فقالوا: ذلك بما كسبت يداه، وإن كان الّذي جرّ عليه لسانه أو فرجه، فكذلك قوله {ألزمناه طائره في عنقه}.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {ونخرج له يوم القيامة كتابًا يلقاه منشورًا} فقرأه بعض أهل المدينة ومكّة، وهو نافعٌ وابن كثيرٍ وعامّة قرّاء العراق {ونخرج} بالنّون {له يوم القيامة كتابًا يلقاه منشورًا} بفتح الياء من يلقاه وتخفيف القاف منه، بمعنًى: ونخرج له نحن يوم القيامة ردًّا على قوله {ألزمناه} ونحن نخرج له يوم القيامة كتاب عمله منشورًا. وكان بعض قرّاء أهل الشّام يوافق هؤلاء على قراءة قوله {ونخرج} ويخالفهم في قوله {يلقاه} فيقرؤه: " يلقاه " بضمّ الياء وتشديد القاف، بمعنى: ونخرج له نحن يوم القيامة كتابًا يلقاه، ثمّ يردّه إلى ما لم يسمّ فاعله، فيقول: يلقى الإنسان ذلك الكتاب منشورًا.
وذكر عن مجاهدٍ ما:
- حدّثنا أحمد بن يوسف، قال: حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا يزيد، عن جرير بن حازمٍ، عن حميدٍ، عن مجاهدٍ، أنّه قرأها ( ويخرج له يوم القيامة كتابًا ) قال: يزيد: يعني يخرج الطّائر كتابًا.
هكذا أحسبه قرأها بفتح الياء، وهي قراءة الحسن البصريّ، وابن محيصنٍ، وكأنّ من قرأ هذه القراءة وجّه تأويل الكلام إلى: ويخرج له الطّائر الّذي ألزمناه عنق الإنسان يوم القيامة فيصير كتابًا يقرؤه منشورًا. وقرأ ذلك بعض أهل المدينة: ( ويخرج له ) بضمّ الياء على مذهب ما لم يسمّ فاعله، وكأنّه وجّه معنى الكلام إلى: ويخرج له الطّائر يوم القيامة كتابًا، يريد: ويخرج اللّه له ذلك الطّائر قد صيّره كتابًا، غيرأنه قال يخرج لأنّه نحّاه نحو ما لم يسمّ فاعله.
وأولى القراءات في ذلك بالصّواب، قراءة من قرأه: {ونخرج} بالنّون وضمّها {له يوم القيامة كتابًا يلقاه منشورًا} بفتح الياء وتخفيف القاف، لأنّ الخبر جرى قبل ذلك عن اللّه تعالى أنّه الّذي ألزم خلقه ما ألزم من ذلك، فالصّواب أن يكون الّذي يليه خبرًا عنه، أنّه هو الّذي يخرجه لهم يوم القيامة، وأن يكون بالنّون كما كان الخبر الّذي قبله بالنّون. وأمّا قوله: {يلقاه} فإنّ في إجماع الحجّة من القرّاء على تصويب ما اخترنا من القراءة في ذلك، وشذوذ ما خالفه الحجّة الكافية لنا على تقارب معنى القراءتين: أعنّي ضمّ الياء وفتحها في ذلك، وتشديد القاف وتخفيفها فيه، فإذا كان الصّواب في القراءة هو ما اخترنا بالّذي عليه دلّلنا، فتأويل الكلام: وكلّ إنسانٍ منكم يا معشر بني آدم، ألزمناه نحسه وسعده وشقاءه وسعادته، بما سبق له في علمنا أنّه صائرٌ إليه، وعاملٌ من الخير والشّرّ في عنقه، فلا يجاوز في شيءٍ من أعماله ما قضينا عليه أنّه عامله، وما كتبنا له أنّه صائرٌ إليه، ونحن نخرج له إذا وافانا كتابًا يصادفه منشورًا بأعماله الّتي عملها في الدّنيا، وبطائره الّذي كتبنا له، وألزمناه إيّاه في عنقه، قد أحصى عليه ربّه فيه كلّ ما سلف في الدّنيا.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك، قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، {ونخرج له يوم القيامة كتابًا يلقاه منشورًا} قال: هو عمله الّذي عمل أحصي عليه، فأخرج له يوم القيامة ما كتب عليه من العمل يقرؤه منشورًا
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {ونخرج له يوم القيامة كتابًا يلقاه منشورًا} أي عمله
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا أبو سفيان، عن معمرٍ، عن قتادة، {ألزمناه طائره في عنقه} قال: عمله {ونخرج له} قال: نخرج ذلك العمل {كتابًا يلقاه منشورا}
قال معمرٌ: وتلا الحسن: {عن اليمين وعن الشّمال قعيدٌ} يا ابن آدم بسطت لك صحيفتك، ووكّل بك ملكان كريمان، أحدهما عن يمينك، والآخر عن يسارك. فأمّا الّذي عن يمينك فيحفظ حسناتك. وأمّا الّذي عن شمالك فيحفظ سيّئاتك، فأملل ما شئت، أقلل أو أكثر، حتّى إذا متّ طويت صحيفتك، فجعلت في عنقك معك في قبرك، حتّى تخرج يوم القيامة كتابًا يلقاه منشورًا {اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبًا} قد عدل واللّه عليك من جعلك حسيب نفسك
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: طائره: عمله، ويخرج له ذلك العمل كتابًا يلقاه منشورًا.
وقد كان بعض أهل العربيّة يتأوّل قوله {وكلّ إنسانٍ ألزمناه طائره في عنقه}: حظّه، من قولهم: طار سهم فلانٍ بكذا: إذا خرج سهمه على نصيبٍ من الأنصباء، وذلك وإن كان قولاً له وجهٌ، فإنّ تأويل أهل التّأويل على ما قد بيّنت، وغير جائزٍ أن يتجاوز في تأويل القرآن ما قالوه إلى غيره، على أنّ ما قاله هذا القائل، إن كان عنى بقوله حظّه من العمل والشّقاء والسّعادة، فلم يبعد معنى قوله من معنى قولهم). [جامع البيان: 14/518-524]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيمنا آدم نا شيبان وشريك عن منصور عن مجاهد في قوله ألزمناه طائره في عنقه قال عمله خيره وشره
- نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله). [تفسير مجاهد: 359]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم نا آدم ثنا المبارك بن فضالة عن الحسن قال طائره عمله خيره وشره شقاوته وسعادته). [تفسير مجاهد: 359]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {وكلّ إنسانٍ ألزمناه طائره في عنقه} [الإسراء: 13].
- عن جابرٍ قال: سمعت رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - يقول: " «طير كلّ عبدٍ في عنقه» ".
رواه أحمد، وفيه ابن لهيعة وحديثه حسنٌ وفيه ضعفٌ، وبقيّة رجاله رجال الصّحيح). [مجمع الزوائد: 7/49]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد، وعبد بن حميد، وابن جرير بسند حسن، عن جابر رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: طائر كل إنسان في عنقه). [الدر المنثور: 9/271]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن حذيفة بن أسيد رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن النطفة التي يخلق منها النسمة تطير في المرأة أربعين يوما وأربعين ليلة فلا يبقى منها شعر ولا بشر ولا عرق ولا عظم إلا دخله حتى أنها لتدخل بين الظفر واللحم فإذا مضى لها أربعون ليلة وأربعون يوما أهبطه الله إلى الرحم فكان علقة أربعين يوما وأربعين ليلة ثم يكون مضغة أربعين يوما وأربعين ليلة فإذا تمت لها أربعة أشهر بعث الله إليها ملك الأرحام فيخلق على يده لحمها ودمها وشعرها وبشرها ثم يقول: صور، فيقول: يا رب ما أصور أزائد أم ناقص أذكر أم أنثى أجميل أم ذميم أجعد أم سبط أقصير أم طويل أبيض أم آدم أسوي أم غير سوي فيكتب من ذلك ما يأمر به، ثم يقول الملك: يا رب أشقي أم سعيد فإن كان سعيدا نفخ فيه بالسعادة في آخر أجله وإن كان شقيا: نفخ فيه الشقاوة في آخر أجله، ثم يقول: اكتب أثرها ورزقها ومصيبتها وعملها بالطاعة والمعصية فيكتب من ذلك ما يأمره الله به ثم يقول الملك: يا رب ما أصنع بهذا الكتاب فيقول: علقه في عنقه إلى قضائي عليه، فذلك قوله: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه}). [الدر المنثور: 9/271-272]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ألزمناه طائره في عنقه} قال: سعادته وشقاوته وما قدره الله له وعليه فهو لازمه أينما كان). [الدر المنثور: 9/272]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم من طريق جوبير عن الضحاك رضي الله عنه في قوله: {طائره في عنقه} قال: قال عبد الله رضي الله عنه الشقاء والسعادة والرزق والأجل). [الدر المنثور: 9/272]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن أنس رضي الله عنه في قوله: {طائره في عنقه} قال: كتابه). [الدر المنثور: 9/273]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه} أي عمله). [الدر المنثور: 9/273]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابو داود في كتاب القدر، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه} قال: ما من مولود يولد إلا وفي عنقه ورقة مكتوب فيها شقي أو سعيد). [الدر المنثور: 9/273]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن ابي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ألزمناه طائره} قال: عمله {ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا} قال: هو عمله الذي عمل أحصي عليه فأخرج له يوم القيامة ما كتب عليه من العمل فقرأه منشورا). [الدر المنثور: 9/273]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في الآية قال: الكافر يخرج له يوم القيامة كتاب فيقول: رب إنك قد قضيت، إنك لست بظلام للعبيد فاجعلني أحاسب نفسي، فيقال له: {اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا} ). [الدر المنثور: 9/273]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو عبيد، وابن المنذر عن هرون قال: في قراءة أبي بن كعب رضي الله عنه {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه} يقرؤه يوم القيامة {كتابا يلقاه منشورا} ). [الدر المنثور: 9/273-274]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه أنه قرأ ويخرج له يوم القيامة كتابا بفتح الياء يعني يخرج الطائر كتابا). [الدر المنثور: 9/274]

تفسير قوله تعالى: (اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبًا}.
يقول تعالى ذكره: {ونخرج له يوم القيامة كتابًا يلقاه منشورًا} فنقول له: {اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبًا} فترك ذكر قوله: فنقول له، اكتفاءً بدلالة الكلام عليه. وعنى بقوله: {اقرأ كتابك} اقرأ كتاب عملك الّذي عملته في الدّنيا، الّذي كان كاتبانا يكتبانه، ونحصيه عليك {كفى بنفسك اليوم عليك حسيبًا} يقول: حسبك اليوم نفسك عليك حاسبًا يحسب عليك أعمالك، فيحصيها عليك، لا نبتغي عليك شاهدًا غيرها، ولا نطلب عليك محصيًا سواها
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبًا} سيقرأ يومئذٍ من لم يكن قارئًا في الدّنيا). [جامع البيان: 14/525]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {اقرأ كتابك} قال: سيقرأ يومئذ من لم يكن قارئا في الدنيا). [الدر المنثور: 9/274]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن الحسن رضي الله عنه قال: يا ابن آدم بسطت لك صحيفة ووكل بك ملكان كريمان أحدهما عن يمينك والآخر عن يسارك حتى إذا مت طويت صحيفتك فجعلت في عنقك معك في قبرك حتى تخرج يوم القيامة، فعند ذلك يقول: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه} حتى بلغ عليك {حسيبا}). [الدر المنثور: 9/274]

تفسير قوله تعالى: (مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة قال إذا كان يوم القيامة جمع الله أهل الفترة والمعتوه والأصم والأبكم والشيوخ الذين لم يدركوا الإسلام ثم أرسل إليهم رسولا أن ادخلوا النار قال فيقولون كيف ولم يأتنا رسول قال وأيم الله لو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما ثم يرسل إليهم فيطيعه من كان يريد أن يطيعه قال ثم قال أبو هريرة اقرؤوا إن شئتم وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا). [تفسير عبد الرزاق: 1/374]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {من اهتدى فإنّما يهتدي لنفسه ومن ضلّ فإنّما يضلّ عليها ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى وما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولاً}.
يقول تعالى ذكره: من استقام على طريق الحقّ فاتّبعه، وذلك دين اللّه الّذي ابتعث به نبيّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم {فإنّما يهتدي لنفسه} يقول: فليس ينفع بلزومه الاستقامة وإيمانه باللّه ورسوله غير نفسه {ومن ضلّ} يقول: ومن جار عن قصد السّبيل، فأخذ على غير هدًى، وكفر باللّه وبمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وبما جاء به من عند اللّه من الحقّ، فليس يضرّ بضلاله وجوره عن الهدى غير نفسه، لأنّه يوجب لها بذلك غضب اللّه وأليم عذابه. وإنّما عنى بقوله {فإنّما يضلّ عليها} فإنّما يكسب إثم ضلاله عليها لا على غيرها.
وقوله: {ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى} يعني تعالى ذكره: ولا تحمل حاملةٌ حمل أخرى غيرها من الآثام. وقال: {وازرةٌ وزر أخرى} لأنّ معناها: ولا تزر نفسٌ وازرةٌ وزر نفسٍ أخرى. يقال منه: وزرت كذا أزره وزرًا، والوزر: هو الإثم، يجمع أوزارًا، كما قال تعالى: {ولكنّا حملنا أوزارًا من زينة القوم} وكأنّ معنى الكلام: ولا تأثم آثمةٌ إثم أخرى، ولكن على كلّ نفسٍ إثمها دون إثم غيرها من الأنفس، كما:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى} واللّه ما يحمل اللّه على عبدٍ ذنب غيره، ولا يؤاخذ إلاّ بعمله
وقوله: {وما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولاً} يقول تعالى ذكره: وما كنّا مهلكي قومٍ إلاّ بعد الإعذار إليهم بالرّسل، وإقامة الحجّة عليهم بالآيات الّتي تقطع عذرهم. كما؛
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولاً} إنّ اللّه تبارك وتعالى ليس يعذّب أحدًا حتّى يسبق إليه من اللّه خبرًا، أو يأتيه من اللّه بيّنةٌ، وليس معذّبًا أحدًا إلاّ بذنبه
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، عن أبي هريرة، قال: إذا كان يوم القيامة، جمع اللّه تبارك وتعالى النسم الّذين ماتوا في الفترة والمعتوه والأصمّ والأبكم، والشّيوخ الّذين جاء الإسلام وقد خرفوا، ثمّ أرسل رسولاً، أن ادخلوا النّار، فيقولون: كيف ولم يأتنا رسولٌ، وايم اللّه لو دخلوها لكانت عليهم بردًا وسلامًا، ثمّ يرسل إليهم، فيطيعه من كان يريد أن يطيعه قبل، قال أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم {وما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولاً}.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا أبو سفيان، عن معمرٍ، عن همّامٍ، عن أبي هريرة نحوه). [جامع البيان: 14/525-527]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عبد البر في التمهيد بسند ضعيف عن عائشة رضي الله عنها قال: سالت خديجة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين فقال: هم مع آبائهم ثم سألته بعد ذلك فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين ثم سألته بعد ما استحكم الإسلام فنزلت {ولا تزر وازرة وزر أخرى} فقال: هم على الفطرة أو قال: في الجنة). [الدر المنثور: 9/274]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق في المصنف، وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حدثني الصعب بن جثامة رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله إني قضيت في البنات من ذراري المشركين قال: هم منهم). [الدر المنثور: 9/275]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن سعد وقاسم بن أصبغ، وابن عبد البر عن خنساء بنت معاوية الضمرية عن عمها قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: النّبيّ في الجنة والشهيد في الجنة والمولود في الجنة والوئيد). [الدر المنثور: 9/275]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج قاسم بن أصبغ، وابن عبد البر عن أنس رضي الله عنه قال: سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين قال: هم خدم أهل الجنة). [الدر المنثور: 9/275]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عن سلمان رضي الله عنه قال: أطفال المشركين خدم أهل الجنة). [الدر المنثور: 9/275]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول، وابن عبد البر وضعفه عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد المسلمين أين هم قال: في الجنة وسألته عن ولدان المشركين أين هم قال: في النار قلت: يا رسول الله لم يدركوا الأعمال ولم تجر عليهم القلام قال: ربك أعلم بما كانوا عاملين والذي نفسي بيده لئن شئت أسمعتك تضاغيهم في النار). [الدر المنثور: 9/276]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج قاسم بن أصبغ، وابن عبد البر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت أقول في أطفال المشركين هم مع آبائهم حتى حدثني رجل من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنه سئل عنهم فقال: ربهم أعلم بهم وبما كانوا عاملين فأمسكت عن قولي). [الدر المنثور: 9/276-277]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج قاسم بن أصبغ، وابن عبد البر عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن أولاد المشركين فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين والله أعلم). [الدر المنثور: 9/277]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 15 - 17.
أخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إذا كان يوم القيامة جمع الله أهل الفترة: المعتوه والأصم والأبكم والشيوخ الذين لم يدركوا الإسلام ثم أرسل إليهم رسولا أن ادخلوا النار فيقولون كيف ولم تأتنا رسل قال: وأيم الله لو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما ثم يرسل إليهم فيطيعه من كان يريد أن يطيعه، قال أبو هريرة رضي الله عنه: اقرأوا إن شئتم {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} ). [الدر المنثور: 9/277]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج إسحاق بن راهويه وأحمد، وابن حبان وأبو نعيم في المعرفة والطبراني، وابن مردويه والبيهقي في كتاب الاعتقاد عن الأسود بن سريع رضي الله عنه أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم: أربعة يحتجون يوم القيامة: رجل أصم لا يسمع شيئا ورجل أحمق ورجل هرم ورجل مات في الفطرة فأما الأصم فيقول: رب لقد جاء الإسلام وما أسمع شيئا وأما الأحمق فيقول: رب جاء الإسلام والصبيان يحذفونني بالبعر وأما الهرم فيقول: رب لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئا وأما الذي مات في الفطرة فيقول: رب ما آتاني لك رسول، فيأخذ مواثيقهم ويرسل إليهم رسولا أن ادخلوا النار، قال: فوالذي نفس محمد بيده لو دخلوها كانت عليهم بردا وسلاما ومن لم يدخلها سحب إليها). [الدر المنثور: 9/277-278]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن راهويه وأحمد، وابن مردويه والبيهقي أبي هريرة رضي الله عنه مثله غير أنه قال في آخره: فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما ومن لم يدخلها سحب إليها). [الدر المنثور: 9/278]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج قاسم بن أصبغ والبزار وأبو يعلى، وابن عبد البر في التمهيد عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يؤتى يوم القيامة بأربعة: بالمولود والمعتوه ومن مات في الفترة والشيخ الهرم الفاني كلهم يتكلم بحجته فيقول الرب تبارك وتعالى: لعنق من جهنم أبرزي ويقول لكم: غني كنت أبعث إلى عبادي رسلا من أنفسهم وإني رسول نفسي إليكم، فيقول لهم: ادخلوا هذه فيقول: من كتب عليه الشقاء يا رب أندخلها ومنها كنا نفر قال: وأما من كتب له السعادة فيمضي فيها فيقول الرب: قد عاينتموني فعصيتموني فأنتم لرسلي أشد تكذيبا ومعصية فيدخل هؤلاء الجنة وهؤلاء النار). [الدر المنثور: 9/278-279]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول والطبراني وأبو نعيم عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يؤتى يوم القيامة بالممسوخ عقلا وبالهالك في الفترة وبالهالك صغيرا فيقول الممسوخ عقلا: يا رب لو آتيتني عقلا ما كان من آتيته عقلا بأسعد بعقله مني ويقول الهالك في الفترة رب لو أتاني منك عهد ما كان من أتاه منك عهد بأسعد بعهدك مني ويقول الهالك صغيرا: يا رب لو آتيتني عمرا ما كان من أتيته عمرا بأسعد بعمره مني فيقول الرب تبارك وتعالى: فإني آمركم بأمر تطيعوني فيقولون: نعم وعزتك فيقول لهم: اذهبوا فادخلوا جهنم ولو دخلوها ما ضرتهم شيئا فخرج عليهم قوابص من نار يظنون أنها قد أهلكت ما خلق الله من شيء فيرجعون سراعا ويقولون: يا ربنا خرجنا وعزتك نريد دخولها فخرجت علينا قوابص من نار ظننا أن قد أهلكت ما خلق الله من شيء ثم يأمرهم ثانية فيرجعون كذلك ويقولون: كذلك فيقول الرب: خلقتكم على علمي وإلى علمي تصيرون ضميهم فتأخذهم النار). [الدر المنثور: 9/279-280]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي صالح رضي الله عنه قال: يحاسب يوم القيامة الذين أرسل إليهم الرسل فيدخل الله الجنة من أطاعه ويدخل النار من عصاه ويبقى قوم من الولدان والذين هلكوا في الفترة فيقول: وإني آمركم أن تدخلوا هذه النار فيخرج لهم عنق منها فمن دخلها كانت نجاته ومن نكص فلم يدخلها كانت هلكته). [الدر المنثور: 9/280-281]

تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وقال مجاهد في قول الله: {أمرنا مترفيها}، قال: أكثرنا مترفيها). [الجامع في علوم القرآن: 1/21-22]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها قال أكثرنا). [تفسير عبد الرزاق: 1/375]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الزهري عن عروة عن زينب بنت أبي سلمة عن زينب بنت جحش قالت دخل النبي يوما على زينب وهو يقول لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا وحلق إبهامه والتي تليها قالت يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث). [تفسير عبد الرزاق: 1/375]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال: قال معاذ بن جبل اخرجوا من اليمن قبل ثلاث قبل خروج النار وقبل انقطاع الحبل وقيل ألا يكون لأهلها زاد إلا الجراد). [تفسير عبد الرزاق: 1/375]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال تخرج نار من اليمن تسوق الناس وتغدو وتروح وتدلج). [تفسير عبد الرزاق: 1/375]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الزهري قال تخرج نار بأرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى). [تفسير عبد الرزاق: 1/375]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة يرويه قال تخرج نار من مشارق الأرض تسوق الناس إلى مغاربها سوق البرق الكسير تقيل معهم إذا قالوا وتبيت معهم إذا باتوا وتأكل من تخلف). [تفسير عبد الرزاق: 1/375]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن الأعمش في قوله: {أمرنا مترفيها} أكثرنا مترفيها [الآية: 16].
قال سفيان [الثوري]: ذكر عن مجاهد مثله). [تفسير الثوري: 169-170]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (حقّ: «وجب»). [صحيح البخاري: 6/83]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (حقّ وجب
أشار به إلى قوله تعالى: {فحق عليها القول فدمرناها تدميراً} (الإسراء: 16) وفسّر قوله: فحق، بقوله: (وجب) ، وكذا فسره ابن عبّاس، وفي التّفسير: أي وجب عليها العذاب، والضّمير يرجع إلى القرية المذكورة قبله). [عمدة القاري: 19/20]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({حق}) عليها القول أي (وجب) عليها كلمة العذاب السابقة). [إرشاد الساري: 7/199]

قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب قوله: {وإذا أردنا أن نهلك قريةً أمرنا مترفيها} [الإسراء: 16] الآية
- حدّثنا عليّ بن عبد اللّه، حدّثنا سفيان، أخبرنا منصورٌ، عن أبي وائلٍ، عن عبد اللّه، قال: " كنّا نقول للحيّ إذا كثروا في الجاهليّة: أمر بنو فلانٍ " حدّثنا الحميديّ، حدّثنا سفيان وقال: «أمر»). [صحيح البخاري: 6/84]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب وإذا أردنا أن نهلك قريةً أمرنا مترفيها الآية)
ذكر فيه حديث عبد الله وهو بن مسعودٍ كنّا نقول للحيّ إذا كثروا في الجاهليّة أمر بنو فلانٍ ثمّ ذكره عن شيخٍ آخر عن سفيان يعني بسنده قال أمر فالأولى بكسر الميم والثّانية بفتحها وكلاهما لغتان وأنكر بن التّين فتح الميم في أمر بمعنى كثر وغفل في ذلك ومن حفظه حجّةٌ عليه كما سأوضّحه وضبط الكرمانيّ أحدهما بضمّ الهمزة وهو غلطٌ منه وقراءة الجمهور بفتح الميم وحكى أبو جعفر عن بن عبّاسٍ أنّه قرأها بكسر الميم وأثبتها أبو زيدٍ لغةً وأنكرها الفرّاء وقرأ أبو رجاءٍ في آخرين بالمدّ وفتح الميم ورويت عن أبي عمرو وبن كثيرٍ وغيرهما واختارها يعقوب ووجّهها الفرّاء بما ورد من تفسير بن مسعودٍ وزعم أنّه لا يقال أمرنا بمعنى كثّرنا إلّا بالمدّ واعتذر عن حديث أفضل المال مهرةٌ مأمورةٌ فإنّها ذكرت للمزاوجة لقوله فيه أو سكّةٌ مأبورةٌ وقرأ أبو عثمان النّهديّ كالأوّل لكن بتشديد الميم بمعنى الإمارة واستشهد الطّبريّ بما أسنده من طريق عليّ بن أبي طلحة عن بن عبّاسٍ في قوله أمرنا مترفيها قال سلطنا شرارها ثمّ ساق عن أبي عثمان وأبي العالية ومجاهد أنهم قرؤوا بالتّشديد وقيل التّضعيف للتّعدية والأصل أمرنا بالتّخفيف أي كثّرنا كما وقع في هذا الحديث الصّحيح ومنه حديث خير المال مهرةٌ مأمورةٌ أي كثيرة النّتاج أخرجه أحمد ويقال أمر بنو فلانٍ أي كثروا وأمّرهم اللّه كثّرهم وأمروا أي كثروا وقد تقدّم قول أبي سفيان في أوّل هذا الشّرح في قصّة هرقل حيث قال لقد أمر أمر ابن أبي كبشة أي عظم واختار الطّبريّ قراءة الجمهور واختار في تأويلها حملها على الظّاهر وقال المعنى أمرنا مترفيها بالطّاعة فعصوا ثمّ أسنده عن بن عبّاسٍ ثمّ سعيد بن جبيرٍ وقد أنكر الزّمخشريّ هذا التّأويل وبالغ كعادته وعمدة إنكاره أنّ حذف ما لا دليل عليه غير جائزٍ وتعقّب بأنّ السّياق يدلّ عليه وهو كقولك أمرته فعصاني أي أمرته بطاعتي فعصاني وكذا أمرته فامتثل). [فتح الباري: 8/394-395]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (باب قوله: {وإذا أردنا أن نهلك قريةً أمرنا مترفيها} (الإسراء: 16)
أي: هذا باب في قوله عز وجل: {وإذا أردنا أن نهلك قرية} الآية. أي إذا أردنا إهلاك قرية أمرنا، بفتح الميم من: أمر، ضد نهى، وهي قراءة الجمهور، وفيه حذف تقديره {أمرنا مترفيها} بالطّاعة {ففسقوا} أي: فخرجوا عن الطّاعة {فحق عليها القول} أي: فوجب عليهم العذاب {فدمرنا تدميراً} أي: فخربنا تخريباً وأهلكنا من فيها إهلاكاً، وفسّر بعضهم: أمرنا: بكثرنا. وقال الزّمخشريّ: وقرىء (آمرنا) من أمر يعني بكسر الميم وأمره غيره وأمرنا بمعنى أمرنا أو من أمر إمارة وأمره الله أي: جعلناهم أمراء وسلطناهم. قوله: (مترفيها) جمع مترف وهو المتنعم المتوسع في ملاذ الدّنيا.
- حدّثنا عليّ بن عبد الله حدّثنا سفيان أخبرنا منصورٌ عن أبي وائل عن عبد الله قال كنّا نقول للحيّ إذا كثروا في الجاهليّة أمر بنو فلانٍ.
مطابقته للتّرجمة تؤخذ من قوله: أمر، فإنّه بفتح الميم وكسرها كما جاءت القراءات المذكورة في الآية المذكورة مبنيّة على الاختلاف في معنى: أمر، الّذي هو الماضي، والاختلاف في بابه.
وعلي بن عبد الله هو المعروف بابن المدينيّ وسفيان هو ابن عيينة، ومنصور هو ابن المعتمر، وأبو وائل هو شقيق بن سلمة وعبد الله هو ابن مسعود.
قوله: (للحي) أي: للقبيلة. قوله: (أمر) ، بكسر الميم بمعنى كثر، وجاء بفتح الميم أيضا، وهما لغتان جاءتا بمعنى: كثر، وفيه رد على ابن التّين حيث أنكر الفتح في معنى كثر، وقال بعضهم: وضبط الكرماني أحدهما بضم الهمزة وهو غلط منه. قلت: لم يصرح الكرماني بذلك بل نسبه إلى الحميدي، وفيه المناقشة.
حدّثنا الحميدي حدّثنا سفيان وقال: أمر
أشار بذلك إلى أن سفيان بن عيينة روى عنه الحميدي: (أمر) ، بفتح الميم، وروى عنه عليّ بن عبد الله: أمر، بكسر الميم وهما لغتان كما ذكرنا في معنى: كثر والحميدي عبد الله بن الزبير بن عيسى ونسبته إلى أحد أجداده حميد، وقد مر غير مرّة، والله سبحانه وتعالى أعلم). [عمدة القاري: 19/26]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب قوله: {وإذا أردنا أن نهلك قريةً أمرنا مترفيها} [الإسراء: 16]
(باب قوله) جل وعلا: ({وإذا أردنا أن نهلك قرية}) أي أهلها ({أمرنا مترفيها}) [الإسراء: 16] (الآية). واختلف في متعلق الأمر هنا فعن ابن عباس وغيره أنه أمرنا متنعميها بالطاعة أي على لسان رسول بعثناه إليهم ففسقوا ورده في الكشاف ردًّا شديدًا وأنكره إنكارًا بليغًا في كلام طويل حاصله أنه حذف ما لا دليل عليه وهو غير جائز وقدّر هو متعلق الأمر الفسق أي أمرناهم بالفسق ففعلوا والأمر مجاز لأن حقيقة أمرهم بالفسق أن يقول لهم افسقوا وهذا لا يكون فبقي أن يكون مجازًا، ووجه المجاز أنه صب عليهم النعمة صبًّا فجعلوها ذريعة إلى المعاصي واتّباع الشهوات فكأنهم مأمورون بذلك لتسبب إبلاء النعمة فيه وإنما قولهم إياها ليشكروا فآثروا الفسوق فلما فسقوا حق عليها القول وهي كلمة العذاب فدمرهم، وأجاب في البحر بأن قوله لأن حذف ما لا دليل عليه غير جائز تعليل لا يصح فيما نحن بسبيله، بل ثم ما يدل على حذفه لأن حذف الشيء تارة يكون لدلالة موافقه عليه ومنه ما مثل به هو في قوله في جملة هذا المبحث أمرته فقام وأمرته فقرأ وتارة يكون لدلالة خلافه أو ضده أو نقيضه فمن ذلك قوله تعالى: {وله ما سكن في الليل والنهار} [الأنعام: 13] أي ما سكن وما تحرّك. و {سرابيل تقيكم الحر} أي والبرد وتقول: أمرته فلم يحسن وهذه الآية من هذا القبيل يستدل على حذف النقيض بإثبات نقيضه ودلالة النقيض على النقيض كدلالة النظير على النظير وهذا الباب مع ما ذكره من قوله: وإذا أردنا الخ. ثابت عن أبي ذر بهامش الفرع هنا وبعد قوله السابق مثبورًا ملعونًا ونبّه محرره ومقابله العلاّمة محمد المزي أنه وجد كذا في الموضعين من اليونينية.
- حدّثنا عليّ بن عبد اللّه، حدّثنا سفيان، أخبرنا منصورٌ، عن أبي وائلٍ، عن عبد اللّه قال: كنّا نقول للحيّ إذا كثروا في الجاهليّة أمر بنو فلانٍ.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (أخبرنا منصور) هو ابن المعتمر (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- أنه (قال: كنا نقول للحي) أي للقبيلة (إذا كثروا في الجاهلية أمر) بفتح الهمزة وكسر الميم (بنو فلان).
- حدّثنا الحميديّ، حدّثنا سفيان وقال: أمر.
وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير المكي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (وقال) أي الحميدي عن سفيان (أمر) بكسر الميم كالأول كذا في فرعين لليونينية كالأصل وقال الحافظ ابن حجر وغيره: إن الأولى بكسر الميم والثانية بفتحها وهما لغتان وبالفتح قرأ الجمهور الآية وقرأها ابن عباس بالكسر ويعقوب بمدّ الهمزة وفتح الميم ومجاهد بتشديد الميم من الإمارة والحاصل أن سياق المؤلّف لحديث ابن مسعود لينبه على أن معنى أمرنا في الآية كثرنا مترفيها
وهي لغة حكاها أبو حاتم ونقلها الواحدي عن أهل اللغة وقال أبو عبيدة من أنكرها لم يلتفت إليه لثبوتها في اللغة). [إرشاد الساري: 7/203-204]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذا أردنا أن نهلك قريةً أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحقّ عليها القول فدمّرناها تدميرًا}.
اختلف القرّاء في قراءة قوله {أمرنا مترفيها} فقرأت ذلك عامّة قرّاء الحجاز والعراق {أمرنا} بقصر الألف غير مدّها وتخفيف الميم وفتحها. وإذا قرئ ذلك كذلك، فإنّ الأغلب من تأويله: أمرنا مترفيها بالطّاعة، ففسقوا فيها بمعصيتهم اللّه، وخلافهم أمره، كذلك تأوّله كثيرٌ ممّن قرأه كذلك
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ {أمرنا مترفيها} قال: بطاعة اللّه، فعصوا.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا شريكٌ، عن سلمة، أو غيره، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: أمرنا بالطّاعة فعصوا.
وقد يحتمل أيضًا إذا قرئ كذلك أن يكون معناه: جعلناهم أمراء ففسقوا فيها؛ لأنّ العرب تقول: هو أميرٌ غير مأمورٍ.
وقد كان بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة يقول: قد يتوجّه معناه إذا قرئ كذلك إلى معنى أكثرنا مترفيها، ويحتجّ لتصحيحه ذلك بالخبر الّذي روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: " خير المال مهرةٌ مأمورةٌ أو سكّةٌ مأبورةٌ " ويقول: إنّ معنى قوله: مأمورةٌ: كثيرة النّسل. وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من الكوفيّين ينكر ذلك من قيله، ولا يجيز أمرنا، بمعنى أكثرنا إلاّ بمدّ الألف من أمرنا. ويقول في قوله " مهرةٌ مأمورةٌ ": إنّما قيل ذلك على الاتّباع لمجيء مأبورةٌ بعدها، كما قيل: " ارجعن مأزوراتٍ غير مأجوراتٍ " فهمز مأزوراتٍ لهمز مأجوراتٍ، وهي من وزرت إتباعًا لبعض الكلام بعضًا.
وقرأ ذلك أبو عثمان " أمّرنا " بتشديد الميم، بمعنى الإمارة.
- حدّثنا أحمد بن يوسف، قال: حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن عوفٍ، عن أبي عثمان النّهديّ، أنّه قرأ " أمّرنا " مشدّدةً من الإمارة.
وقد تأوّل هذا الكلام على هذا التّأويل جماعةٌ من أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا عليّ بن داود، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {أمرنا مترفيها} يقول: سلّطنا أشرارها فعصوا فيها، فإذا فعلوا ذلك أهلكتهم بالعذاب، وهو قوله: {وكذلك جعلنا في كلّ قريةٍ أكابر مجرميها ليمكروا فيها}
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا القاسم، قال: سمعت الكسائيّ، يحدّث عن أبي جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، أنّه قرأها: " أمّرنا " وقال: سلّطنا
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن أبي حفصٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، قال: " أمّرنا " مثقّلةً: جعلنا عليها مترفيها: مستكبريها
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه تبارك وتعالى: {" أمرنا مترفيها "} قال: بعثنا.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- وذكر عن الحسن البصريّ أنّه قرأ ذلك ( آمرنا ) بمدّ الألف من أمرنا، بمعنى: أكثرنا فسقتها. وقد وجّه تأويل هذا الحرف إلى هذا التّأويل جماعةٌ من أهل التّأويل، إلاّ أنّ الّذين حدّثونا لم يميّزوا لنا اختلاف القراءات في ذلك، وكيف قرأ ذلك المتأوّلون، إلاّ القليل منهم
ذكر من تأوّل ذلك كذلك
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ قوله: " وإذا أردنا أن نهلك، قريةً أمرنا مترفيها ففسقوا فيها " يقول: أكثرنا عددهم
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا أبو الأحوص، عن سماكٍ، عن عكرمة، قوله: " أمرنا مترفيها " قال: أكثرناهم
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن أبي رجاءٍ، عن الحسن، في قوله {أمرنا مترفيها} قال: أكثرناهم.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله {أمرنا مترفيها} يقول: أكثرنا مترفيها: أي كبراءها
- حدّثنا بشرٌ، قالا: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وإذا أردنا أن نهلك قريةً أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحقّ عليها القول} يقول: أكثرنا مترفيها: أي جبابرتها، ففسقوا فيها وعملوا بمعصية اللّه {فدمّرناها تدميرًا} وكان يقول: إذا أراد اللّه بقومٍ صلاحًا بعث عليهم مصلحًا. وإذا أراد بهم فسادًا بعث عليهم مفسدًا، وإذا أراد أن يهلكها أكثر مترفيها
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة {أمرنا مترفيها} قال: أكثرناهم
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الزّهريّ، قال: دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يومًا على زينب وهو يقول: " لا إله إلاّ اللّه ويلٌ للعرب من شرٍّ قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا " وحلّق بين إبهامه والّتي تليها، قالت: يا رسول اللّه أنهلك وفينا الصّالحون؟ قال: " نعم إذا كثر الخبث "
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {وإذا أردنا أن نهلك قريةً أمرنا مترفيها ففسقوا فيها} قال: ذكر بعض أهل العلم أنّ أمرنا: أكثرنا.
قال: والعرب تقول للشّيء الكثير أمر لكثرته. فأمّا إذا وصف القوم بأنّهم كثروا، فإنّه يقال: أمر بنو فلانٍ، وأمر القوم يأمرون أمرًا، وذلك إذا كثروا وعظم أمرهم، كما قال لبيدٌ:
إن يغبطوا يهبطوا وإن أمروا = يومًا يصيروا للقلّ والنّفد
والأمر المصدر، والاسم الإمر، كما قال اللّه جلّ ثناؤه {لقد جئت شيئًا إمرًا} قال: عظيمًا، وحكي في مثل شرّ إمرٌ: أي كثيرٌ.
وأولى القراءات في ذلك عندي بالصّواب قراءةً من قرأ {أمرنا مترفيها} بقصر الألف من أمرنا وتخفيف الميم منها، لإجماع الحجّة من القرّاء على تصويبها دون غيرها.
وإذا كان ذلك هو الأولى بالصّواب بالقراءة، فأولى التّأويلات به تأويل من تأوّله: أمرنا أهلها بالطّاعة فعصوا وفسقوا فيها فحقّ عليهم القول: لأنّ الأغلب من معنى أمرنا: الأمر الّذي هو خلاف النّهي دون غيره، وتوجيه معاني كلام اللّه جلّ ثناؤه إلى الأشهر الأعرف من معانيه، أولى ما وجد إليه سبيلٌ من غيره.
ومعنى قوله: {ففسقوا فيها}: فخالفوا أمر اللّه فيها، وخرجوا عن طاعته {فحقّ عليها القول} يقول: فوجب عليهم بمعصيتهم اللّه وفسوقهم فيها، وعيد اللّه الّذي أوعد من كفر به وخالف رسله من الهلاك بعد الإعذار والإنذار بالرّسل والحجج {فدمّرناها تدميرًا} يقول: فخرّبناها عند ذلك تخريبًا، وأهلكنا من كان فيها من أهلها إهلاكًا، كما قال الفرزدق:
وكان لهم كبكر ثمود لمّا = رغا ظهرًا فدمّرهم دمارا). [جامع البيان: 14/527-533]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيمنا آدم نا المبارك بن فضالة عن الحسن أمرنا مترفيها ففسقوا فيها قال أكثرنا قال وكانت العرب تقول أمر بنو فلان أي كثر بنو فلان). [تفسير مجاهد: 359]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيمثنا آدم ثنا ورقاء عن عبد الكريم عن مجاهد قال أكثرنا فساقها). [تفسير مجاهد: 359]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيمثنا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله أمرنا مترفيها قال بعثنا). [تفسير مجاهد: 359]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ) عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -:في قوله عز وجل: {أمرنا مترفيها} [الإسراء: 16] قال: كنا نقول للحيّ في الجاهلية - إذا كثروا - قد أمر بنو فلانٍ. أخرجه البخاري.
[شرح الغريب]
(قد أمر بنو فلان) يقال: أمر بنو فلان، أي: كثروا وزادوا). [جامع الأصول: 2/212]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن عبد الله بن شداد رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه رجل فسأله عن ذراري المشركين الذين هلكوا صغارا فوضع رأسه ساعة ثم قال: أين السائل فقال: ها أنا يا رسول الله فقال: إن الله تبارك وتعالى إذا قضى بين أهل الجنة والنار لم يبق غيرهم عجوا فقالوا: اللهم ربنا لم تأتنا رسلك ولم نعلم شيئا فأرسل إليهم ملكا والله أعلم بما كانوا عاملين فقال: إني رسول ربكم إليكم فانطلقوا فاتبعوا حتى أتوا النار فقال: إن الله يأمركم أن تقتحوا فيها فاقتحمت طائفة منهم ثم أخرجوا من حيث لا يشعر أصحابهم فجعلوا في السابقين المقربين ثم جاءهم الرسول فقال: إن الله يأمركم أن تقتحموا في النار فاقتحمت طائفة أخرى ثم خرجوا من حيث لا يشعرون فجعلوا في أصحاب اليمين ثم جاء الرسول فقال: إن الله يأمركم أن تقتحموا في النار فقالوا: ربنا لا طاقة لنا بعذابك فأمر بهم فجمعت نواصيهم وأقدامهم ثم ألقوا في النار والله أعلم). [الدر المنثور: 9/281]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير من طريق ابن جريج عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {أمرنا مترفيها} قال أمروا بالطاعة فعصوا). [الدر المنثور: 9/282]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن شهر بن حوشب رضي الله عنه قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول في قوله: {وإذا أردنا أن نهلك قرية} الآية، قال: {أمرنا مترفيها} بحق فخالفوه فحق عليهم بذلك التدمير). [الدر المنثور: 9/282]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها} قال: سلطنا شرارها فعصوا فيها فإذا فعلوا ذلك أهلكناهم بالعذاب، وهو قوله: {وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها} الأنعام آية 123). [الدر المنثور: 9/282]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطستي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله وجل: {أمرنا مترفيها} قال: سلطنا عليهم الجبابرة فساموهم سوء العذاب، قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم، أما سمعت لبيد بن ربيعة وهو يقول:
إن يعطبوا يبرموا وإن أمروا * يوما يصيروا للهلك والفقد). [الدر المنثور: 9/282-283]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أبي العالية رضي الله عنه كان يقرأ {أمرنا مترفيها} مثقلة، يقول: أمرنا عليهم أمراء). [الدر المنثور: 9/283]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قرأ آمرنا مترفيها يعني بالمد، قال: أكثرنا فساقها). [الدر المنثور: 9/283]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر عن عكرمة رضي الله عنه أنه قرأ {أمرنا مترفيها} قال: أكثرناهم). [الدر المنثور: 9/283]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي الدرداء رضي الله عنه {أمرنا مترفيها} قال: أكثرنا). [الدر المنثور: 9/283]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري، وابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنا نقول للحي إذا كثروا في الجاهلية قد أمروا بني فلان). [الدر المنثور: 9/283]

تفسير قوله تعالى: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (17) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى {وكم أهلكنا من القرون من بعد نوحٍ وكفى بربّك بذنوب عباده خبيرًا بصيرًا}.
وهذا وعيدٌ من اللّه تعالى ذكره مكذّبي رسوله محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم من مشركي قريشٍ، وتهديده لهم بالعقاب، وإعلامٌ منه لهم أنّهم إن لم ينتهوا عمّا هم عليه مقيمون من تكذيبهمٍ رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه محلٌّ بهم سخطه، ومنزلٌ بهم من عقابه ما أنزل بمن قبلهم من الأمم الّذين سلكوا في الكفر باللّه وتكذيب رسله سبيلهم. يقول اللّه تعالى ذكره: وقد أهلكنا أيّها القوم من قبلكم من بعد نوحٍ إلى زمانكم قرونًا كثيرةً كانوا من جحود آيات اللّه والكفر به، وتكذيب رسله، على مثل الّذي أنتم عليه، ولستم بأكرم على اللّه تعالى منهم، لأنّه لا مناسبة بين أحدٍ وبين اللّه جلّ ثناؤه، فيعذّب قومًا بما لا يعذّب به آخرين، أو يعفو عن ذنوب ناسٍ فيعاقب عليها آخرين، يقول جلّ ثناؤه: فأنيبوا إلى طاعة اللّه ربّكم، فقد بعثنا إليكم رسولاً ينبّهكم على حججنا عليكم، ويوقظكم من غفلتكم، ولم نكن لنعذّب قومًا حتّى نبعث إليهم رسولاً منبّهًا لهم على حجج اللّه وأنتم على فسوقكم مقيمون وكفى بربّك يا محمّد بذنوب عباده خبيرًا، يقول: وحسبك يا محمّد باللّه خابرًا بذنوب خلقه عالمًا، فإنّه لا يخفى عليه شيءٌ من أفعال مشركي قومك هؤلاء، ولا أفعال غيرهم من خلقه هو بجميع ذلك عالمٌ خابرٌ بصيرٌ، يقول: يبصر ذلك كلّه فلا يغيب عنه منه شيءٌ، ولا يعزب عنه مثقال ذرّةٍ في الأرض ولا في السّماء، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر.
وقد اختلف في مبلغ مدّة القرن:
- فحدّثنا مجاهد بن موسى، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن أبي محمّد عن زرارة ابن أوفى، قال: القرن: عشرون ومائة سنةٍ، فبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في أوّل قرنٍ كان وآخرهم يزيد بن معاوية.
وقال آخرون: بل هو مائة سنةٍ
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا حسّان بن محمّد بن عبد الرّحمن الحمصيّ أبو الصّلت الطّائيّ، قال: حدّثنا سلامة بن جوّاسٍ، عن محمّد بن القاسم، عن عبد اللّه بن بسرٍ المازنيّ، قال: وضع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يده على رأسه وقال: " سيعيش هذا الغلام قرنًا " قلت: كم القرن؟ قال: " مائة سنةٍ ".
- حدّثنا حسّان بن محمّدٍ، قال: حدّثنا سلامة بن حوّاسٍ، عن محمّد بن القاسم، قال: ما زلنا نعدّ له حتّى تمّت مائة سنةٍ ثمّ مات قال أبو الصّلتٍ: أخبرني سلامة أنّ محمّد بن القاسم هذا كان ختن عبد اللّه بن بسرٍ.
وقال آخرون في ذلك بما؛
- حدّثنا إسماعيل بن موسى الفزاريّ، قال: أخبرنا عمر بن شاكرٍ، عن ابن سيرين، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " القرن أربعون سنةً "
وقوله: {وكفى بربّك} أدخلت الباء في قوله: {بربّك} وهو في محلّ رفعٍ، لأنّ معنى الكلام: وكفاك ربّك، وحسبك ربّك بذنوب عباده خبيرًا، دلالةٌ على المدح، وكذلك تفعل العرب في كلّ كلامٍ كان بمعنى المدح أو الذّمّ، تدخل في الاسم الباء والاسم المدخلة عليه الباء في موضع رفعٍ لتدلّ بدخولها على المدح أو الذّمّ كقولهم: أكرم به رجلاً، وناهيك به رجلاً، وجاد بثوبك ثوبًا، وطاب بطعامكم طعامًا، وما أشبه ذلك من الكلام، ولو أسقطت الباء ممّا دخلت فيه من هذه الأسماء رفعت، لأنّها في محلّ رفعٍ، كما قال الشّاعر:
ويخبرني عن غائب المرء هديه = كفى الهدي عمّا غيّب المرء مخبرا
فأمّا إذا لم يكن في الكلام مدحٌ أو ذمٌّ فلا يدخلون في الاسم الباء، لا يجوز أن يقال: قام بأخيك، وأنت تريد: قام أخوك، إلاّ أن تريد: قام رجلٌ آخر به، وذلك معنى غير المعنى الأوّل). [جامع البيان: 14/533-535]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 27 جمادى الأولى 1434هـ/7-04-2013م, 05:33 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
Post

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وكلّ إنسانٍ ألزمناه طائره في عنقه} [الإسراء: 13] المبارك بن فضالة عن الحسن قال: عمله.
سعيدٌ، عن قتادة مثل ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/121]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وكلّ إنسانٍ ألزمناه طائره...}

وهو عمله، إن خيراً فخيراً وإن شرّا فشرّا {ونخرج له} قرأها يحيى بن وثّاب بالنون وقرأها غيره بالياء مفتوحة: (ويخرج له) طائره، منهم مجاهد والحسن.
وقرأ أبو جعفر المدنيّ (ويخرج... له كتاباً) معناه: ويخرج له عمله كتاباً. وكلٌّ حسن). [معاني القرآن: 2/118]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ألزمناه طائره} أي حظّه). [مجاز القرآن: 1/372]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (ومجاهد وأبو عمرو {ونخرج له يوم القيامة كتابا}.
أبو جعفر {ويخرج له يوم القيامة}.
وقراءة أخرى {ويخرج له}؛ فإذا قال: ويخرج له، أو ويخرج له، فإنما يريد: يخرج عمله كتابا، ويخرج عمله كتابا.
شيبة ونافع {يلقاه منشورا}.
[معاني القرآن لقطرب: 822]
أبو جعفر والجحدري {يلقاه منشورا} ). [معاني القرآن لقطرب: 823]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {ألزمناه طائره} كان أبو عمرو يقول {طائره}: عمله؛ وكان ابن عباس يقول {طائره في عنقه} قال: خيره وشره لا يفارقه؛ و{طائركم معكم} كأنه منه). [معاني القرآن لقطرب: 835]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {طائرة في عنقه}: قالوا كتابة وقالوا عمله). [غريب القرآن وتفسيره: 212]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وكلّ إنسانٍ ألزمناه طائره في عنقه} قال أبو عيدة: حظّه.
وقال المفسّرون: ما عمل من خير أو شر ألزمناه عنقه.
وهذان التفسيران بحتاجان إلى تبيين. والمعنى فيما أرى - واللّه أعلم -: أن لكل امرئ حظا من الخير والشر قد قضاه اللّه عليه. فهو لازم عنقه.
والعرب تقول لكل ما لزم الإنسان: قد لزم عنقه. وهو لازم صليف عنقه.
وهذا لك عليّ وفي عنقي حتى أخرج منه. وإنما قيل للحظ من الخير والشر: طائر، لقول العرب: جرى له الطائر بكذا من الخير، وجرى له الطائر بكذا من الشر، على طريق الفأل والطّيرة، وعلى مذهبهم في تسمية الشيء بما كان له سببا. فخاطبهم اللّه بما يستعملون، وأعلمهم أن ذلك الأمر الذي يجعلونه بالطائر، هو ملزمه أعناقهم.
ونحوه قوله: {ألا إنّما طائرهم عند اللّه}، وكان الحسن وأبو رجاء ومجاهد يقرؤون: {وكلّ إنسانٍ ألزمناه طائره في عنقه} بلا ألف.
والمعنيان جميعا سواء، لأن العرب تقول: جرت له طير الشمال. فالطّير الجماعة، والطائر واحد.
وقوله: {ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً} أراد يخرج بذلك العمل كتابا. ومن قرأ: {ونخرج له يوم القيامة كتاباً}، أراد: ويخرج ذلك العمل كتابا). [تفسير غريب القرآن: 252]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( (ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا }
وفي هذه أربعة أوجه: وتخرج له، ويخرج له، أي ويخرج اللّه له.
ويخرج له. أي ويخرج عمله له يوم القيامة كتابا، وكذلك يخرج له عمله يوم القيامة.
{كتابا يلقاه منشورا} منصوب على الحال). [معاني القرآن: 3/231-230]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه}
روى منصور وابن أبي نجيح وابن جريج عن مجاهد قال عمله وقال الضحاك رزقه وأجله وشقاءه وسعادته
وروى ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس قال طائره ما قدر عليه يكون معه حيثما كان ويزول معه أينما زال
وقيل {طائره} حظه
قال أبو جعفر والمعاني متقاربة إنما هو ما يطير من خير أو شر على التمثيل كما تقول هذا في عنق فلان أي يلزمه كما تلزم القلادة). [معاني القرآن: 4/130-129]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا}
روى جرير بن حازم عن حميد عن مجاهد أنه قرأ ويخرج له يوم القيامة كتابا قال يريد يعني ويخرج له الطائر كتابا أي عمله كتابا
وروى عن مجاهد ويخرج وكذلك قرأ أبو جعفر يزيد بن القعقاع
وقرأ الحسن ويخرج له يوم القيامة كتابا بفتح الياء أيضا
ورويت هذه القراءة عن ابن عباس فإنه قال سيحول عمله كتابا
وقرأ الحسن يلقاه بضم الياء وتشديد القاف). [معاني القرآن: 4/131]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {طائره في عنقه} قال: طائره: عمله من خير أو شر). [ياقوتة الصراط: 306]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {طائره في عنقه} قيل حظه. وقيل: ما عمل من خير وشر). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 136]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {طاَئِرَهُ}: كتابه). [العمدة في غريب القرآن: 180]

تفسير قوله تعالى: {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ونخرج له يوم القيامة كتابًا يلقاه منشورًا {13} اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبًا {14}} [الإسراء: 13-14] سعيدٌ، عن قتادة، قال: سيقرأ يومئذٍ من لم يكن قارئًا في الدّنيا.
- يحيى، عن صاحبٍ له، عن أبان بن أبي عيّاشٍ، عن أبي العالية الرّياحيّ، عن أبيّ بن كعبٍ، قال: يدعى الخلائق يوم القيامة للحساب، فإذا كان الرّجل في الخير رأسًا يدعو إليه، ويأمر به، ويكثر عليه تبعه، دعي باسمه واسم أبيه، فيقوم حتّى إذا دنا أخرج له كتابٌ أبيض بخطٍّ أبيض في باطنه السّيّئات وفي ظهره الحسنات، فيبدأ بالسّيّئات فيقرأها فيشفق ويتغيّر
لونه، فإذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه: هذه سيّئاتك وقد غفرت لك فيفرح، ثمّ يقلّب كتابه فيقرأ حسناته فلا يزداد إلا فرحًا، حتّى إذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه: هذه حسناتك وقد ضعّفت لك فيبيضّ وجهه، ويؤتى بتاجٍ فيوضع على رأسه، ويكسى حلّتين، ويحلّى كلّ مفصلٍ منه، ويطوّل ستّين ذراعًا، وهي قامة آدم، ويعطى كتابه بيمينه، فيقال له: انطلق إلى أصحابك فبشّرهم
وأخبرهم أنّ لكلّ إنسانٍ منهم مثل هذا.
فإذا أدبر قال: {هاؤم اقرءوا كتابيه {19} إنّي ظننت أنّي ملاقٍ حسابيه {20}} [الحاقة: 19-20]، يقول اللّه: {فهو في عيشةٍ راضيةٍ {21} في جنّةٍ عاليةٍ {22} قطوفها دانيةٌ {23}} [الحاقة: 21-23]، فيقول
[تفسير القرآن العظيم: 1/121]
لأصحابه: هل تعرفوني؟ فيقولون: قد غيّرتك كرامة اللّه، من أنت؟ فيقول: أنا فلان بن فلانٍ، ليبشر كلّ رجلٍ منكم بمثل هذا.
وإذا كان في الشّرّ رأسًا يدعو إليه، ويأمر به، ويكثر عليه تبعه، نودي باسمه واسم أبيه، فيتقدّم إلى حسابه، ويخرج له كتابٌ أسود بخطٍّ أسود، في باطنه الحسنات وفي ظهره السّيّئات، فيبدأ بالحسنات فيقرأها فيفرح ويظنّ أنّه سينجو، فإذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه: هذه حسناتك وقد ردّت عليك، فيسودّ وجهه، ويعلوه الحزن، ويقنط من الخير.
ثمّ يقلّب كتابه فيقرأ سيّئاته، فلا يزداد إلا حزنًا ولا يزداد وجهه إلا سوادًا.
فإذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه: هذه سيّئاتك وقد ضعّفت عليك، فيعظّم للنّار حتّى أنّ فخذه ليكون مسيرة أيّامٍ، وجلده مقدار أربعين ذراعًا، وتزرقّ عيناه، ويسودّ لونه، ويكسى سرابيل القطران، ثمّ تخلع كتفه اليسرى فتجعل وراء ظهره، ثمّ يعطى كتابه بشماله، ويقال له: انطلق إلى أصحابك فأخبرهم أنّ لكلّ إنسانٍ منهم مثل هذا.
فينطلق وهو يقول: {يا ليتني لم أوت كتابيه {25} ولم أدر ما حسابيه {26} يا ليتها كانت القاضية {27} ما أغنى عنّي ماليه {28} هلك عنّي سلطانيه {29}} [الحاقة: 25-29].
قال اللّه: {خذوه فغلّوه {30} ثمّ الجحيم صلّوه {31} ثمّ في سلسلةٍ ذرعها سبعون ذراعًا فاسلكوه {32}} [الحاقة: 30-32] فيسلك فيها سبعون ذراعًا، {فاسلكوه} [الحاقة: 32] كما قال اللّه، فيسلك فيها سلكًا تدخل من فيه حتّى تخرج من دبره، فيأتي أصحابه، فيقول: هل تعرفوني؟ فيقولون: ما ندري ولكن قد نرى ما بك من الخزي، فمن أنت؟ فيقول: أنا فلان ابن فلانٍ، إنّ لكلّ إنسانٍ منكم مثل هذا.
ثمّ ينصب للنّاس وتبدو فضائحه حتّى يعيّر، فيتمنّى أن لو قد انطلق به إلى النّار استحياءً ممّا يبدو منه.
قوله: {كفى بنفسك اليوم عليك حسيبًا} [الإسراء: 14] شاهدًا). [تفسير القرآن العظيم: 1/122]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {اقرأ كتابك...}:

فيها - والله أعلم - (يقال) مضمرة. مثل قوله: {ويوم تقوم السّاعة أدخلوا آل فرعون} ومثل قوله: {فأمّا الذين اسودّت وجوههم أكفرتم} المعنى - والله أعلم -: فيقال: أكفرتم). [معاني القرآن: 2/119]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (قوله: {كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً...}
وكلّ ما في القرآن من قوله: {وكفى بربّك} {وكفى بالله} و{كفى بنفسك اليوم} فلو ألقيت الباء كان الحرف مرفوعاً؛ كما قال الشاعر:
ويخبرني عن غائب المرء هديه = كفى الهدي عمّا غيّب المرء مخبرا
وإنما يجوز دخول الباء في المرفوع إذا كان يمدح به صاحبه؛ ألا ترى أنك تقول: كفاك به ونهاك به وأكرم به رجلاً، وبئس به رجلا، ونعم به رجلا،
وطاب بطعامك طعاماً، وجاد بثوبك ثوباً. ولو لم يكن مدحاً أو ذمّا لم يجز دخولها؛ ألا ترى أن الذي يقول: قام أخوك أو قعد أخوك لا يجوز له أن يقول: قام بأخيك ولا قعد بأخيك؛ إلاّ أن يريد قام به غيره وقعد به). [معاني القرآن: 2/120-119]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً} أي كافيا. ويقال: حاسبا ومحاسبا). [تفسير غريب القرآن: 253]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا}
{بنفسك} في موضع رفع، وإن كان مجرورا بالباء، ولو كان في غير القرآن جاز.. كفى بنفسك اليوم حسيبة، والمعنى كفت نفسك حسيبة،
أي إذا كنت تشهد على نفسك فكفاك بهذا.
و{حسيبا} منصوب على التمييز). [معاني القرآن: 3/231]

تفسير قوله تعالى: {مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {من اهتدى فإنّما يهتدي لنفسه ومن ضلّ فإنّما يضلّ عليها} [الإسراء: 15] على نفسه.
{ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى} [الإسراء: 15] لا يحمل أحدٌ ذنب أحدٍ.
قوله: {وما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولا} [الإسراء: 15] تفسير الحسن: لا يعذّب قومًا بالاستئصال حتّى يحتجّ عليهم بالرّسول، كقوله: {وما كان ربّك مهلك القرى حتّى يبعث في أمّها رسولا} [القصص: 59]، وكقوله: {وإن من أمّةٍ إلا خلا فيها نذيرٌ} [فاطر: 24]، يعني: الأمم الّتي أهلك اللّه بالعذاب). [تفسير القرآن العظيم: 1/123]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى} أي ولا تأثم آثمة إثم أخرى أثمته ولم تأثمه الأولى منهما، ومجاز وزرت تزر: مجاز أثمت،

فالمعنى أنه: لا تحمل آثمة إثم أخرى، يقال: وزر هو، ووزّرته أنا). [مجاز القرآن: 1/372]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {لا تزر وازرة وزر أخرى}: لا تحمل آثمة إثم أخرى). [غريب القرآن وتفسيره: 212]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {من اهتدى فإنّما يهتدي لنفسه ومن ضلّ فإنّما يضلّ عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولا }
{ولا تزر وازرة وزر أخرى}
يقال: وزر يزر فهو وازر وزرا، ووزرا، وزرة، ومعناه أثم يأثم إثما.
وفي تأويل هذه الآية وجهان: أحدهما أن الآثم والمذنب، لا يؤخذ بذنبه غيره، والوجه الثاني أنه لا ينبغي للإنسان أن يعمل بالإثم لأن غيره عمله كما قالت الكفار:
{إنّا وجدنا آباءنا على أمّة وإنّا على آثارهم مهتدون}
وقوله: {وما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولا} أي حتى نبين ما به نعذب، وما من أجله ندخل الجنة). [معاني القرآن: 3/231]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} روى معمر عن ابن طاووس عن أبيه عن أبي هريرة
قال إذا كان يوم القيامة جمع الله أهل الفترة والمعتوه والأصم والأبكم والأخرس والشيوخ الذين لم يدركوا الإسلام فأرسل إليهم رسولا أن ادخلوا النار فيقولون كيف ولم يأتنا رسول
قال ولو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما فيرسل الله عليهم رسولا فيطيعه من كان يريد أن يطيعه ثم قرأ أبو هريرة وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا
وقال غيره يوم القيامة ليس بيوم تعبد ولا محنة فيرسل إلى أحد رسول ولكن معنى الآية وما كنا معذبين أحدا في الدنيا بالإهلاك حتى نبعث رسولا). [معاني القرآن: 4/132]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وَازِرةٌ}: وازرةٌ آثمة). [العمدة في غريب القرآن: 181]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وإذا أردنا أن نهلك قريةً أمرنا مترفيها} [الإسراء: 16] سعيدٌ، عن قتادة، قال: أكثرنا جبابرتها.
وقال الحسن: جبابرة المشركين فاتّبعهم السّفلة.
{فحقّ عليها القول} [الإسراء: 16] الغضب.
{فدمّرناها تدميرًا} [الإسراء: 16] وكان ابن عبّاسٍ يقرأها: أمّرنا مثقّلةً، من قبل الإمارة، كقوله: {وكذلك جعلنا في كلّ قريةٍ أكابر مجرميها ليمكروا فيها} [الأنعام: 123] وكان الحسن يقرأها: أمرنا.
قال يحيى: وبلغني أيضًا أنّه من الكثرة.
وبعضهم يقرأها: {أمرنا} [الإسراء: 16]، أي: أمرناهم بالإيمان.
[تفسير القرآن العظيم: 1/123]
{ففسقوا فيها} [الإسراء: 16] أشركوا ولم يؤمنوا). [تفسير القرآن العظيم: 1/124]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {أمرنا مترفيها...}

قرأ الأعمش وعاصم ورجال من أهل المدينة {أمرنا} خفيفة، ... حدثني سفيان بن عيينة عن حميد الأعرج عن مجاهد {أمرنا} خفيفة.
وفسّر بعضهم {أمرنا مترفيها} بالطاعة {ففسقوا} أي إن المترف إذا أمر بالطاعة خالف إلى الفسوق. وفي قراءة أبيّ بن كعب {بعثنا فيها أكابر مجرميها} وقرأ الحسن {آمرنا}
وروى عنه {أمرنا} ولا ندري أنها حفظت عنه لأنا لا نعرف معناها ها هنا. ومعنى (آمرنا) بالمدّ: أكثرنا. وقرأ أبو العالية الرياحي {أمّرنا مترفيها} وهو موافق لتفسير ابن عباس،
وذلك أنه قال: سلّطنا رؤساءها ففسقوا فيها). [معاني القرآن: 2/119]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وإذا أردنا أن نهلك قريةً آمرنا مترفيها} أي أكثرنا مترفيها وهي من قولهم: قد أمر بنو فلان، أي كثروا فخرج على تقدير قولهم: علم فلان، وأعلمته أنا ذلك،
قال لبيد:

كلّ بني حرّةٍ قصارهم= قلٌّ وإن أكثرت من العدد
إن يغبطوا يهبطوا وإن أمروا= يوماً يصيروا للهلك والنّفد
وبعضهم يقرؤها: أمرنا مترفيها على تقدير أخذنا وهي في معنى أكثرنا وآمرنا غير أنها لغة؛ أمرنا: أكثرنا ترك المد ومعناه أمرنا، ثم قالوا: مأمورة من هذا، فإن احتج محتج
فقال هي من أمرت فقل كان ينبغي أن يكون آمرة ولكنهم يتركون إحدى الهمزتين، وكان ينبغي أن يكون آمرة ثم طولوا ثم حذفوا (ولأمرنّهم) فلم يمدوها قال الأثرم:
وقول أبي عبيدة في مأمورة لغة وقول أصحابنا قياس وزعم يونس عن أبي عمرو أنه قال: لا يكون هذا وقد قالت العرب: خير المال نخلة مأبورة ومهرة مأمورة أي كثيرة الولد.
وله موضع آخر مجازه: أمرنا ونهينا في قول بعضهم وثقله بعضهم فجعل معناه أنهم جعلوا أمراء.
{فحقّ عليها القول} أي فوجب عليها العذاب). [مجاز القرآن: 1/374-372]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها} مثل أكلنا؛ يكون معناه أمرناهم بالطاعة ففسقوا؛ كقولك: أمرتك فعصيتني.
ويكون على معنى آخر: كثرنا مترفيها.
وفي قراءة ابن أبي إسحاق {آمرنا} على أفعلنا؛ تكون من أمر القوم، يأمرون أمرًا كثروا، فتكون أفعلنا من ذلك؛ أي كثرناهم.
مجاهد وأبو عمرو {أمرنا} من الأمر.
قراءة أبي العالية "أمرنا مترفيها" بالتثقيل يريد سلطنا وكثرنا، وقد تكون معناها في القياس؛ يريد كثرنا؛ من أمر القوم، وقالوا: تعرف في مالك إمرته؛ أي السمن والنماء؛ وفي مثل للعرب "الشر أمر" أي زائد ينمي ويكثر.
وقال زهير:
والإثم من شر ما يصال به = والبر كالغيث نبته أمر
وقال لبيد:
إن يغبطوا يهطبوا وإن أمروا = يوما يصيروا للهلك والنكد
وقال الراجز:
أم جوار ضنؤها غير أمر = صهصلق الصوت بعينيها الصبر
ضنأت المرأة: كثر ولدها). [معاني القرآن لقطرب: 823]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {أمرنا مترفيها}: قالوا من الأمر، أمرناهم بالطاعة ففسقوا
وقد قرئت أمرنا على معنى كثرنا وحكوا: أمرنا في معنى كثرنا ومن ذلك " خير المال سكة مأبورة ومهرة مأمورة".
{فحق عليها}: أي وجب عليها). [غريب القرآن وتفسيره: 213-212]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وإذا أردنا أن نهلك قريةً أمرنا مترفيها} أي أكثرنا مترفيها.
يقال: أمرت الشيء وأمرته، أي كثرته. تقدير فعّلت وأفعلت، ومنه قولهم: مهرة مأمورة، أي كثيرة النّتاج. ويقال: أمر بنو فلان يأمرون أمرا، إذا كثروا.
وبعض المفسرين يذهب إلى أنه من الأمر. يقول: نأمرهم بالطاعة ونفرض عليهم الفرائض، فإذا فسقوا حقّ عليهم القول، أي وجب.
ومن قرأ: {أمرنا} فهو من الإمارة. أي جعلناهم أمراء.
وقرأ أقوام: آمرنا بالمد. وهي اللغة العالية المشهورة. أي كثّرنا). [تفسير غريب القرآن: 253]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحقّ عليها القول فدمّرناها تدميرا }
تقرأ أمرنا مخففة على تقدير فعلنا، وتقرأ آمرنا مترفيها على تقدير أفعلنا.
ويقرأ أمّرنا - بتشديد الميم -، فأما من قرأ بالتخفيف فهو من الأمر، المعنى أمرناهم بالطاعة ففسقوا.
فإن قال قائل: ألست تقول: أمرت زيدا فضرب عمرا، فالمعنى أنك أمرته أن يضرب عمرا فضربه، فهذا اللفظ لا يدل على غير الضرب، ومثل قوله: أمرنا مترفيها ففسقوا فيها.
من الكلام: أمرتك فعصيتني.
فقد علم أن المعصية مخالفة الأمر، وكذلك الفسق مخالفة أمر اللّه جل ثناؤه.
وقد قيل: إنّما معنى أمرنا مترفيها كثّرنا مترفيها، والدليل علي هذا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - " خير المال سكّة مأبورة ومهرة مأمورة ".
أي مكثرة، والعرب تقول قد أمر بنو فلان إذا كثروا.
قال الشاعر:
إن يغبطو يهبطوا وإن أمروا= يوما يصيروا للهلك والنّفد
ويروى بالنقد - بالقاف - ومن قرأ آمرنا فتأويله أكثرنا، والكثرة ههنا يصلح أن يكون شيئين، أحدهما أن يكثر عدد المترفين، والآخر أن تكثر جدتهم ويسارهم.
ومن قرأ أمّرنا بالتشديد، فمعناه سلّطنا مترفيها أي جعلنا لهم إمرة وسلطانا). [معاني القرآن: 3/232-231]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها} يقرأ هذا الحرف على وجوه
روى عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ أمرنا بالقصر والتخفيف وكذلك يروي عن ابن عباس
وروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قرأ أمرنا مترفيها وكذلك قرأ أبو عثمان النهدي وأبو العالية وقرأ الحسن والأعرج وابن أبي إسحاق آامرنا مترفيها
وروى أمرنا مترفيها على فعلنا عن ابن عباس هذه القراءة أيضا
قال أبو جعفر من قرأ أمرنا مترفيها ففي قراءته ثلاثة أقوال
أحدها وأثبتها ما قاله ابن جريج وزعم أنه قول ابن عباس وهو أن المعنى أمرناهم بالطاعة ففسقوا
قال محمد بن يزيد قد علم أن الله عز وجل لا يأمر إلا بالعدل والإحسان كما قال تعالى: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} فقد علم أن المعنى أمرنا مترفيها بالطاعة فعصوا
قال مجاهد مترفوها فساقها وقال أبو العالية مستكبروها والمعنى أمرناهم بالطاعة والفاسق إذا أمر بالطاعة عصى فعصوا فحق عليهم القول بالعصيان أي وجب
والقول الثاني في معنى أمرنا قال معمر عن قتادة قال أمرنا أكثرنا
قال الكسائي يجوز أن يكون أمرنا بمعنى أمرنا من الإمارة وأنكر أن يكون أمرنا بمعنى أكثرنا وقال لا يقال في هذا إلا أمرنا
قال أبو جعفر وهذا القول الثالث أعني قول الكسائي ينكره أهل اللغة
وقد حكى أبو زيد وأبو عبيدة أنه يقال أمرنا بمعنى أكثرنا ويقوي ذلك الحديث المرفوع خير المال سكة مأبورة ومهرة مأمورة والسكة المأبورة النخل الملقح والمهرة المأمورة الكثيرة النتاج
فأما معنى {أمرنا} ففيه قولان: أحدهما رواه معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال أمرنا سلطنا وكذلك قال أبو عثمان النهدي
وروى وكيع عن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية أنه قرأ أمرنا مثقلة أي سلطنا مستكبريها
والقول الثاني رواه الكسائي عن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية أمرنا أي أكثرنا وليس بمبعد ما رواه الكسائي ويكون مثل سمن الدابة وسمنته وأسنمته
قال أبو جعفر وهذا أولى قال جل وعز: {ففسقوا فيها} فوصف أنهم جماعة والقرية الواحدة لا توصف إن فيها جماعة أمراء
إن قيل يكون واحدا فقد قيل وهذا خصوص والهلاك بالكثرة فتكثر المعاصي فأما معنى ءآمرنا فأكثرنا كذلك
قال الحسن ويحتمل معنى آمرنا أكثرنا عدهم وأكثرنا يسارهم وحقيقة أمر كثرت أملاكه من مال أو غير ذلك من حالة ومن لقد جئت شيئا إمرا
قال الكسائي عظيما وقال هارون في قراءة أبي وإذا أردنا أن نهلك قرية بعثنا فيها أكابر مجرميها فمكروا فيها فحق عليها القول
فأما معنى آمرنا فلا يكاد يعرف لأنه إنما يقال أمر القوم إذا كثروا وآمرهم الله أي أكثرهم ولا يعرف أمرهم الله). [معاني القرآن: 4/138-133]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {مترفيها} قال: المترف: الملك، وقيل: المنعم: أمرناهم بالطاعة، فعصوا). [ياقوتة الصراط: 306]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أَمَرْنا}: كثرنا.
{حَقَّ عليها}: وجب عليها). [العمدة في غريب القرآن: 181]

تفسير قوله تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (17)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وكم أهلكنا من القرون من بعد نوحٍ وكفى بربّك بذنوب عباده خبيرًا بصيرًا} [الإسراء: 17] وهي كقوله: {ألم يأتكم نبأ الّذين من قبلكم قوم نوحٍ وعادٍ وثمود والّذين من بعدهم لا يعلمهم إلا اللّه جاءتهم رسلهم بالبيّنات} [إبراهيم: 9] إلى آخر الآية). [تفسير القرآن العظيم: 1/124]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
(وقوله: {وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربّك بذنوب عباده خبيرا بصيرا }

أي أهلكنا عددا كبيرا من القرون، بأنواع العذاب، نحو قوم لوط وعاد وثمود ومن ذكر اسمه وقرونا بين ذلك كثيرا.
وموضع (كم) النصب بقوله {أهلكنا} ). [معاني القرآن: 3/233]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 27 جمادى الأولى 1434هـ/7-04-2013م, 06:38 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
Post

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) }
قال أبو زكريا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (والعُنُق مؤنثة في قول أهل الحجاز؛ يقولون: ثلاث أعناق، ويصغرونها على عنيقة). [المذكور والمؤنث: 64]
قال عبدُ الملكِ بنُ قُرَيبٍ الأصمعيُّ (ت: 216هـ) : (ثم العنق ويقال العنق بضمتين، وهو العنق، والجيد، والهادي، والتليل، والرقبة، والكرد يقال اضرب كرده، قال الأصمعي الكرد فارسي كأنه من قولهم كردن، قال الشاعر:

واضرب بحد السيف عظم كرده
قال الأصمعي: الجيد اسم يقع على طول العنق يقال رجل أجيد وامرأة جيداء). [خلق الإنسان: 198]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وتقول: نحن قومٌ ننطلق عامدين بلد كذا، وكذا فتنصب عامدين لما في قولك ننطلق. فإن أردت أن تجريه على قوم رفعت. وقد قرأوا هذه الآية: {ويخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً}، أي يخرج له طائره كتابا). [المقتضب: 3/261]

تفسير قوله تعالى: {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14) }

تفسير قوله تعالى: {مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15) }

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16) }
قال أبو عبيدةَ مَعمرُ بنُ المثنَّى التيمي (ت:209هـ): (
وذبي عن أعراضهم كل مترف = وجدي إذا كان القيام على رِجْل
كل مترف: كل متكبر). [نقائض جرير والفرزدق: 137]
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((خير المال سكة مأبورة وفرس مأمورة))، وبعضهم يقول: ((مهرة مأمورة)).
...
وأما الفرس أو المهرة المأمورة، فإنها الكثيرة النتاج، وفيها لغتان: أمرها الله فهي مأمورة، وآمرها –ممدودة- فهي مؤمرة.
وقد قرأ بعضهم: {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها} غير ممدود، فقد يكون هذا من الأمر يروى عن الحسن أنه فسرها: أمرناهم بالطاعة فعصوا.
وقد يكون «أمرنا» بمعنى أكثرنا وعلى هذا قال: فرس مأمورة، ومن قرأ: «آمرنا»، فمدها فليس معناها إلا أكثرنا.
ومن قرأ: (أمَّرنا) –مشددة- فهو من التسليط، يقول: سلطنا
ويقال في الكلام قد أمر القوم يأمرون إذا كثروا، وهو من قوله: فرس مأمورة). [غريب الحديث: 3/369-370]
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): (في قوله الله تعالى: {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} قال: يقال: أمَّرنا من الإمارة، وآمَرْنا من الأمر. أكثرنا، وقد سمعوا أيضًا أَمَرْنا خفيف بلا مدٍ: أكثرنا. وأَمِرْنا: كثرنا في أنفسنا، ولا يجوز في القراءة). [مجالس ثعلب: 541]

قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (أمروا: أكثروا وقد آمرهم الله أي: كثرهم). [شرح المفضليات: 608]
قال أبو عليًّ إسماعيلُ بنُ القاسمِ القَالِي (ت: 356هـ) : (مطلب الكلام على مادة أمر وتفسير قوله تعالى: {وإذا أردنا أن نهلك قريةً أمرنا مترفيها} [الإسراء: 16]
وأنشدنا أبو زيد:
أم جوارٍ ضنؤها غير أمر
ضنؤها: نسلها.
وأمر المال وغيره يأمر أمرة وأمرًا إذا كثر قال الشاعر:
والإثم من شر ما يصال به = والبر كالغيث نبته أمر
ويقال في مثل: في وجه مالك تعرف أمرته، وأمرته، أي نماءه وكثرته، وقال الله تعالى: {وإذا أردنا أن نهلك قريةً أمرنا مترفيها} [الإسراء: 16] أي كثرنا، وقال أبو عبيدة: يقال: خير المال سكة مأبورة، أو مهرة مأمورة، فالمأمورة: الكثيرة الولد، من آمرها الله، أي كثرها، وكان ينبغي أن يقال: مؤمرة، ولكنه أتبع مأبورة.
والسكة: السطر من النخل، وقال الأصمعي: السكة: الحديدة التي يفلح بها الأرضون.
والمأبورة: المصلحة، يقال: أبرت النخل آبره أبرا إذا لقحته وأصلحته.
وقد قرئ أمرنا مترفيها، على مثال فعلنا.
أخبرنا القالي عن ابن كيسان أنه قد يقال: أمره بمعنى آمره يكون فيه لغتان، فعل وأفعل). [الأمالي: 1/103]

تفسير قوله تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (17) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 14 ذو القعدة 1439هـ/26-07-2018م, 05:42 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 14 ذو القعدة 1439هـ/26-07-2018م, 05:42 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 14 ذو القعدة 1439هـ/26-07-2018م, 05:44 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وكل إنسان ألزمناه طائره} في الآية. قوله: "كل" منصوب بفعل مقدر، وقرأ الحسن وأبو رجاء، وابن مجاهد "طيره في عنقه". قال ابن عباس رضي الله عنهما: "طائره": ما قدر عليه وله، وخاطب الله تبارك وتعالى العرب في هذه الآية بما تعرف، وذلك أنه كان من عادتها التيمن والتشاؤم بالطير في كونها سانحة وبارحة، وكثر ذلك حتى فعلته بالظباء وحيوان الفلوات، وسمت كل ذلك تطيرا، وكانت تعتقد أن تلك الطيرة قاضية بما يلقى الإنسان من خير وشر، فأخبرهم الله تعالى في هذه الآية في أوجز لفظ وأبلغ إشارة أن جميع ما يلقى الإنسان من خير أو شر قد سبق به القضاء، وألزم حظه وعمله وتكسبه في عنقه، وذلك في قوله عز وجل: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه}، فعبر عن الحظ والعمل -إذ هما متلازمان- بالطائر)، قاله مجاهد وقتادة، بحسب معتقد العرب في التطير، وقولهم في أمور: "على الطائر الميمون"، و"بأسعد طائر"، ومنه ما طار في المحاجة والسهم، كقول أم العلا الأنصارية: "فطار لنا من القادمين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة عثمان بن مظعون "، أي: كان ذلك حظنا،
[المحرر الوجيز: 5/449]
وأصل هذا كله من الطير التي تقضي عندهم بلقاء الخير والشر، وأبطل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا عدوى ولا طيرة)".
وقوله تعالى: {في عنقه} جرى أيضا على مقطع العرب في أن تنسب ما كان إلزاما، وقلادة، وأمانة، ونحو هذا -إلى العنق، كقولهم: "دمي في عنق فلان" وكقول الأعشى:
قلدتك الشعر يا سلامة ذا الـ ... تفضال، والشيء حيثما جعلا
وهذا كثير، ونحوه جعلهم ما كان تكسبا وجناية وإثما منسوبا إلى اليد; إذ هي الأصل في التكسب.
وقرأ أبو جعفر، ونافع، والناس: "ونخرج" بنون العظمة "كتابا" بالنصب، وقرأ الحسن، ومجاهد، وابن محيصن: "يخرج" بفتح الياء وضم الراء على الفعل المستقبل "كتابا"، أي طائره الذي كنى به عن عمله يخرج له ذا كتاب. وقرأ الحسن -من هؤلاء: "كتاب" بالرفع، وقرأ أبو جعفر أيضا: "ويخرج" بضم الياء وفتح الراء- على ما لم يسم فاعله. "كتابا"، أي: طائره. وقرأ أيضا: "كتاب"، وقرأت فرقة: "ويخرج" بضم الياء وكسر الراء، أي: يخرج الله، وفي مصحف أبي بن كعب: "في عنقه يقرؤه
[المحرر الوجيز: 5/450]
يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا". وهذا الكتاب هو عمل الإنسان وخطيئاته.
وقرأ الجمهور: "يلقاه" بفتح الياء وسكون اللام وخفة القاف، وقرأ ابن عامر وحده: "يلقاه" بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف، وهي قراءة الحسن بخلاف- وأبي جعفر الجحدري). [المحرر الوجيز: 5/451]

تفسير قوله تعالى: {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله: {اقرأ كتابك} حذف من الكلام "يقال له" اختصارا لدلالة الظاهر عليه. و"الحسيب": الحاسب، ونصبه على التمييز، وأسند الطبري، عن الحسن أنه قال: "يا ابن آدم، بسطت لك صحيفة، ووكل بك ملكان كريمان، أحدهما عن يمينك يكتب حسناتك، والآخر عن شمالك يحفظ سيآتك، فاملك ما شئت أو أقلل أو أكثر، حتى إذا مت طويت صحيفتك فجعلت في عنقك معك في قبرك، حتى تخرج يوم القيامة كتابا تلقاه منشورا، اقرأ كتابك، كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا، قد عدل والله فيك من جعلك حسيب نفسك".
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
فعلى هذه الألفاظ التي ذكر الحسن يكون الطائر ما يتحصل مع آدم من عمله في قبره، فتأمل لفظه، وهذا هو قول ابن عباس رضي الله عنهما. وقال قتادة في قوله تعالى: {اقرأ كتابك}: إنه سيقرأ يومئذ من لم يكن يقرأ). [المحرر الوجيز: 5/451]

تفسير قوله تعالى: {مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا}
معنى هذه الآية أن كل أحد إنما يحاسب عن نفسه لا عن غيره، وروي أن سببها أن الوليد بن المغيرة المخزومي قال لأهل مكة: اكفروا بمحمد -صلى الله عليه وسلم- وإثمكم علي، فنزلت هذه الآية، أي: إن الوليد لا يحمل آثامكم، وإنما إثم كل
[المحرر الوجيز: 5/451]
واحد عليه. وقالت فرقة: نزلت الإشارة في الهدى إلى أبي سلمة بن عبد الأسد، والإشارة بالضلال إلى الوليد بن المغيرة.
و"وزر" معناه: حمل، و"الوزر": الثقل، ومنه: وزير السلطان، أي: الذي يحمل ثقل دولته، وبهذه الآية نزعت عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها في الرد على من قال: إن الميت يعذب ببكاء الحي عليه، ونكتة ذلك المعنى إنما هي أن التعذيب إنما يقع إذا كان البكاء من سنة الميت وتسببه، كما كانت العرب تفعل.
وقوله تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}، قالت فرقة هي الجمهور: هذا في حكم الدنيا، أي إن الله لا يهلك أمة بعذاب إلا من بعد الرسالة إليهم والإنذار، وقالت فرقة: هذا عام في الدنيا والآخرة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وتلخيص هذا المعنى أن مقصد الآية في هذا الموضع الإعلام بعبادة الله تعالى مع الأمم في الدنيا، وبهذا يقرب الوعيد من كفار مكة. ويؤيد هذا ما يجيء بعد من وصفه ما يكون عند إرادة الله إهلاك قرية، ومن إعلامه بكثرة ما أهلك من القرون، ومع هذا فالظاهر من كتاب الله تعالى في غير هذا الموضع، ومن النظر، أن الله تعالى لا يعذب
[المحرر الوجيز: 5/452]
في الآخرة إلا بعد بعثة الرسل، كقوله تعالى: {كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى}، وظاهر "كلما" الحصر، وكقوله تعالى: {وإن من أمة إلا خلا فيها نذير}، وأما من جهة النظر فإن بعثة آدم عليه السلام بالتوحيد، وبعث المعتقدات في بنيه، ونصب الأدلة الدالة على الصانع، مع سلامة البصر، يوجب على كل أحد من العالم الإيمان واتباع شريعة الله، ثم تجدد ذلك في مدة نوح عليه السلام بعد غرق الكفار، وهذه الآية أيضا يعطي احتمال ألفاظها نحو هذا، ويجوز مع الفرض وجود قوم لم تصلهم رسالة، ومنهم أهل الفترات الذين قد قدر وجودهم بعض أهل العلم، وأما ما روي من أن الله تعالى يبعث إليهم يوم القيامة وإلى المجانين والأطفال، فحديث لم يصح، ولا يقتضيه ما تقضيه الشريعة من أن الآخرة ليست دار تكليف). [المحرر الوجيز: 5/453]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وإذا أردنا أن نهلك قرية} الآية. في مصحف أبي "بعثنا أكابر مجرميها"، و"القرية": المدينة المجتمعة، مأخوذ من: قريت الماء في الحوض، إذا جمعته، وليست من "قرأ" الذي هو مهموز، وإن كان فيهما جميعا معنى الجمع. وقرأ الجمهور: أمرنا" على صيغة الماضي، من: أمر ضد نهى، وقرأ نافع، وابن كثير -في بعض ما روي عنهما-: "آمرنا" بمد الهمزة، بمعنى: كثرنا، ورويت عن الحسن، وهي قراءة علي بن أبي طالب، وابن عباس بخلاف عنه-، وعن الأعرج، وقرأ بها ابن أبي إسحاق، وتقول العرب: "أمر القوم" إذا كثروا، وآمرهم الله تعالى فيتعدى بالهمزة. وقرأ أبو عمرو بخلاف-: "أمرنا" بتشديد الميم، وهي قراءة أبي عثمان النهدي، وأبي العالية، وابن عباس رضي الله عنهما، ورويت عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وقال الطبري: القراءة الأولى معناها: أمرناهم بالطاعة فعصوا وفسقوا فيها، وهو قول ابن عباس، وابن جبير، والثانية معناها: كثرناهم، والثالثة هي من الإمارة، أي: ملكناهم على الناس.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
قال أبو علي الفارسي: "الجيد في "أمرنا" أن تكون بمعنى: كثرنا، يتعدى الفعل
[المحرر الوجيز: 5/453]
بلفظ غير متعد، كما تقول: رجع ورجعته، وشترت عينه وشترتها، فتقول: أمر القوم وأمرهم الله، أي كثرهم، و"آمرنا" مبالغة في "أمرنا" بالهمزة، و"أمرنا" مبالغة فيه بالتضعيف، ولا وجه لكون "أمرنا" من الإمارة; لأن رياستهم لا تكون إلا واحدا بعد واحد، والإهلاك إنما يكون في مدة واحد منهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وينفصل عن هذا الذي قاله أبو علي بأن الأمر وإن كان يعم المترف وغيره، فخص المترف بالذكر إذ فسقه هو المؤثر في فساد القرية وهم عظم الضلالة وسواهم تبع لهم. وأما "أمرنا" من الإمارة فمتوجه على وجهين: أحدهما أن لا يريد إمارة الملك، بل كونهم يأمرون ويؤتمر لهم; فإن العرب تقول لمن يأمر الإنسان -وإن لم يكن ملكا-: هو أمير، ومنه قول الأعشى:
إذا كان هادي الفتى في البلا ... د صدر القناة أطاع الأميرا
ومنه قول معاوية لعمر رضي الله عنه حين أمره بالاستقادة من لطمة عمرو بن العاص: إن علي أميرا لا أقطع أمرا دونه، أراد معاوية أباه، وأراد الأعشى أنه إذا شاخ الإنسان وعمي واهتدى بالعصا أطاع كل من يأمره، ومنه قول الآخر:
والناس يلحون الأمير إذ هم ... خطئوا الصواب ولا يلام المرشد
[المحرر الوجيز: 5/454]
وأيضا فلو أراد إمارة الملك في الآية لحسن المعنى; لأن الأمة إذا ملك الله عليها مترفا ففسق، ثم ولي مثله بعده، ثم كذلك، عظم الفساد وتوالى الكفر واستحقوا العذاب فنزل بهم على الرجل الأخير من ملوكهم، وقرأ الحسن، ويحيى بن يعمر: "أمرنا" بكسر الميم، وحكاها النحاس عن ابن عباس رضي الله عنهما، ولا أتحقق وجها لهذه القراءة; إلا إن كان "أمر القوم" يتعدى بلفظه، فإن العرب تقول: "أمر بنو فلان" إذا كثروا، ومنه قول لبيد:
إن يغبطوا يهبطوا وإن أمروا ... يوما يصيروا للقل والنفد
ومنه: (لقد أمر أمر ابن أبي كبشة)، ورد الفراء هذه القراءة، وقد حكي "أمر" متعديا عن أبي زيد الأنصاري، و"المترف" الغني من المال المتنعم، والترفة: النعمة، وفي مصحف أبي بن كعب: "قرية بعثنا أكابر مجرميها فمكروا فيها"، وقوله تعالى: {فحق عليها القول} أي وعيد الله لها الذي قاله رسولهم. و"التدمير": الإهلاك مع طمس الآثار وهدم البناء، ومنه قول الفرزدق:
وكان لهم كبكر ثمود لما ... رغا دهرا فدمرهم دمارا). [المحرر الوجيز: 5/455]

تفسير قوله تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (17)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وكم أهلكنا من القرون} الآية، "كم" في موضع نصب بـ "أهلكنا"، وهذا الذكر لكثرة من أهلك الله من القرون مثال لقريش ووعيد، أي: لستم ببعيد مما حصلوا فيه من العذاب إذا أنتم كذبتم نبيكم، واختلف الناس في القرن -فقال ابن سيرين عن النبي صلى الله عليه وسلم: أربعون، وقيل غير هذا مما هو قريب منه، وقال عبد الله بن أبي أوفى: القرن مائة وعشرون سنة، وقالت طائفة: القرن مائة سنة، وهذا هو الأصح الذي يعضده الحديث في قوله صلى الله عليه وسلم: "خير الناس قرني". وروى محمد بن القاسم في ختنه عبد الله بن بسر قال: وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على رأسي وقال: "سيعيش هذا الغلام قرنا"، قلت: كم القرن؟ قال: "مائة سنة"، قال محمد بن القاسم: فما زلنا نعد له حتى أكمل مائة سنة، ومات رحمه الله، والباء في قوله تعالى: "بربك" زائدة، والتقدير: كفى بربك، وهذه الباء إنما تجيء في الأغلب في مدح أو ذم، وكأنها تعطي معنى: اكتف بربك، أي: ما أكفاه في هذا، وقد تجيء "كفى" بدون باء، كقول الشاعر:
[المحرر الوجيز: 5/456]
كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا
وكقول الآخر:
ويخبرني عن غائب المرء هديه ... كفى الهدي عما غيب المرء مخبرا). [المحرر الوجيز: 5/457]

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 29 ذو الحجة 1439هـ/9-09-2018م, 04:22 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 29 ذو الحجة 1439هـ/9-09-2018م, 04:28 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وكلّ إنسانٍ ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابًا يلقاه منشورًا (13) اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبًا (14)}
يقول تعالى بعد ذكر الزّمان وذكر ما يقع فيه من أعمال بني آدم: {وكلّ إنسانٍ ألزمناه طائره في عنقه} وطائره: هو ما طار عنه من عمله، كما قال ابن عبّاسٍ ومجاهدٌ وغير واحدٍ: من خيرٍ وشرٍّ، يلزم به ويجازى عليه {فمن يعمل مثقال ذرّةٍ خيرًا يره ومن يعمل مثقال ذرّةٍ شرًّا يره} [الزّلزلة: 5، 6]، وقال تعالى: {عن اليمين وعن الشّمال قعيدٌ ما يلفظ من قولٍ إلا لديه رقيبٌ عتيدٌ} [ق: 17، 18]،وقال تعالى: {وإنّ عليكم لحافظين كرامًا كاتبين يعلمون ما تفعلون إنّ الأبرار لفي نعيمٍ وإنّ الفجّار لفي جحيمٍ} [الانفطار: 10 -14]، قال: {إنّما تجزون ما كنتم تعملون} [الطّور: 16] وقال: {من يعمل سوءًا يجز به} [النّساء: 123].
والمقصود أنّ عمل ابن آدم محفوظٌ عليه، قليله وكثيره، ويكتب عليه ليلًا ونهارًا، صباحًا ومساءً.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا قتيبة، حدّثنا ابن لهيعة، عن أبى الزّبير، عن جابرٍ: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "لطائر كلّ إنسانٍ في عنقه". قال ابن لهيعة: يعني الطّيرة.
وهذا القول من ابن لهيعة في تفسير هذا الحديث، غريبٌ جدًّا، واللّه أعلم.
وقوله [تعالى] {ونخرج له يوم القيامة كتابًا يلقاه منشورًا} أي: نجمع له عمله كلّه في كتابٍ يعطاه يوم القيامة، إمّا بيمينه إن كان سعيدًا، أو بشماله إن كان شقيًّا {منشورًا} أي: مفتوحًا يقرؤه هو وغيره، فيه جميع عمله من أوّل عمره إلى آخره {ينبّأ الإنسان يومئذٍ بما قدّم وأخّر بل الإنسان على نفسه بصيرةٌ ولو ألقى معاذيره} [القيامة: 13 -15]، ولهذا قال تعالى: {اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبًا} أي: إنّك تعلم أنّك لم تظلم ولم يكتب عليك غير ما عملت؛ لأنّك ذكرت جميع ما كان منك، ولا ينسى أحدٌ شيئًا ممّا كان منه، وكلّ أحدٍ يقرأ كتابه من كاتبٍ وأمّيٍّ.
وقوله [تعالى] {ألزمناه طائره في عنقه} إنّما ذكر العنق؛ لأنّه عضوٌ لا نظير له في الجسد، ومن ألزم بشيءٍ فيه فلا محيد له عنه، كما قال الشّاعر:.
اذهب بها اذهب بها = طوّقتها طوق الحمامة
قال قتادة، عن جابر بن عبد اللّه، رضي اللّه عنه عن نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "لا عدوى ولا طيرة وكلّ إنسانٍ ألزمناه طائره في عنقه". كذا رواه ابن جريرٍ.
وقد رواه الإمام عبد بن حميدٍ، رحمه اللّه، في مسنده متّصلًا فقال: حدّثنا الحسن بن موسى، حدّثنا ابن لهيعة، عن أبي الزّبير، عن جابرٍ [رضي اللّه عنه] قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول: "طير كلّ عبدٍ في عنقه".
وقال الإمام أحمد: حدّثنا عليّ بن إسحاق، حدّثنا عبد اللّه، حدّثنا ابن لهيعة، حدّثني يزيد: أنّ أبا الخير حدّثه: أنّه سمع عقبة بن عامرٍ [رضي اللّه عنه] يحدّث، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "ليس من عمل يومٍ إلّا وهو يختم عليه، فإذا مرض المؤمن قالت الملائكة: يا ربّنا، عبدك فلانٌ، قد حبسته؟ فيقول الرّبّ جلّ جلاله: اختموا له على مثل عمله، حتّى يبرأ أو يموت".
إسناده جيّدٌ قويٌّ، ولم يخرّجوه.
وقال معمر، عن قتادة: {ألزمناه طائره في عنقه} قال: عمله. {ونخرج له يوم القيامة} قال: نخرج ذلك العمل {كتابًا يلقاه منشورًا} قال معمرٌ: وتلا الحسن البصريّ {عن اليمين وعن الشّمال قعيدٌ} [ق: 17] يا ابن آدم، بسطت لك صحيفتك ووكل بك ملكان كريمان، أحدهما عن يمينك والآخر عن يسارك فأمّا الّذي عن يمينك فيحفظ حسناتك، وأمّا الّذي عن يسارك فيحفظ سيّئاتك، فاعمل ما شئت، أقلل أو أكثر، حتّى إذا متّ طويت صحيفتك فجعلت في عنقك معك في قبرك، حتّى تخرج يوم القيامة كتابًا تلقاه منشورًا {اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبًا} قد عدل -واللّه -عليك من جعلك حسيب نفسك.
هذا من حسن كلام الحسن، رحمه اللّه). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 50-52]

تفسير قوله تعالى: {مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({من اهتدى فإنّما يهتدي لنفسه ومن ضلّ فإنّما يضلّ عليها ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى وما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولًا (15)}
يخبر تعالى أنّ من اهتدى واتّبع الحقّ واقتفى آثار النّبوّة، فإنّما يحصّل عاقبة ذلك الحميدة لنفسه {ومن ضلّ} أي: عن الحقّ، وزاغ عن سبيل الرّشاد، فإنّما يجني على نفسه، وإنّما يعود وبال ذلك عليه.
ثمّ قال: {ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى} أي: لا يحمل أحدٌ ذنب أحدٍ، ولا يجني جانٍ إلّا على نفسه، كما قال تعالى: {وإن تدع مثقلةٌ إلى حملها لا يحمل منه شيءٌ} [فاطرٍ: 18].
ولا منافاة بين هذا وبين قوله تعالى: {وليحملنّ أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم} [العنكبوت: 13]، وقوله [تعالى] {ومن أوزار الّذين يضلّونهم بغير علمٍ} [النّحل: 25]، فإنّ الدّعاة عليهم إثم ضلالهم في أنفسهم، وإثمٌ آخر بسبب ما أضلّوا من أضلّوا من غير أن ينقص من أوزار أولئك، ولا يحملوا عنهم شيئًا. وهذا من عدل اللّه ورحمته بعباده.
وكذا قوله تعالى: {وما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولا} إخبارٌ عن عدله تعالى، وأنّه لا يعذّب أحدًا إلّا بعد قيام الحجّة عليه بإرسال الرّسول إليه، كما قال تعالى: {كلّما ألقي فيها فوجٌ سألهم خزنتها ألم يأتكم نذيرٌ قالوا بلى قد جاءنا نذيرٌ فكذّبنا وقلنا ما نزل اللّه من شيءٍ إن أنتم إلا في ضلالٍ كبيرٍ} [الملك: 8، 9]، وكذا قوله [تعالى]: {وسيق الّذين كفروا إلى جهنّم زمرًا حتّى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسلٌ منكم يتلون عليكم آيات ربّكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقّت كلمة العذاب على الكافرين} [الزّمر: 71]، وقال تعالى: {وهم يصطرخون فيها ربّنا أخرجنا نعمل صالحًا غير الّذي كنّا نعمل أولم نعمّركم ما يتذكّر فيه من تذكّر وجاءكم النّذير فذوقوا فما للظّالمين من نصيرٍ} [فاطر: 37]
إلى غير ذلك من الآيات الدّالّة على أنّ اللّه تعالى لا يدخل أحدًا النّار إلّا بعد إرسال الرّسول إليه، ومن ثمّ طعن جماعةٌ من العلماء في اللّفظة الّتي جاءت مقحمةً في صحيح البخاريّ عند قوله تعالى: {إنّ رحمة اللّه قريبٌ من المحسنين} [الأعراف: 56].
حدّثنا عبيد اللّه بن سعدٍ، حدّثنا يعقوب، حدّثنا أبي، عن صالح بن كيسان، عن الأعرج بإسناده إلى أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "اختصمت الجنّة والنّار" فذكر الحديث إلى أن قال: "وأمّا الجنّة فلا يظلم اللّه من خلقه أحدًا، وأنّه ينشئ للنّار خلقًا فيلقون فيها، فتقول: هل من مزيدٍ؟ ثلاثًا، وذكر تمام الحديث.
فإنّ هذا إنّما جاء في الجنّة لأنّها دار فضلٍ، وأمّا النّار فإنّها دار عدلٍ، لا يدخلها أحدٌ إلّا بعد الإعذار إليه وقيام الحجّة عليه. وقد تكلّم جماعةٌ من الحفّاظ في هذه اللّفظة وقالوا: لعلّه انقلب على الرّاوي بدليل ما أخرجاه في الصّحيحين واللّفظ للبخاريّ من حديث عبد الرّزّاق عن معمر، عن همّامٍ، عن أبي هريرة قال: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "تحاجّت الجنّة والنّار" فذكر الحديث إلى أن قال: "فأمّا النّار فلا تمتلئ حتّى يضع فيها قدمه، فتقول: قطٍ، قطٍ، فهنالك تمتلئ ويزوي بعضها إلى بعضٍ، ولا يظلم اللّه من خلقه أحدًا، وأمّا الجنّة فينشئ اللّه لها خلقًا".
بقي هاهنا مسألةٌ قد اختلف الأئمّة رحمهم اللّه تعالى، فيها قديمًا وحديثًا وهي: الولدان الّذين ماتوا وهم صغارٌ وآباؤهم كفّارٌ، ماذا حكمهم؟ وكذا المجنون والأصمّ والشّيخ الخرف، ومن مات في الفترة ولم تبلغه الدّعوة. وقد ورد في شأنهم أحاديث أنا ذاكرها لك بعون اللّه [تعالى] وتوفيقه ثمّ نذكر فصلًا ملخّصًا من كلام الأئمّة في ذلك، واللّه المستعان.
فالحديث الأوّل: عن الأسود بن سريع:
قال الإمام أحمد: حدّثنا عليّ بن عبد اللّه، حدّثنا معاذ بن هشامٍ، حدّثنا أبي، عن قتادة، عن الأحنف بن قيسٍ، عن الأسود بن سريعٍ [رضي اللّه عنه] أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "أربعةٌ يحتجّون يوم القيامة: رجلٌ أصمّ لا يسمع شيئًا، ورجلٌ أحمق، ورجلٌ هرمٌ، ورجلٌ مات في فترةٍ، فأمّا الأصمّ فيقول: ربّ، قد جاء الإسلام وما أسمع شيئًا، وأمّا الأحمق فيقول: ربّ، قد جاء الإسلام والصّبيان يحذفوني بالبعر، وأمّا الهرم فيقول: ربّ، لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئًا،
وأمّا الّذي مات في الفترة فيقول: ربّ، ما أتاني لك رسولٌ. فيأخذ مواثيقهم ليطعنّه فيرسل إليهم أن ادخلوا النّار، فوالّذي نفس محمّدٍ بيده لو دخلوها لكانت عليهم بردًا وسلامًا".
وبالإسناد عن قتادة، عن الحسن، عن أبي رافعٍ، عن أبي هريرة، مثل هذا الحديث غير أنّه قال في آخره: "من دخلها كانت عليه بردًا وسلامًا، ومن لم يدخلها يسحب إليها".
وكذا رواه إسحاق بن راهويه، عن معاذ بن هشامٍ، ورواه البيهقيّ في كتاب الاعتقاد، من حديث حنبل بن إسحاق، عن عليّ بن عبد اللّه المدينيّ، به وقال: هذا إسنادٌ صحيحٌ، وكذا رواه حمّاد بن سلمة، عن عليّ بن زيدٍ، عن أبي رافعٍ، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أربعةٌ كلّهم يدلي على اللّه بحجّةٍ" فذكر نحوه.
ورواه ابن جريرٍ، من حديث معمر، عن همّامٍ، عن أبي هريرة، فذكره موقوفًا، ثمّ قال أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم: {وما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولا}.
وكذا رواه معمرٌ عن عبد اللّه بن طاوسٍ، عن أبيه، عن أبي هريرة موقوفًا.
الحديث الثّاني: عن أنس بن مالكٍ:
قال أبو داود الطّيالسيّ: حدّثنا الرّبيع، عن يزيد بن أبانٍ قال: قلنا لأنسٍ: يا أبا حمزة، ما تقول في أطفال المشركين؟ فقال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لم يكن لهم سيّئاتٌ فيعذّبوا بها فيكونوا من أهل النّار، ولم يكن لهم حسناتٌ فيجازوا بها فيكونوا من ملوك أهل الجنّة هم من خدم أهل الجنّة".
الحديث الثّالث: عن أنسٍ أيضًا:
قال الحافظ أبو يعلى: حدّثنا أبو خيثمة، حدّثنا جريرٌ، عن ليث، عن عبد الوارث، عن أنسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "يؤتى بأربعةٍ يوم القيامة: بالمولود، والمعتوه، ومن مات في الفترة، والشّيخ الفاني الهرم، كلّهم يتكلّم بحجّته، فيقول الرّبّ تبارك وتعالى لعنقٍ من النّار: ابرز. ويقول لهم: إنّي كنت أبعث إلى عبادي رسلًا من أنفسهم، وإنّي رسول نفسي إليكم ادخلوا هذه. قال: فيقول من كتب عليه الشّقاء: يا ربّ، أنّى ندخلها ومنها كنّا نفرّ؟ قال: ومن كتبت عليه السّعادة يمضي فيقتحم فيها مسرعًا، قال: فيقول اللّه تعالى: أنتم لرسلي أشدّ تكذيبًا ومعصيةً، فيدخل هؤلاء الجنة، وهؤلاء النار".
وهكذا رواه الحافظ أبو بكرٍ البزّار، عن يوسف بن موسى، عن جرير بن عبد الحميد، بإسناده مثله.
الحديث الرّابع: عن البراء بن عازبٍ، رضي اللّه عنه:
قال الحافظ أبو يعلى الموصليّ في مسنده أيضًا: حدّثنا قاسم بن أبي شيبة، حدّثنا عبد اللّه.
-يعني ابن داود-عن عمر بن ذرٍّ، عن يزيد بن أميّة، عن البراء قال: سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن أطفال المسلمين قال: "هم مع آبائهم". وسئل عن أولاد المشركين فقال: "هم مع آبائهم". فقيل: يا رسول اللّه، ما يعملون؟ قال: "اللّه أعلم بهم".
ورواه عمر بن ذرٍّ، عن يزيد بن أميّة، عن رجلٍ، عن البراء، عن عائشة، فذكره.
الحديث الخامس: عن ثوبان:
قال الحافظ أبو بكرٍ أحمد بن عمرٍو بن عبد الخالق البزّار في مسنده: حدّثنا إبراهيم بن سعيدٍ الجوهريّ، حدّثنا ريحان بن سعيدٍ، حدّثنا عبّاد بن منصورٍ، عن أيّوب، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان؛ أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عظّم شأن المسألة، قال: "إذا كان يوم القيامة، جاء أهل الجاهليّة يحملون أوثانهم على ظهورهم فيسألهم ربّهم، فيقولون: ربّنا لم ترسل إلينا رسولًا ولم يأتنا لك أمرٌ، ولو أرسلت إلينا رسولًا لكنّا أطوع عبادك، فيقول لهم ربّهم: أرأيتم إن أمرتكم بأمرٍ تطيعوني؟ فيقولون: نعم، فيأمرهم أن يعمدوا إلى جهنّم فيدخلوها، فينطلقون حتّى إذا دنوا منها وجدوا لها تغيّظًا وزفيرًا، فرجعوا إلى ربّهم فيقولون: ربّنا أخرجنا -أو: أجرنا-منها، فيقول لهم: ألم تزعموا أنّي إن أمرتكم بأمرٍ تطيعوني؟ فيأخذ على ذلك مواثيقهم. فيقول: اعمدوا إليها، فادخلوها.
فينطلقون حتّى إذا رأوها فرقوا ورجعوا، فقالوا: ربّنا فرقنا منها، ولا نستطيع أن ندخلها فيقول: ادخلوها داخرين". فقال نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لو دخلوها أوّل مرّةٍ كانت عليهم بردًا وسلامًا". ثمّ قال البزّار: ومتن هذا الحديث غير معروفٍ إلّا من هذا الوجه، لم يروه عن أيّوب إلّا عبّادٌ، ولا عن عبّادٍ إلّا ريحان بن سعيدٍ.
قلت: وقد ذكره ابن حبّان في ثقاته، وقال يحيى بن معينٍ والنّسائيّ: لا بأس به، ولم يرضه أبو داود. وقال أبو حاتمٍ: شيخٌ لا بأس به يكتب حديثه ولا يحتجّ به.
الحديث السّادس: عن أبي سعيدٍ-سعد بن مالك بن سنانٍ الخدريّ:
قال الإمام محمّد بن يحيى الذّهلي: حدّثنا سعيد بن سليمان، عن فضيل بن مرزوقٍ، عن عطيّة، عن أبي سعيدٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "الهالك في الفترة والمعتوه والمولود: يقول الهالك في الفترة: لم يأتني كتابٌ، ويقول المعتوه: ربّ، لم تجعل لي عقلًا أعقل به خيرًا ولا شرًّا، ويقول المولود: ربّ لم أدرك العقل فترفع لهم نارٌ فيقال لهم: ردوها"، قال: فيردها من كان في علم اللّه سعيدًا لو أدرك العمل، ويمسك عنها من كان في علم اللّه شقيًّا لو أدرك العمل، فيقول: إيّاي عصيتم، فكيف لو أنّ رسلي أتتكم؟ ".
وكذا رواه البزّار، عن محمّد بن عمر بن هيّاج الكوفيّ، عن عبيد اللّه بن موسى، عن فضيل بن مرزوقٍ، به ثمّ قال: لا يعرف من حديث أبي سعيدٍ إلّا من طريقه، عن عطيّة عنه، وقال في آخره: "فيقول اللّه: إيّاي عصيتم فكيف برسلي بالغيب؟ "
الحديث السّابع: عن معاذ بن جبلٍ، رضي اللّه عنه:
قال هشام بن عمّار ومحمّد بن المبارك الصّوريّ حدّثنا عمر بن واقدٍ، عن يونس بن حلبسٍ، عن أبي إدريس الخولانيّ، عن معاذ بن جبلٍ، عن نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "يؤتى يوم القيامة بالممسوخ عقلًا وبالهالك في الفترة، وبالهالك صغيرًا. فيقول الممسوخ: يا ربّ، لو آتيتني عقلًا ما كان من آتيته عقلًا بأسعد منّي -وذكر في الهالك في الفترة والصّغير نحو ذلك-فيقول الرّبّ عزّ وجلّ: إنّي آمركم بأمرٍ فتطيعوني؟ فيقولون: نعم، فيقول: اذهبوا فادخلوا النّار -قال: ولو دخلوها ما ضرّتهم-فتخرج عليهم قوابص، فيظنّون أنّها قد أهلكت ما خلق اللّه من شيءٍ، فيرجعون سراعًا، ثمّ يأمرهم الثّانية فيرجعون كذلك، فيقول الرّبّ عزّ وجلّ: قبل أن أخلقكم علمت ما أنتم عاملون، وعلى علمي خلقتكم، وإلى علمي تصيرون، ضمّيهم، فتأخذهم النّار".
الحديث الثّامن: عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه:
قد تقدّم روايته مندرجةٌ مع رواية الأسود بن سريعٍ، رضي اللّه عنه:
وفي الصّحيحين، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "كلّ مولودٍ يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه وينصّرانه ويمجّسانه، كما تنتج البهيمة بهيمةً جمعاء، هل تحسّون فيها من جدعاء؟ ".
وفي روايةٍ قالوا: يا رسول اللّه، أفرأيت من يموت صغيرًا؟ قال: "اللّه أعلم بما كانوا عاملين".
وقال الإمام أحمد: حدّثنا موسى بن داود، حدّثنا عبد الرّحمن بن ثابتٍ، عن عطاء بن قرّة، عن عبد اللّه بن ضمرة، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم -فيما أعلم، شكّ موسى-قال: "ذراريّ المسلمين في الجنّة، يكفلهم إبراهيم عليه السّلام ".
وفي صحيح مسلمٍ، عن عياض بن حمارٍ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، عن اللّه، عزّ وجلّ، أنّه قال: "إنّي خلقت عبادي حنفاء" وفي روايةٍ لغيره "مسلمين".
الحديث التّاسع: عن سمرة، رضي اللّه عنه:
رواه الحافظ أبو بكرٍ البرقانيّ في كتابه "المستخرج على البخاريّ" من حديث عوفٍ الأعرابيّ، عن أبي رجاءٍ العطارديّ، عن سمرة، رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "كلّ مولودٍ يولد على الفطرة" فناداه النّاس: يا رسول اللّه، وأولاد المشركين؟ قال: "وأولاد المشركين".
وقال الطّبرانيّ: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد، حدّثنا عقبة بن مكرمٍ الضّبّي، عن عيسى بن شعيبٍ، عن عبّاد بن منصورٍ، عن أبي رجاء، عن سمرة قال: سألنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن أطفال المشركين فقال: "هم خدم أهل الجنّة".
الحديث العاشر: عن عمّ حسناء.
قال [الإمام] أحمد: [حدّثنا إسحاق، يعني الأزرق]، أخبرنا روح، حدّثنا عوفٌ، عن حسناء بنت معاوية من بني صريمٍ قالت: حدّثني عمّي قال: قلت: يا رسول اللّه، من في الجنّة؟ قال: "النّبيّ في الجنّة، والشّهيد في الجنّة، والمولود في الجنّة، والوئيد في الجنّة".
فمن العلماء من ذهب إلى التّوقّف فيهم لهذا الحديث، ومنهم من جزم لهم بالجنّة، لحديث سمرة بن جندبٍ في صحيح البخاريّ: أنّه عليه الصّلاة والسّلام قال في جملة ذلك المنام، حين مرّ على ذلك الشّيخ تحت الشّجرة وحوله ولدانٌ، فقال له جبريل: هذا إبراهيم، عليه السّلام، وهؤلاء أولاد المسلمين وأولاد المشركين، قالوا: يا رسول اللّه، وأولاد المشركين؟. قال "نعم، وأولاد المشركين".
ومنهم من جزم لهم بالنّار، لقوله عليه السّلام: "هم مع آبائهم".
ومنهم من ذهب إلى أنّهم يمتحنون يوم القيامة في العرصات، فمن أطاع دخل الجنّة وانكشف علم اللّه فيهم بسابق السّعادة، ومن عصى دخل النّار داخرًا، وانكشف علم الله فيه بسابق الشقاوة.
وهذا القول يجمع بين الأدلّة كلّها، وقد صرّحت به الأحاديث المتقدّمة المتعاضدة الشّاهد بعضها لبعضٍ. وهذا القول هو الّذي حكاه الشّيخ أبو الحسن عليّ بن إسماعيل الأشعريّ، رحمه اللّه، عن أهل السّنّة والجماعة، وهو الّذي نصره الحافظ أبو بكرٍ البيهقيّ في "كتاب الاعتقاد" وكذلك غيره من محقّقي العلماء والحفّاظ النّقّاد.
وقد ذكر الشّيخ أبو عمر بن عبد البرّ النّمري بعد ما تقدّم من أحاديث الامتحان، ثمّ قال: وأحاديث هذا الباب ليست قويّةً، ولا تقوم بها حجّةٌ وأهل العلم ينكرونها؛ لأنّ الآخرة دار جزاءٍ وليست دار عملٍ ولا ابتلاءٍ، فكيف يكلّفون دخول النّار وليس ذلك في وسع المخلوقين، واللّه لا يكلّف نفسًا إلّا وسعها؟!
والجواب عمّا قال: أنّ أحاديث هذا الباب منها ما هو صحيحٌ، كما قد نصّ على ذلك غير واحدٍ من أئمّة العلماء، ومنها ما هو حسنٌ، ومنها ما هو ضعيفٌ يقوى بالصّحيح والحسن. وإذا كانت أحاديث الباب الواحد متعاضدةً على هذا النّمط، أفادت الحجّة عند النّاظر فيها، وأمّا قوله: "إنّ الآخرة دار جزاءٍ". فلا شكّ أنّها دار جزاءٍ، ولا ينافي التّكليف في عرصاتها قبل دخول الجنّة أو النّار، كما حكاه الشّيخ أبو الحسن الأشعريّ عن مذهب أهل السّنّة والجماعة، من امتحان الأطفال، وقد قال اللّه تعالى: {يوم يكشف عن ساقٍ ويدعون إلى السّجود} [ن: 42] وقد ثبتت السّنّة في الصّحاح وغيرها: أنّ المؤمنين يسجدون للّه يوم القيامة، وأمّا المنافق فلا يستطيع ذلك ويعود ظهره طبقًا واحدًا كلّما أراد السّجود خرّ لقفاه.
وفي الصّحيحين في الرّجل الّذي يكون آخر أهل النّار خروجًا منها أنّ اللّه يأخذ عهوده ومواثيقه ألّا يسأل غير ما هو فيه، ويتكرّر ذلك مرارًا، ويقول اللّه تعالى: يا ابن آدم، ما أغدرك! ثمّ يأذن له في دخول الجنّة.
وأمّا قوله: "وكيف يكلّفهم دخول النّار، وليس ذلك في وسعهم؟ " فليس هذا بمانعٍ من صحّة الحديث، فإنّ اللّه يأمر العباد يوم القيامة بالجواز على الصّراط، وهو جسرٌ على جهنّم أحدّ من السّيف وأدقّ من الشّعرة، ويمرّ المؤمنون عليه بحسب أعمالهم، كالبرق، وكالرّيح، وكأجاويد الخيل والرّكاب، ومنهم السّاعي ومنهم الماشي، ومنهم من يحبو حبوًا، ومنهم المكدوش على وجهه في النّار، وليس ما ورد في أولئك بأعظم من هذا بل هذا أطمّ وأعظم، وأيضًا فقد ثبتت السّنّة بأنّ الدّجّال يكون معه جنّةٌ ونارٌ، وقد أمر الشّارع المؤمنين الّذين يدركونه أن يشرب أحدهم من الّذي يرى أنّه نارٌ، فإنّه يكون عليه بردًا وسلامًا، فهذا نظير ذلك، وأيضًا فإنّ اللّه تعالى [قد] أمر بني إسرائيل أن يقتلوا أنفسهم، فقتل بعضهم بعضًا حتّى قتلوا فيما قيل في غداةٍ واحدةٍ سبعين ألفًا، يقتل الرّجل أباه وأخاه وهم في عمايةٍ غمامةٍ أرسلها اللّه عليهم، وذلك عقوبةٌ لهم على عبادتهم العجل، وهذا أيضًا شاقٌّ على النّفوس جدًّا لا يتقاصر عمّا ورد في الحديث المذكور، والله أعلم.
فصلٌ
فإذا تقرّر هذا، فقد اختلف النّاس في ولدان المشركين على أقوالٍ:
أحدها: أنّهم في الجنّة، واحتجّوا بحديث سمرة أنّه، عليه السّلام رأى مع إبراهيم أولاد المسلمين وأولاد المشركين وبما تقدّم في رواية أحمد عن حسناء عن عمّها أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "والمولود في الجنّة". وهذا استدلالٌ صحيحٌ، ولكن أحاديث الامتحان أخصّ منه. فمن علم اللّه [عزّ وجلّ] منه أنّه يطيع جعل روحه في البرزخ مع إبراهيم وأولاد المسلمين الّذين ماتوا على الفطرة، ومن علم منه أنّه لا يجيب، فأمره إلى اللّه تعالى، ويوم القيامة يكون في النّار كما دلّت عليه أحاديث الامتحان، ونقله الأشعريّ عن أهل السّنّة [والجماعة] ثمّ من هؤلاء القائلين بأنّهم في الجنّة من يجعلهم مستقلّين فيها، ومنهم من يجعلهم خدمًا لهم، كما جاء في حديث عليّ بن زيدٍ، عن أنسٍ، عند أبي داود الطّيالسيّ وهو ضعيفٌ، واللّه أعلم.
القول الثّاني: أنّهم مع آبائهم في النّار، واستدلّ عليه بما رواه الإمام أحمد بن حنبلٍ عن أبي المغيرة حدّثنا عتبة بن ضمرة بن حبيبٍ، حدّثني عبد اللّه بن أبى قيسٍ مولى غطيف، أنّه أتى عائشة فسألها عن ذراريّ الكفّار فقالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "هم تبعٌ لآبائهم". فقلت: يا رسول اللّه، بلا عملٍ؟ فقال: "اللّه أعلم بما كانوا عاملين".
وأخرجه أبو داود من حديث محمّد بن حربٍ، عن محمّد بن زيادٍ الألهانيّ، سمعت عبد اللّه بن أبي قيسٍ سمعت، عائشة تقول: سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن ذراريّ المؤمنين قال: "هم من آبائهم". قلت: فذراريّ المشركين؟ قال: "هم مع آبائهم" قلت: بلا عملٍ؟ قال: "اللّه أعلم بما كانوا عاملين".
ورواه [الإمام] أحمد أيضًا، عن وكيعٍ، عن أبي عقيل يحيى بن المتوكّل -وهو متروكٌ-عن مولاته بهيّة عن عائشة؛ أنّها ذكرت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أطفال المشركين فقال: "إن شئت أسمعتك تضاغيهم في النّار".
وقال عبد اللّه بن الإمام أحمد: حدّثنا عثمان بن أبي شيبة، عن محمّد بن فضيل بن غزوان، عن محمّد بن عثمان، عن زاذان عن عليٍّ، رضي اللّه عنه، قال: سألت خديجة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن ولدين لها ماتا في الجاهليّة فقال: "هما في النّار". قال: فلمّا رأى الكراهية في وجهها [قال] لو رأيت مكانهما لأبغضتهما". قالت: فولدي منك؟ قال: [قال: "في الجنّة". قال: ثمّ قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم].
"إنّ المؤمنين وأولادهم في الجنّة، وإنّ المشركين وأولادهم في النّار" ثمّ قرأ: {والّذين آمنوا واتّبعتهم ذرّيّتهم بإيمانٍ [ألحقنا بهم ذرّيّتهم]} [الطّور: 21].
وهذا حديثٌ غريبٌ؛ فإنّ محمّد بن عثمان هذا مجهول الحال، وشيخه زاذان لم يدرك عليًّا، واللّه أعلم.
وروى أبو داود من حديث ابن أبي زائدة، عن أبيه، عن الشّعبيّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "الوائدة والموءودة في النّار". ثمّ قال الشّعبيّ: حدّثني به علقمة، عن أبي وائلٍ، عن ابن مسعودٍ.
وقد رواه جماعةٌ عن داود بن أبي هندٍ، عن الشّعبيّ، عن علقمة، عن سلمة بن قيسٍ الأشجعيّ قال: أتيت أنا وأخي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقلنا: إنّ أمّنا ماتت في الجاهليّة، وكانت تقري الضّيف وتصل الرّحم، وأنّها وأدت أختًا لنا في الجاهليّة لم تبلغ الحنث. فقال: "الوائدة والموءودة في النّار، إلّا أن تدرك الوائدة الإسلام، فتسلم". وهذا إسنادٌ حسنٌ.
والقول الثّالث: التّوقّف فيهم، واعتمدوا على قوله صلّى اللّه عليه وسلّم: "اللّه أعلم بما كانوا عاملين". وهو في الصّحيحين من حديث جعفر بن أبي إياسٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن أولاد المشركين قال: اللّه أعلم بما كانوا عاملين" وكذلك هو في الصّحيحين، من حديث الزّهريّ، عن عطاء بن يزيد، وعن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: أنّه سئل عن أطفال المشركين، فقال: "اللّه أعلم بما كانوا عاملين".
ومنهم من جعلهم من أهل الأعراف. وهذا القول يرجع إلى قول من ذهب إلى أنّهم من أهل الجنّة؛ لأنّ الأعراف ليس دار قرارٍ، ومآل أهلها إلى الجنّة كما تقدّم تقرير ذلك في "سورة الأعراف"، واللّه أعلم.
فصلٌ
وليعلم أنّ هذا الخلاف مخصوصٌ بأطفال المشركين، فأمّا ولدان المؤمنين فلا خلاف بين العلماء كما حكاه القاضي أبو يعلى بن الفرّاء الحنبليّ، عن الإمام أحمد أنّه قال: لا يختلف فيهم أنّهم من أهل الجنّة. وهذا هو المشهور بين النّاس، وهو الّذي نقطع به إن شاء اللّه، عزّ وجلّ. فأمّا ما ذكره الشّيخ أبو عمر بن عبد البرّ، عن بعض العلماء: أنّهم توقّفوا في ذلك، وأنّ الولدان كلهم تحت شيئة اللّه، عزّ وجلّ. قال أبو عمر: ذهب إلى هذا القول جماعةٌ من أهل الفقه والحديث منهم: حمّاد بن زيدٍ، وحمّاد بن سلمة، وابن المبارك، وإسحاق بن راهويه وغيرهم قالوا: وهو يشبه ما رسم مالكٌ في موطّئه في أبواب القدر، وما أورده من الأحاديث في ذلك، وعلى ذلك أكثر أصحابه. وليس عن مالكٍ فيه شيءٌ منصوصٌ، إلّا أنّ المتأخّرين من أصحابه ذهبوا إلى أنّ أطفال المسلمين في الجنّة وأطفال المشركين خاصّةً في المشيئة انتهى كلامه وهو غريبٌ جدًّا.
وقد ذكر أبو عبد اللّه القرطبيّ في كتاب "التّذكرة" نحو ذلك أيضًا، واللّه أعلم.
وقد ذكروا في ذلك حديث عائشة بنت طلحة، عن عائشة أمّ المؤمنين قالت: دعي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى جنازة صبيٍّ من الأنصار، فقلت: يا رسول اللّه، طوبى له عصفورٌ من عصافير الجنّة لم يعمل السّوء ولم يدركه، فقال: "أو غير ذلك يا عائشة، إنّ اللّه خلق الجنّة وخلق لها أهلًا وهم في أصلاب آبائهم، وخلق النّار وخلق لها أهلًا وهم في أصلاب آبائهم". رواه أحمد مسلم وأبو داود والنّسائيّ وابن ماجه.
ولمّا كان الكلام في هذه المسألة يحتاج إلى دلائل صحيحةٍ جيّدةٍ، وقد يتكلّم فيها من لا علم عنده عن الشّارع، كره جماعةٌ من العلماء الكلام فيها، روي ذلك عن ابن عبّاسٍ، والقاسم بن محمّد بن أبي بكرٍ الصديق، ومحمد بن الحنفيّة وغيرهم. وأخرج ابن حبّان في صحيحه، عن جرير بن حازمٍ سمعت أبا رجاءٍ العطاردي، سمعت ابن عبّاسٍ وهو على المنبر يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لا يزال أمر هذه الأمّة مواتيًا -أو مقاربًا-ما لم يتكلّموا في الولدان والقدر".
قال ابن حبّان: يعني أطفال المشركين.
وهكذا رواه أبو بكرٍ البزّار من طريق جرير بن حازمٍ، به. ثمّ قال: وقد رواه جماعةٌ عن أبي رجاءٍ، عن ابن عبّاسٍ موقوفًا). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 52-61]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإذا أردنا أن نهلك قريةً أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحقّ عليها القول فدمّرناها تدميرًا (16)}
اختلف القرّاء في قراءة قوله: {أمرنا} فالمشهور قراءة التّخفيف، واختلف المفسّرون في معناها، فقيل: معناها أمرنا مترفيها ففسقوا فيها أمرًا قدريًّا، كقوله تعالى: {أتاها أمرنا ليلا أو نهارًا} [يونس: 24]، فإنّ اللّه لا يأمر بالفحشاء، قالوا: معناه: أنّه سخّرهم إلى فعل الفواحش فاستحقّوا العذاب.
وقيل: معناه: أمرناهم بالطّاعات ففعلوا الفواحش فاستحقّوا العقوبة. رواه ابن جريجٍ عن ابن عبّاسٍ، وقاله سعيد بن جبيرٍ أيضًا.
وقال ابن جريرٍ: وقد يحتمل أن يكون معناه جعلناهم أمراء.
قلت: إنّما يجيء هذا على قراءة من قرأ "أمّرنا مترفيها" قال عليّ بن طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: {أمرنا مترفيها ففسقوا فيها} يقول: سلّطنا أشرارها فعصوا فيها، فإذا فعلوا ذلك أهلكتهم بالعذاب، وهو قوله: {وكذلك جعلنا في كلّ قريةٍ أكابر مجرميها ليمكروا فيها} [الأنعام: 123]، وكذا قال أبو العالية ومجاهدٌ والرّبيع بن أنسٍ.
وقال العوفي عن ابن عبّاسٍ: {وإذا أردنا أن نهلك قريةً أمرنا مترفيها ففسقوا فيها} يقول: أكثرنا عددهم، وكذا قال عكرمة، والحسن، والضّحّاك، وقتادة، وعن مالكٍ عن الزّهريّ: {أمرنا مترفيها}: أكثرنا.
وقد استشهد بعضهم بالحديث الذي رواه الإمام أحمد حيث قال: حدّثنا روح بن عبادة، حدّثنا أبو نعامة العدويّ، عن مسلم بن بديل، عن إياس بن زهيرٍ، عن سويد بن هبيرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: خير مال امرئٍ له مهرةٌ مأمورةٌ أو سكّةٌ مأبورةٌ".
قال الإمام أبو عبيدٍ القاسم بن سلّامٍ، رحمه اللّه، في كتابه "الغريب": المأمورة: كثيرة النّسل. والسّكّة: الطّريقة المصطفّة من النّخل، والمأبورة: من التّأبير، وقال بعضهم: إنّما جاء هذا متناسبًا كقوله: "مأزوراتٍ غير مأجوراتٍ").[تفسير القرآن العظيم: 5/ 61-62]

تفسير قوله تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (17)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وكم أهلكنا من القرون من بعد نوحٍ وكفى بربّك بذنوب عباده خبيرًا بصيرًا (17)}
يقول تعالى منذرًا كفّار قريشٍ في تكذيبهم رسوله محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم بأنّه قد أهلك أممًا من المكذّبين للرّسل من بعد نوحٍ، ودلّ هذا على أنّ القرون الّتي كانت بين آدم ونوحٍ على الإسلام، كما قاله ابن عبّاسٍ: كان بين آدم ونوحٍ عشرة قرونٍ كلّهم على الإسلام.
ومعناه: أنّكم أيّها المكذّبون لستم أكرم على اللّه منهم، وقد كذّبتم أشرف الرّسل وأكرم الخلائق، فعقوبتكم أولى وأحرى.
وقوله [تعالى] {وكفى بربّك بذنوب عباده خبيرًا بصيرًا} أي: هو عالمٌ بجميع أعمالهم، خيرها وشرّها، لا يخفى عليه منها خافية [سبحانه وتعالى]). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 62]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:55 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة